ج 37 من كتاب البداية والنهاية
البداية والنهاية
تأليف: عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (774 هـ).
تحقيق: عبدالله عبدالمحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات بدار هجر
ج37 /مِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ
الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ ضَوْءِ
كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ ".
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ
سُلَيْمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ ذِكْرُ عُكَّاشَةَ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، كَمَا سَيَأْتِي.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ،
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَدْخُلَنَّ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ - شَكَّ
فِي أَحَدِهِمَا - مُتَمَاسِكِينَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى يَدْخُلَ
أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ، وُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، حَدَّثَنِي
بُكَيْرُ بْنُ الْأَخْنَسِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أُعْطِيتُ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ،
وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَقُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ
وَاحِدٍ، فَاسْتَزَدْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ
سَبْعِينَ أَلْفًا ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَرَأَيْتُ
أَنَّ ذَلِكَ آتٍ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَمُصِيبٌ مِنْ حَافَاتِ الْبَوَادِي.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ الْأُمَمَ
بِالْمَوْسِمِ، فَرَاثَتْ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ، قَالَ: " فَأُرِيتُ أُمَّتِي،
فَأَعْجَبَنِي كَثْرَتُهُمْ، قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ، فَقِيلَ لِي:
إِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ،
هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ،
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ". فَقَالَ عُكَّاشَةُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَامَ -
يَعْنِي آخَرَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي
مِنْهُمْ. فَقَالَ: " سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ". قَالَ الْحَافِظُ
الضِّيَاءُ: هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:أَكْثَرْنَا الْحَدِيثَ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، ثُمَّ غَدَوْنَا
عَلَيْهِ، فَقَالَ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ اللَّيْلَةَ
بِأُمَمِهَا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ، وَالنَّبِيُّ
وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ
مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ مُوسَى مَعَهُ كَبْكَبَةٌ مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ، فَأَعْجَبُونِي، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَقِيلَ لِي: هَذَا
أَخُوكَ مُوسَى، مَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَأَيْنَ أُمَّتِي ؟
فَقِيلَ لِي: انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ. فَنَظَرْتُ، فَإِذَا الظِّرَابُ قَدْ سُدَّ
بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ فَنَظَرْتُ
فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، فَقِيلَ لِي: أَرَضِيتَ ؟
فَقُلْتُ: رَضِيتُ يَا رَبِّ، رَضِيتُ يَا رَبِّ. فَقِيلَ لِي: إِنَّ مَعَ
هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ".
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِدًى لَكُمْ أَبِي
وَأُمِّي، إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا
فَافْعَلُوا، فَإِنْ قَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الظِّرَابِ، فَإِنْ
قَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأُفُقِ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ ثَمَّ
نَاسًا يَتَهَاوَشُونُ ". فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ
اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ يَجْعَلَنِي مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا.
فَدَعَا لَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: " قَدْ سَبَقَكَ بِهَا
عُكَّاشَةُ ". قَالَ: ثُمَّ تَحَدَّثْنَا فَقُلْنَا: مَنْ تَرَوْنَ هَؤُلَاءِ
السَّبْعِينَ الْأَلْفَ ؟
قَوْمٌ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يُشْرِكُوا
بِاللَّهِ شَيْئًا، حَتَّى مَاتُوا ؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ،
وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُذُوعِيُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ
وَلَا عَذَابٍ ". قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " هُمُ
الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ خَلَفٍ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، بِهِ، وَعِنْدَهُ ذِكْرُ عُكَّاشَةَ، وَلَيْسَ
عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: " يَتَطَيَّرُونَ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ مِنْ غَيْرِ
طَرِيقٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ،
حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ
حَدِيثًا، وَفِيهِ: فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ، وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ، سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
كَأَضْوَأِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ ". وَذَكَرَ بَقِيَّتَهُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ رَوْحٍ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَقَدْ رَوَى
الْبَزَّارُ عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءً.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِرْدَاسٍ،
حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: سَبْعُونَ أَلْفًا
مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لَا
يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمِ الْعَبَّادَانِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ
السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعُونَ أَلْفًا ". وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُلُوفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنَ
الْآحَادِ، وَهُوَ أَشْمَلُ وَأَكْثَرُ. وَقَدْ قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - أَوْ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ
وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ ".
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: " وَهَكَذَا ". وَجَمَعَ كَفَّيْهِ. فَقَالَ: زِدْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " وَهَكَذَا ". فَقَالَ عُمَرُ: حَسْبُكَ يَا
أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَعْنِي يَا عُمَرُ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ
يُدْخِلَنَا اللَّهُ الْجَنَّةَ كُلَّنَا ؟! فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ
أَدْخَلَ خَلْقَهُ الْجَنَّةَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ عُمَرُ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ السُّلَمِيُّ،
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا
". قَالُوا: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " لِكُلِّ رَجُلٍ
سَبْعُونَ أَلْفًا ". قَالُوا: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَكَانَ عَلَى
كَثِيبٍ، فَحَثَا بِيَدِهِ، قَالُوا: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ:
" وَهَكَذَا ". وَحَثَا بِيَدِهِ. قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ،
أَبْعَدَ اللَّهُ مَنْ دَخَلَ النَّارَ بَعْدَ هَذَا.
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: لَا أَعْلَمُهُ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا بِهَذَا
الْإِسْنَادِ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ، فَقَالَ:
صَالِحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ غَرِيبٌ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ
بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ
عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ
اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ مِنْ أُمَّتِي ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفٍ الْجَنَّةَ
". فَقَالَ عُمَيْرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا. فَقَالَ "
وَهَكَذَا ". بِيَدِهِ. فَقَالَ عُمَيْرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا.
فَقَالَ عُمَرُ: حَسْبُكَ يَا عُمَيْرُ. فَقَالَ: مَا لَنَا وَلَكَ يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُدْخِلَنَا اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ ؟
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنْ شَاءَ أَدْخَلَ النَّاسَ الْجَنَّةَ
بِحَفْنَةٍ أَوْ بِحَثْيَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ عُمَرُ ".
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: لَا أَعْرِفُ لِعُمَيْرٍ حَدِيثًا غَيْرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ عَيَّاشٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
الْبَاهِلِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ح ) وَقَالَ
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ،
وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ
أَلْفًا، لَا حِسَابَ
عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، وَثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ
حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ". وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
وَلَيْسَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: " مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا
".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا
دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ
عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي الْيَمَانِ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ
أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ". قَالَ يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ: وَاللَّهِ مَا
أُولَئِكَ فِي أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلَ الذُّبَابِ
الْأَصْهَبِ فِي الذِّبَّانِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي سَبْعِينَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ
أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَزَادَنِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ".
قَالَ الضِّيَاءُ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا الْهَوْزَنِيَّ، وَاسْمُهُ
عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ، وَمَا عَلِمْتُ فِيهِ جَرْحًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ
زَيْدٍ الْبِكَالِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي
أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ،
ثُمَّ يَشْفَعَ كُلُّ أَلْفٍ لِسَبْعِينَ أَلْفًا،
ثُمَّ يَحْثِي رَبِّي تَعَالَى بِكَفَّيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ " فَكَبَّرَ
عُمَرُ، وَقَالَ: إِنَّ السَّبْعِينَ الْأُولَى يُشَفِّعُهُمُ اللَّهُ فِي
آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، وَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ
فِي أَحَدِ الْحَثَيَاتِ الْأَوَاخِرِ.
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: لَا أَعْلَمُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِلَّةً،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامٌ - يَعْنِي الدَّسْتُوَائِيَّ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ
رِفَاعَةَ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ، قَالَ:أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْكَدِيدِ، أَوْ قَالَ:
بِقُدَيْدٍ. فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ: ثُمَّ قَالَ: " وَعَدَنِي رَبِّي،
عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا
بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا حَتَّى تَبَوَّءُوا
أَنْتُمْ، وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَذَرَارِيِّكُمْ مَسَاكِنَ فِي
الْجَنَّةِ ".
وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ
شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهِ. قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ:
هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
زِبْرِيقٍ
الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ
عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي
مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ
أَلْفًا ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَامِرٍ، أَنَّ قَيْسًا الْكِنْدِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ
الْأَنْمَارِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَيَشْفَعَ كُلُّ
أَلْفٍ لِسَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ يَحْثِي رَبِّي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ بِكَفَّيْهِ
".
قَالَ قَيْسٌ: فَقُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، بِأُذُنِي، وَوَعَاهُ
قَلْبِي. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " وَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَسْتَوْعِبُ مُهَاجِرِي أُمَّتِي،
وَيُوَفِّي اللَّهُ بَقِيَّتَهُ مِنْ أَعْرَابِنَا ".
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَنْمَارِيِّ إِلَّا
بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ
مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ،
عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ، بِإِسْنَادِهِ، قَالَ أَبُو
سَعِيدٍ: فَحُسِبَ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفِ أَلْفٍ وَتِسْعَمِائَةِ أَلْفٍ،
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ
ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَسْتَوْعِبُ مُهَاجِرِي أُمَّتِي ".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا
أَبِي، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ
". فَقَامَ عُكَّاشَةُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ
يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ".
فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "
اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ". فَسَكَتَ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا
مِنْهُمْ. قَالَ: " سَبَقَكُمْ بِهَا عُكَّاشَةُ وَصَاحِبُهُ، أَمَّا
إِنَّكُمْ لَوْ قُلْتُمْ لَقُلْتُ، وَلَوْ قُلْتُ لَوَجَبَتْ ".
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ " الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ
"، مِنْ حَدِيثِ
الضَّحَّاكِ بْنِ نِبْرَاسٍ، حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ
أَسْلَمَ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدِينِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: تَغَيَّبَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، لَا يَخْرُجُ إِلَّا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، ثُمَّ
يَرْجِعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ خَرَجَ إِلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، احْتَبَسْتَ عَنَّا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ حَدَثٌ
؟ فَقَالَ: " إِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ إِلَّا خَيْرٌ، إِنَّ رَبِّي عَزَّ
وَجَلَّ، وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا
حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ
الْأَيَّامِ الْمَزِيدَ، فَوَجَدْتُ رَبِّي وَاجِدًا مَاجِدًا كَرِيمًا،
فَأَعْطَانِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعِينَ أَلْفًا
". قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَبِّ، وَتَبْلُغُ أُمَّتِي هَذَا ؟ قَالَ:
أُكْمِلُ لَكَ الْعَدَدَ مِنَ الْأَعْرَابِ ". الضَّحَّاكُ هَذَا قَدْ
تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ. وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثَ
الْحَوْضِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَفِيهِ: وَبَشَّرَنِي أَنَّ مَعِيَ
سَبْعِينَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ
حِسَابٌ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي تَرْجَمَةِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ قَدْ
شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنِّي وَجَدْتُ رَبِّي مَاجِدًا، أَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفًا
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعُونَ أَلْفًا.
فَقُلْتُ: إِنَّ أُمَّتِي لَا تَبْلُغُ هَذَا ؟ فَقَالَ: أُكْمِلُهُمْ لَكَ مِنَ
الْأَعْرَابِ ". قَالَ: رَوَاهُ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ
الْمَدَنِيِّ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا
هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ
شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مِنْكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ مِثْلَ
اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ زُمْرَةً، جَمِيعُهَا يَخْبِطُونَ الْأَرْضَ، تَقُولُ
الْمَلَائِكَةُ: لَمَا جَاءَ مَعَ مُحَمَّدٍ أَكْثَرُ مِمَّا جَاءَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ
".
ذِكْرُ كَيْفِيَّةِ تَفَرُّقِ الْعِبَادِ عَنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ وَمَا إِلَيْهِ
أَمْرُهُمْ يَصِيرُ ; فَفَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ
وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [ مَرْيَمَ: 39 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا
الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي
الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [ الرُّومِ: 14 - 16 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ
مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [ الرُّومِ: 43 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ الْآيَاتِ إِلَى
قَوْلِهِ: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى
عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ
[ الْجَاثِيَةِ: 27 - 31 ] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا
يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [ الزُّمَرِ: 70،
71 ] الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ سِيقُوا إِلَى
الْجَنَّةِ، وَهَؤُلَاءِ سِيقُوا إِلَى جَهَنَّمَ، بَعْدَ مَوْقِفِ الْحِسَابِ
وَانْصِرَافِهِمْ عَنْهُ. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ
إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي
النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا
يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا
دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ
مَجْذُوذٍ [ هُودٍ 105 - 108 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ
لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [ الشُّورَى: 7
]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ
التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ
سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ [ التَّغَابُنِ: 9، 10 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ
الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى
جَهَنَّمَ وِرْدًا [ مَرْيَمَ: 85، 86 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا
الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
[ آلِ عِمْرَانَ: 106، 107 ].
وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلْنَذْكُرْ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا
يُنَاسِبُ هَذَا الْمَقَامَ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَقَاصِدَ كَثِيرَةٍ
غَيْرِ هَذَا الْفَصْلِ، وَسَنُشِيرُ إِلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مَالِكِ
بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا
جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى [ النَّازِعَاتِ: 34 ]. قَالَ: حِينَ سِيقَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ.
إِيرَادُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ
وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ح ). وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ: " هَلْ
تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ " ؟ قَالُوا: لَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ " ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ
اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ.
فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ
يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ
الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ
اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ.
فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا
رَبُّنَا، فَإِذَا
جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ
فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ:
أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ ". قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَكُونُ أَوَّلَ
مَنْ يُجِيزُ. وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
وَفِيهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَّا رَأَيْتُمْ شَوْكَ
السَّعْدَانِ ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "
فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ
عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ،
فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو،
حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ
يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَمْرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ،
فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى
النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ
قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ.
فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ
مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ قَشَبَنِي
رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ. فَلَا
يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ، فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ
تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ.
فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا
رَبِّ، قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ.
فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ وَيْلَكَ !
يَا بْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ ! فَلَا يَزَالُ يَدْعُو، فَيَقُولُ: لَعَلِّي
إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَعِزَّتِكَ،
لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا
يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَأَى مَا
فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ،
أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا
تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ وَيْلَكَ يَا بْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ !. فَيَقُولُ:
يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ. فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ
حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ
فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا. فَيَتَمَنَّى،
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا. فَيَتَمَنَّى، حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ
الْأَمَانِيُّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا. قَالَ: وَأَبُو
سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا
مِنْ حَدِيثِهِ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: " هَذَا لَكَ
وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ
". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلَّا: " وَمِثْلُهُ مَعَهُ
".
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، بِهِ، وَزَادَ: فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: " ذَلِكَ
لَكِ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ "، وَهَذَا الْإِثْبَاتُ مَنْ أَبِي سَعِيدٍ
مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَمْ يَحْفَظْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، حَتَّى وَلَوْ نَفَاهُ
أَبُو هُرَيْرَةَ قَدَّمْنَا إِثْبَاتَ أَبِي سَعِيدٍ، لِمَا مَعَهُ مِنْ
زِيَادَةِ الثِّقَةِ الْمَقْبُولَةِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَابَعَهُ غَيْرُهُ مِنَ
الصَّحَابَةِ، كَابْنِ مَسْعُودٍ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، قَالَ:قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا ؟ قَالَ:
" هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ
صَحْوًا ؟ " قُلْنَا: لَا. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُّونَ فِي
رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ". قَالَ:
" ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا
يَعْبُدُونَ. فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الْأَوْثَانِ
مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى لَا
يَبْقَى إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ،
وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ
كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا:
كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ ; لَمْ
يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ
تَسْقِيَنَا. قَالَ: فَيُقَالُ: اشْرَبُوا. فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ
يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ
الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ
صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ. فَيُقَالُ: مَا تُرِيدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ
تَسْقِيَنَا. فَيُقَالُ: اشْرَبُوا. فَيَتَسَاقَطُونَ فِيهَا حَتَّى لَا يَبْقَى
إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ:
مَا يُجْلِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ ؟! فَيَقُولُونَ: إِنْ لَنَا إِلَهًا
كُنَّا نَعْبُدُهُ، فَارَقْنَا النَّاسَ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ
الْيَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا
كَانُوا
يَعْبُدُونَ. وَإِنَّا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، عَزَّ
وَجَلَّ ". قَالَ: " فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ، سُبْحَانَهُ، فِي
صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ:
أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا ؟ وَلَا يُكَلِّمُهُ يَوْمَئِذٍ
إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ، فَيُقَالُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ
تُعَرِفُونَهُ بِهَا ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ. فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ،
فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِيَاءً
وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدُ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا،
ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجِسْرِ، فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ ". قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْجِسْرُ ؟ قَالَ: " مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ،
عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ، وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ
عَقِيفَةٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ. الْمُؤَمَّنُ عَلَيْهَا
كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ،
وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ
لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي
إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا، إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا،
وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ
فَأَخْرِجُوهُمْ. وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ
وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ
سَاقِهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا
فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ
وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ". قَالَ أَبُو
سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [ النِّسَاءِ: 4 ]. "
فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ، وَالْمَلَائِكَةُ، وَالْمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ،
عَزَّ وَجَلَّ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي. فَيَقْبِضُ قَبْضَةً، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا
قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ:
نَهَرُ الْحَيَاةِ. فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي
حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وَإِلَى
جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا
كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ
اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ،
أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ، كِلَاهُمَا عَنْ رَوْحٍ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا رَوْحُ
بْنُ عُبَادَةَ الْقَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو
الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنِ
الْوُرُودِ، فَقَالَ: نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا -
انْظُرْ: أَيْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ - قَالَ: فَتُدْعَى الْأُمَمُ
بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، الْأَوَّلُ
فَالْأَوَّلُ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَنْ
تَنْتَظِرُونَ ؟ فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ.
فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ. فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ، قَالَ:
فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ، وَيَتَّبِعُونَهُ، وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ ; مُنَافِقٍ
أَوْ مُؤْمِنٍ نُورًا، ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ
وَحَسَكٌ، تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ،
ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ، فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ
كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَأِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ
تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، فَيَشْفَعُونَ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ
شَعِيرَةً، فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ، وَيَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ
يَرُشُّونَ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّيْءِ فِي
السَّيْلِ، وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا،
وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ بْنِ خَلِيفَةَ
الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ
الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مَالِكٍ،
عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَجْمَعُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النَّاسَ، فَيَقُومُ
الْمُؤْمِنُونَ حِينَ تُزْلَفُ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ،
فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحَ لَنَا الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: وَهَلْ
أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ ؟! لَسْتُ
بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ ".
قَالَ: " فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ
بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ
وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا.
فَيَأْتُونَ مُوسَى. فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى
كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ. فَيَقُولُ عِيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ،
اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَيَقُومُ وَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ،
فَيَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ
كَالْبَرْقِ ". قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَيُّ شَيْءٍ
كَمَرِّ الْبَرْقِ ؟ قَالَ: " أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ، كَيْفَ
يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ
الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ
قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ، يَقُولُ: رَبِّ، سَلِّمْ سَلِّمْ. حَتَّى تَعْجِزَ
أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ
إِلَّا زَحْفًا ". قَالَ: " وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ
مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ، تَأْخُذُ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ،
وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ ". وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ،
إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا
عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ عُمَارَةَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَحْشُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْأُمَمَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَصْدَعَ
بَيْنَ خَلْقِهِ مَثَّلَ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ،
فَيَتَّبِعُونَهُمْ حَتَّى يُقْحِمُونَهُمُ النَّارَ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا
وَنَحْنُ فِي مَكَانٍ رَفِيعٍ، فَيَقُولُ: مَا أَنْتُمْ ؟ فَنَقُولُ: نَحْنُ
الْمُسْلِمُونَ. فَيَقُولُ: مَا تَنْتَظِرُونَ ؟ فَنَقُولُ: نَنْتَظِرُ رَبَّنَا.
فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ
إِنْ رَأَيْتُمُوهُ ؟ فَنَقُولُ: نَعِمَ. فَيَقُولُ:
وَكَيْفَ تَعْرِفُونَهُ وَلَمْ تَرَوْهُ ؟ فَنَقُولُ: إِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ.
فَيَتَجَلَّى لَنَا ضَاحِكًا، فَيَقُولُ: أَبْشِرُوا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ;
فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَدْ جَعَلْتُ مَكَانَهُ فِي النَّارِ
يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ وَعَفَّانَ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ
الْكُتُبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي بُرْدَةَ وَعَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا
أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ".
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الصِّرَاطِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ آنِفًا مِنَ الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ
ثُمَّ يَنْتَهِي النَّاسُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِمْ مَكَانَ الْمَوْقِفِ إِلَى
الظُّلْمَةِ الَّتِي دُونَ الصِّرَاطِ - وَهُوَ جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ - كَمَا
تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ
الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ؟ فَقَالَ: " هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ
الْجِسْرِ ". وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُمَيَّزُ الْمُنَافِقُونَ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ، وَيَتَخَلَّفُونَ عَنْهُمْ، وَيَسْبِقُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَيُحَالُ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ بِسُورٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْوُصُولِ
إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَرَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ
مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ
بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ
قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى
وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ
وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ الْحَدِيدِ 12 - 15
]. وَقَالَ تَعَالَى يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ
رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ [ التَّحْرِيمِ: 8 ].
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ "
الْأَفْرَادِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ حَفْصٍ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَطِيرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
حَمْزَةَ بْنِ زِيَادٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ
الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
جَهَنَّمُ مُحِيطَةٌ بِالدُّنْيَا، وَالْجَنَّةُ مِنْ وَرَائِهَا ; وَلِذَلِكَ
صَارَ الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ". ثُمَّ قَالَ:
غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدٍ
الْمُكْتِبِ، غَيْرُ قَيْسٍ، وَتَفَرَّدَ بِهِ حَمْزَةُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، وَالْحَسَنُ
بْنُ يَعْقُوبَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عِصْمَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا السِّرِيُّ
بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ
عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ: " يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَمْ تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ
مَنْ كَانَ يَتَوَلَّى فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ: فَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ
عُزَيْرًا شَيْطَانُ عُزَيْرٍ، حَتَّى يُمَثَّلَ لَهُمُ الشَّجَرَةُ وَالْعُودُ
وَالْحَجَرُ، وَيَبْقَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ جُثُومًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا
لَكُمْ لَمْ تَنْطَلِقُوا، كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ ؟ فَيَقُولُونَ: إِنَّ لَنَا
رَبًّا مَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ. قَالَ: فَيُقَالُ: فَبِمَ تَعْرِفُونَ رَبَّكُمْ
إِنْ رَأَيْتُمُوهُ ؟ قَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ إِنْ رَأَيْنَاهُ
عَرَفْنَاهُ. قِيلَ: وَمَا هِيَ ؟ قَالُوا: فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ. قَالَ:
فَيَكْشِفُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ سَاقٍ. قَالَ: فَيَخِرُّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُهُ
سَاجِدًا، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ، يُرِيدُونَ
السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ. قَالَ: ثُمَّ يُؤْمَرُونَ فَيَرْفَعُونَ
رُءُوسَهُمْ، فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ. قَالَ:
فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ
مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ
النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ دُونَ ذَلِكَ
بِيَمِينِهِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ
قَدَمِهِ، يُضِيءُ مَرَّةً وَيَطْفَأُ مَرَّةً،
إِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ، وَإِذَا طَفِئَ
قَامَ. قَالَ: فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ،
دَحْضٌ مَزَلَّةٌ. قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: امْضُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ،
فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ
كَالطَّرْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ
كَشَدِّ الرَّجُلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْمُلُ رَمَلًا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ
أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ، تَخِرُّ
يَدٌ وَتَعْلَقُ يَدٌ، وَتَخِرُّ رِجْلٌ وَتَعْلَقُ رِجْلٌ وَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ
النَّارُ. قَالَ: فَيَخْلُصُونَ، فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي نَجَّانَا مِنْكِ بَعْدَ الَّذِي أَرَانَاكِ، لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ
مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا ".
قَالَ مَسْرُوقٌ: فَمَا بَلَغَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا الْمَكَانَ مِنَ الْحَدِيثِ
إِلَّا ضَحِكَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَقَدْ
حَدَّثْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِرَارًا، كُلَّمَا بَلَغْتَ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ ضَحِكْتَ ؟! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُهُ مِرَارًا، فَمَا بَلَغَ هَذَا
الْمَكَانَ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا ضَحِكَ، حَتَّى تَبْدُوَ لَهَوَاتُهُ،
وَيَبْدُوَ آخِرُ ضِرْسٍ مِنْ أَضْرَاسِهِ، لِقَوْلِ الْإِنْسَانِ: أَتَهْزَأُ بِي
وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَلَكِنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي. وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ،
فَذَكَرَ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى لَهُ: " يَا
بْنَ آدَمَ، أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا ؟
فَيَقُولُ: أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: " لَا، وَلَكِنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ
".
وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ هَذَا مِنْ
حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ
الْمُؤَدِّبُ، عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الصِّرَاطُ كَحَدِّ
الشَّفْرَةِ، أَوْ كَحَدِّ السَّيْفِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُنَجُّونَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنَّ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ،
لَآخُذٌ بِحُجْزَتِي، وَإِنِّي لَأَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ،
فَالزَّالُّونَ، وَالزَّالَّاتُ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ
الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ بِأَبْسَطَ مِنْهُ،
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ يَتَقَوَّى بِمَا قَبْلَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي
أُمَيَّةَ، قَالَ: إِنَّكُمْ مَكْتُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَسْمَائِكُمْ،
وَسِيمَاكُمْ، وَحُلَاكُمْ، وَنَجْوَاكُمْ، وَمَجَالِسِكُمْ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ قِيلَ: يَا فُلَانُ، هَذَا نُورُكَ، يَا فُلَانُ، لَا نُورَ لَكَ.
وَقَرَأَ: يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [ الْحَدِيدِ:
12 ] وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا يُعْطَى نُورًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَى الصِّرَاطِ طَفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ،
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَشْفَقُوا أَنْ يَطْفَأَ نُورُهُمْ، كَمَا
طَفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالُوا: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا
وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ التَّحْرِيمِ: 8 ].
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْعُو النَّاسَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِهِمْ سَتْرًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ
الصِّرَاطِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ مُؤْمِنٍ نُورًا، وَكُلَّ مُنَافِقٍ
نُورًا، فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ
الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ
لِلْمُؤْمِنِينَ: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [ الْحَدِيدِ: 13 ].
وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا [ التَّحْرِيمِ: 18 ].
فَلَا يَذْكُرُ عِنْدَ ذَلِكَ أَحَدٌ أَحَدًا ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي
ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي، أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ،
يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَأَبَا ذَرٍّ يُخْبِرَانِ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا
أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ فِي السُّجُودِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ، فَأَنْظُرُ بَيْنَ
يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، فَأَعْرِفُ أُمَّتِي
مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ ". فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ
تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ مَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ ؟
قَالَ: " أَعْرِفُهُمْ، مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ
لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ
بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَوُجُوهِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ
بِنُورِهِمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو،
وَحَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا عَلَى جِنَازَةٍ فِي بَابِ
دِمَشْقَ، وَمَعَنَا أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، فَلَمَّا صُلِّيَ عَلَى
الْجِنَازَةِ، وَأَخَذُوا فِي دَفْنِهَا، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: أَيُّهَا
النَّاسُ، إِنَّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ وَأَمْسَيْتُمْ فِي مَنْزِلٍ،
تَقْتَسِمُونَ فِيهِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَتُوشِكُونَ أَنْ تَظْعَنُوا
مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، وَهُوَ هَذَا - يُشِيرُ إِلَى الْقَبْرِ - بَيْتُ
الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ، وَبَيْتُ الضِّيقِ، إِلَّا
مَا وَسَّعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ تَنْتَقِلُونَ مِنْهُ إِلَى مَوَاطِنِ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّكُمْ لَفِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ حَتَّى
يَغْشَى النَّاسَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَتَبْيَضُّ وُجُوهٌ، وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ، ثُمَّ تَنْتَقِلُونَ مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، فَيَغْشَى النَّاسَ
ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ يُقْسَمُ النُّورُ، فَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ نُورًا،
وَيُتْرَكُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ، فَلَا يُعْطَيَانِ شَيْئًا، وَهُوَ الْمَثَلُ
الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ
لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [ النُّورِ: 40 ] وَلَا يَسْتَضِيءُ الْكَافِرُ
وَالْمُنَافِقُ بِنُورِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا لَا يَسْتَضِيءُ الْأَعْمَى
بِبَصَرِ الْبَصِيرِ، وَيَقُولُ الْمُنَافِقُونَ
لِلَّذِينِ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا
وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [ الْحَدِيدِ: 13 ] وَهَى خُدْعَةُ اللَّهِ،
سُبْحَانَهُ، الَّتِي خَدَعَ بِهَا الْمُنَافِقِينَ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى:
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [ النِّسَاءِ: 142 ]، فَيَرْجِعُونَ
إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِمَ فِيهِ النُّورُ، فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا،
فَيَنْصَرِفُونَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ
بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [ الْحَدِيدِ:
13 ] الْآيَةُ. يَقُولُ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَمَا يَزَالُ الْمُنَافِقُ
مُغْتَرًّا حَتَّى يُقَسَمَ النُّورُ، وَيُمَيِّزَ اللَّهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ
وَالْمُنَافِقِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيْوَةَ، حَدَّثَنَا أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: تُبْعَثُ
ظُلْمَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ، وَلَا كَافِرٍ، يَرَى كَفَّهُ
حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ بِالنُّورِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قَدْرِ
أَعْمَالِهِمْ، فَيَتْبَعُهُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُونَ: انْظُرُونَا
نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ
بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ
الْعَذَابُ [ الْحَدِيدِ: 13 ]. قَالَا: هُوَ حَائِطٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ. وَقَالَ ابْنُ أَسْلَمَ " هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ [ الْأَعْرَافِ: 46 ]. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَعْبِ
الْأَحْبَارِ، عَنْ كُتُبِ الْإِسْرَائِيلِيِّنَ،
أَنَّهُ سُورُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَضَعِيفٌ جِدًّا، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ
الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا ضَرْبَ مِثَالٍ، وَتَقْرِيبَ الْمُغَيَّبِ بِالْمُشَاهِدِ،
فَقَرِيبٌ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ ثَعْلَبٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُطْعِمِ بْنِ الْمِقْدَامِ الصَّنْعَانِيِّ
وَغَيْرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ:كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى
سَلْمَانَ: يَا أَخِي، إِيَّاكَ أَنْ تَجْمَعَ مِنَ الدُّنْيَا مَا لَا تُؤَدِّي
شُكْرَهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " يُجَاءُ بِصَاحِبِ الدُّنْيَا الَّذِي أَطَاعَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ، فِيهَا، وَمَالُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ
قَالَ لَهُ مَالُهُ: امْضِ، فَقَدْ أَدَّيْتَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيَّ
". قَالَ: " ثُمَّ يُجَاءُ بِصَاحِبِ الدُّنْيَا الَّذِي لَمْ يُطِعِ
اللَّهَ فِيهَا، وَمَالُهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ،
قَالَ لَهُ مَالُهُ: أَلَا أَدَّيْتَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيَّ ؟ فَلَا
يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَدْعُوَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ".
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ
جِسْرٌ مَجْسُورٌ، أَعْلَاهُ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، مَرَّ الْأَوَّلُ فَنَجَا، وَمَرَّ
الْآخِرُ، فَنَاجٍ وَمَخْدُوشٌ، وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى جَنَبَاتِ الْجِسْرِ
يَقُولُونَ: رَبِّ سَلِّمَ سَلِّمْ. قَالَ: وَإِنَّ الصِّرَاطَ مِثْلُ السَّيْفِ،
عَلَى
جِسْرِ جَهَنَّمَ، وَإِنَّ عَلَيْهِ كَلَالِيبَ
وَحَسَكًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ تِلْكَ الْكَلَالِيبَ وَالْحَسَكَ
لَأَعْرَفُ بِالْمَارِّينَ عَلَيْهَا وَمَنْ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ وَمَنْ
تَخْدِشُهُ، مِنَ الرَّجُلِ بِصَاحِبِهِ وَصَدِيقِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
إِنَّهُ لَيُؤْخَذُ بِالْكَلُّوبِ الْوَاحِدِ أَكْثَرُ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الصِّرَاطَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الْجِسْرُ، يَكُونُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أَدَقَّ مِنَ
الشَّعْرِ، وَبَعْضِ النَّاسِ مِثْلَ الْوَادِي الْوَاسِعِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا، وَهَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ إِنَّمَا يَرَاهُ أَدَقَّ مِنَ
الشَّعْرِ، وَأَحَدَّ مِنَ السَّيْفِ الْهَالِكُ الَّذِي لَيْسَ بِنَاجٍ،
وَيَكُونُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أَوْسَعَ مِنَ الْقَاعِ وَالْمَيْدَانِ
الْمُتَّسِعِ، يَمْضِي عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا
أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا ابْنُ السَّمَّاكِ،
الْوَاعِظُ الزَّاهِدُ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ ثَلَاثَةُ آلَافِ
سَنَةٍ ؟ أَلْفُ سَنَةٍ يَصْعَدُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَأَلْفٌ يَسْتَوِي النَّاسُ
عَلَى ظَهْرِهِ، وَأَلْفُ سَنَةٍ يَهْبِطُ النَّاسُ.
وَقَالَ آخَرُ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ الصِّرَاطَ فِي الدُّنْيَا، ضَاقَ
عَلَيْهِ صِرَاطُ الْآخِرَةِ، وَمَنْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ الصِّرَاطَ فِي
الدُّنْيَا، اتَّسَعَ لَهُ الصِّرَاطُ فِي الْآخِرَةِ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ
سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: إِنَّ
لِجَهَنَّمَ ثَلَاثَ قَنَاطِرَ ; قَنْطَرَةٌ عَلَيْهَا الْأَمَانَةُ، وَقَنْطَرَةٌ
عَلَيْهَا الرَّحِمُ، وَقَنْطَرَةٌ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَهَى الْمِرْصَادُ، فَمَنْ
نَجَا مِنْ هَاتَيْنِ لَمْ يَنْجُ مِنْ هَذِهِ. ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصَادِ [ الْفَجْرِ: 14 ].
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَيْزَارِ: يُمَدُّ الصِّرَاطُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالرَّحِمِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: أَلَا مَنْ
أَدَّى الْأَمَانَةَ، وَوَصَلَ الرَّحِمَ فَلْيَمْضِ آمِنًا غَيْرَ خَائِفٍ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ
قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ مَسِيرَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ،
خَمْسَةُ آلَافٍ صُعُودٌ، وَخَمْسَةُ آلَافٍ اسْتِوَاءٌ عَلَى ظَهْرِهِ،
وَخَمْسَةٌ نُزُولٌ، وَهُوَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعَرِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ،
عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، لَا يَجُوزُهُ إِلَّا كُلُّ ضَامِرٍ مَهْزُولٍ مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ، سُبْحَانَهُ. ثُمَّ يَبْكِي الْفُضَيْلُ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا
أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ
بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ أَخِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ،
قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَقُلْتُ: إِنَّ
فِي نَفْسِي حَاجَةً لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَشْفِينِي مِنْهَا. فَقَالَتْ: مِمَّنْ
أَنْتَ ؟ قُلْتُ: مِنْ كِنْدَةَ. قَالَتْ: مَنْ أَيِّ الْأَجْنَادِ أَنْتَ ؟
قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ حِمْصَ. قَالَتْ: مَاذَا حَاجَتُكَ ؟ قُلْتُ: أَحَدَّثَكِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَأْتِي عَلَيْهِ
سَاعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَمْلِكُ لِأَحَدٍ
فِيهَا شَفَاعَةً ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، لَقَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا، وَأَنَا
وَهُوَ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: " نَعَمْ، حِينَ يُوضَعُ الصِّرَاطُ
لَا أَمْلِكُ لِأَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى أَعْلَمَ أَيْنَ يُسْلَكُ بِي، وَحِينَ
تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُفْعَلُ بِي، وَعِنْدَ
الْجِسْرِ حَتَّى يَسْتَحِدَّ وَيَسْتَحِرَّ ". قُلْتُ: وَمَا يَسْتَحِدُّ
وَيَسْتَحِرُّ ؟ قَالَ: " يَسْتَحِدُّ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ شَفْرَةِ
السَّيْفِ، وَيَسْتَحِرُّ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْجَمْرَةِ، فَأَمَّا
الْمُؤْمِنُ فَيُجِيزُ لَا يَضُرُّهُ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَيَتَعَلَّقُ حَتَّى
إِذَا بَلَغَ أَوْسَطَهُ حَزَّ فِي قَدَمَيْهِ، فَيَهْوِي بِيَدَيْهِ إِلَى
قَدَمَيْهِ "، قَالَ: " هَلْ رَأَيْتِ مَنْ يَسْعَى حَافِيًا
فَتَأْخُذُهُ شَوْكَةٌ حَتَّى تَكَادَ تُنْفِذُ قَدَمَيْهِ ؟ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ
يَهْوِي بِيَدَيْهِ وَرَأْسِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ، فَتَضْرِبُهُ الزَّبَانِيَةُ
بِخُطَّافٍ فِي نَاصِيَتِهِ وَقَدَمَيْهِ، فَيُقْذَفُ بِهِ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي
فِيهَا مِقْدَارَ خَمْسِينَ عَامًا ". فَقُلْتُ: مَا يَثْقُلُ الرَّجُلُ !
قَالَتْ: بَلْ يَثْقُلُ ثِقَلَ عَشْرِ خَلِفَاتٍ سِمَانٍ، فَيَوْمَئِذٍ يُعْرَفُ
الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ [
الرَّحْمَنِ: 41 ]، غَرِيبٌ.
فَصٌلٌ ( وُرُودُ النَّاسِ جَمِيعِهِمْ جَهَنَّمَ )
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ
لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ
نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا
[ مَرْيَمَ: 68 - 72 ]. أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ
بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ سَيَجْمَعُ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ كَانَ يُطِيعُ
الشَّيَاطِينَ وَيَعْبُدُهَا مَعَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيُطِيعُهَا فِيمَا
تَأْمُرُهُ بِهِ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ طَاعَةَ
الشَّيَاطِينِ هِيَ عِبَادَتُهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ
الشَّيَاطِينَ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَأَحْضَرَهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا، أَيْ
جُلُوسًا عَلَى الرُّكَبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً
[ الْجَاثِيَةِ: 28 ].
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قِيَامًا. وَهُمْ يُعَايِنُونَ هَوْلَهَا، وَبَشَاعَةَ
مَنْظَرِهَا، وَقَدْ جَزَمُوا أَنَّهُمْ دَاخِلُوهَا لَا مَحَالَةَ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا
وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [ الْكَهْفِ: 53 ] وَقَالَ تَعَالَى: تَرَى
الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ [ الشُّورَى: 22
]. وَقَالَ: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا
وَزَفِيرًا إِلَى قَوْلِهِ: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [
الْفُرْقَانِ: 12 - 16 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ
لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [ التَّكَاثُرِ: 6، 7 ].
ثُمَّ أَقْسَمَ تَعَالَى أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ سَيَرِدُونَ جَهَنَّمَ،
فَقَالَ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا
مَقْضِيًّا [ مَرْيَمَ: 71 ]، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَسَمًا وَاجِبًا.
وَفَى " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ
تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ".
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ زَبَّانِ
بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ
الْمُسْلِمِينَ مُتَطَوِّعًا لَا بِأَجْرِ سُلْطَانٍ لَمْ يَرَ النَّارَ
بِعَيْنَيْهِ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ
مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالْوُرُودِ مَا هُوَ،
وَالْأَظْهَرُ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي " التَّفْسِيرِ "، أَنَّهُ
الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ
نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [ مَرْيَمَ:
72 ].
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحُمَّى حَظُّ كَلِّ مُؤْمِنٍ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ:
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي "
تَفْسِيرِهِ " حَدِيثًا يُشْبِهُ هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ
بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ
وَعِكًا، وَأَنَا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ
يَقُولُ: هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي
الْمُؤْمِنِ لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ ". وَهَذَا
إِسْنَادٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ،
عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَإِنْ
مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ كُلُّهُمْ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ
عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ،
بِهِ، مَرْفُوعًا، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنِ السُّدِّيِّ بِهِ،
فَوَقَفَهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَرِدُ النَّاسُ جَمِيعًا الصِّرَاطَ، وَوُرُودُهُمْ
قِيَامُهُمْ حَوْلَ النَّارِ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنِ الصِّرَاطِ بِأَعْمَالِهِمْ،
فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَمَرِّ الْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ
الرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الطَّيْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ
كَأَجْوَدِ الْخَيْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَأَجْوَدِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ
مَنْ يَمُرُّ كَعَدْوِ الرَّجُلِ، حَتَّى إِنَّ آخِرَهُمْ مَرًّا رَجُلٌ نُورُهُ
عَلَى مَوْضِعَيْ إِبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ، يَمُرُّ يَتَكَفَّأُ بِهِ الصِّرَاطُ،
وَالصِّرَاطُ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ الْقَتَادِ، حَافَتَاهُ
مَلَائِكَةٌ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ نَارٍ يَخْتَطِفُونَ بِهَا النَّاسَ.
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. وَلَهُ شَوَاهِدُ مِمَّا مَضَى، وَمِمَّا سَيَأْتِي
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَأْمُرُ
اللَّهُ بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَبُ عَلَى جَهَنَّمَ، فَيَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ
عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ ; أَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ
الرِّيحِ، ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، حَتَّى يَمُرَّ
الرَّجُلُ سَعْيًا، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ مَاشِيًا، ثُمَّ يَكُونُ آخِرُهُمْ
يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، لِمَ أَبْطَأْتَ بِي ؟ فَيَقُولُ:
لَمْ أُبْطِئْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا،
وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الْوَائِلِيُّ فِي كِتَابِ " الْإِبَانَةِ
": أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمِنِ الرَّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْحُسَيْنِ، أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى أَبُو
السُّكَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ
الْقُرَشِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ،
عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلِّمِ النَّاسَ سُنَّتِي وَإِنْ كَرِهُوا
ذَلِكَ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ لَا تُوقَفَ عَلَى الصِّرَاطِ طَرْفَةَ عَيْنٍ
حَتَّى تَدْخُلَ
الْجَنَّةَ فَلَا تُحْدِثَنَّ فِي دِينِ اللَّهِ
حَدَثًا بِرَأْيِكَ ". ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَرِيبُ الْإِسْنَادِ،
وَالْمَتْنُ حَسَنٌ. أَوْرَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ
بَكَّارِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: قَالَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ بَعْدَمَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ: أَلَمْ يَعِدْنَا رَبُّنَا الْوُرُودَ
عَلَى النَّارِ ؟! فَيُقَالُ: قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَيْهَا وَهَى خَامِدَةٌ.
وَقَدْ ذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُرُودِ الدُّخُولُ، قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَأَبُو مَيْسَرَةَ، وَغَيْرُ
وَاحِدٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
غَالِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ الْبُرْسَانِيِّ،عَنْ أَبِي
سُمَيَّةَ، قَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ، فَقَالَ بَعْضُنَا: لَا
يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ. وَقَالَ بَعْضُنَا: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يُنَجِّي
اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا، فَلَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ
لَهُ: إِنَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ، فَقَالَ: يَرِدُونَهَا جَمِيعًا -
وَقَالَ سُلَيْمَانُ مَرَّةً: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا. وَأَهْوَى بِأُصْبُعَيْهِ
إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: صَمَّتَا إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا
فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا
كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ ;
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [
مَرْيَمَ: 72 ]. لَمْ يُخْرِجُوهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَهُوَ حَسَنٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ
النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ السَّلِيطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ
بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبِي مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي
بَشِيرُ بْنُ طَلْحَةَ الْجُذَامِيُّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ، عَنْ يَعْلَى
بْنِ مُنْيَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
تَقُولُ النَّارُ لِلْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: جُزْ يَا مُؤْمِنُ، فَقَدْ
أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ "، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ خَالِدِ
بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: قَالُوا: أَلَمْ يَعِدْنَا رَبُّنَا أَنَّا نَرِدُ
النَّارَ ؟ فَيُقَالُ: إِنَّكُمْ مَرَرْتُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ خَامِدَةٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالُوا: أَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا أَنَّا نَرِدُ النَّارَ ؟
فَيُقَالُ: إِنَّكُمْ وَرَدْتُمُوهَا فَأَلْفَيْتُمُوهَا رَمَادًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي
السَّلِيلِ، عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ:
ذَكَرُوا وُرُودَ النَّارِ، فَقَالَ كَعْبٌ: تُمْسَكُ النَّارُ لِلنَّاسِ
كَأَنَّهَا مَتْنُ إِهَالَةٍ، حَتَّى يَسْتَوِيَ عَلَيْهَا أَقْدَامُ الْخَلَائِقِ،
بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، ثُمَّ يُنَادِيهَا مُنَادٍ أَنْ أَمْسِكِي أَصْحَابَكِ،
وَدَعِي أَصْحَابِي. قَالَ: فَتَخْسِفُ بِكُلِّ وَلِيٍّ لَهَا، فَلَهِيَ أَعْلَمُ
بِهِمْ مِنَ الرَّجُلِ بِوَلَدِهِ، وَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً
ثِيَابُهُمْ وَرُوِيَ مِثْلُهُ أَيْضًا عَنْهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ امْرَأَةِ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقَالَ: " لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ
بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ ". قَالَتْ حَفْصَةُ: أَلَيْسَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ، يَقُولُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَهْ ثُمَّ نُنَجِّي
الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا وَرَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، سَمِعَ
جَابِرًا، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ،
وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ كَيْفِيَّةُ جَوَازِ
الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَتَفَاوُتُ
سَيْرِهِمْ عَلَيْهِ، بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ
جَانِبٌ، وَتَقَدَّمَ عَنْهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ أَوَّلُ
الْأَنْبِيَاءِ إِجَازَةً بِأُمَّتِهِ عَلَى الصِّرَاطِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِجَازَةً عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ
مُوسَى، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ، حَتَّى يَكُونَ آخِرَهُمْ إِجَازَةً نُوحٌ، عَلَيْهِ
السَّلَامُ. قَالَ: فَإِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الصِّرَاطِ تَلَقَّتْهُمُ
الْخَزَنَةُ يَهْدُونَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا خَلَصُوا مِنَ
الصِّرَاطِ وَأَتَوْا عَلَى آخِرِهِ، فَلَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا دُخُولُ
الْجَنَّةِ. كَمَا سَيَأْتِي.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ ": مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ
كَانَ مَنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مَنْ
أَهْلِ الزَّكَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الزَّكَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ أَيِّهَا شَاءَ مِنْ ضَرُورَةٍ،
فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْهَا كُلِّهَا ؟ قَالَ ؟ " نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ
تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ هُدُوا إِلَى
مَنَازِلِهِمْ، فَلَهُمْ أَعْرَفُ بِهَا مِنْ مَنَازِلِهِمُ الَّتِي كَانَتْ فِي
الدُّنْيَا ". كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي " الصَّحِيحِ "
عِنْدَ الْبُخَارِيِّ.
وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ
إِلَّا بِجَوَازٍ ; بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنَ
اللَّهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، أَدْخِلُوهُ جَنَّةً عَالِيَةً قُطُوفُهَا
دَانِيَةٌ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ، مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُعْطَى الْمُؤْمِنُ
جَوَازًا عَلَى الصِّرَاطِ ; بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ
مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، أَدْخِلُوهُ جَنَّةً
عَالِيَةً قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ".
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ "، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ
شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
شِعَارُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصِّرَاطِ، رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ ". ثُمَّ
قَالَ: غَرِيبٌ.
وَفَى " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ": " وَنَبِيُّكُمْ يَقُولُ: رَبِّ
سَلِّمْ سَلِّمْ ". وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ يَقُولُونَ
ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ
أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا خَلَصَ
الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، فَاقْتُصَّ لَهُمْ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا،
حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ،
فَلَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ
فِي الدُّنْيَا ".
وَقَدْ تَكَلَّمَ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى هَذَا
الْحَدِيثِ فِي " التَّذْكِرَةِ "، وَجَعَلَ هَذِهِ الْقَنْطَرَةَ
صِرَاطًا ثَانِيًا لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، وَلَيْسَ يَسْقُطُ مِنْهُ أَحَدٌ فِي
النَّارِ. قُلْتُ: هَذِهِ الْقَنْطَرَةُ تَكُونُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ النَّارِ،
فَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْقَنْطَرَةُ مَنْصُوبَةً عَلَى هَوْلٍ آخَرَ مِمَّا
يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَلَا نَعْلَمُهُ نَحْنُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
صَالِحُ بْنُ مُوسَى، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ: جُوزُوا
النَّارَ بِعَفْوِي، وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَاقْتَسِمُوهَا
بِفَضَائِلِ أَعْمَالِكُمْ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ قَوْلِهِ، مِثْلَهُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ،
بَلْ مُعْضَلٌ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْوُعَّاظِ، فِيمَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ
فِي " التَّذْكِرَةِ ": فَتَوَهَّمْ نَفْسَكَ يَا أَخِي إِذَا صِرْتَ
عَلَى الصِّرَاطِ، وَنَظَرْتَ إِلَى جَهَنَّمَ تَحْتَكَ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً
مُدْلَهِمَّةً، وَقَدْ تَلَظَّى سَعِيرُهَا، وَعَلَا لَهِيبُهَا، وَأَنْتَ تَمْشِي
أَحْيَانًا، وَتَزْحَفُ أُخْرَى. ثُمَّ أَنْشَدَ:
أَبَتْ نَفْسِي تَتُوبُ فَمَا احْتِيَالِي إِذَا بَرَزَ الْعِبَادُ لِذِي
الْجَلَالِ وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمُ حَيَارَى
بِأَوْزَارٍ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ وَقَدْ نُصِبَ الصِّرَاطُ لِكَيْ يَجُوزُوا
فَمِنْهُمْ مَنْ يُكَبُّ عَلَى الشِّمَالِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسِيرُ لِدَارِ عَدْنَ
تَلَقَّاهُ الْعَرَائِسُ بِالْغَوَالِي يَقُولُ لَهُ الْمُهَيْمِنُ يَا وَلِيِّي
غَفَرْتُ لَكَ الذُّنُوبَ فَلَا تُبَالِي
فَصْلٌ ( كَيْفِيَّةُ الْحَشْرِ )
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [ مَرْيَمَ: 85، 86 ]. وَرَدَ
فِي حَدِيثٍ سَيَأْتِي أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِنَجَائِبَ مِنَ الْجَنَّةِ
يَرْكَبُونَهَا، وَأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِهَا عِنْدَ قِيَامِهِمْ مِنْ
قُبُورِهِمْ. وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، إِذْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ
النَّاسَ كُلَّهُمْ يُحْشَرُونَ مُشَاةً حُفَاةً عُرَاةً، وَرَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْشَرُ رَاكِبًا وَحْدَهُ نَاقَةً حَمْرَاءَ،
وَبِلَالٌ يُنَادِي بِالْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. صَدَّقَهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا يَكُونُ إِتْيَانُهُمْ بِالنَّجَائِبِ بَعْدَ جَوَازِ
الصِّرَاطِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّ الْمُتَّقِينَ يُضْرَبُ لَهُمْ حِيَاضٌ
يَرِدُونَهَا بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الصِّرَاطِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا وَصَلُوا إِلَى
بَابِ الْجَنَّةِ، يَسْتَشْفِعُونَ بِآدَمَ، ثُمَّ بِنُوحٍ، ثُمَّ بِإِبْرَاهِيمَ،
ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِعِيسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ
جَمِيعًا
وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يَشْفَعُ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ
حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْهُ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: آتِي بَابَ
الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ
أَنْتَ ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ أَنْ لَا أَفْتَحَ
لِأَحَدٍ قَبْلَكَ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ،
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ
فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ": يَجْمَعُ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ،
فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ، حِينَ تُزْلَفُ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ
فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتَحَ لَنَا الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: وَهَلْ
أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ
ذَلِكَ ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ "، وَهُوَ
شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ مِنْ ذَهَابِ النَّاسِ إِلَى
الْأَنْبِيَاءِ مَرَّةً ثَانِيَةً يَسْتَشْفِعُونَ إِلَى اللَّهِ بِهِمْ فِي
دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ، فَتَنْحَصِرُ الْقِسْمَةُ أَيْضًا وَيَتَعَيَّنُ لَهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَعَيَّنَ
لِلشَّفَاعَةِ الْأُولَى الْعُظْمَى فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْخَلَائِقِ، كَمَا
تَقَدَّمَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ:
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:كُنَّا
جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: يَوْمَ نَحْشُرُ
الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [ مَرْيَمَ: 85 ]. قَالَ: لَا وَاللَّهِ،
مَا عَلَى أَرْجُلِهِمْ يُحْشَرُونَ، وَلَا يُحْشَرُ الْوَفْدُ عَلَى
أَرْجُلِهِمْ، وَلَكِنْ بِنُوقٍ لَمْ يَرَ الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا، عَلَيْهَا
رَحَائِلُ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا، حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ
الْجَنَّةِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ إِسْحَاقَ، وَزَادَ: عَلَيْهَا رَحَائِلُ مَنْ ذَهَبٍ، وَأَزِمَّتُهَا
الزَّبَرْجَدُ. وَالْبَاقِي مِثْلُهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ
مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ جَعْفَرٍ
الْبَجَلِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْبَصْرِيَّ، قَالَ:كَانَ عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ يَوْمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَرَأَ عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى
الرَّحْمَنِ وَفْدًا. فَقَالَ: مَا أَظُنُّ الْوَفْدَ إِلَّا الرَّكْبَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ
يُسْتَقْبَلُونَ - أَوْ يُؤْتَوْنَ - بِنُوقٍ بِيضٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ وَعَلَيْهَا
رِحَالُ الذَّهَبِ، شِرَاكُ نِعَالِهِمْ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، كُلُّ خُطْوَةٍ
مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى شَجَرَةٍ يَنْبُعُ مَنْ أَصْلِهَا
عَيْنَانِ، فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَتَغْسِلُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مَنْ
دَنَسٍ، وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الْأُخْرَى، فَلَا تَشْعَثُ أَبْشَارُهُمْ وَلَا
أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ،
فَيَنْتَهُونَ - أَوْ قَالَ: يَأْتُونَ - بَابَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا حَلْقَةٌ مِنْ
يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، عَلَى
صَفَائِحِ الذَّهَبِ، فَيَضْرِبُونَ بِالْحَلْقَةِ عَلَى
الصَّفِيحَةِ، فَيُسْمَعُ لَهَا طَنِينٌ يَا عَلِيُّ، لَمْ يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ
مِثْلَهُ، فَيَبْلُغُ كُلَّ حَوْرَاءَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ، فَتَبْعَثُ
قَيِّمَهَا فَيَفْتَحُ لَهُ، فَإِذَا رَآهُ خَرَّ لَهُ - قَالَ مَسْلَمَةُ:
أُرَاهُ قَالَ: سَاجِدًا - فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، إِنَّمَا أَنَا
قَيِّمُكَ، وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ. فَيَتْبَعُهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ، فَتَسْتَخِفُّ
الْحَوْرَاءَ الْعَجَلَةُ، فَتَخْرُجُ مِنْ خِيَامِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ،
حَتَّى تَعْتَنِقَهُ، ثُمَّ تَقُولُ: أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ، وَأَنَا
الْخَالِدَةُ الَّتِي لَا أَمُوتُ، وَأَنَا النَّاعِمَةُ الَّتِي لَا أَبْأَسُ،
وَأَنَا الرَّاضِيَةُ الَّتِي لَا أَسْخَطُ، وَأَنَا الْمُقِيمَةُ الَّتِي لَا
أَظْعَنُ. فَيَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ أُسِّهِ إِلَى سَقْفِهِ مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ،
بُنِيَ عَلَى جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، طَرَائِقُ حُمْرٌ وَخُضْرٌ
وَصُفْرٌ، لَيْسَ مِنْهَا طَرِيقَةٌ تُشَاكِلُ صَاحِبَتَهَا، وَفِي الْبَيْتِ
سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ حَشِيَّةٍ، عَلَى كُلِّ
حَشِيَّةٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى
مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ الْحُلَلِ، يَقْضِي جِمَاعَهُنَّ فِي مِقْدَارِ
لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيكُمْ هَذِهِ، الْأَنْهَارُ مِنْ تَحْتِهِمْ تَطَّرِدُ،
أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ - قَالَ: صَافٍ لَا كَدَرَ فِيهِ - وَأَنْهَارٌ
مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ضُرُوعِ الْمَاشِيَةِ،
وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِيِينَ، لَمْ تَعْصِرْهَا الرِّجَالُ
بِأَقْدَامِهَا، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ
النَّحْلِ، فَيَسْتَحْلِي الثِّمَارَ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ قَائِمًا، وَإِنْ شَاءَ
قَاعِدًا، وَإِنْ شَاءَ مُتَّكِئًا ". ثُمَّ تَلَا: " وَدَانِيَةً
عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [ الْإِنْسَانِ: 14 ].
فَيَشْتَهِي الطَّعَامَ، فَيَأْتِيهِ طَيْرٌ أَبْيَضُ - قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ:
أَخْضَرُ - فَتَرْفَعُ أَجْنِحَتَهَا، فَيَأْكُلُ مِنْ جُنُوبِهَا أَيَّ
الْأَلْوَانِ شَاءَ، ثُمَّ تَطِيرُ فَتَذْهَبُ، فَيَدْخُلُ الْمَلِكُ، فَيَقُولُ:
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، تِلْكُمُ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ. وَلَوْ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ شَعَرِ الْحَوْرَاءِ وَقَعَتْ إِلَى
الْأَرْضِ لَأَضَاءَتِ الْأَرْضُ مِنْهَا، وَلَكَانَتِ الشَّمْسُ مَعَهَا سَوَادًا
فِي نُورٍ "
. وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي " الْجَعْدِيَّاتِ " مِنْ كَلَامِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصِّحَّةِ، وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ
عَلِيٍّ، قَالَ: ذَكَرَ النَّارَ فَعَظَّمَ أَمْرَهَا، ذِكْرًا لَا أَحْفَظُهُ.
قَالَ: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى
إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [ الزُّمَرِ: 73 ]. حَتَّى إِذَا
انْتَهَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً يَخْرُجُ
مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ، فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا،
كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا، فَشَرِبُوا مِنْهَا، فَأَذْهَبَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ
مِنْ قَذًى أَوْ أَذًى أَوْ بَأْسٍ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى،
فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، وَلَمْ
تَغْبَرَّ أَشْعَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلَا تَشْعَثُ رُءُوسُهُمْ،
كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالُوا:
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ثُمَّ تَلَقَّاهُمُ
الْوِلْدَانُ فَيُطِيفُونَ بِهِمْ، كَمَا يُطِيفُ وِلْدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا
بِالْحَمِيمِ يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ، يَقُولُونَ: أَبْشِرُوا بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ
لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ. ثُمَّ يَنْطَلِقُ غُلَامٌ مِنْ أُولَئِكَ الْوِلْدَانِ
إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَيَقُولُ: جَاءَ فُلَانٌ.
بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى بِهِ فِي الدُّنْيَا. قَالَتْ: أَمَا رَأَيْتَهُ
؟ قَالَ: نَعَمْ أَنَا رَأَيْتُهُ، وَهُوَ بِإِثْرِي. فَيَسْتَخِفُّ إِحْدَاهُنَّ
الْفَرَحُ، حَتَّى تَقُومَ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهَا، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى
مَنْزِلِهِ نَظَرَ إِلَى أَسَاسِ بُنْيَانِهِ، فَإِذَا جَنْدَلُ اللُّؤْلُؤِ
فَوْقَهُ صَرْحٌ أَحْمَرُ وَأَخْضَرُ وَأَصْفَرُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَى سَقْفِهِ، فَإِذَا
مِثْلُ الْبَرْقِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ أَنْ لَا يَذْهَبَ بَصَرُهُ
لَأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بِبَصَرِهِ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَإِذَا
أَزْوَاجُهُ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ، وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرَابِيُّ
مَبْثُوثَةٌ، ثُمَّ اتَّكَئُوا، فَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا
لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هُدَانَا اللَّهُ. ثُمَّ يُنَادِي
مُنَادٍ: تَحْيَوْنَ فَلَا تَمُوتُونَ أَبَدًا، وَتُقِيمُونَ فَلَا تَظْعَنُونَ
أَبَدًا، وَتَصِحُّونَ فَلَا تَمْرَضُونَ أَبَدًا.
وَهَذَا الْأَثَرُ يَقْتَضِي أَنَّ تَغْيِيرَ الشَّكْلِ مِنَ الْحَالِ الَّذِي
كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا إِلَى طُولِ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضِ
سَبْعَةِ أَذْرُعٍ، كَمَا هِيَ صِفَةُ كُلِّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ صَغِيرٍ
وَكَبِيرٍ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ، يَكُونُ عِنْدَ هَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ
اللَّتَيْنِ يَغْتَسِلُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَتَجْرِي عَلَيْهِمُ نَضْرَةُ
النَّعِيمِ وَيَشْرَبُونَ مِنَ الْأُخْرَى فَتَغْسِلُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنَ
الْأَذَى، فَيَتَجَدَّدُ لَهُمُ الطُّولُ وَالْعَرْضُ، وَذَهَابُ الْأَذَى،
وَجَرَيَانُ نَضْرَةِ النَّعِيمِ بَعْدَ الْغَسْلِ وَالشُّرْبِ. وَهَذَا أَنْسَبُ
وَأَقْرَبُ مِمَّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي
عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ، وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا مَنْ
زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ ; لِمَا
يُعَارِضُهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ
إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ صُوِّرَ صُورَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأُلْبِسَ
لِبَاسَهُمْ، وَحُلِّيَ حِلْيَتَهُمْ، وَأُرِيَ أَزْوَاجَهُ وَخَدَمَهُ،
يَأْخُذُهُ سُوَارُ فَرَحٍ، لَوْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمُوتَ لَمَاتَ مِنْ
شِدَّةِ سُوَارِ فَرَحِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ سُوَارَ فَرَحِكَ هَذَا،
فَإِنَّهُ قَائِمٌ
لَكَ، وَبَاقٍ أَبَدًا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زُهْرَةَ
بْنِ مَعْبَدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ قَالَ:
إِنَّ الْعَبْدَ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَتَلَقَّاهُ سَبْعُونَ أَلْفَ
خَادِمٍ، كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ.
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمِنِ الْمَعَافِرِيِّ، قَالَ: إِنَّهُ لَيُصَفُّ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ سِمَاطَانِ، لَا يُرَى طَرَفَاهُمَا مِنْ غِلْمَانِهِ، حَتَّى إِذَا
مَرَّ مَشَوْا وَرَاءَهُ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ:
إِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ الْجَنَّةَ دَخَلَ أَمَامَهُ مَلَكٌ، فَيَأْخُذُ بِهِ
فِي سِكَكِهَا، فَيَقُولُ لَهُ: انْظُرْ، مَا تَرَى ؟ قَالَ: أَرَى أَكْثَرَ
قُصُورٍ رَأَيْتُهَا مَنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَأَكْثَرَ أَنِيسٍ. فَيَقُولُ
الْمَلَكُ: إِنَّ هَذَا أَجْمَعَ لَكَ. حَتَّى إِذَا دُفِعَ لَهُمُ اسْتَقْبَلُوهُ
مَنْ كُلِّ بَابٍ وَمِنْ كُلِّ مَكَانٍ: نَحْنُ لَكَ. ثُمَّ يَقُولُ: امْشِ.
فَيَقُولُ: مَاذَا تَرَى ؟ فَيَقُولُ: أَكْثَرَ عَسَاكِرَ رَأَيْتُهَا مِنْ
خِيَامٍ، وَأَكْثَرَ أَنِيسٍ. فَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا أَجْمَعَ لَكَ. فَإِذَا
دُفِعَ لَهُمُ اسْتَقْبَلُوهُ: نَحْنُ لَكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، عَنْ
أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا
رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [ الْإِنْسَانِ: 20 ]،
قَالَ: الْمُلْكُ الْكَبِيرُ أَنَّ الْمَلَكَ يَأْتِي إِلَى وَلِيِّ اللَّهِ
بِالتُّحْفَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا
بِإِذْنٍ بَعْدَ إِذْنٍ، يَقُولُ الْمَلَكُ لِحَاجِبِهِ: اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى
وَلِيِّ اللَّهِ. فَيُعْلِمُ ذَلِكَ الْحَاجِبُ حَاجِبًا آخَرَ، وَحَاجِبًا بَعْدَ
حَاجِبٍ، وَمِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى وَلِيِّ اللَّهِ،
عَزَّ وَجَلَّ، بِمَا أُمِرَ بِهِ، وَمِنْ دَارِهِ إِلَى دَارِ السَّلَامِ بَابٌ
يَدْخُلُ مِنْهُ الْوَلِيُّ عَلَى رَبِّهِ، مَتَى شَاءَ بِلَا إِذْنٍ، وَرَسُولُ
رَبِّ الْعِزَّةِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا
مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
يَعْقُوبَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ شَغَافٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا إِلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَكْرَمَ خَلِيقَةٍ عَلَى اللَّهِ أَبُو
الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْجَنَّةَ فِي
السَّمَاءِ، وَإِنَّ النَّارَ فِي الْأَرْضِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
بَعْثَ اللَّهُ الْخَلِيقَةَ أُمَّةً أُمَّةً، وَنَبِيًّا نَبِيًّا، ثُمَّ يُوضَعُ
جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ ؟
فَيَقُومُ وَتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ، بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا، فَيَأْخَذُونَ عَلَى
الْجِسْرِ، وَيَطْمِسُ اللَّهُ تَعَالَى أَبْصَارَ أَعْدَائِهِ، فَيَتَهَافَتُونَ
فِيهَا مِنْ شِمَالٍ وَيَمِينٍ، وَيَنْجُو النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالصَّالِحُونَ مَعَهُ، وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ،
وَيُبَوِّئُونَهُمْ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، عَلَى يَمِينِكَ، عَلَى
يَسَارِكَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَبِّهِ، فَيُلْقَى لَهُ كُرْسِيٌّ عَلَى
يَمِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يُنَادِي الْمُنَادِي: أَيْنَ عِيسَى
وَأُمَّتُهُ ؟ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمُ إِلَى أَنْ قَالَ: فَيُلْقَى لَهُ
كُرْسِيٌّ مِنَ
الْجَانِبِ الْآخَرِ، ثُمَّ يَتْبَعُهُمُ
الْأَنْبِيَاءُ وَالْأُمَمُ، حَتَّى يَكُونَ آخِرَهُمْ نُوحٌ، عَلَيْهِ
السَّلَامُ. وَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ سَلَامٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي
الدُّنْيَا عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ،
قَالَ: يُوضَعُ الصِّرَاطُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهُ حَدٌّ كَحَدِّ الْمُوسَى،
فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا، مَنْ يُطِيقُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى هَذَا ؟
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " مَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي ". فَيَقُولُونَ:
رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.
فَصْلٌ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ،
عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى
صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا
يَمْتَخِطُونَ فِيهَا، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا، آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمُ
الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الْأَلُوَّةِ، وَرَشْحُهُمُ
الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ
وَرَاءِ اللَّحْمِ ; مِنَ الْحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ،
قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا
".
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنِ
ابْنِ الْمُبَارَكِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، بِهِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ
لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى صُورَةِ أَشَدِّ كَوْكَبٍ
دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا
يَتْفُلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونُ، أَمَشْاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ
الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ،
أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ،
سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ
جَرِيرٍ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا،
بِيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ، أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، وَهُمْ عَلَى
خَلْقِ آدَمَ ; سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَدَوِيُّ،
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَدْخُلُ
أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا، مُرْدًا، مُكَحَّلِينَ بَنِي ثَلَاثٍ
وَثَلَاثِينَ ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ
دَاوُدَ الْقَطَّانِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ،
حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي رَوَّادُ بْنُ جَرَّاحٍ
الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ عَلَى طُولِ آدَمَ ;
سِتِّينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْمَلَكِ، عَلَى حُسْنِ يُوسُفَ، وَعَلَى مِيلَادِ
عِيسَى، ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَعَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ، جُرْدٌ مُرْدٌ
مُكَحَّلُونَ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ
خَالِدٍ وَعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ،
قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ،
عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُبْعَثُ أَهْلُ الْجَنَّةِ
عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فِي مِيلَادِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، جُرْدًا مُرْدًا
مُكَحَّلِينَ، ثُمَّ يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَيُكْسَوْنَ
مِنْهَا، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ دَرَّاجًا
أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدُّونَ
بَنِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فِي الْجَنَّةِ، لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا
أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ،
عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، فَذَكَرَهُ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ
الْخَفَّافُ الْعِجْلِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ:
قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: يُبْعَثُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْدًا مُرْدًا
مُكَحَّلِينَ بَنِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ شَهْرٍ
وَمُعَاذٍ انْقِطَاعًا لَوْ كَانَ سَاقَهُ لَكَانَتْ أَبْعَدَ مِنْ شَهْرٍ، وَهُوَ
يُفْهِمُ بَعْثَهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ
أَحَدٍ يُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ تُغَيَّرُ حُلَاهُمْ إِلَى
الطُّولِ وَالْعَرْضِ، كُلُّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِ
الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
كِتَابُ صِفَةِ النَّارِ - أَجَارَنَا اللَّهُ
مِنْهَا - وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ الْبَقَرَةِ: 24 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [ الْبَقَرَةِ: 175 ] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ
مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [ آلِ عِمْرَانَ: 91 ] وَقَالَ تَعَالَى ؟ إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ
جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [
النِّسَاءِ: 56 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ
يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ
جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [
النِّسَاءِ: 168، 169 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ
لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ
عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [
الْمَائِدَةِ: 36، 37 ]. وَقَالَ تَعَالَى: قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ [ الْأَعْرَافِ:
38 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا
يَفْقَهُونَ [ التَّوْبَةِ: 81 ]، وَقَالَ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا
فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [ هُودٍ: 106 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [
الْإِسْرَاءِ: 97 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ
ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا
فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ الْآيَاتِ [
الْحَجِّ: 19 - 21 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ
النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ الْآيَاتِ [ الْمُؤْمِنُونَ: 103، 104 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا الْآيَاتِ
[ الْفُرْقَانِ: 11 ]، وَقَالَ تَعَالَى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ
الْآيَاتِ [ الشُّعَرَاءِ: 91 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا
فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ الْآيَةَ [ السَّجْدَةِ: 20 ]. يَوْمَ تُقَلَّبُ
وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ الْآيَةَ [ الْأَحْزَابِ: 66 ] وَقَالَ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا
وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا الْآيَاتِ [ فَاطِرٍ: 36 ] قَالَ
تَعَالَى: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ
بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الْآيَاتِ [ يس: 63، 64 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ الْآيَاتِ [ الصَّافَّاتِ:
22، 23 ]. وَقَالَ تَعَالَى: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ
يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ
تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [ ص: 55 - 64 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَسِيقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا إِلَى قَوْلِهِ: فَبِئْسَ مَثْوَى
الْمُتَكَبِّرِينَ [ الزُّمَرِ: 71، 72 ]. وَقَالَ: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ
سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [ الْآيَاتِ
إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [
غَافِرٍ: 45 - 52 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ
وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ
الْآيَاتِ [ غَافِرٍ: 71، 72 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ
مَثْوًى لَهُمْ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَكُونَا مِنَ
الْأَسْفَلِينَ [ فُصِّلَتْ: 24 - 29 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ
فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [ الزُّخْرُفِ: 74 ]. وَقَالَ تَعَالَى: خُذُوهُ
فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ [ الدُّخَانِ: 147 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ
أَمْعَاءَهُمْ [ مُحَمَّدٍ: 15 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ
هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ ق: 30 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [ الطُّورِ: 13 ]، وَقَالَ
تَعَالَى: مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [
الْحَدِيدِ: 15 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا
مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ الْآيَةَ [ التَّحْرِيمِ: 6 ] وَقَالَ تَعَالَى: يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ التَّحْرِيمِ: 9 ] وَقَالَ
تَعَالَى: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ الْآيَاتِ [ الْمُلْكِ: 6 ]. وَقَالَ تَعَالَى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ
إِلَى قَوْلِهِ: وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [ الْمُدَّثِّرِ: 26 - 31
]، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا الْآيَاتِ إِلَى
قَوْلِهِ: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [ النَّبَأِ: 21 - 30 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى الْآيَاتِ [ اللَّيْلِ: 14 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ
عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [ الْبَلَدِ: 19، 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيْلٌ
لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ
مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا
الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
إِلَى آخَرِ السُّورَةِ [ الْهُمَزَةِ: 1 - 7 ].
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ بِسَنَدِهِ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ النَّارَ
تَأْكُلُ أَهْلَهَا، حَتَّى إِذَا اطَّلَعَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمُ انْتَهَتْ،
ثُمَّ يَعُودُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُهُ أَيْضًا، فَتَأْكُلُهُ حَتَّى
تَطَّلِعَ عَلَى فُؤَادِهِ، فَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: نَارُ
اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [ الْهُمَزَةِ: 6، 7
].
وَقَدْ تَرَكْنَا إِيرَادَ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ خَوْفَ الْإِطَالَةِ، وَفِيمَا
ذَكَرْنَا إِرْشَادٌ لِمَا تَرَكْنَا، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَسَتَأْتِي
الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ - أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا
آمِينَ - مُرَتَّبَةً عَلَى تَرْتِيبٍ حَسَنٍ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: لَمَّا خُلِقَتِ النَّارُ فَزِعَتِ الْمَلَائِكَةُ،
وَطَارَتْ أَفْئِدَتُهَا، فَلَمَّا خُلِقَ آدَمُ سَكَنَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَذَهَبَ
مَا كَانُوا يَجِدُونَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنِ
الثِّقَةِ،أَنَّ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ دَخَلَتْهُ خَشْيَةٌ مِنَ النَّارِ،
فَكَانَ يَبْكِي عِنْدَ ذِكْرِ النَّارِ، حَتَّى حَبَسَهُ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ،
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ فِي
الْبَيْتِ، فَلَمَّا دَخَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اعْتَنَقَهُ الْفَتَى، وَخَرَّ مَيِّتًا، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جَهِّزُوا
صَاحِبَكُمْ، فَإِنَّ الْفَرَقَ مِنَ النَّارِ فَلَذَ كَبِدَهُ ".
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرُوِيَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ
بِأَرْبَعَةِ آلَافِ امْرَأَةٍ مُتَغَيِّرَاتِ الْأَلْوَانِ، وَعَلَيْهِنَّ
مَدَارِعُ الشَّعَرِ وَالصُّوفِ، فَقَالَ عِيسَى: مَا الَّذِي غَيَّرَ
أَلْوَانَكُنَّ مَعَاشِرَ النِّسْوَةِ ؟ قُلْنَ: ذِكْرُ النَّارِ غَيَّرَ
أَلْوَانَنَا يَا ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ لَا يَذُوقُ فِيهَا
بَرْدًا وَلَا شَرَابًا. ذَكَرَهُ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِ " الْقُبُورِ
".
وَرُوِيَ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [ الْحِجْرِ: 43 ]. فِرَّ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ هَارِبًا مِنَ الْخَوْفِ، لَا يَعْقِلُ، فَجِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُنْزِلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ فَوَالَّذِي
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ قَطَعَتْ قَلْبِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ الْآيَةَ [ الْحِجْرِ: 45 ]. ذَكَرَهُ
الثَّعْلَبِيُّ.
ذِكْرُ جَهَنَّمَ وَشَدَّةِ سَوَادِهَا، أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ
جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
[ التَّوْبَةِ: 81 ]، وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا
مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ
حَامِيَةٌ [ الْقَارِعَةِ: 8 - 11 ]. وَقَالَ تَعَالَى: تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ
آنِيَةٍ [ الْغَاشِيَةِ: 5 ]. وَقَالَ تَعَالَى: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي
يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [
الرَّحْمَنِ: 43، 44 ]. أَيْ حَارٍّ قَدْ تَنَاهَى حَرُّهُ، وَبَلَغَ الْغَايَةَ
فِي الْحَرَارَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ
نَارِ جَهَنَّمَ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَتْ
لَكَافِيَةً. فَقَالَ: " إِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ
جُزْءًا ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ،
بِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهِ، نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ
جَهَنَّمَ، وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا جَعَلَ
اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ ". عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ
".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا
مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ". فَقَالَ رَجُلٌ: إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً. فَقَالَ:
" لَقَدْ فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا حَرًّا فَحَرًّا
".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَارُكُمْ هَذِهِ، مَا يُوقِدُ بَنُو آدَمَ،
جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ ". قَالُوا:
وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "
فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ
حَرِّهَا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ
الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ، وَكُلَّ نَارٍ أُوقِدَتْ -
أَوْ هُمْ يُوقِدُونَهَا - جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ
".
طَرِيقٌ أُخْرَى بِلَفْظٍ آخَرَ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ:هَذِهِ النَّارُ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ جَهَنَّمَ ". وَهَذَا
الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَفِي لَفْظِهِ غَرَابَةٌ،
وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
" جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا ".
وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْ غَيْرِهِ كَذَلِكَ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ،
كَمَا قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ،
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ
بُشْرَى، وَهَى جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّ
نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ سُمُومِ جَهَنَّمَ، وَمَا
دَامَ الْعَبْدُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ
". قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ، كَمَا قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ،
عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ
جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا حَرُّهَا ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَلَّالُ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ
عِيسَى الْقَزَّازُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ نَارِكُمْ هَذِهِ مِنْ نَارِ
جَهَنَّمَ ؟ لَهِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنْ دُخَانِ نَارِكُمْ هَذِهِ بِسَبْعِينَ
ضِعْفًا ".
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ،
فَرَفَعَهُ، وَهُوَ عِنْدِي
عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ،
ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا
أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ". قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ أَبِي
بُكَيْرٍ، عَنْ شَرِيكٍ. كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ
بْنُ مَرْدَوَيْهِ الْحَافِظُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُكْرَمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
عَمِّهِ، عَنْ شَرِيكٍ، بِهِ، مِثْلَهُ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النَّارُ لَا
يُطْفَأُ جَمْرُهَا، وَلَا يُضِيءُ لَهَبُهَا ". قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ:
وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [ الْأَنْفَالِ: 50 ]. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا. وَقَالَ ابْنُ
مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَتَّابٍ
الدَّلَّالُ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَارًا
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [ التَّحْرِيمِ: 6 ]. قَالَ: " أُوقِدَ
عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، وَأَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ،
وَأَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ لَا يُضِيءُ لَهَبُهَا
".
وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ
مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا سَلَّامٌ الطَّوِيلُ، عَنِ الْأَجْلَحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْكِنْدِيُّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ:أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حِينٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِ فِيهِ، فَقَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، مَا لِي
أَرَاكَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ ؟ " فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ حَتَّى أَمَرَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بِفَتْحِ أَبْوَابِ النَّارِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جِبْرِيلُ، صِفْ لِيَ النَّارَ، وَانْعَتْ
لِي جَهَنَّمَ " فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَا، فَأُوقِدَ عَلَيْهَا
أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى
احْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ
سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، لَا يُضِيءُ شَرَرُهَا، وَلَا يُطْفَأُ لَهَبُهَا. وَقَالَ:
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنْ حَلَقِ السِّلْسِلَةِ
الَّتِي نَعَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فِي كِتَابِهِ وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ
الدُّنْيَا لَأَذَابَتْهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " حَسْبِي يَا جِبْرِيلُ ; لَا يَنْصَدِعُ قَلْبِي ".
فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ فَإِذَا
هُوَ يَبْكِي. فَقَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، أَتَبْكِي وَأَنْتَ مِنَ اللَّهِ
بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ مِنْهُ ؟ " قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ
أَبْكِيَ، وَأَنَا لَا أَدْرِي لَعَلِّي أَنْ أَكُونَ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَلَى
غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ ؟ فَقَدْ كَانَ إِبْلِيسُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَدْ
كَانَ هَارُوتُ وَمَارُوتُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَبْكِي وَجِبْرِيلُ، حَتَّى نُودِيَا: يَا مُحَمَّدُ، وَيَا جِبْرِيلُ،
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ أَمَّنَكُمَا أَنْ تَعْصِيَاهُ ". قَالَ:
فَارْتَفَعَ جِبْرِيلُ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُونَ وَيَضْحَكُونَ. فَقَالَ: "
أَتَضْحَكُونَ وَجَهَنَّمُ مِنْ وَرَائِكُمْ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ
لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى
الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ ". فَأَوْحَى اللَّهُ
تَعَالَى إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي بَعَثْتُكَ مُبَشِّرًا. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْشِرُوا، وَسَدِّدُوا،
وَقَارِبُوا ". قَالَ الضِّيَاءُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ -
يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ،
وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: "
لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ
مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ بِهِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ
بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَدْنَى
أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا
يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي
دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ يَغْلِي
مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ". وَسَاقَ أَحْمَدُ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ
النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ
جَمْرَةٌ يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ
النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ
جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، أَوْ
يَغْلِي الْقُمْقُمُ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ،
وَهُوَ يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْوَنُ
أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا عَلَيْهِ نَعْلَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ".
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا
".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُهْدَىٍّ، حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ،
لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا
" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رَأَيْتَ ؟ قَالَ: " رَأَيْتُ
الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ حُمَيْدَ بْنَ عُبَيْدٍ
مَوْلَى بَنِي الْمُعَلَّى، يَقُولُ: سَمِعْتُ ثَابِتًا
الْبُنَانِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ
لِجِبْرِيلَ: " مَا لِي لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا قَطُّ ؟ قَالَ: مَا
ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ ".
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ
اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [ الْمُرْسَلَاتِ: 29 - 34 ].
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُدَيْجِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [ الْمُرْسَلَاتِ: 32
]. قَالَ: أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَ الشَّجَرِ وَالْجَبَلِ، وَلَكِنَّهَا
مِثْلَ الْمَدَائِنِ وَالْحُصُونِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا طَالِبُ بْنُ قُرَّةَ "، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّ شَرَرَةً مِنْ شَرَرِ
جَهَنَّمَ بِالْمَشْرِقِ لَوَجَدَ حَرَّهَا مَنْ بِالْمَغْرِبِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ
لَهَا بِنَفَسَيْنِ ; نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ
مَا يَكُونُ مِنَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ". وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اشْتَدَّ
الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ ؟ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ
جَهَنَّمَ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى
رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَنَفِّسْنِي. فَأَذِنَ لَهَا
كُلَّ عَامٍ بِنَفَسَيْنِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ مِنْ
زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ "، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ مِنْ حَرِّ
جَهَنَّمَ ". وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ
أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صِبْغَةً، ثُمَّ
يُقَالُ لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ
نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ
النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ فِي
الْجَنَّةِ صِبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ
؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ
بِي
بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ،
عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبَا أَكُنْتَ
مُفْتَدِيًا بِهِ ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. قَالَ: فَيُقَالُ: لَقَدْ
سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ
الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ [ آلِ عِمْرَانَ: 91 ].
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ
أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ
أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ ; قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ الْمِيثَاقَ فِي
ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي
".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَعَفَّانُ، قَالَا:
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،
أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِالرَّجُلِ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ، كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ ؟
فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، خَيْرَ مَنْزِلٍ، فَيَقُولُ: سَلْ وَتَمَنَّ. فَيَقُولُ:
مَا أَسْأَلُ وَأَتَمَنَّى إِلَّا أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقْتَلَ
فِي سَبِيلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ. لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ. وَيُؤْتَى
بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا بْنَ آدَمَ، كَيْفَ
وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، شَرَّ مَنْزِلٍ. فَيَقُولُ لَهُ:
أَتَفْتَدِي مِنْهُ بِطِلَاعِ الْأَرْضِ ذَهَبًا ؟ فَيَقُولُ ؟ أَيْ رَبِّ،
نَعَمْ. فَيَقُولُ: كَذَبْتَ، قَدْ سَأَلْتُكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَيْسَرَ
فَلَمْ تَفْعَلْ. فَيُرَدُّ إِلَى النَّارِ ".
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
وَمُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يُرَ مِثْلُ
النَّارِ، نَامَ هَارِبُهَا، وَلَمْ يُرَ مِثْلُ الْجَنَّةِ، نَامَ طَالِبُهَا
".
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى، وَغَيْرُهُ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
شَبِيبٍ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ كَانَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ
يَزِيدُونَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَتَنَفَّسَ فَأَصَابَهُمْ
نَفَسُهُ لَأَحْرَقَ الْمَسْجِدَ وَمِنْ فِيهِ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
جِدًّا.
ذِكْرُ بُعْدِ قَعْرِ جَهَنَّمَ وَاتِّسَاعِهَا وَضَخَامَةِ أَهْلِهَا، أَجَارَنَا
اللَّهُ مِنْهَا
قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ
وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [ النِّسَاءِ: 145 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا
مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ
حَامِيَةٌ [ الْقَارِعَةِ: 8 - 11 ]، وَقَالَ تَعَالَى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ
مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [
الْأَعْرَافِ: 41 ]. وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ
دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [ الطُّورِ: 13، 14
]. وَقَالَ تَعَالَى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. إِلَى
قَوْلِهِ: وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ ق: 24 - 30 ].
وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ
يُلْقَى فِيهَا، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ؟ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهَا رَبُّ
الْعِزَّةِ قَدَمَهُ،
فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ ؟
قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ
الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا
فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، بِنَحْوِهِ، وَلَفْظُهُ: " يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ
مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ ". وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَغْرِبَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ:
حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ
بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ ؟ يُضْحِكُ بِهَا
جُلَسَاءَهُ، يَهْوِي بِهَا مِنْ أَبْعَدَ مِنَ الثُّرَيَّا ". غَرِيبٌ،
وَالزُّبَيْرُ فِيهِ لِينٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ
خَلِيفَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ:كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا فَسَمِعْنَا وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " قُلْنَا: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " هَذَا حَجَرٌ أُرْسِلَ فِي جَهَنَّمَ مُنْذُ
سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَالْآنَ انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا ". وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ مَرْوَانَ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، بِهِ، نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ السَّقَطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ
سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ:سَمِعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتًا هَالَهُ ذَلِكَ،
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: " مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ:
هَذِهِ صَخْرَةٌ هَوَتْ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ عَامًا، فَهَذَا
حِينَ بَلَغَتْ قَعْرَهَا، أَحَبَّ اللَّهُ أَنْ يُسْمِعَكَ صَوْتَهَا ".
قَالَ: فَمَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ
ذَلِكَ الْيَوْمِ ضَاحِكًا مِلْءَ فِيهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ،
أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ
شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا، لَا يُدْرِكُ لَهَا
قَعْرًا، وَاللَّهِ لَتُمْلَأَنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ ؟ وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ
مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ
سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ
أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّ حَجَرًا قُذِفَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ
لَهَوَى سَبْعِينَ خَرِيفًا قَبِلَ
أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهَا ".
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ،
وَالْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا
سَعَةُ جَهَنَّمَ ؟ فَقُلْنَا: لَا. فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهُ مَا تَدْرُونَ،
إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ
سَبْعِينَ خَرِيفًا، تَجْرِي فِيهِ أَوْدِيَةُ الْقَيْحِ وَالدَّمِ. قَالَ:
قُلْنَا: أَنْهَارٌ ؟ قَالَ: لَا، بَلْ أَوْدِيَةٌ. ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا
سَعَةُ جَهَنَّمَ ؟ قَالَ: قُلْنَا: لَا. قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ مَا تَدْرُونَ،
حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [ الزُّمَرِ: 67 ]. أَيْنَ النَّاسُ
يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: " عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ ".
وَإِنَّمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ الْمَرْفُوعَ فَقَطْ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ،
عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَرْفُوعًا:
يُجَاءُ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ
تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ
زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ". وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى
ابْنِ مَسْعُودٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرُوِي فِي حَدِيثٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَرْفُوعًا: " هَلْ
تَدْرُونَ مَا تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا
دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ
[ الْفَجْرِ: 21 - 23 ]. قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تُقَادُ
جَهَنَّمُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، كُلُّ زِمَامٍ بِيَدِ سَبْعِينَ أَلْفَ
مَلَكٍ ". قَالَ: " فَتَشْرُدُ شَرْدَةً لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ
حَبَسَهَا لَأَحْرَقَتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا أَبُو السَّمْحِ،
عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً
مِثْلَ هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى جُمْجُمَةٍ - أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى
الْأَرْضِ، وَهَى مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةً، لَبَلَغَتِ
الْأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَلَوْ أَنَّهَا
أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ، قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا أَوْ قَعْرَهَا ". وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُيَيٍّ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ
بْنُ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ ".
ذِكْرُ تَعْظِيمِ خَلْقِهِمْ فِي النَّارِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنَ النَّارِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ
نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [ النِّسَاءِ: 56
].
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الطَّوِيلُ، عَنْ
أَبِي يَحْيَى
الْقَتَّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَعْظُمُ أَهْلُ
النَّارِ فِي النَّارِ حَتَّى إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ إِلَى
عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ، وَإِنَّ غِلَظَ جِلْدِهِ سَبْعُونَ
ذِرَاعًا، وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ ". كَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي
" مُسْنَدِهِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ،
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى
الْقَتَّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا،
فَذَكَرَ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ الْأَوَّلَ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ مِنْ
وُجُوهٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ
سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَفَخِذُهُ مَثَلُ وَرِقَانَ، وَمَقْعَدُهُ فِي النَّارِ
مِثْلُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ ".
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ،
وَزَادَ فِيهِ: " وَعَضُدُهُ مِثْلُ
الْبَيْضَاءِ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ - عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ،
وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ كَمَا بَيْنَ
قُدَيْدٍ وَمَكَّةَ، وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا
بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ
الْهَدَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ - عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ
أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ صَالِحٍ
مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ،
وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ
عِيسَى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ
خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ ".
قَالَ الْحَسَنُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا
ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَفَعَهُ، قَالَ: مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ فِي النَّارِ مَسِيرَةُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ ".
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَسَدٍ، عَنِ
الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ
ابْنِ فُضَيْلٍ، وَلَمْ يَقُلْ: رَفَعَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ،
وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْوَرِقَانِ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ".
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَحْسَنَ مِنْ
هَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إِلَّا مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ الْأَسْوَدِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ أُقَيْشٍ، يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ
أُمَّتِي لَمَنْ يَشْفَعُ لِأَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، وَإِنَّ مِنْ
أُمَّتِي لَمَنْ يُعَظَّمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ زَوَايَاهَا ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ
بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو
حَيَّانَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ مَنْ أَهْلِ
النَّارِ لَيُعَظَّمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ
الضِّرْسُ مِنْ أَضْرَاسِهِ كَأُحُدٍ ".
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُحْشَرُ
الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ
يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي
جَهَنَّمَ، يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ. فَتَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ
مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ; عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ ".
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ "، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ
نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ. فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَرَصَاتِ
كَذَلِكَ، فَإِذَا سِيقُوا إِلَى النَّارِ وَدَخَلُوهَا عَظُمَ خَلْقُهُمْ، كَمَا
دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا ; لِيَكُونَ ذَلِكَ
أَنَكَى وَأَشَدَّ فِي عَذَابِهِمْ، وَأَعْظَمَ فِي خِزْيِهِمْ، كَمَا قَالَ:
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [ النِّسَاءِ: 56 ]. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ أَنَّ الْبَحْرَ يُسْجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ جَهَنَّمَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُيَيٍّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ
يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ ". قَالُوا لِيَعْلَى. فَقَالَ:
أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا [ الْكَهْفِ: 29 ] ؟ قَالَ: لَا، وَالَّذِي نَفْسُ يَعْلَى بِيَدِهِ،
لَا أَدْخُلُهَا أَبَدًا حَتَّى أُعْرَضَ عَلَى اللَّهِ، وَلَا يُصِيبُنِي مِنْهَا
قَطْرَةٌ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقَ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُيَيٍّ، عَنْ صَفْوَانَ
بْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ ". ثُمَّ تَلَا: نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا. وَهَكَذَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّ الْحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ ;
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُيَيٍّ.
وَفَى " الْمُسْنَدِ " - كَمَا تَقَدَّمَ -
بَيْنَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو مُسْلِمٍ
الْكَجِّيُّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي
رَجُلٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ بِشْرٍ أَبَى عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ
إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; فَإِنَّ تَحْتَ
الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا ".
ذِكْرُ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ وَصِفَةِ خَزَنَتِهَا
وَزَبَانِيَتِهَا، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا
حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ
وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ
كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [ الزُّمَرِ: 71، 72 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ
لِكُلِ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [ الْحِجْرِ: 43، 44 ].
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ،
أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ،
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ،
حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الصِّرَاطَ بَيْنَ ظَهْرَيْ
جَهَنَّمَ، دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فَالْأَنْبِيَاءُ يَقُولُونَ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ
سَلِّمْ سَلِّمْ. وَالنَّاسُ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، وَكَطَرْفِ الْعَيْنِ،
وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ، وَالرِّكَابِ، وَشَدًّا عَلَى
الْأَقْدَامِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَطْرُوحٌ فِيهَا،
وَلَهَا سَبْعَةُ
أَبْوَابٍ، لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ
".
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصِّفَارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ،
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ " تَبَارَكَ
"، وَ " حم السَّجْدَةِ "، وَقَالَ: " الْحَوَامِيمُ سَبْعٌ،
وَأَبْوَابُ جَهَنَّمَ سَبْعٌ ; جَهَنَّمُ، وَالْحُطَمَةُ، وَلَظَى، وَسَعِيرٌ،
وَسَقَرُ، وَالْهَاوِيَةُ، وَالْجَحِيمُ ". قَالَ: " تَجِيءُ كُلُّ حم
مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". أَحْسَبُهُ قَالَ: " تَقِفُ عَلَى بَابٍ
مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ، فَتَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تُدْخِلْ هَذِهِ الْأَبْوَابَ،
مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِي وَيَقْرَأُنِي ". ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَالْخَلِيلُ بْنُ مَرَّةَ فِيهِ نَظَرٌ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ جُنَيْدٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ; بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ عَلَى
أُمَّتِي ". أَوْ قَالَ: " عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ " ".
ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ.
وَقَالَ كَعْبٌ: لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، بَابٌ مِنْهَا لِلْحَرُورِيَّةِ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ
مُنَبِّهٍ: بَيْنَ كُلِّ بَابَيْنِ مَسِيرَةُ
سَبْعِينَ سَنَةً، كُلُّ بَابٍ أَشَدُّ حَرًّا مِنَ الذِي فَوْقَهُ بِسَبْعِينَ
ضِعْفًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِنَّ
أَبْوَابَ جَهَنَّمَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ - وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ
بِأَصَابِعِهِ - فَيُمْلَأُ هَذَا، ثُمَّ هَذَا، ثُمَّ هَذَا.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،
أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ
قَالَ: أَوَّلُهَا جَهَنَّمُ، ثُمَّ لَظَى، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، ثُمَّ السَّعِيرُ،
ثُمَّ سَقَرُ، ثُمَّ الْجَحِيمُ، وَفِيهَا أَبُو جَهْلٍ، ثُمَّ الْهَاوِيَةُ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ [ التَّحْرِيمِ:
6 ]. أَيْ: غِلَاظُ
الْأَخْلَاقِ، شِدَادُ الْأَبْدَانِ. لَا يَعْصُونَ
اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [ التَّحْرِيمِ: 6 ]. أَيْ بِعَزْمِهِمْ، وَنِيَّتِهِمْ،
فَهُمْ لَا يُرِيدُونَ أَنْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْءٍ أَبَدًا، لَا بِالْعَزْمِ
وَلَا بِالنِّيَّةِ، لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا. وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
[ التَّحْرِيمِ: 6 ]. أَيْ أَنَّ فِعْلَهُمْ لَيْسَ بِإِرَادَتِهِمْ وَلَا
بِاخْتِيَارِهِمْ، بَلْ إِنَّمَا هُوَ صَادِرٌ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُمْ بِمَا
أُمِرُوا بِهِ، بَلْ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى إِبْرَازِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ
الْعَزْمِ إِلَى الْفِعْلِ، فَلَهُمْ عَزْمٌ صَادِقٌ، وَأَفْعَالٌ عَظِيمَةٌ،
وَقُوَّةٌ بَلِيغَةٌ، وَشِدَّةٌ بَاهِرَةٌ.
وَقَالَ تَعَالَى: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ
إِلَّا مَلَائِكَةً [ الْمُدَّثِّرِ: 30، 31 ]. أَيْ لِكَمَالِ طَاعَتِهِمْ
وَقُوَّتِهِمْ. وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا
[ الْمُدَّثِّرِ: 31 ]. أَيِ اخْتِبَارًا وَامْتِحَانًا، وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ
التِّسْعَةَ عَشَرَ كَالْمُقَدَّمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ أَعْوَانٌ وَأَتْبَاعٌ،
وَقَدْ رُوِّينَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [ الْحَاقَّةِ: 30
]، أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى إِذَا قَالَ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِهِ، ابْتَدَرَهُ
سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الزَّبَانِيَةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [
الْفَجْرِ: 25، 26 ].
وَرَوَى الْحَافِظُ الضِّيَاءُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ
أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ الْبَصْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ
خُلِقَتْ مَلَائِكَةُ جَهَنَّمَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ جَهَنَّمُ بِأَلْفِ عَامٍ،
فَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ يَزْدَادُونَ
قُوَّةً إِلَى قُوَّتِهِمْ، حَتَّى يَقْبِضُوا عَلَى
مَنْ قَبَضُوا عَلَيْهِ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ".
ذِكْرُ سُرَادِقِ النَّارِ، وَهُوَ سُورُهَا الْمُحِيطُ بِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ
الْمَقَامِعِ وَالْأَغْلَالِ وَالسَّلَاسِلِ وَالْأَنْكَالِ، أَجَارَنَا اللَّهُ
تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ جَمِيعِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا الْآيَةَ [ الْكَهْفِ: 29 ]. وَقَالَ تَعَالَى إِنَّهَا عَلَيْهِمْ
مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [ الْهُمَزَةِ: 8، 9 ].
مُؤْصَدَةٌ أَيْ مُطْبَقَةٌ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي "
تَفْسِيرِهِ " مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسِيدٍ الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَوْلَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا
وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا [ الْمُزَّمِّلِ: 12، 13
]. وَقَالَ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ
يُسْحَبُونَ فِي الْجَحِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [ غَافِرٍ: 71، 72 ].
وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا
مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا
وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [ الْقَمَرِ: 48 - 50 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لَهُمْ
مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ
اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [ الزُّمَرِ: 16 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الظَّالِمِينَ [ الْأَعْرَافِ: 41 ]. وَقَالَ تَعَالَى: هَذَانَ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ
نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي
بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [ الْحَجِّ: 19 - 21 ].
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حَسَنٌ، عَنِ
ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
لِسُرَادِقِ النَّارِ أَرْبَعُ جُدُرٍ كُثُفٍ، كُلُّ جِدَارٍ مِثْلُ مَسِيرَةِ
أَرْبَعِينَ سَنَةً ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ
الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ
دَرَّاجٍ، بِهِ، نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ
أَنَّ مَقْمَعًا مِنْ حَدِيدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ، فَاجْتَمَعَ لَهُ
الثَّقَلَانِ مَا أَقَلُّوهُ مِنَ الْأَرْضِ ". وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: لَوْ ضُرِبَ بِمَقْمَعٍ مِنْ حَدِيدِ جَهَنَّمَ الْجَبَلُ لَفَتَّتَهُ
فَعَادَ غُبَارًا ".
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي " تَفْسِيرِهِ
"، مِنْ طَرِيقِ بَشِيرِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ، عَنْ
يَعْلَى ابْنِ مُنْيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: يُنْشِئُ اللَّهُ لِأَهْلِ النَّارِ سَحَابَةً مُظْلِمَةً، فَإِذَا أَشْرَفَتْ
عَلَيْهِمْ نَادَتْهُمْ: يَا أَهْلَ النَّارِ، أَيُّ شَيْءٍ تَطْلُبُونَ ؟ وَمَا
الَّذِي تَسْأَلُونَ ؟ فَيَذْكُرُونَ بِهَا سَحَائِبَ الدُّنْيَا، وَالْمَاءَ
الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ، فَيَقُولُونَ: نَسْأَلُ يَا رَبَّنَا
الشَّرَابَ. فَتُمْطِرُهُمْ أَغْلَالًا
تُزَادُ فِي أَغْلَالِهِمْ، وَسَلَاسِلَ تُزَادُ فِي
سَلَاسِلِهِمْ، وَجَمْرًا يُلْهِبُ النَّارَ عَلَيْهِمْ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ
الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَيُّ أَهْلِ
النَّارِ أَشَدُّ عَذَابًا ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: الْمُنَافِقُونَ. قَالَ: صَدَقْتَ،
فَهَلْ تَدْرِي كَيْفَ يُعَذَّبُونَ ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: يُجْعَلُونَ فِي تَوَابِيتَ
مِنْ حَدِيدٍ، فَتُصْمَدُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُجْعَلُونَ فِي الدَّرْكِ
الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فِي تَنَانِيرَ أَضْيَقَ مِنَ الزَّجِّ، يُقَالُ لَهُ:
جُبُّ الْحَزَنِ. فَيُطْبَقُ عَلَى أَقْوَامٍ بِأَعْمَالِهِمْ آخِرَ الْأَبَدِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ
الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَهُمْ فِي النَّارِ لَا يَهْدَءُونَ وَلَا يَنَامُونَ
وَلَا يَمُوتُونَ، يَمْشُونَ عَلَى النَّارِ وَيَجْلِسُونَ، وَيَشَرَبُونَ مِنْ
صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَأْكُلُونَ مِنْ زَقُّومِ النَّارِ، لُحُفُهُمْ
نَارٌ، وَفُرُشُهُمْ نَارٌ، وَقُمُصُهُمْ نَارٌ وَقَطِرَانٌ، وَتَغْشَى
وُجُوهَهُمُ النَّارُ، وَجَمْعُ أَهْلِ النَّارِ فِي
سَلَاسِلَ، بِأَيْدِي الْخَزَنَةِ أَطْرَافُهَا، يَجْذِبُونَهُمْ مُقْبِلِينَ
وَمُدْبِرِينَ، فَيَسِيلُ صَدِيدُهُمْ إِلَى حُفَرٍ فِي النَّارِ، فَذَلِكَ
شَرَابُهُمْ. قَالَ: ثُمَّ بَكَى وَهْبٌ حَتَّى سَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.
قَالَ: وَغَلَبَ بَكْرَ بْنَ خُنَيْسٍ الْبُكَاءُ حَتَّى قَامَ، فَلَمْ يَقْدِرْ
أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَبَكَى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ بُكَاءً شَدِيدًا.
وَهَذَا الْكَلَامُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، وَقَدْ كَانَ
يَنْظُرُ فِي كُتُبِ الْأَوَائِلِ، وَيَنْقُلُ مِنْ صُحُفِ أَهْلِ الْكِتَابِ
الْغَثَّ وَالسَّمِينَ، وَلَكِنْ لِهَذَا الْكَلَامِ شَوَاهِدُ مِنَ الْقُرْآنِ
الْعَظِيمِ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ
الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ
فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ
وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [
الزُّخْرُفِ: 74 - 77 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ
لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ
يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ الْأَنْبِيَاءِ [ 39، 40 ] وَقَالَ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا
وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ
يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي
كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ
وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [ فَاطِرِ:
36، 37 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ
جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا
أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا
فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ [ غَافِرِ: 49، 50 ].
وَقَالَ تَعَالَى: وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ
الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا. [ الْأَعْلَى: 11 - 13 ]
وَتَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ: أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا،
فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ ". وَفِي الْحَدِيثِ
الْمُتَقَدِّمِ فِي ذَبْحِ الْمَوْتِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ: ثُمَّ يُقَالُ:
يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ
فَلَا مَوْتَ ". وَكَيْفَ يَنَامُ مَنْ هُوَ فِي عَذَابٍ مُتَوَاصِلٍ، لَا
يُغَيَّرُ عَنْهُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَلَا لَحْظَةً، بَلْ كُلَّمَا خَبَتْ
نَارُهُمْ، زَادَهُمُ اللَّهُ سَعِيرًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلَّمَا
أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ
الْحَرِيقِ الْحَجِّ: [ 22 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنِ ابْنِ
حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَيَنْفُذُ
الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ، فَيَسْلُتَ مَا فِي جَوْفِهِ
حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ ".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ
قُطْبَةَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ
بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ، فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ
الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ، فَيُؤْتَوْنَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ،
فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا إِذَا غَصُّوا يُسِيغُونَهُ
بِالشَّرَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ، فَيُؤْتَوْنَ بِالْحَمِيمِ فِي
قِلَالٍ مِنْ نَارٍ، فَإِذَا أُدْنِيَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ قَشَرَتْ وُجُوهَهُمْ،
فَإِذَا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَعَتْ أَمْعَاءَهُمْ وَمَا فِي بُطُونِهِمْ،
فَيَسْتَغِيثُونَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ
رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ
الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ [ غَافِرِ: 50 ]. فَيَقُولُونَ: ادْعُوا لَنَا
مَالِكًا. فَيَقُولُونَ: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ
مَاكِثُونَ [ الزُّخْرُفِ: 77 ]. فَيَقُولُونَ: قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ
عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 106 ].
فَيُقَالُ لَهُمْ: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [ الْمُؤْمِنُونَ: 108 ].
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الدَّارِمِيِّ، وَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
النَّاسُ لَا يَرْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّمَا
يُرْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ; قَوْلَهُ.
ذِكْرُ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ وَشَرَابِهِمْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ
وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
[ الْغَاشِيَةِ: 6، 7 ]. وَالضَّرِيعُ شَوْكٌ
بِأَرْضِ الْحِجَازِ، يُقَالُ لَهُ: الشِّبْرِقُ وَفِي حَدِيثِ الضَّحَّاكِ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " الضَّرِيعُ شَيْءٌ يَكُونُ فِي النَّارِ،
يُقَالُ: يُشْبِهُ الشَّوْكَ، أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ
الْجِيفَةِ، وَأَشَدُّ حَرًّا مِنَ النَّارِ، إِذَا طَعِمَهُ صَاحِبُهُ لَا
يَدْخُلُ الْبَطْنَ، وَلَا يَرْتَفِعُ إِلَى الْفَمِ، فَيَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ،
لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ
وَعَذَابًا أَلِيمًا [ الْمُزَّمِّلِ: 12، 13 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيُسْقَى مِنْ
مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ
كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [
إِبْرَاهِيمَ: 16، 17 ]. وَقَالَ تَعَالَى: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ
الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا
الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ
هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [ الْوَاقِعَةِ: 51 - 56 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً
لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا
كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ
مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ
مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [ الصَّافَّاتِ: 62 - 68 ].
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ:
حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ
الْيَحْصُبِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ
صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ قَالَ: " يُقَرَّبُ إِلَيْهِ، فَيَتَكَرَّهُهُ،
فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ فِيهِ،
فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [ مُحَمَّدٍ:
15 ]. وَيَقُولُ تَعَالَى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ
يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ [ الْكَهْفِ: 29 ] ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ نَحْوَهُ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ مُجَاهِدٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ آلِ عِمْرَانَ: 102
]. قَالَ: " لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي بِحَارِ
الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَيْهِمْ مَعَايِشَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ
طَعَامُهُ ؟ ".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ،
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ، بِهِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ أَبُو
السَّمْحِ، أَنَّ أَبَا الْهَيْثَمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ
غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ إِلَى الدُّنْيَا، لَأَنْتَنَ أَهْلُ الدُّنْيَا ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ دَرَّاجٍ.
وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَنْظُرُ إِلَى
عَبْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ غَضْبَانُ، فَيَقُولُ: خُذُوهُ. فَيَأْخُذُهُ
مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ، أَوْ يَزِيدُونَ، فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ
نَاصِيَتِهِ وَقَدَمَيْهِ غَضَبًا لِغَضَبِ اللَّهِ،
فَيَسْحَبُونَهُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى النَّارِ، فَالنَّارُ عَلَيْهِ أَشَدُّ
غَضَبًا مِنْهُمْ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، فَيَسْتَغِيثُ بِشَرْبَةٍ، فَيُسْقَى
شَرْبَةً يَسْقُطُ مِنْهَا لَحْمُهُ، وَعَصَبُهُ، وَيُكَدَّسُ فِي النَّارِ،
فَوَيْلٌ لَهُ مِنَ النَّارِ.
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا غَسَّاقٌ ؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: إِنَّهَا عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهَا حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ
حُمَةٍ، مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَسْتَنْقِعُ،
وَيُؤْتَى بِالْآدَمِيِّ، فَيُغْمَسُ فِيهِ غَمْسَةً وَاحِدَةً، فَيَخْرُجُ وَقَدْ
سَقَطَ جِلْدُهُ عَنِ الْعِظَامِ، وَتَعَلَّقَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ فِي
كَعْبَيْهِ، فَيَجُرُّ لَحْمَهُ، كَمَا يَجُرُّ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ.
ذِكْرُ أَمَاكِنَ فِي النَّارِ وَرَدَتْ
بِأَسْمَائِهَا الْأَحَادِيثُ وَبَيَانُ صَحِيحِ ذَلِكَ وَسَقِيمِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ
[ الْقَارِعَةِ: 8، 9 ]. قِيلَ: فَأُمُّ رَأْسِهِ هَاوِيَةٌ: أَيُّ سَاقِطَةٌ،
مِنَ الْهُوِيِّ فِي النَّارِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْهَاوِيَةُ: هِيَ أَسْفَلُ
دَرْكٍ فِي النَّارِ. كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ مَنْ سَخَطِ اللَّهِ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا
بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " سَبْعِينَ
خَرِيفًا ". وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ. أَيِ
الدَّرْكُ الْأَسْفَلُ مِنَ النَّارِ، أَوْ هِيَ صِفَةُ النَّارِ مِنْ حَيْثُ
هِيَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُقَوِّي هَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
طَاهِرِ بْنِ أَبِي الدُّمَيْكِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ،
سَبَلَانُ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ تَلَقَّتْهُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْأَلُونَهُ: مَا
فَعَلَ فُلَانٌ ؟ مَا فَعَلَتْ فُلَانَةٌ ؟ فَإِنْ كَانَ مَاتَ وَلَمْ يَأْتِهِمْ،
قَالُوا: خُولِفَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ، وَبِئْسَتِ
الْمُرَبِّيَةُ. حَتَّى يَقُولُوا: مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ هَلْ تَزَوَّجَ ؟ مَا
فَعَلَتْ فُلَانَةٌ ؟ هَلْ تَزَوَّجَتْ ؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ يَسْتَرِيحُ،
فَقَدْ خَرَجَ مِنْ كَرْبِ الدُّنْيَا ".
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ
ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْمَى، قَالَ:
إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ ذُهِبَ بِرُوحِهِ إِلَى أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ،
فَيَقُولُونَ ؟ رَوِّحُوا أَخَاكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَيَسْأَلُونَهُ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ فَيَقُولُ: مَاتَ، أَوَمَا
جَاءَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ. وَرَوَى
الْحَافِظُ الضِّيَاءُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا - أَوْ قَالَ:
يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ - إِلَّا
الْأَمَانَةَ، يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْأَمَانَةِ، فَيُقَالُ
لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ: أَنَّى يَا رَبِّ وَقَدْ ذَهَبَتِ
الدُّنْيَا. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيُقَالُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ،
فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَيْهَا، فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَعْرِهَا،
فَيَجِدُهَا هُنَاكَ كَهَيْئَتِهَا، فَيَحْمِلُهَا، فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ،
ثُمَّ يَصْعَدُ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ
خَرَجَ مِنْهَا، زَلَّتْ، فَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ ".
قَالَ: وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ،
وَالْأَمَانَةُ فِي الْوُضُوءِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ
الْوَدَائِعُ. قَالَ - يَعْنِي زَاذَانَ: فَلَقِيتُ الْبَرَاءَ، فَقُلْتُ: أَلَا
تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَخُوكَ عَبْدُ اللَّهِ ؟ فَقَالَ: صَدَقَ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ هُوَ فِي الْمُسْنَدِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ
السِّتَّةِ.
سِجْنٌ فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ
تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، مِنْ حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
جُبُّ الْحَزَنِ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ
سَيْفٍ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ جُبِّ الْحَزَنِ ". قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا جُبُّ الْحَزَنِ ؟ قَالَ: " وَادٍ فِي جَهَنَّمَ
تَسْتَعِيذُ جَهَنَّمُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ، أَعَدَّهُ
اللَّهُ لِلْقُرَّاءِ الْمُرَائِينَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ
الْقُرَّاءِ إِلَى اللَّهِ الَّذِينَ يُؤَازِرُونَ الْأُمَرَاءَ الْجَوَرَةَ
".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ سَيْفٍ،
عَنْ أَبِي مُعَانٍ - وَهُوَ الصَّوَابُ - بِهِ. اخْتَصَرَهُ التِّرْمِذِيُّ،
وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَعِنْدَهُ: " مِائَةُ مَرَّةٍ ". وَبَسَطَهُ ابْنُ
مَاجَهْ، وَعِنْدَهُ: " يَزُورُونَ الْأُمَرَاءَ الْجَوَرَةَ ".
جُبُّ الْفَلَقِ
قَالَ هُشَيْمٌ: عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ
الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِمَشْقَ، فَرَأَى مَا فِيهِ النَّاسُ مِنَ
الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا، وَالشَّهَوَاتِ، وَمَا هُمْ فِيهِ مِنْ زِينَتِهَا،
فَقَالَ: وَمَا يُغْنِي
عَنْهُمْ ذَلِكَ ؟ أَلَيْسَ مِنْ وَرَائِهِمُ
الْفَلَقُ ؟! قِيلَ لَهُ: وَمَا الْفَلَقُ ؟ قَالَ: جُبٌّ فِي النَّارِ، إِذَا
فُتِحَ هَرَّ مِنْهُ أَهْلُ النَّارِ. كَذَا، وَلَمْ يَقُلْ: فَرَّ مِنْهُ أَهْلُ
النَّارِ، بَلْ هَرَّ مِنْهُ. كَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ رَجُلٍ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ وَادِي لَمْلَمَ
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا
ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ أَبِي
يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِيًا يُقَالُ لَهُ:
لَمْلَمُ. إِنَّ أَوْدِيَةَ جَهَنَّمَ لَتَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ حَرِّهِ
". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ذِكْرُ نَهَرٍ فِيهَا هُوَ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ
نَهَرِ الْقَلُوطِ مِنْ أَنْهَارِ الدُّنْيَا
وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْأَوْسَاخِ، وَالْأَقْذَارِ، وَالنَّتَنِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ
تَعَالَى مِنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى الْفُضَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي حَرِيزٍ، أَنَّ
أَبَا بُرْدَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ:
مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ، وَمَنْ مَاتَ
مُدْمِنًا لِلْخَمْرِ سَقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَهَرِ الْغُوطَةِ ".
قِيلَ: وَمَا نَهَرُ الْغُوطَةِ ؟ قَالَ: " نَهَرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ
الْمُومِسَاتِ، يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِنَّ ".
ذِكْرُ وَادٍ أَوْ بِئْرٍ فِيهَا يُقَالُ لَهُ:
هَبْهَبٌ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْأَزْهَرُ بْنُ سِنَانٍ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى بِلَالِ بْنِ أَبِي
بُرْدَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا بِلَالُ، إِنَّ أَبَاكَ حَدَّثَنِي، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ
وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: هَبْهَبٌ. حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُسْكِنَهُ كُلَّ
جَبَّارٍ، فَإِيَّاكَ يَا بِلَالُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْكُنُهُ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَزْهَرَ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بِلَالِ
بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَبَاكَ حَدَّثَنِي،
عَنْ جَدِّكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ وَادِيًا، فِي الْوَادِي بِئْرٌ يُقَالُ لَهُ:
هَبْهَبٌ. حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُسْكِنَهُ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَزْهَرُ بْنُ سِنَانٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ
الْحُفَّاظِ، وَلَيَّنَهُ.
ذِكْرُ وَيْلٍ وَصَعُودٍ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [ الْمُرْسَلَاتِ: 15
]. وَقَالَ تَعَالَى:
سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا [ الْمُدَّثِّرِ: 17 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَيْلٌ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، يَهْوِي
فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ،
وَالصَّعُودُ: جَبَلٌ مِنْ نَارٍ، يَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ
يَهْوِي بِهِ كَذَلِكَ فِيهِ أَبَدًا ". وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،
عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْأَشْيَبِ، عَنِ ابْنِ
لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا
مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ. ( كَذَا قَالَ ). وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ،
عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ،
بِهِ.
وَبِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، بَلْ مُنْكَرٌ، وَالْأَظْهَرُ فِي
تَفْسِيرِ وَيْلٍ أَنَّهُ ضِدُّ السَّلَامَةِ وَالنَّجَاةِ، كَمَا تَقُولُ
الْعَرَبُ: وَيْلٌ لَهُ، وَيَا وَيْلَهُ، وَوَيْلَهُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ
مَرْدَوَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا. قَالَ: " هُوَ
جَبَلٌ فِي النَّارِ مِنْ نَارٍ، يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهُ، فَإِذَا وَضَعَ
يَدَهُ عَلَيْهِ ذَابَتْ، فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ، وَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ
عَلَيْهِ ذَابَتْ، فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ ".
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَعُودٌ: صَخْرَةٌ فِي جَهَنَّمَ،
يُسْحَبُ عَلَيْهَا الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: صَعُودٌ: صَخْرَةٌ مَلْسَاءُ فِي جَهَنَّمَ، يُكَلَّفُ أَنْ
يَصْعَدَهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا. أَيْ مَشَقَّةً مِنَ الْعَذَابِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَذَابًا لَا رَاحَةَ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
ذِكْرُ حَيَّاتِهَا وَعَقَارِبِهَا، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ
قَالَ تَعَالَى: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ آلِ
عِمْرَانَ: 180 ]. وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي
زَكَاتَهُ إِلَّا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ
زَبِيبَتَانِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ فَيَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا
كَنْزُكَ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " يَفِرُّ مِنْهُ، وَهُوَ يَتْبَعُهُ،
وَيَتَّقِي مِنْهُ، فَيُلْقِمُهُ يَدَهُ، ثُمَّ يُطَوِّقُهُ ". وَقَرَأَ
هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا
كَانُوا يُفْسِدُونَ [ النَّحْلِ: 88 ]. قَالَ: زِيدُوا عَقَارِبَ، لَهَا
أَذْنَابٌ كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ
الْأَصَمِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ، عَنِ
ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ
الزُّبَيْدِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ
فِي النَّارِ لِحَيَّاتٍ أَمْثَالَ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ، يَلْسَعْنَ اللَّسْعَةَ
فَيَجِدُ حُمُوَّتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَإِنَّ فِيهَا لَعَقَارِبَ
كَالْبِغَالِ الْمُؤَكَّفَةِ، يَلْسَعْنَ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حُمُوَّتَهَا
أَرْبَعِينَ خَرِيفًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ
الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، أَبُو الْجُمَاهِرِ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الثُّمَالِيُّ - وَكَانَ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَحَجَّ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ - أَنَّ نُفَيْرَ بْنَ مُجِيبٍ -
وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقُدَمَائِهِمْ - قَالَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ سَبْعِينَ أَلْفَ وَادٍ، فِي كُلِّ
وَادٍ سَبْعُونَ أَلْفَ شِعْبٍ، فِي كُلِّ شِعْبٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دَارٍ، فِي
كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ أَلْفَ شِقٍّ،
فِي كُلِّ شِقٍّ سَبْعُونَ أَلْفَ ثُعْبَانٍ، فِي شِدْقِ كُلِّ
ثُعْبَانٍ سَبْعُونَ أَلْفَ عَقْرَبٍ، لَا يَنْتَهِي
الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ حَتَّى يُوَاقِعَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَهَذَا مَوْقُوفٌ،
وَغَرِيبٌ جِدًّا، بَلْ مُنْكَرٌ نَكَارَةً شَدِيدَةً، وَسَعِيدُ بْنُ يُوسُفَ
هَذَا - الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ - مَجْهُولٌ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِتَقْدِيرِ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ لَهُ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ; وَهُوَ حِجَازِيٌّ، وَإِسْمَاعِيلُ فِي غَيْرِ
الشَّامِيِّينَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ الْبُخَارِيُّ
فِي " تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ "، بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ،
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ: " غَيٍّ " وَ
" أَثَامٍ "، أَنَّهُمَا وَادِيَانِ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ،
أَجَارَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا [ الْكَهْفِ: 52 ]. قَالَ: هُوَ نَهَرٌ مِنْ
قَيْحٍ وَدَمٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَمُجَاهِدٌ: هُوَ وَادٍ
مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ. زَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: عَمِيقٌ، فُرِقَ
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْهُدَى، وَأَهْلِ الضَّلَالَةِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ عَبَّاسٍ
الدُّورِيِّ، عَنِ ابْنِ مَعِينٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ،
عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ
الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: قَدِمِ عَلَيْنَا رَجُلٌ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِمَشْقَ، فَرَأَى
مَا فِيهِ النَّاسُ - يَعْنِي مِنَ الدُّنْيَا - فَقَالَ: وَمَا يُغْنِي عَنْهُمْ،
أَلَيْسَ مِنْ وَرَائِهِمُ الْفَلَقُ ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْأَثَرُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ بِمِصْرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ،
قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ مَنْصُورٌ وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ رَجُلًا مِنَ الزُّهَّادِ،
وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْجُيُوشِ، فَخَطَبَنَا يَوْمًا،
فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، مَا أَحْسَنَ أَثَرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
لَوْ تَرَوْنَ مَا أَرَى مِنْ بَيْنِ أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَمِنْ كُلِّ لَوْنٍ،
وَفِي الرِّحَالِ مَا فِيهَا، إِنَّهُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فُتِحَتْ
أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَأَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَأَبْوَابُ النَّارِ، وَإِذَا
الْتَقَى الصَّفَّانِ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَأَبْوَابُ النَّارِ
وَزُيِّنَ الْحُورُ الْعِينُ فَيَطَّلِعْنَ، فَإِذَا أَقْبَلَ أَحَدُكُمْ
بِوَجْهِهِ إِلَى الْقِتَالِ، قُلْنَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُ.
وَإِذَا أَدْبَرَ احْتَجَبْنَ عَنْهُ، وَقُلْنَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ،
فَانْهَكُوا وُجُوهَ الْقَوْمِ، فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمِّي، فَإِنَّ أَوَّلَ
قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِ أَحَدِكُمْ يَحُطُّ
اللَّهُ بِهَا عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا يَحُطُّ الْغُصْنُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ،
وَتَبْتَدِرُهُ اثْنَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيَمْسَحَانِ التُّرَابَ عَنْ
وَجْهِهِ، وَتَقُولَانِ: فِدَانَا لَكَ. وَيَقُولُ: فِدَانَا لَكُمَا. فَيُكْسَى
مِائَةَ حُلَّةٍ لَوْ وُضِعَتْ بَيْنَ إِصْبَعِي هَاتَيْنِ لَوَسِعَتَاهُنَّ، لَيْسَتْ
مِنْ نَسْجِ بَنِي آدَمَ، وَلَكِنَّهَا مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، إِنَّكُمْ
مَكْتُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَسْمَائِكُمْ وَسِيمَاكُمْ وَنَجْوَاكُمْ
وَحُلَاكُمْ وَمَجَالِسِكُمْ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ: يَا
فُلَانُ، هَذَا نُورُكَ، يَا فُلَانُ، لَا نُورَ لَكَ، وَإِنَّ لِجَهَنَّمَ
جِبَابًا مِنْ سَاحِلٍ كَسَاحِلِ الْبَحْرِ، فِيهِ هَوَامٌّ وَحَيَّاتٌ
كَالْبَخَاتِيِّ، وَعَقَارِبُ كَالْبِغَالِ الدُّلْمِ، أَوْ كَالدُّلْمِ
الْبِغَالِ، فَإِذَا سَأَلَ أَهْلُ النَّارِ التَّخْفِيفَ قِيلَ: اخْرُجُوا إِلَى السَّاحِلِ.
فَتَأْخُذُهُمْ تِلْكَ الْهَوَامُّ بِشِفَاهِهِمْ وَجَنُوبِهِمْ، وَبِمَا شَاءَ
اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَتَكْشِطُهَا فَيَرْجِعُونَ، فَيُبَادِرُونَ إِلَى مُعْظَمِ
النَّارِ، وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِمُ الْجَرَبُ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَحُكُّ
جِلْدَهُ حَتَّى يَبْدُوَ الْعَظْمُ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا
فُلَانُ، هَلْ يُؤْذِيكَ هَذَا ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ،
فَيُقَالُ لَهُ: ذَلِكَ بِمَا كُنْتَ تُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ. وَمَنِ
اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ
مِنَ النَّارِ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَوْ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةِ
الْأَكْبَرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَحَدَهُمَا حَدَّثَهُ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمٌ
حَارٌّ أَلْقَى اللَّهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ
الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ
حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ. قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَ
بِي مِنْكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ. وَإِذَا كَانَ يَوْمٌ
شَدِيدُ الْبَرْدِ أَلْقَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ
السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، مَا أَشَدَّ بَرْدَ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ
زَمْهَرِيرِ جَهَنَّمَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ
عِبَادِي قَدِ اسْتَجَارَ بِي مِنْ زَمْهَرِيرِكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي
قَدْ أَجَرْتُهُ ". قَالُوا: وَمَا زَمْهَرِيرُ جَهَنَّمَ ؟ قَالَ: " جُبٌّ
يُلْقَى فِيهِ الْكَافِرُ فَيَتَمَيَّزُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ بَعْضُهُ مِنْ
بَعْضٍ ".
فَصْلٌ ( دَرَكَاتُ جَهَنَّمَ )
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: أَعْلَى الدَّرَكَاتِ جَهَنَّمُ،
وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْعُصَاةِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهِيَ الَّتِي تَخْلُو مِنْ أَهْلِهَا، فَتَصْفِقُ الرِّيَاحُ
أَبْوَابَهَا، ثُمَّ لَظَى، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، ثُمَّ السَّعِيرُ، ثُمَّ سَقَرُ،
ثُمَّ الْجَحِيمُ، ثُمَّ الْهَاوِيَةُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فِي الدَّرْكِ الْأَعْلَى الْمُحَمَّدِيُّونَ، وَفِي
الثَّانِي النَّصَارَى، وَفِي الثَّالِثِ الْيَهُودُ، وَفِي الرَّابِعِ
الصَّابِئُونَ، وَفِي الْخَامِسِ الْمَجُوسُ، وَفِي السَّادِسِ مُشْرِكُو
الْعَرَبِ، وَفِي السَّابِعِ الْمُنَافِقُونَ. قُلْتُ: هَذِهِ الْمَرَاتِبُ
وَالْمَنَازِلُ، وَتَخْصِيصُهَا بِهَؤُلَاءِ، مِمَّا يَحْتَاجُ إِثْبَاتُهُ إِلَى
سَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الْمَعْصُومِ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، أَوْ
قُرْآنٍ نَاطِقٍ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ مَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ
يَدْخُلُونَ النَّارَ، وَكَوْنُهُمْ يَكُونُونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي
الْأَخْبَارِ، وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، فَأَمَّا
الْمُنَافِقُونَ فَفِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ
لَا مَحَالَةَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَمِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ
مَا هُوَ عَلَمٌ لِلنَّارِ كُلِّهَا بِجُمْلَتِهَا، نَحْوُ جَهَنَّمُ، وَسَعِيرٌ،
وَلَظَى، فَهَذِهِ أَعْلَامٌ لَيْسَتْ لِبَابٍ دُونَ بَابٍ. وَصَدَقَ فِيمَا
قَالَ.
وَقَالَ حَرْمَلَةُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ دَرَّاجًا
أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ
جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِي النَّارِ لَحَيَّاتٍ أَمْثَالَ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ
". وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ، حَدَّثَنَا
أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الرَّبِيعِ،
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ
الْعَذَابِ [ النَّحْلِ: 88 ]. قَالَ: " عَقَارِبُ أَمْثَالُ النَّخْلِ
الطِّوَالِ، تَنْهَشُهُمْ فِي جَهَنَّمَ ". وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، قَوْلَهُ، وَتَقَدَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْأَشْرَسِ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
كَعْبِ الْأَحْبَارِ، قَالَ: حَيَّاتُ جَهَنَّمَ أَمْثَالُ
الْأَوْدِيَةِ، وَعَقَارِبُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ، وَإِنَّ لَهَا لَأَذْنَابًا
كَأَمْثَالِ الرِّمَاحِ، تَلْقَى إِحْدَاهُنَّ الْكَافِرَ فَتَلْسَعُهُ،
فَيَتَنَاثَرُ لَحْمُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ.
ذِكْرُ بُكَاءِ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا
قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الصَّمَدِ بْنِ أَبِي خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ
الْمُبَارَكِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ابْكُوا، فَإِنْ لَمْ
تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكُونَ فِي النَّارِ حَتَّى
تَسِيلَ دُمُوعُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ كَأَنَّهَا جَدَاوِلُ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ،
فَتَسِيلُ فَتُقَرِّحَ الْعُيُونَ، فَلَوْ أَنَّ سُفُنًا أُرْسِلَتْ فِيهَا
لَجَرَتْ ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ
الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ الْجَزَرِيُّ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ، رَفَعَهُ، قَالَ: " إِنَّ
أَهْلَ النَّارِ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ بَكَوُا الدُّمُوعَ زَمَانًا، ثُمَّ
بَكَوُا الْقَيْحَ زَمَانًا، فَيَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ: يَا مَعْشَرَ
الْأَشْقِيَاءِ، تَرَكْتُمُ الْبُكَاءَ فِي الدَّارِ الْمَرْحُومِ فِيهَا
أَهْلُهَا وَتَبْكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي لَا يُرْحَمُ أَهْلُهَا، هَلْ
تَجِدُونَ الْيَوْمَ مَنْ تَسْتَغِيثُونَ بِهِ ؟ " قَالَ: "
فَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، يَا مَعْشَرَ الْآبَاءِ
وَالْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ، خَرَجْنَا مِنَ الْقُبُورِ عِطَاشًا، وَكُنَّا
طُولَ الْمَوْقِفِ عِطَاشًا، وَنَحْنُ الْيَوْمُ فِي النَّارِ عِطَاشٌ،
فَأَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ. "
قَالَ: " فَيَدْعُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يُجِيبُهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ
يُجِيبُهُمْ مَالِكٌ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ قَالَ ؟ " فَيَيْأَسُونَ مِنْ
كُلِّ خَيْرٍ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [
الْمُؤْمِنُونَ: 104 ].
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو
شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ
قَالَ: " تَشْوِيهِ النَّارُ، فَتَقْلِصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى
تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ
السُّفْلَى حَتَّى تَبْلُغَ سُرَّتَهُ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ، وَقَالَ:
حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْقَزَّازُ، حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
يُوسُفَ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عَمُّ الْحَارِثِ بْنِ الْخَضِرِ الْقَطَّانُ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ قَالَ:
" تَلْفَحُهُمْ لَفْحَةً، فَتَسِيلُ لُحُومُهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ".
أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا، آمِينَ.
أَحَادِيثُ شَتَّى فِي صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الشَّعْثَاءِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ،
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نَافِعٍ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، وَمَعَهُمْ
مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، قَالَ الْكُفَّارُ لِلْمُسْلِمِينَ:
أَلَمْ تَكُونُوا
مُسْلِمِينَ ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالُوا: فَمَا
أَغْنَى عَنْكُمُ الْإِسْلَامُ، وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ ؟ قَالُوا:
كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ، فَأُخِذْنَا بِهَا. فَسَمِعَ اللَّهُ مَا قَالُوا،
فَأَمَرَ بِمَنْ كَانَ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا،
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مَنْ بَقِيَ فِي النَّارِ مِنَ الْكُفَّارِ قَالُوا: يَا
لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ، فَنَخْرُجُ كَمَا خَرَجُوا ". قَالَ: ثُمَّ
قَرَأَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ رُبَّمَا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ [ الْحِجْرِ: 1، 2 ].
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ أَبُو رَوْقٍ
عَطِيَّةُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ أَبِي طَرِيفٍ، سَأَلْتُ
أَبَا سَعِيدِ الْخُدْرِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ:هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: رُبَّمَا يَوَدُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: " يُخْرِجُ اللَّهُ نَاسًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ
بَعْدَ مَا يَأْخُذُ نِقْمَتَهُ مِنْهُمْ ". وَقَالَ: " لَمَّا
أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ:
تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَمَا
بَالُكُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ ؟ فَإِذَا سَمِعَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَذِنَ
فِي الشَّفَاعَةِ لَهُمْ، فَيَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ، وَيَشْفَعُ
الْمُؤْمِنُونَ، حَتَّى يَخْرُجُوا بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى
الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ قَالُوا: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مِثْلَهُمْ، فَتُدْرِكَنَا
الشَّفَاعَةُ، فَنَخْرُجَ مَعَهُمْ. قَالَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: رُبَمَا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَيُسَمَّوْنَ فِي
الْجَنَّةِ: الْجَهَنَّمِيُّونَ. مِنْ أَجْلِ سَوَادٍ فِي وُجُوهِهِمْ،
فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، أَذْهِبْ عَنَّا هَذَا الِاسْمَ. فَيَأْمُرُهُمْ،
فَيَغْتَسِلُونَ فِي نَهَرِ الْجَنَّةِ، فَيَذْهَبُ ذَلِكَ الِاسْمُ عَنْهُمْ
". فَأَقَرَّ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ، وَقَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَبَّاسِ - هُوَ الْأَخْرَمُ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ،
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجِهْبِذُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ
مَعِينٍ، حَدَّثَنَا مُعَرِّفُ بْنُ وَاصِلٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي
نُبَاتَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمِنِ الْأَغَرِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ نَاسًا مِنْ
أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَدْخُلُونَ النَّارَ بِذُنُوبِهِمْ، فَيَقُولُ
لَهُمْ أَهْلُ اللَّاتِ وَالْعُزَّى: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ قَوْلُكُمْ: لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ. وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ ؟ فَيَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ
فَيُخْرِجُهُمْ، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ، فَيَبْرَءُونَ مِنْ
حَرَقِهِمْ، كَمَا يَبْرَأُ الْقَمَرُ مِنْ كُسُوفِهِ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،
وَيُسَمَّوْنَ فِيهَا الْجَهَنَّمِيِّينِ ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَنَسُ،
أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
فَقَالَ أَنَسٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " مَنْ كَذِبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِنَ النَّارِ ". نَعَمْ، أَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ إِلَّا صَالِحُ
بْنُ إِسْحَاقَ الْجِهْبِذُ.
أَثَرٌ غَرِيبٌ وَسِيَاقٌ عَجِيبٌ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ
بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
أَبْجَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، آخِذٌ بِكُلِّ زِمَامٍ
سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَهَى تَمَايَلُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تُوقَفَ عَنْ يَمِينِ
الْعَرْشِ، وَيُلْقِي اللَّهُ عَلَيْهَا الذُّلَّ يَوْمَئِذٍ، فَيُوحِي اللَّهُ
إِلَيْهَا: مَا هَذَا الذُّلُّ ؟ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ لَكَ
فِيَّ نِقْمَةٌ. فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهَا: إِنَّمَا خَلَقْتُكِ نِقْمَةً،
وَلَيْسَ لِي فِيكِ نِقْمَةٌ. فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهَا، فَتَزْفَرُ زَفْرَةً
لَا تَبْقَى دَمْعَةٌ فِي عَيْنٍ إِلَّا جَرَتْ. قَالَ: ثُمَّ تَزْفَرُ أُخْرَى،
فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَّا صَعِقَ، إِلَّا
نَبِيُّكُمْ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يَا
رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي.
أَثَرٌ آخَرُ مَنْ أَغْرَبِ الْآثَارِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ
عَائِشَةَ، حَدَّثَنَا سَلْمٌ الْخَوَّاصُ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ
زَاذَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ جَمْعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ،
فَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ، فَصَارُوا صُفُوفًا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا
جِبْرِيلُ
ائْتِنِي بِجَهَنَّمَ. فَيَأْتِي بِهَا جِبْرِيلُ
تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ مِنَ الْخَلَائِقِ
عَلَى قَدْرِ مِائَةِ عَامٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً طَارَتْ لَهَا أَفْئِدَةُ
الْخَلَائِقِ، ثُمَّ زَفَرَتْ ثَانِيَةً، فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا
نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ زَفَرَتِ الثَّالِثَةَ،
فَتَبْلُغُ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، وَتَذْهَلُ الْعُقُولُ، فَيَفْزَعُ كُلُّ
امْرِئٍ إِلَى عَمَلِهِ، حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ، عَلَيْهِ
السَّلَامُ، يَقُولُ: بِخُلَّتِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي. وَيَقُولُ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ: بِمُنَاجَاتِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي. وَإِنَّ
عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَيَقُولُ: بِمَا أَكْرَمَتْنِي لَا أَسْأَلُكَ
إِلَّا نَفْسِي، لَا أَسْأَلُكَ مَرْيَمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي. وَمُحَمَّدٌ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي، لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ
نَفْسِي، إِنَّمَا أَسْأَلُكَ أُمَّتِي. قَالَ: فَيُجِيبُهُ الْجَلِيلُ جَلَّ
جَلَالُهُ: أَوْلِيَائِي مِنْ أُمَّتِكَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَكَ فِي أُمَّتِكَ. ثُمَّ
تَقِفُ الْمَلَائِكَةُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَنْتَظِرُونَ مَا
يُؤَمَرُونَ بِهِ، فَيَقُولُ لَهُمُ الرَّبُّ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ: مَعَاشِرَ
الزَّبَانِيَةِ، انْطَلِقُوا بِالْمُصِرِّينَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ
أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِلَى النَّارِ، فَقَدِ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْهِمْ
بِتَهَاوُنِهِمْ بِأَمْرِي فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَاسْتِخْفَافِهِمْ بِحَقِّي،
وَانْتِهَاكِهِمْ حُرْمَتِي، يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ، وَيُبَارِزُونِي
بِالْمَعَاصِي مَعَ كَرَامَتِي لَهُمْ، وَتَفْضِيلِي إِيَّاهُمْ عَلَى الْأُمَمِ،
وَلَمْ يَعْرِفُوا فَضْلِي، وَعِظَمَ نِعْمَتِي. فَعِنْدَهَا تَأْخُذُ
الزَّبَانِيَةُ بِلِحَى الرِّجَالِ، وَذَوَائِبِ النِّسَاءِ، فَيَنْطَلِقُونَ
بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُسَاقُ إِلَى النَّارِ مِنْ غَيْرِ
هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا مُسْوَدًّا وَجْهُهُ، وَقَدْ وُضِعَتِ الْأَنْكَالُ فِي
قَدَمَيْهِ، وَالْأَغْلَالُ فِي عُنُقِهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُسَاقُونَ بِأَلْوَانِهِمْ، فَإِذَا وَرَدُوا عَلَى
مَالِكٍ قَالَ
لَهُمْ: مُعَاشِرَ الْأَشْقِيَاءِ، مِنْ أَيِّ
أُمَّةٍ أَنْتُمْ ؟ فَمَا وَرَدَ عَلَيَّ أَحْسَنُ وُجُوهًا مِنْكُمْ.
فَيَقُولُونَ: يَا مَالِكُ، نَحْنُ مِنْ أُمَّةِ الْقُرْآنِ. فَيَقُولُ لَهُمْ:
مَعَاشِرَ الْأَشْقِيَاءِ، أَوَلَيْسَ الْقُرْآنُ أُنْزِلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: فَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالنَّحِيبِ
وَالْبُكَاءِ: وَامُحَمَّدَاهُ، يَا مُحَمَّدُ، اشْفَعْ لِمَنْ آمَنَ بِكَ مِمَّنْ
أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ مِنْ أُمَّتِكَ. قَالَ: فَيُنَادَى مَالِكٌ،
بِتَهَدُّدٍ وَانْتِهَارٍ: يَا مَالِكُ، مَنْ أَمَرَكَ بِمُعَاتَبَةِ
الْأَشْقِيَاءِ وَمُحَادَثَتِهِمْ، وَالتَّوَقُّفِ عَنْ إِدْخَالِهِمُ الْعَذَابَ
؟ يَا مَالِكُ، لَا تُسَوِّدْ وُجُوهَهُمْ، فَقَدْ كَانُوا يَسْجُدُونَ لِي بِهَا
فِي دَارِ الدُّنْيَا، يَا مَالِكُ لَا تُغِلَّهُمْ بِالْأَغْلَالِ ؟ فَقَدْ
كَانُوا يَغْتَسِلُونَ مِنَ الْجَنَابَةِ، يَا مَالِكُ، لَا تُقَيِّدْهُمْ
بِالْأَنْكَالِ، فَقَدْ طَافُوا حَوْلَ بَيْتِيَ الْحَرَامِ، يَا مَالِكُ لَا
تُلْبِسْهُمُ الْقَطِرَانَ ؟ فَقَدْ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ لِلْإِحْرَامِ، يَا
مَالِكُ، مُرِ النَّارَ لَا تُحْرِقُ أَلْسِنَتَهُمْ ; فَقَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَ
الْقُرْآنَ، يَا مَالِكُ، قُلْ لِلنَّارِ تَأْخُذُهُمْ عَلَى قَدْرِ
أَعْمَالِهِمْ، فَالنَّارُ أَعْرَفُ بِهِمْ وَبِمَقَادِيرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنَ
الْعَذَابِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا. فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ
إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى سُرَّتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ
النَّارُ إِلَى صَدْرِهِ. قَالَ: فَإِذَا انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ
كَبَائِرِهِمْ وَعُتُوِّهُمْ وَإِصْرَارِهِمْ فَتَحَ بَيْنِهِمْ وَبَيْنَ
الْمُشْرِكِينَ بَابًا، وَهُمْ فِي الطَّبَقِ الْأَعْلَى مِنَ النَّارِ، لَا
يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا، يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: يَا
مُحَمَّدَاهُ، ارْحَمْ مِنْ أُمَّتِكَ الْأَشْقِيَاءَ، وَاشْفَعْ لَهُمْ ؟ فَقَدْ
أَكَلَتِ النَّارُ لُحُومَهُمْ وَعِظَامَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ. ثُمَّ يُنَادُونَ:
يَا رَبَّاهُ، يَا
سَيِّدَاهُ، ارْحَمْ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِكَ فِي
دَارِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسَاءَ وَأَخْطَأَ وَتَعَدَّى. فَعِنْدَهَا
يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ لَهُمْ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِيمَانُكُمْ بِاللَّهِ
وَبِمُحَمَّدٍ ؟ ! فَيَغْضَبُ اللَّهُ لِذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا جِبْرِيلُ،
انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مَنَ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيُخْرِجُهُمْ ضَبَائِرَ، قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُلْقِيهِمْ
فِي نَهَرٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ.
فَيَمْكُثُونَ حَتَّى يَعُودُوا أَنْضَرَ مَا كَانُوا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ،
عَزَّ وَجَلَّ، بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ، مَكْتُوبٌ عَلَى جِبَاهِهِمْ:
هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ، عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيُعْرَفُونَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
بِذَلِكَ، فَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَمْحُوَ عَنْهُمْ تِلْكَ
السِّمَةَ، فَيَمْحُوهَا اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَا يُعْرَفُونَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ
مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
لِبَعْضِ هَذَا الْأَثَرِ شَوَاهِدُ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَيَأْتِي بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ ذِكْرُ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ
مِنَ النَّارِ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي شَفَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيَانُ أَنْوَاعِهَا وَتِعْدَادِهَا:
فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْهَا: شَفَاعَتُهُ الْأُولَى، وَهِيَ الْعُظْمَى
الْخَاصَّةُ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ إِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ
أَجْمَعِينَ. وَهِيَ الَّتِي يَرْغَبُ إِلَيْهِ فِيهَا الْخَلْقُ كُلُّهُمْ،
حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، وَمُوسَى
الْكَلِيمُ، وَيَتَوَسَّلُ النَّاسُ إِلَى آدَمَ
فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَكُلٌّ يَحِيدُ عَنْهَا، وَيَقُولُ: لَسْتُ
بِصَاحِبِهَا. حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ:
" أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا ". فَيَذْهَبُ فَيَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَنْ يَأْتِيَ، لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْخَلْقِ،
وَيُرِيحَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ، وَيُمَيِّزَ بَيْنَ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ،
بِمُجَازَاةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ، وَالْكَافِرِينَ بِالنَّارِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ " سُبْحَانَ " عِنْدَ
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [ الْإِسْرَاءِ: 79 ]. وَقَدْ قَدَّمْنَا
فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ
الْمَحْمُودِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ سَيَّارٍ،
عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ
أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ،
وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ،
وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ
يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
فَقَوْلُهُ: " وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ". يَعْنِي بِذَلِكَ
الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى، وَهِيَ الْأُولَى الَّتِي يَشْفَعُ فِيهَا عِنْدَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ،
وَيَغْبِطُهُ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ
الشَّفَاعَةِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَأُمًّا الشَّفَاعَةُ فِي الْعُصَاةِ فَيَشْرَكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى الْقُرْآنُ
وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِيمَا نُورِدُهُ مِنَ
الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
فَرُّوخٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ
شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ".
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ
تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ، بِيَدِي
لِوَاءُ الْحَمْدِ، تَحْتِي آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ
عَلَى حَرْفٍ،
فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: يَا رَبِّ، هَوِّنْ عَلَى
أُمَّتِي. فَرَدَّ عَلَيَّ الثَّانِيَةَ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ "
قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَبِّ، هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي. فَرَدَّ عَلَيَّ
الثَّالِثَةَ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رُدِدْتَهَا
مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ إِلَى يَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ
فِيهِ الْخَلْقُ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ ".
النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنَ الشَّفَاعَةِ: شَفَاعَتُهُ فِي أَقْوَامٍ
قَدْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَيَشْفَعُ فِيهِمْ، لِيَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ، وَفِي أَقْوَامٍ آخَرِينَ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ أَنْ لَا
يَدْخُلُوهَا.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ " الْأَهْوَالِ
": حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْبُنَانِيُّ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُنْصَبُ لِلْأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا ". قَالَ: " وَيَبْقَى
مِنْبَرِي لَا أَجْلِسُ عَلَيْهِ، قَائِمًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ،
مُنْتَصِبًا بِأُمَّتِي ; مَخَافَةَ أَنْ يُبْعَثَ بِي إِلَى الْجَنَّةِ وَتَبْقَى
أُمَّتِي بَعْدِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا
مُحَمَّدُ، وَمَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ بِأُمَّتِكَ ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،
عَجِّلْ حِسَابَهُمْ، فَيُدْعَى بِهِمْ، فَيُحَاسَبُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
بِشَفَاعَتِي، وَمَا أَزَالُ أَشْفَعُ حَتَّى أُعْطَى
صِكَاكًا بِرِجَالٍ قَدْ بُعِثَ بِهِمْ إِلَى
النَّارِ، حَتَّى أَنَّ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ لَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا
تَرَكْتَ لِغَضَبِ رَبِّكَ لِأُمَّتِكَ مِنْ نِقْمَةٍ ".
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ،
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنِي
زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ
عُرَاةً، فَيَجْتَمِعُونَ شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ،
يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ قِيَامًا أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيَنْزِلُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ، مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ
يُدْعَى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيُكْسَى
قُبْطِيَّتَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْعُوا لِيَ النَّبِيَّ
الْأُمِّيَّ مُحَمَّدًا ". قَالَ: " فَأَقُومُ، فَأُكْسَى حُلَّةً مِنْ
ثِيَابِ الْجَنَّةِ ". قَالَ: " وَيُفَجَّرُ لِيَ الْحَوْضُ، وَعَرْضُهُ
كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْكَعْبَةِ ". قَالَ: " فَأَشْرَبُ
وَأَغْتَسِلُ وَقَدْ تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُ الْخَلَائِقِ مِنَ الْعَطَشِ، ثُمَّ
أَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْكُرْسِيِّ، لَيْسَ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ قَائِمًا ذَلِكَ
الْمَقَامَ غَيْرِي، ثُمَّ يُقَالُ: سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ".
قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَرْجُو لِوَالِدَيْكَ شَيْئًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ: " إِنِّي لَشَافِعٌ لَهُمَا، أُعْطِيتُ أَوْ مُنِعْتُ، وَمَا أَرْجُو
لَهُمَا شَيْئًا ".
ثُمَّ قَالَ الْمِنْهَالُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَمُرُّ
بِقَوْمٍ مِنْ أُمَّتِي قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُونَ: يَا
مُحَمَّدُ، نَنْشُدُكَ
الشَّفَاعَةَ ". قَالَ: " فَآمُرُ
الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَقِفُوا بِهِمْ ". قَالَ: " فَأَنْطَلِقُ
فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُؤْذَنُ لِي فَأَسْجُدُ، وَأَقُولُ:
يَا رَبِّ، قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي قَدْ أَمَرْتَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ ".
قَالَ: " فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهُمْ ". قَالَ: "
فَأَنْطَلِقُ، فَأُخْرِجُ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُخْرِجَ، ثُمَّ
يُنَادِي الْبَاقُونَ: يَا مُحَمَّدُ، نَنْشُدُكَ الشَّفَاعَةَ. فَأَرْجِعُ إِلَى
الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَسْتَأْذِنُ، فَيُؤْذَنُ لِي فَأَسْجُدُ، فَيُقَالُ
لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسُلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ". قَالَ:
" فَأَقُومُ فَأُثْنِي عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ثَنَاءً لَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ
أَحَدٌ ثَنَاءً مِثْلَهُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي قَدْ أُمِرَ
بِهِمْ إِلَى النَّارِ. فَيَقُولُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مِنْهُمْ ". قَالَ:
" فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُخْرِجُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ؟ "
قَالَ: " فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، لَيْسَتْ تِلْكَ لَكَ، تِلْكَ لِي
". قَالَ: " فَأَنْطَلِقُ فَأُخْرِجُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُخْرِجَ
". قَالَ: " وَيَبْقَى قَوْمٌ فَيَدْخُلُونَ النَّارَ، فَيُعَيِّرُهُمْ أَهْلُ
النَّارِ فَيَقُولُونَ: أَنْتُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكُونَ
بِهِ شَيْئًا، فَمَا الَّذِي أَدْخَلَكُمُ النَّارَ ؟! " قَالَ: "
فَيَحْرَجُونَ وَيَحْزَنُونَ مِنْ ذَلِكَ ". قَالَ: " فَيَبْعَثُ
اللَّهُ مَلِكًا بِكَفٍّ مِنْ مَاءٍ فَيَنْضَحُ بِهَا فِي النَّارِ الَّتِي فِيهَا
الْمُوَحِّدُونَ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
إِلَّا وَقَعَتْ فِي وَجْهِهِ مِنْهَا قَطْرَةٌ ". قَالَ: "
فَيُعْرَفُونَ بِهَا. وَيَغْبِطُهُمْ أَهْلُ النَّارِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ فَيَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: انْطَلِقُوا، فَتَضَيَّفُوا النَّاسَ. فَلَوْ أَنَّ
جَمِيعَهُمْ نَزَلُوا بِرَجُلٍ وَاحِدٍ كَانَ لَهُمْ عِنْدَهُ سَعَةٌ،
وَيُسَمَّوْنَ الْمُحَرِّرِينَ ".
وَهَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي تَعْدَادَ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ فِيمَنْ أُمِرَ بِهِمْ
إِلَى النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ:
" فَأَخْرِجْ ". أَيْ أَنْقِذْ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ:
" وَيَبْقَى قَوْمٌ فَيَدْخُلُونَ النَّارَ ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِالصَّوَابِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنَ الشَّفَاعَةِ: شَفَاعَتُهُ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ مِنْ
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَوْقَ مَا يَقْتَضِيهِ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ.
وَقَدْ وَافَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى هَذِهِ الشَّفَاعَةِ خَاصَّةً،
وَخَالَفُوا فِيمَا عَدَاهَا مِنَ الشَّفَاعَاتِ، مَعَ تَوَاتُرِ الْأَحَادِيثِ
فِيهَا، عَلَى مَا سَتَرَاهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَأَمَّا دَلِيلُ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ فَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
لَمَّا أُصِيبَ عَمُّهُ أَبُو عَامِرٍ فِي غَزْوَةِ أَوَطَاسٍ، فَلَمَّا أَخْبَرَ
أَبُو مُوسَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ،
فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَفَعَ
يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ، وَاجْعَلْهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ ".
وَهَكَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَعَا لِأَبِي سَلَمَةَ بَعْدَ مَا تُوُفِّيَ، فَقَالَ: "
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ،
وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ
الْعَالَمِينَ، وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ".
وَهُوَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ".
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ نَوْعًا
آخَرَ مِنَ الشَّفَاعَةِ، وَهُوَ خَامِسٌ، وَهُوَ فِي أَقْوَامٍ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَمْ أَرَ لِهَذَا شَاهِدًا فِيمَا عَلِمْتُ،
وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَهُ مُسْتَنَدًا فِيمَا رَأَيْتُ، ثُمَّ
تَذَكَّرْتُ حَدِيثَ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، حِينَ دَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا
الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَالْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي
" الصَّحِيحَيْنِ "، كَمَا تَقَدَّمَ "، وَهُوَ يُنَاسِبُ هَذَا
الْمَقَامَ.
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ "
نَوْعًا سَادِسًا مِنَ الشَّفَاعَةِ، وَهُوَ شَفَاعَتُهُ فِي عَمِّهِ أَبِي
طَالِبٍ أَنْ يُخَفَّفَ عَذَابُهُ، وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي
" صَحِيحِ مُسْلِمٍ " " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ
تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ
يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ ".
ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ
شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [ الْمُدَّثِّرِ: 48 ]. قِيلَ: لَا تَنْفَعُهُ فِي
الْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ، كَمَا تَنْفَعُ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ
يَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.
النَّوْعُ السَّابِعُ مِنَ الشَّفَاعَةِ: شَفَاعَتُهُ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ
قَاطِبَةً فِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي
" صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ ".
وَقَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ بَعْدَ ذِكْرِ مُرُورِ النَّاسِ عَلَى الصِّرَاطِ:
فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ قَالُوا: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا
إِلَى رَبِّنَا فَنَدْخُلَ الْجَنَّةَ ؟ فَيَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ
أَبِيكُمْ آدَمَ ". فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: " وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " فَيَأْتُونِي وَلِي عِنْدَ رَبِّي ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ،
وَعَدَنِيهِنَّ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي الْجَنَّةَ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ،
ثُمَّ أَسْتَفْتِحُ، فَيُفْتَحُ لِي، فَأُحَيَّا، وَيُرَحَّبُ بِي فَإِذَا
دَخَلْتُ، فَنَظَرْتُ إِلَى رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، خَرَرْتُ لَهُ سَاجِدًا،
فَيَأْذَنُ اللَّهُ تَعَالَى لِي مِنْ حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ بِشَيْءٍ مَا أَذِنَ
بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لِيَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا
مُحَمَّدُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلَّ تُعْطَهْ. فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي
قَالَ اللَّهُ وَهُوَ أَعْلَمُ: مَا شَأْنُكَ ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي
الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ شَفَّعْتُكَ، وَأَذِنْتُ لَهُمْ فِي
دُخُولِ الْجَنَّةِ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ
الصُّورِ.
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّفَاعَةَ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَهُوَ
النَّوْعُ الثَّامِنُ مِنَ الشَّفَاعَةِ، وَهُوَ شَفَاعَتُهُ فِي أَهْلِ
الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ دَخَلَ النَّارَ بِذُنُوبِهِ وَكَبَائِرِ
إِثْمِهِ، فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا. وَقَدْ تَوَاتَرَتْ بِهَذَا النَّوْعِ
الْأَحَادِيثُ، وَقَدْ خَفِيَ عِلْمُ ذَلِكَ عَلَى الْخَوَارِجِ
وَالْمُعْتَزِلَةِ، فَخَالَفُوا فِي ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِصِحَّةِ
الْأَحَادِيثِ، وَعِنَادًا مِمَّنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى بِدْعَتِهِ.
وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ يُشَارِكُهُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ
وَالْمُؤْمِنُونَ، وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ تَتَكَرَّرُ مِنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
بَيَانُ طُرُقِ الْأَحَادِيثِ وَأَلْفَاظِهَا
رِوَايَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَإِمَامُهُمْ، وَصَاحِبُ شَفَاعَتِهِمْ ".
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَا أَوَّلُهُمْ خُرُوجًا، وَأَنَا قَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا،
وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا، وَأَنَا شَفِيعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا،
وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا يَئِسُوا، لِوَاءُ الْكَرَامَةِ وَالْمَفَاتِيحُ
يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ
وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي، يَطُوفُ عَلَيَّ أَلْفُ خَادِمٍ، كَأَنَّهُمْ بَيْضٌ
مُكَنُّونٌ، أَوْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَنْثُورٌ ".
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ حِبَّانِ بْنِ عَلِيٍّ
الْعَنَزِيِّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
زَحْرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ مَرْفُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا بِسْطَامُ بْنُ حُرَيْثٍ، عَنْ
أَشْعَثَ الْحُدَّانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ
أُمَّتِي ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ بِسْطَامٍ، عَنْ
أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الْحُدَّانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْخَزْرَجُ بْنُ
عُثْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي
". ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ثَابِتٍ إِلَّا الْخَزْرَجُ بْنُ
عُثْمَانَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ،
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ،
سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ
سُؤَالًا ". أَوْ قَالَ: " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَاهَا،
فَاسْتَخْبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". أَوْ
كَمَا قَالَ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ.
وَأَسْنَدَهُ مُسْلِمٌ، فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَدِ الْأَعْلَى، عَنْ
مُعْتَمِرٍ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ،
بِهِ نَحْوَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا فُضَيْلِ بْنِ
عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْعِجْلِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ أُنِلْتُ الشَّفَاعَةَ، فَأَشْفَعُ لِمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ
مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِنَ
الْإِيمَانِ مِثْلُ هَذَا ". وَحَرَّكَ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ
وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ
دَعْوَةً قَدْ دَعَا بِهَا، فَاسْتُجِيبَ لَهُ، وَإِنِّي اسْتَخْبَأْتُ دَعْوَتِي
شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى
شَرْطِهِمَا، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ
الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ الْوَضَّاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ.
ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَجْتَمِعُ
الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُهَمُّونَ بِذَلِكَ، أَوْ يُلْهَمُونَ
ذَلِكَ ". بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: "
ثُمَّ آتِيهِ الرَّابِعَةَ - أَوْ أَعُودُ الرَّابِعَةَ - فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،
مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ،
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، فَيُهَمُّونَ لِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى
رَبِّنَا فَيُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ:
أَنْتَ أَبُونَا، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ،
وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ. قَالَ: فَيَقُولُ:
لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، أَكْلَهُ مِنَ
الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا. وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ
بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. قَالَ: فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُ:
لَسْتُ هُنَاكُمْ.
وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ ; سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا
لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ.
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ
الَّتِي أَصَابَ، ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ كَذَبَهُنَّ ; قَوْلَهُ: إِنِّي سَقِيمٌ.
وَقَوْلَهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا. وَأَتَى عَلَى جَبَّارٍ مُتْرَفٍ
وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: أَخْبِرِيهِ أَنِّي أَخُوكِ ; فَإِنِّي مُخْبِرُهُ
أَنَّكِ أُخْتِي. وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى ; عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ
تَكْلِيمًا، وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ. قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ:
لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ ; قَتَلَهُ الرَّجُلَ.
وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَةَ اللَّهِ
وَرُوحَهُ. قَالَ: فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ
ائْتُوا مُحَمَّدًا، عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا
تَأَخَّرَ ". قَالَ: " فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي،
عَزَّ وَجَلَّ، فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ
سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ
رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ.
فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ
يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحِدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجُهُمْ،
فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ - وَسَمِعَتُهُ يَقُولُ: فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ
وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ - قَالَ: " ثُمَّ أَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي عَزَّ
وَجَلَّ، الثَّانِيَةَ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا
رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ
اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ مُحَمَّدُ، وَقُلْ
تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ ". قَالَ: " فَأَرْفَعُ
رَأْسِي، وَأَحْمَدُ رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ
أَشْفَعُ، فَيَحِدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجُهُمْ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ
" - قَالَ هَمَّامٌ: وَسَمِعَتُهُ يَقُولُ: " فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ
النَّارِ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ " - قَالَ: " ثُمَّ أَسْتَأْذِنُ
عَلَى رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، الثَّالِثَةَ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ
سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ
مُحَمَّدُ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ. فَأَرْفَعُ
رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحُمَيْدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ،
فَيَحِدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ
" - قَالَ هَمَّامٌ: وَسَمِعَتُهُ يَقُولُ: " فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ
النَّارِ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ " - " فَمَا يَبْقَى فِي النَّارِ
إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ ". ثُمَّ
تَلَا قَتَادَةُ: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [
الْإِسْرَاءِ: 79 ]. قَالَ: هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ، نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مُعَلَّقًا، فَقَالَ:
وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، عَنْ هَمَّامٍ. فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ.
طُرُقٌ أُخَرُ مُتَعَدِّدَةٌ عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ
التَّوْحِيدِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ.
قَالَ: اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ،
فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي
قَصْرِهِ، فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّي الضُّحَى -، فَاسْتَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا،
وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ: لَا تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ
أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ. فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَؤُلَاءِ إِخْوَانُكَ
مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، جَاءُوا يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ.
فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا
كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ
آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا،
وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ ; فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَ
إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى، فَإِنَّهُ
كَلِيمُ اللَّهِ. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِعِيسَى ; فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى،
فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا. فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي،
فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا، لَا تَحْضُرُنِي
الْآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ:
يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ،
وَسَلْ تُعْطَهْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ: انْطَلِقَ
فَأَخْرَجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ.
فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ،
ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ
يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،
أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ:
انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي
قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ. فَأَنْطَلِقُ
فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ
لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسُلْ تُعْطَهْ،
وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي
أُمَّتِي. فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى
أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ
النَّارِ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ".
قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ، قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِي: لَوْ
مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ،
فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. فَأَتَيْنَاهُ
فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ،
جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا
حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: هِيهِ. فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ،
فَانْتَهَيْنَا إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: هِيهِ. فَقُلْنَا: لَمْ يَزِدْ
لَنَا عَلَى هَذَا. فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ
سَنَةً، فَمَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا ؟ فَقُلْنَا: يَا
أَبَا سَعِيدٍ، فَحَدِّثْنَا. فَضَحِكَ وَقَالَ: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا،
مَا ذَكَرْتُهُ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، حَدَّثَنِي كَمَا
حَدَّثَكُمْ، قَالَ: ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ
الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ
رَأْسَكَ،
وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ. فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي،
لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ وَسَعِيدِ
بْنِ مَنْصُورٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ: فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ لَمْ
يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي
". وَفِيهِ: " فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ
". ثُمَّ يَعُودُ، فَيُقَالُ: " مِثْقَالُ بُرَّةٍ ". ثُمَّ
يَعُودُ، فَيُقَالُ: " مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ". وَلَمْ يَذْكُرِ
الرَّابِعَةَ.
وَكَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ
مَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَجْلَانَ، عَنْ جُوثَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ الشَّفَاعَةُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَمْ
يَرْوِ عَنْ جُوثَةَ بْنِ عُبَيْدٍ إِلَّا ابْنُ عَجْلَانَ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
بِطُولِهِ، وَفِيهِ ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ، وَقَالَ فِي آخِرِهِنَّ: "
فَأَقُولُ: أُمَّتِي. " فَيُقَالُ لِي: لَكَ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ. مُخْلِصًا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ الْعَمِّيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
لَا أَزَالُ أَشْفَعُ، وَأُشَفَّعُ - أَوْ قَالَ: وَيُشَفِّعُنِي رَبِّي، عَزَّ
وَجَلَّ - حَتَّى أَقُولَ: أَيْ رَبِّ، شَفِّعْنِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، هَذِهِ لَيْسَتْ لَكَ وَلَا لِأَحَدٍ،
هَذِهِ لِي، وَعِزَّتِي وَرَحْمَتِي لَا أَدَعُ فِي النَّارِ أَحَدًا يَقُولُ: لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا
بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ أَبِي حَفْصٍ
الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ، بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو الْخَطَّابِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنِّي لَقَائِمٌ أَنْتَظِرُ أُمَّتِي تَعْبُرُ الصِّرَاطَ، إِذْ
جَاءَنِي عِيسَى فَقَالَ: هَذِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَدْ جَاءَتْكَ يَا مُحَمَّدُ
يَسْأَلُونَ - أَوْ قَالَ: يَجْتَمِعُونَ إِلَيْكَ - وَيَدْعُونَ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ جَمِيعِ
الْأُمَمِ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ ; لِغَمِّ مَا هُمْ فِيهِ، فَالْخَلْقُ
مُلْجَمُونَ فِي الْعَرَقِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ عَلَيْهِ كَالزُّكْمَةِ،
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَغْشَاهُ الْمَوْتُ ". قَالَ: " يَا عِيسَى،
انْتَظِرْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ ". قَالَ: فَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَلَقِيَ مَا لَمْ
يَلْقَ مَلَكٌ مُصْطَفًى، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَأَوْحَى اللَّهُ، عَزَّ
وَجَلَّ، إِلَى جِبْرِيلَ: اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: ارْفَعْ رَأْسَكَ،
وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. قَالَ: " فَشَفَعْتُ فِي أُمَّتِي ;
أَنْ أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا وَاحِدًا ".
قَالَ: " فَمَا زِلْتُ أَتَرَدَّدُ عَلَى رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا
أَقْوَمُ مَقَامًا إِلَّا شَفَعْتُ حَتَّى أَعْطَانِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ
ذَلِكَ أَنْ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ
مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَوْمًا وَاحِدًا مُخْلِصًا، وَمَاتَ
عَلَى ذَلِكَ ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَدْ حَكَمَ التِّرْمِذِيُّ
بِالْحُسْنِ لِهَذَا الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقُلُوسِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَنْبَأَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ،
حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَضَرَ مِنْ أَمْرِ
الْعِبَادِ مَا حَضَرَ، فَقَالَ: ادْنُ إِلَى رَبِّكَ، فَسَلْ لِأُمَّتِكَ الشَّفَاعَةَ.
قَالَ: " فَدَنَوْتُ مِنَ الْعَرْشِ، فَقُمْتُ عِنْدَ الْعَرْشِ، فَلَقِيتُ
مَا لَمْ يَلْقَ
نَبِيٌّ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، فَقَالَ: سَلْ
تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ". قَالَ: " أُمَّتِي ". وَذَكَرَ
تَمَامَ الْحَدِيثِ، كَنَحْوِ مَا سَاقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
رِوَايَةُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ:
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا
الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ
حَصِيرَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْنَا النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُشَفَّعَ
عَدَدَ كُلِّ حَجَرٍ وَمَدَرٍ لِأُمَّتِي ".
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْمَرُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَذْكُرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً قَدْ دَعَا بِهَا، وَإِنِّي اسْتَخْبَأْتُ دَعْوَتِي
شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَبُو نَصْرٍ الْغَازِيُّ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ،
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ،
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَفَاعَتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ". فَقُلْتُ: مَا هَذَا
يَا جَابِرُ ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُ مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ
عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ،
وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَذَاكَ الَّذِي يُحَاسَبُ حِسَابًا
يَسِيرًا، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّمَا شَفَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَوْبَقَ نَفْسَهُ، وَأَغْلَقَ
ظَهْرَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ
مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُزَكِّي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ كَعْبٍ الْحَلَبِيِّ، عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ
خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ الْأَنْبِيَاءِ: 28 ]. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ
أُمَّتِي ". قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَظَاهِرُهُ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الشَّفَاعَةُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ
مُخْتَصَّةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَالْمَلَائِكَةُ إِنَّمَا يُشَفِّعُونَ فِي أَهْلِ الصَّغَائِرِ، وَزِيَادَةِ
الدَّرَجَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ بَيَانَ كَوْنِ
الْمَشْفُوعِ فِيهِ مُرْتَضًى بِإِيمَانِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ كَبَائِرُ
وَذُنُوبٌ دُونَ الشِّرْكِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ نَفْيَ الشَّفَاعَةِ
لِلْكُفَّارِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا، وَلَمْ يَرْضَ
اعْتِقَادَهُمْ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ
أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ
قَدْ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ، وَخَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ،
عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ،
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مُيِّزَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ، فَدَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ
النَّارِ النَّارَ، قَامَتِ الرُّسُلُ فَشَفَعُوا، فَيَقُولُ: انْطَلِقُوا - أَوِ
اذْهَبُوا - فَمَنْ عَرَفْتُمْ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ
امْتَحَشُوا، فَيُلْقُونَهُمْ فِي نَهَرٍ - أَوْ عَلَى نَهَرٍ - يُقَالُ لَهُ:
الْحَيَاةُ ". قَالَ: " فَيَسْقُطُ مُحَاشُهُمْ عَلَى حَافَتَيِ
النَّهَرِ، وَيَخْرُجُونَ بِيضًا كَالثَّعَارِيرِ، ثُمَّ يَشْفَعُونَ فَيَقُولُ:
اذْهَبُوا - أَوِ انْطَلِقُوا - فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ
قِيرَاطٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجُوهُ ". قَالَ: " فَيُخْرِجُونَ
بَشَرًا، وَيَشْفَعُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا - أَوِ انْطَلِقُوا - فَمَنْ
وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ
فَأَخْرِجُوهُ ". قَالَ: " فَيُخْرِجُونَ بَشَرًا.
ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا الْآنَ
أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَرَحْمَتِي. فَيُخْرِجُ أَضْعَافَ مَا أَخْرَجُوا
وَأَضْعَافَهُ، فَيُكْتَبُ فِي رِقَابِهِمْ: عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيُسَمَّوْنَ فِيهَا الْجَهَنَّمِيِّينَ ".
تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ، حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ قَالَ: قَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: كُنْتُ مِنْ أَشَدِّ
النَّاسِ تَكْذِيبًا بِالشَّفَاعَةِ حَتَّى لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ،
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كُلَّ آيَةٍ أَقْدِرُ عَلَيْهَا فِيهَا ذِكْرُ خُلُودِ أَهْلِ
النَّارِ، فَقَالَ لِي: يَا طَلْقُ، أَتُرَاكَ أَقْرَأُ لِكِتَابِ اللَّهِ
وَأَعْلَمُ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ مِنِّي ؟! قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنَّ الَّذِي
قَرَأْتَهُ هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَصَابُوا ذُنُوبًا
عُذِّبُوا بِهَا، ثُمَّ أُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ. ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدَيْهِ
إِلَى أُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: صَمَّتَا، إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ، وَنَحْنُ نَقْرَأُ الَّذِي
تَقْرَأُ.
حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ دَاوُدَ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ، عَنْ عُبَادَةَ
بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:فَقَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْلَةً أَصْحَابُهُ، وَكَانُوا إِذَا نَزَلُوا أَنْزَلُوهُ وَسْطَهُمْ،
فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ
اخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا غَيْرَهُمْ، فَإِذَا هُمْ
بِخَيَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرُوا حِينَ
رَأَوْهُ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْفَقْنَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ
تَعَالَى اخْتَارَ لَكَ أَصْحَابًا غَيْرَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا، بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَيْقَظَنِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ،
إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيًّا وَلَا رَسُولًا إِلَّا وَقَدْ سَأَلَنِي مَسْأَلَةً
أَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ، فَسَلْ يَا مُحَمَّدُ تُعْطَهْ. فَقُلْتُ: مَسْأَلَتِي
شَفَاعَةٌ لِأُمَّتِي ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا
الشَّفَاعَةُ ؟ قَالَ: " أَقُولُ: يَا رَبِّ شَفَاعَتِي الَّتِي اخْتَبَأْتُ
عِنْدَكَ. فَيَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: نَعَمْ. فَيُخْرِجُ رَبِّي بَقِيَّةَ
أُمَّتِي، فَيَنْبِذُهُمْ فِي الْجَنَّةِ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ
عَبَّاسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ دَعْوَةٌ
قَدْ تَنَجَّزَهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي قَدِ اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً
لِأُمَّتِي، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ،
وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ
الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ،
وَيَطُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا
بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ، فَيَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ
بَيْنَنَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ
اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ،
وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى
رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَدْ
أُخْرِجْتُ مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِي، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ
إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا رَأْسَ النَّبِيِّينَ. فَيَأْتُونَ
نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ
بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي دَعَوْتُ بِدَعْوَةٍ
أَغْرَقَتْ أَهْلَ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي،
وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ،
فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَلْيَقْضِ
بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي كَذَبْتُ ثَلَاثَ
كَذَبَاتٍ فِي الْإِسْلَامِ - وَاللَّهِ إِنْ حَاوَلَ بِهِنَّ إِلَّا عَنْ دِينِ
اللَّهِ ; قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ [ الصَّافَّاتِ: 89 ]. وَقَوْلُهُ: بَلْ
فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [
الْأَنْبِيَاءِ: 163 ]. وَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ حِينَ أَتَى عَلَى الْمَلِكِ:
أُخْتِي - وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنِ ائْتُوا
مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ. فَيَأْتُونَهُ
فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ
وَبِكَلَامِهِ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ:
لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَإِنَّهُ لَا
يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللَّهِ
وَكَلِمَتَهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، اشْفَعْ لَنَا إِلَى
رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي
اتُّخِذْتُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ
إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنْ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعٌ فِي وِعَاءٍ مَخْتُومٍ
عَلَيْهِ أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ ؟
" قَالَ: " فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا خَاتَمُ
النَّبِيِّينَ، وَقَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " فَيَأْتُونِي، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْفَعْ لَنَا
إِلَى رَبِّكَ، فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا. حَتَّى يَأْذَنَ
اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ
نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ ؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ
الْأَوَّلُونَ،
آخِرُ الْأُمَمِ، أَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، فَتُفْرِجُ
لَنَا الْأُمَمُ طَرِيقًا، فَنَمْضِي غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ،
فَتَقُولُ الْأُمَمُ: كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ
كُلُّهَا، فَآتِي بَابَ الْجَنَّةِ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَأَقْرَعُ
الْبَابَ، فَيُقَالُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ. فَيُفْتَحُ لِي
فَآتِي رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ - أَوْ سَرِيرِهِ شَكَّ
حَمَّادٌ - فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ
بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَيْسَ يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي،
فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ
لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ". قَالَ: " فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ:
أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ
مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا - لَمْ يَحْفَظْ حَمَّادٌ - ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ،
فَأَقُولُ مَا قُلْتُ، فَيُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ
تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي.
فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا. دُونَ
الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ، وَأَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِيَ:
ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي
قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا. دُونَ ذَلِكَ ".
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بَعْضَهُ، مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ. وَتَقَدَّمَ
فِي الصِّنْفِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ أَصْنَافِ
الشَّفَاعَةِ فِي أَقْوَامٍ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ أَنْ لَا
يَدْخُلُوهَا.
طَرِيقٌ أُخْرَى: وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ
"، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَفَاعَتِي لِأَهْلِ
الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الرَّقِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ
خَيْثَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ قُرَادٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، أَوْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ،
فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا
لِلْمُنَقَّيْنَ ؟ لَا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّاءُونَ ".
قَالَ زِيَادٌ: أَمَا إِنَّهَا لَحْنٌ، لَكِنْ
هَكَذَا حَدَّثَنَا الَّذِي حَدَّثَنَا.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، عَنْ عَبْدِ
السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ نُعْمَانَ بْنِ قُرَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ "
الْأَهْوَالِ "، وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْبَعْثِ
وَالنُّشُورِ "، مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:
قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ بَكْرَ
بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ رَبِّ
إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي
وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ إِبْرَاهِيمَ: 36 ]. وَقَوْلَ
عِيسَى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ
فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ الْمَائِدَةِ: 118 ]. فَرَفَعَ
يَدَيْهِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ". وَبَكَى، فَقَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ
أَعْلَمُ، فَسَلْهُ: مَا يُبْكِيكَ " ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَسَأَلَهُ،
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ،
وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى
مَحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ ".
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:
قَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ عَلْقَمَةَ عَنْهُ فِي الْحَوْضِ وَالْمَقَامِ
الْمَحْمُودِ، وَفِيهِ ذِكْرُ الشَّفَاعَةِ.
رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ
يَزِيدُ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ قَالَ:انْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدٍ، فَأَتَيْنَاهُ فَأَنَخْنَا بِالْبَابِ،
وَمَا فِي النَّاسِ أَبْغَضُ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ نَلِجُ عَلَيْهِ مِنْهُ،
فَلَمَّا خَرَجْنَا خَرَجْنَا وَمَا فِي النَّاسِ رَجُلٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ
رَجُلٍ دَخَلْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ. قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَلَا سَأَلْتَ رَبَّكَ مُلْكًا كَمُلْكِ سُلَيْمَانَ ؟ فَضْحِكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: " فَلَعَلَّ
لِصَاحِبِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، إِنَّ اللَّهَ
لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا أَعْطَاهُ دَعْوَةً، فَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَهَا
دُنْيَا فَأُعْطِيَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ دَعَا بِهَا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ عَصَوْهُ،
فَأُهْلِكُوا بِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي دَعْوَةً فَاخْتَبَأْتُهَا عِنْدَ
رَبِّي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". قُلْتُ: إِسْنَادُهُ
غَرِيبٌ قَوِيٌّ، وَحَدِيثٌ غَرِيبٌ.
رِوَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَنْبَسةَ
الْقُرَشِيُّ، عَنْ عِلَاقِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ،
عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ ;
الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْعُلَمَاءُ ثُمَّ الشُّهَدَاءُ ".
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِلَاقِ بْنِ
أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ: وَرَأَيْتُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عِنْدِي، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عِلَاقٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الشُّهَدَاءُ، ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ ". قَالَ
الْبَزَّارُ: عَنْبَسَةُ هَذَا لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
عِلَاقٍ لَا نَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْرَ عَنْبَسَةَ.
رِوَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبَى طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَبْدَا
الْمَذَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ
الْبَزَّارُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ
هَذِهِ الشَّفَاعَةَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ، أَحَقٌّ هِيَ ؟
قَالَ: شَفَاعَةُ مَاذَا ؟ قُلْتُ: شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: حَقٌّ إِي وَاللَّهِ، وَاللَّهِ لَحَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَشْفَعُ لِأُمَّتِي حَتَّى يُنَادِيَنِي
رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ ؟ فَأَقُولُ: رَبِّ
رَضِيتُ ". ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا بِهَذَا
الْإِسْنَادِ.
رِوَايَةُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ
بْنُ خِدَاشٍ
وَخَلَفُ بْنُ هُشَامٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ
الْأَشْجَعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَخَيَّرَنِي بَيْنَ
أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ
الشَّفَاعَةَ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَنْشُدُكَ اللَّهَ
وَالصُّحْبَةَ لَمَا جَعَلْتَنَا مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِكَ. قَالَ: " فَإِنِّي
أُشْهِدُ مَنْ حَضَرَ أَنَّ شَفَاعَتِي لِمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ
شَيْئًا مِنْ أُمَّتِي ".
وَقَدْ رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ
الْوُحَاظِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ غَانِمٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ
مَعْدِيكَرِبَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
بِأَنَّ رَبِّي خَيَّرَنِي بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ ؟ أَنْ يُدْخِلَ نِصْفَ أُمَّتِي
الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ بَحْرِ
بْنِ نَصْرٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ
عَامِرٍ، سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، رَدَّ
الْحَدِيثَ إِلَى عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ.
رِوَايَةُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
أَبِي عَمَّارٍ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا
عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ
أُمَيٍّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الشَّفَاعَةُ الشَّفَاعَةُ. فَقَالَ: "
شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".
رِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ، حَدَّثَنِي
النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْمَازِنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ، حَدَّثَنَا
أَبُو هُنَيْدَةَ الْبَرَاءُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ وَالَانَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ
حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ:أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ
فَصَلَّى الْغَدَاةَ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الضُّحَى ضَحِكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ مَكَانَهُ حَتَّى
صَلَّى الْأُولَى وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ،
حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ
النَّاسُ لِأَبِي بَكْرٍ: أَلَا تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا شَأْنُهُ ؟ صَنَعَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ يَصْنَعْهُ قَطُّ.
فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " نَعَمْ، عُرِضَ عَلَيَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِ
الدُّنْيَا وَأَمْرِ الْآخِرَةِ، يُجْمَعُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِصَعِيدٍ
وَاحِدٍ، فَفَظِعَ النَّاسُ بِذَلِكَ، حَتَّى انْطَلَقُوا إِلَى آدَمَ وَالْعَرَقُ
يَكَادُ يُلْجِمُهُمْ، فَقَالُوا: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، أَنْتَ
اصْطَفَاكَ اللَّهُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِثْلَ
الَّذِي لَقِيتُمُ، انْطَلِقُوا إِلَى أَبِيكُمْ
بَعْدَ أَبِيكُمْ، إِلَى نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى
آدَمَ وَنُوحًا. قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ،
فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَأَنْتَ اصْطَفَاكَ اللَّهُ،
وَاسْتَجَابَ لَكَ فِي دُعَائِكَ، وَلَمْ يَدَعْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ
الْكَافِرِينَ دَيَّارًا. فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، انْطَلِقُوا إِلَى
إِبْرَاهِيمَ ; فَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا. فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى
مُوسَى ؟ فَإِنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. فَيَقُولُ مُوسَى: لَيْسَ ذَاكُمْ
عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ فَإِنَّهُ يُبْرِئُ
الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُحْيِي الْمَوْتَى. فَيَقُولُ عِيسَى: لَيْسَ
ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ؛ فَإِنَّهُ
أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، انْطَلِقُوا إِلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفَعَ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ.
قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ، فَيَأْتِي جِبْرِيلُ رَبَّهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِ
جِبْرِيلُ، فَيَخِرُّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. قَالَ: فَيَرْفَعُ
رَأْسَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، خَرَّ سَاجِدًا قَدْرَ
جُمُعَةٍ أُخْرَى، فَيَقُولُ اللَّهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ،
وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. قَالَ: فَيَذْهَبُ لِيَقَعَ سَاجِدًا، فَيَأْخُذُ جِبْرِيلُ
بِضَبْعَيْهِ، وَيُفْتَحُ عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُفْتَحْهُ
عَلَى بَشَرٍ قَطُّ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، خَلَقْتَنِي سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ
وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلَا فَخْرَ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ
صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ. ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا
الْأَنْبِيَاءَ. قَالَ فَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ
الْعِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ، وَالنَّبِيُّ
وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ. فَيَشْفَعُونَ.
ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الشُّهَدَاءَ، فَيَشْفَعُونَ لِمَنْ أَرَادُوا. قَالَ:
فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا. قَالَ:
فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا فِي
النَّارِ هَلْ تَلْقَوْنَ مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ ؟ قَالَ: فَيَجِدُونَ
فِي النَّارِ رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ فَيَقُولُ:
لَا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ. فَيَقُولُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: أَسْمِحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلَى عَبِيدِي. ثُمَّ
يُخْرِجُونَ مِنَ النَّارِ رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ
؟ فَيَقُولُ: لَا، غَيْرَ أَنِّي قَدْ أَمَرْتُ وَلَدِي إِذَا مِتُّ
فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ، ثُمَّ اطْحَنُونِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ مِثْلَ
الْكُحْلِ، فَاذْهَبُوا بِي إِلَى الْبَحْرِ فَاذْرُونِي فِي الرِّيحِ،
فَوَاللَّهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا. فَقَالَ اللَّهُ
لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: مِنْ مَخَافَتِكَ. قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ،
عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرْ إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ
وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ. قَالَ: فَيَقُولُ: لِمَ تَسْخَرُ بِي، وَأَنْتَ الْمَلِكُ
؟ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
فَذَاكَ الَّذِي ضَحِكْتُ مِنْهُ مِنَ الضُّحَى ". وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى
هَذَا الْحَدِيثِ فِي آخِرِ مُسْنَدِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ
الْعُتْوَارِيِّ، قَالَ أَحْمَدُ: وَهُوَ أَبُو الْهَيْثَمِ - أَحَدُ بَنِي لَيْثٍ
- وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ
السَّعْدَانِ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَجْرُوحٌ بِهِ،
ثُمَّ نَاجٍ وَمُحْتَبَسٌ بِهِ فَمَنْكُوسٌ فِيهَا، فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ
الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ يَفْقِدُ الْمُؤْمِنُونَ رِجَالًا كَانُوا مَعَهُمْ
فِي الدُّنْيَا، يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِمْ، وَيُزَكُّونَ بِزَكَاتِهِمْ،
وَيَصُومُونَ صِيَامَهُمْ، وَيَحُجُّونَ حَجَّهُمْ، وَيَغْزُونَ غَزْوَهُمْ،
فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا، عِبَادٌ مِنْ عِبَادِكَ كَانُوا مَعَنَا فِي
الدُّنْيَا، يُصَلُّونَ صَلَاتَنَا، وَيُزَكُّونَ زَكَاتَنَا، وَيَصُومُونَ
صِيَامَنَا، وَيَحُجُّونَ حَجَّنَا، وَيَغْزُونَ غَزْوَنَا، لَا نَرَاهُمْ ؟!
فَيَقُولُ: اذْهَبُوا إِلَى النَّارِ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْهُمْ
فَأَخْرِجُوهُ. قَالَ: فَيَجِدُونَهُمْ وَقَدْ أَخَذَتْهُمُ النَّارُ عَلَى قَدْرِ
أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
أَخَذَتْهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى رُكْبَتِهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى آزِرَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى ثَدْيَيْهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى عُنُقِهِ، وَلَمْ تَغْشَ الْوُجُوهَ،
فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ
مِنْهَا، فَيَطْرَحُونَهُمْ فِي مَاءِ الْحَيَاةِ
". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْحَيَاةُ ؟ قَالَ: " غُسْلُ
أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الزَّرْعَةِ ". وَقَالَ مَرَّةً:
" كَمَا تَنْبُتُ الزَّرْعَةُ فِي غُثَاءِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَشْفَعُ
الْأَنْبِيَاءُ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
مُخْلِصًا، فَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا ". قَالَ: " ثُمَّ يَتَحَنَّنُ
اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا، فَمَا يَتْرُكُ فِيهَا عَبْدًا فِي
قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْهَا ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
إِسْحَاقَ بِهِ، قَالَ: " يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ
". قَالَ مُحَمَّدٌ: فَلَا أَعْلَمُهُ قَالَ: إِلَّا كَحَرْفَةِ السَّيْفِ.
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ
سُلَيْمَانَ، يَعْنِي التَّيْمِيَّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَهْلُ
النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا لَا يَمُوتُونَ، وَلَا يَحْيَوْنَ، وَأَمَّا
أُنَاسٌ يُرِيدُ اللَّهُ بِهِمُ الرَّحْمَةَ، فَيُمِيتُهُمْ فِي النَّاسِ،
فَيَدْخُلُ عَلَيْهِمُ الشُّفَعَاءُ، فَيَأْخُذُ الرَجُلُ الضِّبَارَةَ
فَيَبُثُّهُمْ - أَوْ قَالَ: فَيُبَثُّونَ - عَلَى نَهَرِ الْحَيَا - أَوْ "
قَالَ: الْحَيَاةِ. أَوْ قَالَ: الْحَيَوَانِ. أَوْ قَالَ: نَهَرِ الْجَنَّةِ -
فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ". قَالَ: فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسِلْمُ،: " أَمَا تَرَوْنَ الشَّجَرَةَ
تَكُونُ خَضْرَاءَ، ثُمَّ تَكُونُ صَفْرَاءَ - أَوْ قَالَ: تَكُونُ صَفْرَاءَ
ثُمَّ تَكُونُ خَضْرَاءَ " قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَأَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْبَادِيَةِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ يَزِيدَ، عَنْ
أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: أَمَّا أَهْلُ النَّارِ
الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ،
وَلَكِنْ أُنَاسٌ - أَوْ كَمَا قَالَ - تُصِيبُهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ
قَالَ: بِخَطَايَاهُمْ - فَيُمِيتُهُمْ إِمَاتَةً، حَتَّى إِذَا صَارُوا فَحْمًا
أُذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ، فَجِيءِ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فَيُبَثُّوا عَلَى
أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ.
فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ". فَقَالَ رَجُلٌ
مِنَ الْقَوْمِ: كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
بِالْبَادِيَةِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ
يُخْرِجَاهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنِي أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ:يُعْرَضُ النَّاسُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، عَلَيْهِ حَسَكٌ،
وَكَلَالِيبُ، وَخَطَاطِيفُ تَخْطَفُ النَّاسَ. قَالَ: فَيَمُرُّ النَّاسُ مِثْلَ
الْبَرْقِ، وَآخَرُونَ مِثْلَ الرِّيحِ، وَآخَرُونَ مِثْلَ الْفَرَسِ الْمُجْرَى،
وَآخَرُونَ يَسْعَوْنَ سَعْيًا، وَآخَرُونَ يَمْشُونَ مَشْيًا، وَآخَرُونَ
يَحْبُونَ حَبْوًا، وَآخَرُونَ يَزْحَفُونَ زَحْفًا، فَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ
فَلَا يَمُوتُونَ، وَلَا يَحْيَوْنَ، وَأَمَّا أُنَاسٌ فَيُؤْخَذُونَ
بِذُنُوبِهِمْ فَيُحْرَقُونَ، فَيَكُونُونَ فَحْمًا، ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ فِي
الشَّفَاعَةِ، فَيُؤْخَذُونَ ضِبَارَاتٍ ضِبَارَاتٍ، فَيُقْذَفُونَ عَلَى نَهَرٍ،
فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ رَأَيْتُمُ
الصَّبْغَاءَ ؟ " قَالَ: وَعَلَى النَّارِ ثَلَاثُ شَجَرَاتٍ، فَيُخْرَجُ -
أَوْ يَخْرُجُ - رَجُلٌ مِنَ النَّارِ، فَيَكُونُ عَلَى شَفَتِهَا، فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي
عَنْهَا. قَالَ: فَيَقُولُ: وَعَهْدِكَ وَذِمَّتِكَ
لَا تَسْأَلْنِي غَيْرَهَا ؟ قَالَ: فَيَرَى شَجَرَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ
أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَآكُلُ مِنْ
ثَمَرَتِهَا. قَالَ: فَيَقُولُ: وَعَهْدِكَ وَذِمَّتِكَ لَا تَسْأَلْنِي غَيْرَهَا
؟ قَالَ: فَيَرَى شَجَرَةً أُخْرَى أَحْسَنَ مِنْهَا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ،
حَوِّلْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَآكُلُ مِنْ
ثَمَرَتِهَا. قَالَ: فَيَقُولُ: وَعَهْدِكَ وَذِمَّتِكَ لَا تَسْأَلْنِي غَيْرَهَا
؟ قَالَ: فَيَرَى الثَّالِثَةَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، حَوِّلْنِي إِلَى هَذِهِ
الشَّجَرَةِ أَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَآكُلُ مِنْ ثَمَرَتِهَا. قَالَ: فَيَقُولُ:
وَعَهْدِكَ وَذِمَّتِكَ لَا تَسْأَلْنِي غَيْرَهَا ؟ قَالَ: فَيَرَى سَوَادَ
النَّاسِ، وَيَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَدْخِلْنِي
الْجَنَّةَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اخْتَلَفَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: فَيَدْخُلُ
الْجَنَّةَ، وَيُعْطَى الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا. وَقَالَ الْآخَرُ: فَيَدْخُلُ
الْجَنَّةَ، وَيُعْطَى الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا.
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ بِهِ
نَحْوَهُ.
رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، يَعْنِي ابْنَ دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ. قَالَ:قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ
لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ
مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. خَالِصَةً مِنْ قِبَلِ
نَفْسِهِ ".
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً
مُسْتَجَابَةً، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ
دَعْوَتِي - يَعْنِي شَفَاعَةً - لِأُمَّتِي، فَهِيَ نَائِلَةٌ - إِنْ شَاءَ
اللَّهُ - مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ". قَالَ يَعْلَى:
شَفَاعَةً.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدِ بْنِ خَازِمٍ
الضَّرِيرِ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ،
وَالْخُزَاعِيُّ، يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ مُعَتِّبٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَهُ
يَقُولُ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاذَا
رَدَّ إِلَيْكَ رَبُّكَ فِي الشَّفَاعَةِ ؟ فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَوَّلُ مَنْ يَسْأَلُنِي عَنْ
ذَلِكَ مِنْ أُمَّتِي، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْعِلْمِ، وَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَا يُهِمُّنِي مِنَ انْقِصَافِهِمْ عَلَى أَبْوَابِ
الْجَنَّةِ أَهَمُّ
عِنْدِي مِنْ تَمَامِ شَفَاعَتِي، وَشَفَاعَتِي
لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا، يُصَدِّقُ قَلْبُهُ
لِسَانَهُ، وَلِسَانُهُ قَلْبَهُ ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ مَالِكٍ، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو
بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ
". قَالَ إِسْحَاقُ: " فَأَرَدْتُ أَنْ أَخْتَبِئَ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي
سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنَ جَارِيَةَ الثَّقَفِيَّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا، فَأَنَا أُرِيدُ،
إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ". فَقَالَ كَعْبٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
نَعَمْ. تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ قَالَ: اجْتَمَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَعْبٌ، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ
يُحَدِّثُ كَعْبًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَعْبٌ
يُحَدِّثُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ الْكُتُبِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ
مُسْتَجَابَةٌ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ".
انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلَمْ
يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ غُنْدَرٌ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ
لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً دَعَا بِهَا، وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أَدَّخِرَ
دَعْوَتِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: " فِي أُمَّتِي.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ
دَعْوَةٌ تُسْتَجَابُ لَهُ، فَأُرِيدُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنْ أَدَّخِرَ
دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلَمْ
يُخْرِجَاهُ. طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، وَهُوَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ، عَنْ
أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو
بِهَا، فَيُسْتَجَابُ لًهُ، فَيُؤْتَاهَا، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي
شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي
الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي
أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ،
فَأُرِيدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ شَفَاعَةً لِأُمَّتِي ".
تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ،
وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ،
حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْأَوْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: عَسَى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا
[ الْإِسْرَاءِ: 179 ]. قَالَ: " هُوَ
الْمَقَامُ الَّذِي أَشْفَعُ لِأُمَّتِي فِيهِ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ دَاوُدَ،
وَقَالَ: حَسَنٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا
ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ،
عَنِ ابْنِ دَارَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: إِنَّا لَبِالْبَقِيعِ مَعَ أَبِي
هُرَيْرَةَ إِذْ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ:أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِشَفَاعَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ:
فَتَدَاكَّ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: إِيهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. قَالَ:
يَقُولُ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكُلِّ عَبْدٍ لَقِيَكَ يُؤْمِنُ بِي لَا
يُشْرِكُ بِكَ ". تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
رِوَايَةُ أُمِّ حَبِيبَةَ:
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى
الْأَدَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أُرِيتُ مَا تَلْقَى
أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، وَسَفْكَ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ،
وَسَبَقَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ،
فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُوَلِّيَنِي فِيهِمْ شَفَاعَةً، فَفَعَلَ ". قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
ذِكْرُ شَفَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَهَالِيهِمْ
قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي شَفَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ،
ثُمَّ الشُّهَدَاءِ، ثُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ "، مِنْ
طَرِيقِ أَبِي عَمْرِو بْنِ السَّمَّاكِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
الزِّبْرِقَانِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ
الْحَذَّاءُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
الزَّعْرَاءِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَشْفَعُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ: جِبْرِيلُ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ
مُوسَى أَوْ عِيسَى، ثُمَّ نَبِيُّكُمْ، ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ
الصِّدِّيقُونَ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ
كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ: لَا
يَشْفَعُ أَحَدٌ بَعْدَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ
الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا
مَحْمُودًا. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَيَحْيَى بْنُ سَلَمَهَ بْنِ
كُهَيْلٍ ضَعِيفٌ.
وَفِي " الصَّحِيحِ " مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ
بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ
الصِّرَاطِ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ
مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ مِنْهُمْ لِرَبِّهِمْ عَزَّ
وَجَلَّ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا،
إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَحُجُّونَ
مَعَنَا، وَيَغْزُونَ مَعَنَا، فَيُقَالُ لَهُمُ: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ
فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ مِنَ النَّارِ،
ثُمَّ يَقُولُ: نِصْفَ دِينَارٍ. ثُمَّ يَقُولُ: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. فَأَخْرِجُوهُ
مِنَ النَّارِ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: اقْرَءُوا إِنْ شَئْتُمْ إِنَّ
اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [ النِّسَاءِ: 40 ]. قَالَ: "
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ،
وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ،
فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا
خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ
الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ. فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ
الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ".
" فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ، يَعْرِفُهُمْ
أَهْلُ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ، أَدْخَلَهُمُ
اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ. ثُمَّ
يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ. فَيَقُولُونَ:
رَبَّنَا، أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ. فَيُقَالُ:
عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، أَيُّ شَيْءٍ
أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ
عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ".
وَفِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ
رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذِكْرِ دُخُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ -: فَأَقُولُ:
يَا رَبِّ، شَفِّعْنِي فِيمَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّتِي. فَيَقُولُ:
نَعَمْ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ دِينَارٍ
مِنْ إِيمَانٍ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ثُلُثَا دِينَارٍ، نِصْفُ دِينَارٍ،
ثُلُثُ دِينَارٍ، رُبُعُ دِينَارٍ، حَتَّى بَلَغَ قِيرَاطَيْنِ، أَخْرِجُوا مَنْ
لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ". قَالَ: " ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي
الشَّفَاعَةِ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا شُفِّعَ، إِلَّا اللَّعَّانُ فَإِنَّهُ
لَا يَشْفَعُ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ لَيَتَطَاوَلُ يَوْمَئِذٍ فِي النَّارِ
رَجَاءَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ، مِمَّا يَرَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى
إِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا شُفِّعَ ". قَالَ: " فَيَقُولُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: بَقِيتُ أَنَا وَأَنَا أَرْحَمُ الرَاحِمِينَ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا
مَا لَا يُحْصِي عِدَّتَهُمْ غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ، كَأَنَّهُمُ الْخُشُبُ
الْمُحْتَرِقَةُ، فَيُطْرَحُونَ عَلَى شَطِّ نَهَرٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ،
يُقَالُ لَهُ: الْحَيَوَانُ. فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ
السَّيْلِ ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ
بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ - هُوَ
السَّمْتِيُّ - عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُعْرَضُ أَهْلُ النَّارِ صُفُوفًا، فَيَمُرُّ
بِهِمُ الْمُؤْمِنُونَ، فَيَرَى الرَّجُلُ مِنْ
أَهْلِ النَّارِ الرَّجُلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ
عَرَفَهُ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ، أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ
اسْتَعَنْتَنِي عَلَى حَاجَةِ كَذَا وَكَذَا فَأَعَنْتُكَ ؟ وَيَقُولُ الْآخَرُ:
يَا فُلَانُ، أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ أَعْطَيْتُكَ - قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: - كَذَا
وَكَذَا ؟ فَيَذْكُرُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ، فَيَعْرِفُهُ، فَيَشْفَعُ لَهُ إِلَى
رَبِّهِ، فَيُشَفِّعُهُ فِيهِ ". فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُصَفُّ
النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفُوفًا - وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: أَهْلُ
الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ - فَيَمُرُّ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عَلَى
الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ: أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ
نَاوَلْتُكَ طَهُورًا ؟ فَيَشْفَعُ لَهُ. وَيَمُرُّ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ،
فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ اسْتَسْقَيْتَنِي فَسَقَيْتُكَ شَرْبَةً ؟
قَالَ: فَيَشْفَعُ لَهُ وَيَمُرُّ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا
فُلَانُ، أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ بَعَثْتَنِي لِحَاجَةِ كَذَا وَكَذَا فَذَهَبْتُ
لَكَ ؟ فَيَشْفَعُ لَهُ ".
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِلَفْظٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُوسَى، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ
عُمْرَ، أَنْبَأَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يَقُولُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
يَا رَبِّ، إِنَّ فُلَانًا سَقَانِي شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ فِي الدُّنْيَا،
فَشَفِّعْنِي فِيهِ. فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ.
فَيَذْهَبُ فَيَتَحَسَّسُ عَلَيْهِ فِي النَّارِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْهَا
".
وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ الْحِسَانِ.
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي شَفَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَهَالِيهِمْ:
حَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ زَبُورِ دَاوُدَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ
فِيهِ مَكْتُوبًا: يَقُولُ اللَّهُ عِزَّ وَجَلَّ: إِنَّ عِبَادِيَ الزَّاهِدِينَ
أَقُولُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنِّي لَمْ أَزْوِ عَنْكُمُ الدُّنْيَا
لَهَوَانِكُمْ عَلَيَّ، وَلَا لِعِزَّةِ الدُّنْيَا عِنْدِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ
ذَلِكَ بِكُمْ لِتَسْتَوْفُوا نَصِيبَكُمُ الْيَوْمَ كَامِلًا مَوْفُورًا عِنْدِي،
لَمْ تَكْلِمْهُ الدُّنْيَا، وَلَمْ تُشَعِّثْهُ الشَّهَوَاتُ فَتَخَلَّلُوا الصُّفُوفَ،
فَمَنْ أَحْبَبْتُمُوهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ قَضَى لَكُمْ حَاجَةً، أَوْ رَدَ
عَنْكُمْ غِيبَةً، أَوْ كَسَاكُمْ خِرْقَةً، أَوْ أَطْعَمَكُمْ لُقْمَةً، أَوْ
سَقَاكُمْ شَرْبَةً ؟ ابْتَغَاءَ وَجْهِي وَطَلَبَ مَرْضَاتِي، فَخُذُوا بِيَدِهِ،
وَأَدْخِلُوهُ الْجَنَّةَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ،
عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أُمَّتِي رِجَالًا يَشْفَعُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ
فِي
الْفِئَامِ مِنَ النَّاسِ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
بِشَفَاعَتِهِ، وَيَشْفَعُ الرَجُلُ لِلْقَبِيلَةِ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
بِشَفَاعَتِهِ، وَيَشْفَعُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لِلرَّجُلِ وَأَهْلِهِ،
فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ ".
وَرَوَى الْبَزَّارُ بِسَنَدِهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، مَرْفُوعًا: إِنَّ
الرَجُلَ لَيَشْفَعُ لِلرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ ".
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قُمْ يَا فُلَانُ فَاشْفَعْ. فَيَقُومُ
الرَّجُلُ فَيَشْفَعُ لِلْقَبِيلَةِ، وَلِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَلِلرَّجُلِ،
وَلِلرَّجُلَيْنِ، عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِ ".
وَمِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ: أَنَّ أَبَا
أُمَامَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي
أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ مُضَرَ، وَيَشْفَعُ الرَّجُلُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ،
وَيَشْفَعُ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
مُكْرَمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا حَرِيزٌ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ - أَوْ عَبْدِ اللَّهِ - بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَدْخُلَنُّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ
لَيْسَ بِنَبِيٍّ مِثْلُ الْحَيَّيْنِ - أَوْ مِثْلُ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ -
رَبِيعَةَ، وَمُضَرَ ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا
رَبِيعَةُ مِنْ مُضَرَ ؟ فَقَالَ: " إِنَّمَا أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ:
جَلَسْتُ إِلَى رَهْطٍ أَنَا رَابِعُهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ ". قُلْنَا: سِوَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " سِوَايَ
". قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا قَامَ قُلْتُ: مَنْ
هَذَا ؟ قَالُوا: ابْنُ أَبِي الْجَدْعَاءِ.
ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَعَنْ عَفَّانَ
عَنْ وُهَيْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، بِهِ، نَحْوَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ
شَبَابَةَ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَيْسَرَةَ، وَحَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ الرَحَبِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدْخُلُ بِشَفَاعَةِ
رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ مِثْلُ
أَحَدِ الْحَيَّيْنِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ".
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رَبِيعَةُ وَمُضَرُ. قَالَ: " إِنَّمَا
أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ ". قَالَ: فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يُرَوْنَ أَنَّ
ذَلِكَ الرَّجُلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ
الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْجَدْعَاءِ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ ". قَالُوا: سِوَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " سِوَايَ
". قَالَ الْفِرْيَابِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ، مِنْ
طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ لِابْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ
حَدِيثٌ سِوَاهُ. وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي
هِنْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ
الْأَسَدِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أُقَيْشٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أُمَّتِي
مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّ مِنْ
أُمَّتِي مَنْ سَيَعْظُمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ زَوَايَاهَا ".
وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ
أَبِي هِنْدٍ، وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَمَنْ يَشْفَعُ
لِأَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَمَنْ يَعْظُمُ
لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهَا ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَدْخُلُ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ أَكْثَرُ مِنْ رَبِيعَةَ
وَمُضَرَ ". قَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنِي حَوْشَبٌ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ
أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ
قَوْمِهِ: أُوَيْسٌ بِأَيِّ شَيْءٍ بَلَغَ هَذَا ؟ قَالَ: فَضْلُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الْعَصَرِيَّ، حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ
صُهْبَانَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ،
قَالَ: يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَتَتَقَادَعُ بِهِمْ جَنَبَتَا الصِّرَاطِ تَقَادُعَ الْفَرَاشِ فِي
النَّارِ، فَيُنَجِّي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، ثُمَّ يُؤْذَنُ
لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ أَنْ يَشْفَعُوا، فَيَشْفَعُونَ
وَيُخْرِجُونَ، وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ، وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ - زَادَ
عَفَّانُ مَرَّةً، فَقَالَ: وَيَشْفَعُونَ وَيُخْرِجُونَ - مَنْ كَانَ فِي
قَلْبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً مِنْ إِيمَانٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو
سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا
جَعْفَرٌ - يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ - حَدَّثَنَا أَبُو ظِلَالٍ، حَدَّثَنَا
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: سَلَكَ رَجُلَانِ مَفَازَةً، أَحَدُهُمَا عَابِدٌ، وَالْآخَرُ
بِهِ رَهَقٌ، وَمَعَ الَّذِي بِهِ رَهَقٌ إِدَاوَةٌ، فِيهَا مَاءٌ، وَلَيْسَ مَعَ
الْعَابِدِ مَاءٌ، فَعَطِشَ الْعَابِدُ، فَقَالَ: أَيْ فُلَانُ، اسْقِنِي فَهُوَ
ذَا أَمُوتُ. فَقَالَ: إِنَّمَا مَعِي إِدَاوَةٌ، وَنَحْنُ فِي مَفَازَةٍ، فَإِنْ
سَقَيْتُكَ هَلَكْتُ. فَسَلَكَا، ثُمَّ إِنَّ الْعَابِدَ اشْتَدَّ بِهِ الْعَطَشُ،
فَقَالَ: أَيْ فُلَانُ، اسْقِنِي فَهُوَ ذَا أَمُوتُ. فَقَالَ: إِنَّمَا مَعِي
إِدَاوَةٌ، وَنَحْنُ فِي مَفَازَةٍ، فَإِنْ
سَقَيْتُكَ هَلَكْتُ. فَسَلَكَا، ثُمَّ إِنَّ
الْعَابِدَ اشْتَدَّ بِهِ الْعَطَشُ، فَقَالَ: أَيْ فُلَانُ، اسْقِنِي ; فَهُوَ
ذَا أَمُوتُ. فَقَالَ: إِنَّمَا مَعِي إِدَاوَةٌ، وَنَحْنُ فِي مَفَازَةٍ، فَإِنْ
سَقَيْتُكَ هَلَكْتُ. فَسَلَكَا، ثُمَّ إِنَّ الْعَابِدَ سَقَطَ، فَقَالَ: أَيْ
فُلَانُ، اسْقِنِي ؟ فَهُوَ ذَا أَمُوتُ. قَالَ الَّذِي بِهِ رَهَقٌ: وَاللَّهِ
إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ الصَّالِحَ يَمُوتُ ضَيَاعًا، إِنْ تَرَكْتُهُ وَلَمْ
أَسْقِهِ لَا تَبُلُّنِي عِنْدَ اللَّهِ بَالَّةٌ أَبَدًا. فَرَشَّ عَلَيْهِ مِنَ
الْمَاءِ وَسَقَاهُ، ثُمَّ سَلَكَا الْمَفَازَةَ، فَقَطَعَاهَا، قَالَ:
فَيُوقَفَانِ لِلْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُؤْمَرُ بِالْعَابِدِ إِلَى
الْجَنَّةِ، وَيُؤْمَرُ بِالَّذِي بِهِ رَهَقٌ إِلَى النَّارِ. قَالَ: فَيَعْرِفُ
الَّذِي بِهِ رَهَقٌ الْعَابِدَ، وَلَا يَعْرِفُ الْعَابِدُ الَّذِي بِهِ رَهَقٌ،
فَيُنَادِيهِ: أَيْ فُلَانُ، أَنَا الَّذِي آثَرْتُكَ عَلَى نَفْسِي يَوْمَ
الْمَفَازَةِ، وَقَدْ أُمِرَ بِي إِلَى النَّارِ، فَاشْفَعْ لِي إِلَى رَبِّكَ.
فَيَقُولُ الْعَابِدُ: أَيْ رَبِّ، إِنَّهُ قَدْ آثَرَنِي عَلَى نَفْسِهِ، أَيْ
رَبِّ هَبْهُ لِيَ الْيَوْمَ. فَيَهَبُهُ لَهُ، فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ، فَيَنْطَلِقُ
بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ ". زَادَ فِيهِ: " فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ، مَا
أَشَدَّ مَا غَيَّرَتْكَ نِعْمَةُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ ".
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَوِيٍّ
فَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ
الزَّاهِدُ إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي سَارَةَ، عَنْ ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُشْرِفُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى النَّارِ، فَيُنَادِيهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ،
فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ، هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللَّهِ مَا
أَعْرِفُكَ، مَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي مَرَرْتَ بِي فِي الدُّنْيَا،
فَاسْتَسْقَيْتَنِي شَرْبَةً مِنْ مًاءٍ،
فَسَقَيْتُكَ. قَالَ: قَدْ عَرَفْتُكَ. قَالَ: فَاشْفَعْ لِي بِهَا عِنْدَ
رَبِّكَ. قَالَ: فَيَسْأَلُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ: إِنِّي
أَشْرَفْتُ عَلَى النَّارِ، فَنَادَانِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالَ: هَلْ
تَعْرِفُنِي ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، مَا أَعْرِفُكَ، مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ: أَنَا
الَّذِي مَرَرْتَ بِي فِي الدُّنْيَا، فَاسْتَسْقَيْتَنِي شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ،
فَسَقَيْتُكَ فَاشْفَعْ لِي بِهَا عِنْدَ رَبِّكَ. فَشَفِّعْنِي فِيهِ،
فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ فَيُخْرَجُ مِنَ النَّارِ ".
أَنْبَأَنَا أَبُو طَالِبٍ طَاهِرٌ الْفَقِيهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الصَّفَّارُ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيصَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ الضَّبِّيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ
الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِمْرَانَ الْأَخْنَسِيُّ، سَمِعْتُ
أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ جَارَ ابْنِ هَارُونَ يُحَدِّثُ، عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجْمَعُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ صُفُوفًا،
وَأَهْلَ النَّارِ صُفُوفًا، فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ صُفُوفِ أَهْلِ النَّارِ
إِلَى رَجُلٍ مِنْ صُفُوفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ، مَا
تَذْكُرُ يَوْمَ اصْطَنَعْتُ إِلَيْكَ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ؟ فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ، إِنَّ هَذَا اصْطَنَعَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا. فَيُقَالُ: خُذْ
بِيَدِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ". قَالَ أَنَسٌ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ. قَالَ: وَكَذَا
رَوَاهُ السَّمْعَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِمْرَانَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ فِيهِ شَفَاعَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ
لِصَاحِبِهَا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ
حُيَيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمِنَ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ الصِّيَامَ، وَالْقُرْآنَ لَيَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ ;
يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالشَّهَوَاتِ
بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ
بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ.
وَرَوَى نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ أَخِي يَتَعَاطَى
الشَّرَابَ، فَمَرِضَ، فَبَعَثَ إِلَيَّ لَيْلًا أَنِ الْحَقْ بِي فَأَتَيْتُهُ،
فَرَأَيْتُ أَسْوَدَيْنِ قَدْ دَنَوَا مِنْهُ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، هَلَكَ ابْنُ أَخِي. فَاطَّلَعَ أَبْيَضَانِ مِنَ الْكُوَّةِ
الَّتِي فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: انْزِلْ إِلَيْهِ.
فَلَمَّا نَزَلَ تَنَحَّى عَنْهُ الْأَسْوَدَانِ، فَشَمَّ فَاهُ، فَقَالَ: مَا
أَرَى فِيهِ ذِكْرًا. ثُمَّ شَمَّ بَطْنَهُ، فَقَالَ: مَا أَرَى فِيهَا صِيَامًا،
ثُمَّ شَمَّ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَرَى فِيهِمَا صَلَاةً. فَقَالَ لَهُ
صَاحِبُهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، رَجُلٌ مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ
وَيْحَكَ، عُدْ فَانْظُرْ. فَعَادَ فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَنَزَلَ
الْآخَرُ فَشَمَّ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، ثُمَّ
عَادَ، فَإِذَا فِي طَرَفٍ لِسَانِهِ تَكْبِيرَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَهَا
ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ بِأَنْطَاكِيَةَ، فَقَبَضُوا رُوحَهُ، فَشَمُّوا فِي
الْبَيْتِ رَائِحَةَ الْمِسْكِ، وَشَهِدَ النَّاسُ جِنَازَتَهُ. حَدِيثٌ غَرِيبٌ
جِدًّا.
قَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْقُرْطُبِيُّ فِي "
التَّذْكِرَةِ ": وَخَرَّجَ أَبُو الْقَاسِمِ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُتَّلِيُّ فِي كِتَابِ " الدِّيبَاجِ " لَهُ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ
أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنَ أَبَانٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ
أَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ; إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي،
وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ". قَالَ: " فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ
مِثْلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". أَوْ قَالَ: " مِثْلَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
". قَالَ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: " مِثْلَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ: عُتَقَاءُ اللَّهِ ".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا، أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ
". وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلَ النَّارَ اشْتَدَّ
صِيَاحُهُمَا، فَقَالَ الرَّبُّ تَعَالَى: أَخْرِجُوهُمَا. فَلَمَّا أُخْرِجَا
قَالَ لَهُمَا: لِأَيِّ
شَيْءٍ اشْتَدَّ صِيَاحُكُمَا ؟ فَقَالَا: فَعَلْنَا
ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا. قَالَ: إِنَّ رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا
فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النَّارِ. فَيَنْطَلِقَانِ
فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ، فَيَجْعَلُهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا،
وَيَقُومُ الْآخَرُ، فَلَا يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ الرَّبُّ، عَزَّ وَجَلَّ:
مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ، كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ
إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَ مَا أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا.
فَيَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: لَكَ رَجَاؤُكَ. فَيَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ
جَمِيعًا بِرَحْمَةِ اللَّهِ ".
وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ لِحَالِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَنْعُمٍ،
وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَلَكِنْ تُغْتَفَرُ رِوَايَةُ مِثْلِ هَذَا فِي هَذَا
الْبَابِ ; لِأَنَّهُ مِنَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَنْبَأْنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ
الْجَنْبِيِّ، أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ
حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا
كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَفَرَغَ اللَّهُ مِنْ قَضَاءِ الْخَلْقِ فَيَبْقَى
رَجُلَانِ، فَيُؤْمَرُ بِهِمَا إِلَى النَّارِ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمَا،
فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: رُدُّوهُ. فَيَرُدُّونَهُ، فَيَقُولُ لَهُ: لِمَ
الْتَفَتَّ ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ. فَيُؤْمَرُ
بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: لَقَدْ أَعْطَانِي رَبِّي حَتَّى لَوْ أَنِّي
أَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي شَيْئًا ".
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَهُ يُرَى
السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ.
فَصْلٌ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ
يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ الْآيَاتِ [ الْأَعْرَافِ: 46 ]. قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْأَعْرَافُ سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ،
وَعَلَيْهِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَصْحَابُ
الْأَعْرَافِ قَوْمٌ تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمُ النَّارَ، وَقَصَّرَتْ
بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ
أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ، عَزَّ
وَجَلَّ، فَقَالَ: قُومُوا ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ; فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ
مَرْفُوعًا، وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ:
أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالٌ تَسْتَوِي حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ،
فَيُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَيَاةُ. تُرْبَتُهُ وَرْسٌ
وَزَعْفَرَانُ، وَحَافَتَاهُ قَصَبٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ،
فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَبْدُو فِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ، ثُمَّ
يَغْتَسِلُونَ فَيَزْدَادُونَ بَيَاضًا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: تَمَنَّوْا مَا
شِئْتُمْ. فَيَتَمَنَّوْنَ مَا شَاءُوا، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا
تَمَنَّيْتُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً. فَأُولَئِكَ مَسَاكِينُ الْجَنَّةِ. وَقَدْ
وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِيهَا غَرَابَةٌ فِي شَأْنِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ،
وَصِفَاتِهِمْ، تَرَكْنَاهَا لِضَعْفِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ
ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَخْبَرَهُأَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ
تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟ " قَالُوا: لَا.
يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ
دُونَهَا سَحَابٌ ؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ
كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ
يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ
الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ
مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ
فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فِي صُورَةٍ
غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ:
نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى
يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ
فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ:
أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَتَّبِعُونَهُ، وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ
جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ
يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ
سَلِّمْ، سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ
رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا
يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ،
فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى،
حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ
يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ
أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ
أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ
النَّارُ مِنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ ; حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى
النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدِ
امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مِنْ مَاءِ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ
كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ
الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى
النَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ:
أَيْ رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ ; فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا،
وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا. فَيَدْعُو اللَّهَ مَا شَاءَ
أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: هَلْ
عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ: لَا
أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ
وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا
شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ
الْجَنَّةِ. يَقُولُ اللَّهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ
أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ ؟ وَيْلَكَ يَا بْنَ آدَمَ، مَا
أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ. وَيَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: فَهَلْ
عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ: لَا
وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ،
فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ
انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ،
فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ،
أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ
عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ. وَيْلَكَ
يَا بْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ ! فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لَا أَكُونُ أَشْقَى
خَلْقِكَ. فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ، حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ،
فَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ مِنْهُ قَالَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَإِذَا دَخَلَهَا
قَالَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ. فَيَسْأَلُ اللَّهَ وَيَتَمَنَّى، حَتَّى إِنَّ
اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ
الْأَمَانِيُّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ
".
قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ
لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ، حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو
هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ: " وَمِثْلُهُ مَعَهُ
". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: " وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ " يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلَّا قَوْلَهُ: "
ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ أَنِّي
حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: "
ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ
الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ. هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مُعَمِّرٍ، عَنْ هَمَّامٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنَ
يَسَارٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَسَاقَهُ بِطُولِهِ، نَحْوَهُ، وَفِيهِ:
أَنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ. وَفِي بَعْضِ سِيَاقَاتِهِ:
أَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنَ النَّارِ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فِي ثَلَاثِ مَرَاحِلَ،
كُلُّ مَرْحَلَةٍ يَجْلِسُ تَحْتَ شَجَرَةٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ هِيَ أَحْسَنُ مِنْ
أُخْتِهَا الَّتِي قَبْلَهَا.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِيهِ:
" عَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ". كَمَا حَفِظَهُ أَبُو سَعِيدٍ. وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ وَأَرْأَفُ وَأَرْحَمُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ
النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ
مِنَ النَّارِ حَبْوًا، فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ.
فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ.
فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: يَا
رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلْأَى. فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ
لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ
أَمْثَالِهَا - أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ
أَمْثَالِ الدُّنْيَا - فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي - أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي -
وَأَنْتَ الْمَلِكُ ؟ ". فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يُقَالُ: ذَلِكَ
أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً.
فَصْلٌ ( آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ )
رَوَى الدَارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ " الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ "،
وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، مِنْ طَرِيقٍ غَرِيبَةٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ آخِرَ مَنْ
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، يُقَالُ لَهُ: جُهَيْنَةُ. فَيَقُولُ
أَهْلُ الْجَنَّةِ: عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ، سَلُوهُ: هَلْ بَقِيَ
فِي النَّارِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ ؟ ". وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا تَصِحُّ
نِسْبَتُهُ إِلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ ; لِجَهَالَةِ رُوَاتِهِ عَنْهُ، وَلَوْ
كَانَ مَحْفُوظًا مِنْ حَدِيثِهِ لَكَانَ فِي كُتُبِهِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ، كَ
" الْمُوَطَّأِ " وَغَيْرِهِ مِمَّا رَوَاهُ عَنْهُ الثِّقَاتُ.
وَالْعَجِيبُ أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ ذَكَرَهُ فِي " التَّذْكِرَةِ "،
وَجَزَمَ بِهِ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ
جُهَيْنَةَ، يُقَالُ لَهُ: جُهَيْنَةُ. فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: وَعِنْدَ
جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ ". وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ،
وَلَمْ يُضَعِّفْهُ، وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ اسْمَهُ
هَنَّادٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ
الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ
دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ،
وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ،
فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا
وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ. لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ، وَهُوَ
مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ
لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ
لَا أَرَاهَا هَهُنَا ". فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ يَحْيَى
الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ
الرَّهَاوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى
الْكَلَاعِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ آخِرَ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَتَقَلَّبُ
عَلَى الصِّرَاطِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، كَالْغُلَامِ يَضْرِبُهُ أَبُوهُ، وَهُوَ
يَفِرُّ مِنْهُ يَعْجِزُ عَنْهُ عَمَلُهُ أَنْ يَسْعَى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ
بَلِّغْ بِيَ الْجَنَّةَ وَنَجِّنِي مِنَ النَّارِ، فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ:
عَبْدِي، إِنْ أَنَا نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ، وَأَدْخَلْتُكَ الْجَنَّةَ
أَتَعْتَرِفُ لِي بِذُنُوبِكَ وِخَطَايَاكَ ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: نَعَمْ يَا
رَبِّ، وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ لَئِنْ نَجَّيْتَنِي مِنَ النَّارِ
لَأَعْتَرِفَنَّ لَكَ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ. فَيَجُوزَ الْجِسْرَ، وَيَقُولُ
الْعَبْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
نَفْسِهِ: لَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَهُ بِذُنُوبِي
وَخَطَايَايَ لَيَرُدُّنِي إِلَى النَّارِ. فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ: عَبْدِي،
اعْتَرِفْ لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ أَغْفِرْهَا لَكَ، وَأُدْخِلْكَ
الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ الْعَبْدُ: لَا وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ، مَا أَذْنَبْتُ
ذَنْبًا قَطُّ، وَلَا أَخْطَأْتُ خَطِيئَةً قَطُّ. فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ:
إِنَّ لِي عَلَيْكَ بَيِّنَةً. فَيَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَا يَرَى
أَحَدًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَرِنِي بَيِّنَتَكَ، فَيَسْتَنْطِقُ اللَّهُ
جِلْدَهُ بِالْمُحَقَّرَاتِ، فَإِذَا رَأَى الْعَبْدُ ذَلِكَ يَقُولُ: يَا رَبِّ،
عِنْدِي وَعِزَّتِكَ الْعَظَائِمُ. فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ: عَبْدِي أَنَا
أَعْرَفُ بِهَا مِنْكَ، اعْتَرِفْ لِي بِهَا أَغْفِرْهَا لَكَ وَأُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ.
فَيَعْتَرِفُ الْعَبْدُ بِذُنُوبِهِ، فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ ". ثُمَّ
ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ
نَوَاجِذُهُ، يَقُولُ: " هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً،
فَكَيْفَ بِالَّذِي فَوْقَهُ ؟ ! ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا سَلَّامٌ
- يَعْنِي ابْنَ مِسْكِينٍ - عَنْ أَبِي ظِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ عَبْدًا فِي
جَهَنَّمَ لَيُنَادِي أَلْفَ سَنَةٍ: يَا حَنَّانُ، يَا مَنَّانُ ". قَالَ:
" فَيَقُولُ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فَائْتِنِي بِعَبْدِي هَذَا.
فَيَنْطَلِقُ جِبْرِيلُ فَيَجِدُ أَهْلَ النَّارِ مُنْكَبِّينَ يَبْكُونَ،
فَيَرْجِعُ إِلَى رَبِّهِ، فَيُخْبِرُهُ، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَائْتِنِي بِهِ،
فَإِنَّهُ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا. فَيَجِيءُ بِهِ، فَيُوقِفُهُ عَلَى رَبِّهِ،
فَيَقُولُ لَهُ: يَا عَبْدِي، كَيْفَ وَجَدْتَ مَكَانَكَ وَمَقِيلَكَ ؟ فَيَقُولُ:
يَا رَبِّ، شَرَّ مَكَانٍ وَشَرَّ مَقِيلٍ. فَيَقُولُ: رُدُّوا عَبْدِي.
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَنْ
تَرُدَّنِي فِيهَا. فَيَقُولُ: دَعُوا عَبْدِي ". انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ مِنَ النَّارِ - قَالَ أَبُو عِمْرَانَ:
أَرْبَعَةٌ. وَقَالَ ثَابِتٌ: رَجُلَانِ - فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ، عَزَّ
وَجَلَّ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ
فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَنْ لَا
تُعِيدَنِي فِيهَا. فَيُنَجِّيهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْهَا ". وَهَكَذَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنِي رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ،
حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ
رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلَ النَّارَ يَشْتَدُّ صِيَاحُهُمَا، فَقَالَ الرَّبُّ
جَلَّ جَلَالُهُ: أَخْرِجُوهُمَا. فَأُخْرِجَا، فَقَالَ لَهُمَا: لِأَيِّ شَيْءٍ
اشْتَدَّ صِيَاحُكُمَا ؟ قَالَا: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَرْحَمَنَا. قَالَ:
رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا
مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَيَنْطَلِقَانِ، فَيُلْقِي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ،
فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَيَقُومُ الْآخَرُ، فَلَا
يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ
نَفْسَكَ، كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ، إِنِّي أَرْجُوكَ أَنْ لَا
تُعِيدَنِي فِيهَا بَعْدَ مَا أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا. فَيَقُولُ الرَّبُّ: لَكَ
رَجَاؤُكَ. فَيَدْخُلَانِ جَمِيعًا الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ
".
وَذَكَرَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ فِي خُطْبَتِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا
أَمَرَهُمَا بِالرُّجُوعِ إِلَى النَّارِ
يَنْطَلِقُ أَحَدُهُمَا فِي أَغْلَالِهِ
وَسَلَاسِلِهِ حَتَّى يَقْتَحِمَهَا، وَيَتَلَكَّأُ الْآخَرُ، فَيَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى لِلْأَوَّلِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي
خَبَرْتُ مِنْ وَبَالِ مَعْصِيَتِكَ مَا لَمْ أَكُنْ أَتَعَرَّضُ لِسَخَطِكَ
ثَانِيًا. وَيَقُولُ لِلْآخَرِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَلَكَّأْتَ ؟ فَيَقُولُ:
حُسْنُ ظَنِّي بِكَ إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَنْ لَا تُعِيدَنِي فِيهَا.
فَيَرْحَمُهُمَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيُدْخِلُهُمَا الْجَنَّةَ.
فَصْلُ ( خُلُودِ الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ )
إِذَا خَرَجَ أَهْلُ الْمَعَاصِي مِنَ النَّارِ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُ
الْكَافِرِينَ، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَا
خُرُوجَ لَهُمْ مِنْهَا، وَلَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا، بَلْ هُمْ خَالِدُونَ
فِيهَا أَبَدًا، وَهُمُ الَّذِينَ حَبَسَهُمُ الْقُرْآنُ، وَحُكِمَ عَلَيْهِمْ
بِالْخُلُودِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ
لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [ الْجِنِّ: 23 ]. وَقَالَ: إِنَّ
اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [ الْأَحْزَابِ: 64، 65 ]. وَقَالَ
تَعَالَى فِي سُورَةِ " النِّسَاءِ " فِي آخِرِهَا: إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ
طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ
عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [ النِّسَاءِ: 168، 169 ].
فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ، فِيهِنَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِالْخُلُودِ فِي
النَّارِ أَبَدًا، لَيْسَ لَهُنَّ رَابِعَةٌ مِثْلُهُنَّ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا
قَوْلُهُ تَعَالَى: خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ
حَكِيمٌ عَلِيمٌ [ الْأَنْعَامِ: 128 ]. وَقَوْلُهُ: خَالِدِينَ فِيهَا مَا
دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [ هُودٍ: 107 ]. فَقَدَ
تَكَلَّمَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنَ
الْمُفَسِّرِينَ عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ بِكَلَامٍ يَطُولُ بَسْطُهُ، وَجَاءَتْ
آثَارٌ عَنِ الصَّحَابَةِ غَرِيبَةٌ، وَوَرَدَتْ أَخْبَارٌ عَجِيبَةٌ،
وَلِلْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ مَوْضِعٌ آخَرُ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَأَكْرَمُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ،
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ،
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ،
وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ
الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ
الْجَنَّةِ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ.
فَازْدَادَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَازْدَادَ أَهْلُ النَّارِ
حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ مِثْلَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ، مَوْصِلِيٌّ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَبْشًا أَغْبَرَ، فَيُوقَفُ بَيْنَ
الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. فَيَشْرَئِبُّونَ،
وَيَنْظُرُونَ، وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ. فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ،
وَيُرَوْنَ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ، فَيُذْبَحُ
وَيُقَالُ: خُلُودٌ لَا مَوْتَ ". وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى
بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَيُقَالُ: يَا
أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يُخْرَجُوا -
وَقَالَ يَزِيدُ: أَنْ يَخْرُجُوا - مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ
فَيُقَالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ قَالُوا: نَعَمْ رَبَّنَا، هَذَا الْمَوْتُ.
ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ. فَيَطَّلِعُونَ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ
أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَيُقَالُ: هَلْ
تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ. فَيُؤْمَرُ بِهِ
فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا: خُلُودٌ
فِيمَا تَجِدُونَ لَا مَوْتَ فِيهِ أَبَدًا ". إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ
عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ
خَالِدٍ الطَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الطَّاحِيُّ، عَنْ أَخِيهِ
خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُذْبَحُ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ
الْجَنَّةِ، خُلُودٌ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ لَا مَوْتَ
". ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَنَسٍ إِلَّا مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ
النَّعِيمِ الْمُقِيمِ الدَّائِمِ عَلَى الْأَبَدِ، لَا يَفْنَى وَلَا يَضْمَحِلُّ
وَلَا يَبِيدُ أَبَدًا بَلْ كُلُّ مَا لَهُ فِي ازْدِيَادٍ وَبَهَاءٍ وَحُسْنٍ،
نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ الْجَنَّةَ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ
قَالَ تَعَالَى: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [ الرَّعْدِ: 35 ]. وَالْمُنْقَطِعُ
وَلَوْ بَعْدَ أُلُوفٍ مِنَ السِّنِينَ لَيْسَ بِدَائِمٍ، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ
هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ [ ص: 54 ]. وَالْمُنْقَطِعُ يَنْفَدُ،
وَقَالَ تَعَالَى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [
النَّحْلِ: 96 ]. فَأَخْبَرَ أَنَّ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا يَنْفَدُ، وَمَا
عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ لَا يَنْفَدُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ آخِرٌ لَكَانَ يَنْفَدُ
كَمَا يَنْفَدُ نَعِيمُ الدُّنْيَا. وَقَالَ تَعَالَى: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
[ الِانْشِقَاقِ: 25 ] أَيْ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ. قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ
الْمُفَسِّرِينَ ; غَيْرُ مَقْطُوعٍ وَلَا مَنْقُوصٍ، وَمِنْهُ الْمَنُونُ، وَهُوَ
قَطْعُ عُمُرِ الْإِنْسَانِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ. وَهُوَ مِثْلُ
الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ مَحْسُوبٌ مُقَدَّرٌ، بِخِلَافِ مَا لَا
نِهَايَةَ لَهُ.
ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي عَدَدِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَاتِّسَاعِهَا وَعَظَمَةِ
جَنَّاتِهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [ الزُّمَرِ: 73 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ [ ص: 50 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ [ الرَّعْدِ: 23 ].
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا
انْتَهَوْا إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ وَجَدُوهُ مُغْلَقًا، فَيَسْتَشْفِعُونَ
اللَّهَ ; لِيُفْتَحَ لَهُمْ، بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَيَأْتِي بَابَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُقَعْقِعُ حَلْقَةَ الْبَابِ، فَيَقُولُ
الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ: " مُحَمَّدٌ ". فَيَقُولُ: بِكَ
أُمِرْتُ أَنْ لَا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ فِي الْجَنَّةِ،
وَأَوَّلُ مَنْ يُقَعْقِعُ بَابَ الْجَنَّةِ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ:
مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ".
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ رِوَايَةِ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ
الْخِطَابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ
إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فُتِحَتْ لَهُ
أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ
الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ،
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُدْعَى الرَّيَّانَ، يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَإِذَا دَخَلُوهُ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ
غَيْرُهُمْ ". قَالَ بِشْرٌ: فَلَقِيتُ أَبَا حَازِمٍ، فَسَأَلْتُهُ،
فَحَدَّثَنِي بِهِ، غَيْرَ أَنِّي لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْفَظُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ
بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي
الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ ؟ بَابٌ مِنْهَا يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لَا
يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، بِهِ. وَرَوَاهُ
أَيْضًا مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ
سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلٍ، بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ
الْجَنَّةِ، وَلِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ،
فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ
بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ
الرَيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ،
وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ ".
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ
ضَرُورَةٍ دُعِيَ، مِنْ أَيِّهَا دُعِيَ، فَهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ
يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ
".
وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهُرِيِّ بِهِ،
وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِثْلُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا
حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ شُفْعَةَ قَالَ: لَقِيَنِي
عُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثَةٌ
مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا تَلَقَّوْهُ مِنْ أَبْوَابِ
الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، مِنْ أَيِّهَا شَاءَ دَخَلَ ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ
أَيْضًا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانَ
بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْأُمْلُوكِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ
بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِي قِتَالِ الْمُخْلِصِ وَالْمُذْنِبِ وَالْمُنَافِقِ،
قَالَ فِيهِ: وَلِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، وَإِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ،
وَلَا يَمْحُو النِّفَاقَ ". الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، قَالَ فِيهِ: فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا
مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْبَابِ
الْأَيْمَنِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ. وَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ
الْجَنَّةِ وَمَا بَيْنَ عِضَادَتَيِ الْبَابِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ،
أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَوِيِّ،
أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ خَطَبَهُمْ، فَقَالَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ،
وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ،
وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهَا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ
يَتَصَابُّهَا
صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى
دَارٍ لَا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ ; فَإِنَّهُ
قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي
فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا، وَوَاللَّهِ لَتُمْلَأَنَّ،
أَفَعَجِبْتُمْ ؟ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ
مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ
يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا
وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا، فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً
فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا،
وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا، فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا
أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ
أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا وَعِنْدَ اللَّهِ صَغِيرًا، وَإِنَّهَا لَمْ
تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَّا تَنَاسَخَتْ، حَتَّى يَكُونَ آخِرَ عَاقِبَتِهَا
مُلْكًا، فَسَتَخْبُرُونَ وَتُجَرِّبُونَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَنَا.
وَفِي " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ
أُمَّةً، أَنْتُمْ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ، وَمَا بَيْنَ
مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ عَامًا،
وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَإِنَّهُ لَكَظِيظٌ ".
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ
الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ حَكِيمِ
بْنِ مُعَاوِيَةَ، بِهِ، وَقَالَ: " مَسِيرَةُ
سَبْعِ سِنِينَ ".
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَبُو
الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي
بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَابُ أُمَّتِي الَّتِي تَدْخُلُ مِنْهُ الْجَنَّةَ عَرْضُهُ
مَسِيرَةُ الرَّاكِبِ الْمُجَوِّدِ ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَيُضْغَطُونَ
عَلَيْهِ حَتَّى تَكَادَ مَنَاكِبُهُمْ تَزُولُ ".
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ هَذَا، ثُمَّ قَالَ:
وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ،
فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَقَالَ: لِخَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَنَاكِيرُ عَنْ
سَالِمٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ: " أَرْبَعِينَ
سَنَةً ". أَصَحُّ.
وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
مُوسَى الْأَشْيَبِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي
الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ فِي الْجَنَّةِ لَمَسِيرَةُ
أَرْبَعِينَ سَنَةً ".
فَأَمَّا حَدِيثُ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلنَّارِ سَبْعَةَ
أَبْوَابٍ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلَّا يَسِيرُ
الرَاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا ". وَكَذَلِكَ قَالَ فِي بُعْدِ مَا
بَيْنَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ عَلَى بُعْدِ مَا بَيْنَ الْبَابِ إِلَى الْبَابِ الْآخَرِ، لَا
عَلَى مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي بَابٍ وَاحِدٍ، بَلِ الْبَابُ
يَدُورُ فِي طُولِ الْجِدَارِ كَمَا يَدُورُ حَوْلَ صُدُورِ الْبَلَدِ إِلَى
الْبَابِ الْآخَرِ ; لِئَلَّا يُعَارِضَ مَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ وَادَّعَى أَنَّ لِلْجَنَّةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ
بَابًا، وَلَكِنْ لَمْ يُقِمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا قَوِيًّا أَكْثَرَ مِنْ
أَنَّهُ قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ
حَدِيثُ عُمَرَ: مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
". وَفِي آخِرِهِ قَالَ: " فُتِحَ لَهُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ ". خَرَّجَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ: وَرَوَى الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ "
النَّصِيحَةِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ
بَابًا يُقَالُ لَهُ: بَابُ الضُّحَى. يُنَادِي مُنَادٍ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا
يُدَاوِمُونَ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى ؟ هَذَا بَابُكُمْ فَادْخُلُوا ".
قَالَ: وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
مِنْهَا بَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَابُ
التَّوْبَةِ، وَبَابُ الصَّلَاةِ، وَبَابُ
الصَّوْمِ، وَبَابُ الزَّكَاةِ، وَبَابُ الصَّدَقَةِ،
وَبَابُ الْحَجِّ، وَبَابُ الْعُمْرَةِ، وَبَابُ الْجِهَادِ، وَبَابُ الصِّلَةِ.
وَزَادَ غَيْرُهُ بَابَ الْكَاظِمِينَ، وَبَابَ الرَّاضِينَ، وَالْبَابَ
الْأَيْمِنَ الذِي يَدْخُلُ مِنْهُ الَّذِينَ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ. وَجَعَلَ
الْقُرْطُبِيُّ الْبَابَ الَّذِي عَرْضُهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
لِلرَّاكِبِ الْمُجَوِّدِ - كَمَا وَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيَ - بَابًا ثَالِثَ
عَشَرَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ ".
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " قَالَ: وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ
مُنَبِّهٍ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ:
بَلَى، وَلَكِنْ إِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلَّا
لَمْ يُفْتَحْ لَكَ. يَعْنِي: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّوْحِيدِ أَعْمَالٌ
صَالِحَةٌ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتِرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، قَالَ: يُسَاقُ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ
إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا، حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى أَوَّلِ بَابٍ مِنْ
أَبْوَابِهَا، وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
ذِكْرُ تَعْدَادِ مَحَالِّ الْجَنَّةِ
وَارْتِفَاعِهَا وَاتِّسَاعِهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [ الرَّحْمَنِ: 46، 47 ] الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ
السُّورَةِ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا،
وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ
وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رِدَاءُ
الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَنَّتَانِ مِنْ
ذَهَبٍ لِلسَّابِقِينَ، وَجَنَتَانِ مِنْ وَرِقٍ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ
يَوْمَ بَدْرٍ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ
عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِي،
فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ،
وَإِلَّا سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ لَهَا: " أَهَبِلْتِ ؟
أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ ؟! إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي الْفِرْدَوْسِ
الْأَعْلَى ". وَقَالَ: " غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ
خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ - أَوْ
مَوْضِعُ قَدَمٍ - مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ
أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ
لَأَضَاءَتَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا
- يَعْنِي الْخِمَارَ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".
وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ
وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا ". وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ
سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ [ الْغَاشِيَةِ: 10 ] وَقَالَ
تَعَالَى: فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [ طَهَ: 75 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [ آلِ عِمْرَانَ: 133 ]،
وَقَالَ تَعَالَى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [
الْحَدِيدِ: 21 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ
الصَّلَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ
الْجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي
وُلِدَ فِيهَا ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُخْبِرُ النَّاسَ ؟
قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ، عَزَّ
وَجَلَّ، لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ،
فَإِنَّهُ وَسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْفَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ،
وَمِنْهُ تُفَجَّرُ - أَوْ تَفَجَّرُ - أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ". شَكَّ أَبُو
عَامِرٍ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا
أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى
هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَصَامَ رَمَضَانَ " - لَا أَدْرِي ذَكَرَ
زَكَاةً أَمْ لَا ؟ - " كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ،
هَاجَرَ أَوْ قَعَدَ حَيْثُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَلَا أَخْرُجُ فَأُوذِنُ النَّاسَ ؟
فَقَالَ: " لَا، ذَرِ النَّاسَ يَعْمَلُونَ،
فَإِنَّ الْجَنَّةَ مِائَةُ دَرَجَةٍ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِنْهَا مِثْلُ
مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْهَا الْفِرْدَوْسُ.
وَعَلَيْهَا يَكُونُ الْعَرْشُ، وَهِيَ أَوْسَطُ شَيْءٍ فِي الْجَنَّةِ، وَمِنْهَا
تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ
الْفِرْدَوْسَ ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ،
عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِهِ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ
مَاجَهْ، عَنْ سُوَيْدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنَ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدٍ مُخْتَصَرًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ،
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْجَنَّةُ
مِائَةُ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ ".
وَقَالَ عَفَّانُ: " كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْفِرْدَوْسُ
أَعْلَاهَا دَرَجَةً، وَمِنْهَا تَخْرُجُ الْأَنْهَارُ الْأَرْبَعَةُ، وَالْعَرْشُ
مِنْ فَوْقِهَا، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
هَارُونَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، بِهِ.
قُلْتُ: وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الصِّفَةُ إِلَّا فِي
الْمُقَبَّبِ، فَإِنَّ أَعْلَى الْقُبَّةِ هُوَ أَوْسَطُهَا، فَالْجَنَّةُ -
وَاللَّهُ أَعْلَمُ - كَذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
جُحَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ
كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
هَارُونَ، فَذَكَرَهُ، وَعِنْدَهُ: مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ
". وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حَسَنٌ، عَنِ ابْنِ
لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْجَنَّةُ
مِائَةُ دَرَجَةٍ، لَوْ أَنَّ الْعَالَمِينَ اجْتَمَعُوا فِي إِحْدَاهُنَّ
لَوَسِعَتْهُمْ ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ
لَهِيعَةَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا.
ذِكْرُ مَا يَكُونُ لِأَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ
مَنْزِلَةً وَأَعْلَاهُمْ، مِنَ اتِّسَاعِ الْمُلْكِ الْعَظِيمِ، وَالنَّعِيمِ
الْمُقِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا
كَبِيرًا [ الْإِنْسَانِ: 20 ]. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ،
فِي آخِرِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَهُ: أَمَا تَرْضَى
أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ الدُنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا ؟ " وَكَذَلِكَ
فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثُوَيْرٍ " هُوَ ابْنُ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ
وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَإِنَّ أَكْرَمَهُمْ
عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ". ثُمَّ
تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وُجُوهٌ يَوْمَئَذِ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [
الْقِيَامَةِ: 22، 23 ].
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ، عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ
أَلْفَيْ سَنَةٍ، يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ، يَنْظُرُ أَزْوَاجَهُ
وَخَدَمَهُ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ فِي وَجْهِ اللَّهِ
تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، بِهِ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ،
عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. قَالَ:
وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَوْلَهُ. قَالَ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا. كَذَا قَالَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ مَرْفُوعًا.
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالطَّبَرَانِيُّ - وَهَذَا لَفْظُهُ - مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ
بْنِ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
سَعِيدِ بْنِ أَبْجَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ شُعْبَةَ - رَفَعَهُ ابْنُ أَبْجَرَ، وَلَمْ
يَرْفَعْهُ مُطَرِّفٌ - قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ،
أَخْبِرْنِي عَنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً. قَالَ: نَعَمْ، هُوَ
رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا
أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ،
وَكَيْفَ أَدْخُلُهَا، وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا
أَخَذَاتِهِمْ ؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا كَانَ
لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ
مِثْلَهُ وَمِثْلَهُ - وَعَقَدَ سُفْيَانُ أَصَابِعَهُ الْخَمْسَ - فَيَقُولُ:
رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ هَذَا وَمَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ
عَيْنُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ
أَعْلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً. قَالَ: نَعَمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ
أَرَدْتُ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْهُمْ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ
عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى
قَلْبِ بَشَرٍ ". وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: فَلَا تَعْلَمُ
نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ [ السَّجْدَةِ: 17 ].
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ - مِنْ
حَدِيثِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ
الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى
قَلْبِ بَشَرٍ ". مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي
كِتَابِ اللَّهِ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ
لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ أَبَا حَازِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ:
سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ:شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى،
ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: " فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا
أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ". ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ
الْآيَةَ: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا
وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ
لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ السَّجْدَةِ:
16، 17 ]. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ.
ذِكْرُ غُرَفِ الْجَنَّةِ وَارْتِفَاعِهَا وَعِظَمِهَا، نَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ
فَضْلِهِ الْمَبْسُوطِ عَلَى خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ
فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ
لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ [ الزُّمَرِ: 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى وَهُمْ فِي
الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [ سَبَأٍ: 37 ] وَقَالَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
[ الْعَنْكَبُوتِ: 58 ]. وَقَالَ: أُولَئِكَ
يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا
[ الْفُرْقَانِ: 75 ].
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ - مِنْ
حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ
فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ
الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ ; لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ
". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا
يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ؟ قَالَ: " بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا
تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا فَزَارَةُ، أَخْبَرَنِي فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالٍ -
يَعْنِي ابْنَ عَلِيٍّ - عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ
لَيَتَرَاءَوْنَ فِي
الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ - أَوْ تَرَوْنَ -
الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ، الطَّالِعِ، فِي تَفَاضُلِ
الدَّرَجَاتِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ ؟
قَالَ: " بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ". قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَهَذَا عَلَى
شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْمُتَحَابِّينَ
لَتُرَى غُرَفُهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَالْكَوْكَبِ الطَّالِعِ الشَّرْقِيِّ أَوِ
الْغَرْبِيِّ، فَيُقَالُ: مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ الْمُتَحَابُّونَ
فِي اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ ".
وَفِي حَدِيثِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: إِنَّ أَهْلَ
عِلِّيِّينَ لَيَرَاهُمْ مَنْ سِوَاهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي أُفُقِ
السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا ".
ذِكْرُ أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ
الْوَسِيلَةُ ; مَقَامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ،
عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ
هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا
الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي
وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ
وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ
عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ
صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ
لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ
أَنَا هُوَ، فَمَنَ سَأَلَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ ". قِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَسِيلَةُ ؟ قَالَ: " أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي
الْجَنَّةِ لَا يَنَالُهَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا
هُوَ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَسِيلَةُ دَرَجَةٌ عِنْدَ
اللَّهِ لَيْسَ فَوْقَهَا دَرَجَةٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُؤْتِيَنِي
الْوَسِيلَةَ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ،
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ أَعْيَنَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ
يَسْأَلْهَا لِي عَبْدٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا - أَوْ
شَهِيدًا - يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ
عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ إِلَّا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ.
ذِكْرُ بُنْيَانِ الْجَنَّةِ وَمِمَّ قُصُورُهَا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا:
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا
سَعْدٌ ; أَبُو مُجَاهِدٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو الْمُدِلَّةِ - مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
يَقُولُ:قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللُّهِ، إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا،
وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ، وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا،
وَشَمِمْنَا النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ. فَقَالَ: " لَوْ تَكُونُونَ - أَوْ
قَالَ: لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ - عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي
أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ،
وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ
بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ ". قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ: " لَبِنَةُ
فِضَّةٍ وَلَبِنَةُ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ
وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لَا
يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ لَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى
شَبَابُهُ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نُمَيْرٍ، عَنْ سَعْدَانَ الْقُبِّيِّ - وَكَانَ ثِقَةً - عَنْ سَعْدٍ ; أَبِي
مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ - وَكَانَ ثِقَةً - بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ.
وَوَقَعَ تَوْثِيقُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ، وَهُمَا
مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبَى الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ
الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ
بِيَدِهِ، لَبِنَةٌ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، وَلَبِنَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ
حَمْرَاءَ، وَلَبِنَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ، مِلَاطُهَا الْمِسْكُ، وَحَصْبَاؤُهَا
اللُّؤْلُؤُ، وَحَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: انْطِقِي.
فَقَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي
وَجَلَالِي لَا يُجَاوِرُنِي فِيكِ بَخِيلٌ ". ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ [ الْحَشْرِ: 9 ].
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْمُغِيرَةِ
الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُرِّيُّ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ، يَعْنِي عُمَرَ بْنَ رَبِيعَةَ، عَنِ
الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: " مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
يَحْيَا لَا يَمُوتُ، وَيَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا
يَفْنَى شَبَابُهُ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِنَاؤُهَا ؟
قَالَ: لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ
فِضَّةٍ، وَمِلَاطُهَا مِسْكٌ أَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ
وَالْيَاقُوتُ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ ".
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا
الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ لَبِنَةً مِنْ
ذَهَبٍ، وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ، فَقَالَ لَهَا:
تَكَلَّمِي. فَقَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ:
طُوبَاكِ مَنْزِلَ الْمُلُوكِ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَعِنْدَهُ: فَقَالَ اللَّهُ: طُوبَى لَكِ
مَنْزِلَ الْمُلُوكِ ". وَقَدْ رَوَاهُ وُهَيْبٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ
أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا.
وَفِي حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " إِنَّ
اللَّهَ بَنَى الْفِرْدَوْسَ بِيَدِهِ، وَحَظَرَهَا عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ وَعَلَى
كُلِّ مُدْمِنِ خَمْرٍ سِكِّيرٍ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْحَسَنِ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، كَيْفَ بِنَاءُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: "
لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، مِلَاطُهَا مِسْكٌ أَذْفَرُ،
وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو
الْيَمَانِ، الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ
مُهَاجِرِ بْنِ مَيْمُونٍ،عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَيْنَ أُمُّنَا خَدِيجَةُ ؟ قَالَ: " فِي بَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لَا
لَغْوٌ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ، بَيْنَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ
امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ ". قَالَتْ: أَمِنْ هَذَا الْقَصَبِ ؟ قَالَ: "
لَا، مِنَ الْقَصَبِ الْمَنْظُومِ بِالدُّرِّ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ ".
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى عَنْ فَاطِمَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ،
تَفَرَّدَ بِهِ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو.
قُلْتُ: وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَلِأَوَّلِهِ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحِ
": إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي
الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبٌ فِيهِ، وَلَا نَصَبٌ ".
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا كَانَ بَيْتُهَا مِنْ قَصَبِ اللُّؤْلُؤِ،
لِأَنَّهَا حَازَتْ قَصَبَ السَّبْقِ فِي التَّصْدِيقِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ حَدِيثُ أَوَّلِ الْبِعْثَةِ، أَنَّهَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ ; حَيْثُ
قَالَتْ لَمَّا أَخْبَرَهَا بِمَا رَأَى، وَقَالَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي،
قَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ
الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ،
وَتُعِينُ عَلَى
نَوَائِبِ الدَّهْرِ. وَأَمَّا ذِكْرُ مَرْيَمَ
وَآسِيَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَزَوَّجُ بِهِمَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَقَدْ
حَاوَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَأَخُذَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ، مِنْ قَوْلِهِ فِي
سُورَةِ " التَّحْرِيمِ ": ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [ التَّحْرِيمِ: 5
]. ثُمَّ ذُكِرَتْ آسِيَةُ وَمَرْيَمُ فِي آخِرِ السُّورَةِ. يُرْوَى مِثْلُ هَذَا
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ
الطَّرِيقِيُّ، حَدَّثَنَا. ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي
الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ
ظُهُورِهَا ". فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَنْ
هِيَ ؟ فَقَالَ: " لِمَنْ طَيَّبَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ،
وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ". وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَقَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ
حَدِيثِهِ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا
مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي أَبُو
سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي أَبُو مُعَانِقٍ الْأَشْعَرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو
مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى
ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ
لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ
وَالنَّاسُ نِيَامٌ ".
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي حُيَيٌّ،
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ
غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ".
قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:
" لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ قَائِمًا
وَالنَّاسُ نِيَامٌ ". قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ ؟ هَذَا عِنْدِي
إِسْنَادٌ حَسَنٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ،
حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ
مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ
هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَذَكَرَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْقَصْرَ يَكُونُ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ
وَاحِدَةٍ ; أَبْوَابُهُ وَمَصَارِيعُهُ وَسُقُفُهُ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّ بَعْضَ سُقُوفِ الْجَنَّةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ
كَالْبَرْقِ اللَّامِعِ، لَوْلَا
أَنَّ اللَّهَ ثَبَّتَ أَبْصَارَهُمْ لَأَوْشَكَ أَنْ
يَخْطَفَهَا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ،
أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ
السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ،
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ،
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ وَاسِعٍ يَذْكُرُ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:قَالَ لَنَا رَسُولُ اللِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِغُرَفِ الْجَنَّةِ ؟ " قَالَ:
قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا. قَالَ:
" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا مِنْ أَصْنَافِ الْجَوْهَرِ كُلِّهِ، يُرَى
ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ
وَاللَّذَّاتِ وَالشَّرَفِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ".
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِمَنْ هَذِهِ الْغُرَفُ ؟ قَالَ: "
لِمَنْ أَفْشَى السَّلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ،
وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ". قَالَ: قُلْنَا ؟ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ قَالَ: " أُمَّتِي تُطِيقُ ذَلِكَ،
وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَوْ رَدَّ
عَلَيْهِ، فَقَدْ أَفْشَى السَّلَامَ، وَمَنْ أَطْعَمَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ
حَتَّى يُشْبِعَهُمْ فَقَدْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَمِنْ
كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَدْ أَدَامَ الصِّيَامَ، وَمَنْ صَلَّى
الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَصَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ صَلَّى
بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ ".
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ
غَيْرُ قَوِيٍّ، إِلَّا أَنَّهُ بِالْإِسْنَادَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يُقَوِّي
بَعْضُهُ بَعْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ
جَابِرٍ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مَرْفُوعًا، بِنَحْوِهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِ جِسْرِ بْنِ فَرْقَدٍ، عَنِ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا:سُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ:
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ [ التَّوْبَةِ: 72 ]. قَالَ: "
قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ، فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ
حَمْرَاءَ فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، فِي
كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشًا مِنْ
كُلِّ لَوْنٍ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فِي كُلِّ
بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ
الطَّعَامِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيفًا وَوَصِيفَةً، وَيُعْطَى
الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ غَدَاةٍ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ
أَجْمَعَ ".
قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ، بَلِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَإِذَا
كَانَ الْخَبَرُ ضَعِيفًا لَمْ يُمْكِنِ اتِّصَالُهُ، فَإِنَّ جِسْرًا هَذَا
ضَعِيفٌ جِدًّا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَيُجَاءُ لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ
بِالْقَصْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤَةِ الْوَاحِدَةِ، فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ
غُرْفَةً، فِي كُلِّ غُرْفَةٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فِي كُلِّ
غُرْفَةٍ سَبْعُونَ بَابًا، يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَابٍ رَائِحَةٌ مِنْ
رَائِحَةِ الْجَنَّةِ، سِوَى الرَّائِحَةِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ
الْبَابِ الْآخَرِ ". ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الْآيَةَ [ السَّجْدَةِ: 17 ].
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُدْبَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هُدْبَةَ
- وَهُوَ ذُو نُسْخَةٍ مَكْذُوبَةٍ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا: "
إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا لَيْسَ فِيهَا مَعَالِيقُ مِنْ فَوْقِهَا، وَلَا
عِمَادٌ مِنْ تَحْتِهَا ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَدْخُلُهَا
أَهْلُهَا ؟ قَالَ: " يَدْخُلُونَهَا أَشْبَاهَ الطَّيْرِ ". قِيلَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، لِمَنْ هِيَ ؟ قَالَ: " لِأَهْلِ الْأَسْقَامِ
وَالْأَوْجَاعِ وَالْبَلْوَى ".
ذِكْرُ الْخِيَامِ فِي الْجَنَّةِ
قَالَ تَعَالَى: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [ الرَّحْمَنِ: 72 ].
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ - مِنْ
حَدِيثِ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنَيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ،
طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ
الْمُؤْمِنُ، فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ". وَفِي رِوَايَةٍ
لِلْبُخَارِيِّ: " ثَلَاثُونَ مِيلًا "، وَصُحِّحَ " سِتُّونَ
مِيلًا ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ،
حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ قَالَ: الْخَيْمَةُ مِنْ
دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا فَرْسَخٌ، وَعَرَضُهَا فَرْسَخٌ، وَلَهَا أَلْفُ
بَابٍ مِنْ ذَهَبٍ، حَوْلَهُ سُرَادَقٌ، دَوْرُهُ خَمْسُونَ فَرْسَخًا، يَدْخُلُ
عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَابٍ مَلَكٌ بِهَدِيَّةٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ
بَابٍ [ الرَّعْدِ: 23 ].
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، ( عَنْ قَتَادَةَ )، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ،
فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ، لَهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ خُلَيْدٍ الْعَصَرِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:
الْخَيْمَةُ لُؤْلُؤَةٌ وَاحِدَةٌ، لَهَا سَبْعُونَ بَابًا، كُلُّهَا مِنْ دُرٍّ.
ذِكْرُ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ
ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ،
فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا
الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ ابْنَ صَائِدٍ عَنْ تُرْبَةِ
الْجَنَّةِ، فَقَالَ: دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ خَالِصٌ. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَدَقَ ". هَكَذَا رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
بِنَحْوِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ
أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ،أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ فَقَالَ: " دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ
خَالِصٌ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ مُجَالِدٍ،
عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْيَهُودِ: " إِنِّي سَائِلُهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ، وَهِيَ
دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ ". فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: هِيَ خُبْزَةٌ يَا أَبَا
الْقَاسِمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
الْخُبْزَةُ مِنَ الدَّرْمَكِ ".
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا، فِي
بُنْيَانِ الْجَنَّةِ، أَنَّ مِلَاطَهَا الْمِسْكُ، وَحَصْبَاءَهَا اللُّؤْلُؤُ
وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانُ. وَالْمِلَاطُ فِي اللُّغَةِ
عِبَارَةٌ عَنِ الطِّينِ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ بَيْنَ سَافَيِ
الْبِنَاءِ، يُمْلَطُ بِهِ الْحَائِطُ، وَلَعَلَّ بَعْضَ بِقَاعِهَا مِسْكٌ،
وَبَعْضَهَا زَعْفَرَانٌ ; طَرَائِقُ طَرَائِقُ. وَهِيَ مَعَ هَذِهِ الْعَظَمَةِ
وَالِاتِّسَاعِ كُلُّهَا كَذَلِكَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَلَقَابُ قَوْسِ
أَحَدِكُمْ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمِهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ
هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَيْدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ". إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ سُلَيْمَانَ
بْنَ حُمَيْدٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - قَالَ
سُلَيْمَانُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ -
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: لَوْ أَنَّ مَا أَقَلَّ ظُفُرٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَرَزَ إِلَى
الدُّنْيَا لَتَزَخْرَفَ لَهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ".
ذِكْرُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَأَشْجَارِهَا وَثِمَارِهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ [ الْكَهْفِ: 31 ].
وَقَالَ تَعَالَى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [ الْبَيِّنَةِ: 8 ].
وَقَالَ تَعَالَى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا
أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ
طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ
مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [
مُحَمَّدٍ: 15 ] وَقَالَ تَعَالَى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا
تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [
الرَّعْدِ: 35 ].
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا
الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَبِي بَهْزٍ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فِي
الْجَنَّةِ بَحْرُ اللَّبَنِ، وَبَحْرُ الْمَاءِ، وَبَحْرُ الْعَسَلِ، وَبَحْرُ
الْخَمْرِ، ثُمَّ تَشَقَّقُ الْأَنْهَارُ مِنْهَا بَعْدُ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ،
وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ أَبِي
خَيْثَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، بِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو قُدَامَةَ
الْإِيَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ الْأًنْهَارُ تَشْخُبُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ فِي
جَوْبَةٍ، ثُمَّ تَصَدَّعٌ بَعْدُ أَنْهَارًا ".
وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ
حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنِي الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ
الْجَنَّةِ أُخْدُودٌ فِي الْأَرْضِ، لَا وَاللَّهِ، إِنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى
وَجْهِ الْأَرْضِ، حَافَتَاهَا قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ، وَطِينُهَا الْمِسْكُ
الْأَذْفَرُ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَمَا الْأَذْفَرُ ؟ قَالَ: " الَّذِي
لَا خِلْطَ لَهُ ".
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ مَوْقُوفًا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْقِيَهُ اللَّهُ الْخَمْرَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهَا
فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْسُوَهُ اللَّهُ الْحَرِيرَ فِي
الْآخِرَةِ، فَلْيَتْرُكْهُ فِي الدُّنْيَا. أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفَجَّرُ مِنْ
تَحْتِ تِلَالِ - أَوْ جِبَالِ - الْمِسْكِ، وَلَوْ كَانَ أَدْنَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ حِلْيَةً عُدِلَتْ بِحِلْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا، لَكَانَ مَا
يُحَلِّيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْ حِلْيَةِ
أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا ".
وَرَوَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَنْهَارُ الْجَنَّةِ
تَفَجَّرُ مِنْ جَبَلِ مِسْكٍ. قُلْتُ: وَهَذَا الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.
صِفَةُ الْكَوْثَرِ، وَهُوَ أَشْهَرُ أَنْهَارِ
الْجَنَّةِ سَقَانَا اللَّهُ مِنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ الْكَوْثَرِ: 1 - 3 ].
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ
وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ
أَنَسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ
عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ قَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ ؟ "
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " هُوَ نَهَرٌ وَعَدَنِيهِ
رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ، فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ،
فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي
أَعْطَاكَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، فَإِذَا
مِسْكٌ أَذْفَرُ ".
وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ أَنَسٍ
وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَلْفَاظٌ مُتَعَدِّدَةٌ. فَقَالَ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ
أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْكَوْثَرُ
نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ، فَإِذَا هُوَ نَهَرٌ يَجْرِي عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ، حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ، لَيْسَ مَشْقُوقًا، فَضَرَبْتُ
بِيَدِي إِلَى تُرْبَتِهِ، فَإِذَا مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ، وَإِذَا حَصْبَاؤُهُ
اللُّؤْلُؤُ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ،
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُسْلِمٍ ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ:سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
الْكَوْثَرِ، فَقَالَ: " هُوَ نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ،
تُرَابُهُ مِسْكٌ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ،
تَرِدُهُ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا مِثْلُ أَعْنَاقِ الْجُزُرِ ". قَالَ: فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ. فَقَالَ:
" آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا ".
وَقَالَ الْحَاكِمُ: أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُنْقِذٍ، حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ
الْمُخْتَارِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ
الْخَطْمِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ طَيْرًا أَمْثَالَ الْبَخَاتِيِّ
". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ: " أَنْعَمُ مِنْهَا مَنْ يَأْكُلُهَا، وَأَنْتَ مِمَّنْ يَأْكُلُهَا
يَا أَبَا بَكْرٍ ".
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ
مُرْسَلًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ،
حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ، يَعْنِي ابْنَ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ
الْوَهَّابِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْكَوْثَرِ، فَقَالَ: " نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي،
عَزَّ وَجَلَّ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ،
وَفِيهِ طَيْرٌ كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ تِلْكَ الطَّيْرَ نَاعِمَةٌ. فَقَالَ: " آكِلُهَا أَنْعَمُ
مِنْهَا يَا عُمَرُ ".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنِ ابْنِ
أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، قَالَ:
وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي
الْجَنَّةِ، حَافَتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَالْمَاءُ يَجْرِي عَلَى اللُّؤْلُؤِ،
مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ".
وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:
الْكَوْثَرُ نَهَرُ الْجَنَّةِ حَافَتَاهُ الذَّهَبُ، مَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ
وَالْيَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ
الثَّلْجِ وَفِي رِوَايَةٍ: " أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ " -
وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ ".
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ
فُضَيْلٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ: هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ
اللَّهُ إِيَّاهُ. قَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إِنَّ
نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ سَعِيدٌ: النَهَرُ
الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَقَدْ
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكَوْثَرُ
نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ، حَافَتَاهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، يَجْرِي عَلَى الْيَاقُوتِ
وَالدُّرِّ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ. وَكَذَا
رَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
رِوَايَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. قَالَ: سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. قَالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَاطِئَاهُ
عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ
النُّجُومِ. ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ زَكَرِيَّاءُ، وَأَبُو
الْأَحْوَصِ، وَمُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهَدٍ إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. قَالَ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ. وَقَالَ أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ: نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ
لَيْسَ أَحَدٌ يُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ إِلَّا سَمِعَ خَرِيرَ ذَلِكَ
النَهَرِ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
الرَّازِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ " عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَنْ
أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ خَرِيرَ الْكَوْثَرِ، فَلْيَجْعَلْ إِصْبَعَيْهِ فِي
أُذُنَيْهِ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ رَجُلٍ، عَنْهَا. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَقَدْ
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعْنَى هَذَا: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ خَرِيرَ الْكَوْثَرِ،
أَيْ نَظِيرَهُ، وَمَا يُشْبِهُهُ، لَا أَنَّهُ يَسْمَعُهُ بِعَيْنِهِ، بَلْ
شَبَّهَتْ دَوِيَّهُ كَدَوِيِّ مَا يَسْمَعُ الْإِنْسَانُ إِذَا وَضَعَ
إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ شَيْءٍ أَرَادَتْ.
ذِكْرُ نَهَرِ الْبَيْذَخِ فِي الْجَنَّةِ
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ، فَرُبَّمَا قَالَ: " هَلْ
رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا " قَالَ: فَإِذَا رَأَى الرَّجُلُ رُؤْيَا
سَأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ كَانَ أَعْجَبَ لِرُؤْيَاهُ
إِلَيْهِ. قَالَ: فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ
كَأَنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ وَجْبَةً ارْتَجَّتْ لَهَا الْجَنَّةُ،
فَنَظَرْتُ فَإِذَا قَدْ جِيءَ بِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ وَفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ.
حَتَّى عَدَّتِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا - وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً قَبْلَ ذَلِكَ - قَالَتْ: فَجِيءَ بِهِمْ عَلَيْهِمْ
ثِيَابٌ طُلْسٌ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُمْ. قَالَتْ: فَقِيلَ: اذْهَبُوا بِهِمْ إِلَى
نَهَرِ الْبَيْذَخِ - أَوْ قَالَ: إِلَى نَهَرِ الْبَيْدَحِ - قَالَ: فَغُمِسُوا
فِيهِ، فَخَرَجُوا مِنْهُ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ.
قَالَتْ: ثُمَّ أُتُوا بَكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَعَدُوا عَلَيْهَا، فَأُتِيَ
بِصَحْفَةٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - فِيهَا بُسْرَةٌ، فَأَكَلُوا مِنْهَا،
فَمَا يَقْلِبُونَهَا لِشِقٍّ إِلَّا أَكَلُوا مِنْ فَاكِهَةٍ مَا أَرَادُوا،
وَأَكَلْتُ مَعَهُمْ. قَالَ: فَجَاءَ الْبَشِيرُ مِنْ تِلْكَ السَّرِيَّةِ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ مِنْ أَمْرِنَا كَذَا وَكَذَا، وَأُصِيبَ
فُلَانٌ وَفُلَانٌ. حَتَّى عَدَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ عَدَّتْهُمُ
الْمَرْأَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
عَلَيَّ بِالْمَرْأَةِ ". فَجَاءَتْ، فَقَالَ:
" قُصِّي عَلَى هَذَا رُؤْيَاكِ ".
فَقَصَّتْ، فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
نَهْرُ بَارِقٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقٍ ; نَهَرٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فِي
قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً
وَعَشِيًّا ".
ذِكْرُ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ
فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، قَالَ: فَإِذَا
يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهَرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، فَالْبَاطِنَانِ
فِي الْجَنَّةِ، وَالظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا ".
وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " وَ " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "،
وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ
وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ".
وَرَوَى الْحَافِظُ الضِّيَاءُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ سَابِقٍ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عُلَيٍّ الْخُشَنِيِّ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ
حَيَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ خَمْسَةَ
أَنْهَارٍ: سَيْحُونَ، وَهُوَ نَهَرُ الْهِنْدِ، وَجَيْحُونَ، وَهُوَ نَهَرُ
بَلْخَ، وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ، وَهُمَا نَهَرَا الْعِرَاقِ، وَالنِّيلَ، وَهُوَ
نَهَرُ مِصْرَ، أَنْزَلَهَا اللَّهُ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عُيُونِ
الْجَنَّةِ، مِنْ أَسْفَلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا عَلَى جَنَاحَيْ جِبْرِيلَ،
فَاسْتَوْدَعَهَا الْجِبَالَ، وَأَجْرَاهَا فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَ فِيهَا
مَنَافِعَ لِلنَّاسِ، مِنْ أَصْنَافِ مَعَايِشِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ [
الْمُؤْمِنُونَ: 18 ]. فَإِذَا كَانَ عِنْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ، فَرَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ الْقُرْآنَ، وَالْعِلْمَ
كُلَّهُ، وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنْ رُكْنِ الْبَيْتِ، وَمَقَامَ إِبْرَاهِيمَ،
وَتَابُوتَ مُوسَى بِمَا فِيهِ، وَهَذِهِ الْأَنْهَارَ الْخَمْسَةَ، فَرَفَعَ
كُلَّ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ
لَقَادِرُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ: 18 ]. فَإِذَا رُفِعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنَ
الْأَرْضِ، فَقَدْ حُرِمَ أَهْلُهَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ".
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، بَلْ مُنْكَرٌ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ عُلَيٍّ
ضَعِيفُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ.
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عُيُونَ
الْجَنَّةِ بِكَثْرَةِ الْجَرَيَانِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا
فَجَّرُوهَا، أَيِ اسْتَنْبَطُوهَا، وَفِي أَيِّ الْمَحَالِّ أَحَبُّوا نَبَعَتْ
لَهُمُ الْعُيُونُ بِفُنُونِ الْمَشَارِبِ وَالْمِيَاهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ: مَا فِي الْجَنَّةِ عَيْنٌ إِلَّا تَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ جَبَلٍ مِنْ
مِسْكٍ.
وَرَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفَجَّرُ مِنْ جَبَلِ مِسْكٍ.
وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "
مُسْتَدْرَكِهِ "، فَقَالَ: أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ
بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْقِيَهُ اللَّهُ مِنَ الْخَمْرِ فِي الْآخِرَةِ
فَلْيَتْرُكْهَا فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْسُوَهُ اللَّهُ
الْحَرِيرَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهُ فِي الدُّنْيَا، أَنْهَارُ الْجَنَّةِ
تَفَجَّرُ مِنْ تَحْتِ تِلَالِ - أَوْ جِبَالِ - الْمِسْكِ، وَلَوْ كَانَ أَدْنَى
أَهْلِ الْجَنَّةِ حِلْيَةً عُدِلَتْ بِحِلْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا،
لَكَانَ مَا يُحَلِّيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْ
حِلْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا ".
فَصْلٌ فِي أَشْجَارِ الْجَنَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [ النِّسَاءِ: 57 ].
وَقَالَ تَعَالَى: ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [ الرَّحْمَنِ: 48 ]. وَالْأَفْنَانُ:
الْأَغْصَانُ، وَقَالَ: مُدْهَامَّتَانِ
[ الرَّحْمَنِ: 64 ]. أَيْ مِنْ كَثْرَةِ رِيِّهِمَا،
وَاشْتِبَاكِ أَشْجَارِهِمَا. وَقَالَ تَعَالَى: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [
الرَّحْمَنِ: 54 ]. أَيْ قَرِيبٌ مِنَ التَّنَاوُلِ، وَهُمْ عَلَى فُرُشِهِمْ.
كَمَا قَالَ: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا
تَذْلِيلًا [ الْإِنْسَانِ: 14 ]. وَقَالَ: قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [ الْحَاقَّةِ:
23 ]. وَقَالَ: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ
مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ
كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ الْوَاقِعَةِ: [ 27 - 33 ]. وَقَالَ:
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [ الرَّحْمَنِ: 68 ]. وَقَالَ: فِيهِمَا
مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [ الرَّحْمَنِ: 52 ].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ الْقَزَّازُ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا
سَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ ".
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ
الْكِنْدِيِّ الْأَشَجِّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ،
وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا
مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ
وَالدِّلَاءِ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ،
وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، لَيْسَ فِيهِ عَجَمٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ
الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا زَمْعَةُ بْنُ
صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: الظِّلُّ الْمَمْدُودُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ، قَدْرُ مَا
يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُجِدُّ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ فِي كُلِّ نَوَاحِيهَا.
قَالَ: فَيَخْرُجُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، أَهْلُ الْغُرَفِ وَغَيْرُهُمْ،
فَيَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا، فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ، وَيَذْكُرُ لَهْوَ
الدُّنْيَا، فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ، فَتُحَرِّكُ
تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ وُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي
حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي
ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا ". قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ
النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ
مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا ".
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، مِنْ
حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [ الْوَاقِعَةِ: 30 ]. قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً
يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ
عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي
الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مَائَةَ سَنَةٍ ".
اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَابُ قَوْسٍ أَوْ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ
مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُلَيْحٍ.
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ
الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ لَا يَقْطَعُهَا ".
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ سُلَيْمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ
لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ، وَإِنَّ وَرَقَهَا
لَيُخَمِّرُ الْجَنَّةَ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا
لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا
مِائَةَ سَنَةٍ ".
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ
حَمَّادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فِي
الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا
يَقْطَعُهَا ".
شَجَرَةُ الْخُلْدِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَحَجَّاجٌ،
قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا الضَّحَّاكِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
إِنَّ فِي
الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا
سَبْعِينَ - أَوْ مِائَةَ - سَنَةٍ هِيَ شَجَرَةُ الْخُلْدِ ".
شَجَرَةُ طُوبَى
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ
بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ
عَامِرِ بْنِ زَيْدٍ الْبِكَالِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ
السُّلَمِيَّ يَقُولُ:جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَوْضِ، وَذَكَرَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ
الْأَعْرَابِيُّ: فِيهَا فَاكِهَةٌ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَفِيهَا شَجَرَةٌ
تُدْعَى طُوبَى ". فَذَكَرَ شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ، قَالَ: أَيَّ
شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ ؟ قَالَ: " لَيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ
أَرْضِكَ ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَتَيْتَ الشَّامَ ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " تُشْبِهُ شَجَرَةً
بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَةَ، تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ، وَيَنْفَرِشُ
أَعْلَاهَا ". قَالَ: مَا عِظَمُ أَصْلِهَا ؟ قَالَ: " لَوِ ارْتَحَلْتَ
جَذَعَةً مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ مَا أَحَطْتَ بِأَصْلِهَا، حَتَّى تَنْكَسِرَ
تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا ". قَالَ: فِيهَا عِنَبٌ ؟ قَالَ: " نَعَمْ
". قَالَ: فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ ؟ قَالَ: " مَسِيرَةُ شَهْرٍ
لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ يَطِيرُ، وَلَا يَفْتُرُ ". قَالَ: فَمَا عِظَمُ
الْحَبَّةِ ؟ قَالَ: " هَلْ ذَبَحَ أَبُوكَ تَيْسًا مِنْ غَنَمِهِ قَطُّ
عَظِيمًا ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَسَلَخَ إِهَابَهُ فَأَعْطَاهُ
أُمَّكَ، قَالَ: اتَّخِذِي لَنَا مِنْهُ دَلْوًا ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ
الْأَعْرَابِيُّ: فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ لَتُشْبِعُنِي وَأَهْلَ بَيْتِي ؟
قَالَ: " نَعَمْ، وَعَامَّةَ عَشِيرَتِكَ ".
وَقَالَ حَرْمَلَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ دَرَّاجًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الْهَيْثَمِ
حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لِمْنَ رَآكَ وَآمَنَ بِكَ.
قَالَ: " طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِيَ " وَطُوبَى ثُمَّ طُوبَى
لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي ". قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
وَمَا طُوبَى ؟ قَالَ: " شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ،
ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا ".
سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى
قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى
عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ
الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [ النَّجْمِ:
13 - 18 ]. وَذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " أَنَّهُ غَشِيَهَا نُورُ
الرَّبِّ، جَلَّ جَلَالُهُ، وَأَنَّهُ غَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مِثْلُ
الْغِرْبَانِ، يَعْنِي كَثْرَةً، وَأَنَّهُ غَشِيَهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ،
وَغَشِيَتْهَا أَلْوَانٌ مُتَعَدِّدَةٌ ; كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ
"، " مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنْعَتَهَا ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ
الْمُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلَالِ
هَجَرَ، وَوَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ
الْفِيَلَةِ، وَإِذَا يَخْرُجُ مِنْ سَاقِهَا
نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا
هَذَا ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ
فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ ".
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ،
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَقَالَ: " يَسِيرُ فِي
ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا الرَّاكِبُ مِائَةَ سَنَةٍ ". أَوْ قَالَ: " يَسْتَظِلُّ
فِي ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا مِائَةُ رَاكِبٍ، فِيهَا فَرَاشُ الذَّهَبِ، كَأَنَّ
ثَمَرَهَا الْقِلَالُ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ
الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ
عَامِرٍ، قَالَ:كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَنْفَعُنَا بِالْأَعْرَابِ
وَمَسَائِلِهِمْ. قَالَ: أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً مُؤْذِيَةً، وَمَا
كُنْتُ أَرَى فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً تُؤْذِي صَاحِبَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا هِيَ ؟ " قَالَ: السِّدْرُ،
فَإِنَّ لَهُ شَوْكًا مُؤْذِيًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [
الْوَاقِعَةِ: 28 ] خَضَدَ اللَّهُ تَعَالَى شَوْكَهُ، فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ
شَوْكَةٍ ثَمَرَةً، فَإِنَّهَا
لَتُنْبِتُ ثَمَرًا تَفَتَّقُ الثَّمَرَةُ مِنْهَا
عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مِنْ طَعَامٍ، مَا فِيهِ لَوْنٌ يُشْبِهُ
الْآخَرَ ".
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ ; فَقَالَ أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا
ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ
عَبْدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ:كُنْتُ جَالِسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَسْمَعُكَ تَذْكُرُ شَجَرَةً فِي الْجَنَّةِ لَا أَعْلَمُ شَجَرَةً أَكْثَرَ
شَوْكًا مِنْهَا - يَعْنِي الطَّلْحَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُضِدَ شَوْكُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ
مِنْهَا ثَمَرَةً مِثْلَ خُصْوَةِ التَّيْسِ الْمَلْبُودِ، فِيهَا سَبْعُونَ
لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ، لَا يُشْبِهُ لَوْنٌ آخَرَ ". الْمَلْبُودُ هُوَ
الَّذِي قَدْ تَلَبَّدَ صُوفُهُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ.
فَصْلٌ ( غِرَاسُ الْجَنَّةِ )
رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ
أُسْرِيَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ،
وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ
التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا:
سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ
أَكْبَرُ ". ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي
أَيُّوبَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَقَالَ:
" أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هَذَا ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَهَ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يُغْرَسُ
لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ ".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ.
غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ". ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
فَصْلٌ فِي ثِمَارِ الْجَنَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فِيِهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [ الرَّحْمَنِ: 68
]. وَقَالَ: فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [ الرَّحْمَنِ: 52 ].
وَقَالَ: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [ الرَّحْمَنِ: 54 ]. أَيْ: قَرِيبٌ مِنَ
الْمُتَنَاوَلِ، كَمَا قَالَ: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [ الْإِنْسَانِ:
14 ]، وَقَالَ: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ
مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ
كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ
[ الْوَاقِعَةِ: 27 - 33 ]. أَيْ: لَا تَنْقَطِعُ
أَبَدًا فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ أَوَانٍ
وَزَمَانٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [ الرَّعْدِ: 35
]. أَيْ: لَا يَسْقُطُ وَرَقُ أَشْجَارِهَا، أَيْ: لَيْسَتْ كَالدُّنْيَا الَّتِي
تَأْتِي ثِمَارُهَا فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ دُونَ بَعْضٍ، وَيَسْقُطُ أَوْرَاقُ
أَشْجَارِهَا فِي بَعْضِ الْفُصُولِ، وَتُفْقَدُ ثِمَارُهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ،
وَتَكْتَسِي أَشْجَارُهَا الْأَوْرَاقَ فِي وَقْتٍ وَتَعْرَى فِي آخَرَ، بَلِ
الثَّمَرُ وَالظِّلُّ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ، سَهْلُ التَّنَاوُلِ، قَرِيبُ
الْمُجْتَنَى، كَمَا قَالَ: وَلَا مَمْنُوعَةٍ. أَيْ: لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ
أَرَادَهَا كَيْفَ شَاءَ، وَلَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ وَلَا مَاءٌ، بَلْ مَنْ
أَرَادَهَا فَهِيَ مَوْجُودَةٌ سَهْلَةٌ قَرِيبَةٌ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتِ
الثَّمَرَةُ فِي أَعْلَى الشَّجَرَةِ فَأَرَادَهَا الْمُؤْمِنُ ; تَدَلَّتْ
إِلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَهَا، وَاقْتَرَبَتْ مِنْهُ، وَتَذَلَّلَتْ لَدَيْهِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا. أَيْ:
أُدْنِيَتْ حَتَّى يَتَنَاوَلَهَا الْمُؤْمِنُ وَهُوَ نَائِمٌ. وَقَالَ تَعَالَى:
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ
رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا
[ الْبَقَرَةِ: 25 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ [ الْمُرْسَلَاتِ:
42 ]. وَقَالَ: يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ [ الدُّخَانِ: 55 ].
وَقَدْ سَبَقَ فِيمَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ
مِسْكٌ وَزَعْفَرَانٌ، وَأَنَّ مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا سَاقُهَا مِنْ
ذَهَبٍ، فَإِذَا كَانَتِ التُّرْبَةُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ،
وَالْأُصُولُ الثَّابِتَةُ فِيهَا مِنَ الذَّهَبِ،
فَمَا الظَّنُّ بِمَا يَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا مِنَ الثِّمَارِ الرَّائِقَةِ
النَّضِيجَةِ الْأَنِيقَةِ، الَّتِي لَيْسَ فِيهَا عَجَمٌ، وَلَيْسَ فِي
الدُّنْيَا مِنْهَا إِلَّا الْأَسْمَاءُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا الْأَسْمَاءُ.
وَإِذَا كَانَ السِّدْرُ الَّذِي فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ لَا يُثْمِرُ إِلَّا
ثَمَرَةً ضَعِيفَةً، وَهَى النَّبْقُ، وَفِيهِ شَوْكٌ كَثِيرٌ وَالطَّلْحُ الَّذِي
لَا يُرَادُ مِنْهُ إِلَّا الظِّلُّ فِي الدُّنْيَا، يَكُونَانِ فِي الْجَنَّةِ
فِي غَايَةِ كَثْرَةِ الثِّمَارِ وَحُسْنِهَا، حَتَّى إِنَّ الثَّمَرَةَ
الْوَاحِدَةَ مِنْهَا تَتَفَتَّقُ عَنْ سَبْعِينَ نَوْعًا مِنَ الطُّعُومِ
وَالْأَلْوَانِ، الَّتِي لَا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا - فَمَا الظَّنُّ
بِثِمَارِ الْأَشْجَارِ الَّتِي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةَ الثِّمَارِ،
طَيِّبَةَ الرَّائِحَةِ، سَهْلَةَ التَّنَاوُلِ ; كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ
وَالدُّرَّاقِنِ وَالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ; بَلْ مَا الظَّنُّ
بِأَنْوَاعِ الرَّيَاحِينِ وَالْأَزَاهِيرِ! وَبِالْجُمْلَةِ: فِيهَا مَا لَا
عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ،
نَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ صَلَاةِ
الْكُسُوفِ، قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي
مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ. فَقَالَ: " إِنِّي رَأَيْتُ
- أَوْ: أُرِيتُ - الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ
أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ".
وَفِي " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ عُرِضَتْ
عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَةِ وَالنُّضْرَةِ، فَتَنَاوَلْتُ
مِنْهَا قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ لِآتِيَكُمْ بِهِ، فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ،
وَلَوْ أَتَيْتُكُمْ بِهِ لَأَكَلَ مِنْهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ،
لَا يَنْقُصُونَهُ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ شَاهِدٌ لِذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ فِي " الْمُسْنَدِ " عَنْ
عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ،أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَنَّةِ: فِيهَا عِنَبٌ ؟ قَالَ:
" نَعَمْ ". قَالَ: فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ ؟ قَالَ: "
مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ يَطِيرُ، وَلَا يَفْتُرُ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبَّادِ
بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ
ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
الرَّجُلَ إِذَا نَزَعَ ثَمَرَةً مِنَ الْجَنَّةِ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى
". قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: عَبَّادٌ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ
الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي
مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا
أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ عَلَّمَهُ صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ،
وَزَوَّدَهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ; فَثِمَارُكُمْ هَذِهِ مِنْ ثِمَارِ
الْجَنَّةِ، غَيْرَ أَنَّهَا تَغَيَّرُ، وَتِلْكَ لَا تَغَيَّرُ ".
فَصْلٌ ( فِي طَيْرِ الْجَنَّةِ )
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ
مِمَّا يَشْتَهُونَ [ الْوَاقِعَةِ: 20، 21 ].
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ
الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،
قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ فِي الْجَنَّةِ فَتَشْتَهِيهِ، فَيَخِرُّ
بَيْنَ يَدَيْكَ مَشْوِيًّا ".
وَفِي التِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَوْثَرِ، فَقَالَ: " نَهَرٌ
أَعْطَانِيهِ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ،
وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فِيهِ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ
". وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي " تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ "، عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ
الْبُخْتِ، تَصْطَفُّ بَيْنَ يَدَيْ وَلِيِّ اللَّهِ، فَيَقُولُ أَحَدُهَا: يَا
وَلِيَّ اللَّهِ، رَعَيْتُ فِي مُرُوجٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَشَرِبْتُ مِنْ عُيُونِ
التَّسْنِيمِ، فَكُلْ مِنِّي. فَلَا يَزَالُ يَفْتَخِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى
يَخْطِرَ عَلَى قَلْبِهِ أَكْلُ أَحَدِهَا، فَتَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى
أَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا مَا أَرَادَ، فَإِذَا شَبِعَ مِنْهَا
تَجْتَمِعُ عِظَامُ ذَلِكَ الطَّائِرِ، الَّذِي أَكَلَهُ، ثُمَّ يَطِيرُ يَرْعَى
فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ،
إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ. فَقَالَ: " آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا ". غَرِيبٌ
مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَكْلِهِمْ فِيهَا وَشُرْبِهِمْ نَسْأَلُ
اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي
الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [ الْحَاقَّةِ: 24 ]. وَقَالَ: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ
فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [ مَرْيَمَ: 62 ]. وَقَالَ تَعَالَى: أُكُلُهَا
دَائِمٌ وَظِلُّهَا [ الرَّعْدِ: 35 ]. وَقَالَ: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا
يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [ الْوَاقِعَةِ: 20، 21 ].
وَقَالَ
تَعَالَى: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ
وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ
وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ الزُّخْرُفِ: 71 ]، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ
الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا
يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [ الْإِنْسَانِ: 5، 6
]. وَقَالَ تَعَالَى: وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ
كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا [
الْإِنْسَانِ: 15، 16 ]. أَيْ: فِي صَفَاءِ الزُّجَاجِ، وَهِيَ مِنْ فِضَّةٍ،
وَهَذَا مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ عَلَى قَدْرِ
كِفَايَةِ وَلِيِّ اللَّهِ فِي مَشْرَبِهِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ، وَهَذَا
يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ وَالشَّرَفِ. وَقَالَ تَعَالَى: كُلَّمَا رُزِقُوا
مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ
وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [ الْبَقَرَةِ: 25 ] أَيْ: كُلَّمَا جَاءَهُمُ
الْخَدَمُ بِشَيْءٍ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ وَغَيْرِهِ حَسِبُوهُ الَّذِي أُتُوا
بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ فِي
الْحَقِيقَةِ خِلَافُهُ، فَتَشَابَهَتِ الْأَشْكَالُ، وَاخْتَلَفَتِ الْحَقَائِقُ
وَالطُّعُومُ وَالرَّوَائِحُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا سُكَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ الضَّرِيرُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ،
وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ، وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ، وَإِنَّ لَهُ
لَثَلَاثَمِائَةِ خَادِمٍ، وَيُغْدَى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ كُلَّ
يَوْمٍ بِثَلَاثِمِائَةِ صَحْفَةٍ - وَلَا أَعْلَمُهُ
إِلَّا قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ - فِي كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى،
وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ، وَمِنَ الْأَشْرِبَةِ
ثَلَاثُمِائَةِ إِنَاءٍ، وَفِي كُلِّ إِنَاءٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْآخَرِ،
وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ، كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا
رَبِّ، لَوْ أَذِنْتَ لِي لَأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ
يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِي شَيْئًا، وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ
لَاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ
الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذُ مَقْعَدُهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الْأَرْضِ
". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَلَهُ
شَاهِدٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَعْمَرُ بْنُ بِشْرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْمُبَارَكِ، ثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ
الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنَبِيِّ أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ
عُبَيْدٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَفَرَغَ
اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَبْقَى رَجُلَانِ،
فَيُؤْمَرُ بِهِمَا إِلَى النَّارِ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمَا، فَيَقُولُ
الْجَبَّارُ تَعَالَى: رُدُّوهُ. فَيَرُدُّونَهُ، فَيَقُولُ: لِمَ الْتَفَتَّ ؟
قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ ". قَالَ: "
فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ: لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ، عَزَّ
وَجَلَّ، حَتَّى لَوْ أَنِّي أَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ مَا نَقَصَ ذَلِكَ
مِمَّا عِنْدِي شَيْئًا ". قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَهُ يُرَى السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ. تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ
مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ
الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ ؟ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنْ أَقَرَّ
لِي بِهَذَا خَصَمْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى
قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ
". قَالَ: فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ
تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ ؟ ! قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِثْلُ
رِيحِ الْمِسْكِ، فَإِذَا الْبَطْنُ قَدْ ضَمُرَ ". ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ،
عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُمَامَةَ، سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ،
فَذَكَرَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، فَذَكَرَهُ، وَعِنْدَهُ:قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَإِنَّ الَّذِي
يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ أَذًى.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَكُونُ
حَاجَةُ أَحَدِهِمْ رَشْحًا يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَرَشْحِ الْمِسْكِ،
فَيَضْمُرُ بَطْنُهُ ".
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَهَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ; لِأَنَّ
ثُمَامَةَ ثِقَةٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ
أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا
يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ، وَلَا يَبْزُقُونَ،
طَعَامُهُمْ جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ ".
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ،
عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ.قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ ؟ قَالَ: "
جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ
".
وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ
جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: طَعَامُهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرِيحِ الْمِسْكِ،
وَيُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ".
طَرِيقٌ ثَالِثَةٌ عَنْ جَابِرٍ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ
نَافِعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو،
عَنْ مَاعِزٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:سُئِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟
قَالَ: " نَعَمْ،
وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَبُولُونَ فِيهَا، وَلَا
يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَتَنَخَّمُونَ، إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ جُشَاءً وَرَشْحًا
كَرَشْحِ الْمِسْكِ، وَيُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ
النَّفَسَ ".
طَرِيقٌ رَابِعَةٌ عَنْ جَابِرٍ: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ
بْنِ جَبَلَةَ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِعَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ
السُّكَّرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا
يَمْتَخِطُونَ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ، كَمَا يُلْهَمُونَ
النَّفَسَ، يَكُونُ طَعَامُهُمْ وَشَرَابُهُمْ جُشَاءً كَرِيحِ الْمِسْكِ ".
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: وَيُرْوَى هَذَا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ، وَلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ مِنْهُ، وَسَمَاعُهُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ
صَحِيحٌ.
أَحَادِيثُ أُخَرُ شَتَّى:
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ
الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ فَتَشْتَهِيهِ، فَيَخِرُّ بَيْنَ
يَدَيْكَ مَشْوِيًّا ". وَقَالَ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ
بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا وَهُوَ يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ الْبَادِيَةِ: " إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ
رَبَّهُ، عَزَّ
وَجَلَّ، فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ
سُبْحَانَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ
أَزْرَعَ ". قَالَ: " فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ
وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ". قَالَ:
" فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: دُونَكَ يَا بْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ
لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ ". قَالَ: فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ مَا
تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا ; فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ
زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِهِ. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ.
ذِكْرُ أَوَّلِ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْدَ دُخُولِهِمُ
الْجَنَّةَ
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ سَلَامٍسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا
قَدِمَ الْمَدِينَةَ - عَنْ أَشْيَاءَ، مِنْهَا: وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ
أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ: " زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ ".
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ
ثَوْبَانَ،أَنَّ يَهُودِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ:
" زِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ ". قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى
إِثْرِهَا ؟ قَالَ: " يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي يَأْكُلُ
مِنْ أَطْرَافِهَا ". قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ
عَلَيْهِ ؟ قَالَ: " مِنْ عَيْنٍ تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ". قَالَ:
صَدَقْتَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا
الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ،
نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ ". فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ:
بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ
أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ: " بَلَى ". قَالَ:
تَكُونُ الْأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا
أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ ؟ قَالَ: " بَلَى ". قَالَ: إِدَامُهُمْ
بَالَامُ وَنُونٌ. قَالَ: " وَمَا هَذَا ؟ " قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ
يَأْكُلُ مِنْ زِيَادَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُوُمٍ
خِتَامُهُ مِسْكٌ [ الْمُطَفِّفِينَ: 25، 26 ]. قَالَ: الرَّحِيقُ الْخَمْرُ،
مَخْتُومٌ يَجِدُونَ عَاقِبَتَهَا رِيحَ الْمِسْكِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ [ الْمُطَفِّفِينَ:
27 ]. قَالَ: التَّسْنِيمُ أَشْرَفُ شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، يَشْرَبُهُ
الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَيُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِيِنِ.
قُلْتُ: وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ خَمْرَ الْجَنَّةِ
بِصِفَاتٍ جَمِيلَةٍ حَسَنَةٍ لَيْسَتْ فِي خُمُورِ الدُّنْيَا الْقَذِرَةِ،
فَذَكَرَ أَنَّهَا أَنْهَارٌ جَارِيَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَنْهَارٌ مِنْ
خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [ مُحَمَّدٍ: 15 ]. فَهِيَ أَنْهَارٌ جَارِيَةٌ
مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ عُيُونٍ تَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ الْمِسْكِ، وَلَيْسَتْ
مُعْتَصَرَةً بِأَرْجُلِ الرِّجَالِ الْأَرَاذِلِ فِي أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ،
وَذَكَرَ أَنَّهَا لَذَّةٌ لِلشَّارِبِينَ، وَلَيْسَتْ كَخَمْرِ الدُّنْيَا مِنْ
كَرَاهَةِ الطَّعْمِ، وَسُوءِ الْفِعْلِ فِي الْعَقْلِ، وَمَغْصِ الْبَطْنِ،
وَصُدَاعِ الرَّأْسِ، فَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ عَنْ ذَلِكَ
كُلِّهِ، وَنَزَّهَ خَمْرَهَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ
تَعَالَى: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ
لِلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ [ الصَّافَّاتِ:
45 - 47 ]. " بَيْضَاءَ " أَيْ حَسَنَةِ الْمَنْظَرِ، لَذَّةٍ:
طَيِّبَةِ الطَّعْمِ، لَا فِيهَا غَوْلٌ الْغَوْلُ: وَجَعُ الْبَطْنِ، وَلَا هُمْ
عَنْهَا يُنْزَفُونَ أَيْ: لَا تُذْهِبُ عُقُولَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ
مِنَ الْخَمْرِ إِنَّمَا هُوَ اللَّذَّةُ الْمُطْرِبَةُ، وَهِيَ الْحَالَةُ
الْمُبْهِجَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا سُرُورُ النَّفْسِ، وَهَذَا حَاصِلٌ كَامِلٌ
تَامٌّ فِي خَمْرِ الْجَنَّةِ، فَأَمَّا ذَهَابُ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَبْقَى
شَارِبُهَا كَالْحَيَوَانِ وَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا نَقْصٌ إِنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ
خَمْرِ الدُّنْيَا، فَأَمَّا خَمْرُ الْجَنَّةِ فَلَا تُحْدِثُ لِشَارِبِهَا
شَيْئًا مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا تُحْدِثُ السُّرُورَ وَالِابْتِهَاجَ، وَلِهَذَا
قَالَ تَعَالَى: لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ أَيْ: تُنْزَفُ
عُقُولُهُمْ، فَتَذْهَبُ بِالْكُلِّيَّةِ بِسَبَبِ شُرْبِهَا.
وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا
يُنْزِفُونَ [ الْوَاقِعَةِ: 17 - 19 ]. أَيْ: لَا
تُورِثُ لَهُمْ صُدَاعًا فِي رُءُوسِهِمْ، وَلَا
تُنْزِفُ عُقُولَهُمْ.
وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ
مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ
تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ [ الْمُطَفِّفِينَ: 25 - 28 ].
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ: إِنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَجْتَمِعُونَ عَلَى
شَرَابِهِمْ كَمَا يَجْتَمِعُ أَهْلُ الدُّنْيَا، فَتَمُرُّ بِهِمُ السَّحَابَةُ،
فَتَقُولُ: مَا تُرِيدُونَ أَنْ أُمْطِرَكُمْ فَلَا يَشَاءُونَ شَيْئًا إِلَّا
أَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَمْطِرِينَا
كَوَاعِبَ أَتْرَابًا. فَتُمْطِرُهُمْ كَوَاعِبَ أَتْرَابًا.
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ شَجَرَةِ طُوبَى، فَيَذْكُرُونَ
لَهْوَ الدُّنْيَا، وَهُوَ الطَّرَبُ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ،
فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا، وَفِي
بَعْضِ الْآثَارِ: إِنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَجْتَازُونَ،
وَهُمْ رُكْبَانٌ سَائِرُونَ صَفًّا وَاحِدًا، فَلَا يَمُرُّونَ بِشَجَرَةٍ مِنْ
أَشْجَارِ الْجَنَّةِ إِلَّا تَنَحَّتْ عَنْ طَرِيقِهِمْ، لِئَلَّا تَثْلَمَ
صَفَّهُمْ وَتُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَأَتْحَفَتْهُمْ مِنْ ثَمَرِهَا. وَهَذَا
كُلُّهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ، فَلَهُ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [
الْإِنْسَانِ: 20 ].
وَالْأَكْوَابُ هِيَ الْكِيزَانُ الَّتِي لَا عُرَى
لَهَا وَلَا خَرَاطِيمَ، وَالْأَبَارِيقُ بِخِلَافِهَا لَهَا عُرًى وَخَرَاطِيمُ،
وَالْكَأْسُ هُوَ الْقَدَحُ فِيهِ الشَّرَابُ، وَقَالَ تَعَالَى: وَكَأْسًا
دِهَاقًا [ النَّبَأِ: 34 ]. أَيْ مَلْأَى مُتْرَعَةً، لَيْسَ فِيهَا نَقْصٌ، لَا
يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا [ النَّبَأِ: 35 ]. أَيْ لَا يَصْدُرُ
مِنْهُمْ، عَلَى شَرَابِهِمْ، شَيْءٌ مِنَ اللَّغْوِ، وَهُوَ الْكَلَامُ
السَّاقِطُ التَّافِهُ، وَلَا تَكْذِيبٌ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا، كَمَا يَصْدُرُ
مِنْ شَرَبَةِ الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا
إِلَّا سَلَامًا [ مَرْيَمَ: 62 ]. وَقَالَ: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا
تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا [ الْوَاقِعَةِ: 25، 26 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً [ الْغَاشِيَةِ: 11 ].
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا
وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ".
ذِكْرُ لِبَاسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا وحِلْيَتِهِمْ وَصِفَاتِ ثِيَابِهِمْ
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ
وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [ الْإِنْسَانِ: 21 ] وَقَالَ تَعَالَى:
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [ فَاطِرٍ: 33 ] وَقَالَ تَعَالَى
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا
مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ [ الْكَهْفِ: 31 ]
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: تَبْلُغُ
الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ ".
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْحُلِيُّ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الرِّجَالِ
أَحْسَنُ مِنْهُ عَلَى النِّسَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ خَالِدٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَهُمْ، وَذَكَرَ
حُلِيَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ: " مُسَوَّرُونَ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ،
مُكَلَّلُونَ بِالدُّرِّ، عَلَيْهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ
مُتَوَاصِلَةٌ، وَعَلَيْهِمْ تَاجٌ كَتَاجِ الْمُلُوكِ، شَبَابٌ جُرْدٌ
مُكَحَّلُونَ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي
حَبِيبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ، فَبَدَا سِوَارُهُ لَطَمَسَ
ضَوْءَ الشَّمْسِ، كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:مَنْ يَدْخُلِ
الْجَنَّةَ يَنْعَمْ، لَا يَبْأَسُ وَلَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى
شَبَابُهُ، فِي الْجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذْنٌ سَمِعَتْ، وَلَا
خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ".
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِلَى قَوْلِهِ: لَا
تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ
بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ أَبِي
رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: لِلْمُؤْمِنِ زَوْجَتَانِ - يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ
ثِيَابِهِمَا ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ،
وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَسَوِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ كَأَنَّ
وُجُوهَهُمْ ضَوْءُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ
عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ
حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ لُحُومِهِمَا وَحُلَلِهِمَا كَمَا
يُرَى الشَّرَابُ الْأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ ". قَالَ
الضِّيَاءُ: هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْخَزْرَجُ بْنُ عُثْمَانَ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو
أَيُّوبَ، مَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قِيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ
مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِثْلِهَا مَعَهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ
أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا،
وَلَنَصِيفُ امْرَأَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِثْلِهَا
مَعَهَا ". قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَا النَّصِيفُ ؟ قَالَ:
الْخِمَارُ.
قُلْتُ: الْخَزْرَجُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَلَكِنْ
لَهُ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحِ "، كَمَا تَقَدَّمَ فِي " صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ "، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَفِيهِ: وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِي خِمَارَهَا - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا
وَمَا فِيهَا ".
وَقَالَ حَرْمَلَةُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ دَرَّاجًا
أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ
يَتَحَوَّلَ، ثُمَّ تَأْتِيهِ امْرَأَةٌ فَتَضْرِبُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَيَنْظُرُ
وَجْهَهُ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ
عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ،
فَيَرُدُّ السَّلَامَ وَيَسْأَلُهَا: مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ: أَنَا الْمَزِيدُ.
وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا أَدْنَاهَا مِثْلُ النُّعْمَانِ
مِنْ طُوبَى، فَيُنْفِذُهَا بَصَرَهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ
ذَلِكَ، وَإِنَّ عَلَيْهِمُ التِّيجَانَ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ
عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ بِهِ
بِطُولِهِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي
السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَهُ: جَنَّاتُ عَدْنٍ
يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ [ فَاطِرٍ: 33 ].
فَقَالَ: " إِنَّ عَلَيْهِمُ التِّيجَانَ، إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ مِنْهَا
لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمُشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ".
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ ذِكْرَ التِّيجَانِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رَافِعٍ، عَنْ حَنَانِ بْنِ خَارِجَةَ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ;
خَلْقًا تُخْلَقُ أَمْ نَسْجًا تُنْسَجُ ؟ فَضَحِكَ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِمَّ تَضْحَكُونَ ؟
مِنْ جَاهِلٍ يَسْأَلُ عَالِمًا " ؟ ! ثُمَّ أَكَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ ؟ "
قَالَ: هَا هُوَ ذَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " لَا، بَلْ
تَشَقَّقُ عَنْهَا ثَمَرُ الْجَنَّةِ ". ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا: عَنْ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ الْقَاصِّ
أَبِي سَهْلٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ
الْفَرَزْدَقِ بْنِ حَنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،
فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَفِي حَدِيثِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،أَنَّ
رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طُوبَى ؟ قَالَ: " شَجَرَةٌ فِي
الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ
أَكْمَامِهَا ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ
الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ
أَبِي سَلَّامٍ الْأَسْوَدِ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا انْطُلِقَ بِهِ إِلَى طُوبَى، فَتَفَتَّحُ لَهُ
أَكْمَامُهَا عَنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ يَأْخُذُ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ إِنْ
شَاءَ أَبْيَضَ وَإِنْ شَاءَ أَحْمَرَ، وَإِنْ شَاءَ أَخْضَرَ، وَإِنْ شَاءَ
أَصْفَرَ، وَأَنْ شَاءَ أَسْوَدَ، مِثْلَ شَقَائِقِ النُّعْمَانِ، وَأَرَقُّ،
وَأَحْسَنُ ". غَرِيبٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ بَارِقٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ خَالِهِ الزُّمَيْلِ، أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَاهُ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حُلَلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟
قَالَ: فِيهَا شَجَرَةٌ فِيهَا ثَمَرٌ كَأَنَّهُ الرُّمَّانُ، فَإِذَا أَرَادَ
وَلِيُّ اللَّهِ كِسْوَةً انْحَدَرَتْ إِلَيْهِ مِنْ غُصْنِهَا، فَانْفَلَقَتْ
عَنْ سَبْعِينَ حُلَّةً، أَلْوَانًا بَعْدَ أَلْوَانٍ، ثُمَّ تَنْطَبِقُ
فَتَرْجِعُ
كَمَا كَانَتْ. وَتَقَدَّمَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَخْلُ
الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ، وَكَرَبُهَا مِنْ ذَهَبٍ
أَحْمَرَ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ
وَحُلَلُهُمْ.
صِفَةُ فُرُشِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ
إِسْتَبْرَقٍ [ الرَّحْمَنِ: 54 ]. فَإِذَا كَانَتِ الْبَطَائِنُ مِنْ
إِسْتَبْرَقٍ، فَمَا الظَّنُّ بِالظَّهَائِرِ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَالَ
تَعَالَى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [ الْوَاقِعَةِ: 34 ].
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي
الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
إِنَّ ارْتِفَاعَهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِنَّ مَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ ". ثُمَّ قَالَ:
غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ. يَعْنِي عَنْ عَمْرِو
بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ حَرْمَلَةُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. ثُمَّ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ:
إِنَّ مَعْنَاهُ الْفُرُشُ فِي الدَّرَجَاتِ،
وَبَيْنَ الدَّرَجَاتِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ.
قُلْتُ: وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ
عَمْرٍو، عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَفُرُشٍ
مَرْفُوعَةٍ. قَالَ: " مَا بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ ". وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قَالَ: مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. يَعْنِي أَنَّ
الْفُرُشَ فِي كُلِّ مَحَلٍّ وَمَوْطِنٍ مَوْجُودَةٌ مُهَيَّأَةٌ لِاحْتِمَالِ
الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فِيهَا
عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ
مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [ الْغَاشِيَةِ: 12 - 16 ]. أَيِ
النَّمَارِقُ وَهِيَ الْمَخَادُّ مَصْفُوفَةٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَلِيقُ بِهَا،
لِاحْتِمَالِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَكَذَا
الزَّرَابِيُّ، وَهِيَ الْبُسُطُ الْجِيَادُ الْمُفْتَخَرَةُ مَبْثُوثَةٌ
هَاهُنَا، وَهَاهُنَا فِي أَمَاكِنِ الْمُسْتَنْزَهَاتِ مِنَ الْجَنَّةِ، كَمَا
قَالَ تَعَالَى: مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ [
الرَّحْمَنِ: 76 ] وَالْعَبَاقِرِيُّ: هِيَ عِتَاقُ الْبُسُطِ، أَيْ جِيَادُهَا
وَخِيَارُهَا وَحِسَانُهَا وَهِيَ بُسُطُ الْجَنَّةِ لَا الدُّنْيَا، وَقَدْ
خُوطِبَ الْعَرَبُ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ، وَفِي الْجَنَّةِ مَا هُوَ
أَحْسَنُ وَأَجْمَلُ وَأَبْهَى وَأَسْنَى وَأَعْظَمُ مِمَّا فِي النُّفُوسِ،
وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَنَوْعٍ مِنْ أَصْنَافِ الْمَلَاذِّ
وَأَجْنَاسِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَأَلَذُّ فِي
الْمَنَاظِرِ وَالنُّفُوسِ.
وَالنَّمَارِقُ: جَمْعُ نُمْرُقَةٍ بِضَمِّ النُّونِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا، وَهِيَ
الْوَسَائِدُ، وَقِيلَ: الْمَسَانِدُ. وَقَدْ يَعُمُّهَا اللَّفْظُ،
وَالزَّرَابِيُّ: الْبُسُطُ. وَالرَّفْرَفُ قِيلَ: رِيَاضُ الْجَنَّةِ وَمَا
يَكُونُ عَلَى شَاطِئِ الْأَنْهَارِ مِنَ النَّبَاتِ وَالْأَزْهَارِ. وَقِيلَ:
ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ. وَالْعَبْقَرِيُّ: جِيَادُ الْبُسُطِ وَقِيلَ غَيْرُ
ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
صِفَةُ الْحُورِ الْعِينِ، وَبَنَاتِ آدَمَ وَشَرَفِهِنَّ وَفَضْلِهِنَّ
عَلَيْهِنَّ، وَكَمْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ
قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ [ الرَّحْمَنِ: 56 - 57 ]. وَقَالَ تَعَالَى: فِيهِنَّ
خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ
فِي الْخِيَامِ [ الرَّحْمَنِ: 70 - 72 ]. وَقَالَ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيهَا
أَزْوَجٌ مُطَهَّرَةٌ [ الْبَقَرَةِ: 25 ]. أَيْ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ،
وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَالْبُزَاقِ وَالْمُخَاطِ، فَلَا يَصْدُرُ مِنْهُنَّ
أَذًى أَبَدًا، وَكَذَلِكَ طَهُرَتْ أَخْلَاقُهُنَّ وَأَلْفَاظُهُنَّ
وَقُلُوبُهُنَّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا
قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ". قَالَ:
" مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَالنَّجَاسَةِ، وَالْبُزَاقِ ".
وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ عِنْدَ قَوْلِهِ: حُورٌ
مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ. قَالَ: بَلَغَنَا فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ سَحَابَةً
مَطَرَتْ مِنَ الْعَرْشِ، فَخُلِقْنَ مِنْ قَطَرَاتِ الرَّحْمَةِ، ثُمَّ ضُرِبَ
عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَيْمَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْأَنْهَارِ، وَسَعَةُ الْخَيْمَةِ
أَرْبَعُونَ مِيلًا، وَلَيْسَ لَهَا بَابٌ حَتَّى إِذَا حَلَّ وَلِيُّ اللَّهِ
بِالْخَيْمَةِ انْصَدَعَتِ الْخَيْمَةُ عَنْ بَابٍ لِيَعْلَمَ وَلِيُّ اللَّهِ
أَنَّ أَبْصَارَ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَدَمِ لَمْ تَنْظُرْ
إِلَيْهَا، فَهُنَّ مَقْصُورَاتٌ عَنْ إِبْصَارِ الْمَخْلُوقِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ الْوَاقِعَةِ: 22 - 24 ]. وَقَالَ فِي الْآيَةِ
الْأُخْرَى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [ الصَّافَّاتِ: 49 ]. قِيلَ: إِنَّهُ
بَيْضُ النَّعَامِ الْمَكْنُونُ فِي الرَّمْلِ، وَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَحْسَنُ
أَنْوَاعِ الْبَيْضِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَيْضِ: اللُّؤْلُؤُ قَبْلَ أَنْ
يَبْرُزَ مِنْ صَدَفِهِ. وَقَالَ تَعَالَى إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ
أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا: [ الْوَاقِعَةِ: 35 - 38 ]. أَيْ: إِنَّا
أَنْشَأْنَاهُنَّ بَعْدَ الْكِبَرِ وَالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ فِي الدُّنْيَا،
فَصِرْنَ فِي الْجَنَّةِ شَبَابًا أَبْكَارًا. عُرُبًا: أَيْ مُتَحَبِّبَاتٍ إِلَى
أَزْوَاجِهِنَّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْغَنِجَةُ. وَقِيلَ: الشَّكِلَةُ.
وَالْآيَةُ تَعُمُّ هَذَا كُلَّهُ وَأَضْعَافَهُ. أَتْرَابًا أَيْ فِي عُمُرٍ
وَاحِدٍ، لَا يَزِدْنَ وَلَا يَنْقُصْنَ بَلْ هُنَّ فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيُّ،
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ الْبَيْرُوتِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْأُمِّهِ، عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى:
وَحُورٌ عِينٌ. قَالَ: " حُورٌ: بِيضٌ. عِينٌ:
ضِخَامُ الْعُيُونِ، شُفْرُ الْحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ ".
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ
الْمَكْنُونِ. قَالَ: " صَفَاؤُهُنَّ صَفَاءُ الدُّرِّ الَّذِي فِي
الْأَصْدَافِ الَّذِي لَمَّ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ. قَالَ ؟ "
خَيْرَاتُ الْأَخْلَاقِ، حِسَانُ الْوُجُوهِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ قَالَ: "
رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي يَكُونُ فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِمَّا
يَلِي الْقِشْرَةَ، وَهُوَ الْغِرْقِئُ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: عُرُبًا أَتْرَابًا. قَالَ: " هُنَّ اللَّوَاتِي
قُبِضْنَ فِي دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ رُمْضًا شُمْطًا، خَلَقَهُنَّ اللَّهُ
بَعْدَ الْكِبَرِ، فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى، عُرُبًا: مُتَعَشِّقَاتٍ مُحَبَّبَاتٍ
إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، أَتْرَابًا: عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ ". قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ، أَمِ الْحُورُ الْعِينُ ؟ قَالَ:
" بَلْ نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، كَفَضْلِ
الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِمَاذَا ؟
قَالَ: " بِصَلَاتِهِنَّ وَصِيَامِهِنَّ، وَعِبَادَتِهِنَّ اللَّهَ، أَلْبَسَ
اللَّهُ وُجُوهَهُنَّ النُّورَ، وَأَجْسَادَهُنَّ الْحَرِيرَ، بِيضُ الْأَلْوَانِ،
خُضْرُ الثِّيَابِ، صُفْرُ الْحُلِيِّ، مَجَامِرُهُنَّ الدُّرُّ، وَأَمْشَاطُهُنَّ
الذَّهَبُ، يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ، فَلَا نَمُوتُ، وَنَحْنُ
النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ أَبَدًا،
أَلَا وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا، طُوبَى لِمَنْ كُنَّا لَهُ،
وَكَانَ لَنَا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْمَرْأَةُ مِنَّا
تَتَزَوَّجُ الزَّوْجَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ، وَالْأَرْبَعَةَ، ثُمَّ تَمُوتُ،
فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ. وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا، مَنْ يَكُونُ زَوْجَهَا ؟ قَالَ:
" يَا أُمَّ سَلَمَةَ، إِنَّهَا تُخَيَّرُ
فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا فَتَقُولُ: يَا
رَبِّ، إِنَّ هَذَا كَانَ أَحْسَنَهُمْ مَعِي خُلُقًا فِي دَارِ الدُّنْيَا،
فَزَوِّجْنِيهِ. يَا أُمَّ سَلَمَةَ، ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
طَارِقٍ، حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ الْيَسَعِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْهُ عَجُوزٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي
الْجَنَّةَ. فَقَالَ: " إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ "
فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، ثُمَّ
رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لَقَدْ لَقِيَتْ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً
وَشِدَّةً، فَقَالَ: " إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا
أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَارًا ".
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ فِي صِفَةِ دُخُولِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ،
قَالَ: فَيَدْخُلُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً ;
سَبْعِينَ مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ وَلَدِ
آدَمَ، لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ اللَّهُ بِعِبَادَتِهِمَا اللَّهَ فِي
الدُّنْيَا، يَدْخُلُ عَلَى الْأُولَى مِنْهُمَا غُرْفَةً مِنْ يَاقُوتَةٍ، عَلَى
سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ، عَلَيْهِ سَبْعُونَ زَوْجًا مِنْ
سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، وَإِنَّهُ لَيَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ
يَنْظُرُ إِلَى يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا، مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا
وَلَحْمِهَا، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مُخِّ سَاقِهَا كَمَا يَنْظُرُ
أَحَدُكُمْ إِلَى السِّلْكِ فِي قَصَبَةِ الْيَاقُوتِ، كَبِدُهُ لَهَا مِرْآةٌ،
وَكَبِدُهَا لَهُ مِرْآةٌ، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا وَلَا
تَمَلُّهُ، وَلَا يَأْتِيهَا مَرَّةً إِلَّا وَجَدَهَا عَذْرَاءَ مَا يَفْتُرُ
ذَكَرُهُ، وَلَا
يَشْتَكِي قُبُلُهَا، إِلَّا أَنَّهُ لَا مَنِيَّ
وَلَا مَنِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا
أَنَّكَ لَا تَمَلُّ، وَلَا تُمَلُّ، إِلَّا أَنَّ لَكَ أَزْوَاجًا غَيْرَهَا.
فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا جَاءَ وَاحِدَةً
قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنْكَ وَمَا فِي
الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ ". وَلِهَذَا الْحَدِيثِ شَوَاهِدُ
مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَتْ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،
وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ
أَشْعَثَ الضَّرِيرِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ
الْعِينِ لَاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا،
وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذُ مَقْعَدُهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ
الْأَرْضِ ".
وَقَالَ حَرْمَلَةُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، أَنَّ دَرَّاجًا
أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَدْنَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ، وَاثْنَتَانِ
وَسَبْعُونَ زَوْجَةً، وَتُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ
وَيَاقُوتٍ، كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ وَصَنْعَاءَ ".
وَأَسْنَدَهُ أَحْمَدُ عَنْ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ بِهِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ،
عَنْ رِشْدِينَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا وَيُزَوَّجُ
ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً; ثِنْتَيْنِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَسَبْعِينَ
مِنْ أَهْلِ مِيرَاثِهِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَيْسَ فِيهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا
وَلَهَا قُبُلٌ شَهِيٌّ، وَلَهُ ذَكَرٌ لَا يَنْثَنِي ". وَهَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ جِدًّا، وَالْمَحْفُوظُ مَا تَقَدَّمَ خِلَافُهُ، وَهُوَ اثْنَتَانِ مِنْ
بَنَاتِ آدَمَ، وَسَبْعُونَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ هَذَا تَكَلَّمَ فِيهِ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا، وَضَعَّفُوهُ، وَمِثْلُهُ قَدْ
يَغْلَطُ وَلَا يُتْقِنُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ
بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ
مَعْدِيكَرِبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ لَسِتَّ خِصَالٍ ; يُغْفَرُ لَهُ عِنْدَ أَوَّلِ
دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ
الْإِيمَانِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ
الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ
الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا،
وَيُزَوَّجُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيَشْفَعُ
فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ ".
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ ":
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ
جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَاللَّفْظُ لِيَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ:إِمَّا تَفَاخَرُوا،
وَإِمَّا تَذَاكَرُوا: الرِّجَالُ أَكْثَرُ فِي الْجَنَّةِ أَمِ النِّسَاءُ ؟
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوَلَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ
الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَأِ كَوْكَبٍ
دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ، يُرَى
مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ، فَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَاتَيْنِ مِنْ بَنَاتِ
آدَمَ، وَلَهُ غَيْرُهُمَا مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ اللَّهُ، عَزَّ
وَجَلَّ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ آنِفًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تُعَارِضُ مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
": وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ
" إِذْ قَدْ يَكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَكْثَرَ أَهْلِ
النَّارِ، أَوْ قَدْ يَكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُ مَنْ
يَخْرُجُ مِنْهُنَّ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَاتِ، فَيَصِرْنَ إِلَى الْجَنَّةِ،
حَتَّى يَكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، مِنْ طَرِيقِ
خِلَاسٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِلْمُؤْمِنِ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ
سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهِمَا ".
وَفِي حَدِيثِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا:
إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ
يَتَحَوَّلَ، ثُمَّ تَأْتِيهِ امْرَأَةٌ فَتَضْرِبُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ،
فَيَنْظُرُ وَجْهَهُ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ
عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ،
فَيَرُدُّ السَّلَامَ وَيَسْأَلُهَا: مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ: أَنَا الْمَزِيدُ.
وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا أَدْنَاهَا مِثْلُ النُّعْمَانِ
مِنْ طُوبَى، فَيَنْفُذُهَا بَصَرُهُ، حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ
ذَلِكَ ". وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " الْمُسْنَدِ ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ
مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ، أَوْ مَوْضِعُ
قِدِّهِ - يَعْنِي سَوْطَهُ - مِنَ الْجِنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا
فِيهَا، وَلَوِ اطَّلَعَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَى
الْأَرْضِ لَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا، وَلَطَابَ مَا بَيْنَهُمَا،
وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ،
بِمِثْلِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْجَنَّةِ،
وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْ مَا
بَيْنَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا
فِيهَا ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ،
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْجَوْنِيِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ
أَخْرَجَتْ كَفَّهَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَافْتَتَنَ الْخَلَائِقُ
بِحُسْنِهَا، وَلَوْ أَخْرَجَتْ نَصِيفَهَا لَكَانَتِ الشَّمْسُ عِنْدَ حُسْنِهَا
مِثْلَ الْفَتِيلَةِ فِي الشَّمْسِ لَا ضَوْءَ لَهَا، وَلَوْ أَخْرَجَتْ وَجْهَهَا
لَأَضَاءَ حُسْنُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ قَالَ:
وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ
الْعِينِ أَطْلَعَتْ سِوَارَهَا مِنَ الْعَرْشِ لَأَطْفَأَ نُورُ سِوَارِهَا نُورَ
الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَكَيْفَ الْمُسَوَّرَةُ ؟ وَإِنَّ أَخْلَقَ ثَوْبٍ
تَلْبَسُهُ لَخَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَإِنَّ زَوْجَهَا عَلَيْهِ
مِثْلُ مَا عَلَيْهَا مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ
فِي الْجَنَّةِ حَوْرَاءَ يُقَالُ لَهَا: الْعَيْنَاءُ. إِذَا مَشَتْ مَشَى
حَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ وَصِيفٍ، وَهِيَ تَقُولُ: أَيْنَ الْآمِرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ. أَوْرَدَهُمَا الْقُرْطُبِيُّ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
رِشْدِينَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ الْأَنْصَارِيُّ،
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ابْنُ بِنْتِ اللَّيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، حَدَّثَتْنِي
عَائِشَةُ بِنْتُ يُونُسَ امْرَأَةُ اللَّيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ لَيْثِ
بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خُلِقَ الْحُورُ الْعِينُ مِنَ
الزَّعْفَرَانِ ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ. وَفِي مَرَاسِيلِ عِكْرِمَةَ: إِنَّ الْحُورَ
الْعِينَ لَيَدْعُونَ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَهُمْ فِي الدُّنْيَا، يَقُلْنَ:
اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَى دِينِكَ، وَأَقْبِلْ بِقَلْبِهِ عَلَى طَاعَتِكَ،
وَبَلِّغْهُ إِلَيْنَا بِعِزَّتِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ".
وَفِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ
مُرَّةَ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا: لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا
إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ
اللَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا
".
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
عَمْرٍو الضَّبِّيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ،
عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِي " مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ " مِنْ طَرِيقِ مُوسَى الصَّغِيرِ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ
أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فِي يَوْمٍ، فَعَاتَبَتْهُ
امْرَأَتُهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ أَطْلَعَتْ أُصْبُعًا
مِنْ أَصَابِعِهَا لَوَجَدَ رِيحَهَا كُلُّ ذِي رِيحٍ ". ثُمَّ قَالَ:
فَأَنَا أَدَعُهُنَّ لَكُنَّ ؟ ! لَا وَاللَّهِ، لَأَنْتُنَّ أَحَقُّ أَنْ
أَدَعَكُنَّ لَهُنُّ.
وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ،
مَرْفُوعًا: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَشْرَفَتْ
عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَمَلَأَتِ الْأَرْضَ رُوحَ مِسْكٍ، وَلَأَذْهَبَتْ ضَوْءَ
الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ".
مَا وَرَدَ مِنْ غِنَاءِ الْحُورِ الْعِينِ فِي الْجَنَّةِ
رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ،
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ
الْعِينِ
يَرْفَعْنَ أَصْوَاتًا لَمْ يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ
بِمِثْلِهَا يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ، وَنَحْنُ
النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ، طُوبَى
لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ ".
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ،
وَأَنَسٍ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ غَرِيبٌ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ رَافِعٍ، عَنِ ابْنٍ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْحُورَ يُغَنِّينَ
فِي الْجَنَّةِ: نَحْنُ الْجَوَارِ الْحِسَانُ، خُلِقْنَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ
".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو رِفَاعَةَ عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ
بْنِ مُوسَى بْنِ الْفُرَاتِ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللِّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ
أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا
يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ،
يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ
الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُتْنَهْ، نَحْنُ الْآمِنَاتُ
فَلَا نَخَفْنَهْ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنَّهْ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ الْوَلِيدِ
بْنِ عَبْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِجِبْرِيلَ: " قِفْ بِي عَلَى الْحُورِ الْعِينِ ". فَأَوْقَفَهُ
عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: " مَنْ أَنْتُنَّ " ؟ قُلْنَ: نَحْنُ جَوَارِي
قَوْمٍ حَلُّوا فَلَمْ يَظْعَنُوا، وَشَبُّوا فَلَمْ يَهْرَمُوا، وَنُقُّوا فَلَمْ
يَدْرَنُوا.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَمَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ فِي غِنَاءِ
الْحُورِ الْعِينِ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ إِذَا قُلْنَ
هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَجَابَهُنَّ الْمُؤْمِنَاتُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا:
نَحْنُ الْمُصَلِّيَاتُ وَمَا صَلَّيْتُنَّ، وَنَحْنُ الصَّائِمَاتُ وَمَا
صُمْتُنَّ، وَنَحْنُ الْمُتَوَضِّئَاتُ وَمَا تَوَضَّأْتُنَّ، وَنَحْنُ
الْمُتَصَدِّقَاتُ وَمَا تَصَدَّقْتُنَّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَغَلَبْنَهُنَّ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي " التَّذْكِرَةِ "، وَلَمْ
يَعْزُهُ إِلَى كِتَابٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ
لَشَجَرًا
حَمْلُهُ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ، تَحْتَهُ
جَوَارٍ نَاهِدَاتٌ يَتَغَنَّيْنَ بِالْقُرْآنِ، يَقُلْنَ: نَحْنُ النَّاعِمَاتُ
فَلَا نَبْؤُسُ، وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ
فَلَا نَظْعَنُ. فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّجَرُ صَفَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا
فَأَجَبْنَ الْجَوَارِيَ. فَلَا يُدْرَى أَأَصْوَاتُ الْجَوَارِي أَحْسَنُ أَمْ
أَصْوَاتُ تَصْفِيقِ الشَّجَرِ ؟ ! وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ: فِي
صَدْرِ إِحْدَاهُنَّ مَكْتُوبٌ: أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ، انْتَهَتْ نَفْسِي
عِنْدَكَ، فَلَا تَرَى عَيْنَايَ مِثْلَكَ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ
قَالَ: إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ يَتَلَقَّيْنَ أَزْوَاجَهُنَّ عِنْدَ أَبْوَابِ
الْجَنَّةِ فَيَقُلْنَ: طَالَ مَا انْتَظَرْنَاكُمْ، فَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا
نَسْخَطُ، وَالْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ، وَالْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ.
بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ.
ذِكْرُ جِمَاعِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِنِسَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَنِيٍّ وَلَا
أَوْلَادٍ إِلَّا إِنْ شَاءَ أَحَدُهُمُ الْوَلَدَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ
فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [
يس: 55، 56 ].
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: شُغْلُهُمُ افْتِضَاضُ
الْأَبْكَارِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ [ الدُّخَانِ: 54
].
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا
عِمْرَانُ - هُوَ ابْنُ دَاوَرَ الْقَطَّانُ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُعْطَى الرَّجُلُ فِي
الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ النِّسَاءِ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَيُطِيقُ ذَلِكَ ؟ قَالَ: " يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ،
عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَصِلُ، وَفِي رِوَايَةٍ:
هَلْ نُفْضِي فِي الْجَنَّةِ إِلَى نِسَائِنَا ؟ فَقَالَ: " وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْضِي فِي الْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى
مِائَةِ عَذْرَاءَ ". قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: هَذَا عِنْدِي عَلَى
شَرْطِ الصَّحِيحِ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ،
عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ يَمَسُّ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَزْوَاجَهُمْ
؟ فَقَالَ: " نَعَمْ، بِذَكَرٍ لَا يَمَلُّ، وَشَهْوَةٍ لَا تَنْقَطِعُ
".
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ رَاشِدٍ سِوَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَقَدْ كَانَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا حَسَنَ الْعَقْلِ، وَلَكِنْ وَقَعَ عَلَى شُيُوخٍ
مَجَاهِيلَ، فَحَدَّثَ عَنْهُمْ بِأَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، فَضُعِّفَ حَدِيثُهُ،
وَهَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ حَرْمَلَةُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ،
عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ:
أَنَطَأُ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
دَحْمًا دَحْمًا، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ الْفَقِيهُ
الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ
الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ،
حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي
الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا جَامَعُوا نِسَاءَهُمْ عُدْنَ
أَبْكَارًا ". ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُعَلَّى.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ،
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُجَامِعُ أَهْلُ
الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: " دَحْمًا دَحْمًا "،
وَلَكِنْ لَا مَنِيَّ وَلَا مَنِيَّةَ ".
وَلَمَّا كَانَ الْمَنِيُّ يَقْطَعُ لَذَّةَ الْجِمَاعِ، وَالْمَنِيَّةُ تَقْطَعُ
لَذَّةَ الْحَيَاةِ كَانَا مَنْفِيَّيْنِ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي
سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سُلَيْمٍ أَبِي
يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُسَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُئِلَ: يَتَنَاكَحُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟
قَالَ: " نَعَمْ، بِذَكَرٍ لَا يَمَلُّ وَشَهْوَةٍ لَا تَنْقَطِعُ، دَحْمًا
دَحْمًا ".
فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ، أَنْ يُولَدَ لَهُ، كَمَا كَانَ فِي
الدُّنْيَا، وَأَحَبَّ الْأَوْلَادَ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ،
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: إِذَا اشْتَهَى الْمُؤْمِنُ الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ
وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا يَشْتَهِي ". وَكَذَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ: وَهُوَ عِنْدِي عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ
سَلَّامِ بْنِ
سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَنَا سَلَّامٌ الطَّوِيلُ، عَنْ
زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، بِهِ وَضَعَّفَهُ
الْبَيْهَقِيُّ بِمَرَّةٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُولَدُ لِأَهْلِ
الْجَنَّةِ ؟ فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْ تَمَامِ السُّرُورِ ؟ فَقَالَ: "
نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا هُوَ إِلَّا كَقَدْرِ مَا يَتَمَنَّى
أَحَدُكُمْ فَيَكُونُ حَمْلُهُ، وَرَضَاعُهُ، وَشَبَابُهُ ". وَهَذَا
السِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَقَعُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ،
خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
رَاهَوَيْهِ، أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ كَانَ،
وَلَكِنَّهُ لَا يُرِيدُهُ.
وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ كَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ،
وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا تَوَالُدَ
فِيهَا. وَهَذَا صَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّ جِمَاعَهُمْ لَا يَقْتَضِي وَلَدًا كَمَا
هُوَ الْوَاقِعُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ يُرَادُ فِيهَا بَقَاءُ
النَّسْلِ لِتَعْمُرَ، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَالْمُرَادُ فِيهَا بَقَاءُ
اللَّذَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ فِي جِمَاعِهِمْ مَنِيٌّ يَقْطَعُ لَذَّةَ
جِمَاعِهِمْ، وَلَكِنْ إِذَا أَحَبَّ أَحَدُهُمُ الْوَلَدَ يَقَعُ ذَلِكَ كَمَا
يُرِيدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ [ النَّحْلِ: 31
]. وَقَالَ: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [
الزُّخْرُفِ: 71 ].
ذِكْرُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَمُوتُونَ
فِيهَا لِكَمَالِ حَيَاتِهِمْ، بَلْ كُلُّ مَا لَهُمْ فِي ازْدِيَادٍ، مِنْ
قُوَّةِ الشَّبَابِ، وَنَضْرَةِ الْوُجُوهِ، وَحُسْنِ الْهَيْئَةِ، وَطِيبِ
الْعَيْشِ
وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ لَا يَنَامُونَ لِئَلَّا
يَشْتَغِلُوا بِهِ عَنِ الْمَلَاذِّ وَالْمَسَرَّاتِ وَالْعَيْشِ الْهَنِيءِ
الطَّيِّبِ، وَلِئَلَّا يُشْتَغَلَ بِالنَّوْمِ عَنْ أَلَذِّ مَا فِي الْجَنَّةِ
مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ، وَحَمْدِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، سُبْحَانَهُ لَا
نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا مِنَ
الْجَنَّةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ
الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ الدُّخَانِ: 56، 57 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لَا يَمَسُّهُمْ
فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [ الْحِجْرِ: 48 ]. وَقَالَ
تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ
جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا
[ الْكَهْفِ: 107، 108 ]. أَيْ لَا يَخْتَارُونَ غَيْرَهَا، بَلْ هُمْ أَرْغَبُ
شَيْءٍ فِيهَا، فَلَا يَخْتَارُونَ بِهَا بَدَلًا، وَلَا عَنْهَا تَحَوُّلًا،
وَلَيْسَ يَعْتَرِيهِمْ فِيهَا مَلَلٌ، وَلَا ضَجَرٌ، كَمَا قَدْ يَسْأَمُ أَهْلُ
الدُّنْيَا بَعْضَ أَحْوَالِهِمُ اللَّذِيذَةِ، وَمَسَاكِنَهُمُ الْأَنِيقَةَ،
وَأَزْوَاجَهُمُ الْحِسَانَ، بَلْ أَهْلُ الْجَنَّةِ كَمَا قِيلَ:
فَحَلَّتْ سَوَادَ الْقَلْبِ لَا أَنَا بَاغِيًا سِوَاهَا وَلَا عَنْ حُبِّهَا
أَتَحَوَّلُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ ذَبْحِ الْمَوْتِ بَيْنَ
الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ،
خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، كُلٌّ خَالِدٌ
فِيمَا هُوَ فِيهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا
حَمْزَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: فَيُنَادَى مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا
تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ
لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا
فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا ". قَالَ: " فَيُنَادَى بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ
".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ
الثَّوْرِيُّ: فَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، أَنَّ الْأَغَرَّ حَدَّثَهُ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا
أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوَا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ
لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا
فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا ". قَالَ: " فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [
الْأَعْرَافِ: 43 ]، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ
وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ
يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ،
هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:قِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: " لَا،
النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ ". ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا
أَسْنَدَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، إِلَّا
الثَّوْرِيَّ، وَلَا عَنْهُ سِوَى الْفِرْيَابِيِّ. كَذَا قَالَ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ صَدَقَةَ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بْنُ
دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النَّوْمُ أَخُو
الْمَوْتِ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَا يَنَامُونَ ".
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ الرَّبِيعِ الْكُوفِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:سُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ
؟ فَقَالَ: " النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَا يَنَامُونَ
".
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي
رَوَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،
عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ.
ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ عَبَّاسٍ
الدُّورِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ، عَنْ
نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: سَأَلَ
رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: النَّوْمُ
مِمَّا يُقِرُّ اللَّهُ بِهِ أَعْيُنَنَا فِي الدُّنْيَا، أَنَنَامُ فِي
الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّ الْمَوْتَ شَرِيكُ النَّوْمِ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ مَوْتٌ ".
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا رَاحَتُهُمْ ؟ قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ
فِيهَا لُغُوبٌ، كُلُّ أَمْرِهِمْ رَاحَةٌ ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [ فَاطِرٍ: 35 ].
ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ.
ذِكْرُ إِحْلَالِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ مَا لَدَيْهِمْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [ مُحَمَّدٍ: 15
]. وَقَالَ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي
جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ [ التَّوْبَةِ: 72 ].
وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ
الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا
وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا
نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ؟
فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالُوا: يَا رَبَّنَا،
وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي
فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ". وَأَخْرَجَاهُ فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، بِهِ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ وَالْفَضْلُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ اللَّهُ،
عَزَّ وَجَلَّ: أَلَا أُعْطِيكُمْ ؟ قَالَ: أَحْسَبُهُ قَالَ: " أَفْضَلَ
مِنْ ذَلِكَ " - قَالُوا: يَا رَبَّنَا، هَلْ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِمَّا
أَعْطَيْتَنَا ؟ قَالَ: رِضْوَانِي أَكْبَرُ ". وَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى
شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ.
ذِكْرُ نَظَرِ الرَّبِّ تَعَالَى إِلَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ وَتَسْلِيمِهِ عَلَيْهِمْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ
لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [ الْأَحْزَابِ: 44 ]. وَقَالَ تَعَالَى: سَلَامٌ قَوْلًا
مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [ يس: 58 ]. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ مِنْ " سُنَنِهِ ":
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ الرَّقَاشِيُّ، عَنِ ابْنِ
الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ
إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، فَإِذَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ،
قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا
أَهْلَ الْجَنَّةِ. قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: سَلَامٌ
قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [ يس: 58 ]. قَالَ: فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ
وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ مَا دَامُوا
يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ، وَيَبْقَى نُورُهُ،
وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُطَوَّلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ؟ فَقَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْكُدَيْمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
أَبُو يُوسُفَ السَّلَّالُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ، عَنِ
الْفَضْلِ بْنِ عِيسَى الرَّقَاشِيِّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
بَيْنَمَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مَجْلِسٍ لَهُمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ عَلَى
بَابِ الْجَنَّةِ، فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، فَإِذَا الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ
أَشْرَفَ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، سَلُونِي. قَالُوا: نَسْأَلُكَ
الرِّضَا عَنَّا. قَالَ: رِضَايَ أَحَلَّكُمْ دَارِي، وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي،
هَذَا أَوَانُهَا، فَسَلُونِي. قَالُوا: نَسْأَلُكَ الزِّيَادَةَ. قَالَ:
فَيُؤْتَوْنَ بِنَجَائِبَ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ، أَزِمَّتُهَا زُمُرُّدٌ
أَخْضَرُ، وَيَاقُوتٌ أَحْمَرُ، فَجَاءُوا عَلَيْهَا تَضَعُ حَوَافِرَهَا عِنْدَ
مُنْتَهَى طَرَفِهَا، فَيَأْمُرُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِأَشْجَارٍ عَلَيْهَا
الثِّمَارُ، فَتُتْحِفُهُمْ مِنْ ثِمَارِهَا، فَتَجِيءُ حَوَارٍ مِنَ الْحُورِ
الْعِينِ، وَهُنَّ يَقُلْنَ: نَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ
الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ كِرَامٍ. وَيَأْمُرُ
اللَّهُ بِكُثْبَانٍ مِنْ مِسْكٍ أَذْفَرَ أَبْيَضَ، فَتُثِيرُهُ عَلَيْهِمْ رِيحٌ
يُقَالُ لَهَا: الْمُثِيرَةُ. حَتَّى تَنْتَهِيَ بِهِمْ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ،
وَهِيَ قَصَبَةُ الْجَنَّةِ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا، قَدْ جَاءَ
الْقَوْمُ. فَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِالصَّادِقِينَ، مَرْحَبًا بِالطَّائِعِينَ،
مَرْحَبًا بِالْمُتَّقِينَ. قَالَ: فَيُكْشَفُ لَهُمُ الْحِجَابُ، فَيَنْظُرُونَ
إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَتَمَتَّعُونَ بِنُورِ الرَّحْمَنِ حَتَّى لَا
يُبْصِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجِعُوهُمْ إِلَى قُصُورِهِمْ
بِالتُّحَفِ. فَيَرْجِعُونَ وَقَدْ أَبْصَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ
رَحِيمٍ [ فُصِّلَتْ: 32 ]. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا
الْكِتَابِ، فِي كِتَابِ الرُّؤْيَةِ، مَا يُؤَكِّدُ مَا رُوِيَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى السِّجْزِيِّ،
أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى إِذَا كَشَفَ الْحِجَابَ، وَتَجَلَّى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ
تَدَفَّقَتِ الْأَنْهَارُ، وَاصْطَفَقَتِ الْأَشْجَارُ، وَتَجَاوَبَتِ
الْأَطْيَارُ وَالسُّرُرُ وَالْغُرُفَاتُ وَمَا فِيهَا بِالصَّرِيرِ
وَالتَّعْظِيمِ وَالتَّسْبِيحَاتِ، وَالْأَعْيُنُ الْمُتَدَفِّقَاتُ بِالْخَرِيرِ،
وَاسْتَرْسَلَتِ الرِّيحُ الْمُثِيرَةُ، وَبَثَّتْ فِي الدُّورِ وَالْقُصُورِ
الْمِسْكَ الْأَذْفَرَ، وَالْكَافُورَ، وَغَرَّدَتِ الطُّيُورُ، وَأَشْرَفَتِ
الْحُورُ.
وَالْفَضْلُ بْنُ عِيسَى ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ رَوَى الضِّيَاءُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ
مَرْفُوعًا، مِثْلَهُ.
ذِكْرُ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي مِثْلِ أَيَّامِ
الْجُمَعِ فِي مُجْتَمَعٍ لَهُمْ مُعَدٍّ لِذَلِكَ هُنَالِكَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [
الْقِيَامَةِ: 22، 23 ]. وَقَالَ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [ الْمُطَفِّفِينَ: 15 - 23 ]. وَقَالَ تَعَالَى:
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [ يُونُسَ: 26 ]. فَذَكَرَ عَنِ
الْفُجَّارِ أَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ، وَأَنَّ الْأَبْرَارَ إِلَيْهِ يَنْظُرُونَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ
آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا
إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ
". أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ". وَفَّى حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ: وَأَعْلَاهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي
الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ ".
وَلَهُ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ مَرْفُوعًا عِنْدَ ذِكْرِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ، عَزَّ
وَجَلَّ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، قَالَ: فَإِنِ
اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ ق: 39 ].
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَيَانًا ". فَأَرْشَدَ
هَذَا السِّيَاقُ عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُ، عَزَّ وَجَلَّ، تَقَعُ لِأَهْلِ
الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ، فَكَأَنَّ الْمُبَرَّزِينَ مِنَ
الْمُقَرَّبِينَ الْأَخْيَارِ يَرَوْنَ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي مِثْلِ
طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيًّا، وَهَذَا مَقَامٌ عَالٍ، فَيَرَوْنَهُ
سُبْحَانَهُ وَهُمْ عَلَى أَرَائِكِهِمْ، وَسُرُرِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ
لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَيَرَوْنَهُ أَيْضًا غَيْرَ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي
مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي وَادٍ
أَفْيَحَ - أَيْ مُتَّسِعٍ - مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَيَجْلِسُونَ فِيهِ عَلَى
قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ; فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْلِسُ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، وَمِنْهُمْ
مَنْ يَجْلِسُ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ
الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ تُفَاضُ
عَلَيْهِمُ النِّعَمُ وَالْخِلَعُ، وَتُوضَعُ عَلَى
رُءُوسِهِمُ التِّيجَانُ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمُ الْمَوَائِدُ مِمَّا لَا عَيْنٌ
رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ
يُطَيَّبُونَ بِأَنْوَاعِ الطِّيبِ، وَيُخَصُّونَ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ
وَالتُّحَفِ مِمَّا لَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ،
ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيُخَاطِبُهُمْ
وَاحِدًا وَاحِدًا، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ، كَمَا
سَيَأْتِي إِيرَادُهَا قَرِيبًا عَلَى رَغْمِ أُنُوفِ الْمُعْتَزِلَةِ
وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُنْكِرُ رُؤْيَتَهُ سُبْحَانَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي النِّسَاءِ: هَلْ يَرَيْنَ
اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي الْجَنَّةِ، كَمَا يَرَاهُ الرِّجَالُ ؟ فَقِيلَ: لَا
يَرَوْنَهُ، لِأَنَّهُنَّ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ، لَا يَبْرُزْنَ مِنْهَا.
وَقِيلَ: لِنَقْصِ عُقُولِهِنَّ وَدِينِهِنَّ وَرَغْبَتِهِنَّ فِي الدُّنْيَا.
وَقِيلَ: بَلْ يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ; لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي
الْخِيَامِ وَالْقُصُورِ وَغَيْرِهَا. وَالنِّسَاءُ إِذَا دَخَلْنَ الْجَنَّةَ
ذَهَبَ عَنْهُنَّ مَا كَانَ يَعْتَرِيهِنَّ مِنَ النَّقْصِ فِي الدُّنْيَا،
وَصِرْنَ أَزْوَاجًا مُطَهَّرَةً مِنْ كُلِّ أَذًى وَطِبْنَ أَخْلَاقًا وَخَلْقًا،
فَلَا مَانِعَ لَهُنَّ مِنْ رُؤْيَتِهِنَّ لِرَبِّهِنَّ، عَزَّ وَجَلَّ. وَاللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى
الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [ الْمُطَفِّفِينَ: 22 - 23 ]. وَقَالَ تَعَالَى: هُمْ
وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [ يس: 56 ].
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ
رَبَّكُمْ، عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي
رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ". وَهَذَا عَامٌّ فِي
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّهُنَّ يَرَيْنَ
اللَّهَ فِي مِثْلِ أَوْقَاتِ الْأَعْيَادِ; فَإِنَّهُ تَعَالَى يَتَجَلَّى
لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ أَيَّامِ الْأَعْيَادِ تَجَلِّيًا عَامًّا،
فَيَرَيْنَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَهَذَا
الْقَوْلُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [
يُونُسَ: 26 ]. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
تَفْسِيرُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ;
مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَكَعْبُ بْنُ
عُجْرَةَ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
لَيْلَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ،
وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي
الدَّارِ الْآخِرَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ; مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ
الصَّدِّيقُ - وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ مُطَوَّلًا - وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرَى أَهْلُ الْجَنَّةِ
الرَّبَّ تَعَالَى فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ". وَذَكَرَ تَمَامَ
الْحَدِيثِ، وَفِيهِ: " فَإِذَا كَشَفَ
الْحِجَابَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا نِعْمَةً قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. وَمِنْهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ، وَبُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحُذَيْفَةُ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَسَلْمَانُ
الْفَارِسِيُّ، وَأَبُو سَعِيدٍ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيُّ،
وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ الرُّومِيُّ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو
أُمَامَةَ صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ الْبَاهِلِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ،
وَابْنُ عُمَرَ، وَعُمَارَةُ بْنُ رُوَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو،
وَأَبُو مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ،
وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَأَبُو رَزِينٍ
الْعُقَيْلِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَرَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَائِشَةُ
أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهَا، وَسَيَأْتِي بَقِيَّتُهَا مِمَّا يَلِيقُ
بِهَذَا الْمَقَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ،أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ. فَقَالَ: " إِذَا دَخَلَ
أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا
أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ
يُنْجِزَكُمُوهُ. فَيَقُولُونَ وَمَا هُوَ ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا،
وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّارِ
؟ " قَالَ: " فَيَكْشِفُ لَهُمُ الْحِجَابَ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ
" قَالَ: " فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ
إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَلَا أَقَرَّ
لِأَعْيُنِهِمْ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ،
أَخْبَرَنِي أَبُو تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى
الْأَشْعَرِيَّ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ وَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ
يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَلَكًا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا
أَهْلَ الْجَنَّةِ، هَلْ أَنْجَزَكُمُ اللَّهُ مَا وَعَدَكُمْ ؟ فَيَنْظُرُونَ،
فَيَرَوْنَ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ وَالثِّمَارَ وَالْأَنْهَارَ وَالْأَزْوَاجَ
الْمُطَهَّرَةَ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، قَدْ أَنْجَزَنَا اللَّهُ مَا وَعَدَنَا.
قَالُوا ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيَقُولُ: قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ; إِنَّ اللَّهَ
يَقُولُ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ. أَلَا إِنَّ الْحُسْنَى
الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
هَكَذَا ذَكَرَهُ مَوْقُوفًا.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدِيثَ أَبِي تَمِيمَةَ
الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مُنَادِيَا يُنَادِي أَهْلَ الْجَنَّةِ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ
أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمُ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً،
الْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ
".
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا
الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنَا أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ قَالَ: " الْحُسْنَى الْجَنَّةُ،
وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ ".
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنِ ابْنِ
حُمَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
عَطَاءٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ، عَزَّ
وَجَلَّ ".
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ نُوحِ
بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ:
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ. قَالَ: " لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا الْعَمَلَ فِي الدُّنْيَا الْحُسْنَى، وَهِيَ الْجَنَّةُ،
وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ ". سَلْمٌ
وَشَيْخُهُ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ
فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ " مُسْنَدِهِ ": أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَزْهَرِ
مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ
بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:أَتَى جِبْرِيلُ
بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ فِيهَا وَكْتَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا
هَذِهِ ؟. فَقَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ،
فَالنَّاسُ لَكُمْ فِيهَا تَبَعٌ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَلَكُمُ فِيهَا
خَيْرٌ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا
مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ، إِلَّا
اسْتُجِيبَ لَهُ، وَهُوَ عِنْدَنَا يَوْمُ الْمَزِيدِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جِبْرِيلُ، مَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ؟
" قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْفِرْدَوْسِ وَادِيًا أَفْيَحَ فِيهِ
كُثُبُ مِسْكٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْ
مَلَائِكَتِهِ وَحَوْلَهُ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، عَلَيْهَا مَقَاعِدُ
لِلنَّبِيِّينَ، وَحَفَّ تِلْكَ الْمَنَابِرَ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ
بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ،
فَجَلَسُوا مِنْ وَرَائِهِمْ عَلَى تِلْكَ الْكُثُبِ، فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ
وَجَلَّ: أَنَا رَبُّكُمْ قَدْ صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ. فَيَقُولُونَ:
رَبَّنَا نَسْأَلُكَ رِضْوَانَكَ. فَيَقُولُ: قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ، وَلَكُمْ
عَلَيَّ مَا تَمَنَّيْتُمْ، وَلَدَيَّ مَزِيدٌ. فَهُمْ يُحِبُّونَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ لِمَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ رَبُّهُمْ مِنَ الْخَيْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ
الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ رَبُّكُمْ عَلَى الْعَرْشِ، وَفِيهِ خَلَقَ آدَمَ، وَفِيهِ
تَقُومُ السَّاعَةُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
أَبِي طَيْبَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ
وَفِي يَدِهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءُ فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ
يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ ;
لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ، تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلَ،
وَتَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ قَالَ: " مَا لَنَا فِيهَا
؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ، مَنْ دَعَا رَبَّهُ فِيهَا
بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قِسْمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، أَوْ لَيْسَ لَهُ بِقِسْمٍ
إِلَّا ادَّخَرَ لَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، أَوْ تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ شَرٍّ
هُوَ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ إِلَّا أَعَاذَهُ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ ". قَالَ:
" قُلْتُ: مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ ؟ قَالَ: هِيَ السَّاعَةُ
تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ عِنْدَنَا، وَنَحْنُ
نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ
الْمَزِيدِ. قُلْتُ: وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ؟
قَالَ: إِنْ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ
أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ تَعَالَى مِنْ عِلِّيِّينَ
عَلَى كُرْسِيِّهِ، ثُمَّ حُفَّ الْكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، وَجَاءَ
النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ حُفَّ الْمَنَابِرُ
بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ جَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ حَتَّى
يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ يَجِيءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى
الْكُثُبِ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ، عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَنْظُرُوا
إِلَى وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي،
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، هَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي.
فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا فَيَقُولُ: رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارِي وَأَنَالَكُمْ
كَرَامَتِي، فَسَلُونِي. فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ،
فَيَفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ،
وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النَّاسِ مِنَ
الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَصْعَدُ تَعَالَى عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَيَصْعَدُ مَعَهُ
الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ - أَحْسَبُهُ قَالَ - وَيَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ
إِلَى غُرَفِهِمْ دُرَّةً بَيْضَاءَ لَا قَصْمٌ فِيهَا وَلَا فَصْمٌ، أَوْ
يَاقُوتَةً حَمْرَاءَ، أَوْ زَبَرْجَدَةً خَضْرَاءَ مِنْهَا غُرَفُهَا
وَأَبْوَابُهَا مُطَّرِدَةً فِيهَا أَنْهَارُهَا مُتَدَلِّيَةً فِيهَا ثِمَارُهَا،
فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا، فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ
إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ ; لِيَزْدَادُوا فِيهِ كَرَامَةً، وَيَزْدَادُوا نَظَرًا
إِلَى وَجْهِهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ ".
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ غَيْرَ
عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ أَبِي الْيَقْظَانِ، وَعُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ.
هَكَذَا قَالَ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ
زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ،
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ مِثْلَ هَذَا السِّيَاقِ، أَوْ نَحْوَهُ.
وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ
يُدَلِّسُهُ، لِئَلَّا يُعْلَمَ أَمْرُهُ، وَذَلِكَ لِمَا يَتَوَهَّمُ مِنْ
ضَعْفِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنْ
شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنِ الصَّعِقِ بْنِ حَزْنٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَهَذِهِ طُرُقٌ
جَيِّدَةٌ عَنْ أَنَسٍ، وَهَيَ شَاهِدَةٌ لِرِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ.
وَقَدِ اعْتَنَى بِهَذَا الْحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَأَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ،
قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ جَيِّدٍ، وَهِيَ
شَاهِدَةٌ لِرِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَنَسٍ، رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ
بْنِ كَرَامَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ
السَّلَامِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسٍ،
فَذَكَرَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أَنَسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالَ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ،
وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرٍ وَالْعُصْفُرِيُّ، قَالَا:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُبَارَكِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُطَيَّبٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي
وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ " فَذَكَرَ يَوْمَ الْمَزِيدِ. قَالَ: "
فَيُوحِي اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ أَنْ يَرْفَعُوا
الْحُجُبَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُونَ
مِنْهُ: أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَوْنِي،
وَصَدَّقُوا رُسُلِي وَاتَّبَعُوا أَمْرِي، سَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ.
فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ أَنْ رَضِينَا عَنْكَ، فَارْضَ عَنَّا.
فَيَرْجِعُ فِي قَوْلِهِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنِّي لَوْ لَمْ أَرْضَ
عَنْكُمْ لَمْ أُسْكِنْكُمْ جَنَّتِي، هَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ، فَسَلُونِي.
فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: أَرِنَا وَجْهَكَ يَا رَبِّ نَنْظُرْ
إِلَيْهِ. قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحُجُبَ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ، فَيَغْشَاهُمْ مِنْ
نُورِهِ مَا لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا يَمُوتُوا لَاحْتَرَقُوا، ثُمَّ
يُقَالُ لَهُمُ: ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ. فَيَرْجِعُونَ إِلَى
مَنَازِلِهِمْ وَلَهُمْ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَتَجَلَّى لَهُمْ
فِيهِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ".
ذِكْرُ سُوقِ الْجَنَّةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ،
عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ،عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ
سَعِيدٌ: أَوَفِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ،
فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا،
فَيَزُورُونَ اللَّهَ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَتُوضَعُ لَهُمْ
مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ،
وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ،
وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ - وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ - عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ
وَالْكَافُورِ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ أَفْضَلُ مِنْهُمْ
مَجْلِسًا ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا ؟
قَالَ: " نَعَمْ، هَلْ تَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ
لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟ " قُلْنَا: لَا. قَالَ: " فَكَذَلِكَ لَا
تَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى
فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَحَدٌ إِلَّا حَاضَرَهُ رَبُّهُ مُحَاضَرَةً حَتَّى
يَقُولَ: يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟
فَيُذَكِّرُهُ بَعْضَ غَدَرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: بَلَى، أَفَلَمْ
تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَبِمَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ.
قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ،
فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا مِثْلَ رِيحِهِ قَطُّ
". قَالَ: " ثُمَّ يَقُولُ رَبُّنَا، عَزَّ وَجَلَّ: قُومُوا إِلَى مَا
أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ. قَالَ:
فَيَجِدُونَ سُوقًا قَدْ حَفَّتْ بِهَا الْمَلَائِكَةُ، فِيهِ مَا لَمْ تَنْظُرِ
الْعُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ، وَلَمْ تَسْمَعِ الْآذَانُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى
الْقُلُوبِ ". قَالَ:
فَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ
وَلَا يُشْتَرَى، وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
قَالَ: فَيُقْبِلُ ذُو الْبِزَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ، فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ -
وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ - فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ
وَالْهَيْئَةِ، فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ
أَحْسَنُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا.
قَالَ: ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا، فَتَلْقَانَا أَزْوَاجُنَا،
فَيَقُلْنَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِحِبِّنَا، لَقَدْ جِئْتَ وَإِنَّ بِكَ مِنَ
الْجِمَالِ وَالطِّيبِ أَفْضَلَ مِمَّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ. فَنَقُولُ: إِنَّا
قَدْ جَالَسْنَا رَبَّنَا الْجَبَّارَ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيَحُقُّنَا أَنْ
نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ. وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ،
ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى،
عَنْ هِقْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ سَعِيدَ
بْنَ الْمُسَيَّبِ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ
الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ عَلَيْهِمْ
رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمُ الْمِسْكَ،
فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِهِمْ وَقَدِ
ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدِ
ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا. فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ
لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادٍ، وَعِنْدَهُ: إِنَّ فِي
الْجَنَّةِ لَسُوقًا فِيهَا كُثْبَانُ الْمِسْكِ، فَإِذَا خَرَجُوا إِلَيْهَا
هَبَّتِ الرِّيحُ ". وَذَكَرَ تَمَامَهُ.
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ
وَرَازٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْضُ الْجَنَّةِ بَيْضَاءُ،
عَرْصَتُهَا صُخُورُ الْكَافُورِ، وَقَدْ أَحَاطَ بِهِ الْمِسْكُ مِثْلُ كُثْبَانِ
الرَّمْلِ، فِيهَا أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ، فَيَجْتَمِعُ فِيهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ
فَيَتَعَارَفُونَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى رِيحَ الرَّحْمَةِ، فَتُهَيِّجُ
عَلَيْهِمْ رِيحَ الْمِسْكِ، فَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى زَوْجَتِهِ، وَقَدِ
ازْدَادَ حُسْنًا وَطِيبًا، فَتَقُولُ: لَقَدْ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي وَأَنَا بِكَ
مُعْجَبَةٌ، وَأَنَا الْآنَ بِكَ أَشَدُّ إِعْجَابًا ".
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ
أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ قَائِلًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ
وَهَنَّادٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ
لَسُوقًا مَا فِيهَا شِرَاءٌ وَلَا بَيْعٌ إِلَّا الصُّوَرَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا ".
فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَيُحْمَلُ مَعْنَاهُ
عَلَى أَنَّ الرِّجَالَ إِنَّمَا يَشْتَهُونَ الدُّخُولَ فِي مِثْلِ صُوَرِ
الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ، وَيَكُونُ مُفَسَّرًا بِالْحَدِيثِ
الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ الشَّكْلُ، وَالْهَيْئَةُ، وَالْبَشَرَةُ، وَاللِّبَاسُ،
كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ: "
فَيُقْبِلُ ذُو الْبِزَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ، فَيَلْقَى مَنْ دُونَهُ،
فَيُرَوِّعُهُ مَا عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ، فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ
حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا ".
هَذَا إِنْ كَانَ قَدْ حَفِظَ لَفْظَ الْحَدِيثِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ
يَحْفَظْ، فَإِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
الْحَارِثِ، وَهُوَ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ، وَيُقَالُ: الْكُوفِيُّ. رَوَى
عَنْ أَبِيهِ وَخَالِهِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ،
وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ،
وَهُشَيْمٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَكَذَّبَهُ
فِي رِوَايَتِهِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
فِي أَحَادِيثَ رَفَعَهَا.
وَكَذَلِكَ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو
دَاوُدَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ
خُزَيْمَةَ، وَابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ كَلَامَهُمْ
فِيهِ مُفَصَّلًا فِي " التَّكْمِيلِ ". وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ.
وَمِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا
هَذَا الْحَدِيثُ، فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ جِدًّا، وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ
يَكُونَ سَمِعَ شَيْئًا، وَلَمْ يَفْهَمْهُ جَيِّدًا، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ
نَاقِصَةٍ، وَيَكُونُ أَصْلُ الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ
أَبِي الْعِشْرِينَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ
عَطِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي سُوقِ
الْجَنَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَرِيبٍ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْحَضْرَمِيُّ الْحَافِظُ، الْمَعْرُوفُ بِمُطَيَّنٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:خَرَجَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ
مُجْتَمِعُونَ، فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّ فِي
الْجَنَّةِ لَسُوقًا مَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى إِلَّا الصُّوَرُ، فَمَنْ
أَحَبَّ صُورَةً مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ دَخَلَ فِيهَا ".
جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ رِيحِ الْجَنَّةِ وَطِيبِهِ وَانْتِشَارِهِ
حَتَّى إِنَّهُ يُشَمُّ مِنْ سِنِينَ عَدِيدَةٍ وَمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ
أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ
عَرَّفَهَا لَهُمْ [ مُحَمَّدٍ: 4 - 6 ]. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ طَيَّبَهَا
لَهُمْ، مِنَ الْعَرْفِ; وَهُوَ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ
لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ
خَمْسِينَ عَامًا ".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ: " سَبْعِينَ عَامًا
".
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ
الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَرَادَ فُلَانٌ أَنْ يُدْعَى جُنَادَةَ بْنَ
أَبِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَمْ
يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ قَدْرِ سَبْعِينَ
عَامًا، أَوْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا ". قَالَ: وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ
مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ
حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو
الْفُقَيْمِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا لَمْ
يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ
أَرْبَعِينَ عَامًا ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ،
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ -
يَعْنِي أَبَا إِبْرَاهِيمَ الْمُعَقِّبَ - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، وَهُوَ ابْنُ
مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ،
وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ".
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ، عَنْ
مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيِّ، بِهِ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ خَازِمٍ
الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ
الْفَزَارِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جُنَادَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ
الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ ".
هَذَا لَفْظُهُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ،
حَدَّثَنَا مُعَلَّلُ بْنُ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَوْفٍ
الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا
مُعَاهِدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ
رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ ".
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: "
سَبْعِينَ خَرِيفًا ". وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ: وَفِي الْبَابِ
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: هُوَ عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، يَعْنِي
حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: رِيحُ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ
عَامٍ ".
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: " خَمْسِمِائَةِ
عَامٍ ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ
عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ " صِفَةِ
الْجَنَّةِ "، مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عُلَيْلَةَ - وَهُوَ
ضَعِيفٌ - عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا: رَائِحَةُ الْجَنَّةِ تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ
".
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ:نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مَائِلَاتٌ
مُمِيلَاتٌ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ
رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ، عَنْ مَالِكٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رِيحُ
الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ، وَاللَّهِ لَا يَجِدُهَا عَاقٌّ
وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ ".
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ،أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، مَرَّ
بِأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ، وَاهًا
لِرِيحِ الْجَنَّةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَهَا دُونَ أُحُدٍ. فَقَاتَلَ
يَوْمَئِذٍ حَتَّى قُتِلَ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ كَثْرَةِ الْجِرَاحِ، وَمَا
عَرَفَهُ إِلَّا أُخْتُهُ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ بِبَنَانِهِ، وَوُجِدَ
بِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ.
فَقَدْ وَجَدَ أَنَسٌ رِيحَ الْجَنَّةِ فِي الْأَرْضِ وَهِيَ فَوْقَ
السَّمَاوَاتِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَتْ يَوْمَئِذٍ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ نُورِ الْجَنَّةِ وَبَهَائِهَا وَطِيبِ فِنَائِهَا وَحُسْنِ مَنْظَرِهَا
فِي وَقْتِ صَبَاحِهَا وَمَسَائِهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا
كَبِيرًا [ الْإِنْسَانِ: 20 ]. وَقَالَ تَعَالَى: خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ
مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [ الْفُرْقَانِ: 76 ]. وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ لَكَ
أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى
[ طه: 118، 119 ]. وَقَالَ تَعَالَى: لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا
زَمْهَرِيرًا [ الْإِنْسَانِ: 13 ].
، قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ
بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ الْحَنَفِيُّ، عَنْ خَالِهِ الزُّمَيْلِ
بْنِ سِمَاكٍ، سَمِعَ أَبَاهُ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَبَّاسٍ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ، فَقَالَ: يَا بْنَ عَبَّاسٍ،
مَا أَرْضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: هِيَ مَرْمَرَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ فِضَّةٍ
كَأَنَّهَا مِرْآةٌ. قُلْتُ: مَا نُورُهَا ؟ قَالَ: أَمَا رَأَيْتَ السَّاعَةَ
الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ؟ فَذَلِكَ نُورُهَا، إِلَّا أَنَّهُ
لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا زَمْهَرِيرٌ. وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، كَمَا
تَقَدَّمَ.
وَتَقَدَّمَ فِي سُؤَالِ ابْنِ صَيَّادٍ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ أَنَّهَا
دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ أَذْفَرُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ،
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو الْمِقْدَامِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ
الشَّهِيدِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ
بَيْضَاءَ، وَأَحَبُّ الزِّيِّ إِلَى اللَّهِ الْبَيَاضُ، فَلْيَلْبَسْهُ
أَحْيَاؤُكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهِ مَوْتَاكُمْ ". قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ
بِرِعَاءِ الشَّاءِ فَجُمِعُوا، فَقَالَ: " مَنْ كَانَ ذَا غَنَمٍ سُودٍ
فَلْيَخْلِطْ بِهَا بِيضًا ". فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنِّي اتَّخَذْتُ غَنَمًا سُودًا، فَلَا أَرَاهَا تَنْمُو. فَقَالَ:
" عَفِّرِي ". أَيْ بَيِّضِي، مَعْنَاهُ: اخْلِطِي فِيهَا بِيضًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ
كَثِيرٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ
الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنَا كُرَيْبٌ أَنَّهُ
سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا مُشَمِّرٌ إِلَى الْجَنَّةِ ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا
خَطَرَ لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ
تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ،
وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مُقَامٍ آبِدٍ، فِي دَارٍ
سَلِيمَةٍ، وَفَاكِهَةٌ وَخُضْرَةٌ وَحَبْرَةٌ وَنِعْمَةٌ، فِي مَحَلَّةٍ
عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَعَمْ، نَحْنُ
الْمُشَمِّرُونَ لَهَا. فَقَالَ: " قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". فَقَالَ
الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ لَهُ
طَرِيقًا إِلَّا هَذَا.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرِ، بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ بِهِ،
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُهَاجِرٍ.
وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ،
عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ وَرَازٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " أَرْضُ الْجَنَّةِ بَيْضَاءُ، عَرْصَتُهَا صُخُورُ
الْكَافُورِ، وَقَدْ أَحَاطَ بِهِ الْمِسْكُ مِثْلُ كُثْبَانِ الرَّمْلِ، فِيهَا
أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ، فَيَجْتَمِعُ فِيهَا أَهْلُ
الْجَنَّةِ فَيَتَعَارَفُونَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحَ الرَّحْمَةِ، فَتُهَيِّجُ
عَلَيْهِمْ رِيحَ الْمِسْكِ، فَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى زَوْجَتِهِ وَقَدِ
ازْدَادَ حُسْنًا وَطِيبًا ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ - لَوْ أَنَّ مَا
يُقِلُّ ظُفُرٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ بَدَا لَتَزَخْرَفَ لَهُ مَا بَيْنَ
خَوَافِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ".
ذِكْرُ الْأَمْرِ بِطَلَبِ الْجَنَّةِ وَتَرْغِيبِ اللَّهِ عِبَادَهُ فِيهَا
وَأَمْرِهِمْ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ يُونُسَ: 25 ].
وَقَالَ: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [ آلِ عِمْرَانَ: 133 ].
وَقَالَ: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [ الْحَدِيدِ: 21 ]. وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ [ التَّوْبَةِ: 111 ]. وَقَالَ: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [
الْمُطَفِّفِينَ: 25، 26 ].
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ
جَابِرٍ،أَنَّ مَلَائِكَةً
جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ نَائِمٌ. وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا:
اضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا. فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا،
وَاتَّخَذَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ
دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ
لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ. قَالُوا: فَأَوِّلُوهَا
لَهُ يَعْقِلْهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: الدَّارُ
الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ
اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ
بَيْنَ النَّاسِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَفْظُهُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي
الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي، وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ،
يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا. فَقَالَ: اسْمَعْ
سَمِعَتْ أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ
أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا، ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا، صَنَعَ
مَأْدُبَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ، فَمِنْهُمْ
مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ، فَاللَّهُ هُوَ الْمَلِكُ،
وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ
رَسُولٌ، فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ
دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِمَّا فِيهَا ".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ
سَيِّدًا بَنَى دَارًا، وَاتَّخَذَ مَأْدُبَةً،
وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنَ
الْمَأْدُبَةِ، وَرَضِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ، أَلَا وَإِنَّ السَّيِّدَ اللَّهُ،
وَالدَّارَ الْإِسْلَامُ، وَالْمَأْدُبَةَ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِيَ مُحَمَّدٌ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ
يُونُسَ، هُوَ ابْنُ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا اسْتَجَارَ
عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلَّا قَالَتِ النَّارُ ؟ يَا رَبِّ، إِنَّ
عَبْدَكَ فُلَانًا قَدِ اسْتَجَارَ مِنِّي فَأَجِرْهُ. وَلَا سَأَلَ عَبْدٌ
الْجَنَّةَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلَّا قَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ، إِنَّ عَبْدَكَ
فُلَانًا سَأَلَنِي فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ". إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هَنَّادٍ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ،
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ
أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ. وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،
قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ ".
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ
عَلِيٍّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْثِرُوا
مَسْأَلَةَ اللَّهِ الْجَنَّةَ، وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنَّهُمَا
شَافِعَتَانِ مُشَفَّعَتَانِ ؟ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا
أَكْثَرَ مَسْأَلَةَ الْجَنَّةِ قَالَتِ الْجَنَّةُ:
يَا رَبِّ، عَبْدُكَ هَذَا الَّذِي سَأَلَنِيكَ فَأَسْكِنْهُ إِيَّايَ. وَتَقُولُ
النَّارُ: يَا رَبِّ، عَبْدُكَ هَذَا الَّذِي اسْتَعَاذَ بِكَ مِنِّي فَأَعِذْهُ
مِنِّي ".
وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدَةَ
الْعُصْفُرِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ
اللَّهِ إِلَّا الْجَنَّةُ ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ.
وَفِي " التِّرْمِذِيَّ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ خَافَ
أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ
غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ حَزْنٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اطْلُبُوا الْجَنَّةَ
جُهْدَكُمْ، وَاهْرُبُوا مِنَ النَّارِ جُهْدَكُمْ; فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا
يَنَامُ طَالِبُهَا، وَإِنَّ النَّارَ لَا يَنَامُ هَارِبُهَا، وَإِنَّ الْآخِرَةَ
الْيَوْمَ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ، وَإِنَّ الدُّنْيَا مَحْفُوفَةٌ
بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، فَلَا تُلْهِيَنَّكُمْ عَنِ الْآخِرَةِ ".
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي
إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ شَبِيبٍ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: كَانَ
فِيمَا عَرَضْنَا عَلَى رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
بَحِيرٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ،
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا تَنْسَوُا الْعَظِيمَتَيْنِ
". قُلْنَا: وَمَا الْعَظِيمَتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: "
الْجَنَّةُ وَالنَّارُ ".
وَقَالَ كُلْثُومُ بْنُ عِيَاضٍ الْقُشَيْرِيُّ، عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ أَيَّامَ
هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ: مَنْ آثَرَ اللَّهَ آثَرَهُ اللَّهُ، فَرَحِمَ
اللَّهُ عَبْدًا اسْتَعَانَ بِنِعْمَتِهِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ
بِنِعْمَتِهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ; فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى صَاحِبِ الْجَنَّةِ
سَاعَةٌ إِلَّا وَهُوَ يَزْدَادُ فِيهَا صِنْفًا مِنَ النِّعْمَةِ لَمْ يَكُنْ
يَعْرِفُهُ، وَلَا يَأْتِي عَلَى صَاحِبِ الْعَذَابِ سَاعَةٌ إِلَّا وَهُوَ
يَسْتَنْكِرُ لِشَيْءٍ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ. كَانَ هَذَا
الرَّجُلُ مُتَوَلِّيًا عَلَى دِمَشْقَ أَيَّامَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،
ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى غَزْوِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، فَقُتِلَ هُنَاكَ، رَحِمَهُ
اللَّهُ. أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
ذِكْرُ أَنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، وَهَى الْأَعْمَالُ الشَّاقَّةُ
عَلَى الْأَنْفُسِ مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ وَتَرْكِ
الْمُحَرَّمَاتِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَكْرُوهَاتِ، كَقَوْلِهِ: إِسْبَاغُ
الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
". وَأَنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حُفَّتِ الْجَنَّةُ
بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ". وَهَكَذَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ -
زَادَ مُسْلِمٌ: وَحُمَيْدٌ - كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ، بِهِ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ النَّضْرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حُفَّتِ الْجَنَّةُ
بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ". تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ حَسَنٌ لِمَا لَهُ مِنَ الشَّوَاهِدِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ
أَرْسَلَ جِبْرِيلَ، قَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا، وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ فِيهَا
لِأَهْلِهَا. فَجَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا
فِيهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ
إِلَّا دَخَلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا، فَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، قَالَ: ارْجِعْ
إِلَيْهَا، فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا
". قَالَ: " فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ قَدْ حُجِبَتْ
بِالْمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ
لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ، فَانْظُرْ إِلَيْهَا
وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. فَجَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى
مَا أَعَدَّ
لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا
بَعْضًا، فَرَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ
فَيَدْخُلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَرَجَعَ فَقَالَ:
وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا
". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ دَاوُدَ
بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَكْثَرُ مَا يَلِجُ بِهِ الْإِنْسَانُ
النَّارَ الْأَجْوَفَانِ ; الْفَرْجُ وَالْفَمُ، وَأَكْثَرُ مَا يَلِجُ بِهِ
الْإِنْسَانُ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ ".
فَصْلٌ ( أَنْوَاعُ الْمَسَرَّاتِ وَالنَّعِيمِ فِي جَنَّاتِ الْخُلْدِ )
النَّارُ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، وَدَاخِلُهَا كُلُّهُ مَضَرَّاتٌ وَعُقُوبَاتٌ
وَحَسَرَاتٌ، وَالْجَنَّةُ حُفَّتْ وَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ، وَدَاخِلُهَا
أَنْوَاعُ الْمَسَرَّاتِ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا
خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِنْ أَصْنَافِ اللَّذَّاتِ، كَمَا أَوْرَدْنَاهُ فِي
الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ، وَالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَاتِ.
فَمِنْ نَعِيمِهِمُ الْمُقِيمِ، وَلَذَّتِهِمُ الْمُسْتَمِرَّةِ الطَّرَبُ الَّذِي
لَمْ تَسْمَعِ الْآذَانُ بِمِثْلِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [ الرُّومِ: 15
]. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: هُوَ السَّمَاعُ فِي
الْجَنَّةِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ
فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ، يُرَفِّعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ
يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهَا ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ،
وَأَنَسٍ.
قُلْتُ: وَكَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَابْنِ
عُمَرَ، وَأَبِي أُمَامَةَ.
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي
أُنَيْسَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرًا طُولَ الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ
الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلَاتٌ، يُغَنِّينَ بِأَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا
الْخَلَائِقُ، حَتَّى مَا يَرَوْنَ فِي الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا. قُلْنَا:
يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَا ذَاكَ الْغِنَاءُ ؟ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ
التَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّقْدِيسُ، وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ، عَزَّ
وَجَلَّ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي " صِفَةِ الْجَنَّةِ " مِنْ طَرِيقِ
مَسْلَمَةَ بْنِ عُلَيٍّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً جُذُوعُهَا مِنْ
ذَهَبٍ، وَفُرُوعُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ،
فَتَهُبُّ لَهَا رِيحٌ، فَتَصْطَفِقُ، فَمَا يَسْمَعُ السَّامِعُونَ بِصَوْتِ
شَيْءٍ قَطُّ أَلَذَّ مِنْهُ ".
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا تُحَرِّكُهَا الرِّيَاحُ،
فَتَتَحَرَّكُ بِصَوْتِ كُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا.
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ:
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ آجَامًا مِنْ قَصَبٍ مِنْ ذَهَبٍ،
حَمْلُهَا اللُّؤْلُؤُ، فَإِذَا اشْتَهَى أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنْ يَسْمَعُوا
صَوْتًا حَسَنًا بَعَثَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى تِلْكَ الْآجَامِ رِيحًا،
فَتَأْتِيَهِمْ بِكُلِّ صَوْتٍ يَشْتَهُونَهُ.
حَدِيثُ أَنَسٍ:
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ لَيُغَنِّينَ فِي الْجَنَّةِ يَقُلْنَ: نَحْنُ الْحُورُ
الْحِسَانُ، خُلِقْنَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ ".
حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ:
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ - مِنْ أَصْلِهِ -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ،
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
أَبِي ثَوْرٍ، حَدَّثَنِي سَعْدٌ الطَّائِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
سَابِطٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُزَوَّجُ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
أَرْبَعَةُ آلَافِ بِكْرٍ، وَثَمَانِيَةُ آلَافِ أَيِّمٍ، وَمِائَةُ حَوْرَاءَ،
فَيَجْتَمِعْنَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَيَقُلْنَ بِأَصْوَاتٍ حِسَانٍ لَمْ
تَسْمَعِ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهَا. نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ، وَنَحْنُ
النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتِ فَلَا نَسْخَطُ، وَنَحْنُ
الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ ".
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو رِفَاعَةَ عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ بْنِ
مُوسَى بْنِ الْفُرَاتِ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ
أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا
يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ،
يَنْظُرْنَ بِقُوَّةِ أَعْيَانٍ. وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ
فَلَا نَمُتْنَهْ، نَحْنُ الْآمِنَاتُ فَلَا نَخَفْنَهْ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ
فَلَا نَظْعَنَّهْ ".
حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ:
قَالَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ إِلَّا وَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ ثِنْتَانِ مِنَ
الْحُورِ الْعِينِ يُغَنِّيَانِهِ بِأَحْسَنِ صَوْتٍ سَمِعَهُ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ، وَلَيْسَ بِمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ ".
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ
رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِابْنِ شِهَابٍ: هَلْ فِي الْجَنَّةِ سَمَاعٌ ; فَإِنَّهُ
حُبِّبَ إِلَيَّ السَّمَاعُ ؟ فَقَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ شِهَابٍ
بِيَدِهِ، إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرًا حَمْلُهُ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ،
تَحْتَهُ جَوَارٍ نَاهِدَاتٌ يَتَغَنَّيْنَ بِالْقُرْآنِ، وَيَقُلْنَ: نَحْنُ
النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ. فَإِذَا
سَمِعَ ذَلِكَ الشَّجَرُ صَفَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَأَجَبْنَ " الْجَوَارِيَ
" فَلَا يُدْرَى أَصْوَاتُ الْجَوَارِي أَحْسَنُ أَمْ أَصْوَاتُ الشَّجَرِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
يَزِيدَ: أَنَّ الْحُورَ يُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ، يَقُلْنَ: نَحْنُ
الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ، أَزْوَاجُ شَبَابٍ كِرَامٍ، وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ
فَلَا نَمُوتُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ
فَلَا نَسْخَطُ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ. فِي صَدْرِ إِحْدَاهُنَّ
مَكْتُوبٌ: أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ، انْتَهَتْ نَفْسِي عِنْدَكَ، لَمْ تَرَ
عَيْنَايَ مِثْلَكَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ الْحُورَ الْعِينَ يَتَلَقَّيْنَ أَزْوَاجَهُنَّ عِنْدَ
أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُلْنَ: طَالَمَا انْتَظَرْنَاكُمْ، نَحْنُ
الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ. فَذَكَرَهُ كَمَا
تَقَدَّمَ، وَفِيهِ: وَتَقُولُ: أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ، لَيْسَ دُونَكَ
مَقْصِدٌ، وَلَا وَرَاءَكَ مَعْدِلٌ.
وَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا رَوَاهَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ،
وَفِيهَا نَظَرٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ،
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْحَارِثِيُّ،
قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ آجَامًا مِنْ قَصَبٍ مِنْ ذَهَبٍ،
حَمْلُهَا اللُّؤْلُؤُ، فَإِذَا اشْتَهَى أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنْ يَسْمَعُوا
صَوْتًا حَسَنًا بَعَثَ اللَّهُ عَلَى تِلْكَ الْآجَامِ رِيحًا، فَتَأْتِيهِمْ
بِكُلِّ صَوْتٍ يَشْتَهُونَهُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَهُوَ وَهْمٌ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
نَوْعٌ آخَرُ مِنَ السَّمَاعِ أَعْلَى مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ
ذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَحَجَّاجٍ
الْأَسْوَدِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ،
يَقُولُ لِمَلَائِكَتِهِ: إِنَّ عِبَادِي كَانُوا يُحِبُّونَ الصَّوْتَ الْحَسَنَ
فِي الدُّنْيَا، وَيَدَعُونَهُ مِنْ أَجْلِي، فَأَسْمِعُوا عِبَادِي،
فَيَأْخُذُونَ
بِأَصْوَاتٍ مِنْ تَهْلِيلٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ
لَمْ يَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى
مُنَادٍ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَسْمَاعَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ
عَنْ مَجَالِسِ اللَّهْوِ، وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ، أَسْكِنُوهُمْ رِيَاضَ
الْمِسْكِ. ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: أَسْمِعُوهُمْ تَمْجِيدِي
وَتَحْمِيدِي، وَأَخْبِرُوهُمْ أَنْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي دَهْثَمُ بْنُ الْفَضْلِ
الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحْسَنُ صَوْتًا مِنْ
إِسْرَافِيلَ، فَيَأْمُرُهُ اللَّهُ فَيَأْخُذُ فِي السَّمَاعِ، فَمَا يَبْقَى
مَلَكٌ مُقَرَّبٌ فِي السَّمَاوَاتِ إِلَّا قَطَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ، فَيَمْكُثُ
بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَوْ يَعْلَمُ الْعِبَادُ قَدْرَ عَظَمَتِي مَا عَبَدُوا
غَيْرِي.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ [ ص: 25 ].
قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُمِرَ بِمِنْبَرٍ رَفِيعٍ، فَوُضِعَ فِي
الْجَنَّةِ،
ثُمَّ نُودِيَ: يَا دَاوُدُ، مَجِّدْنِي بِذَلِكَ
الصَّوْتِ الْحَسَنِ الرَّخِيمِ الَّذِي كُنْتَ تُمَجِّدُنِي بِهِ فِي دَارِ
الدُّنْيَا. قَالَ: فَيَسْتَفْرِغُ صَوْتُ دَاوُدَ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ.
نَوْعٌ آخَرُ أَعْلَى مِمَّا عَدَاهُ
وَهُوَ سَمَاعُهُمْ كَلَامَ الرَّبِّ، عَزَّ وَجَلَّ، إِذَا خَاطَبَهُمْ فِي
الْمَجَامِعِ الَّتِي يَجْتَمِعُونَ فِيهَا بَيْنَ يَدَيْهِ سُبْحَانَهُ،
فَيُخَاطِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي
سَلَفَتْ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ إِذَا تَجَلَّى لَهُمْ جَهْرَةً،
فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: سَلَامٌ
قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [ يس: 58 ]. وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي
ذَلِكَ، وَهُوَ فِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ "، وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبِهَانِيُّ، مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ
حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ
يَدْخُلُونَ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى الْجَبَّارِ، جَلَّ جَلَالُهُ، فَيَقْرَأُ
عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، وَقَدْ جَلَسَ كُلُّ امْرِئٍ مَجْلِسَهُ الَّذِي هُوَ
مَجْلِسُهُ عَلَى مَنَابِرِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالذَّهَبِ
وَالزُّمُرُّدِ، فَلَمْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا
قَطُّ أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رِحَالِهِمْ
بِأَعْيُنٍ قَرِيرَةٍ، وَأَعْيُنُهُمْ
إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ مُتَطَلِّعَةٌ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، مِنْ حَدِيثِ شُبَّانَ بْنِ جِسْرِ بْنِ فَرْقَدٍ
السَّبَخِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ
مَرْفُوعًا: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَغْدُونَ فِي حُلَّةٍ، وَيَرُوحُونَ فِي
حُلَّةٍ أُخْرَى كَغُدُوِّ أَحَدِكُمْ وَرَوَاحِهِ إِلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ
الدُّنْيَا، كَذَلِكَ يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ إِلَى رَبِّهِمْ، عَزَّ وَجَلَّ،
وَذَلِكَ لَهُمْ بِمَقَادِيرَ، وَمَعَالِمَ يَعْلَمُونَ تِلْكَ السَّاعَةَ الَّتِي
يَأْتُونَ فِيهَا رَبَّهُمْ، عَزَّ وَجَلَّ.
ذِكْرُ خَيْلِ الْجَنَّةِ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ
بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ رَجُلًا
سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ خَيْلٍ ؟ فَقَالَ: " إِنِ اللَّهُ
أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ فَلَا تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ مِنْ
يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يَطِيرُ بِكَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ ". قَالَ:
وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ إِبِلٍ
؟ قَالَ: فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِصَاحِبِهِ، قَالَ: " إِنْ
يُدْخِلْكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، يَكُنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ،
وَلَذَّتْ عَيْنُكَ ". ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ
الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، مُرْسَلًا، قَالَ ؟ وَهَذَا أَصَحُّ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي " صِفَةِ الْجَنَّةِ " مِنْ طَرِيقِ
عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا سُمُوًّا، وَأَوْسَعُهَا
مَحَلًّا، وَفِيهَا تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَعَلَيْهَا يُوضَعُ
الْعَرْشُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حُبِّبَ إِلَيَّ الْخَيْلُ، فَهَلْ فِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ
؟ قَالَ: " إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْلًا،
وَإِبِلًا هَفَّافَةً، تَزِفُّ بَيْنَ خِلَالِ وَرَقِ الْجَنَّةِ، يَتَزَاوَرُونَ
عَلَيْهَا حَيْثُ شَاءُوا ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ
الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ،
عَنْ أَبِي سَوْرَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ:أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ
الْخَيْلَ، أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِنْ أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ
لَهُ جَنَاحَانِ، فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طَارَ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ ".
ثُمَّ ضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْإِسْنَادَ مِنْ جِهَةِ أَبِي سَوْرَةَ
ابْنِ أَخِي أَبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ،
وَاسْتَنْكَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَهُ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ:
حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يُذْكَرُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّ أَدْنَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي يَرْكَبُ فِي أَلْفِ أَلْفٍ مِنْ خَدَمِهِ مِنَ
الْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ، عَلَى خَيْلٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ، لَهَا
أَجْنِحَةٌ مِنْ ذَهَبٍ " ثُمَّ قَرَأَ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ
نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [ الْإِنْسَانِ: 20 ]. قُلْتُ: فِيهِ انْقِطَاعٌ
بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَبَيْنَ الْحَسَنِ،
ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ
لَيَتَزَاوَرُونَ عَلَى نَجَائِبَ بِيضٍ كَأَنَّهَا الْيَاقُوتُ، وَلَيْسَ فِي
الْجَنَّةِ مِنَ الْبَهَائِمِ إِلَّا الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ ".
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: فِي الْجَنَّةِ
عِتَاقُ الْخَيْلِ وَكِرَامُ النَّجَائِبِ، يَرْكَبُهَا أَهْلُهَا. وَهَذِهِ
الصِّيغَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى حَصْرٍ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي
نُعَيْمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الشَّاةُ مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ
". وَهَذَا مُنْكَرٌ أَيْضًا.
وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزَّارِ " عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَحْسِنُوا إِلَى الْمِعْزَى
وَأَمِيطُوا عَنْهَا الْأَذَى، فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ ".
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ
زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جَاءَتْهُمْ
خُيُولٌ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ، لَهَا أَجْنِحَةٌ، لَا تَبُولُ وَلَا تَرُوثُ،
فَقَعَدُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ طَارَتْ بِهِمْ فِي الْجَنَّةِ إِلَى حَيْثُ شَاءَ
اللَّهُ مِنْ سُلْطَانِهِ، فَيَتَجَلَّى لَهُمُ الْجَبَّارُ تَعَالَى، فَإِذَا
رَأَوْهُ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، فَيَقُولُ لَهُمُ الْجَبَّارُ تَعَالَى:
ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِيَوْمِ عَمَلٍ، إِنَّمَا هُوَ
يَوْمُ نَعِيمٍ وَكَرَامَةٍ. فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ، فَيُمْطِرُ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ طِيبًا، فَيَمُرُّونَ بِكُثْبَانِ الْمِسْكِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ،
عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى تِلْكَ الْكُثْبَانِ رِيحًا، فَتَهِيجُهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى
إِنَّهُمْ لَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ، وَإِنَّهُمْ لَشُعْثٌ غُبْرٌ ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ جِسْرٍ،
حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَاهَا
حُلَلٌ، وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ مِنْ ذَهَبٍ مُسْرَجَةٌ مُلْجَمَةٌ مِنْ دُرٍّ
وَيَاقُوتٍ، لَا تَرُوثُ، وَلَا تَبُولُ، لَهَا أَجْنِحَةٌ، خَطْوُهَا مَدُّ
بَصَرِهَا، فَيَرْكَبُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَتَطِيرُ بِهِمْ حَيْثُ شَاءُوا،
فَيَقُولُ الَّذِينَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ دَرَجَةً: يَا رَبِّ، بِمَ بَلَغَ
عِبَادُكَ هَذِهِ الْكَرَامَةَ كُلَّهَا ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: كَانُوا يُصَلُّونَ
اللَّيْلَ وَكُنْتُمْ تَنَامُونَ، وَكَانُوا يَصُومُونَ وَكُنْتُمْ تَأْكُلُونَ،
وَكَانُوا يُنْفِقُونَ وَكُنْتُمْ تَبْخَلُونَ، وَكَانُوا يُقَاتِلُونَ وَكُنْتُمْ
تَجْبُنُونَ ".
ذِكْرُ تَزَاوُرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَتَذَاكُرِهِمْ أُمُورًا
كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ طَاعَاتٍ وَزَلَّاتٍ
قَالَ تَعَالَى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا
إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا
وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ
الْبَرُّ الرَّحِيمُ [ الطَّوْرِ: 25 - 28 ].
وَقَالَ تَعَالَى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ
قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ
الْمُصَدِّقِينَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ
الزَّقُّومِ [ الصَّافَّاتِ: 50 - 62 ].
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ
بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيَشْتَاقُ
الْإِخْوَانُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَيَسِيرُ سَرِيرُ هَذَا إِلَى سَرِيرِ
هَذَا، حَتَّى يَجْتَمِعَا جَمِيعًا، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعْلَمُ
مَتَى غَفَرَ اللَّهُ لَنَا ؟ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ: كُنَّا فِي مَوْضِعِ كَذَا
وَكَذَا، فَدَعَوْنَا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَغَفَرَ لَنَا ".
وَقَالَ تَعَالَى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ
قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ
الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا الْآيَاتِ إِلَى
قَوْلِهِ: فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [ الصَّافَّاتِ: 50 - 61 ]. وَهَذَا
الْقَرِينُ يَشْمَلُ الْإِنْسِيَّ وَالْجِنِّيَّ، يَقُولُ: كَانَ يُوَسْوِسُ لِي
بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَاسْتِبْعَادِ أَمْرِ الْمَعَادِ، فَبِرَحْمَةِ
اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ نَجَوْتُ مِنْهُ. ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّلِعُوا
مَعَهُ عَلَى النَّارِ، لِيَنْظُرَ مَا حَالُ قَرِينِهِ، فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي
سَوَاءِ الْجَحِيمِ. أَيْ: فِي غَمَرَاتِهَا يُعَذَّبُ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى
عَلَى نَجَاتِهِ مِمَّا قَرِينُهُ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ.
ثُمَّ قَالَ: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ. أَيْ: مَعَكَ فِيمَا أَنْتَ
فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْغِبْطَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَشَكَرَ
اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا
الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ. أَيْ: أَمَا قَدْ نَجَوْنَا مِنَ
الْمَوْتِ وَالْعَذَابِ بِدُخُولِنَا الْجَنَّةَ ؟ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ مَقَالَةِ الْمُؤْمِنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، حَثًّا لِعِبَادِهِ عَلَى مِثْلِ
هَذَا الْفَوْزِ، وَلِيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ فِي الْفَوْزِ عِنْدَهُ مِنَ
النَّارِ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ، لَا مَوْتَ فِيهَا. وَلِهَذَا نَظَائِرُ
كَثِيرَةٌ، قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي " التَّفْسِيرِ ".
وَذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ " فِي كِتَابِ
الْإِيمَانِ حَدِيثَ حَارِثَةَ حِينَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ ؟ " فَقَالَ:
أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا. قَالَ: " فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ ؟ "
قَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ
نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَإِلَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يُعَذَّبُونَ فِيهَا.
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ
".
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ:
بَلَغَنَا أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَزُورُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ، وَلَا يَزُورُ
الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى.
قُلْتُ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَاحِبَ
الْمَرْتَبَةِ السَّافِلَةِ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهَا; لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ
أَهْلِيَّةٌ لِذَلِكَ.
الثَّانِي: لِئَلَّا يَرَى مِنَ النَّعِيمِ فَوْقَ مَا هُوَ فِيهِ، فَيَحْزَنَ
لِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ حُزْنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ وَرَدَ مَا قَالَهُ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ، وَفِيهِ
زِيَادَةٌ عَلَى مَا قَالَ ; فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ
بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ
شَرِيكٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
قَالَ:سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَتَزَاوَرُ
أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: " يَزُورُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ، وَلَا يَزُورُ
الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى إِلَّا الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ، عَزَّ
وَجَلَّ، فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ مِنْهَا حَيْثُ شَاءُوا عَلَى النُّوقِ
مُحْتَقِبِينَ الْحَشَايَا ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ
بْنِ بَشِيرٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ مِنْ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
أَنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْمَطَايَا وَالنُّجُبِ، وَأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ
فِي الْجَنَّةِ