مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

السبت، 31 يوليو 2021

ج1./1.جرْء1 شرح عِلَلِ التِّرْمِذِيِّ لابي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي


 

 
ج1./1.جرْء1    شرح عِلَلِ التِّرْمِذِيِّ  لابي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
736
هـ ـ 795هـ
رحمه الله تعالى
الجزء الأول
كتاب العلل
*
فضل ابتناء جامع الترمذي على عمل العلماء بالحديث (1) *
قال أبو عيسى رحمه الله :
(
جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به ،وقد أخذ به بعض أهل العلم ، ما خلا حديثين :
حديث ابن عباس : (( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سقم )) .
وحديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : (( إذا شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه )) .
وقد بينا علة الحديثين جميعاً في هذا الكتاب ) .
كأن مراد الترمذي رحمه الله تعالى أحاديث الأحكام ، وقد سبق الكلام على هذين الحديثين اللذين أشار إليهما ههنا في موضعهما من الكتاب ، وذكرنا مسالك العلماء فيهما من النسخ وغيره ، وذكرنا أيضاً عن بعضهم بكل واحد منهما .
وقوله : (( قد بينا علة الحديثين جميعاً في الكتاب )) ، فإنما بين ما قد يستدل به للنسخ ، لا أنه بين ضعف إسنادهما .
وقد روى الترمذي في كتاب الحج حديث جابر في التلبية عن النساء ، ثم ذكر الإجماع أنه لا يلبي عن النساء ، فهذا ينبغي أن يكون حديثاً ثالثاً مما لا يؤخذ به عند الترمذي .
*
فصل في سرد أحاديث اتفق العلماء على عدم العمل بها *
وقد وردت أحاديث أخر قد أدعى بعضهم أنه لم يعمل بها أيضاً . وقد ذكرنا علبها في هذا الكتاب ، فمنها ما خرجه الترمذي ، وأكثرها لم يخرجه :
فمنها حديث : (( من غسل ميتاً فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ )) .
وقد قال الخطابي : (( لا أعلم أحداً من العلماء قال بوجوب ذلك )) . ولكن القائل باستجابة يحمله على الندب ، وذلك عمل به .
ومنها حديث : (( أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ ثلاثاً وقال : (( من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم )) . وقد ذكر مسلم الإجماع على خلافه ,
ومنها حديث : التيمم إلى المناكب والآباط .
ومنها حديث : التيمم إلى نصف الذراعين .
ومنها حديث : الأكل إلى الصيام بعد الفجر .
قال الجوزجاني : (( هو حديث قد أعيى العلماء معرفته )) .
ومنها حديث أنس : في أكل البرد للصائم .
ومنها حديث ابن أم مكتوم وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرخص له في ترك الجماعة )) مع ذكره من ضرره وعدم قائد ، والسيول .
وقد ذكر بعضهم أنه لا يعلم أحداً أخذ بذلك .
ومنها : أحاديث (( النهي عن كري الأرض )) ، وهي أحاديث صحيحة ثابتة .
ومنها : أحاديث (( المسح على الخفين )) ذكره الطحاوي وغيره .
ومنها حديث أن (( في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه )) .
ومنها : حديث توريث المولى من أسفل , وقد ذكرنا الكلام عليه .
ومنها : حديث الرضاع : (( أنه لا يحرم إلا عشر رضعات )) .
ومنها : حديث جمع الطلاق الثلاث .
ومنها : حديث أسماء بنت عميس في إحداد المتوفى عنها ثلاث أيام .
ومنها : حديث سلمة بن المحبق فيمن وقع على جارية امرأته .
ومنها : حديث الذي تزوج امرأة فوجدها حبلى ، فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لها المهر ، وقال : (( الولد عبد )) . لكن قال الخطابي : (( لا أعلم أحداً قال باسترقاق ولد الزنا ) .
ومنها أحاديث متعددة في الحج :
مثل حديث : النهي عن التمتع .
وحديث : أن المعتمر إذا مسح الركن حل .
وحديث : (( إن الوقوف بعرفة لا يفوت إلا بطلوع الشمس يوم النحر )) .
وحديث : (( إن التحلل الأول برمي الجمرة مشروط [أ-3] بطواف الإفاضة في بقية يوم النحر . وقد حكى عن عروة القول به .
وحديث : الاضطباع في السعي بين الصفا والمروة .
*
فصل في أحاديث ادعي ترك العمل بها *
وليس كذلك
وقد ادعى بعضهم ترك العمل بأحاديث أخر ، وهو خطأ ظاهر ، ، كدعوى ابن قتيبة الإجماع على ترك العمل بأحاديث المسح على العمامة .
ودعوى بعضهم الإجماع على ترك العمل بأحاديث فسخ الحج إلى العمرة .
ودعوى بعضهم الإجماع على ترك العمل بحديث : (( إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع )) .
قال ابن المنذر : (( ما علمت أحداً قال بظاهره غير الشعبي )) .
وكحديث ابن عباس في دية المكاتب . قال الخطابي : (( لم يذهب إليه أحد سوى النخعي ، وقد روى في ذلك شئ عن علي )) .
وذكر الطحاوي الإجماع على ترك العمل بحديث : (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان ))
وعلى ترك العمل بحديث (( تحريق متاع الغال )) إلا عن مكحول .
والطحاوي من أكثر الناس دعوى لترك العمل بأحاديث كثيرة .
وعامة هذه الأحاديث قد ذكرناها في مواضعها من هذا الكتاب مع بسط الكلام عليها ، فمن أراد الوقوف عليها فليتبعها من مظانها من الكتاب .
وقد ذكر للثوري ما روي عن عمر قال : (( من لم يدرك الصلاة بجمع مع الإمام فلا حج له )) . فقال الثوري : (( قد جاءت أحاديث لا يؤخذ بها )) .
وسنذكر هذا المعنى مستوفي عند الكلام على الحديث الغريب إن شاء الله تعالى .
*
فصل في مصادر الترمذي بأقوال العلماء *
في الفقه وعلل الحديث
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله :
(
وما ذكرنا في هذا الكتاب من اختيار الفقهاء :
فما كان فيه من قول سفيان الثوري فأكثره ما حدثنا به محمد بن عثمان الكوفي ثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان الثوري . ومنه ما حدثني أبو الفضل مكتوم بن العباس الترمذي ثنا محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان .
وما كان من قول مالك بن أنس ما حدثني به إسحاق بن موسى الأنصاري ثنا معن بن عيسى القزاز عن مالك بن أنس .
وما كان فيه من أبواب الصوم فأخبرنا به أبو مصعب المدني عن مالك بن أنس . وبعض كلام مالك ما أنا به موسى بن حزام أنا عبد الله ابن مسلمة القعنبي عن مالك بن أنس .
وما كان فيه من قول ابن المبارك فهو ما حدثنا به أحمد بن عبدة الآملي عن أصحاب ابن المبارك . ومنه ما روي عن أبي وهب محمد بن مزاحم عن ابن المبارك ومنه ما روي عن علي بن الحسن بن شقيق عن عبد الله ومنه ما روي عن عبدان عن سفيان عن عبد الملك عن ابن المبارك ، ومنه ما روي عن حبان بن موسى عن عبد الله بن المبارك .
وله رجال مسمون سوى من ذكرنا عن عبد الله بن المبارك .
وما كان فيه من قول الشافعي فأكثره ما أخبرني بن الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي .
وما كان من الوضوء والصلاة فثنا به أبو الوليد المكي عن الشافعي ، ومنا ما ثنا به أبو إسماعيل الترمذي ثنا يوسف بن يحيى القرشي البويطي عن الشافعي ، وذكر منه أشياء عن الربيع عن الشافعي ، وقد أجاز لنا الربيع ذلك وكتب به إلينا .
وما كان فيه من قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فهو ما أنا به إسحاق بن منصور الكوسج عن أحمد وإسحاق ، إلا ما في أبواب الحج والديات والحدود فإني لم أسمعه من إسحاق بن منصور ، وأخبرني به محمد بن موسى الأصم عن إسحاق بن منصور عن أحمد وإسحاق . وبعض كلام إسحاق بن إبراهيم أنا به محمد بن أفلح عن إسحاق ، وقد بينا هذا على وجهه في الكتاب الذي فيه الموقوف
وما كان فيه من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ فهو ما استخرجته من كتاب (( التاريخ )) ، وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد بن إسماعيل ، ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن وأبا زرعة وأكثر ذلك عن محمد ، وأقل شئ فيه عن عبد الله وأبي زرعة .
ولم أر أحداً بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبير أحدٍ أعلم من محمد بن إسماعيل رحمه الله ) .
اعلم أن أبا عيسى رحمه الله ذكر في هذا الكتاب مذاهب كثير من فقهاء أهل الحديث المشهورين ، كسفيان وابن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق ، وذكر فيه كثيراً من العلل والتواريخ والتراجم ولم يذكر أسانيد أكثر ذلك ، فذكر ههنا مجملة وإن كان لم يحصل بها الوقوف على حقيقة أسانيد ذلك ، حيث ذكر أن بعضه عن فلان وبعضه عن فلان ، ولم يبين ذلك البعض ولم يميزه .
وقد ذكر أنه بين ذلك على وجهه في كتابه الذي فيه الموقوف ، وكانه رحمه الله له كتاب مصنف أكبر من هذا فيه الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة مذكورة كلها بالأسانيد ، وهذا الكتاب وضعه للأحاديث المرفوعة ، وإنما يذكر فيه قليلاً من الموقوفات .
وأما التواريخ والعلل والأسماء ونحو ذلك فقد ذكر أن أكثر كلامه فيه استخرجه من كتاب تاريخ البخاري ، وهو كتاب جليل لم يسبق مثله رحمه الله ورضي الله عنه ، وهو جامع لذلك كله ،
ثم لما وقف عليه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان رحمهما الله صنفا على منواله كتابين :
أحدهما : كتاب (( الجرح والتعديل )) وفيه ذكر الأسماء فقط ، وزاد على ما ذكره البخاري أشياء من الجرح والتعديل ، وفي كتابهما من ذلك شئ كثير لم يذكره البخاري .
والثاني : كتاب (( العلل )) أفردا فيه الكلام في العلل .
وقد ذكر الترمذي رحمه الله أنه لم ير بخراسان ولا بالعراق في معنى هذه العلوم كبير أحد أعلم بها من البخاري ، مع أنه رأى أبا زرعة وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وذاكرهما ، ولكن أكثر علمه في ذلك مستفاد من البخاري ، وكلامه كالصريح في تفضيل البخاري في هذا العلم على أبي زرعة والدارمي وغيرهما .
وقد صنف في هذا العلم كتب كثيرة غير مرتبة كترتيب كتاب البخاري وأبي حاتم وأبي زرعة ، منها ما هو منقول عن يحيى بن سعيد القطان ، ومنها عن علي بن المديني وابن معين ، ومنها عن أحمد ابن حنبل رحمه الله . وقد رتب أبو بكر الخلال العلل المنقولة عن أحمد على أبواب الفقه وأفردها ، فجاءت عدة مجلدات .
وقد ذكرنا فيما تقدم في كتاب العلم شرف علم العلل وعزته ، وأن أهله المتحقيقين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ وأهل الحديث .
وقد قال أبو عبد الله بن منده الحافظ : (( إنما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفراً يسيراً من كثير ممن يدعي علم الحديث ، فأما سائر الناس ممن يدعي كثرة كتابة الحديث ، أو متفقه في علم الشافعي وأبي حنيفة ، أو متبع لكلام الحارث المحاسبي والجنيد وذي النون وأهل الخواطر فليس لهم أن يتكلموا في شئ من علم الحديث إلا من أخذه عن أهله وأهل المعرفة به فحينئذ يتكلم بمعرفته )) انتهى .
*
سبب بيان الترمذي مذاهب الفقهاء وعلل الأحاديث *
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله:
(
وإنما حملنا على ما بينا في هذا الكتاب من قول الفقهاء وعلل الحديث ، لأنا سُئلنا عن ذلك فلم نفعله زماناً ، ثم فعلناه لما رجونا فيه من منفعة الناس ، لأنا وجدنا غير واحد من الأئمة تكلفوا من التصنيف ما لم يسبقوا إليه .
فمنهم : هشام بن حسان ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وسعيد بن عروبة ، ومالك بن أنس ، وحماد بن سلمة ، وعبد الله ابن المبارك ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ووكيع بن الجراح ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وغيرهم من أهل العلم والفضل ، صنفوا فجعل الله تبارك وتعالى في ذلك منفعة كثيرة فنرجو لهم بذلك الثواب الجزيل من عند الله تعالى لما نفع الله المسلمين به ، فهم القدوة فيما صنفوا ) .
*
فصل هام في تدوين الحديث *
اعلم أن العلم المتلقى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أقواله وأفعاله كان الصحابة رضي الله عنهم في زمن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم يتداولونه بينهم حفظاً له ورواية ، ومنهم من كان يكتب كما تقدم في كتاب العلم عن عبد الله بن عمرو ابن العاصي رضي الله عنه .
ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان بعض الصحابة يرخص في كتابة العلم عنه ، وبعضهم لا يرخص في ذلك ، ودرج التابعون أيضاً على مثل هذا الاختلاف . وقد ذكرنا كراهة الحديث والرخصة فيه مستوفى في كتاب العلم من هذا الكتاب .
والذي كان يكتب في زمن الصحابة والتابعين لم يكن تصنيفاً مرتباً مبوباً ، إنما كان يكتب للحفظ والمراجعة فقط ، ثم إنه في عصر تابعي التابعين صنفت التصانيف ، وجمع طائفة من أهل العلم كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وبعضهم جمع كلام الصحابة ، قال عبد الرزاق : (( أول من صنف الكتب ابن جريج ، وصنف الأوزاعي حين قدم على يحيى بن أبي كثير كتبه )) خرجه ابن عدي وغيره .
وانقسم الذين صنفوا الكتب أقساماً :
منهم من صنف كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو كلامه وكلام الصحابة على الأبواب ، كما فعل مالك وابن المبارك وحماد بن سلمة وابن أبي ليلى ووكيع وعبد الرزاق ومن سلك سبيلهم في ذلك . ومنهم من جمع الحديث على مسانيد الصحابة كما فعله أحمد وإسحاق وعبد بن حميد ، والدارمي ، ومن سلك مسلكهم في ذلك .
قال ابن أبي خيثمة : (( ثنا الزبير بن بكار أخبرني محمد بن الحسن عن مالك بن أنس قال : (( أول من دوّن العلم ابن شهاب )) ، يعني الزهري ، ومحمد بن الحسن كأنه ابن زبالة لا يعتمد عليه . وقال ابن خراش : (( يقال : إن أول من صنف الكتب سعيد بن أبي عروبة )) .
وقال يعقوب بن شيبة : (( يقولون : إن أول من صنف الكتب بالكوفة يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وبالبصرة حماد بن سلمة )) .
وقال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : (( أول من صنف الكتب من هو ؟ قال : (( ابن جريج ، وابن أبي عروبة ، يعني ونحو هؤلاء )) . وقال ابن جريج : (( ما صنف أحد العلم تصنيفي )) قال : وسمعت أبي يقول : (( قدم ابن جريج على أبي جعفر ، يعني المنصور فقال له : (( إني قد جمعت حديث جدك عبد الله بن عباس ، وما جمعه أحد جمعي )) ، أو نحو ذا ، فلم يعطه شيئاً .
وقال أبو محمد الرامهرمزي : (( أول من صنف وبوب فيما أعلم الربيع بن صبيح بالبصرة ، ثم سعيد بن أبي عروبة بها ، وخالد بن جميل الذي يقال له العبد ، ومعمر باليمن ، وابن جريج بمكة ، ثم سفيان الثوري بالكوفة ، وحماد بن سلمة بالبصرة ، وصنف ابن عيينة بمكة ، والوليد بن مسلم بالشام ، وجرير بن عبد الحميد بالري ، وابن المبارك بمرو وخراسان ، وهشيم بواسط ، وصنف في هذا العصر بالكوفة ابن أبي زائدة ، وابن فضيل ، ووكيع ، ثم صنف عبد الرزاق باليمن ، وأبو قرة موسى بن طارق )) .
*
أول من صنف المسند *
قال ابن عدي : (( يقال : إن أول من صنف المسند بالكوفة يحيى الحِمَّاني ، وأول من صنف المسند بالبصر مسدد ، وأول من صنف المسند بمصر أسد السنة ، وأسد قبلهما وأقدم موتاً )) . وقال الحازمي : (( إسحاق ابن إدريس الأسواري يقال إنه أول من جمع المسند بالبصرة ، ويقال : أول من صنف المسند موسى بن قرة الزبيدي )) .
وقال الحاكم : (( أول من صنف المسند على تراجم الرجال في الإسلام عبيد الله بن موسى العبسي ، وأبو داود الطيالسي ، وبعدهما أحمد وإسحاق ، وأبو خيثمة والقواريري )) .
وذكر الحاكم في تاريخ نيسابور أن أبا جعفر ، عبد الله بن محمد المسندي شيخ البخاري إنما قيل له المسندي لأنه أول من جمع مسند الصحابة عن التراجم ، بما وراء النهر .
والذي صنفوا :
منهم من أفراد الصحيح كالبخاري ومسلم ومن بعدهما ، كابن خزيمة وابن حبان ، ولكن كتابهما لا يبلغ مبلغ كتاب الشيخين .
ومنهم من لم يشترط الصحة ، وجمع الصحيح ، وما قاربه وما فيه بعض لين وضعف ، وأكثرهم لم يثبتوا ذلك ولم يتكلموا على التصحيح والتضعيف .
وأول من علمناه بين ذلك أبو عيسى الترمذي رحمه الله ، وقد بين في كلامه هذا أنه لم يسبق إلى ذلك ، واعتذر بأن هؤلاء الأئمة الذين سماهم صنفوا ما لم يسبقوا إليه ، فإذا زيد في التصنيف بيان العلل ونحوها كان فيه تأس بهم في تصنيف ما لم يسبق إليه .
وقد صنف ابن المديني ويعقوب بن شيبة مسانيد معللة . وأما الأبواب المعللة فلا نعلم أحداً سبق الترمذي إليها ، وزاد الترمذي أيضاً ذكر كلام الفقهاء ، وهذا كان قد سبق إليه مالك في الموطأ وسفيان في الجامع . وكان أحمد يكره ذلك وينكره رضي الله عنه ، حتى أنه أمر بتجريد أحاديث الموطأ وأثاره عما فيه من الرأي الذي يذكره مالك من عنده ، وكره أحمد أيضاً أن يكتب مع الحديث كلام يفسره ويشرحه .
وكان ينكر على من صنف في الفقه كأبي عبيد وأبي ثور وغيرهما ، ورخص في غريب الحديث الذي صنفه أبو عبيد أولاً ، ثم لما بسطه أبو عبيد وطوله كرهه أحمد ، وقال : (( هو يشغل عما هو أهم منه )) . ولكن عند بعد العهد بكلام السلف وطول المدة وانتشار كلام المتأخرين في معاني الحديث والفقه انتشاراً كثيراً بما يخالف كلام السلف الأول ، فتعين ضبط كلام السلف من الأئمة وجمعه وكتابته والرجوع إليه ، ليتميز بذلك ما هو مأثور عنهم بما أحدث بعدهم مما هو مخالف لهم ، وكان ابن مهدي يندم على أن لا يكون كتب عقب كل حديث من حديثه تفسيره .
وكذا الكلام في العلل والتواريخ قد دونه أئمة الحفاظ ، وقد هجر في هذا الزمان ودس حفظه وفهمه ، فلولا التصانيف المتقدمة فيه لما عرف هذا العلم اليوم بالكلية ، ففي التصنيف فيه ونقل الكلام الأئمة المتقدمين مصلحة عظيمة جداً .
وقد كان السلف الصالح مع سعة حفظهم وكثرة الحفظ في زمانهم يأمرون بالكتابة للحفظ ، فكيف بزماننا هذا الذي هجرت فيه علوم سلف الأمة وأئمتها ، ولم يبق منها إلا ما كان مدوناً في الكتب ، لتشاغل أهل الزمان بمدارسة الأراء المتأخرة وحفظها .
قال أبو قلابة : (( الكتابة أحب إلىّ من النسيان )) .
وقال ابن المبارك : (( لولا الكتابة لما حفظنا )) .
وقال الخلال : (( أخبرني الميموني أنه قال لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل : قد كره قوم كتاب الحديث بالتأويل ؟ قال : (( إذا يخطئون إذا تركوا كتاب الحديث )) ، وقال : حدثونا قوم من حفظهم وقوم من كتبهم ، فكان الذي حدثونا من كتبهم أتقن )) .
وقال إسحاق بن منصور : (( قلت لأحمد : من كره كتاب العلم ؟ قال : كرهه قوم ورخص فيه قوم . قلت : لو لم يكتب ذهب العلم . قال أحمد : ولولا كتابته أي شئ كنا نحن ؟! )) .
*
فصل في الجرح والتعديل والتفتيش عن الأسانيد *
وأن الإسناد من الدين
قال أبو عيسى رحمه الله :
(
وقد عاب بعض من لا يفهم على أصحاب الحديث الكلام في الرجال ، وقد وجدنا غير واحد من الأئمة من التابعين قد تكلموا في الرجال :
منهم : الحسن البصري وطاوس ، قد تكلما في معبد الجهني ، وتكلم سعيد بن جبير في طلق بن حبيب ، وتكلم إبراهيم النخعي وعامر الشعبي في الحارث الأعور .
وهكذا روي عن أيوب السختياني ، وعبد الله بن عون ، وسليمان التيمي ، وشعبة بن الحجاج ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، والأوزاعي ، وعبد الله بن المبارك ، ويحي بن سعيد القطان ، ووكيع بن الجراح ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وغيرهم من أهل العلم أنهم تكلموا في الرجال وضعفوا فما حملهم على ذلك عندناوالله أعلم – إلا النصيحة للمسلمين ، لا نظن أنهم أروادو الطعن على الناس أو الغيبة ، إنما أرادوا عندنا أن يبينوا ضعف هؤلاء لكي يعرفوا ، لأن بعضهم من الذين ضعفوا كتاب صاحب بدعة ، وبعضهم كان متهماً في الحديث ، وبعضهم كانوا أصحاب غفلة وكثرة خطأ ، فأراد هؤلاء الأئمة أن يبينوا أحوالهم شفقة على الدين وتبييناً ، لأن الشهادة في الدين أحق أن يثبت فيها من الشهادة في الحقوق والأموال ) .
مقصود الترمذي رحمه الله أن يبين أن الكلام في الجرح والتعديل جائز قد أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها ، لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من السنن مما لا يجوز قبوله .
وقد ظن بعض من لا علم عنده أن ذلك من باب الغيبة ، وليس كذلك ، فإن ذكر عيب الرجل إذا كان فيه مصلحة ولو كانت خاصة كالقدح في شهادة شاهد الزور جائز بغير نزاع ، فما كان فيه مصلحة عامة للمسلمين أولى .
وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن بهز بن أسد قال : (( لو أن لرجل على رجل دراهم ثم جحده أخذها منه إلا بشاهدين عدلين ، فدين الله أحق أن يؤخذ فيه بالعدول )) .
وكذلك يجوز ذكر العيب إذا كان فيه مصلحة خاصة ، كمن يستشير في نكاح أو معاملة ، وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت قيس : (( أما معاوية فصعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه )) . وكذلك استشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليًا وأسامة في فراق أهله ، لما قال أهل الإفك ما قالوا .
ولهذا كان شعبة يقول : (( تعالوا حتى نغتاب في الله ساعة )) . يعني نذكر الجرح والتعديل .
وذكر ابن المبارك رجلاً فقال : (( يكذب )) ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن (( تغتاب ! )) ، قال : (( اسكت ، إذ لم تبين كيف يعرف الحق من الباطل )) .
وكذا روي عن ابن عُلية أنه قال في الجرح : (( إن هذا أمانة ليس بغيبة )) .
وقال أبو زرعة الدمشقي (( سمعت أبا مسهر يسأل عن الرجل يغلط ويهم ويصحف ؟ فقال : بين أمره . فقلت لأبي مسهر : أترى ذلك غيبة ؟ قال : لا )) .
وروى أحمد بن مروان المالكي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي ، فجعل أبي يقول : (( فلان ضعيف وفلان ثقة )) ، قال أبو أيوب : (( يا شيخ لا تغتب العلماء )) قال : فالتفت أبي إليه قال : (( ويحك ! هذا نصيحة ، ليس هذا غيبة )) .
وقال محمد بن بندار السباك الجرجاني : قلت لأحمد بن حنبل : إنه ليشتد علي أن أقول : فلان ضعيف فلان كذاب ؟ قال أحمد : (( إذا سكتَّ أنت وسكتُّ أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم )) .
وقال إسماعيل الخطبي : ثنا عبد الله بن أحمد قلت لأبي : (( ما يقول في أصحاب الحديث يأتون الشيخ لعله أن يكون مرجئاً أو شيعياً أو فيه شئ من خلاف السنة ، أيسعني أن اسكت عنه أم أحذر عنه ؟ فقال أبي : (( إن كان يدعو إلى بدعة وهو إمام فيها ويدعو إليها ، قال : نعم تحذر عنه )) .
وقد خرج ذلك كله أبو بكر الخطيب في كتابه الكفاية ، وغيره من أئمة الحفاظ ، وكلام السلف في هذا يطول ذكره جداً .
وذكر الخلال عن الحسن بن علي الاسكافي قال : سألت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل عن معنى الغيبة ؟ قال : (( إذا لم ترد عيب الرجل )) ، قلت : (( فالرجل يقول : (( فلان لم يسمع وفلان يخطئ ؟ )) قال : (( لو ترك الناس هذا لم يعرف الصحيح من غيره )) .
وخرّج البيهقي من طريق الحسن بن الربيع قال : قال ابن المبارك : (( المعلى بن هلال هو ، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب )) فقال له بعض الصوفية : (( يا أبا عبد الرحمن تغتاب ، قال : اسكت إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل ؟! ، أو نحو هذا .
وما ذكره الترمذي رحمه الله من تكلم الحسن في معبد فقد روى مرحوم بن عبد العزيز عن أبيه وعمه سمعا الحسن يقول : (( إياكم ومعبد الجهني فإنه ضال مضل )) . ورواه أيضاً حماد بن زيد عن أبي طلحة عن غيلان بن جرير سمعت الحسن يقول : (( لا تجالسوا معبداً ، فإنه ضال مضل )) ، وروى نعيم بن حماد عن ابن المبارك نا رباح بن زيد الصنعاني عن جعفر بن محمد بن عباد عن طاوس أنه قال لمعبد الجهني : (( أنت الذي تفتري على الله عزو جل ؟ فقال معبد : (( كذب عليّ )) .
وأما تكلم سعيد بن جبير في طلق : فمن طريق حماد بن زيد عن أيوب قال : رآني سعيد بن جبير مع طلق بن حبيب فقال : (( ألم أرك مع طلق ! لا تجالسه )) ، وكان طلق رجلاً صالحاً لكنه كان يرمي بالارجاء .
وأما تكلم الشعبي والنخعي في الحارث الأعور : فقد ذكره مسلم في مقدمة كتابه من طريق زائدة عن منصور والمغيرة عن إبراهيم (( أن الحارث اتهم )) . ومن طريق مغيرة عن الشعبي قال : (( حدثني الحارث الأعور وكان كذاباً)) .
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله :
(
أنا محمد بن إسماعيل نا محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثني أبي قال : سألت سفيان الثوري ، وشعبة ، ومالك بن أنس ، وسفيان بن عيينة ، عن الرجل يكون في تهمة أو ضعف أسكت أو أبين ؟ قالوا : بيّن ) .
هذا الأثر خرّجه البخاري في أول كتابه الضعفاء ، كما خرجه الترمذي ههنا عنه ، وخرجه مسلم في مقدمة كتابه عن عمرو بن علي الفلاس عن يحيى بن سعيد قال : (( سألت الثوري وشعبة ومالكا وابن عيينة عن الرجل لا يكون شيئاً في الحديث فيأتيني الرجل فيسألني عنه ؟ قالوا : أخبر عنه أنه ليس بثبت )) .
ورواه أبو بكر النجاد نا جعفر بن محمد الصائغ نا عفان بن يحيى ابن سعيد قال : سألت شعبة وسفيان ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ ؟ قالوا : (( بين أمره للناس )) . ورواه الإمام أحمد عن عفان أيضاً بنحوه .
وقال يعقوب بن شيبة ثنا موسى بن منصور حدثني أبو سلمة الخزاعي قال : سمعت حماد بن سلمة ومالك بن أنس وشريك بن عبد الله يقولون في الرجل يحدث : (( تخبر بأمره )) . يعنون ضعف من قوته ، وصدقه من كذبه . قال وقال شريك : (( كيف نعرف الضعيف من القوي إذا لم نخبر به )) .
قال الترمذي رحمه الله :
(
حدثنا محمد بن رافع النيسابوري ثنا محمد بن يحيى قال : قيل لأبي بكر بن عياش : (( إن ناساً يجلسون ويجلس إليهم الناس ولا يستأهلون ؟ )) قال : فقال أبو بكر : (( كل من جلسَ جلسَ الناس إليه ، وصاحب السنة إذا مات أحيى الله ذكره ، والمبتدع لا يذكر ) .
قال ابن أبي الدنيا : نا أبو صالح المروزي سمعت رافع بن أشرس قال كان يقال : (( من عقوبة الكذاب أن لا يقبل صدقه . وأنا أقول : (( من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه )) .
* * *
*
بدء التفتيش عن الأسانيد *
قال رحمه الله :
(
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق أنا النضر بن عبد الله الأصم أنا إسماعيل بن زكريا عن عاصم عن ابن سيرين قال : (( كان في الزمان الأول لا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد ، لكي يأخذوا حديث أهل السنة ، ويدعوا حديث أهل البدع ) .
هذا الأثر خرّجه مسلم في مقدمة كتابه عن محمد بن الصباح البزار عن إسماعيل بن زكريا به ولفظه : (( قال : لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلأى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم )) .
وخرّجه أبو بكر الخطيب من طريق أحمد بن سيار ثنا النضر ابن عبد الله المديني من مدينة الداخلة أبو عبد الله الأصم ثنا إسماعيل ابن زكريا فذكره . وخرّجه أيضاً من طريق محمد بن حميد الرازي عن جرير عن عاصم عن ابن سيرين بنحوه .
وابن سيرين رضي الله عنه هو أول من انتقد الرجال وميز الثقات من غيرهم ، وقد روي عنه من غير وجه أنه قال : (( إن هذا العلم دين فأنظروا عمن تأخذون دينكم )) وفي رواية عنه أنه قال : (( إن هذا الحديث دين فلينظر الرجل عمن يأخذ دينه )) .
قال يعقوب بن شيبة : قلت ليحيى بن معين : تعرف أحداً من التابعين كان ينتقي الرجال كما كان ابن سيرين ينتقيهم ؟ فقال برأسه ، أي : لا .
قال يعقوب (( وسمعت علي بن المديني يقول : (( كان ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد لا نعلم أحداً أول منه ،محمد بن سيرين ، ثم كان أيوب ، وابن عون ، ثم كان شعبة ، ثم كان يحيى بن سعيد وعبد الرحمن . قلت لعلي : فمالك بن أنس ؟ فقال أخبرني سفيان بن عيينة قال : (( ما كان أشد انتقاء مالك الرجال )) .
وروى الإمام أحمد عن جابر بن نوح عن الأعمش عن إبراهيم قال : (( إنما سئل عن الإسناد أيام المختار )) .
وسبب هذا أنه كثر الكذب على عليّ في تلك الأيام ، كما روى شريك عن أبي إٍسحاق سمعت خزيمة بن نصر العبسي أيام المختار وهم يقولون ما يقولون من الكذب وكان من أصحاب علي قال : (( ما لهم قاتلهم الله ، أي عصابة شانوا وأي حديث أفسدوا ! )) .
وروى يونس عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر العبسي قال : (( قاتل الله المختار أي شيعة أفسد وأي حديث شان )) . خرجه الجوزجاني وقال : (( كان المختار يعطي الرجال الألف دينار والألفين على أن يروي له في تقوية أمره حديثاً )).
*
مسألة في رواية المبتدع *
وهذه المسألة قد اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً ، وهي الرواية عن أهل الأهواء والبدع فمنعت طائفة من الرواية عنهم كما ذكره ابن سيرين ، وحكي نحوه عن مالك وابن عيينة والحميدي ويونس بن أبي إسحاق وعلي بن حرب وغيرهم ، وروى أبو إسحاق الفزاري عن زائدة عن هشام عن الحسن قال : (( لا تسمعوا من أهل الأهواء )) خرجه ابن أبي حاتم .
ورخصت طائفة في الرواية عنهم إذا لم يتهموا بالكذب . منهم أو حنيفة والشافعي ويحيى بن سعيد وعلي بن المديني : (( لو تركت أهل البصرة للقدر وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب )) .
وفرقت طائفة أخرى بين الداعية وغيره ، فمنعوا الرواية عن الداعية في البدعة دون غيره ، منهم ابن المبارك وابن مهدي وأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين ، وروى أيضاً عن مالك .
والمانعون من الرواية لهم مأخذان :
أحدهما : تكفير أهل الأهواء أو تفسقيهم ، وفيه خلاف مشهور .
والثاني : الإهانة لهم والهجران والعقوبة بترك الرواية عنه ، وإن لم نحكم بكفرهم أو فسقهم .
ولهم مأخذ ثالث : وهو أن الهوى والبدعة لا يؤمن معه الكذب ، ولا سيما إذا كانت الرواية مما تعضد هوى الرواي .
وروى أبو عبد الرحمن المقرئ عن ابن ليهعة أنه سمع رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته وجعل يقول : (( انظرا هذا الحديث عمن تأخذونه ، فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلناه حديثاً )) . ورواه المعافى عن ابن ليهعة عن أبي الأسود حدثني المنذر بن الجهم ، فذكره بمعناه .
وقال علي بن حرب : (( من قدر أن لا يكتب الحديث إلا عن صاحب سنة ، فإنهم يكذبون ، كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي )) .
وعلى هذا المأخذ فقد يستثني من اشتهر بالصدق والعلم ، كما قال أبو داود : (( ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج . ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج )) .
وأما الرافضة فبالعكس ، قال يزيد بن هارون : (( لا يكتب عن الرافضة فإنهم يكذبون )) خرجه ابن أبي حاتم .
ومنهم من فرق بين من يغلو في هواه ومن لا يغلو ، كما ترك ابن خزيمة حديث عباد بن يعقوب لغلوه ، وسئل ابن الأخرم : لمَ ترك البخاري حديث ابن الطفيل ؟ قال : (( لأنه كان يفرط في التشيع )) . وقريب من هذا قول من فرق بين البدع المغلظة كالتجهم والرفض والخارجية والقدر ، والبدع المخففة ذات الشبه كالإرجاء .
قال أحمد في رواية أبي داود : (( احتملوا من المرجنة الحديث ، ويكتب عن القدري إذا لم يكن داعية )) . وقال المروزي : (( كان أبو عبد الله يحدث عن المرجئ إذا لم يكن داعياً . ولم نقف على نص في الجهمي أنه يروى عنه إذا لم يكن داعياً ، بل كلامه فيه عام أنه لا يروى عنه)) .
فيخرج من هذا أن البدع الغليظة يُردُ بها الرواية مطلقاً ، والمتوسطة كالقدر إنما يرد رواية الداعي إليها ، والخفيفة كالإرجاء هل يقبل معها الراوية مطلقاً ، أو يرد عن الداعية ، على روايتين .
*
الإسناد في الدين *
قال رحمه الله :
(
حدثنا محمد بن علي بن الحسن قال : سمعت عبدان يقول : قال عبد الله بن المبارك : (( الإسناد عندي من الدين ، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، فإذا قيل له من حدثك ؟ بقي )) .
حدثنا محمد بن علي أنا حبان بن موسى قال ذكر لعبد الله حديث ، فقال : (( يحتاج لهذا أركان من آجر )) .
قال أبو عيسى : يعني أن ضعف إسناده ) .
أما قول عبد الله بن المبارك (( الإسناد من الدين )) فخرجه مسلم في مقدمة كتابه عن محمد بن عبدالله بن قهزاد المروزي عن عبدان عنه إلى قوله (( ما شاء )) ، وخرجه بتمامه ابن حبان في أول كتابه من طريق الحسين بن الفرج عن عبدان . وأما قوله الثاني ...
وذكر مسلم أيضاً : قال محمد بن عبد الله حدثني العباس ابن رزمة قال سمعت عبد الله يعني ابن المبارك يقول : (( بيننا وبن القوم القوائم )) يعني الإسناد .
قال وقال محمد : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني يقول قلت لعبد الله بن المبارك : يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء (( إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك ؟ فقال عبد الله : يا أبا إسحاق عمن هذا ؟ قلت له : هذا من حديث شهاب بن خراش . قال ثقة ، عمن ؟ قلت : عن الحجاج بن دينار ، قال : ثقة ، عمن ؟ قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( يا أبا إسحاق ، إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي ، ولكن ليس في الصدقة اختلاف )) .
وخرج ابن حبان وغيره من طريق الحسين بن الفرج عن عبد الصمد بن حبان سمعت الثوري يقول : (( الإسناد سلاح المؤمن ، إذا لم يكن معه سلاح فبأي شئ يقاتل ؟ )) .
وخرج أبو عمر بن عبد البر في أول التمهيد من طريق محمد بن خيرون ثنا محمد بن الحسين البغدادي قال سمعت أحمد بن حنبل يقول سمعت يحيى ابن سعيد يقول : (( الإسناد من الدين )) . قال يحيى وسمعت شعبة يقول : (( إنما تعلم صحة الحديث بصحة الإسناد )) . وفي هذا الإسناد نظر . وخرج أيضاً بإسناده عن الأوزاعي قال : (( ما ذهاب العلم إلاذهاب الإسناد )) .
وبإسناده عن ابن عون قال : (( كان الحسن يحدثنا بأحاديث لو كان يسندها كان أحب إلينا )) .
وخرج البيهقي من طريق علي بن حجر قال ابن المبارك : (( لولا الإسناد لذهب الدين )) ولقال امرؤ ما شاء أن يقول ، ولكن إذا قلت عمن ؟ بقي ! )) .
قال وسمعت ابن المبارك يقول : (( إن الله حفظ الأسانيد على أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم )) . ومن طريق الشافعي قاق قال سفيان بن عيينة : (( حدّث الزهري يوماً بحديث فقلت : هاته بلا إسناد ، فقال الزهري : أترقى السطح بلا سلّم )) .
وخرّج أبو بكر الخطيب من طريق مالك بن إسماعيل النهدي سمعت ابن المبارك يقول : (( طلب الإسناد المتصل من الدين )) . ومن طريق هلال بن العلاء عن أبيه سمع ابن عيينة وقال له أخوه : حدّثهم بغير إسناد ، فقال سفيان : (( انظروا إلى هذا يأمرني أن أصعد فوق البيت بغير درجة ! )) .
ومن طريق إبراهيم بن معدان قال قال ابن المبارك : (( مثل الذي يطلب دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلّم )) . من طريق ابن المديني قال أبو سعيد الحداد : (( الإسناد مثل الدرج ، مثل المراقي ، فإذا زلت رجلك عن المرقاة سقطت )) .
وروى الفضل بن موسى قال قال بقية : ذكرات حماد بن زيد أحاديث ، فقال : ما أجود أحاديثك لو كان لها أجنحة )) ، يعني الأسانيد .
وقال علي بن المديني : (( قال يحيى قال هشام بن عروة إذا حدثك رجل بحديث فقل : عمن هو وممن سمعته ، فإن الرجل يحدث عن آخر دونه . قال يحيى ، فعجبت من فطنته )) .
وقد روى عن ابن سيرين معنى ذلك ، خرج مسلم في مقدمة كتابه من طريق هشام عن ابن سيرين قال : إن هذا العلم دين ، فأنظروا عمن تأخذون دينكم ؟ )) .
وخرّجه العقيلي في مقدمة كتابه من طريق ابن عون عن ابن سيرين وزاد قال : (( وذكر عند محمد حديث عن أبي قلابة فقال : إنا لا نتهم أبي قلابة ، ولكن عمن أخذه أبو قلابة ؟ )) .
وفي رواية له أيضاً عن ابن عون قال : ذكر أيوب لمحمد حديثاً عن أبي قلابة ، قال فقال : (( أبو قلابة إن شاء الله رجل صالح ، ولكن عمن ذكره أبو قلابة ؟ )) .
ومن طريق أيوب عن ابن سيرين أنه كان إذا حدثه الرجل الحديث ينكره لم يُقبل عليه ذاك الإقبال ، ثم يقول : (( إني لا أتهمك ولا أتهم ذاك ،ولكن لا أدري من بينكم )) .
ومن طريق عبيد الله بن عمر قال قال محمد بن سيرين : (( إن الرجل ليحدثني بالحديث لا أتهمه ولكن أتهم من حدثه ، وإن الرجل ليحدثني بالحديث عن الرجل فما أتهم الرجل ، ولكن أتهم من حدثني )) .
وذكر أيضاً من طريق أن التيمي حدّث عن ابن سيرين بشئ ، فبلغ ابن سيرين فكذبه ، فقال التيمي : حدثنيه مؤذن لنا عن ابن سيرين )) . وخرجه غيره ، وعنده أن المؤذن سئل فقال : (( حدثني رجل عن ابن سيرين )) .
وروى الشافعي أنا عمي محمد بن علي عن هشام بن عروة عن أبيه قال : (( إني أسمع الحديث استحسنه ، فما يمنعني من ذكره إلا كراهة أن يسمعه سامع فيقتدي به ، أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به ، وأسمعه من الرجل أثق به فيحدثه عمن لا أثق به )) .
وقد روى عن زيد بن أسلم أنه قال : (( إن هذا العلم دين فانظروا ممن تأخذون دينكم )) . خرجه ابن حبان ، وخرجه أيضاً من كلام الحسن ، وأنس بن سيرين ، والضحاك بن مزاحم ، والنخعي . وخرجه أيضاً بإسناد لا يصح عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما .
وخرجه ابن عدي من وجوه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولا يصح منها شئ .
وروى أبو نعيم من طريق إسحاق بن بشر الرازي قال قال ابن المبارك : (( ليس جودة الحديث في قرب الإسناد ، ولكن جودة الحديث في صحة الرجال )) .
وخرّج الحاكم في المدخل بإسناده عن ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق في قوله تعالى [ أو أثارة من علم ] قال : إسناد الحديث .
*
كلام الأئمة في الرجال *
قال الترمذي رحمه الله :
(
حدثنا أحمد بن عبده نا وهب بن زمعة عن عبد الله بن المبارك : أنه ترك حديث الحسن بن عمارة ، والحسن بن دينار ، وإبراهيم بن محمد الأسلمي ، ومقاتل بن سليمان ، وعثمان البري ، وروح بن مسافر وأبي شيبة الواسطي ، وعمرو بن ثابت ، وأيوب بن خوط ، وأيوب بن سويد ، ونصر بن طريف أبي جزي ، والحكم ، وحبيب بن حجر ، والحكم روى له حديثاً في كتاب الرقائق ثم تركه ، وحبيب لا أدري .
قال أحمد بن عبده وسمعت عبدان يقول : كان عبد الله بن المبارك قرأ أحاديث بكر بن خنيس ، فكان آخراً إذا أتى عليها أعرض عنها ولم يذكرها .
حدثنا أحمد ثنا أبو وهب قال سموا لعبد الله بن المبارك رجلاً يتهم في الحديث ، فقال : (( لأن أقطع الطريق أحب إلىّ من أن أحدث عنه )) ) .
قال الإمام أحمد : ثنا حسن بن عيسى قال : (( ترك ابن المبارك الحسن بن دينار ، وعمرو بن ثابت ، وأيوب بن خوط ، ومحمد بن سالم ، وعبيدة والسري بن إسماعيل )) ، يعني أنه ترك الحديث عنهم .
وذكر حرب الكرماني في كتابه قال : (( بلغني أن ابن المبارك ترك حديث عباد بن كثير ، والحسن بن دينار ، والحسن بن عمارة ، وروح بن مسافر ، وابن سمعان ، وعمرو بن ثابت )) .
وقال ابن المبارك : (( ما يسوي حديث عباد بن كثير عندي كفا من تراب )) .
وهؤلاء الذين سماهم الترمذي في روايته مشهورون بالضعف ، وقد سبق ذكرهم مفرقاً في الكتاب في مواضع متعددة .
وإبراهيم بن محمد الأسلمي : هو ابن أبي يحيى المدني .
وعثمان البري : هو بصري ضعيف معتزلي أحاديثه مناكير ، قال أحمد : (( حديث منكر ، وكان رأيه رأي سوء )) .
وأبو شيبة الواسطي : هو إبراهيم بن عثمان ، جدُ بني أبي شيبة .
وعمرو بن ثابت : هو ابن أبي المقدام الكوفي .
وأيوب بن سويد : هو الرملي .
وأما الحكم : فالظاهر أنه عبد الله بن سعد الأيلي ، وقد حكى البخاري وابن حبان وغيرهما هن ابن المبارك أنه كان يحمل عليه .
وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أن ابن المبارك كان تركه ، وكذا ذكر ابن عدي في ترجمة الحكم الأيلي ( عن الحسين بن يوسف نا أبو عيسى الترمذي نا أحمد بن عبده نا وهب بن زمعة عن عبد الله بن المبارك ) أنه ترك حديث الحكم .
وأما حبيب بن حجر فهو حُبَيِّب بن حجر بالتشديد ، تصغير حبيب ، كذا قاله يزيد بن هارون وموسى بن إسماعيل ، ورويا عنه ، وكناه يزيد أبا حجر ، وكناه موسى أبا يحيى ، وهو قيسي بصري ، وقال ابن المبارك : هو حبيَّب أو حبيب ، شك في ضبطه وهو يروي عن ثابت البناني والأزرق بن قيس .
وقد ذكرنا له حديثاً في كتاب الأدب ، في باب السلام على الصبيان ، وروى عنه أيضاً وكيع ويونس وروح وابن المبارك ، وكناه روح أبا حجر أيضاً ، وذكره ابن حبان في ثقاته .
وقال يحيى بن معين : (( ليس به بأس )) .
وقد ذكر ابن عدي أن ابن المبارك إنما ترك حُبيِّب بن حبيب أخا حمزة الزيات ، فأنه ذكره في كتابه ثم قال : (( نا حسين بن يوسف البندار ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا أحمد بن عبدة الآملي نا وهب بن زمعة عن ابن المبارك أنه ترك حُبيّب بن حبيب ، وذكر عن ابن معين أنه قال : (( لا أعرفه )) وعن عثمان بن أبي شيبة أنه روى عنه وقال : ((كان ثقة )) وقد وثقه ابن معين في رواية أخرى عنه ، ويعقوب بن شيبة ، وقال : (( ليس ممن يعتمد على تثبته )) ، وقال أبو زرعة : (( واهي الحديث )) .
وقد تكلم ابن المبارك في غير هؤلاء ، فذكر مسلم في مقدمة كتابه عن إسحاق بن رواهويه قال قا ل: سمعت بعض أصحاب عبد الله . قال : قال ابن المبارك : (( نعم الرجل بقية لولا أنه يكنى الأسامي ، ويسمى الكنى ، قال : كان دهراً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاطي فنظرنا فإذا هو عبد القدوس )) .
قال مسلم ونا أحمد بن يوسف الأزدي سمعت عبد الرزاق يقول : (( ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلا لعبد القدوس فإني سمعته يقول له : (( كذاب )) .
قال : وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ قال سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول : سمعت ابن المبارك يقول : (( لو خيرت بين أن أدخل الجنة ، وبين أن ألقى عبد الله بن محرر لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة ، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلىّ منه )) .
قال : وسمعت الحسن بن عيسى يقول : قال لي ابن المبارك : (( إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كلة ، إلا حديث ثلاثة : لا تكتب حديث عبيدة بن معتب ، والسري بن إسماعيل ، ومحمد بن سالم )) . قال : وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ أخبرني علي بن حسين بن واقد قال قال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان الثوري : إن عباد بن كثير من تعرف حاله ، فإذا حدث جاء بأمر عظيم ، فترى أن أقول للناس : لا تأخذوا عنه ؟ قال سفيان : بلى . قال عبد الله فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد . أثنيت عليه في دينه ، وأقول : (( لا تأخذوا عنه )) .
قال الترمذي رحمه الله :
(
أخبرني موسى بن حزام نا يزيد بن هارون قال : (( لا يحل لأحد أن يروي عن سليمان بن عمرو النخعي الكوفي ) .
سليمان هذا هو أبو داود النخعي وهو مشهور بالكذب ووضع الحديث . وقال أحمد : (( كان كذاباً ، سئل شريك عنه فقال : ذاك كذاب النخع )) .
وقال قتيبة : (( هو معروف باالكذب )) . ونسبه إلى ( الوضع ) أحمد وإسحاق ويحيى وغيرهم . قال ابن عدي : (( اجمعوا علي أنه يضع الحديث )) .
* * *
قال الترمذي رحمه الله :
(
حدثنا محمود بن غيلان ثنا أبو يحيى الحمَّاني سمعت أبا حنيفة يقول : (( ما رأيت أحداً أكذب من جابر الجعفي ، ولا أفضل من عطاء بن أبي رباح )) .
سمعت الجارود يقول سمعت وكيعاً يقول : (( لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة بغير حديث ، ولولا حماد لكان أهل الكوفة بغير فقه )) .
هذا يوجد في بعض النسخ ولا يوجد في بعض .
وجابر الجعفي قد سبق ذكره مستوفي في أبواب الأذان وما ذكره وكيع غلو غير مقبول ، فأين أبو إسحاق ، والأعمش ، ومنصور وغيرهم من أهل الثقة والصدق والأمانة ، وأين إبراهيم وغيره من أهل الفقه والعلم ؟! وإسقاط هذا من الكتاب أولى ، مع أن الترمذي قد ذكره في غير هذا الموضع من كتابه أيضاً .
* * *
*
رواية الضعفاء والرواية عنهم *
قال [ أبو عيسى ] رحمه الله :
(
سمعت أحمد بن الحسن يقول : كنا عند أحمد بن حنبل فذكروا من تجب عليه الجمعة ، فذكر فيه عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ، فقلت : (( فيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديث )) . فقال : عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ! ؟ قلت : نعم ، حدثنا حجاج بن نصير أنا المعارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( الجمعة على من أواه الليل إلى أهله )) ، قال فغضب أحمد وقال : (( استغفر ربك ، استغفر ربك )) ، مرتين .
قال أبو عيسى : وإنما فعل أحمد هذا لأنه لم يصدق هذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لضعف إسناده [ و ] لأنه لا يعرفه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . والحجاج بن نصير يضعف في الحديث ، وعبد الله بن سعيد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان جداً في الحديث .
فكل من روى عنه حديث ممن يتهم و يضعف لغفلته أو لكثرة خطئه ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه فلا يحتج به ) .
هذه الحكاية عن أحمد بن الحسن عن أحمد بن حنبل قد ذكرها الترمذي أيضاً في كتابه الجمعة ، وسبق ذكر هذا الحديث هناك وبيان ضعفه ، وفيه ثلاثة من الضعفاء : حجاج بن نصير ، الفساطيطي ، ومعارك بن عباد ، وعبد الله بن سعيد المقبري وهو أبو عباد ، وقد سبق ذكره وذكر حجاج أيضاً ومعارك في الكتاب في غير موضع ، وكان الثوري يروي عن أبي عباد هذا ويقول : (( استبان لي كذبه في مجلس )) . وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه ، وقال يحيى ابن معين : (( لا يكتب حديثه )) . وقال البخاري : (( تركوه )) .
وأما ما ذكره الترمذي أن الحديث إذا انفرد به من هو متهم بالكذب ، أو [ من ] هو ضعيف في الحديث لغفلته وكثرة خطئه ولم يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه فإنه لا يحتج به : فمراده أنه لا يحتج به في الأحكام الشرعية ، والأمور العلمية ، وإن كان قد يروي حديث بعض هؤلاء في الرقائق والترغيب والترهيب ، فقد رخص كثير من الأئمة في رواية الأحاديث الرقاق ونحوها عن الضعفاء . منهم ابن مهدي وأحمد بن حنبل .
وقال رواد بن الجراح سمعت سفيان الثوري يقول : (( لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ .
[
و ] قال ابن أبي حاتم ثنا أبي عبدة قال : قيل لابن المبارك – وروى عن رجل حديثاً – فقيل : هذا رجل ضعيف ! فقال : يحتمل أن يروي عنه هذا القدر أو مثل هذه الأشياء .
قلت لعبدة : مثل أي شئ كان ؟ قال : في أدب في موعظة في زهد .
وقال ابن معين في موسى بن عيينة يكتب من حديثه الرقاق )) .
وقال ابن عيينة : (( لا تسمعوا من بقية ما كان في سنة ، واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره )) .
وقال أحمد في ابن إسحاق : (( يكتب عنه المغازي وشبهها )) .
وقال ابن معين في زيادٍ البكائي : (( لا بأس في المغازي ، وأما في غيرها فلا )) .
وإنما يروي في الترغيب والترهيب والزهد والآداب أحاديث أهل الغفلة الذين لا يتهمون بالكذب ، فأما أهل التهمة فيطرح حديثهم ، كذا قال ابن أبي حاتم وغيره .
وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا تروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام .
قال الترمذي رحمه الله :
(
وقد روى غير واحد من الأئمة عن الضعفاء وبينوا أحوالهم للناس :
حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن المنذر الباهلي بن عبيد قال : قال لنا سفيان الثوري : (( التقوا الكلبي ، قال : فقيل له : فإنك تروي عنه ؟ قال : أنا أعرف صدقه من كذبه )) .
وأخبرني محمد بن إسماعيل حدثني يحيى بن معين ثنا عفان عن أبي عوانة قال : (( لما مات الحسن البصري رحمه اله اشتهيت كلامه ، فتتبعته عن أصحاب الحسن ، فأتيت به أبان بن أبي عياش ، فقرأه عليّ كله عن الحسن ، فما أستحل أن أروي عنه شيئاً )) .
قال أبو عيسى : وقد روي عن أبان بن أبي عياش غير واحد من الأئمة ، وإن كان فيه من الضعف والغفلة ما وصفه أبو عوانة وغيره ، فلا تغتروا برواية الثقات عن الناس ، لأنه يروي عن ابن سيرين أنه قال : إن الرجل ليحدثني فماأتهمه ، ولكن أتهم من فوقه )) .
وقد روي غير واحد عن إبراهيم النخعي أن عبد الله بن مسعود كان يقنت في وتره قبل الركوع ، وروي أبان ابن أبي عياش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقنت في وتره قبل الركوع ، هكذا روى سفيان الثوري عن أبان بن أبي عياش ، وروى بعضهم عن أبان بن أبي عياش بهذا الإسناد نحو هذا وزاد فيه : قال عبد الله ابن مسعود : (( وأخبرتني أمي أنها باتت عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقنت في وتره قبل الركوع )) .
قال أبو عيسى : وأبان بن أبي عياش – وإن كان قد وصف بالعبادة والاجتهاد – فهذه حاله في الحديث ، والقوم كانوا أصحاب حفظ ، فرب رجل – وإن كان صالحاً – لا يقيم الشهادة ولا يحفظها .
فكل من كان متهماً في لحديث بالكذب ، أو كان مغفلاً يخطئ الكثير فالذي اختاره أهل الحديث من الأئمة أن لا يشتغل بالرواية عنه ، ألا ترى أن عبد الله بن المبارك حدث عن قوم من أهل العلم ، فلما تبين له أمرهم ترك الرواية عنهم .
أخبرني موسى بن حزام سمعت صالح بن عبد الله يقول : (( كنا عند أبي مقاتل السمرقندي ، فجعل يوري عن عون بن أبي شداد الأحاديث الطوال التي كان - يروي في وصية لقمان ، وقتل سعيد ابن جبير وما أشبه هذه الأحاديث . فقال ابن أخ لأبي مقاتل (( يا عم لا تقل حدثنا فإنك لم تسمع هذه الأشياء )) . قال : (( يا بني هو كلام حسن )) .
وسمعت الجارود يقول : كنا عند أبي معاوية ، فذكر له حديث أبي مقاتل عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان قال : سئل علي عن كور الزنانير قال : (( لا بأس به ، هو بمنزلة صيد البحر )) فقال أبو معاوية : ما أقول : إن صاحبكم كذاب ، ولكن هذا الحديث كذب ) .
ما ذكره الترمذي رحمه الله يتضمن مسائل من علم الحديث
إحداها : إن رواية الثقة عن رجل لا تدل على توثيقه
فإن كثيراً من الثقات رووا عن الضعفاء ، كسفيان الثوري وشعبة وغيرهما ، وكان شعبة يقول : (( لو لم أحدثكم إلا عن الثقات لم أحدثكم إلا عن نفر يسير )) .
قال يحيى القطان : (( إن لم أرو إلا عمن أرضى ما رويت]إلا [عن خمسة أو نحو ذلك )) .
وقد اختلف الفقهاء وأهل الحديث في رواية الثقة عن رجل غير معروف ، هل هو تعديل له أم لا ؟ وحكى أصحابنا عن أحمد في ذلك روايتين . وحكوا عن الحنفية أنه تعديل ،
وعن الشافعية خلاف ذلك ، والمنصوص عن أحمد يدل على أنه من عرف منه أنه لا يروي إلا عن ثقة فروايته عن إنسان تعديل له ، ومن لم يعرف منه ذلك فليس بتعديل ، وصرح بذلك طائفة من المحققين من أصحابنا وأصحاب الشافعي .
قال أحمد – في رواية الأثرم - : (( إذا روى الحديث عبد الرحمن ابن مهدي عن رجل فهو حجة ، ثم قال : كان عبد الرحمن أولاً يتساهل في الرواية عن غير واحد ثم تشدد بعدها ، وكان يروي عن جابر ثم تركه )) .
وقال في رواية أبي زرعة : (( مالك بن أنس إذا روى عن رجل لا يعرف فهو حجة )) .
وقال في رواية ابن هانئ : (( ما روى مالك عن حد إلا وهو ثقة ، كل من ورى عنه مالك فهو ثقة )) .
وقال الميموني ، سمعت أحمد غير مرة يقول : (( كان مالك من أثبت الناس ، ولا تبال أن لا تسأل عن رجل روى عنه مالك ، ولا سيما مديني )) . قال الميموني : وقال لي يحيى بن معين : (( لا تريد أن تسأل عن رجال مالك ، كل من حدث عنه ثقة إلا رجلاً أو رجلين )) .
*
بحث في المجهول وقولهم غير مشهور *
وقال يعقوب بن شيبة : قلت ليحيى بن معين : (( متى يكون الرجل معروفاً ؟ إذا روى عنه كم ؟ )) قال : (( إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي ، وهؤلاء أهل العلم فهو غير مجهول )) . قلت : (( فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق ؟ )) . قال : (( هؤلاء يروون عن مجهولين )) انتهى .
وهذا تفصيل حسن ، وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعداً عنه .
وابن المديني يشترط أكثر من ذلك ، فإنه يقول فيمن يروي عنه ابن أبي كثير وزيد بن أسلم معاً : (( أنه مجهول )) ، ويقول فيمن يروي عنه شعبة وحده : (( إنه مجهول )) .
وقال فيمن يروي عنه ابن المبارك ووكيع وعاصم : (( هو معروف )) . وقال فيمن روى عنه عبد الحميد بن جعفر وابن ليهعة : (( ليس بالمشهور )) . وقال فيمن يروي عنه المقبري وزيد بن أسلم : (( معروف )) . وقال في يُسيع الحضرمي : (( معروف )) . وقال مرة أخرى : (( مجهول روى عنه ذَرٌ وحده )) . وقال فيمن روى عنه مالك وابن عيينة : (( معروف )) .
وقد قسم المجهولين من شيوخ أبي إسحاق إلى طبقات متعددة ، والظاهر أنه ينظر إلى اشتهار الرجل بين العلماء ، وكثرة حديثه ونحو ذلك ، لا ينظر إلى مجرد رواية الجماعة عنه . وقال في داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص : (( ليس بالمشهور )) ، مع أنه روى عنه جماعة .
وكذا قال أبو حاتم الرازي في إسحاق بن أسيد الخراساني ، (( ليس بالمشهور )) مع أنه روى عنه جماعة من المصريين لكنه لم يشتهر حديثه بين العلماء .
وكذا قال أحمد في حصين بن عبد الرحمن الحارثي : (( ليس بعرف )) ما روى عنه غير حجاج بن أرطأة وإسماعيل بن أبي خالد روى عنه حديثاً واحداً )) .
وقال في عبد الرحمن بن وعلة : (( إنه مجهول )) مع أنه روى عنه جماعة ، لكن مراده أنه لم يشتهر حديثه ولم ينتشر بين العلماء .
وقد صحح حديث بعض من ورى عنه واحد ولم يجعله مجهولاً ، قال في خالد بن سمير : (( لا أعلم عنه أحد سوى الأسود بن شيبان ولكنه حسن الحديث )) . وقال مرة أخرى : (( حديثه عندي صحيح )) .
وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة ، إنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات .
وذكر ابن عبد البر في استذكاره : إن من روى عنه ثلاثة فليس بمجهول ، قال : وقيل : اثنان .
وقد سئل مالك عن رجل فقال : (( لو كان ثقة لرأيته في كتبي )) ذكره مسلم في مقدمته من طريق بشر بن عمر عن مالك .
وقال ابن أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول : سمعت ابن عيينة يقول : (( إنا كنا نتبع آثار مالك بن أنس وننظر الى الشيخ إن كان مالك بن أنس كتبه عنه ، وإلا تركناه )) .
قال القاضي إسماعيل : (( إنما يعتبر بمالك في أهل بلده ، فأما الغرباء فليس يحتج به فيهم )) ، وبنحو هذا اعتذر غير واحد عن ( مالك في روايته ) عن عبد الكريم أبي أمية وغيره من الغرباء .
*
رواية الثقات عن غير ثقة *
قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقوية ؟ )) . قال : (( إذا كان معروفاً بالضعف لم تقوه روايته عنه ، وإن كان مجهولاً نفعه رواية الثقة عنه )) .
قال وسمعت أبي يقول : (( إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فأعلم أنه ثقة إلا نفر بأعيانهم )) . وسألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن الرجل مما يقوى حديثه ؟ قال : (( أي لعمري ! )) .
قلت : (( الكلبي روى عنه الثوري ؟ )) . قال : (( إنما ذاك إذا لم يتكلم فيه العلماء ، وكان الكلبي يُتَكلم فيه )) . قلت : فما معنى رواية الثوري عنه وهو غير ثقة عنده ؟ )) . قال : (( كان الثوري يذكر الرواية عن الرجل عن الإنكار والتعجب فيعقلون عنه روايته عنه ، ولم يكن روايته عن الكلبي قبوله له )) .
وذكر العقيلي بإسناد له عن الثوري قال : (( إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه : أسمع الحديث من الرجل أتخذه ديناً ، وأسمع الحديث من الرجل أوقف حديثه وأسمع الحديث من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته )) .
المسألة الثانية : الرواية عن الضعفاء
من أهل التهمة بالكذب والغفلة وكثرة الغلط
وقد ذكر الترمذي للعلماء في ذلك قولين :
أحدهما : جواز الرواية عنهم حكاه عن سفيان الثوري ، لكن كلامه في روايته عن الكلبي يدل على أنه لم يكن يحدث إلا بما يعرف أنه صدق .
والثاني : الامتناع من ذلك ، ذكره عن أبي عوانة وابن المبارك ، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل الحديث من الأئمة .
وقد ذكر الحاكم المذهب الأول عن مالك والشافعي أبي حنيفة ، واعتمد في حكايته عن مالك على روايته عن عبد الكريم أبي أمية ، ولكن قد ذكرنا عذره في روايته عنه ، وفي حكايته عن الشافعي على روايته عن إبراهيم بن أبي يحيى ، وأبي داود سليمان بن عمرو النخعي ، وغيرهما من المجروحين ، وفي حكايته عن أبي حنيفة على روايته عن جابر الجعفي وأبي العطوف الجزري .
قال : وحدث أبو يوسف ومحمد بن الحسن عن الحسن بن عمارة وعبد الله بن محرر وغيرهما من المجروحين .
قال : وكذلك من بعدهم من أئمة المسلمين قرناً بعد قرن ، وعصراً بعد عصر إلى عصرنا هذا ، لم يخل حديث إمام من أئمة الفريقين عن مطعون فيه المحدثين .
وللأئمة في ذاك غرض ظاهر :
وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه ، والمنفرد به عدل أو مجروح . ثم روى بإسناده عن الأثرم قال : (( رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس ، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه ، فقال له أحمد : تكتب صحيفة معمر عن أبان وتعلم أنها موضوعة ! ؟ فلو قال لك قائل : أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه ! ؟ )) .
فقال : (( رحمك الله يا أبا عبد الله ، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها وأعلم أنه موضوعة ، حتى لا يجئ بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتاً ، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس ، فأقول له : كذبت ! إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت )) .
وذكر أيضاً من طريق أحمد بن علي الأبار قال : قال يحيى ابن معين : (( كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً )) .
وخرّج العقيلي من طريق أبي غسان قال : (( جاءني علي بن المديني فكتب عن عبد السلام بن حرب أحاديث إسحاق ابن أبي فروه ، فقلت : أي شئ تصنع بها ؟ قال : أعرفها حتى لا تقلب )) .
قلت : فرق بين كتابة حديث وبين روايته :
فإن الأئمة كتبوا أحاديث الضعفاء لمعرفتها ولم يرووها ، كما قال يحيى : سجرنا بها التنور ، وكذلك أحمد ( خرق حديث خلق ممن كتب حديثهم ولم يحدث به ، وأسقط من المسند حديث خلق من المتروكين ) لم يخرجه فيه مثل قايد أبي الورقاء وكثير ابن عبد الله المزني وأبان بن أبي عياش وغيرهم ، وكان يحدث عمن دونهم في الضعف .
قال في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ : (( قد يحتاج الرجل يحدث عن الضعيف مثل عمرو بن مرزوق ، وعمرو بن حكام ، ومحمد بن معاوية ، وعلي بن الجعد ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، ولا يعجبني أن يحدث عن بعضهم )) .
وقال في روايته أيضاً – وقد سأله ترى أن تكتب الحديث المنكر ؟ - إليهم في وقت )) ، كأنه لم ير بالكتابة عنهم بأساً .
وقال في رواية ابن القاسم - : (( ابن ليهعة ما كان حديثه بذاك ، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال ، إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشده لا أنه حجة إذا انفرد )) .
وقال في رواية المروذي : (( كنت لا أكتب حديث جابر الجعفي ( ثم كتبته أعتبر به ) .
وقال في – رواية مهنا وسأله لمَ تكتب حديث أبي بكر بن أبي كريم وهو ضعيف – قال : (( أعرفه )) .
وقال محمد بن رافع النيسابوري : (( رأيت أحمد بين يدي يزيد ابن هاترون وفي يده كتاب لزهير عن جابر الجعفي وهو يكتبه ، قلت : يا أبا عبد الله : تنهونا عن جابر وتكتبوه ؟ ! قال : نعرفه )) .
وكذا قال]أحمد [في حديث عبيد الله الوصافي : (( إنما أكتبه للمعرفة )) .
والذي يتبين من عمل الإمام أحمد وكلامه أنه يترك الرواية عن المتهمين [ والذين غلب عليهم الخطأ ] للغفلة وسوء الحفظ ، ويحدث عمن دونهم في الضعف ، مثل من في حفظه شئ أو يتختلف الناس في تضعيفه وتوثيقه .
وكذلك كان أبو زرعة الرازي يفعل .
وأما الذين كتبوا حديث الكذابين – من أهل المعرفة والحفظ – فإنما كتبوه لمعرفته ، وهذا كما ذكروا أحاديثهم في كتب الجرح والتعديل .
ويقول بعضهم في كثير من أحاديثهم : لا يجوز ذكرها إلا ليبيّن أمرها أو معنى ذلك .
وقد سبق عن أبي حاتم أنه يجوز رواية حديث من كثرت غفلته في غير الأحكام ، وأما رواية أهل التهمة بالكذب فلا تجوز إلا مع بيان حاله ، وهذا هو الصحيح ، والله أعلم .
المسألة الثالثة :
*
من ضعف من أهل العبادة لسوء حفظه *
ذكر الترمذي : أنه رب رجل صالح مجتهد في العبادة ، ولا يقيم الشهادة ولا يحفظها ، وكذلك الحديث لسوء حفظه وكثرة غفلته ، وقد سبق قول ابن المبارك في عباد بن كثير وعبد الله بن محرر .
وروى مسلم في مقدمة كتابه من طريق محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قال : (( لن ترى الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث )) .
قال مسلم : (( يقول : يجري الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدون الكذب )) .
وروى أيضاً بإسناد له عن أيوب قال : (( إن لي جاراً ثم ذكر من فضله ، ولو شهد [ عندي ] على تمرتين ما رأيت شهادته جائزة )) .
وروى ابن عدي بإسناده عن أبي عاصم النبيل قال : (( ما رأيت الصالح يكذب في شئ أكثر من الحديث )) .
وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي أسامة قال : (( إن الرجل يكون صالحاً ويكون كذاباً )) ، يعني يحدث بما لا يحفظ .
وروى عمرو الناقد سمعت وكيعاً يقول وذكر له حديث يرويه وهب بن إسماعيل فقال : (( ذاك رجل صالح ، وللحديث رجال )) .
وروى أبو نعيم بإسناده عن ابن مهدي قال : (( فتنة الحديث أشد من فتنة المال وفتنة الولد ، ولا تشبه فتنتة فتنة ، كم من رجل يظن به الخير قد حمله فتنة الحديث على الكذب )) .
يشير إلى أن من حدث من الصالحين من غير إتقان وحفظ ، فإنما حمله على ذلك حب الحديث والتشبه بالحفاظ ، فوقع في الكذب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو لا يعلم ، ولو تورع واتقى الله لكف على ذلك فسلم .
قال أبو قلابه : عن علي بن المديني : سئل يحيى بن سعيد عن مالك بن دينار ، ومحمد بن واسع ، وحسان بن أبي سنان فقال : (( ما رأيت الصالحين فس شئ أكذب منهم في الحديث ، لأنهم يكتبون عن كل ما يلقون لا تمييز لهم فيه )) .
وقال الجوزجاني : سمعت أبا قدامة يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول : (( رب رجل صالح لو لم يحدث كان خيراً له ، إنما هو أمانة ، تأدية الأمانة في الذهب والفضة أيسر منه في الحديث )) .
ويروي عن أبي عبد الله ابن منده قال : (( إذا رأيت في حديث ثنا فلان الزاهد فاغسل يدك منه )) .
وقال ابن عدي : (( الصالحون قد وسموا بهذا الاسم إن يرووا أحاديث في فضائل الأعمال موضوعة بواطيل ، ويتهم جماعة منهم بوضعها )) انتهى .
وهؤلاء المشتغلون بالتعبد
الذين يترك حديثهم على قسمين :
منهم من شغلته العبادة عن الحفظ :
فكثر الوهم في حديثه ، فرفع الموقوف ، ووصل المرسل . وهؤلاء مثل أبان بن أبي عياش ، ويزيد الرقاشي ، وقد كان شعبة يقول في كل واحد منهما : (( لأن أزني أحب إلىّ من أن أحدث عنه!! ))
ومثل جعفر بن الزبير ، ورشدين بن سعد ، وعباد بن كثير ، وعبد الله بن محرر ، والحسن بن أبي جعفر وغيرهم .
ومنهم من كان يتعمد الوضع ويتعبد بذلك :
كما ذكر عن أحمد بن محمد بن غالب غلام خليل ، وعن زكريا بن يحيى الوقار المصري .
وقد ذكر الترمذي من أهل العبادة المتروكين رجلين :
أحدهما : أبان بن أبي عياش :
وذكر حكاية أبي عوانة عنه ، أنه جمع حديث الحسن ثم أتى به إليه فقرأه كله عليه ، يعني أنه رواه له كله عن الحسن ، ولم يتوقف في ذلك .
وقال أحمد قال لي عفان : (( أول من أهلك أبان بن أبي عياش أبو عوانة ، جمع حديث الحسن عامته فجاء به إلى أبان فقرأه عليه )) .
وقال مسلم في أول كتابه (( ثنا الحسن الحلواني سمعت عفان قال : سمعت أبا عوانة يقول : (( ما بلغني عن الحسن إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه عليّ )) .
ثنا سويد بن سعيد ثنا علي بن مسهر قال : سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحواً من ألف حديث . قال علي : (( فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام فعرض عليه ما سمع من أبان فما عرف منها إلا شيئاً يسيراً : خمسة أو ستة )) .
وذكر العقيلي هذه الحكاية ثم قال : وقال لنا أحمد بن علي الأبار – وكان شيخاً صالحاً - : (( وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام فقلت : يا رسول الله أترضى أبن بن أبي عياش ؟ قال : لا )) .
وذكر له الترمذي حديث القنوت في الوتر فإنه رفعه ، والناس يقفونه علي ابن مسعود ، وربما وقف على إبراهيم ، وقد سبق ذكره في أبواب الوتر من كتاب الصلاة .
وكان أبان لسوء حفظه يفعل ذلك كثيراً : يرفع الموقوف ويصل المرسل . قال أبو زرعة : (( لم يكن يتعمد الكذب كان يسمع الحديث من أنس ومن شهر بن حوشب ومن الحسن فلا يميز بينهم .
قال ابن عدي : (( قد حدث عنه الثوري ، ومعمر ، وابن جريج ، وإسرائيل ، وحماد بن سلمة ، وغيرهم ، وأرجو أنه ممن لا يتعمد الكذب إلا أنه يشبه عليه ويغلط ، وعامة ما أتي من جهة الرواة عنه لا من جهته ، لأنه قد روى عنه قوم مجهولون . وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق ، كما قال شعبة )) .
وذكر أنه شعبة حدث عنه بحديث قنوت الوتر ، فقيل له : تقول فيه ما قلت ثم تحدث عنه ؟ قال : (( إني لم أجد هذا الحديث إلا عنده )) ذكرها من وجه منقطع . والمعروف أن شعبة قيل له : لم سمعت منه هذا الحديث ؟ قال : ومن يصبر على هذا ؟ ! ، أخرجه العقيلي وغيره .
الرجل الآخر : أبو مقاتل السمرقندي :
واسمه حفص بن سلم الفزاري ، وهو من العباد ، يروي عن الكوفيين كأبي حنيفة ، ومسعر ، والثوري ، وعن البصريين كأيوب ، والتيمي ، وعن الحجازيين كهشام بن عروة ، وعبيد الله ابن عمر ، وسهيل .
قال أبو يعلى الخليلي في كتاب الإرشاد : (( هو مشهور بالصدق والعلم ، غير مخرج في الصحيح ، وكان ممن يفتي في أيامه ، وله في العلم والفقه محل ، يعتنى بجمع حديثه )) .
وذكره الحاكم في تاريخ نيسابور وقال : (( يروي المناكير )) ، وسئل عنه إبراهيم بن طهمان فقال : خذوا عنه عبادته وحسبكم )) . وقد أفحش قتيبة بن سعيد وغيره القول فيه ، مات سنة ثمان ومائتين
وذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء وقال : (( كان صاحب تقشف وعبادة ولكنه كان يأتي بالأشياء المنكرة التي يعلم من كتب الحديث أنه ليس لها أصل يرجع إليه . سئل ابن المبارك عنه فقال : خذوا عن أبي مقاتل عبادته وحسبكم )) .
وكان قتيبة بن سعيد يحمل عليه شديداً ويضعفه بمرة ، وقال : كان لا يدري ما يحدث به . وكان عبد الرحمن بن مهدي يكذبه .
قال نصر بن حاجب المروزي : (( ذكرت أبا مقاتل لعبد الرحمن ابن مهدي فقال : والله لا تحل الرواية عنه ، فقلت له : عسى أن يكون كذب له في كتابه وجهل ذلك . فقال : يكتب في كتابه الحديث ؟! فكيف بما ذكرت عنه أنه قال : ماتت أمي بمكة فأردت الخروج منها فتكاربت فلقيت عبيد الله بن عمر فأخبرته بذلك ، بذلك فقال : حدثني نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( من زار قبر أمه كان كعمرة )) .
قال : فقطعت الكري وأقمت ، فكيف يكتب هذا في كتابه . وكذلك وكيع بن الجراح كان يكذبه ، وليس لهذا الحديث أصل يرجع إليه انتهى ما ذكره ابن حبان .
وذكره ابن عدي في كتابه وذكر بإسناده عن قتيبة [ ابن سعيد ] أنه سئل عن حديث كور الزنانير فقال : (( نا أبو مقاتل السمرقندي عن سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان سئل عليٌّ عن كور الزنانير فقال : هم من هذا البحر )) لا بأس به . قال فقلت : يا أبا مقاتل هو موضوع . قال بابا هو في كتابي تقول هو موضوع ؟ قال فقلت : نعم وضعوه في كتابك )) .
وذكر بإسناده عن الجوزجاني قال : (( أبو مقاتل السمرقندي كان فيما حدثت ينشئ للكلام الحسن إسناداً )) ثم خرج له ابن عدي أحاديث منكرة ثم قال : (( أبو مقاتل هذا له أحاديث كثير ويقع في أحاديثه مثل ما ذكرته وأعظم منه ، وليس هو ممن يعتمد على رواياته .
وذكره الإدريسي في تاريخ سمرقند وغير واحد من العلماء .
ووقع لابن أبي حاتم في ذكره غير وهم فإنه قال : (( حفص ابن سليمان أبو مقاتل ، روى عن عون بن أبي شداد ، روى عنه موسى بن إسماعيل الختلي )) . كذا قال . وقوله : (( ابن سليمان )) وهم ، وإنما هو (( ابن سليم )) . ثم قال : (( حفص بن مسلم أبو مقاتل السمرقندي ، روى عن الثوري وجويبر وعمر بن عبيد ، وروى عنه أبو تميلة وإبراهيم بن شماس ، سمعت أبي يقول بعض ذلك )) .
فقوله : (( ابن مسلم )) وهم أيضاً ، ووهم أيضاً حيث جعل الراوي عن عون بن أبي شداد غير هذا ، وهما رجل واحد .
*
الاختلاف في قوم من جلة أهل الحديث *
قال [ أبو عيسى ] رحمه الله :
(
وقد تكلم بعض أهل الحديث في قوم من جلة أهل العلم ، وضعفوهم من قبل حفظهم ، ووثقهم آخرون لجلالتهم وصدقهم ، وإن كانوا قد وهموا في بعض ما رووا .
وقد تكلم يحيى بن سعيد القطان في محمد بن عمرو ثم روى عنه :
حدثنا أبو بكر عبد القدوس محمد العطار البصري ثنا علي بن المديني قال : سألت يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو بن علقمة فقال : (( تريد العفو أو تشدد ؟ )) . فقلت : لا بل أشدد ، فقال : (( ليس هو ممن تريد ، كان يقول : أشياخنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب )) .
قال يحيى : وسألت مالك بن أنس عن محمد بن عمرو ؟ فقال فيه نحو ما قلت ، قال علي : قال يحيى : ومحمد بن عمرو أعلى من سهيل بن أبي صالح وهو عندي فوق عبد الرحمن بن حرملة .
قال علي : (( فقلت ليحيى : ما رأيت من عبد الرحمن بن حرملة ؟ )) قال : (( لو شئت أن ألقنه لفعلت ، قلت : كان يلقن . قال : نعم )) .
قال علي : (( ولم يرو يحيى عن شريك ولا عن أبي بكر بن عياش ولا عن الربيع بن صبيح ولا عن المبارك بن فضلة )) .
قال أبو عيسى :
وإن كان يحيى بن سعيد القطان قد ترك الرواية عن هؤلاء ، فلم يترك الرواية عنهم أنه اتهمهم بالكذب ، ولكنهم تركهم لحال حفظهم .
وذكر عن يحيى بن سعيد أنه كان إذا رأى الرجل يحدث عن حفظه مرة هكذا ومرة هكذا – لا يثبت على رواية واحدة – تركه .
وقد حدث عن هؤلاء الذين تركهم يحيى بن سعيد القطان عبد الله بن المبارك ، ووكيع بن الجراح ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وغيرهم من الأئمة ) .
*
أقسام الرواة وأحكامها *
إعلم أن الرواة أقسام :
فمنهم : من يتهم بالكذب .
ومنهم : من غلب حديثه المناكير ، لغفلته وسوء حفظه . وقد سبق ذكر هذين القسمين ، وحكم الرواية عنهما .
وقسم ثالث : أهل صدق وحفظ ، ويندر الخطأ والوهم في حديثهم أو يقل ، وهؤلاء هم الثقات المتفق على الاحتجاج بهم .
وقسم رابع : وهم أيضاً أهل صدق وحفظ :
ولكن يقع الوهم في حديثهم كثيراً ، لكن ليس هو الغالب عليهم وهذا هو القسم الذي ذكره الترمذي ههنا ، وذكر عن يحيى بن سعيد القطان أنه ترك حديث هذه الطبقة .
وعن ابن المبارك وابن مهدي ووكيع وغيرهم أنهم حدثوا عنهم ، وهو أيضاً رأي سفيان وأكثر أهل الحديث المصنفين منهم في السنن والصحاح ، كمسلم بن الحجاج وغيره ، فإنه ذكر في مقدمة كتابه : أنه لا يخرج حديث من هو متهم عند أهل الحديث أو عند أكثرهم ، ولا من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط ، وذكر قبل ذلك أنه يخرج حديث أهل الحفظ والاتقان وأنهم على ضربين :
أحدهما : من لم يوجد في حديثه اختلاف شديد ولا تخليط فاحش .
والثاني : من هو دونهم في الحفظ والاتقان ، ويشملهم اسم الصدق والستر وتعاطي العلم ، كعطاء بن السائب ، ويزيد بن أبي زياد ، وليث بن أبي سليم .
فقيل : إنه أدركته المنية قبل تخريج حديث هؤلاء ، وقيل : إنه خرج لهم في المتابعات ، وذلك كان مراده .
وعلى هذا المنوال نسج أبو داود والنسائي والترمذي ، مع أنه خرّج لبعض من هو دون هؤلاء ، وبين ذلك ولم يسكت عنه .
وإلى طريقة يحيى بن سعيد يميل عليّ بن المديني وصاحبه البخاري ، وكان علي بن المديني – فيما نقله عنه يعقوب بن شيبة – لا يترك حديث رجل حتى يجتمع على تركه ابن مهدي ويحيى القطان ، فإن حدث عنه أحدهما وتركه الآخر حدث عنه .
*
الغلط الذي يرد به الراوي أو يترك *
قال أحمد بن سنان : (( كان ابن مهدي لا يترك حديث رجل إلا رجلاً متهماً بالكذب أو رجلاً الغالب عليه الغلط )) .
وقال أبو موسى محمد بن المثنى سمعت ابن مهدي يقول : (( الناس ثلاثة : رجل حافظ متقن ، فهذا لا يختلف فيه ، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه ، وآخر يهم – والغالب على حديثه الوهم – فهذا يترك حديثه )) .
وقال أبو بكر بن خلاد سمعت ابن مهدي يقول : (( ثلاثة لا يؤخذ عنهم : المتهم بالكذب ، وصاحب بدعة يدعو إلى بدعته ، والرجل الغالي عليه الوهم والغلط )) .
وقال إسحاق بن عيسى : سمعت ابن المبارك يقول : (( يكتب الحديث إلا عن أربعة : غلاّط لا يرجع ، وكذاب ، وصاحب هوى يدعو إلى بدعته ، ورجل لا يحفظ فيحدث من حفظه )) .
وقال الوليد بن شجاع سمعت الأشجعي يذكر عن سفيان الثوري قال : (( ليس يكاد يفلت من الغلط أحد : إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط ، وإذا كان الغالب عليه الغلط ترك )) .
وقال الحسين بن منصور أبو علي السلمي النيسابوري : سئل أحمد عمن يكتبه حديثه ؟ فقال : (( عن الناس كلهم إلا عن ثلاثة : صاحب هوى يدعو إليه ، أو كذاب ، أو رجل يغلط في الحديث فيرد عليه فلا يقبل )) .
وقال الربيع بن سليمان قال الشافعي : (( من كثر غلطه من المحدثين – ولم يكن له أصل كتاب صحيح – لم يقبل حديثه ، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم تقبل شهادته )) . وكذا ذكر الحميدي ، وهذا قد يكون موافقاً لقول يحيى بن سعيد ومن تابعه .
وروى نعيم بن حماد ابن مهدي قال : سئل شعبة حديث من يترك ؟ قال : (( من يكذب في الحديث ، ومن يكثر الغلط ، ومن يخطئ في حديث مجتمع عليه فيقيم على غلطه ولا يرجع ، ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون )) .
وذكر أبو حاتم الرازي نا سليمان بن أحمد الدمشقي قال : قلت لعبد الرحمن بن مهدي : (( أكتب عمن يغلط في عشرة ؟ قال : نعم ، قيل له : يغلط في عشرين ؟ قال : نعم ، قيل له : فثلاثين ؟ قال : نعم ، قيل له : فخمسين ؟ قال : نعم )) .
وقال حمزة السهمي : سألت الدار قطني عمن يكون كثير الخطأ قال : (( إن نبهوه عليه ورجع عنه فلا يسقط ، وإن لم يرجع سقط )) . خرج ذلك كله أبو بكر الخطيب في كتاب الكفاية .
وقال ابن أبي حاتم : حدثني أبي عن أحمد الدورقي نا ابن مهدي قال : قيل لشعبة : متى يترك حديث الرجل ؟ قال : (( إذا حدث عن المعروفين ما لا يعرف المعروفون ، وإذا أكثر الغلط ، وإذا اتهم بالكذب ، وإذا روى حديثاً غلطاً مجتمعاً عليه فلم يتهم نفسه فيتركه طرح حديثه . وما كان غير ذلك فارووا عنه )) .
قال : ونا أبي سليمان بن أحمد الدمشقي قال قلت لابن مهدي : (( أكتب عمن يغلط في مائة ؟ قال : لا ، مائة كثير )) .
وهذه الرواية عن ابن مهدي توافق قول شعبة ويحيى والشافعي : إن كثرة الغلط ترد به الرواية . وتخالف رواية ابن المثنى وأحمد بن سنان عنه : إن الاعتبار في ذلك بالأغلب ، وكلام الإمام أحمد يدل على مثل قول ابن المبارك ومن وافقه فإنه حدث عن أبي سعيد مولى بني هاشم ، وقد قال فيه : (( كان كثير الخطأ ))،ولم يترك حديثه،وحدث عن زيد بن الخباب ، وقال فيه : ((كان كثير الخطأ)) .
وقال أبو عثمان البرذعي : نا محمد بن يحيى النيسابوري قال : (( قلت لأحمد بن حنبل في علي بن عاصم ، وذكرت له خطأه ؟ فقال لي أحمد : (( كان حماد بن سلمة يخطئ – وأوما أحمد بيده – خطأ كثيراً ولم ير بالرواية عنه بأساً )) .
وقال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد : متى يترك حديث الرجل ؟ قال : (( إذا كان الغالب عليه الخطأ )) .
وكلام الترمذي هاهنا يحتمل مثل قول شعبة ويحيى ومن وافقهما ، حيث ذكر : (( أن من كان مغفلاً يخطئ الكثير فإنه لا يشتغل بالرواية عنه ، عند أكثر أهل الحديث )) .
وذكر أيضاً قبل ذلك أن من ضعف لغفلته وكثرة خطئه لا يحتج بحديثه ، فلم يعتبر إلا كثرة الخطأ . ويحتمل أن يكون مراده سقوط حديث من جمع بين الوصفين معاً : الغفلة وكثرة الخطأ دون من كان فيه أحدهما ، أما الغفلة المجردة مع قلة الخطأ ، أو كثرة الخطأ لسوء دون الغفلة ، ويكون ذلك قولاً ثالثاً في المسألة ، والله أعلم .
* * *
*
تراجم طائفة من جلة أهل الحديث *
تكلم فيه من جهة حفظهم
وأما محمد بن عمرو :
الذي تكلم فيه يحيى ، فهو : محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي . وقد تكلم فيه يحيى ومالك ، وقال أحمد : (( كان محمد بن عمرو يحدث بأحاديث فيرسلها ويسندها لأقوام آخرين .
قال : وهو مضطرب الحديث ، والعلاء أحب إلىّ منه )) .
وقال ابن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول : (( ما زال الناس يتقون حديث محمد بن عمرو ، قيل له : ما علة ذلك ؟ قال : كان مرة يحدث عن أبي سلمة بالشئ رأيه ، ثم يحدث به مرة أخرى عن سلمة عن أبي هريرة )) . ووثقه ابن معين في رواية أخرى ، ونقل إسحاق بن حكيم عن يحيى القطان أنه قال فيه : (( رجل صالح ، ليس بأحفظ الناس للحديث )) .
وقد ذكر الترمذي : أن يحيى بن سعيد روى عنه ، وكذلك روى عنه مالك في الموطأ ، وخرج حديثه مسلم متابعة ، وخرجه البخاري مقروناً .
وقد قال يحيى بن سعيد : (( هو فوق سهيل بن أبي صالح )) . وخالفه الإمام أحمد ، وقال : (( ليس كما قال يحيى . قال أحمد : ولم يرو شعبة عن محمد بن عمرو إلا حديثاً واحداً )) .
وأما عبد الرحمن بن حرملة :
الذي ذكر يحيى القطان أن محمد بن عمرو فوقه فهو مديني ، كان القطان يضعفه ولا يرضاه .
وقال ابن المديني : (( راددت يحيى في ابن حرملة فقال : ليس هو عندي مثل يحيى بن سعيد الأنصاري ، قال : سمعت سعيد بن المسيب . قال يحيى : لو شئت أن ألقنه أشياء [ قال ] قلت : كان يلقن ؟ قال : نعم )) .
وقال أحمد ابن حرملة : (( هو كذا وكذا يضعفه )) . وقال ابن معين : لا بأس به ، قيل له : يقولون : سمع من ابن المسيب وهو صغير ، قال : لا . وذكر ابن أبي خيثمة عن ابن معين عن يحيى عن ابن حرملة قال : (( كنت سئ الحفظ ، فسألت سعيد بن المسيب فرخص لي في الكتاب .
وأما شريك فهو ابن عبد الله النخعي :
قاضي الكوفة ، وكان كثير الوهم ، ولا سيما بعد أن ولي القضاء وكان فيه أيضاً في تلك الحال تيه وكبر ، واحتقار للأئمة والصالحين . وقد خرج حديثه مسلم مقروناً بغيره .
ومن الأوهام المتعلقة بترجمته أن مسلماً ذكر في الكتاب الكنى أن أحمد سمع منه ، وهو وهم ، لم يسمع منه أحمد ، وإنما سمع من أصحابه .
وأما أبو بكر بن عياش :
فهو المقرئ الكوفي ، وهو رجل صالح ، لكنه كثير الوهم ، ومع هذا فقد خرج البخاري حديثه ، وأنكر عليه ابن حبان تخريج حديثه وتركه لحماد بن سلمة .
وأما الربيع بن صبيح
ومبارك بن فضالة :
فلم يخرّج لهما في الصحيح . وقد وثق المبارك عفان ، وأبو زرعة ، وغيرهما .
وقال شعبة : (( هو أحب إلىّ من الربيع ، وسوى ابن معين بينهما في الضعف .
وقال أحمد : (( ما أقربهما )) ، وقال مرة : (( مبارك أحب إلىّ إذا قال : سمعت الحسن )) ، يشير إلى أنه يدلس ، .
وقال نعيم : (( كان ابن مهدي لا يكتب للمبارك شيئاً إلا شيئاً يقول فيه : سمعت الحسن )) .
وقال الفلاس : (( كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن مبارك )) .
وقال ابن معين : (( لم يرو عنه يحيى )) .
وقال أحمد : (( تركه عبد الرحمن لأنه كان يروي أقاويل الحسن يأخذها من الناس ، قال : وكان عبد الرحمن يروي عن الربيع بن صبيح ، وكان الربيع رجلاً صالحاً .
قال الفلاس : (( كان عبد الرحمن يحدث عن الربيع ، وكان يحيى لا يحدث عنه )) .
* * *
قال أبو عيسى رحمه الله :
(
وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي صالح ، ومحمد بن إسحاق ، وحماد بن سلمة ، ومحمد بن عجلان .
وأشباه هؤلاء من الأئمة إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم في بعض ما رووا ، وقد حدث عنهم الأئمة
حدثنا الحسن بن علي الحلو ثنا علي بن المديني قال : قال لنا سفيان بن عيينة ، كنا نعد سهيل بن أبي صالح ثبتاً في الحديث .
وحدثنا ابن أبي عمر قال قال سفيان بن عيينة : (( كان محمد بن عجلان ثقة مأموناً في الحديث )) .
قال أبو عيسى : وإنما تكلم يحيى بن سعيد القطان عندنا في رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري:
حدثنا أبوبكر عن علي بن عبد الله قال قال يحيى بن سعيد قال محمد بن عجلان : (( أحاديث سعيد المقبري بعضها عن سعيد عن أبي هريرة ، وبعضها عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ، فاختلطت عليّ قصيرتها عن سعيد عن أبي هريرة .
وإنما تكلم يحيى بن سعيد عندنا في ابن عجلان لهذا . وقد روى يحيى عن ابن عجلان الكثير ) .
وأما سهيل بن أبي صالح السمان :
فقد تكلم فيه جماعة من الأئمة ، قال أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول : (( لم يزل أصحاب الحديث يتقون حديث سهيل )) ، قال : وسئل ابن معين مرة أخرى عن سهيل ؟ فقال : (( ليس بذاك )) ، وسئل مرة أخرى ؟ فقال : (( سهيل ضعيف )) .
وحكى عباس الدوري قال : سئل يحيى بن معين عن حديث سهيل والعلاء بن عبد الرحمن ؟ فقال : حديثهما قريب من السواء ، وليس حديثهما بالحجة )) ، قال : وسمعت يحيى يقول : (( سهيل صويلح وفيه لين . قال : ومحمد بن عمرو أكبر من هؤلاء )) . يعني من سهيل والعلاء ، وعاصم بن عبيد الله ، وابن عقيل .
وقد سبق قول يحيى بن سعيد : إن محمد بن عمرو أعلى من سهيل ، وأنكر ذلك عليه أحمد وقال : (( لم يكن ليحيى بسهيل علم ، وكان قد جالس محمد بن عمرو ، قال : وسهيل صالح . وقال أيضاً : (( لم يصنع يحيى شيئاً ، الناس عندهم سهيل ليس مثل محمد بن عمرو )) . فقيل له : (( سهيل عندهم أثبت ؟ )) قال : (( نعم )) .
وقال أحمد أيضاً : (( سهيل ما أصلح حديثه . قال : والعلاء بن عبد الرحمن عندي فوق سهيل ، وفوق محمد بن عمرو )) .
وقال عبد الله : سألت أبي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، وعن سهيل عن أبيه ؟ فقال : (( ما سمعت أحداً يذكر العلاء إلا بخير )) ، وقدم أبا صالح على العلاء ، كذا في المسند ، وإنما كان السؤال عن سهيل لا عن أبيه !
وقد ذكر الترمذي هنا عن ابن عيينة أنه قال : (( كنا نعد سهيلاً ثبتاً في الحديث )) .
وقال ابن معين في رواية عباس في موضع آخر عنه : (( سهيل ثقة )) . ووثقه العجلي وقال النسائي : (( ليس به بأس )) .
وقال ابن عدي : (( هو عندي ثبت لا بأس به ، مقبول الأخبار )) .
قال أبو زرعة : (( سهيل أشبه وأشهر من العلاء بن عبد الرحمن )) .
وقال أبو حاتم : ( هو أحب إلىّ من أبي العلاء ، وأحب إلى من عمرو بن أبي عمرو ، ويكتب حديثه ولا يحتج به )) .
وقد روى عنه الأئمة : مالك ، وشعبة ، والثوري .
وخرّج له مسلم في صحيحه والبخاري مقروناً بغيره .
وأما محمد بن عجلان المدني الفقيه الصالح :
فقد روى عنه شعبة ومالك والقطان وخلق ، وقد وثقه ابن عيينة وأحمد وابن معين ،وخرج مسلم حديثه مقروناً .
وتكلم جماعة في حفظه :
قال ابن أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول : (( كان يحيى بن سعيد لا يرضى محمد بن عجلان . قال : وسمعت يحيى بن سعيد يقول : (( لو جرّبت من أروى عنه لم أرو إلا عن قليل ! )) .
قال : وفي كتاب علي بن المديني قال يحيى بن سعيد : (( قال ابن عجلان : كان سعيد المقبري يحدث عن أبيه عن أبي هريرة ، وعن رجل عن أبي هريرة ، فاختلط عليّ فجعلته عن أبي هريرة ، قال يحيى : سمعته منه أو حدثته عنه ، ولا أعلم إلا أني سمعته منه )) .
وقال أحمد : (( كان ثقة إلا أنه اختلط عليه حديث المقبري : كان عن رجل ، جعل يصيره عن أبي هريرة )) .
وقال ابن عيينة : (( حدثنا محمد بن عجلان وكان ثقة )) .
وروى أبو بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد قال : (( كان ابن عجلان مضطرب الحديث في حديث نافع )) ، ولم يكن له تلك القيمة عنده .
وروى محمد الرامهرمزي في كتابه من طريق يحيى بن سعيد : (( قدمت الكوفة وبها ابن عجلان ، وبها من يطلب الحديث : مليح بن وكيع ، وحفص بن غياث ، وعبد الله بن إدريس ، ويوسف بن خالد السمتي . قلنا : نأتي ابن عجلان ؟ فقال يوسف بن خالد : نقلب على هذا الشيخ حديثه نتظر فهمه ؟ قال : فقلبوا ، فجعلوا ما كان عن سعيد عن أبيه ، وما كان عن أبيه عن سعيد ، ثم جئنا إليه ، لكن ابن إدريس تورّع وجلس بالباب ، وقال : لا أستحل ، وجلست معه .
ودخل حفص ويوسف بن خالد ومليح ، فسألوه ، فمر فيها ، فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ ، فقال : أعد العرض ، فعرض عليه ، فقال : ما سألتموني عن أبي ؟ فقد حدثني به سعيد ، وما سألتموني عن سعيد ؟ فقد حدثني به أبي .
ثم أقبل على يوسف بن خالد فقال : إن كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الإسلام ! وأقبل على حفص : فقال : ابتلاك في دينك ودنياك ! ، وأقبل عني مليح فقال : لا نفعك الله بعلمك !
قال يحيى : فمات مليح ولم ينتفع به ، وابتلى حفص في بدنه بالفالج ، وبالقضاء في دينه ! ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة !! )) .
وأما محمد بن إسحاق بن يسار :
صاحب المغازي ، فيطول ذكر ترجمته على وجهها ، وقد وثقه جماعة .
قال أحمد : (( هو حسن الحديث )) ، وقال مرة : (( يكتب من حديثه هذه الأحاديث )) ، كأنه يعني المغازي . وقال مرة : (( هو صالح الحديث واحتج به أنا أيضاً )) .
وقال ابن عيينة : (( ما سمعت أحداً يتكلم في محمد بن إسحاق إلا في قوله في القدر )) . وقال ابن المديني : (( حديثه عندي صحيح )) ، وقال ابن معين [ مرة ] : (( هو ثقة وليس بحجة )) .
وتكلم فيه آخرون ، وكان يحيى بن سعيد شديد الحمل عليه ، وكان لا يحدث عنه ، ذكره عنه الإمام أحمد وقال : (( ما رأيت يحيى أسوأ رأياً منه في محمد بن إسحاق وليث وهمام لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم )) .
وكان ابن مهدي يحدث عن رجل عنه . وكذبه مالك ، وهشام ابن عروة ، والأعمش .
ولا ريب أنه كان يتهم بأنواع من البدع : من التشيع والقدر وغيرهما ، وكان يدلس عن غير الثقات ، وربما دلس عن أهل الكتاب ما يأخذه عنهم من الأخبار . قال أحمد : (( هو كثير التدليس جداً )) . قيل له : فإذا قال : لنا أو أنا فهو ثقة ؟ قال : (( هو يقول : أخبرني فيخاف )) ، يشير إلى أنه يصرح بالتحديث والإخبار ويخالف الناس في حديثه مع ذلك .
وقال الجوزجاني : (( يمضغ حديث الزهري بمنطقة حتى يعرف من رسخ في علمه أنه خلاف راويه أصحابه عنه )) .
وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري ، وشعبة والحمادان ، والسفيانان ، وخلق . وخرج مسلم حديثه مقروناً بغيره .
وأما حماد بن سلمة :
فهو أرفع من هؤلاء كلهم ، وهو الإمام الرباني ، العالم بالله والعالم بأمر الله أبو سلمة : حماد بن سلمة البصري الفقيه الزاهد العابد .
وقد روى عنه الأئمة الكبار ، مثل : يحيى القطان ، وابن مهدي ، وابن المبارك ، ومالك ، والثوري ، وهما من أقرانه ، وشعبة ، وهو أسن منه .
وهو ثقة ثقة ، من أصلب الناس في السنة ، ولذلك قال ابن معي : (( من ذكره بسوء فاتهمه على الإسلام )) . وأثنى عليه الأئمة ثناء عظيماً .
وفصل القول في رواياته أنه من أثبت الناس في بعض شيوخه الذين لزمهم كثابت البناني وعلي بن زيد ، ويضطرب في بعضهم الذين لم يكثر ملازمتهم كقتادة وأيوب وغيرهما ، وسنذكر ذلك مستوفى فيما بعد إن شاء الله تعالى .
وقد خرّج له مسلم الكثير في صحيحه ، واستشهد به البخاري . وقيل : إنه خرج له حديثاً واحداً في الرقاق .
وأنكر ابن حبان ذلك عليه فقال : (( لم ينصف من جانب حديث حماد بن سلمة واحتج أبو بكر بن عياش في كتابه ، وبابن أخي الزهري وبعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، فإن كان تركه إياه لما كان يخطئ فغيره من أقرانه مثل الثوري وشعبة وذويهما كانوا يخطئون .
فإن زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه ، فقد كان ذلك في أبي بكر بن عياش موجوداً ، وأنى يبلغ أبو بكر حماد ابن سلمة ؟ في إتقانه ؟ أم في جمعه ؟ أو في ضبطه ؟ ، ولم يكن من أقران حماد بن سلمة بالبصرة مثله في الفضل والدين والنسك والعلم والكتبة والجمع والصلابة في السنة والقمع لأهل البدع ، ولم يكن يثلبه في أيامه إلا معتزلي قدري أو مبتدعي جهمي ، لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي تنكرها المعتزلة )) .
* * *
قال أبو عيسى رحمه الله
(
وهكذا من تكلم في ابن أبي ليلى ، إنما تكلم فيه من قبل حفظه .
قال علي : قال يحيى بن سعيد القطان : (( روى شعبة عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العطاس .
قال يحيى : ثم لقيت ابن أبي ليلى فحدثنا عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم )) .
قال أبو عيسى : (( ويروى عن ابن أبي ليلى نحو هذا غير شي ، وكان يروي الشئ مرة هكذا ومرة هكذا بغير الإسناد ، وإنما جاء هذا من قبل حفظه ، لأن أكثر من مضى من أهل العلم كانوا لا يكتبون ، ومن كتب منهم إنما كان يكتب بعد السماع .
قال : وسعمت أحمد بن الحسن يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : (( ابن أبي ليلى لا يحتج به )) .
قال أبو عيسى : وكذلك من تكلم من أهل العلم في مجالد بن سعيد وعبد الله بن ليهعة وغيرهما ، إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم وكثرة خطئهم ، وقد روى عنهم غير واحد من الأئمة .
فإذا انفرد واحد من هؤلاء بحديث – ولم يتابع عليه – لم يحتج به ، كما قال أحمد بن حنبل : (( ابن أبي ليلى لا يحتج به )) إنما عنى إذا انفرد بالشئ ، وأشد ما يكون في هذا إذا لم يحفظ الإسناد ، فزاد في الإسناد أو نقص ، أو غير الإسناد ، أو جاء بما يتغير فيه المعنى ) .
أما ابن أبي ليلى :
فهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى – قاضي الكوفة ، [و] كان من جلة الفقهاء المعتبرين ، وله حديث كثير ، وهو صدوق ، لا يتهم بتعمد الكذب ، ولكنه كان سئ الحفظ جداً .
قال أبو داود الطيالسي : قال شعبة : (( أفادني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة )) .
وقال علي بن المديني سمعت يحيى يقول (( كان ابن أبي ليلى سئ الحفظ ، . وقال أحمد : (( هو مضطرب الحديث جداً سئ الحفظ )) ، وقال : (( لا يحتج بحديثه )) .
وذكر إبراهيم بن سعيد عن يحيى بن معين : قال : (( كان يحي بن سعيد لا يحدث عن أبي ليلى ما روى عن عطاء )) .
قال ابن معين : (( ابن أبي ليلى ضعيف في روايته )) .
قال إبراهيم : (( وكان أحمد بن حنبل لا يحدث عنه )) .
وقال أحمد بن حفص السعدي عن أحمد بن حنبل : (( ابن أبي ليلى ضعيف )) وعن عطاء أكثره خطأ )) .
وقال العجلي : (( كان صدوقاً جائز الحديث )) .
وأما حديث العطاس الذي ذكر الترمذي أن ابن أبي ليلى اضطرب فيه – فقد خرجه الترمذي أيضاً في كتاب الأدب في باب كيف يشمت العاطس ، وسبق الكلام عليه هناك مستوفى .
وذكر الترمذي أنه يروى عن ابن أبي ليلى نحو هذا غير شئ ، وهو كما قال . وقد سبق له حديث في أبواب الدعاء في أبواب الذكر عن الصباح والمساء . وسبق له حديث آخر في القنوت في كتاب الصلاة ، وحديث آخر في التيمم في آخر كتاب الطهارة .
وأما مجالد بت سعيد الهمداني الكوفي :
فليس هو بالحافظ أيضاً قد ضعفه غير واحد :
قال يحيى بن سعيد : (( لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل )) ، يشير إلى أنه كان يقبل التلقين .
وضعفه أحمد وقال : (( كم من أعجوبة مجالد )) ، وقال مرة : (( هو يزيد في الأسانيد )) ، وقال مرة : (( ليس بشئ ، يرفع حديثاً كثيراً لا يرفعه الناس ، وقد احتماه الناس )) .
وضعفه يحيى بن معين وقال : (( لا يحتج به )) ، وقال مرة : (( صالح )) . وقال النسائي : (( ليس بالقوي )) وقال مرة : (( ثقة )) .
وقال ابن حبان : (( يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل ، لا يجوز الاحتجاج به )) . وقال ابن عدي : (( عامة ما يرويه غير محفوظ )) .
وقال الدار قطني : (( ليس بثقة ، يزيد بن أبي زياد أرجح منه ، ومجالد لا يعتبر به )) .
وخرج له مسلم مقروناً ، وكان يحيى بن سعيد يحدث عنه . وحديث ابن مهدي عن رجل عنه .
وأما ابن ليهعة :
فهو عبد الله بن ليهعة بن عقبة : قاضي مصر ، وهو كثير الاضطراب ، وكان يحيى بن سعيد يضعفه ولا يراه شيئاً . وقد اختلف الأئمة في أمره :
فمنهم من قال : (( حديثه في أول عمره قبل احتراق كتبه أصح )) .وقد سمع منه قبل احتراق كتبه ابن المبارك والمقرئ ، كذا قال الفلاس وغيره . وقالخ ابن معين في رواية عنه .
ومنهم من قال : (( حديثه في عمره كله واحد ، وهو ضعيف )) ، وهو المشهور عن يحيى بن معين ، وأنكر أن تكون كتبه احترقت ، وقال : (( لا يحتج به )) .
وقال أبو زرعة : (( سماع الأوائل والأواخر منه سواء ، إلا أن ابن وهب وابن المبارك كانا يتبعان أصوله ، وليس ممن يحتج به )) .
وقال ابن مهدي : (( ما أعتد بشئ سمعته من حديث ابن ليهعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه )) .
وقال مرة : (( لا أحمل عن ابن ليهعة قليلاً ولا كثيراً ، ثال قال : كتب إلىّ ابن ليهعة كتاباً فيه : ثنا عمرو بن شعيب . قال أبو عبد الرحمن : فقرأته على ابن المبارك ، فأخرجه إلىّ ابن المبارك من كتابه عن ابن ليهعة قال : أخبرني إسحاق بن أبي فروه عن عمرو بن شعيب )) .
وقال أحمد : (( كان ابن ليهعة يحدث عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب ، وكان بعد يحدث بها عن عمرو بن شعيب نفسه )) .
وقال أيضاً : (( حديث ابن ليهعة بحجة ، وأني لأكتب كثيراً مما أكتب أعتبر به ، وهو يقوى بعضه ببعض )) .
وروى عن أحمد أنه قال : (( سماع العبادلة من ابن ليهعة عندي صالح : عبد الله بن وهب ، وعبد الله بن يزيد المقرئ ، وعبد الله ابن المبارك )) .
وقال ابن حبان : (( سبرت أخباره فرأيته يدلس على أقوام ضعفاء على أقوام ثقات قد رآهم ، ثم كان لا يبالي ، ما دفع إليه قرأه ، سواء كان من حديثه أو لم بكن من حديثه ! فوجب التنكيب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه ، لما فيها من الأخبار المدلسة عن المتروكين ، ووجب ترك الاحتجاج ( برواية المتأخرين بعد احتراق كتبه ، لما فيها مما ليس من حديثه )) ) :
ونقل أبو عبيد الآجري عن أبي داود عن أحمد قال : (( من كان مثل ابن ليهعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه ؟! )) ، وكذا نقله النسائي عن أبي داود عن أحمد .
وذكر جعفر الفرياني عن بعض أصحابه عن قتيبة قال : قال لي أحمد : (( أحاديثك عن ابن ليهعة صحاح ! لأنا كنا نكتب من كتاب عبد الله بن وهب ، ثم نسمعه من ابن ليهعة )) .
وقال الثوري : (( عندي ابن ليهعة الأصول ، وعندنا الفروع )) .
وكان ابن وهب يقول : (( حدثني – والله – الصادق البار : عبد الله بن ليهعة )) .
وأثنى عليه أحمد بن صالح المصري وقال :(( هو صحيح الكتاب ، فمن ضبط عنه من إملائه من كتابه فحديثه صحيح ، قال وأنا أذهب إاى أنه لا يترك محدث حتى يجتمع أهل صرة على ترك حديثه ))
قال ابن عدي : (( هو حسن الحديث يكتب حديثه )) .
وقد حدث عنه الثقات : الثوري ، وشعبة ، ومالك ، وعمرو بن الحارث والليث بن سعد .
خرّج مسلم حديثه مقروناً بعمرو بن الحارث . وأما البخاري والنسائي فإذا ذكر إسناداً فيه ابن ليهعة وغيره سميا ذلك الغير ، وكنيها عن اسم ابن ليهعة ولم يسميا .
وممن يضطرب في حديثه أيضاً :
شهر بن حوشب
وهو يروي المتن الواحد بأسانيد متعددة .
ومنهم : ليث بن أبي سليم .
ويزيد بن أبي زياد الكوفي .
ومنهم : عبد الملك بن عمير .
على أن حديثه مخرج في الصحيحين .
وقال أحمد : (( هو مضطرب الحديث جداً ، وهو أشد اضطراباً من سماك )) .
وممن يضطرب في حديثه : سماك .
وعاصم بن بهدلة .
وقد ذكر الترمذي أن هؤلاء وأمثالهم ممن تكلم فيه من قبل حفظه وكثرة خطئه لا يحتج بحديث أحد منهم إنما انفرد ، يعني في الأحكام الشرعية والأمور العلمية ، وأن أشد ما يكون ذلك إذا اضطرب أحدهم في الإسناد فزاد فيه أو نقص ، أو غير الإسناد ، أو غيّر المتن تغيراً يتغير به المعنى .
ومثال ذلك : حديث واحد رواه ابن ليهعة فزاد في إسناده على الناس ، ورواه أيضاً بغير الإسناد الذي رواه به الناس ، ورواه بمعنى غير معنى حديث الناس :
روى الليث بن سعد وعمرو بن الحارث وعبد الحميد بن جعفر كلهم عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحارث بن حزء قال : (( أنا أول من سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : (( لا يبول أحدكم مستقبل القبلة . وأنا أول من حدث الناس بذلك )) .
وفي رواية الليث بن سعد وغيره عن يزيد [ بن أبي حبيب ] أنه سمع عبد الله بن الحارث يذكره . ورواه ابن ليهعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن جبلة لن نافع عن عبد الله بن الحارث ، ( فزاد رجلاً في إسناده رجلاً . ورواه أيضاً عن عبد الله بن الحارث بن حزء سليمان بن زياد الحضرمي وسهيل بن ثعلبة .
وقد رواه عن سليمان بن زياد غير واحد ، منهم ابن ليهعة ، وانفرد ابن ليهعة فرواه عن عبيد الله بن المغيرة عن عبد البه بن الحارث بن جزء قال : (( رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبول مستقبل القبلة . وأنا أول من حدث الناس بذلك )) . وهذا اللفظ خطأ تفرد به ابن ليهعة وخالف رواية الناس كلهم .
وقد روى مسلم في مقدمة كتابه عن الحسن الحلواني سمعت يزيد بن هارون ، وذكر زياد بن ميمون فقال : (( حلفت أن لا أروي عنه شيئاً ، لقيته فسألته عن حديث ، فحدثني به عن بكر المزني ، ثم عدت إليه فحدثني به عن مورق ، ثم عدت إليه فحدثني به عن الحسن )) . فكان ينسبه إلى الكذب . انتهى .
فاختلاف الرجل الواحد في إسناد :
إن كان متهماً فإنه ينسب به إلى الكذب .
وإن كان سئ الحفظ نسب به إلى الاضطراب وعدم الضبط . وإنما يحتمل مثل ذلك ممن كثر حديثه وقوي حفظه ، كالزهري وشعبة ونحوهما .
وقد كان عكرمة يتهم في روايته الحديث عن رجل ثم يرويه عن آخر ، حتى ظهر لهم سعة علمه وكثرة حديثه ، ذكر معنى ذلك ابن ليهعة عن ابن هبيرة وأبي الأسود عن إسماعيل بن عبيد الأنصاري ، وكان من أصحاب ابن عباس .
* * *
*
فصل في الرواية بالمعنى *
قال الترمذي رحمه الله تعالى :
(
فأما من أقام الإسناد وحفظه وغير اللفظ فإن هذا واسع عند أهل العلم ، إذا لم يتغير به المعنى .
ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن وائلة بن الأسقع قال : (( إذا حدثناكم على المعنى فحسبكم )) .
ثنا يحيى بن موسى أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين قال : (( كنت أسمنع من عشرة اللفظ مختلف والمعنى واحد )) .
ثنا أحمد بن منيع ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن عون قال : (( كان إبراهيم النخعي والحسن والشعبي يأتون بالحديث على المعاني ، وكان القاسم بن محمد ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة يقيدون الحديث على حروفه )) .
ثنا عليّ بن خشرم ثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول قال : قلت لأبي عثمان النهدي : إنك تحدثنا بالحديث . ثم تحدثنا به على غير ما حدثتنا ؟! قال : (( عليك بالسماع الأول )) .
قال : حدثنا الجارود بن معاذ ثنا وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : (( إذا أصبت المعنى أجزأك )) .
ثنا علي بن حجر أنا عبد الله بن المبارك عن سيف هو ابن سليمان قال : سمعت مجاهداً يقول : (( انقص من الحديث إن شئت ولا تزد فيه )) .
ثنا أبو عمار الحسين بن حريث أنا زيد بن حباب عن رجل قال : خرج إلينا سفيان الثوري فقال : (( إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني ، إنما هو المعنى )) .
ثنا الحسين بن حريث قال سمعت وكيعاً يقول : (( إن لم يكن واسعاً فقد هلك الناس )) ) .
حديث وائلة [ بن الأسقع ] الموقوف ذكره في تاريخه ، وذكر أن أبا نعيم النخعي رواه عن العلاء بن كثير عن مكحول عن وائلة مرفوعاً . قال : (( ولا يصح ، والعلاء بن كثير منكر الحديث )) .
[
و] مقصود الترمذي رحمه الله بهذا الفصل الذي ذكره ههنا أن من أقام الأسانيد وحفظها وغيّر المتون تغيراً لا يغير المعنى أنه حافظ ثقة يعتبر بحديثه ، وبنى ذلك على أن رواية الحديث بالمعنى جائزة ، وحكاه عن أهل العلم .
وكلامه يشعر بأنه إجماع ، وليس كذلك ، بل هو قول كثير من العلماء ، ونص عليه أحمد ، وقال : (( ما زال الحفاظ يحدثون بالمعنى )) .
وإنما يجوز ذلك لمن هو عالم بلغات العرب ، بصيراً بالمعاني ، عالماً بما يحيل المعنى وما لا يحيله ، نص على ذلك الشافعي .
وقد روى كثير من الناس الحديث بمعنى فهموه منه فغيروا المعنى ، مثل ما اختصره بعضهم من حديث عائشة في حيضها في الحج أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لها وهي حائضاً : (( أتقضي رأسك وامتشطي )) وأدخله في أبواب غسل الحيض . وقد أنكر ذلك على من فعله لأنه يخل بالمعنى ، فإن هذا لم تؤمر به في الغسل من الحيض عند النقطاعه ، بل في غسل الحائض إذا أرادت الإحرام وهي حائض .
وروى بعضهم حديث : (( إذا قرأ – يعني الإمام – فأنصتوا )) بما فهمه من المعنى ، فقال : (( إذا قرأ الإمام ولا الضالين فأنصتوا )) ، فحمله على فراغه من القراءة لا على شروعه فيها .
وروى بعضه حديث : (( كنا نؤديه على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم )) ، يريد زكاة الفطر فصحف (( نؤديه )) فقال : (( نورثه )) ثم فسره من عنده فقال : يعني الجد )) . كل هذا تصرف سئ لا يجوز مثله .
فأما الرواية بلفظ آخر ى يختل به المعنى فهو الذي ذكر الترمذي جوازه عند أهل العلم ، وذكر عمن ذكره من السلف .
وروى عن الحسن أنه استدل بأن الله يقص قصص القرون السابقة بغير لغاتها .
وروى قتادة عن زرارة بم أوفى قال : (( لقيت عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاختلفوا على في اللفظ ، واجتمعوا في المعنى )) .
وقد روى إجازة ذلك أيضاً عن عائشة ، وأبي سعيد الخدري ، وابن عباس ، وفي أسانيدها نظر .
وروى معناه عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس – أنهم كانوا يحدثون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثم يقولون : (( أن نحو هذا أو شبهه )) ، وكان يقول أنس : (( أو كما قال )) . وهو أيضاً قول عمرو بن دينار ، وابن أبي نجيح ، وعمرو بم مرة ، وجعفر بن محمد ، وحماد بن زيد ، ويحيى بن سعيد ، ويزيد بن هارون ، وابن عيينة ، وأبي زرعة ، وحكي عن أكثر الفقهاء ، وروى فيها أحاديث مرفوعة لا يصح شئ منها .
وكان ابن عمر رضي الله عنه يشدد لفظ الحديث ، وينهي عن تغير الشئ منه ، كذلك محمد بن سيرين ، والقاسم بن محمد ، ورجاء بن حيوة . وهو قول مالك في حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاصة ، دون حديث غيره ، وروى عنه قال : (( أستحب ذلك )) .
وحكى الإمام أحمد عن وكيع أنه كان يحدث على المعنى ، وأن ابن مهدي كان يتبع الألفاظ ويتعاهدها .
ورخص طائفة في النقص في الحديث للشك فيه ، دون الزيادة ، منهم : مجاهد ، وابن سيرين ، وروى أيضاً عن مالك أنه كان يترك منه كل ما شك فيه .
وقد قال ابن حبان في أوائل كتاب الضعفاء : (( لفظ الحافظ إذا حدث من حفظه وليس بفقيه لا يجوز عندي الاحتجاج بخبره ، لأن الحفاظ الذيم رأيناهم أكثرهم كانوا يحققون الطرق والأسانيد دون المتون ، ولقد كنا نجالسهم برهة من دهرنا على المذاكرة ، ولا آراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة يشيرؤون إليها .
وما رأيت على أديم الأرض من كان يحسن صناعة السنن ويحفظ الصحاح بألألفاظها ، ويقوم بزيادة كل لفظة زاد في الخبر ثقة حتى كأن السنن نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط .
فإذا كان الثقة الحافظ لم يكن بفقيه وحدث من حفظه ربما قلب المتن وغيّر المعنى ، حتى يذهب الخبر عن معنى ما جاء فيه ، ويقلبه إى شئ ليس منه ، وهو لا يعلم . فلا يجوز عندي الاحتجاج بخبر من هذا نعته إلا أن يحدث من كتاب ، أو يوافق الثقات فيما يرويه من متون الأخبار )) . انتهى .
وفيما ذكر نظر ، وما أظنه سبق إليه ، ولو فتح هذا الباب لم يحتج بحديث انفرد به عامة حفاظ المحدثين كالأعمش وغيره ، ولا قائل بذلك .
اللهم إلا أن يعرف من أحد أنه كان لا يقيم متون الأحاديث ، فيتوقف حينئذ فيما انفرد به . فأما هذا الظن فيمن ظهر حفظه وإتقانه فلا يكفي في رد حديثه . والله أعلم .
*
تفاضل أهل العلم بالحفظ والاتقان *
قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله :
(
وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع ، مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم :
حدثنا محمد بن حميد الرازي ثنا جرير عن عمارة بن القعقاع قال قال لي إبراهيم النخعي : (( إذا حدثتني فحدثني عن أبي زرعة بن عمرو ابن جرير ، فإنه حدثني مرة بحديث ، ثم سألته بعد ذلك بسنين فلم يخرح منه حرفاً )) .
ثنا أبو حفص عمرو بن علي ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سعفيان عن منصور قال قلت لإبراهيم النخعي : (( ما لسالم بن أبي الجعد أتمّ حديثاً منك ؟ )) قال : (( لأنه كان يكتب )) .
حدثنا عبد الجبار بن العلاء ثنا سفيان بن عيينة قال : قال عبد الملك بن عمير : (( إني لأحدث الحديث فما أدع منه حرفاً )) .
ثنا الحسين بن مهدي البصري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة قال : (( ما سمعت أذناي شيئاً قط إلا وعاه قلبي )) .
حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار قال : (( ما رأيت أحداً أنص للحديث من الزهري )) .
أخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا سفيان بن عيينة قال قال أيوب السختياني : ما علمت أحداً كان أعلم بحديث أهل المدينة بعد الزهري من يحيى بن أبي كثير )) .
حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد قال : (( كان ابن عون يحدث فإذا حدثته عن أيوب بخلافه تركه . فأثول : قد سمعته ! )) فيقول : إن أيوب أعلمنا بحديث محمد بن سيرين )) .
أخبرنا أبو بكر بن علي بن عبد الله قال قلت ليحيى بن سعيد : (( أيهما أثبت : هشام الدستوائي أو مسعر ؟ قال : (( ما رأيت مثل مسعر )) كان مسعر من أثبت الناس )) .
حدثنا أبو بكر عبد القدوس بن محمد قال : وثنا أبو الوليد قال سمعت حماد بن زيد يقول : (( ما خالفني شعبة في شئ إلا تركته )) .
قال أبو بكر حدثني أبو الوليد قال قال لي حماد بن سلمة : (( إن أردت الحديث فعليك بشعبة )) .
حدثنا عبد بن حميد ثنا أبو داود قال قال شعبة : (( ما رويت عن رجل حديثاً إلا أتيته أكثر من مرة . والذي رويت عنه عشرة مرار ، ( والذي رويت عنه خمسين حديثاً أتيته أكثر من خمسين مرة ) . والذي رويته عنه مائة أتيته أكثر من مائة مرة !! إلا حيان البارقي ، فإني سمعت منه هذه الأحاديث ، ثم عدت إليه فوجدته قد مات )) .
حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن أب الأسود أنا ابن مهدي قال سمعت سمعت سفيان يقول : (( شعبة أمير المؤمنين في الحديث )) .
حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال سمعت يحيى بن سعيد يقول : (( ليس أحد أحب إلىّ من شعبة ، ولا يعدله أحد عندي )) وإذا خالفه سفيان يقول سفيان )) .
قال علي : قلت ليحيى : (( أيهما كان أحفظ للأحاديث الطوال : سفيان أو شعبة ؟ قال : كان شعبة أمر فيها ، قال يحيى : وكان شعبة أعلم بالرجال فلان عن فلان . وكان سفيان صاحب أبواب )) .
حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال سمعت وكيعاً يقول : قال شعبة : (( سفيان الثوري أحفظ مني ، ما حدثني سفيان عن شيخ بشئ فسألته إلا وجدته كما حدثني )) .
حدثنا عمرو بن علي قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : (( الأئمة في الحديث أربعة : سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، والأوزاعي ، وحماد بن زيد )) .
قال أبو عيسى : سمعت إسحاق بن موسى الأنصاري قال : سمعت معن بن عيسى الفزار يقول:(( كان مالك بن أنس يشدد في حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الباء والتاء ونحوهما
أخبرنا أبو موسى حدثني إبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري قاضي المدينة قال : (( مرّ مالك بن أنس على أبي حازم وهو جالس فجازه ، فقيل له ؟ قال إني لم أجد وضعاً أجلس فيه ، وكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا قائم )) .
أخبر نا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال قال يحيى بن سعيد : (( مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلىّ من سفيان الثوري عن إبراهيم النخعء . قال يحيى : ما في القوم أحد أصح حديثاً من مالك بن أنس . كام مالك إماماً في الحديث )) .
سمعت أحمد بن الحسن يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول : (( ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان )) .
قال أحمد بن الحسن : (( وسئل أحمد بن حنبل عن وكيع وعبد الرحمن ابن مهدي ؟ )) قال أحمد : (( وكيع أكبر في القلب ، وعبد الرحمن إمام )) .
سمعت محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي البصري يقول : سمعت علي بن المديني يقول : (( لو حلفت بين الركن والمقام – لحلفت أني لم أر أحداً أعلم من عبد الرحمن بن مهدي )) .
قال أبو عيسى : والكلام في هذا والرواية عن أهل العلم يكثر وإنما بينا شيئاً منه على الاختصار ليستدل به على منازل أهل العلم ، وتفاضل بعضهم على بعض في الحفظ والاتقان ، ومن تكلم فيه من أهل العلم لأي شئ تكلم فيه )) .
*
أقسام الرواة وأحكامها *
قد ذكرنا فيما تقدم أن الرواة ينقسمون أربعة أقسم :
أحدها : من يتهم بالكذب .
والثاني : من لا يتهم لكن الغالب على حديثه الوهم والغلط ، وأن هذين القسمين يترك حديثهم إلا لمجرد معرفته .
والثالث : من هو صادق ويكثر في حديثه الوهم ولا يغلب عليه . وقد ذكرنا الاختلاف في الرواية عنه وتركه .
والرابع : الحفاظ الذي يندر أو يقل الغلط والخطأ في حديثهم ، وهذا القسم المحتج به بالاتفاق .
وقد ذكر الترمذي حكم الأقسام الثلاثة فيما تقدم وذكر هاهنا :
حكم القسم الرابع
وهم الحفاظ المتقنون الذين يقل خطؤهم
وذكر أنه لم يسلم من الغلط والخطأ كبير أحد من الأئمة مع حفظهم ، وهو كم قال .
وقال ابن معين : (( من لم يخطئ فهو كذاب )) .
وقال ابن معين : (( لست أعجب ممن يحدث فيخطئ ، وإنما أعجب ممن يحدث فيصيب ! )) .
وقال ابن المبارك : (( ومن يسلم من الوهم ؟ )) .
وقد وهمت عائشة جماعة من الصحابة في رواياتهم للحديث وقد جمع بعضهم جزءاً في ذلك .
ووهم سعيد بن المسيب ابن عباس في قوله : (( تزوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميمونة وهو محرم )) .
وقرأت بخد أبي حفص البرمكي الفقيه الحنبلي : ذكرت لأبي الحسن – يعني الدار قطني - : جاء عمرو بن يحيى المازني في ذكره الحمار موضع البعير ، في توجه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى خيبر ، وأن أحد لم يضعفه بذلك . فقال أبو الحسن : (( مثل هذا في الصحابة ، قال : روى رافع بن عمرو المزني قال : (( رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ناقة أو حمل ، أفيضعف الصحابي بذلك ! )) . انتهى .
وقد ذكر الأثرم لأحمد أن ابن المديني كان يحمل على عمرو بن يحيى ، وذكر له هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى على حمار ، ، وقال : إنما هو على بعير ، فقال أحمد :
((
هذا سهل )) .
وقال : (( حماد بن زيد قد أخطأ في غير شئ )) .
وقال علي بن المديني : (( المحدثون صحفوا وأخطأوا ، ما خلا أربعة )) يزيد بن زريع ، وابن علية ، وبشر بن المفضل ، وعبد الوارت بن سعيد )) .
وقال البرذعي : (( شهدت أبا زرعة ذكر عبد الرحمن بن مهدي ومدحه وأطنب في مدحه ، وقال : وهم في غير شئ ، ثم ذكر عدة أسماؤ صحفها ، وقال : قال : عن سماك عن عبد الله بن ظالم ، وإنما هو مالك بن ظالم )) .
وقال ابن معين : (( يحيى بن زكريا بن أبي زائدة كيس لا أعلم أخطأ إلا في حديث واحد )) .
وقد ذكر الترمذي ههنا :
تراجم طائفة من أعيان الحفاظ مختصرة
فنذكرهم ، ويذكر معهم ممن لك يسمعه أيضاً ، على وجه الاختصار ، إن شاء الله تعالى :
فمنهم : أبو زرعة بن عمرو بن جرير :
واسمه : هرم ، وقيل : عبد الرحمن ، قاله ابن معين وغيره ، وقيل : عبد الله ، وقيل : عمرو . وجده جرير بن عبد الله البجلي الكوفي . يروي عن جده جرير وعن أبي هريرة ، وروى عنه إبراهيم النخعي وغيره .
قال ابن أبي خيثمة : حدثنا أبي ثنا جرير عن عمارة بن القعقاع قال : قال لي إبراهيم : (( حدثني عن أبي زرعة ، فإني سألته عن حديث ، ثم سألته عنه بعد سنتين فما أخرم منه حرفاً )) .
وخرّجه ابن عدي عن الحسين بن يوسف الفربري عن أبي عيسى الترمذي عن ابن حميد كما خرجه الترمذي ههنا .
ومنهم : سالم بن أبي الجعد :
واسم أبي الجعد رافع الأشجعي ، مولاهم ، الكوفي ، وهو ثقة متفق على حديثه .
وكلام منصور الذي خرجه الترمذي خرجه ابن عدي عن الحسين بن يوسف عن الترمذي ، مع أن بعضهم تكلم في سالم [ بن أبي الجعد ] : قال ابن جرير : ثنا ابن حميد حدثنا جرير عن المغيرة قال : (( ثلاثة كانوا لا يعبأون بحديثهم ، فذكر أحدهم سالم بن أبي الجعد )) .
ومنهم : عبد الملك بن عمير القرشي الكوفي :
يكنى أبا عمرو ، وهو ثقة متفق على حديثه .
وقد سبق أن أحمد قال : هو كثير الاضطراب ، وقدم سماكاً وعاصم بن أبي النجود عليه في الاضطراب ، يعني أنه أكثر منهما اضطراباً .
وقال أحمد : حدثنا سفيان سمعت عبد الملك بن عمير يقول : (( والله إني لأحدث بالحديث وما أدع منه حرفاً )) . وخرجه ابن عدي عن الحسين بن يوسف عن الترمذي كما خرجه هنا .
وقال ابن أبي حاتم : ثنا صالح بن أحمد ثنا علي بن المديني قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : (( كان سفيان يعجب من حفظ عبد الملك ! ، قال صالح : قلت لأبي : هو عبد الملك بن عمير ؟ قال : نعم ، قال ابن أبي حاتم : فذكرته لأبي ؟ قال : (( هذا وهم ! إنما هو عبد الملك بن أبي سفيان ، وعبد الملك بن عمير لم يوسف بالحفظ )) .
ومنهم : قتادة بن دعامة :
السدوسي ، البصري ، يكنى أبا الخطاب .
أحد الأئمة الأعلام ، والحفاظ ، والثقات المتفق على صحة حديثهم ، وإليه المنتهى في الحفظ والاتقان
قال أبو هلال : عن غالب بن بكر بن عبد الله المزني : (( من سره أن ينظر إلى أحفظ من أدركنا في زمانه ، وأجدر أن أن يؤدي الحديث كما سمعه – فلينظر إلى قتادة ! ما رأيت الذي هو أحفظ منه ، ولا أجدر أن يؤدي الحديث كما سمعه )) .
وقال الصعق بن حزن : ثنا زيد أبو عبد الواحد قال سمعت سعيد بن المسيب يقول : (( ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة )) .
وروى عبد الرزاق عن معمر أن ابن سيرين قال في منام قص عليه فعبره ، فقال : (( قتادة أحفظ الناس )) .
وقال موسى بن إسماعيل ثنا صاحب ثنا عن مطر الوراق قال (( كان قتادة إذا سمع الحديث حفظه حفظاً ، وكان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه )) .
وقال أحمد ثنا عبد الرزاق عن معمر قال قال قتادة لسعيد : (( خذ المصحف ، فعرض عليه سورة البقرة فلم يخط فيها حرفاً واحداً . فقال : أحكت ؟ قال : نعم ، قال : (( لأنا لصحيفة جابر بن عبدالله أحفظ مني لسورة البقرة ، وكانت قرئت عليه )) . وبهذا الإسناد عن قتادة قال : (( ما قلت لأحد قط : أعيد عليّ )) .
وقال أبو داود الطيالسي : (( ذكر سفيان لشعبة حديثاً للقتادة ، فقال سفيان: وكان في الدنيا مثل قتادة ! )) .
ومنهم : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري :
القرشي ، يكنى أبا بكر ، أحد الأئمة الأعلام الحفاظ الأثبات ، وكان يقال : (( أنه أعلم الناس بكل فن )) .
قال ابن أبي خيثمة : حدثنا أبو سلمة التبوذكي ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : (( جالست جابر بن عبد الله ، وابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير ، فلم أر أحداً أنسق للحديث من الزهري )) .
وقال أحمد بن حنبل : قيل لسفيانيعني ابن عيينة – قال عمرو بن دينار : (( أرأيت أحداً أبصر بالحديث من الزهري ؟ )) قال : (( نعم )) .
وروى ابن عدي بإسناده عن الليث قال : كان ابن شهاب يقول : (( ما استودعت قلبي شيئاً قط فنسبته )) .
وعن عمر بن عبد العزيز قال:((ما رأيت أحداً أحسن سوقاً للحديث – إذا حدّث – من الزهري)) .
وعن أيوب السختياني قال : (( ما رأيت أعلم من الزهري ! قيل له : ولا الحسن ؟! قال : ما رأيت أعلم من الزهري ! )) .
وقال عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري : (( ما استعدت حديثاً قط ، ولا شككت في حديث قط ، إلا حديثاً واحداً ، فإذا هو كما حفظت )) .
وقال أحمد : (( الزهري أحسن حديثاً وأجود الناس إسناداً )) .
وكان عمر بن عبد العزيز يقول : (( لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه )) . وكذا قال مكحول .
وقال الثوري : (( مات الزهري يوم مات وما أحد أعلم بالسنة منه )) .
وقال هشام بن عمار أخبرنا الوليد عن سعيد (( أن هشام بن عبد الملك سأل الزهري أن يملي على بعض ولده شيئاً من الحديث ؟ فدعا بكاتب فأملى عليه أربعمائة حديث ، فخرج الزهري من عند هشام ، فقال : أين أنتم يا أصحاب الحديث . فحدثهم بتلك الأربعمائة . ثم لقي هشاماً بعد شهر أو نحوه ، فقال الزهري : إن ذلك الكتاب قد ضاع ، فقال : لا عليم ، فدا بكاتب فأملها عليه ، ثم قابل هشام بالكتاب الأول فما غادر حرفاً واحداً ! )) .
وقال أبو حاتم الرازي : (( أثبت أصحاب أنس الزهري ، ثم قتادة ، ثم ثابت البناني )) .
ومنهم يحيى بن أبي كثير الطائي :
يكنى أبا نصر ، من أهل اليمامة ، واسم أبي كثير صالح بن المتوكل ، كان أحد الأئمة الربانيين ، والحفاظ المتقنين .
قال أيوب : (( ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير ))
وذكر ابن المديني أنه سمع يحيى بن سعيد يقول قال شعبة : (( حديث يحيى بن أبي كثير أحسن من حديث الزهري )) .
وروى عبد الرحمن بن الحكم بن بشير قال : (( كان شعبة يقدم يحيى بن أبي كثير على الزهري )) . والحكاية التي ذكرها الترمذي عن أيوب خرّجها ابن عدي عن الحسين بن يوسف عن الترمذي ، وكان يحيى بن أبي كثير يرسل .
وضعف يحيى بن سعيد مرسلاته وقال : (( هي شبه الريح )) .
وقال أحمد : (( لا تعجبني مراسيله ، لأنه قد روى عن رجال ضغار ضعاف )) .
وليحيى ابن أبي كثير كلام حسن في علم المعارف والمحبة والخشية والمخاوف .
ومنهم : أيوب بن أبي تميمة السختياني :
البصري يكنى أبا بكر ، واسم أبيه كيسان ، أحد الأئمة الأعلام الربانيين الحفاظ الأثبات .
وكان شعية يقول : (( حدثنا أيوب السختياني وكان سيد الفقهاء )) .
وقال أبو خشينة : (( سألت محمد بن سرين من حدثك بحديث كذا وكذا ؟ قال : حدثني الثبت الثبت أيوب )) .
حدث عنه مالك بن أنس وقال : (( ما حدثكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه )) . وروى عن شعبة مثله .
وعن هشام بن عروة قال :((ما قدم علينا أحد من أهل العراق أفضل من أيوب السختياني ومسعر ))
وقال ابن أبي مليكة : (( أيوب ما بالمشرق مثله ! )) .
وقال عبد الوهاب الثقفي سمعت ابن عون يقول : (( عليكم بأيوب فإنه أعلم مني ، قال : وسمعت يونس يقول : عليكم بأيوب فإنه أعلم مني )) .
وقال ابن المبارك : (( لم أر رجلاً أفضل من أيوب )) .
وقال القواريري سمعت حماد بن زيد يقول : (( سمعت أيوب ويحيى بن عتيق وهشاماً يتذاكرون حديث محمد يعني ابن يسرين ، فذكروا حديثاً ، فقال أيوب : هو كذا ، فخالفه هشام ، وسحيى ، ثم لم يقوما حتى رجعا إلى حفظ أيوب ، قال : فأراد أيوب أن يضع من نفسه فقال : وما الحفظ ؟ وأي شئ الحفظ ؟ ! هذا فلان يحفظ . قال حماد : رجل رأيته يضحك به )) .
وقال ابن معين : (( أيوب ثقة ، وهو أثبت من ابن عون ، وإذا اختلف أيوب وابن عون في الحديث فأيوب أثبت منه )) .
وسئل ابن معين وابن عون عن أحاديث أيوب اختلاف ابن عليه وحماد ابن زيد ؟ فقال : إن أيوب كان يحفظ ، وربما نسي الشئ )) .
قال يحيى : وأخبرني عبد الصمد ابن عبد الوراث عن أبيه عن أيوب أنه كان إذا قدم البصرة يقول : (( خلوها رطبة قبل أن تتغير )) . ولم يكن يكتب ولا يكتب .
قيل ليحيى : (( كان شعبة هم أن يترك حديث أيوب ؟ . قال : كان أيوب خيراً من شعبة ، ولكن لحال أنه كان يتحفظ ولم يكن يكتب )) .
قال يحيى : (( أيوب ، ويونس ، وابن عون هؤلاء خيار الناس ، وسليمان التيمي أيضاً )) .
وذكر ابن مهدي عن حماد بن زيد قال لي أيوب : (( لقد كنت أجمعت أن لا أحدث بشئ اختل عليّ فيه )) .
وقل سلاّم بن أبي مطيع قال أيوب : (( لو كنت كاتباً عن أحد من الناس كتبت عن ابن شهاب )) .
ومنهم مسعر بن كدام :
ابن ظهير بن رافع الهلالي الرواسي . وقيل له : الرّواسي لكبر رأسه ، يكنى أبا سلمة ، أحد الأئمة الأعلام الكوفيين ، كان هشام بن عروة يقول : (( ما رأيت بالكوفة مثله )) .
وقال ابن عيينة : (( ما رأيت أفضل من مسعر )) وقال يحيى ابن سعيد : (( ما رأيت مثل مسعر )) . وكان ابن عيينة يحدث عن مسعر ويقول : (( كان مسعر من معادن الصدق )) .
وقال الثوري : (( كنا إذا اختلفنا في شئ سألنا مسعراً عنه )) .
وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري :((كان شعبة وسفيان إذا اختلفا قالا اذهبا بنا إلى الميزان :مسعر)) .
قال ابن المديني قلت ليحيى بن سعيد : (( أيما أثبت هشام الدستوائي أو مسعر ؟ قال : كان مسعر أثبت الناس )) .
وقال أبو نعيم : (( ما رأيت أثبت في حديث من مسعر )) .
وقال ابن عيينة قالوا للأعمش : (( إن مسعراً يشك في الحديث ؟ قال : شك مسعر أحب إلىّ من يقين غيره )) .
وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن شعبة قال : (( كنا نسمي مسعراً المصحف )) ، كأنه يريد إتقانه وضبطه . وكان مسعراً قانتاً لله ، مخلصاً يجتنب الشهرة ، ويحب الخمول . وقد نسب إلى شئ من الإرجاء ، فتكلم فيه الثوري وشريك بسبب ذلك .
ومنهم : شعبة بن الحجاج بن الورد :
العتكي الأزدي الواسطي ، : يكنى أبا بسطام . سكن البصرة .
وهو أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل واتصال الأسانيد وانقطاعها ، ونقب عن دقائق علم العلل . وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم .
وقال صالح بن محمد الحافظ : (( أول من تكلم في الرجال شعبة ابن الحجاج ، ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان ، ثم تبعه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين .
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : (( كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن )) يعني في الرجال ، وبصره في الحديث ، وتثبته وتنقيته للرجال .
وقال عبد الله بن إدريس : (( كان شعبة قبان المحدثين )) .
وقال حماد بن زيد قال لنا أيوب : (( الآن يقدم عليكم رجل من أهل واسط هو فارس في الحديث فخذوا عنه . قال حماد : فلما قدم شعبة أخذت عنه )) .
وقال أبو الوليد الطيالسي قال لي حماد بن سلمة : (( إذا أردت الحديث فالزم شعبة )) .
قال أبو الوليد وسمعت حماد بن زيد يقول : (( لا أبالي من خالفني إذا وافقني شعبة ، لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة . إذا خالفني شعبة في شئ تركته )) .
وكان الثوري يقول : (( شعبة أمير المؤمنين في الحديث ، وكان يقول : أستاذنا شعبة )) .
قال الشافعي : (( لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق )) .
وقال أحمد : (( شعبة أثبت في الحكم من الأعمش ، وأعلم بحديث الحكم ، ولولا شعبة ذهب حديث الحكم . وشعبة أحسن حديثاً من الثوري ، لم يكن في زمان شعبة مثله في الحديث ، ولا أحسن حديثاً منه ، قسم له من هذا حظ ، وروى عن ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة لم يرو عنهم سفيان )) .
وقال أحمد أيضاً : (( كان شعبة أثبت من سفيان ، وأنقى رجالاً )) ؛ وقال مرة : (( شعبة أنبل رجالاً وأنسق حديثاً ، يعني من سفيان )) .
وقال علي بن المديني سمعت يحيى بن سعيد يقول : (( كان شعبة أعلم بالرجال فلان عن فلان كذا كذا.وكان سفيان صاحب أبواب.قال: وكان شعبة أمرّ في الأحاديث الطوالات ، يعني أسرد لها )) .
وقال أبو داود : (( لما مات شعبة ، قال سفيان : مات الحديث ! قيل له : هو أحسن حديثاً من سفيان ؟ قال : ليس في الدنيا أحسن حديثاً من شعبة ومالك على القلة ، والزهري أحسن حديثاً ، وشعبة يخطئ فيما لا يضره ، ولا يعاب عليه – يعني في الأسماء )) .
وقال العجلي : (( شعبة ثقة ثبت في الحديث ، وكان يخطئ في أسماء الرجال قليلاً )) .
وقال أحمد : (( ما أكثر ما يخطئ شعبة في أسامي الرجال )) . وقال أيضاً : (( كان شعبة يحفظ ، ثم يكتب إلا شيئاً قليلاً ، ربما وهم في الشئ )) .
وقال أحمد : (( سئل عفان أيما أقل خطأً شعبة أو سفيان . )) ، قال : (( شعبة بكثير )) .
قال يزيد بن هارون : (( لولا أن شعبة أراد الله ما ارتفع هكذا )) .
قال ابن أبي حاتم : (( يعني بكلامه في رواة العلم )) .
وقال أبو حاتم الرازي : (( كان الثوري قد غلب عليه شهوة الحديث وحفظه ، وكان شعبة أبصر بالحديث وبالرجال ، وكان الثوري أحفظ ، وكان شعبة بصيراً بالحديث جداً ، فهماً له ، كأنه خلق لهذا الشأن )) .
وقد خرج ابن عدي عن الحسين بن يوسف عن الترمذي عن عبد بن حميد الحديث الذي خرجه الترمذي ههنا في اختلاف شعبة إلى شيوخه .
وخرج أيضاً من حديث حماد بن زيد قال : (( إذا خالفني شعبة في الحديث تبعته ! قيل له : إن شعبة كان يسمع ويعيد ويبدي ، وكنت أنا أسمع مراة واحدة )) .
وقال يعقوب بن شيبة : يقال : (( إن شعبة إذا لم يسمع الحديث مرتين لم يعتد به ، سمعت سهل بن محمد العسكري أخبرني ابن أخي ابن أبي زائدة عن عمه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : سألت شعبة عن حديث ؟ فلم يحدثني به . وقال لي : لم أسمعه إلا مرة واحدة )) .
وقال أبو الوليد وقال حماد بن زيد : (( شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة ، يعاود صاحبه مراراً ، ونحن كنا إذا سمعنا مرة اجتزينا به .
ومنهم : سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري :
وليس من ثور همدان على الأصح – أو عبد الله الكوفي ، أحد الأئمة المجتهدين ، والعلماء الربانيين ، والحفاظ المبرزين .
وقد قال فيه شعبة،وابن عيينة،وأبو عاصم ، وابن معين ، وغيرهم : (( إنه أمير المؤمنين في الحديث ))
وقال ابن المبارك : (( ما كتبت عن أحد أفضل منه )) .
وعنه قال : (( ما رأيت مثل سفيان )) .
وعن يونس بن عبيد قال : (( ما رأيت أفضل من سفيان )) .
وقال ورقاء بن عمر : (( لم ير سفيان مثل نفسه )) .
وقال ابن عيينة : (( ما رأيت قط مثله )) .
[
و] قال عبد الرزاق : سمعت سفيان يقول : (( ما استودعت قلبي شيئاً [قط] فخانني ، وكان شعبة يقول : (( سفيان أحفظ مني ، وإذا خالفني في حديث فالحديث حديثه ! )) .
وقال يحيى بن سعيد : (( ما رأيت أحداً أحفظ من سفيان ثم شعبة ، ثم هشيم )) .
وقال محمد بن خلاد سمعت يحيى بن سعيد وذكر شعبة وسفيان فقال : (( سفيان أقل خطأً ، لأنه يرجع إلى كتاب )) .
وقال ابن عيينة : (( ما بالعراق أحد يحفظ الحديث إلا سفيان )) .
وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة : (( ما حدثني أحد عن شيخ إلا وإذا سألته يعني ذلك الشيخ يأتي بخلاف ما حدث به ، ما هلا سفيان الثوري ، فإنه لم يحدثني عن شيخ إلا وسألته وجدته على ما قال سفيان )) .
وقال أحمد : (( سفيان أحفظ للإسناد وأسماء الرجال من شعبة )) .
وقال إسحاق بن هانئ : (( قلت لأحمد : إن اختلف سفيان وشعبة في الحديث فالقول قول من ؟ )) . قال : (( سفيان أقل خطأً ، ويقول : سفيان آخذ )) ، وقال : (( الثوري أعلم بحديث الكوفيين ومشايخهم من الأعمش )) . وقال : (( علم الناس إنما هو عن شعبة ، وسفيان ، وزائدة ، وزهير ،
هؤلاء أثبت الناس وأعلم بالحديث من غيرهم )) .
وقال معاوية بن عمرو عن زائدة : (( كنا نأتي الأعمش فيحدثنا فيكثر ، ونأتي سفيان الثوري فنذكر له تلك الأحاديث فيقول : ليس هذا من حديث الأعمش ، فنقول : هم حدثنا به الساعة ! فيقول : اذهبوا فقولوا له إن شئتم ، فنأتي الأعمش فنخبره بذلك فيقول : صدق سفيان ، ليس هذا من حديثنا ! )) .
وقال أبو حاتم الرازي : (( هو إمام أهل العراق ، وأتقن أصحاب أبي إسحاق ، وهو أحفظ من شعبة ، وإذا اختلف شعبة والثوري فالثوري )) .
وقال أبو زرعة : (( كان الثوري أحفظ من شعبة في إسناد الحديث ومتنه )) .
وقال أبو داود : (( ليس يختلف سفيان وشعبة في شئ إلا يظفر به سفيان ، وخالفه في أكثر من خمسين حديثاً القول فيها قول سفيان ! )) .
قال : وبلغني عن يحيى بن معين أنه قال :((ما خالف أحد سفيان في شئ إلا كان القول قول سفيان))
وقال وهيب بن خالد : (( ما أدرك الناس أحفظ من سفيان )) .
قال الأشجعي : (( ذهبت مع سفيان إلى هشام بن عروة فجعل سفيان يسأل هشاماً ، وهشام يحدثه ، حتى إذا فرغ قال له سفيان : أعيدها عليك ؟ فأعادها إليه ! قال : ثم قال هشام لأصحاب الحديث : احفظوا كما حفظ صاحبكم . قالوا : لا نستطيع أن نحفظ كما حفظ ! )) .
وذكر العجلي عن بعض الكوفيين عن شريك قال : (( قدم علينا سالم الأفطس فأتيته ومعي قرطاس فيه مائة حديث ، فسألته عنها ؟ فحدثني بها وسفيان يسمع ، فلما فرغ قال لي سفيان : أرني قرطاسك ، قال : فأعطيته إياه فخرقه فرجعت إلى منزلي فاستلقيت على قفاي فحفظت منها سبعة وتسعين [حديثاً] ، وذهبت عني ثلاثة ، قال : وحفظها سفيان كلها ! )) .
كان سفيان ممروراً ، لا يخالطه شئ من البلغم ، لا يسمع شيئاً إلا حفظه ، حتى كان يخاف عليه .
وقال يحيى بن سعيد : (( سفيان فوق مالك في كل شئ )) .
وعن ابن المبارك قال : (( لا أعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان ! )) . وعنه قال : (( ما رأيت أحداً خيراً من سسفيان ! )) .
وعن ابن عيينة قال : (( ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام من سفيان )) .
وقال زائدة : (( سفيان أعلم الناس في أنفسنا ، وكان يرى أنه سيد المسلمين ! )) .
قال أحمد قال ابن عيينة : (( لن ترى بعينك مثل سفيان حتى تموت ! قال أحمد : هو كما قال )) .
قال أحمد : (( ما يتقدم سفيان في قلبي أحد ، ثم قال : أتدري من الإمام ؟ الإمام سفيان الثوري )) .
قال عبد الرحمن بن الحكم بن بشير : (( ما سمعت بعد التابعين بمثل سفيان )) .
وقال المثنى بن الصباح : (( سفيان عالم الأمة وعابدها )) .
وفضائله كثيرة جداً ، وهي مذكورة في كتبه كثيرة من تصانيف العلماء . وأفرد أبو الفرج ابن الجوزي مناقبه في مجلد .
قال علي بن المديني : (( لا أعلم سفيان صحف في شئ قط إلا في اسم امرأة أبي عبيدة ، وكان يقول : حُفينة )) . يعني أن الصواب جفينة بالجيم .
ومنهم : مالك بن أنس :
ابن أبي عامر الأصبحي ، إمام دار الهجرة ، المجتمع على إمامته ، وجلالته ، وفضله ، وعلمه .
قال الشافعي : (( إذا جاء الأثر فمالك النجم )) . وقال أيضاً : (( لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز )) ، وقال أيضاً : (( كان مالك إذا شك في الحديث تركه كله )) ، وقال أيضاً : (( العلم يدور على مالك ، وابن عيينة والليث ! )) .
وقال ابن مهدي : (( ما أقدم على مالك في صحة الحديث أحداً )) .
وقال يحيى بن سعيد : (( ما في القوم أصح حديثاً من مالك ، يعني بالقوم مالكاً ، والثوري ، وابن عيينة )) .
وقال أحمد : (( مالك أصح حديثاً من ابن عيينة )) ، قيل له : فمعمر ؟ فقدم عليه مالكاً . وسئل أي أصحاب الزهري أثبت ؟ قال : (( مالك أثبت في كل شئ )) .
وقال ابن معين : (( أثبت أصحاب الزهري مالك ، ثم معمر ، قال : ومالك أثبت في نافع من أيوب ، وعبيد الله بن عمر ، وليث ابن سعد )) .
وقال الفلاس : (( أثبت من روى عن الزهري ممن لا يختلف فيه مالك بن أنس )) .
قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول : (( كنت أنا وعلي بن المديني فذكرنا أثبت من روى عن الزهري ، فقال علي : سفيان ابن عيينة ، فقلت أنا : مالك بن أنس . وابن عيينة يخطئ في نحو من عشرين حديثاً عن الزهري . وقلت : هات ما أخطأ فيه مالك ؟ فجاء بحديثين أو ثلاثة ، قال : فنظرت ما أخطأ فيه سفيان بن عيينة فإذا هو أكثر من عشرين حديثاً )) .
وقال أبو حاتم الرازي : (( مالك إمام أهل الحجاز ، وهو أثبت أصحاب الزهري . وإذا خالفوا مالكاً من أهل الحجاز حكم لمالك ، ومالك نقي الرجال نقي الحديث ، وهو أتقن حديثاً من الثوري والأوزاعي ، وأقوى في الزهريمن ابن عيينة ، وأقل خطأ منه ، وأقوى من معمر وابن أبي ذئب )) .
وقال أحمد : (( مالك من أثبت الناس ، ولا تبالي أن لا تسأل عن رجل روى عنه مالك ، ولا سيما مديني )) .
وسئل أحمد عن مالك وابن عيينة في الزهري ؟ قال : (( مالك أثبت مع قلة ما روى )) .
وقال : (( معمر أحبهم إلىّ وأحسنهم حديثاً وأصح ، - يعني أصحاب الزهري – وبعده مالك )) .
وسئل أيما أثبت في نافع عبيد الله أو مالك ؟ قال : (( ليس أحد أثبت في نافع من عبيد الله )) ، كذا نقله المروذي عن أحمد .
ونقل ابن هانئ عن أحمد قال : (( أوثق أصحاب نافع عندي أيوب ثم مالك ثم عبيد الله )) .
ونقل ابن هانئ عنه أيضاً قال : (( ليس أحد في نافع أثبت من عبيد الله بن عمر ، ولا أصح حديثاً منه )) . وهذا كله يخالف قول ابن معين .
وقد روى ابن أبي حاتم من طريق ابن مهدي قال قال وهيب لمالك : (( لم أر أروى عن نافع من عبيد الله بن عمر إن كان حفظ ، فقال مالك : صدقت . قال وهيب : وقلت : (( لن أر أثبت عن نافع من أيوب ! ، فضحك مالك ، أي كأنه يريد مالك نفسه )) .
وذكر ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن عيينة قال : (( ومن كان أطلب لحديث نافع وأعلم به من أيوب؟! )) .
وقال ابن المديني : (( أثبتهم عندي أيوب )) .
وقال يحيى القطان : (( ابن جريج أثبت في نافع من مالك )) .
قال ( يحيى ) : (( ومرسلات مالك أحب إلىّ من مرسلات الأعمش والتيمي ويحيى بن أبي كثير وأبي إسحاق وابن عيينة والثوري )) .
قال يحيى : (( ليس في القوم أصح حديثاً من مالك )) .
وهذا معنى ما ذكره الترمذي عن يحيى أنه قال : (( مالك عن ابن المسيب أحب إلى من سفيان عن النخعي )) .
وقال النسائي : (( أمناء الله عزوجل على علم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : شعبة بن الحجاج ، ومالك بن أنس ، ويحيى بن سعيد القطان . قال : والثوري إمام إلا أنه كان يروي عن الضعفاء ، وكذلك بن المبارك من أجلّ أهل زمانه ، إلا أنه يروي عن الضعفاء )) .
قال : وما أحد عندي بعد التابعين أنبل من مالك ولا أجل ولا آمن على الحديث ، ثم إليه شعبة في الحديث ، ثم يحيى [بن سعيد] القطان . ليس بعد التابعين آمن على الحديث من هؤلاء الثلاثة ، ولا أقل رواية عن الضعفاء )) .
وقال يحيى القطان : (( سفيان وشعبة ليس لهما ثالث إلا مالك )) .
وقال ابن معين : (( مالك أمير المؤمنين في الحديث )) .
وقال ابن المديني : (( كل مدني لم يحدث عنه مالك – ففي حديثه شئ ، لا أعلم مالكاً ترك إنساناً في حديثه شئ )) .
ومنهم : عبد الرحمن بن عمرو بن يُحمد الأوزاعي :
أبو عمرو ، إمام أهل الشام ، وأحد الأئمة الأعلام .
ذكر إسماعيل بن عياش أنه سمع الناس سنة أربعين ومائة يقولون (( الأوزاعي اليوم عالم الأمة )) .
وقال مالك : (( الأوزاعي إمام يقتدى به )) . وكان مالك يرجحه على سفيان الثوري وغيره )) . أ
وقال عبد الله بن داود الخريبي : (( كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه )) .
قال ابن معين : (( الأوزاعي أثبت من سفيان بن عيينة )) .
وقال إسحاق بن إبراهيم : (( إذا اجتمع سفيان الثوري ومالك ابن أنس والأوزاعي على أمر فهو سنة ، وإن لم يكن في كتاب ناطق ، فإنهم أئمة )) .
وقال الفلاس : (( الأئمة خمسة : الأوزاعي بالشام ، والثوري بالكوفة ، ومالك بالحرمين ، وشعبة ، وحماد بن زيد بالبصرة )) .
وذكر ابن مهدي : الأئمة أربعة ، ولم يذكر شعبة ، وقد خرجه الترمذي ، وروي من غيروجه عن ابن مهدي .
وفي رواية عنه قال : (( أئمة الناس في زمانهم أربعة )) ، فذكرهم .
وقال ابن مهدي أيضاً : (( لم يكن بالشام أعلم بالسنة من الأوزاعي )) .
وذكر الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال : (( كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا منا نعرض الدرهم الزائف على الصيارفة ، فما عرفوا منه أخذنا ، وما أنكروا منه تركنا )) .
ومنهم : حماد بن زيد بن درهم :
أبو إسماعيل البصري أحد الأعلام الأثبات .
قال أحمد : (( هو من أئمة المسلمين ، من أهل الدين والإسلام ، وهو أحب إلى من حماد بن سلمة )) يعني في صحة الحديث .
وقال ابن مهدي : (( لم أر قط أعلم بالسنة وما يدخل في السنة من حماد بن زيد )) . وقال ابن مهدي أيضاً : (( ما رأيت أحداً لم يكتب الحديث أحفظ من حماد بن زيد )) .
وقال أيضاً : (( ما رأيت بالبصرة أفقه منه )) ، وروي عنه قال : (( ما رأيت أعلم من حماد بن زيد ولا من سفيان ولا من مالك )) .
وسئل وكيع : أيهما أحفظ حماد بن زيد أو ابن سلمة ؟ فقال : (( حماد بن زيد ، ما كنا نشبه حماد بن زيد إلا بمسعر )) .
وقال الثوري : (( هو رجل أهل البصرة )) .
قال يحيى بن يحيى : (( ما رأيت أحداً من الشيوخ أحفظ من حماد بن زيد )) .
وقال سليمان بن حرب : (( سمعت حماد بن زيد يحدّث بالحديث فيقول : سمعته منذ خمسين سنة ولم أحدث به قبل اليوم )) ، ولم يكن له كتب إلا كتاب ليحيى بن سعيد الأنصاري )) .
وقال يزيد بن زريع : (( حماد بن زيد أثبت في الحديث من حماد بن سلمة )) .
وقال ابن معين : (( حماد بن زيد أثبت من عبد الوارث وابن علية والثقفي وابن عيينة )) .
وقال أبو الوليد : (( يرون أن حماد بن زيد دون شعبة في الحديث )) .
قال أبو زرعة : (( حماد بن زيد أثبت من حماد بن سلمة بكثير ، أصح حديثاً وأتقن )) .
وقال أحمد : (( ما عندي أعلم بحديث أيوب من حماد بن زيد وقد أخطأ في غير شئ )) .
وقال ابن معين : (( ليس أحد أثبت في أيوب من حماد بن زيد )) .
وقال ابن مهدي : (( لم يكن عنده كتاب إلا جزء ليحيى بن سعيد ، وكله يخلط فيه )) .
وذكر ابن حبان وغيره أنه كان ضريراً ، وكان يحفظ حديثه كله .
وقال وهب بن جرير : (( سأل رجل شعبة عن حديث من حديث أيوب ؟ فقال له : يا مجنون تسألني عن حديث من حديث أيوب وحماد إلى جنبك ؟! )) .
وقال سليمان بن حرب : (( حماد بن زيد في أيوب أكبر من كل من روى عن أيوب )) .
وقال ابن معين : (( إذا اختلف إسماعيل بن علية وحماد ابن زيد في أيوب كان القول قول حماد : قيل ليحيى : فإن خالفه سفيان الثوري ؟ قا ل : فالقول قول حماد بن زيد في أيوب . قال يحيى : ومن خالفه من الناس جميعاً في أيوب فالقول قوله )) .
ولما مات حماد بن زيد قال يزيد بن زريع : (( مات سيد المسلمين !)) .
ومنهم : يحيى بن سعيد القطان :
أبو سعيد ، خليفة شعبة والقائم بعده مقامه في هذا العلم ، وعنه تلقاه أئمة هذا الشأن ، كأحمد وعلي ويحيى ونحوهم .
وقد كان شعبة يحكمه على نفسه في هذا العلم .
ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه عن رسته الأصبهاني قال سمعت ابن مهدي يقول : (( اختلفوا يوماً عند شعبة ، فقالوا : اجعل بيننا وبينك حكماً . فقال : قد رضيت بالأحوال ، يعني يحيى بن سعيد القطان ، فجاء يحيى فتحاكموا إليه ، فقضى شعبة ، فقال له شعبة : ومن يطيق نقدك يا أحول ؟! أو من له مثل نقدك ؟! )) .
وقال ابن معين قال لي عبد الرحمن بن مهدي:((لا ترى بعينيك مثل يحيى بن سعيد القطان أبداً ! )) .
وقال الإمام أحمد : (( ما رأينا مثل يحيى بن سعيد في هذا الشأن – يعني في معرفة الحديث ورواته – هو كان صاحب هذا الشأن – وجعل يرفع أمره جداً - )) .
وقال أحمد أيضاً : (( لم يكن في زمان يحيى القطان مثله ، كان تعلم من شعبة )) .
وسئل أحمد عن يحيى وابن مهدي ووكيع ؟ فقال : (( كان يحيى أبصرهم بالرجال ، وأتقاهم حديثاً ، وأظنه قال : وأثبتهم حديثاً )) .
وقال أيضاً : (( لا يقاس بيحيى بن سعيد في العلم أحد )) .
وقال أيضاً : (( يحيى بن سعيد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة )) .
وقال أيضاً : (( ما رأيت في الحديث أثبت منه )) .
قال سهل بن صالح : سألت أحمد بن حنبل ، فقلت : يحيى القطان وابن المبارك إذا اختلفا في حديث فقول من تقدم ؟ فقال : (( ليس تقدم نحن على يحيى أحداً )) .
وقال أبو حاتم الرازي : (( إذا اختلف ابن المبارك ويحيى ابن سعيد وسفيان بن عيينة في حديث آخذ بقول يحيى )) .
قال ابن المديني : (( ما رأيت أحداً أنفع للإسلام وأهله من يحيى ابن سعيد القطان )) .
قال علي : سمعت يحيى بن سعيد يقول : (( ينبغي لصاحب الحديث أن يكون ثبت الأخذ ، ويكون يفهمما يقال له ، ويبصر الرجال ، ثم يتعاهد ذاك )) .
[
و] قال البخاري : (( أعلم الناس بالثوري يحيى بن سعيد ، لأنه عرف صحيح حديثه من تدليسه ))
وقال أبو علي الحافظ : حدثنا أبو بكر الواسطي قال سمعت علي ابن المديني يقول : (( شعبة أحفظ الناس للمشايخ ، وسفيان أحفظ الناس للأبواب ، وابن مهدي أحفظهم ، قال : للشميخ والأبواب ، ويحيى بن سعيد أعرف بمخارج الأسانيد ، وأعرف بمواضع الطعن من جميعهم )) .
وقال يحيى بن غيلان سمعت يحيى بن سعيد يقول : (( ما تركت محمد بن إسحاق إلا لله )) .
[
و] قال أبو بكر بن خلاد : (( دخلت على يحيى بن سعيد في مرضه فقال لي : يا أبا بكر ما تركت أهل البصرة يتكلمون ؟ قلت : يذكرون خيراً ، إلا أنهم يخافون عليك من كلامك في الناس ، فقال : (( أحفظ عني : لأن يكون خصمي في الآخرة رجل عرض الناس – أحب إلىّ من أن يكون خصمي في الآخرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، يقول : بلغك عني حديث وقع في وهمك أنه عني غير صحيح ، يعني فلم تنكر )) .
ومنهم عبد الرحمن بن مهدي :
البصري ، قرين يحيى بن سعيد ، ويكنى أبا سعيد أيضاً .
قال حسين بن عروة : (( كنا عند حماد بن زيد ، وعنده عبد الرحمن بن مهدي ، فقال حماد : إن كان أحد يؤتى لهذا الشأن – فهو هذا الشاب )) .
وقال جرير الرازي : (( ما رأيت مثل عبد الرحمن بن مهدي )) ، ووصف عنه بصراً بالحديث وحفظاً .
وقال ابن المديني : (( كان ابن مهدي أعلم الناس قالها مراراً .
وفي رواية عنه قال : (( أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي )) ، وقال أيضاً : (( أعلم الناس يزيد بن ثابت وقوله عشرة ، وسماهم ، أولهم سعيد بن المسيب . قال : وكان اعلم الناس بقولهم وحديثهم – ابن شهاب ، ثم بعده مالك ، ثم بعده مالك عبد الرحمن بن مهدي )) .
وقال أبو حاتم محمد بن صفوان قال سمعت ابن المديني يقول : (( لو أخذت فاحلفت بين الركن والمقام ، لحلفت بالله أني لم أر أحداً قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي )) .
وقال صالح بن أحمد بن حنبل لأبي : (( أيما أثبت عندك عبد الرحمن بن مهدي أو وكيع ؟ ، قال : (( عبد الرحمن أقل سقطاً من وكيع في سفيان ، قد خالفه وكيع في ستين حديثاً من حديث سفيان ، وكان عبد الرحمن يجئ بها على ألفاظها ، وكان لعبد الرحمن توق حسن )) .
وقال محمد بن أبي بكر المقدمي : (( ما رأيت أحداً أتقن لما سمع ولما لا يسمع من عبد الرحمن بن مهدي )) .
وقال أبو حاتم الرازي : (( عبد الرحمن بن مهدي أثبت من يحيى بن سعيد ، وأتقن من وكيع ، وكان عرض حديثه على سفيان الثوري )) .
وقال الإمام أحمد أيضاً في ابن مهدي : (( رحمه الله – ما كان أشد للألفاظ وأشد توقيه ، وقال : (( كان حافظاً وكان يتوقى كثيراً / كان يحب أن يحدث باللفظ ، قال : وهو إمام من أئمة المسلمين ، وقال : لم يكن بكثير الحديث جداً ، كان الغالب عليه حديث سفيان ، قال : وكان يتوسع في الفقه ، كان فيه أوسع من يحيى ، كان يحيى يميل إلى قول الكوفيين ، وكان عبد الرحمن يذهب إلى بض مذاهب الحديث وإلى رأي المدنيين )) .
نقل ذلك كله الأثرم عن الإمام أحمد .
وقال أبو حاتم الرازي : (( سئل أحمد عن يحيى ، وعبد الرحمن ، ووكيع ؟ فقال : كان عبد الرحمن أكثرهم حديثاً )) .
وروى الحافظ أبو نعيم بإسناده عن القواريري قال : (( كان ابن مهدي يعرف حديثه وحديث غيره ، وكان يحيى بن سعيد يعرف حديثه )) .
وعن حماد بن زيد قال : (( لئن عاش ابن مهدي ليخرجن رجل أهل البصرة )) .
وعن حماد أنه سئل عن مسألة ؟ فقال : (( من لهذا إلا ابن مهدي ، فأقبل عبد الرحمن فسألوه عن ذلك فأجاب ، فلما قام من عنده قال : هذا سيد أو فتى البصرة منذ ثلاثين سنة أو نحو هذا )) .
وعن القواريري قال : (( أملى عليّ عبد الرحمن بن مهدي عشرين ألف حديث حفظاً )) .
وعن أحمد بن حنبل قال : (( كان عبد الرحمن بن مهدي خلق للحديث )) .
وعن مهنا : (( سألت أحمد أيهما أفقه عبد الرحمن أو يحيى ؟ قال : عبد الرحمن )) .
وعن ابن المديني قال : (( كان علم عبد الرحمن بن مهدي في الحديث كالسحر )) .
وقال نعيم بن حماد قلت لأبن مهدي : (( كيف تعرف صحيح الحديث وسقيمه ؟ قال : كما يعرف الطبيب المجنون )) .
وعن ابن نمير : (( صدق ، لو قلت له : من أين ؟ لم يكن له جواب )) .
وقال ابن مهدي : (( لا يجوز أن يكون الرجل إماماً حتى يعلم ما يصح وما لا يصح ، وحتى لا يحتج بكل شئ ، وحتى يعلم مخارج العلم )) .
وقال ابن مهدي : (( لأن أعرف علة حديث [واحد] أحب إليّ من أن استفيد عشرة أحاديث )) .
وعنه قال : (( لا يكون إماماً في الحديث من يحدث بكل ما سمع ، ولا يكون إماماً في العلم من يحدث عن كل واحد ، ولا يكون إماماً في العلم من يحدث بالشاذ من العلم ، والحفظ والاتقان )) .
ومنهم : وكيع بن الجرّاح :
ابن مليح بن عدي فرس ، أبو سفيان الرواسي ، الكوفي ، أحد الأئمة الأعلام .
قال أحمد : (( ما رأيت أحداً أوعى للعلم من وكيع ، ولا أشبه بأهل النسك )) . وقال أيضاً : (( كان وكيع حافظاً حافظاً وكان أحفظ من ابن مهدي كثيراً كثيراً )) .
وقال أيضاً : (( ما رأيت احداً ممن أدركنا كان أحفظ للحديث من وكيع )) . وقال أيضاً : (( كان وكيع يحفظ عن سفيان وعن المشايخ فلم يكن يصحف )) .
وقال أيضاً : (( ما رأيت أحداً كان أجمع من وكيع )) . قال : وما (( كتبت عن أحد أكثر مما كتبت عنه )) .
وقال إسحاق بن راهويه : (( حفظي وحفظ ابن المبارك تكلف ، وحفظ وكيع أصلي ، قام وكيع يوماً قائماً ووضع يده على الحائط ، وحدث سبعمائة حديث )) .
وقال بشر بن السري ، وسهل بن عثمان ، ويحيى بن معين : (( مار أينا أحفظ من وكيع )) .
(
و) قال إبراهيم بن شماس : (( وكيع أحفظ الناس )) .
وسئل أحمد عن يحيى وابن مهدي ووكيع ؟ فقال : (( كان وكسع أسردهم )) .
قال أبو حاتم : (( وكيع أحفز من ابن المبارك )) .
وقال يحيى بن يمان : (( إن لهذا الحديث رجالاً خلقهم الله منذ [ يوم ] خلق السموات والأرض ، وإن وكيعاً منهم )) .
وقال حماد بن زيد : (( ليس الثوري عندنا بأفضل من وكيع )) .
وسئل عبد الرحمن : (( من أثبت في الأعمش بعد الثوري ؟ قال : ما أعدل بوكيع أحداً ! ، قال له رجل : يقولون : أبو معاوية ، فنفر من ذلك ، وقال : أبو معاوية عنده كذا وكذا وهما )) .
وقال ابن معين : (( وكيع أحب إلىّ في سفيان من عبد الرحمن ابن مهدي ، فذكر ذلك لأبي حاتم وقيل له : أيهما أحب إليك ؟ فقال : عبد الرحمن ثبت ، ووكيع ثقة )) .
وظاهر هذا أنه قدم عبد الرحمن على وكيع .
وقال ابن معين : (( ما رأيت أحفظ من وكيع ! )) .
وقال أيضاً : (( من فضّل عبد الرحمن بن مهدي على وكيع لعنه يحيى )) .
وع عبد الرزاق قال : (( رأيت الثوري ، وابن عيينة ، ومعمراً ، ومالكاً ، ورأيت ، فما رأيت عيناي قط مثل وكيع ! )) .
وقال محمد بن عبد الله بن نمير : (( وكيع أعلم بالحديث من ابن إدريس ، وكانوا إذا رأوا وكيعاً سكتوا )) يعني للحفظ والإجلال .
* * *
فهذا ما أشار إليه الترمذي من تراجم بعض أعيان الأئمة الحفاظ المقتدى بهم في هذا العلم . و [قد] ذكر أنه على وجه الاختصار ، ليستدل به على منازلهم ، وتفاوت مراتبهم في الحفظ .
* * *
ونذكر بعض تراجم الأئمة
الذين تكرر ذكرهم في هذا الكتاب في أثناء الأبواب
وحكي عنهم الكلام في الجرح والتعديل والعلل ، ولم يذكرهم ها هنا :
فمنهم : عبد الله بن المبارك :
ابن واضخ الخراساني ، أبو عبد الرحمن ، إمام خراسان ، الجامع بين الخلال الحسان .
قال ابن عيينة : (( كان فقيهاً ، عالماً ، زاهداً ، سخياً ، شجاعاً ، شاعراً )) .
وقال أحمد : (( لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه ، رحل إلى اليمن ، وإلى مصر والشام والبصرة والكوفة ، وكان من رواة العلم ، وكان أهل ذاك .
كتب عن الصغار والكبار ، وجمع أمراً عظيماً ، ما كان أحد أقل سقطاً من ابن المبارك . وكان يحدث من حفظه ، لم يكن ينظر في كتاب )) .
وقال أيضاً : (( ما أخرجب خراسان مثل ابن المبارك )) .
وعن الثوري قال : (( ابن المبارك أعلم أهل المشرق وأهل المغرب )) .
وعن ابن عيينة قال : (( ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما )) .
وقال ابن مهدي : (( ما رأيت مثل ابن المبارك ! )) ، فقيل له : ولا سفيان ولا شعبة ؟! فقال : (( ولا سفيان ولا شعبة )) .
وقال معتمر بن سليمان : (( ما رأيت مثل ابن المبارك نصيب عنده الشئ الذي يصاب عند أحد )) .
وقال أبو الوليد الطيالسي : (( ما رأيت أجمع من ابن المبارك )) .
وروى ابن الطباع عن ابن مهدي قال : (( الأئمة أربعة : الثوري ومالك ، وحماد بن زيد ، وابن المبارك )) .
وقال أبو إسحاق الفزاري : (( ابن المبارك إمام المسلمين )) .
وقال نعيم بن حماد : (( قلت لابن مهدي : أيهما أفضل عندك ابن المبارك أو سفيان ؟ قال : ابن المبارك . قلت : إن الناس يخالفونك ! قال : إن الناس لم يجربوا ، ما رأيت مثل ابن المبارك )) .
وعنه قال : (( ابن المبارك أثبت من الثوري )) .
وقال سُنيد : عن شعيب بن حرب سمعت سفيان الثوري يقول : (( لو جهدت جهدي أن أكون في السنة ثلاثة أيام على ما عليه بن المبارك لم أقدر عليه ! )) .
وقال ابن عيينة : (( لا ترى عينك مثل ابن المبارك )) .
وسئل ابن معين : من أثبت في حيوة ، ابن المبارك أو ابن وهب ؟ قال : (( ابن المبارك أثبت منه – يعني ابن وهب – في جميع ما يروي،ثم قا ل:ابن المبارك بابه يحيى بن سعيد القطان،يعني أنه يشبهه )).
وقال أسود بن سالم : (( كان ابن المبارك إماماً يقتدى به ، كان من أثبت الناس في السنة . إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشئ فاتهمه على الإسلام )) .
وقال الأوزاعي لرجل : (( لو رأيت ابن المبارك لقرّت عينك )) .
ولما مات ابن المبارك قال الفضيل بن عياش (( ما خلّف بعده مثله )) .
وعن ابن عيينة قال : (( نظرت في الصحابة فما رأيت لهم فضلاً على ابن المبارك إلا صحبتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وغزوهم معه ! )) .
وعن أبي أسامه قال : (( كان ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس ! )) .
وقال شعيب بن حرب : (( ما لقي ابن المبارك رجلاً إلا وابن المبارك أفضل منه )) .
وقال الحسن بن عياش : (( لم يأخذ ابن المبارك في فن من الفنون إلا يخّيل إليك أن علمه كان فيه )).
وقال إسماعيل بن عياش : (( ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك ، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها فيه )) .
وقال عبد العزيز بن أبي زرمة : (( لم تكن خصلة من خصال البر إلا جمعت في ابن المبارك : حياء ، وكرم ، وحسن خلق ، وحسن صحبة ، وحسن مجالسة ، والزهد ، والورع ، وكل شئ )) .
وقال الحسن بن عيسى : (( اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك : مثل الفضل بن موسى ، ومخلد بن حسين ، ومحمد بن النضر ، فقالوا : تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير ، فقالوا : جمع العلم والأدب والنحو واللغة والزهد والشعر والفصاحة والورع والإنصاف وقيام الليل والعبادة والحج والغزو والشجاعة والفروسية والشدة في بدنه وترك الكلام فيما لا يعنيه وقلة الخلاف على أصحابه )) .
وقال العباس بن مصعب : (( جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والتجارة والسخاء والمحبة عند الفرق )) .
وقال ابن المديني : (( ابن المبارك أوسع علماً من ابن مهدي ويحيى بن آدم )) .
وقال جعفر الطيالسي : قلت لابن معين : (( إذا اخالف يحيى القطان ووكيع ؟ قال : القول قول يحيى . قلت : إذا اختلف عبد الرحمن ويحيى ؟ قال : يحتاج من يفصل بينهما ، قلت : أبو نعيم وعبد الرحمن ؟ قال يحتاج من يفصل بينهما ، قلت : ابن المبارك ؟ قال : ذاك أمير المؤمنين )) .
وقال النسائي : (( أثبت أصحاب الأوزارعي ابن المبارك )) .
وقال إبراهيم الحربي عن أحمد : (( إذا اختلف أصحاب معمر فالقول قول ابن المبارك )) .
قال نعيم بن حماد قال ابن المبارك : (( قال لي أبي : لئن وجدت كتبك لأحرقها ! فقلت له : وما عليّ من ذلك وهو في صدري )) .
وكان ابن المبارك يقول : (( لنا في صحيح الحديث شغل عن سقيمة )) . وقال : (( العلم ما يجيئك من هاهنا وهاهنا،يعني المشهور.وقيل له : (( هذه الأحاديث المسنوعة ! قال : تعيش لها الجهابذة )) .
وفضائله ومناقبه كثيرة جداً ، وله تصانيف كثيرة في فنون العلم . رضي الله عنه .
ومنهم : [ الإمام ] أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني :
أبو عبد الله ، ربّاني الأمة في وقته ، وعالمها ، وفيقيهها ، وحافظها ، وعابدها ، وازاهدها . وشهرة فضائله ومناقبه تغني عن الإطالة فيها .
وقد أفرد العلماء التصانيف لمناقبه . فمنهم من طوّل ، ومنهم من قصر . وممن افرد التصنيف لمناقبه ابن أبي حاتم ، وابن شاهين ، والبيهقي ، وأبو إسماعيل الأنصاري ، ويحيى بن منده ، وابن الجوزي . وقد أفردت مصنفاً لمناقبه .
ونذكر ههنا نبذة يسيرة من فضائله في الحديث وعلومه ، لأن المقصود يحصل بذلك ههنا :
قال عبد الله بن أحمد:((كتب أبي ألف ألف حديث،وترك لقوم لم يرو عنهم مائتي ألف حديث !)) .
وقال أبو زرعة : (( كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث ! فقيل له : وما يدريك ! قال : ذاكرته فأخذت عليه الأبواب ! )) .
وسئل أبو زرعة : أنت أحفظ أم أحمد بن حنبل ؟ قال : (( بل أحمد . قالوا : كيف علمت ذاك ؟ قال : وجدت كتب أحمد بن حنبل ليس فيها في أوائل الأجزاء ترجمة أسماء المحدثين الذين سمع منهم ، فكان يحفظ كل جزء ممن سمعه ، وأنا لا أقدر على هذا ! )) .
وعن أبي زرعة قال : أتيت أحمد بن حنبل فقلت : (( أخرج إلىّ حديث سفيان ، فأخرج إلىّ أجزاء كلها سفيان سفيان ، ليس على حديث منها ثنا فلان ! فظننت أنها عن رجل واحد ، فجعلت أنتخب ، فلما قرأ عليّ ، جعل يقول في الحديث : ثنا وكيع ويحيى ، وثنا فلان قال : فعجبت من ذلك ! . قال أبو زرعة : فجهدت في عمري أن أقدر على شئ من هذا فلم أقدر )) .
وقال عبد الله بن أحمد قال لي أبي : خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع ، من المصنف ، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد ، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك بالكلام )) .
وقيل لأبي زرعة : من رأيت من المشايخ المحدثين أحقظ ؟ قال : (( أحمد بن حنبل ! حزر كتبه اليوم الذي مات فيه ، فبلغت اثنى عشر حملاً وعدلاً ، ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان ، ولا في بطنه ثنا فلان ، وكل ذلك كان يحفظه من ظهر قلبه )) .
وقال صالح بن أحمد قال أبي : (( كتبت بخطي ألف ألف حديث ، سوى ما كتب لي )) .
وقال أحمد بن الدورقي سمعت أحمد يقول : (( نحن كتبنا الحديث من سنة أوجه وسبعة وجوه ولم نضبطه ، كيف يضبطه من كتبه من وجه واحد ، أو نحو هذا )) .
وقال أبو عبيد : (( انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل وهو أفقهم فيه ، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم له ، وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به ، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له )) .
وذكر يحيى بن منده في مناقب أحمد بإسناد له عن أبي عبيد قال : (( رباني العلم أربعة : فأعرفهم بالحلال والحرام أحمد بن حنبل ، وأحسنهم سياقة للحديث علي بن المديني ، وأحسنهم معرفة بالرجال يحيى بن معين ، وأحسنهم وضعاً للباب أبو بكر بن أبي شيبة )) .
وقال إبراهيم الحربي : (( انتهى علم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما رواه أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشام إلى أربعة : إلى أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبي خيثمة ، وأبي بكر بن أبي شيبة . وكان أحمد أفقه القوم )) .
وقال عبد الرزاق : (( رحل إلينا من العراق أربعة من رؤساء الحدي ث: الشاذكوني وكان أحفظهم للحديث ، وابن المديني وكان أعرفهم باختلافه ، ويحيى بن معين وكان أعلمهم بالرجال ، وأحمد ابن حنبل وكان أجمعهم لذلك كله )) .
وقال ابن المديني : (( ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب ، ولنا فيه أسوة )) .
وسئل أبو زرعة عن علي بن المديني ويحيى بن معين أيهما كان أحفظ ؟ قال : (( كان علي أسرد وأتقن ، ويحيى أفهم بصحيح الحديث وسقيمه ، وأجمعهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل ، كان صاحب حفظ ، وصاحب فقه ، وصاحب معرفة . قال : وما أعلم في أصحابنا أفقه من أحمد ! قيل له : اختيار أحمد وإسحاق أحب إليك أم قول الشافعي ؟ قال : بل اختيار أحمد وإسحاق أحب إلىّ )) .
وقال : (( ما رأت عيناي مثل أحمد بن حنبل في العلم ، والزهد ، والفقه ، والمعرفة ، وكل خير )) .
وقال أبو زرعة أيضاً : (( ما رأيت مثل أحمد في فنون العلم )) .
وقال أيضاً : (( ما رأيت أجمع من أحمد بن حنبل ؟ قيل له : إسحاق ؟ قال : أحمد أكبر من إسحاق ، وأفقه من أسحاق )) .
وسئل أبو حاتم الرازي عن أحمد وعلي بن المديني أيهما كان أحفظ ؟ قال : كانا في الحفظ متقاربين ، وكان أحمد أفقه )) .
قال أبو حاتم : (( وكان أحمد بارع الفهم بمعرفة الحديث : بصحيحه وسقيمه . وتعلم الشافعي أشياء من معرفة الحديث منه ، وكان الشافعي يقول لأحمد : حديث كذا وكذا قوي الإسناد محفوظ ، فإذا قال : نعم جعله أصلاً وبنى عليه )) .
وقال أحمد بن سلمة : (( قلت لأبي حاتم الرازي : أراك في الفتوى على قول أحمد وإسحاق ، وعندك كتاب الشافعي وكتاب مالك والثوري وشريك ، فتركت هؤلاء كلهم وأقبلت لى قول أحمد وإسحاق ؟! )) قال : (( لا أعلم في دهر ولا عصر مثل هذين الرجلين ؛ رحلا ، وكتبا ، وذكرا ، وصنفا )) .
وقال النسائي : (( لم يكن في عصر أحمد مثل هؤلاء الأربعة : أحمد ، ويحيى ، وعلي ، وإسحاق ، وأعلمهم علي بالحديث وعلله ، وأعلمهم بالرجال وأكثرهم حديثاً يحيى ، وأحظفهم للحديث والفقه إسحاق ، إلا أن أحمد بن حنبل كان عندي أعلم بعلل الحديث من إسحاق ، وجمع أحمد المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد )) .
وقال العجلي : (( أحمد ثقة ثبت في الحديث ، فقيه في الحديث ، متبع للآثار ، صاحب سنة وخير ، نزه النفس )) .
وقال قتيبة : (( أحمد وإسحاق إماما الدنيا )) . وقال : (( لو أدرك أحمد عصر الثوري ، ومالك والأوزاعي ، وليث ، لكان هو المقدم . قلت : تضم أحمد إلى التابعين ؟! قال : إلى كبار التابعين )) .
وقال أبو عبد الله البوشنجي : (( أحمد عندي أفضل من سفيان الثوري ؛ لأن سفيان لم يمتحن من الشدة والبلوى بمثل ما أمتحن به أحمد ؛ ولا علم سفيان ومن تقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد ، لأنه كان أجمع لها ، وأبصر بمتقنيهم ، وغالطيهم ، وصدوقهم ، وكذوبهم منه )) .
وقال زكريا الساجي : (( أحمد أفضل عندي من مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، لأن هؤلاء نظيراً ، وأحمد فلا نظير له ؟ )) . يعني في وقتهم ووقته . رضي الله عنهم أجمعين .
ومنهم : عليّ بن عبد الله بن جعفر بن نجيح المديني :
السعدي البصري أبو الحسن ، أحد الأئمة الحفاظ المبرزين في علم الحديث وعلله .
كان ابن عيينة ، وهو أحد شيوخه يروي عنه ويقول : (( يلوموني على حبه ، والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني ! )) .
وكذا روي عن يحيى القطان أنه قال : (( أنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني )) .
وعلي بن المديني : هو شيخ البخاري ، وعنه تلقى هذا العلم ، وكان البخاري يقول : (( ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني )) .
وقال أبو حاتم الرازي : (( كان علي بن المديني علماً في الناس ، في معرفة الحديث والعلل ، وكان أحمد بن حنبل لا يسميه إنما يكنيه أبا الحسن تبجيلاً له )) .
وسئل أبو حاتم عن علي وأحمد أيهما أحفظ ؟ قال : (( كانا في الحفظ متقاربين ، وكان أحمد أفقه ، وكان علي أفهم بالحديث )) .
وقال هارون بن إسحاق الهمداني : (( الكلام في صحة الحديث وسقيمه لأحمد بن حنبل وعلي بن المديني )) .
وسئل ابن رواة الحافظ علي بن المديني وابن معين : أيهما أحفظ ؟ قال : (( كان علي أسرد وأتقن ))
وقال ابن حبان : سمعت على بن أحمد الجرجاني بحلب يقول سمعت حنبل بن إسحاق يقول سمعت عمي أحمد بن حنبل يقول : (( أحفظنا للطوالات الشاذكوني ، وأعرفنا بالرجال يحيى بن معين ، واعلمنا بالعلل علي بن المديني ، وكأنه أومأ إلى نفسه أنه أفقههم )) .
ولابن المديني تصانيف كثيرة في علوم الحديث ، منها : كتاب الأسامي والكنى ثمانية أجزاء ، كتاب الضعفاء عشرة أجزاء ، كتاب المدلسين خمسة أجزاء ، كتاب أول من نظر في الرجال وفحص عنهم جزء ، الطبقات عشرة أجزاء ، من روى عن رجل ولم يره جزء ، علل المسند ثلاثون جزءا ، اللعل التي كتبها عنه إسماعيل القاضي أربعة عشر جزءاً ، علل حديث ابن عيينة ثلاثة عشر جزءاً ، كتاب من لا يحتج بحديثه ولا يسقط جزءان ، الكنى خمسة أجزاء ، الوهم والخطأ خمسة أجزاء ، قبائل العرب عشرة أجزاء ، من نزل من الصحابة سائر البلدان خمسة أجزاء ، التاريخ عشرة أجزاء ، العرض على المحدث جزاءن ، من حدث ثم رجع عنه جزء ، كتاب يحيى وعبد الرحمن في الرجال خمسة أجزاء ، سؤالات يجيى جزاءن ، كتاب الثقاة والمتثبتين عشرة أجزاء ، اختلاف الحديث خمسة أجزاء ، الأسامي الشاذة ثلاثة أجزاء ، الأشربة ثلاثة أجزاء ، تفسير غريب الحديث خمسة أجزاء ، الإخوة والأخوات ثلاثة أجزاء ، من يعرف باسه دون اسم أبيه جزاءن ، من يعرف باللقب جزء ، العلل المتفرقة ثلاثون جزءاً ، مذاهب المحدثين جزاءن .
كان ابن المديني قد امتحن في محنة القرآن ، فأجاب مكرهاً ، ثم إنه تقرب إلى ابن أبي داود ، حيث استماله بدنياه ، وصحبه وعظّمه ، فوقع بسبب ذلك في أمور صعبة ، حتى إنه كان يتكلم في طائفة من أعيان أهل الحديث يرضي بذلك ابن أبي داود ، فهجره الإمام أحمد لذلك ، وعظمت الشناعة عليه ، حتى صار عند الناس كأنه مرتد . وترك أحمد الرواية عنه ، وكذلك إبراهيم الحربي وغيرهما .
وكان [ يحيى ] بن معين يقول : (( هو رجل خاف فقال ما عليه )) .
ولو اقتصر على ما ذكره ابن معين لعذر ، لكن حاله كما وصفنا . وقد روى عنه أنه قال : (( من قال : القرآن مخلوق ، فهو كافر )) .
والله تعالى يرحمه ويسامحه بمنه وكرمه .
ومنهم يحيى بن معين :
أبو زكريا البغدادي ، الإمام المطلق في الجرح والتعديل ، وإلى قوله في ذلك يرجع الناس ، وعلى كلامه فيه يعوّلون .
وقد قال هلال بن العلاء وحجاج بن الشاعر : (( منّ الله على هذه الأمة بيحيى بن معين ، نفى الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم )) .
قال أحمد بن عقبة : سألت يحيى بن معين : كم كتبت من الحديث ؟ قال : (( كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث ! )) .
قال أحمد وإني أظن المحدثين قد كتبوا بأيديهم ستمائة ألف وستمائة ألف .
وقال علي بن المديني : (( حديث الثقات يدور على ستة ، وذكرهم . قال : وما شذ عنهم يصير إلى اثنى عشر ، فذكرهم. قال : ثم صار حديث هؤلاء كلهم إلى يحيى بن معين )) .
وذكر داود بن رشيد : أن يحيى بن معين خلّف له أبوه ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم ، فأنفقه كله على الحديث ، حتى لم يبق له نعل يلبسه ! .
وكان يحيى يوسع القول في الجرح ، ولا يحابي أحداً ، بل يصدع به في وجه صاحبه ولهذا قال عبد الله بن أحمد الدورقي : (( كل من سكت عنه يحيى بن معين فهو ثقة ! )) .
وسئل ابن وارة عن ابن معين وابن المديني أيهما أحفظ ؟ فقال : (( كان عليّ أسرد وأتقن ، وكان يحيى بن معين أفهم بصحيح الحديث وسقيمه )) .
وقال سليمان بن حرب : (( كان يحيى بن معين يقول : في الحديث هذا خطأ ، فأقول : كيف صوابه ؟ فلا يدري ، فأنظر في الأصل فأجده كما قال ! )) .
وقال أبو عمر الطالقاني : (( رأيتهم يقولون : الناس عندنا أربعة : أحمد بن حنبل ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وعلي بن المديني ، وحيى بن معين )) .
وسمعتهم يقولون : (( محمد بن نمير ريحانة الكوفة ، وأحمد قرة عين الإسلام ، وابن المديني أعلم علماء آثار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وابن معين برواته وأكثر علم آثار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم )) .
وعن عمرو الناقد قال : (( ما كان في أصحابنا أحفظ للأبواب من أحمد بن حنبل ، ولا أسرد للحديث من الشاذكوني ، ولا أعلم بالإسناد من يحيى ، ما قدر أحد يقلب عليه إسناداً قط )) .
قال محمد بن هارون الفلاس المخرّمي : (( إذا رأيت الرجل يقع في يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب يضع الحديث ، وإنما يبغضه لما يبين أمر الكذابين )) .
قال أبو حاتم : (( توفي ابن معين بمدينة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وحُمل على سرير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، واجتمع في جنازته خلق كثير ، وإذا رجل يقول : هذه جنازة بن معين الذاب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكذب ، والناس يبكون )) .
وكان ابن معين يكره أن يدوّن كلامه في الجرح والتعديل ، ولم يدوّن هو شيئاً فيما أظن ، وإنما سأله أصحابه ودونوا كلامه . منهم : عباس الدوري ، وإبراهيم بن الجنيد ، ومضر ابن محمد ، و[المفضل] الغلابي ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، ويزيد بن الهيثم ، و [ غيرهم ] .
ومنهم : أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي :
أحد الأعلام ، وحفاظ الإسلام ، وكان من الصلاح والعبادة والخشية بمحل عظيم .
قال أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي : (( لما انصرف قتيبة بن سعيد إلى الري سألوه أن يحدثهم ، فامتنع ، وقال : أحدثكم بعد أن حضر مجالسي أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو خيثمة ؟! فقالوا له : فإن عندنا غلاماً يسرد كل ما حدثت به مجلساً مجلساً ! قم يا أبا زرعة ، فقام أبو زرعة فسرد كل ما حدث بن قتيبة ! فحدثهم قتيبة )) .
وقال محمد بن يحيى الذهلي : (( لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زرعة الرازي ! وما كان الله ليترك الأرض إلا وفيها مثل أبي زرعة يعلم الناس ما جهلوه )) .
وقال علي بن الحسين بن الجنيد : (( ما رأيت أحداً أعلم بحديث مالك – مسنده ومنقطعه – من أبي زرعة ! وكذلك سائر العلوم ، ولكن خاصة حديث مالك . قيل له : ما في الموطأ والزيادات التي ليست في الموطأ ؟ قال : نعم )) .
وكان أحمد يعظم أبا زرعة ، وإذا جالسه ترك أحمد نوافله واشتغل عنها بمذاكرة أبي زرعة .
وروى عنه أنه قال : (( صح من الحديث سبعمائة ألف حديث ، وهذا الفتى يعني أبا زرعة يحفظ ستمائة ألف حديث )) .
وقال يونس بن عبد الأعلى : (( أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان ، وبقاؤهما صلاح للمسلمين )) .
وقال ابن وراة سمعت إسحاق بن راهويه يقول : (( كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل)) .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة : (( ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي )) .
وحلف رجل بالطلاق في زمن أبي زرعة : إن أبا زرعة يحفظ مائة ألف حديث ! فسئل عن ذلك أبو زرعة ؟ فقال : (( ليمسك امرأته فإنه لم تطلق منه ! )) .
وقال أبو مصعب الزهري :((لقيت مالك بن أنس وغيره ، فما رأت عيناي مثل أبي زرعة الرازي !))
وقال أبو حاتم الرازي : (( ما خلّف أبو زرعة بعده مثله ، علماً ، وفقهاً ، وصيانة ، وصدقاً ! وهذا مما لا يرتاب فيه ، ولا أعلم بين المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله . ولقد كان من هذا الأمر بسبيل )) .
وقال أبو حاتم أيضاً : (( الذي كان يعرف صحيح الحديث وسقيمه ، وعنده تمييز ذلك ، ويحسن علل الحديث أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وبعدهم أبو زرعة كان يحسن ذلك . قيل له : فغير هؤلاء تعرف اليوم أحداً ؟ قال : لا )) .
وذكر أبو حاتم شيئاً من معرفة الرجال فقال : (( ذهب الذي كان يحسن هذا – يعني أبا زرعة – ما بقي بمصر ولا بالعراق أحد يحسن هذا ! )) .
قال أبو حاتم : (( وجرى بيني وبين أبي زرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته ، فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها ، وكنت أذكر أحاديث خطأ وعللها ، وخطأ الشيوخ ، فقال لي : يا أبا حاتم قل من يفهم هذا ، ما أعز هذا ، إذا رفعت هذا عن واحد واثنين ، فما أقل ما تجد من يحسن هذا ! )) .
وقال أبو يعلى الموصلي : (( ما سمعنا يذكر أحد في الحفظ إلا كان اسمه أكثر من رؤيته إلا أبا زرعة الرازي ، فإن مشاهدته كان أعظم من اسمه ، وكان لا يرى أحداً ممن هو دونه في الحفظ أنه أعرف منه ! . وكان قد جمع حفظ الأبواب والشيوخ والتفسير وغير ذلك )) .
قال يحيى بن منده : (( قيل أحفظ الأمة أبو هريرة ، ثم أبو زرعة الرازي . وقيل : ما ولدت حواء قط أحفظ من أبي زرعة )) .
قال : وبلغني بإسناد هو لي مسموع أن أبا زرعة قال : (( أنا أحفظ ستمائة ألف حديث صحيح ، وأربعة عشر ألف إسناد في التفسير والقراءات ، وعشرة الآف حديث مزورة ! قيل له : ما بال المزورة تحفظ ؟ قال : إذا مرّ بي منها حديث عرفته )) .
ومنهم محمد بن إسماعيل :
ابن إبراهيم المغيرة ، الجعفي مولاهم ، البخاري ، الإمام أبو عبد الله ، صاحب الصحيح ، وإمام المحدثين في وقته ، وأستاذ هذه الصناعة . وعنه أخذها كثير من الأئمة ، منهم مسلم بن الحجاج ، وسماه أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله ! وأبو عيسى الترمذي .
وقد ذكر أبو عيسى في أول كتاب العلل : أنه لم ير بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبير أحد أعلم من محمد بن إسماعيل رحمه الله )) .
وقال ابن خزيمة : (( ما رأيت تحت أديم هذه السماء أعلم بالحديث ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري ! )) .
ولما سأل مسلم البخاري عن حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة في كفارة المجلس ؟ - فبين له علته – قال مسلم : (( لا يبغضك إلا حاسد ، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك )) .
وروى عن محمد بن الأزهر السجزي قال : (( كنت بالبصرة في مجلس سليمان بن حرب ، والبخاري جالس لا يكتب ، فقلت : ما لأبي عبد الله لا يكتب ؟ قال : يرجع إلى بخارى فيكتب من حفظه ! )) .
وقال محمد بن حمدويه : سمعت البخاري يقول : (( أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأعرف مائتي ألف حديث غير صحيح )) .
وقال أحمد بن حمدون : (( رأيت البخاري ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى والعلل ؟ ومحمد بن إسماعيل يمرّ فيه مثل السهم ، كأنه يقرأ : قل هو الله أحد ! )) .
وقال عبد الله الدارمي : (( قد رأيت العلماء بالحجاز ، والعراق ، فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل ! )) .
وقال ابن المديني في البخاري : (( ما رأى مثل نفسه ! )) .
وقال الفلاس : (( حديث ليس يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث )) .
وسئل صالح بن محمد الحافظ عن البخاري وأبي زرعة ؟ فقال : (( أعلمهم بالحديث البخاري ، وأبو زرعة أحفظهم وأكثرهم حديثاً )) .
وعن أبي حاتم الرازي قال : (( محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق )) .
وقال علي بن حجر : (( أخرجت خراسان ثلاثة : أبا زرعة بالري ، ومحمد بن إسماعيل ببخارى ، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي بسمرقند . ومحمد بن إسماعيل عندي أبصرهم ، وأعلمهم ، وأفقههم )) .
وعن إسحاق بن راهويه قال : (( لو كان محمد بن إسماعيل في زمن الحسن بن أبي الحسن لاحتاج الناس إليه ، لمعرفته بالحديث وفقهه )) .
وفضائل البخاري كثيرة جداً ، وامتحن في آخر عمره بمسألة اللفظ بالقرآن ، فإنه قال : (( أفعال العباد مخلوقة )) . فنسبه محمد بن يحيى الذهلي إلى القول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق ، وأمر بهجره ، وضيّق عليه ، فخرج البخاري من نيسابور إلى بخارى ! فتوفي بقرية من قراها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونة غريب القران مشمولة والفيزيا 3ث

  🆀غريب القران بيان غريب القران رائع ...