الصبر
والثواب عليه
1 - حَدَّثَنَا
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ،
حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَلَمْ يُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا
وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»
(1/17)
2 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ
اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ
الْخُشَنِيِّ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ص:19] «إِنَّ مِنْ
وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، صَبْرٌ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ
لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ»
وَزَادَنِي غَيْرُهُ: [ص:20] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ»
(1/18)
3 - حَدَّثَنَا
ابْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: «إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً
فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ»
قَالُوا: سَنَصْبِرُ
(1/20)
4 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ
قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ زَائِدَةَ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ
عَدِيٍّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ
الْحَجَّاجَ فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَامٍ
إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» . [ص:22]
قَالَ عُثْمَانُ: فَسَمِعْتُ مِسْعَرًا يُحَدِّثُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ،
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/21)
5 - حَدَّثَنَا
خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُطَرِّفِ مُغِيرَةُ الشَّامِيُّ، عَنِ
الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ص:23] " إِذَا
جَمَعَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ أَهْلُ الصَّبْرِ؟ "
قَالَ: " فَيَقُومُ نَاسٌ وَهُمْ يَسِيرٌ فَيَنْطَلِقُونَ سِرَاعًا إِلَى
الْجَنَّةِ، فَيَلْقَاهُمُ الْمَلَائِكَةُ فَيَقُولُونَ: إِنَّا نَرَاكُمْ
سِرَاعًا إِلَى الْجَنَّةِ فَمَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ
الصَّبْرِ، فَيَقُولُونَ: وَمَا كَانَ صَبْرُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ:
كُنَّا نَصْبِرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَصْبِرُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ،
فَيُقَالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ "
(1/22)
6 - وَحُدِّثْتُ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْأَنْمَاطِيِّ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ
خَلِيفَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، [ص:24]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ أَفْضَلَ عَيْشٍ أَدْرَكْنَاهُ بِالصَّبْرِ، وَلَوْ أَنَّ
الصَّبْرَ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ كَانَ كَرِيمًا»
(1/23)
7 - حَدَّثَنِي
أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «لَوْ كَانَ الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ بَعِيرَيْنِ، مَا بَالَيْتُ
أَيُّهُمَا رَكِبْتُ»
(1/24)
8 - حَدَّثَنَا
أَبُو بِشْرٍ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ السَّرِيِّ
بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: " أَلَا إِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ
الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ بَادَ الْجَسَدُ، ثُمَّ
رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: أَلَا إِنَّهُ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا
صَبْرَ لَهُ "
(1/24)
9 - حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ
عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ قَبِيصَةَ
بْنِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
" الصَّبْرُ عَلَى أَرْبَعِ شِعْبٍ: عَلَى الشَّوْقِ، وَالشَّفَقِ،
وَالزَّهَادَةِ، وَالتَّرَقُّبِ. فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلَا عَنِ
الشَّهَوَاتِ، وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَمَنْ
زَهِدَ فِي الدُّنْيَا تَهَاوَنَ بِالْمُصِيبَاتِ. وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ
تَسَارَعَ إِلَى الْخَيْرَاتِ "
(1/25)
10 - حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ
قَالَ: سَمِعْتُ يُسَيْرَ بْنَ عَمْرٍو، أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ،
لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْتَجَبَ فِي بَيْتِهِ،
فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ، أَوْ قَالَ: فَسَأَلَ عَنْ أَمْرِ [ص:26]
النَّاسِ، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ
اللَّهَ لَنْ يَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
ضَلَالَةٍ، وَاصْبِرْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ»
(1/25)
11 - حَدَّثَنِي
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ
الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا حَوْشَبٌ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: «ابْنَ آدَمَ
لَا تُؤْذِ وَإِنْ أُوذِيتَ فَاصْبِرْ»
(1/26)
12 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: يَا
دُنْيَا أَمِرِّي عَلَى الْمُؤْمِنِ يَصْبِرْ عَلَيْكِ، لَا تَحَوَّلِي لَهُ
فَتَفْتِنِيهِ
(1/26)
13 - حَدَّثَنَا
دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الْفَرَجِ
بْنِ مَزْيَدٍ قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي بَعْضِ الْحِكْمَةِ: «طُوبَى لِمَنْ غَلَبَ بِتَقْوَاهُ
هَوَاهُ، وَبِصَبْرِهِ الشَّهَوَاتِ»
(1/27)
14 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو لَيْلَى، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «إِنَّ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ رُبَّمَا
شَكَوْا إِلَى اللَّهِ مِنْ صَاحِبِهِمُ الَّذِي يَكُونُونَ مَعَهُ أَنَّ مِنْ
أَمْرِهِ إِنَّ إِنَّ، فَيُؤْمَرُونَ بِالصَّبْرِ»
(1/27)
15 - حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ قَالَ: «لَوْ كَانَ
الصَّبْرُ مِنَ الرِّجَالِ لَكَانَ كَرِيمًا»
(1/27)
16 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي مُرَجَّى بْنُ
وَدَاعٍ، عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: [ص:28]
«الصَّبْرُ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْخَيْرِ، لَا يُعْطِيهِ اللَّهُ إِلَّا لِعَبْدٍ
كَرِيمٍ عَلَيْهِ»
(1/27)
17 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي سَعِيدٍ، سَمِعَ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ، يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ وَهَبَ اللَّهُ لَهُ
صَبْرًا عَلَى الْأَذَى، وَصَبْرًا عَلَى الْبَلَاءِ، وَصَبْرًا عَلَى الْمَصَائِبِ،
إِلَّا وَقَدْ أُوتِيَ أَفْضَلَ مَا أُوتِيهِ أَحَدٌ، بَعْدَ الْإِيمَانِ
بِاللَّهِ»
(1/28)
18 - حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الزِّمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ، عَنْ مَيْمُونِ
بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: [ص:29] «الصَّبْرُ صَبْرَانِ، الصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ
حَسَنٌ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرُ عَنِ الْمَعَاصِي»
(1/28)
19 - قَالَ
يَحْيَى: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ، عَنْ مَيْمُونٍ قَالَ:
سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: «مَا نَالَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ جَسِيمِ الْخَيْرِ، نَبِيٌّ فَمَنْ
دُونَهُ، إِلَّا بِالصَّبْرِ»
(1/29)
20 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَوْحٍ الْمِصْرِيُّ،
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ الْقَاسِمِ،
يَقُولُ: " كُلُّ عَمَلٍ يُعْرَفُ ثَوَابُهُ إِلَّا الصَّبْرَ. قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
[الزمر: 10] قَالَ: كَالْمَاءِ الْمُنْهَمِرِ "
(1/29)
21 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ
قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَيْمُونٍ،
يَقُولُ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:
10] قَالَ: فَقَالَ بِيَدَيْهِ هَكَذَا - وَبَسَطَهُمَا -: غَرْفًا غَرْفًا
(1/29)
22 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ عَلَى
الْمِنْبَرِ: " مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَانْتَزَعَهَا
مِنْهُ، فَعَاضَهُ مَكَانَ مَا انْتَزَعَ مِنْهُ الصَّبْرَ، إِلَّا كَانَ مَا
عَوَّضَهُ خَيْرًا مِمَّا انْتَزَعَ مِنْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] "
(1/30)
23 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ
بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24] قَالَ: «عَلَى دِينِكُمْ،
فَنِعْمَ مَا أَعْقَبْتُكُمْ مِنَ الدُّنْيَا الْجَنَّةُ»
(1/30)
24 - حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ،
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي [ص:31]
طَالِبٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الصَّبْرُ
ثَلَاثٌ: فَصَبْرٌ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَصَبْرٌ عَنِ
الْمَعْصِيَةِ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ
عَزَائِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ دَرَجَةٍ بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى
الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَمَنْ صَبَرَ عَلَى
الطَّاعَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ
إِلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ، وَمِنْ
صَبَرَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ، مَا
بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى
مُنْتَهَى الْعَرْشِ مَرَّتَيْنِ "
(1/30)
25 - حَدَّثَنِي
زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ:
كَانَ
صَالِحٌ الْمُرِّيُّ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا صَبْرًا عَلَى طَاعَتِكَ،
وَارْزُقْنَا صَبْرًا عَنْ مَعْصِيَتِكَ، وَارْزُقْنَا صَبْرًا عَلَى مَا تُحِبُّ،
وَارْزُقْنَا صَبْرًا عَلَى مَا نَكْرَهُ، وَارْزُقْنَا صَبْرًا [ص:32] عِنْدَ
عَزَائِمِ الْأُمُورِ»
(1/31)
26 - حَدَّثَنَا
عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ
قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الشُّكْرُ أَفْضَلُ أَمِ الصَّبْرُ؟
قَالَ: «الصَّبْرُ، وَالْعَافِيَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ»
(1/32)
27 - حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: «الْحِلْمُ زَيْنٌ، وَالتُّقَى
كَرَمٌ، وَالصَّبْرُ خَيْرُ مَرَاكِبِ الصَّعْبِ»
(1/32)
28 - حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ
الْحَمِيدِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ
[ص:33] مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ
بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان: 75] قَالَ: " {الْغُرْفَةَ} [الفرقان:
75] : الْجَنَّةَ، {بِمَا صَبَرُوا} [الإنسان: 12] : عَلَى الْفَقْرِ
"
(1/32)
29 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الرَّقِّيُّ الْفَيْضُ بْنُ
إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ الْفُضَيْلَ عَنْ قَوْلِهِ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا
صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24] فَقَالَ: " صَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا
أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ
عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ حِينَ أَكْرَمُهُمُ
اللَّهُ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
[الرعد: 24] "
(1/33)
30 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثَ
قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {الَّذِينَ صَبَرُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [هود: 11] قَالَ: " {صَبَرُوا} [الإنسان: 12] فِي
الْبَأْسَاءِ [ص:34] وَالضَّرَّاءِ وَالزَّلَازِلِ، وَ {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
[العصر: 3] فِي الرَّخَاءِ وَالسَّرَّاءِ "
(1/33)
31 - حَدَّثَنِي
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ حُظِرَتْ
بِالصَّبْرِ وَالْمَكَارِهِ، فَلَا تُؤْتَى إِلَّا مِنْ بَابِ صَبْرٍ أَوْ
مَكْرُوهٍ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ شُعِّبَتْ بِالشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ، فَلَا
تُؤْتَى إِلَّا مِنْ بَابِ شَهْوَةٍ أَوْ لَذَّةٍ»
(1/34)
32 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ
مَلِيحٍ، عَنِ الْبَطَّالِ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ،
يَسْأَلُ خُصَيْلَةَ بِنْتَ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ: مَا سَمِعْتِ أَبَاكِ، يَقُولُ لَمَّا
حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ؟ [ص:35] قَالَتْ: دَعَانِي، فَأَخَذَ بِيَدِي
فَقَالَ: «يَا بُنَيَّةُ» اصْبِرِي "، حَتَّى عَدَّ أَصَابِعِي الْخَمْسَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَسَارِي
فَقَالَ: «يَا بُنَيَّةُ اصْبِرِي» ، حَتَّى عَدَّ
أَصَابِعِي الْخُمُسَ
(1/34)
33 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى الْكُوفِيُّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنْ
أَبِي دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ، عَنْ سَخْبَرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ ابْتُلِيَ
فَصَبَرَ، وَأُعْطِيَ فَشَكَرَ وَظُلِمَ فَغَفَرَ، وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ» ثُمَّ
سَكَتَ قَالُوا: مَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ [ص:36] قَالَ: " {أُولَئِكَ
لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] "
(1/35)
34 - حَدَّثَنَا
مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ الْمَرْوَزِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَا:
حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعٌ
مِنْ أُعْطِيَهُنَّ فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: قَلْبٌ
شَاكِرٌ، وَلِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَبَدَنٌ عَلَى الْبَلَاءِ صَابِرٌ، وَزَوْجَةٌ لَا
تَبْغِيهِ خَوْنًا فِي نَفْسِهِ وَلَا مَالِهِ "
(1/36)
35 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ الْأَسَدِيُّ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَانِ
قَالَ: «الصَّبْرُ وَالسَّمَاحِ»
(1/37)
36 - حَدَّثَنِي
أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
قِيلَ لَهُ: مَا الصَّبْرُ؟ وَمَا السَّمَاحِ؟ قَالَ: «السَّمَاحُ بِفَرَائِضِ
اللَّهِ، وَالصَّبْرُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ»
(1/38)
37 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ بَعْضِ
الْمُحَدِّثِينَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}
[البقرة: 45] قَالَ: " الصَّبْرُ: الصِّيَامُ
"
(1/38)
38 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
مَسْلَمَةُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ [ص:39]
وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَصَابَ الْبِرَّ:
سَخَاوَةُ النَّفْسِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى، وَطِيبُ الْكَلَامِ
"
(1/38)
39 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَبُو مَالِكٍ، حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَبْشِرِي فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ
لِأُمَّتِي الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَقَدْ أَنْزَلَ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
[هود: 114] " فَقَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا
تِلْكَ الْحَسَنَاتُ؟ قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الْخُمُسُ» ثُمَّ دَخَلَ
عَلَيَّ فَقَالَ: «أَبْشِرِي فَإِنَّهُ قَدْ نَزَلَ خَيْرٌ لَا شَرَّ بَعْدَهُ»
قُلْتُ: مَا هُوَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ [ص:40] قَالَ: " أَنْزَلَ اللَّهُ
جَلَّ ذِكْرُهُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}
[الأنعام:
160] " فَقُلْتُ: يَا رَبِّ زِدْ أُمَّتِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ
اسْمُهُ: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ
حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}
فَقُلْتُ: يَا رَبِّ زِدْ أُمَّتِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]
(1/39)
40 - حَدَّثَنِي
عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ
أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي سَلَامٍ [ص:41] الْحَبَشِيِّ، عَنِ ابْنِ غَنْمٍ
الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الصَّبْرُ رِضًا»
(1/40)
41 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عِصْمَةَ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ زَافِرِ بْنِ
سُلَيْمَانَ قَالَ: " قَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ: حَقِيقَةُ الْيَقِينِ
الصَّبْرُ، وَحَقِيقَةُ الْعَمَلِ النِّيَّةُ "
(1/41)
42 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا
مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: [ص:42] قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
«خَشْيَةُ اللَّهِ، وَحُبُّ الْفِرْدَوْسِ يُبَاعِدَانِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا،
وَيُوَرِّثَانِ الصَّبْرَ عَلَى الْمَشَقَّةِ»
(1/41)
43 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا رِيَاحُ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: «مَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ
عَمَلٌ إِلَّا وَدُونَهُ عَقِيبَةٌ، فَإِنْ صَبَرَ صَاحِبُهَا أَفَضَتْ بِهِ إِلَى
رَوْحٍ وَإِنْ جَزَعَ رَجَعَ»
(1/42)
44 - حَدَّثَنِي
الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ،
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا
خَوَّانَةٌ لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا، وَلَا يُؤْمَنُ فَجَائِعُهَا، وَمَنْ يَعِشْ
يُبْتَلَ، وَمَنْ يَتَفَقَّدْ يُفْقَدْ، وَمَنْ لَا يُعِدَّ صَبْرًا لِفَجَائِعِ
الْأُمُورِ يَعْجَزْ»
(1/42)
45 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ
النَّصِيبِيِّ قَالَ: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا
رُوحَ اللَّهِ، كَيْفَ لَنَا أَنْ نُدْرِكَ جِمَاعَ الصَّبْرِ وَمَعْرِفَتَهُ؟
قَالَ: «اجْعَلُوا عَزْمَكُمْ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا بَيْنَ يَدَيْ هَوَاكُمْ،
ثُمَّ اتَّخِذُوا كِتَابَ اللَّهِ إِمَامًا لَكُمْ فِي دِينِكُمْ»
(1/42)
46 - حَدَّثَنِي
الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَزِيزٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنِي
سَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ [ص:43] شِهَابٍ قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَاسِرٍ، وَبِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ،
وَأُمِّ عَمَّارٍ وَهُمْ يُؤْذَوْنَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَبْرًا يَا أَبَا يَاسِرٍ وَآلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ
مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ»
(1/42)
47 - حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَبَّارُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ قَالَ: [ص:44] «لَوْ كَانَ الصَّبْرُ مِنَ الرِّجَالِ
كَانَ كَرِيمًا»
(1/43)
48 - وَقَالَ
عُمَرُ: «وَهَلْ وَجَدْنَا عَيْشَنَا إِلَّا فِي الصَّبْرِ»
(1/44)
49 - وَحَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَمَّارٍ،
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَذْفٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ
لِأَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ: بِمَ قَابَلْتُمُ النَّاسَ؟ قَالُوا: بِالصَّبْرِ،
لَمْ نَلْقَ قَوْمًا إِلَّا صَبَرْنَا لَهُمْ مَا صَبَرُوا لَنَا
(1/44)
50 - وَحَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
أَخْبَرَنِي
عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ قَالَ: قَالَ زِيَادُ بْنُ عَمْرٍو: «كُلُّنَا
نَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَلَمَ الْجِرَاحِ، وَلَكِنَّا نَتَفَاضَلُ بِالصَّبْرِ»
(1/44)
51 - حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَحْرٍ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
عَيَّاشٍ قَالَ: قِيلَ لِلْبَطَّالِ: مَا الشَّجَاعَةُ؟ [ص:45] قَالَ:
«صَبْرُ
سَاعَةٍ»
(1/44)
أَنْشَدَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
[البحر
الطويل]
إِذَا
لَمْ تُسَامِحْ فِي الْأُمُورِ تَعَقَّدَتْ ... عَلَيْكَ فَسَامِحْ وَاخْرِجِ
الْعُسْرَ بِالْيُسْرِ
فَلَمْ
أَرَ أَوْفَى لِلْبَلَاءِ مِنَ التُّقِي ... وَلَمْ أَرَ لِلْمَكْرُوهِ أَشْفَى
مِنَ الصَّبْرِ
(1/45)
52 - حَدَّثَنِي
أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تَبْكِي عَلَى قَبْرٍ، فَقَالَ لَهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي» فَقَالَتْ:
إِلَيْكَ عَنِّي وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي؟ فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ فَأَتَتْهُ
فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكَ قَالَ:
«الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ»
(1/45)
53 - حَدَّثَنِي
أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ
أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ
احْتَسَبَ وَصَبَرَ. الْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى اللُّقْمَةِ
يَرْفَعُهَا إِلَى فِيهِ»
(1/46)
54 - حَدَّثَنِي
أَبُو الْحَسَنِ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ أَبُو
صَالِحٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: [ص:47]
جَلَسَ إِلَيَّ يَوْمًا زِيَادٌ مَوْلَى ابْنُ عَيَّاشٍ , فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ
اللَّهِ قُلْتُ: «مَا تَشَاءُ؟» فَقَالَ: مَا هِيَ إِلَّا الْجَنَّةُ
وَالنَّارُ؟ قُلْتُ: «لَا وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ» . قَالَ:
مَا بَيْنَهُمَا مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ الْعِبَادُ؟ فَقُلْتُ: مَا بَيْنَهُمَا
مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ الْعِبَادُ قَالَ: «فَوَاللَّهِ لَنَفْسِي نَفْسٌ أَضِنُّ
بِهَا عَنِ النَّارِ، وَلَلصَّبْرُ الْيَوْمَ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ
عَلَى الْأَغْلَالِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ»
(1/46)
55 - حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - قَالَ:
سَمِعَ عُمَرُ، رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ اسْتَنْفِقْ مَالِي وَوَلَدِي فِي
سَبِيلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَلَا يَسْكُتُ أَحَدُكُمْ؟ فَإِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ
وَإِنِ ابْتُلِي صَبَرَ»
(1/47)
56 - حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ
سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحْرِزِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " إِنَّ
اللَّهَ، وَلَهُ الْحَمْدُ لَا شَرِيكَ لَهُ، رَفَعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَمَا لَا يُطِيقُونَ،
وَأَحَلَّ لَهُمْ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ كَثِيرًا مِمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ
وَأَعْطَاهُمْ خَمْسًا: أَعْطَاهُمُ الدُّنْيَا قَرْضًا، وَسَأَلَهُمْ إِيَّاهَا
قَرْضًا، فَمَا أَعْطَوْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُمْ فَلَهُمْ بِهِ الْأَضْعَافُ
الْكَثِيرَةُ، مِنَ الْعَشَرَةِ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَى مَا لَا يَعْلَمُ
عِلْمَهُ إِلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ
أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ كَرْهًا فَصَبَرُوا
وَاحْتَسَبُوا فَلَهُمْ بِهِ الصَّلَاةُ وَالرَّحْمَةُ وَتَحْقِيقُ الْهُدَى،
وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ
قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:
157] وَالثَّالِثَةُ: إِنْ شَكَرُوا أَنْ يَزِيدَهُمْ، وَذَلِكَ
لِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]
وَالرَّابِعَةُ:
أَنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ عَمِلَ مِنَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ حَتَّى يَبْلُغَ
[ص:49] الْكُفْرَ، ثُمَّ تَابَ، أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ وَيُوجِبَ لَهُ
مَحَبَّتَهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] وَالْخَامِسَةُ: لَوْ
أُعْطِيَهَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَجَمِيعُ
النَّبِيِّينَ، لَكَانَ قَدْ أَجْزَلَ لَهُمُ الْعَطَاءَ، حَيْثُ يَقُولُ:
{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] "
(1/48)
57 - حَدَّثَنَا
دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ،
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الطُّفَيْلِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَالصَّابِرِينَ
فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: 177] قَالَ: " أَمَّا
{الْبَأْسَاءُ} [البقرة: 177] : فَالْفَقْرُ، وَأَمَّا {الضَّرَّاءُ} [الأعراف:
95] : فَالْمَرَضُ، وَأَمَّا {حِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: 177] : فَهُوَ حِينَ
الْقِتَالِ "
(1/49)
58 - حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: " كُلُّ عَمَلٍ لَهُ
ثَوَابٌ يُعْرَفُ إِلَّا الصَّبْرَ قَالَ اللَّهُ: {إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] "
(1/49)
59 - حَدَّثَنَا
سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ
عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ:
قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ:
بَلَى قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ
اللَّهَ لِي فَقَالَ: «إِنْ صَبَرْتِ فَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ
اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» قَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ
أَنْ لَا أَنْكَشِفَ. فَدَعَا لَهَا
(1/50)
60 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثَ، [ص:51]
سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: «لَمْ يُعْطَ الْعِبَادُ أَفْضَلَ
مِنَ الصَّبْرِ، بِهِ دَخَلُوا الْجَنَّةَ»
(1/50)
61 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ:
سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ، يَقُولُ: " لَقَدْ دَخَّلَ التُّرَابَ مِنْ
هَذَا الْمِصْرِ قَوْمٌ قَطَعُوا عَنْهُمُ الدُّنْيَا بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ
اللَّهِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ هَذَا الْقُرْآنُ غَيْرَ الدُّنْيَا قَالَ: {أَفَرَأَيْتَ
إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ، مَا
أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 206] " ثُمَّ بَكَى
حَسَنٌ، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا جَاءَ الْمَوْتُ وَسَكَرَاتُهُ لَمْ يُغْنِ عَنِ
الْفَتَى مَا كَانَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ وَاللَّذَّةِ ثُمَّ مَالَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ»
(1/51)
62 - حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي
خَلَفُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: [ص:52] " سَمِعْتُ رَجُلًا مُبْتَلًى مِنْ
هَؤُلَاءِ الزَّمْنَى يَقُولُ: وَعِزَّتِكَ لَوْ أَمَرْتَ الْهَوَامَّ فَتَقْتَسِمُنِي
مُضَغًا مَا ازْدَدْتُ لَكَ - بِتَوْفِيقِكَ - إِلَّا صَبْرًا، وَعَنْكَ -
بِمَنِّكَ وَنِعْمَتِكَ - إِلَّا رِضًا. قَالَ خَلَفٌ: وَكَانَ الْجُذَامُ قَدْ قَطَعَ يَدَيْهِ
وَرِجْلَيْهِ وَعَامَّةَ بَدَنِهِ "
(1/51)
قَالَ
خَلَفٌ: " وَسَمِعْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ يَقُولُ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا
ابْتَلَيْتَنِي لِتَعْرِفَ صَبْرَى فَأَفْرِغْ عَلَيَّ صَبْرًا يُبَلِّغُنِي
رِضَاكَ عَنِّي، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا ابْتَلَيْتَنِي لِتُثِيبَنِي
وَتَأْجُرَنِي وَتَجْعَلَ بَلَاءَكَ لِي سَبَبًا إِلَى رَحْمَتِكَ بِي، فَمَنْ
مِنْ عِبَادِكَ أَعْظَمُ نِعْمَةً وَمِنَّةً مَنَنْتَ بِهَا عَلَيَّ إِذْ
رَأَيْتَنِي لِاخْتِبَارِكَ لَهَا أَهْلًا، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَأَنْتَ
أَهْلُ كُلِّ خَيْرٍ وَوَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بِالْعَشِيِّ
مَاتَ "
(1/52)
قَالَ
خَلَفٌ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا مُبْتَلًى يَقُولُ: «الصَّبْرُ عَلَى مِنَنِ
الرِّجَالِ أَشَدُّ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى مَا بِي مِنَ الْبَلَاءِ»
(1/52)
قَالَ
خَلَفٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ دَاوُدَ الْجَوَارِبِيَّ يَقُولُ يَوْمًا،
وَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ، قُلْ لِأَصْحَابِكَ أَهْلِ
الْبَلَاءِ: «اغْتَنِمُوا الصَّبْرَ فَكَأَنَّكُمْ قَدْ بَلَغْتُمْ مُدَّتَهُ»
(1/52)
قَالَ
خَلَفٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ يُكَنَّى أَبَا مَيْمُونٍ، وَكَانَ
عَاقِلًا، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ إِنَّ لِلصَّبْرِ شُرُوطًا قُلْتُ: مَا
هِيَ يَا أَبَا مَيْمُونٍ؟ [ص:53] قَالَ: «إِنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّبْرِ أَنْ
تَعْرِفَ كَيْفَ تَصْبِرُ؟ وَلِمَنْ تَصْبِرُ؟ وَمَا تُرِيدُ بِصَبْرِكَ؟
وَتَحْتَسِبَ فِي ذَلِكَ وَتُحْسِنَ النِّيَّةَ فِيهِ، لَعَلَّكَ إِنْ يُخْلَصْ
لَكَ صَبْرُكَ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا أَنْتَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ نَزَلَ
بِهَا الْبَلَاءُ فَاضْطَرَبَتْ لِذَلِكَ، ثُمَّ هَدَأَ فَهَدَأَتْ، فَلَا هِيَ
عَقَلَتْ مَا نَزَلَ بِهَا فَاحْتَسَبَتْ وَصَبَرَتْ وَلَا هِيَ صَبَرَتْ، وَلَا
هِيَ عَرَفَتِ النِّعْمَةَ حِينَ هَدَأَ مَا بِهَا فَحَمِدَتِ اللَّهَ عَلَى
ذَلِكَ وَشَكَرَتْ»
(1/52)
63 - حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ،
عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: " قِيلَ لِأَيُّوبَ: يَا أَيُّوبُ
لَا تُعْجَبَنَّ بِصَبْرِكَ، فَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ مَا يَمْتَصُّ كُلُّ شَعْرَةٍ
مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ، وَلَوْلَا أَنِّي أُعْطِيتُ مَوْضِعَ كُلِّ شَعْرَةٍ مِنْكَ
صَبْرًا مَا صَبَرْتُ "
(1/53)
64 - حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: «لَمْ يَكُنِ الَّذِي خَرَجَ
بِأَيُّوبَ أَكَلَةٌ، كَانَ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ أَمْثَالُ [ص:54] ثَدْيِ
النِّسَاءِ ثُمَّ يَتَفَطَّرُ»
(1/53)
65 - حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ
الْأُسْوَارِيِّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " مَكَثَ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
مُلْقًى عَلَى زُبَالَةٍ سَبْعَ سِنِينَ يَمُرُّ بِهِ الرَّجُلُ فَيُمْسِكُ عَلَى
أَنْفِهِ، حَتَّى مَرَّ بِهِ رَجُلَانِ فَقَالَا: لَوْ كَانَ لِلَّهِ فِي هَذَا
حَاجَةٌ لَمَا بَلَغَ هَذَا مِنْهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ}
[الأنبياء:
83] "
(1/54)
66 - حَدَّثَنَا
سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
لَيْثٍ، عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ: " قَالَ إِبْلِيسُ: مَا أَصَبْتُ مِنْ أَيُّوبَ
شَيْئًا فَرِحْتُ بِهِ، إِلَّا أَنِّي كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ أَنِينَهُ عَلِمْتُ أَنِّي
قَدْ أَبْلَغْتُ إِلَيْهِ "
(1/54)
67 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنِي رِيَاحٌ
الْقَيْسِيُّ أَبُو الْمُهَاجِرِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " إِنْ كَانَتِ
الدُّودَةُ لِتَقَعُ مِنْ جَسَدِ أَيُّوبَ فَيَأْخُذُهَا فَيُعِيدُهَا إِلَى
مَكَانِهَا وَيَقُولُ: كُلِي مِنْ رِزْقِ اللَّهِ "
(1/54)
68 - حَدَّثَنِي
الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ
مُعْطِيكَ إِحْدَاهُنَّ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَعْجِيلَ
عَافِيَتِكَ، أَوْ صَبْرًا عَلَى بَلِيَّتِكَ، أَوْ خُرُوجًا مِنَ الدُّنْيَا
إِلَى رَحْمَتِكَ "
(1/55)
69 - حَدَّثَنِي
الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ [ص:56] صَالِحٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ الْجُمَحِيِّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَلَمَّا حَفِظْتُهُ مَحَوْتُهُ: «قَدْ أَفْلَحَ
مَنْ أَسْلَمَ وَجُعِلَ رِزْقُهُ كَفَافًا، فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ»
(1/55)
70 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، [ص:57]
أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ الْخَطَّابِ الْعَنْبَرِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ أَبِي
مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «أَدْخِلْ نَفْسَكَ فِي هُمُومِ
الدُّنْيَا، وَاخْرُجْ مِنْهَا بِالصَّبْرِ»
(1/56)
71 - حَدَّثَنِي
حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ،
يَقُولُ: «إِذَا شِئْتَ رَأَيْتَ بَصِيرًا لَا
صَبْرَ لَهُ، فَإِذَا رَأَيْتَ بَصِيرًا ذَا صَبْرٍ فَهُنَاكَ»
(1/57)
72 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ،
حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: [ص:58] نَظَرَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ إِلَى ظُفْرٍ
لَهُ قَدْ كَانَ أُعْوِرَ فَعُولِجَ، فَخَرَجَ سَلِيمًا فَقَالَ: «مَا أَحْسَنَ
عَاقِبَةَ الصَّبْرِ»
(1/57)
73 - أَنْشَدَنِي
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى قَوْلَهُ:
مِفْتَاحُ
بَابِ الْفَرَجِ الصَّبْرُ ... كُلُّ عُسْرٍ مَعَهُ يُسْرُ
وَالدَّهْرُ
لَا يَبْقَى عَلَى حَالِهِ ... وَالْأَمْرُ يَأْتِي بَعْدَهُ الْأَمْرُ
وَالْكُرْهُ
تُفْنِيهِ اللَّيَالِي الَّتِي ... يَفْنَى عَلَيْهَا الْخَيْرُ وَالشَّرُّ
وَكَيْفَ
يَبْقَى حَالُ مَنْ حَالُهُ ... يُسْرِعُ فِيهَا الْيَوْمُ وَالشَّهْرُ
(1/58)
74 - حَدَّثَنِي
حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ
السَّلَامُ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ يُفْضِيَ بِالصَّابِرِ الْبَلَاءُ إِلَى
الرَّخَاءِ، وَبِالْفَاجِرِ الرَّخَاءُ إِلَىالْبَلَاءِ
(1/58)
75 - حَدَّثَنِي
الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ،
حَدَّثَنَا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ص:59]
«إِذَا رَأَيْتُمْ أَمْرًا لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تُغَيِّرُوا، فَاصْبِرُوا حَتَّى
يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُغَيِّرُهُ»
(1/58)
76 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَرْزِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ وَاقِدٍ،
حَدَّثَنَا النَّهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ، عَنْ عِصْمَةَ بْنِ أَبِي حُكَيْمَةَ قَالَ:
بَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: «ذَكَرْتُ آخِرَ أُمَّتِي وَمَا يَلْقَوْنَ
مِنَ الْبَلَاءِ، فَالصَّابِرُ مِنْهُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ
أَجْرُ شَهِيدَيْنِ»
(1/59)
77 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنِي
رَجُلٌ، كَانَ عِنْدَنَا ثِقَةً، وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، عَنْ غَالِبٍ
الْقَطَّانِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ [ص:60] أَنَّ رَجُلًا
كَانَ يُكْثِرُ الِاسْتِخَارَةَ، فَابْتُلِيَ فَجَزِعَ وَلَمْ يَصْبِرْ، فَأَوْحَى
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ أَنْ قُلَ لِعَبْدِي
فُلَانٍ: «إِذْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعَزَائِمِ هَلَّا اسْتَخَرْتَنِي فِي
عَافِيَةٍ؟»
(1/59)
78 - حَدَّثَنِي
حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَاكُمُ الدُّنْيَا قَرْضًا، وَسَأَلَكَمُوهَا
قَرْضًا، فَإِنْ أَعْطَيْتُمُوهَا طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ ضَاعَفَ لَكُمْ
مَا بَيْنَ الْحَسَنَةِ إِلَى الْعَشْرِ، إِلَى السَّبْعِمِائَةِ، إِلَى أَكْثَرَ
مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ، فَصَبَرْتُمْ وَاحْتَسَبْتُمْ،
كَانَ لَكُمُ الصَّلَاةُ وَالرَّحْمَةُ، وَأَوْجَبَ لَكُمُ الْهُدَى»
(1/60)
79 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ:
كَانَ شَيْخٌ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: «فِي الصَّبْرِ جَوَامِعُ التَّقْوَى
وَإِلَيْهِ مَوْئِلُ الْمُؤْمِنِينَ»
(1/60)
80 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «الصَّبْرُ مَعْقِلٌ»
(1/60)
81 - حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «يَحْتَاجُ
الْمُؤْمِنُ إِلَى الصَّبْرِ كَمَا يَحْتَاجُ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ»
(1/61)
82 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ
حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: " أُرِيتُ فِي النَّوْمِ
كَأَنَّهُ وُرِدَ بِي عَلَى نَهْرٍ فَقِيلَ لِي: اشْرَبْ وَاسْقِ بِمَا صَبَرْتَ وَكُنْتَ
مِنَ الْكَاظِمِينَ "
(1/61)
83 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ
قَالَ: لَمَّا أُدْخِلَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ سِجْنَ الْحَجَّاجِ، رَأَى
قَوْمًا مُقَرَّنِينَ فِي الْأَغْلَالِ، يَقُومُونَ جَمِيعًا وَيَقْعُدُونَ جَمِيعًا،
فَقَالَ: «يَا أَهْلَ بَلَاءِ اللَّهِ فِي نِعْمَتِهِ، وَيَا أَهْلَ نِعْمَتِهِ
فِي بَلَائِهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ رَآكُمْ أَهْلًا أَنْ يَخْتَبِرَكُمْ،
فَأَرَوْهُ أَهْلًا أَنْ تَصْبِرُوا لَهُ» . فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ
اللَّهُ؟ قَالَ: «مَنْ يَنْتَظِرُ مِنَ الْبَلَاءِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِكُمْ» ،
قَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنْ نَخْرُجَ مِنْ مَوْضِعِنَا
(1/61)
84 - حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ،
عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بِبُرْدٍ لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ , فَقُلْنَا:
أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ
مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ
يُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ فَوْقَ رَأْسِهِ، مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ
أَوْ يُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ وَعَصَبٍ،
مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى
يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخْشَى إِلَّا
اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ»
(1/62)
85 - حَدَّثَنَا
عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَضْطَجِعٌ تَحْتَ
شَجَرَةٍ، مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَدْعُو عَلَى
هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَدْ خَشِينَا أَنْ يَرُدُّونَا عَنْ دِينِنَا؟ فَصَرَفَ
وَجْهَهُ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ أَقُولُ لَهُ، ثُمَّ
جَلَسَ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا وَاصْبِرُوا،
فَوَاللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ لَيُوضَعُ
الْمِنْشَارُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَشُقُّ بِاثْنَيْنِ، لَا يَرْتَدُّ عَنْ دِينِهِ
[ص:64] فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ فَاتِحٌ وَصَانِعٌ لَكُمْ»
(1/63)
86 - حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ
قَالَ: تَلَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَجَعَلْنَا
بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان:
20] فَقَالَ عُمَرُ: جَعَلَ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً فَاصْبِرُوا
(1/64)
87 - حَدَّثَنِي
الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ:
سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ أَمْرًا لَا
تَسْتَطِيعُ غَيْرَهُ، فَاصْبِرْ وَانْتَظِرْ فَرَجَ اللَّهِ»
(1/64)
88 - حَدَّثَنَا
أَبُو عِمْرَانَ الْخَصَاصِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ عَبْدِ الْكَرِيمِ
يَقُولُ: «جَعَلَ اللَّهُ رَأْسَ أُمُورِ الْعِبَادِ الْعَقْلَ، وَدَلِيلَهُمُ
الْعِلْمَ، وَسَائِقَهُمُ الْعَمَلَ، وَمُقَوِّيهِمْ عَلَى ذَلِكَ الصَّبْرَ»
(1/64)
89 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ:
سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ:
«إِنِّي
لَأَصْبِرُ عَلَى الْكَلِمَةِ لَهِيَ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنَ الْقَبْضِ عَلَى
الْجَمْرِ، مَا يَحْمِلُنِي عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا إِلَّا التَّخَوَّفُ مِنْ
أُخْرَى شَرٍّ مِنْهَا»
(1/65)
90 - حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مَعْرُوفٍ
الْمُؤَدِّبُ، عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" ثَلَاثٌ يُدْرِكُ بِهِنَّ الْعَبْدُ رَغَائِبَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ:
الصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَالدُّعَاءُ فِي
الرَّخَاءِ "
(1/65)
91 - حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ لَيْثِ
بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ [ص:66] حَلْبَسٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، تَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ شَيْئًا مَا
سَمِعْتُهُ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ: يَا عِيسَى، إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ بَعْدِكَ أُمَّةً إِنْ أَصَابَهُمْ مَا
يُحِبُّونَ حَمِدُوا وَشَكَرُوا، وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا
وَصَبَرُوا، أُعْطِيهِمْ مِنْ حِلْمِي وَعِلْمِي "
(1/65)
92 - حَدَّثَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: رَأَى رَجُلٌ الْحَسَنَ بْنَ
حَبِيبِ بْنِ نُدْبَةَ فِي النَّوْمِ بَعْدَمَا مَاتَ، [ص:67] فَقَالَ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟
قَالَ: «غَفَرَ لِي بِصَبْرِي عَلَى الْفَقْرِ فِي الدُّنْيَا»
(1/66)
93 - حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَرِيرٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ،
حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَذْفٍ، عَنْ
رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، أَنَّ عُمَرَ، بَعَثَ إِلَى عُزْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَتَى
بِأَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ قَاتَلْتُمُ النَّاسَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، «فَأَيُّ الْخَيْلِ وَجَدْتُمْ أَصْبَرَ؟» قَالُوا: الْكُمْتُ الْخَمْرُ قَالَ:
«فَأَيُّ الْإِبِلِ وَجَدْتُمْ أَصْبَرَ؟» قَالُوا: الْحُمُرُ الْجِعَادُ قَالَ:
«فَأَيُّ النِّسَاءِ وَجَدْتُمْ أَصْبَرَ؟» قَالُوا: مَا صَبَرَتْ فِينَا
غَرِيبَةٌ قَطُّ قَالَ: «بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ النَّاسَ؟» قَالُوا:
بِالصَّبْرِ، لَمْ نَلْقَ قَوْمًا إِلَّا صَبَرْنَا لَهُمْ مَا صَبَرُوا لَنَا
(1/67)
94 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عِيسَى، عَنِ الْوَلِيدِ
بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ الْحُكَمَاءِ قَالَ:
خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ الرِّبَاطَ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِعَرِيشِ مِصْرَ، أَوْ
دُونَ عَرِيشِ مِصْرَ، إِذَا أَنَا بِمِظَلَّةٍ وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ قَدْ
ذَهَبَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَبَصَرُهُ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ
إِنِّي أَحْمَدُكَ حَمْدًا يُوَافِي مَحَامِدَ خَلْقِكَ، كَفَضْلِكَ عَلَى سَائِرِ
خَلْقِكَ، إِذْ فَضَّلْتَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْتَ تَفْضِيلًا، فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ لَأَسْأَلَنَّهُ أَعَلِمَهُ أَمْ أُلْهِمَهُ إِلْهَامًا؟ قَالَ:
فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ:
إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ أَتُخْبِرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ عِنْدِي
مِنْهُ عِلْمٌ أَخْبَرْتُكَ بِهِ، فَقُلْتُ: عَلَى أَيِّ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ
تَحْمَدُهُ عَلَيْهَا؟ أَمْ عَلَى أَيِّ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ تَشْكُرُهُ
عَلَيْهَا؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَرَى مَا قَدْ صَنَعَ بِي؟
قَالَ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ اللَّهَ
سُبْحَانَهُ صَبَّ عَلَيَّ السَّمَاءَ نَارًا فَأَحْرَقَتْنِي، وَأَمَرَ
الْجِبَالَ فَدَمَّرَتْنِي، وَأَمَرَ الْبِحَارَ فَغَرَّقَتْنِي، وَأَمَرَ
الْأَرْضَ فَخُسِفَتْ بِي، مَا ازْدَدْتُ لَهُ إِلَّا حُبًّا، وَلَا ازْدَدْتُ
لَهُ إِلَّا شُكْرًا. وَإِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، بُنَيٌّ
لِي كَانَ يَتَعَاهَدُنِي لِوَقْتِ صَلَاتِي، وَيُطْعِمُنِي عِنْدَ إِفْطَارِي،
وَقَدْ فَقَدْتُهُ مُنْذُ أَمْسِ، انْظُرْ هَلْ تُحِسُّهُ لِي؟ [ص:69] فَقُلْتُ:
إِنَّ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ هَذَا الْعَبْدِ لَقُرْبَةً إِلَى اللَّهِ. قَالَ:
فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بَيْنَ كُثْبَانٍ مِنْ رِمَالٍ،
إِذَا أَنَا بِسَبُعٍ قَدِ افْتَرَسَ الْغُلَامَ يَأْكُلُهُ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، كَيْفَ آتِي هَذَا الْعَبْدَ الصَّالِحَ
مِنْ وَجْهٍ رَفِيقٍ فَأُخْبِرُهُ الْخَبَرَ لَا يَمُوتُ؟ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ،
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَائِلُكَ
عَنْ شَيْءٍ أَتُخْبِرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ
أَخْبَرْتُكُ بِهِ قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مَنْزِلَةً أَمْ
أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ قَالَ: بَلْ أَيُّوبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنِّي، وَأَعْظَمَ مَنْزِلَةً عِنْدَ
اللَّهِ مِنِّي. قَالَ: قُلْتُ: أَلَيْسَ ابْتَلَاهُ
اللَّهُ فَصَبَرَ، حَتَّى اسْتَوْحَشَ مِنْهُ مَنْ كَانَ يَأْنَسُ بِهِ وَصَارَ
غَرَضًا لِمُرَّارِ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَإِنَّ ابْنَكَ الَّذِي
أَخْبَرْتَنِي مِنْ قِصَّتِهِ مَا أَخْبَرْتَنِي، خَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، حَتَّى
إِذَا كُنْتُ بَيْنَ كُثْبَانٍ مِنْ رِمَالٍ، إِذَا أَنَا بِسَبُعٍ قَدِ افْتَرَسَ
الْغُلَامُ يَأْكُلُهُ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ فِي
قَلْبِي حَسْرَةً مِنَ الدُّنْيَا ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً فَمَاتَ رَحِمَهُ
اللَّهُ. [ص:70] قَالَ: قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ مَنْ
يُعِينُنِي عَلَى غُسْلِهِ وَكَفَنِهِ وَدَفْنِهِ؟ قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكُ، إِذَا أَنَا
بِرَكْبٍ قَدْ بَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ يُرِويدُونَ الرِّبَاطَ. قَالَ: فَأَشَرْتُ
إِلَيْهِمْ، فَأَقْبَلُوا إِلَيَّ. فَقَالُوا: مَا أَنْتَ وَهَذَا؟
فَأَخْبَرْتُهُمْ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ قَالَ: فَثَنَوْا أَرْجُلَهُمْ، فَغَسَّلْنَاهُ
بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَكَفَّنَّاهُ، بِأَثْوَابٍ كَانَتْ مَعَهُمْ، وَوُلِّيتُ
الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَدَفَنَّاهُ فِي مِظَلَّتِهِ تِلْكَ
وَمَضَى الْقَوْمُ إِلَى رِبَاطِهِمْ، وَبِتُّ فِي مِظَلَّتِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ
أُنْسًا بِهِ فَلَمَّا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، إِذَا
أَنَا بِصَاحِبِي فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ خَضِرٌ، قَائِمًا
يَتْلُو الْوَحْيَ، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ أَنْتَ صَاحِبِي؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ:
فَمَا الَّذِي صَيَّرَكَ إِلَى مَا أَرَى؟ قَالَ: وَرَدَتُ مِنَ الصَّابِرِينَ
عَلَى دَرَجَةٍ لَمْ يَنَالُوهَا إِلَّا بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَالشُّكْرِ
عِنْدَ الرَّخَاءِ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: قَالَ لِي الْحَكِيمُ: يَا أَبَا
عَمْرٍو وَمَا تُنْكِرُ مِنْ هَذَا الْوَلِيِّ؟ وَالِاهُ، ثُمَّ ابْتَلَاهُ
فَصَبَرَ، وَأَعْطَاهُ فَشَكَرَ؟ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ مَا حَنَتْ [ص:71] عَلَيْهِ
أَقْطَارُ الْجِبَالِ، وَضَحِكَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ، وَأَتَى عَلَيْهِ
اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، أَعْطَاهُ اللَّهُ أَدْنَى خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ، مَا
نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئًا قَالَ الْوَلِيدُ: قَالَ لِي
الْأَوْزَاعِيُّ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ أَهْلَ الْبَلَاءِ مُنْذُ حَدَّثَنِي
الْحَكِيمُ بِهَذَا الْحَدِيثِ
(1/68)
95 - حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَرُّوا بِرَجُلٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، وَقَدْ قُطِعَتْ
يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَهُوَ يَضْحَكُ وَيَقُولُ: " {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] " فَقِيلَ:
مِمَّنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: «امْرُؤٌ مِنَ الْأَنْصَارِ»
(1/71)
96 - حَدَّثَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ زَيْدَ
بْنَ صُوحَانَ، أُصِيبَتْ يَدَهُ فِي بَعْضِ فُتُوحِ الْعِرَاقِ، فَتَبَسَّمَ
وَالدِّمَاءُ تَشْخُبُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ: مَا هَذَا مَوْضِعُ تَبَسُّمٍ فَقَالَ
زَيْدٌ: «أَلَمٌ حَلَّ هَوَّنَهُ ثَوَابُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَفَأَرْدُفُهُ
بِأَلَمِ الْجَزَعِ [ص:72] الَّذِي لَا جَدْوَى فِيهِ، وَلَا
دَرِيكَةَ لِفَائِتٍ مَعَهُ؟ وَفِي تَبَسُّمِي عَزِيَّةٌ لِبَعْضِ الْمُؤْتَسِينَ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنْتَ أَعْلَمُ
بِاللَّهِ مِنِّي
(1/71)
97 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ
مِسْعَرٍ قَالَ: مُرَّ بِرَجُلٍ يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَقَدْ نُثِرَ قَصَبُهُ فِي
الْأَرْضِ، وَهُوَ يَقُولُ لِبَعْضِ مَنْ مَرِّ بِهِ: «ضَمَّ إِلَيَّ مِنْهُ
لَعَلِّي أَدْنُو قِيدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
(1/72)
98 - حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ،
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الْحَجَّاجُ لِحُطَيْطٍ: اصْدُقْنِي.
قَالَ:
«سَلْنِي، فَقَدْ عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ خَلَوْتَ لِي لَأَقْتُلَنَّكَ، وَإِنْ
عَذَّبْتَنِي لَأَصْبِرَنَّ، وَإِنْ سَأَلْتَنِي لَأَصْدُقَنَّ» . فَقَالَ: مَا
قَوْلُكَ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ؟ قَالَ: «مَا أَسْفَهَكَ، تَسْأَلُنِي عَنْ رَجُلٍ
أَنْتَ خَطِيئَةٌ مِنْ خَطَايَاهُ، وَقَدْ مَلَأْتَ الْأَرْضَ فَسَادًا؟» قَالَ:
فَهَلْ خَلَوْتُ لَكَ؟ قَالَ: «مَرَّةً وَاحِدَةً، فَحَالَ بَيْنِي
وَبَيْنَكَ شَيْءٌ مَنَعَنِي مِنْكَ» . قَالَ: كَأَنِّي قَدْ عَرَفْتُ، أَمَّا
الثَّالِثَةُ فَلَا تَصْبِرُ عَلَيْهَا. [ص:73] قَالَ: «مَا شَاءَ اللَّهُ» .
قَالَ: دُونَكَ يَا مَعَدُّ. قَالَ: فَعَذَّبَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ جَاءَ
فَقَالَ: مَا يُبَالِي. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَلَهُ حَمِيمٌ؟ قَالُوا: أُمٌّ
وَأَخٌ. قَالَ: فَوَضَعَ عَلَى أُمِّهِ
الدَّهْقَ. فَقَالَ حُطَيْطٌ: " يَا أُمَّهِ: اصْبِرِي، اصْبِرِي ".
قَالَ: فَقَتَلَهَا
(1/72)
99 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَمَّادِ بنِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُمَيْدٍ الثَّقَفِيَّ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ مِنْ
حَرَسِ الْحَجَّاجِ، قَالَ: لَمَّا أُتِيَ بِحُطَيْطٍ فَكَلَّمَهُ الْحَجَّاجُ،
أَمَرَ بِهِ لَيُعَذَّبَ قَالَ: فَأَخْرَجَهُ صَاحِبُ عَذَابِهِ فَقَالَ: يَا
حُطَيْطُ، قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ فِيكَ الْأَمِيرُ، فَمَاذَا
أَعْدَدْتَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَنْتَ تُطِيعُهُ
فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَتَبِيعُ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاهُ، أَنْتَ مِمَّنْ خَسِرَ
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، فَتَبًّا لَكَ آخِرَ الدَّهْرِ» . قَالَ:
مَا
أَعْدَدْتَ لِذَلِكَ يَا حُطَيْطُ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ فِيكَ؟ [ص:74]
فَلَمَّا
أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَعْدَدْتُ لِذَلِكَ مَا وَعَدَ
اللَّهُ عَلَيْهِ تَكْمِلَةَ الْأُجُورِ بِغَيْرِ حِسَابٍ، أَعْدَدْتُ وَاللَّهِ
لِذَلِكَ الصَّبْرَ حَتَّى يَنْفُذَ فِيَّ قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدْرُهُ» قَالَ:
فَعُذِّبَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ، فَمَا نَبَسَ بِكَلِمَةٍ، حَتَّى إِذَا قَرُبَ
أَنْ تَخْرُجَ نَفْسُهُ، أُخْرِجَ فَرُمِيَ بِهِ عَلَى مَزْبَلَةٍ، فَاجْتَمَعَ
عَلَيْهِ النَّاسُ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: يَا حُطَيْطُ قُلْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِهَا وَلَا يُبَيِّنُ الْكَلَامَ،
ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُهُ
(1/73)
100 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ
مَالِكٍ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَجُلًا،
كَانَ يُقَالُ لَهُ عُقَيْبٌ، كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى جَبَلٍ،
وَكَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ رَجُلٌ يُعَذِّبُ النَّاسَ بِالْمَثُلَاتِ، وَكَانَ
جَبَّارًا، فَقَالَ عُقَيْبٌ: «لَوْ نَزَلْتُ إِلَى هَذَا فَأَمَرْتُهُ بِتَقْوَى
اللَّهِ كَانَ أَوْجَبَ عَلَيَّ» ، فَنَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا
هَذَا اتَّقِ اللَّهَ» . فَقَالَ لَهُ الْجَبَّارُ: يَا كَلْبُ، مِثْلُكَ
يَأْمُرُنِي بِتَقْوَى اللَّهِ؟ لَأُعَذِّبَنَّكَ عَذَابًا لَمْ يُعَذَّبْ بِهِ
أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُسْلَخَ مِنْ قَدَمِهِ
إِلَى رَأْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ، [ص:75] فَسُلِخَ، فَلَمَّا بَلَغَ بَطْنَهُ
أَنَّ أَنَّةً، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: عُقَيْبُ، اصْبِرْ أُخْرِجْكَ مِنْ
دَارِ الْحُزْنِ إِلَى دَارِ الْفَرَحِ، وَمِنْ دَارِ الضِّيقِ إِلَى دَارِ
السَّعَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ السَّلْخُ إِلَى وَجْهِهِ صَاحَ، فَأَوْحَى اللَّهُ
إِلَيْهِ: عُقَيْبُ، أَبْكَيْتَ أَهْلَ سَمَائِي وَأَهْلَ أَرْضِي، وَأَذْهَلْتَ
مَلَائِكَتِي عَنْ تَسْبِيحِي، لَئِنْ صِحْتَ الثَّالِثَةَ لَأَصُبَّنَّ
عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ صَبًّا، فَصَبَرَ حَتَّى سُلِخَ وَجْهُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَأْخُذَ
قَوْمَهُ الْعَذَابُ
(1/74)
101 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الرَّقِّيِّ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ،
أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَلَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، ثُمَّ
قَالَ: «إِنْ صَبَرْتَ كَمَا صَبَرَ الْإِسْرَائِيلِيُّ فَنِعْمَ» . قِيلَ لَهُ:
وَكَيْفَ كَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ؟ قَالَ: " كَانَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَاجْتَمَعُوا
فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، يَعْنُونَ مَلِكَهُمْ،
ثُمَّ قَالُوا: يَأْتِيهِ وَاحِدٌ مِنَّا فَيَخْلُوَ بِهِ فِي السِّرِّ
فَيَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ، فَذَهَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ،
فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ. فَقَالَ: أَلَا أَرَاكَ هَا هُنَا؟
فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ الْآخَرَيْنِ. فَقَالَا: الْآنَ
وَجَبَ، [ص:76] فَجَاءَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. فَقَالَ: يَا هَذَا، جَاءَكَ رَجُلٌ
فَأَمَرَكَ وَنَهَاكَ، فَأَمَرْتَ بِهِ فَحُبِسَ. فَقَالَ: أَلَا أَرَاكَ إِلَّا صَاحِبَهُ.
أَمَا إِنِّي لَا أَفْعَلُ بِكَ مَا فَعَلْتُ بِهِ، فَأَمَرَ بِهِ، فَضُرِبَ
حَتَّى قُتِلَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى الثَّالِثِ. فَقَالَ: الْآنَ وَجَبَ فَأَتَاهُ
فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا جَاءَكَ رَجُلٌ فَأَمَرَكَ وَنَهَاكَ فَحَبَسْتَهُ،
وَجَاءَكَ الْآخَرُ فَضَرَبْتَهُ حَتَّى قَتَلْتَهُ. فَقَالَ: أَلَا أَرَاكَ
إِلَّا صَاحِبَهُ. أَمَا إِنِّي لَا أَصْنَعُ بِكَ مَا صَنَعْتُ بِهِ. فَأَمَرَ
بِهِ فَضُرِبَ وَتِدٌ فِي أُذُنِهِ فِي الْأَرْضِ فِي الشَّمْسِ، فَحَرُّ
الشَّمْسِ مِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ، فَأَرَادُوهُ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ
بِشَيْءٍ، أَيْ شِبْهَ الِاعْتِذَارِ إِلَى الْمَلِكِ، فَأَبَى ". قَالَ
أَبُو يَزِيدَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَحَدُكُمْ لَوِ
انْتُهِرَ لَقَالَ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
(1/75)
102 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْمُبَارَكِ، " أَنَّ الْحَجَّاجَ، قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ
وَرِجْلَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُحْمَلَ إِلَى الْكُوفَةِ فَيُصْلَبَ عَلَى
بَابِهِ [ص:77] قَالَ: فَحُمِلَ فِي سَفِينَةٍ، حَتَّى إِذَا
قَارَبُوا الْكُوفَةَ، وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ كَأَنَّهُ سَمِعَ خَشْخَشَةً،
فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي أُمِرْنَا فِيهِ
بِصَلْبِكَ، فَنَخَافُ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ فِي الْمَاءِ. قَالَ: أَنَا أُلْقِي
نَفْسِي؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ الذُّبَابَ لَيَقَعُ عَلَى يَدَيَّ أَوْ رِجْلَيَّ فَأَكْرَهُ
أَنْ أَحُكَّهُ مَخَافَةَ أَنْ أُعِينَ عَلَى نَفْسِي. قَالَ: وَسَمِعُوهُ يَدْعُو: اللَّهُمَّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفِرَّ مِنْ بَأْسِ النَّاسِ إِلَى بَأْسِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ
أَنْ أَجْعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَرَى النَّاسُ
فِيَّ خَيْرًا وَلَا خَيْرَ فِيَّ، اللَّهُمَّ أَرِدْ بِي خَيْرًا وَافْعَلْهُ
بِي، إِنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ "
(1/76)
103 - حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُومِيٍّ الْيَمَامِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ
الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ
قَالَ: سَأَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الطُّرَّارِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ،
هَلْ سَمِعْتَ بِبَلَاءٍ أَوْ عَذَابٍ أَشَدَّ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ:
أَنْتُمْ لَوْ نَظَرْتُمْ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ وَإِلَى مَا خَلَا، لَكَأَنَّ
مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِثْلُ الدُّخَانِ عِنْدَ النَّارِ، [ص:78] ثُمَّ قَالَ:
أُتِيَ بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهَا سَارَةٌ وَسَبْعَةُ
بَنِينَ لَهَا إِلَى مَلِكٍ كَانَ يَفْتِنُ النَّاسَ عَلَى أَكْلِ لَحْمِ
الْخَنَازِيرِ. فَدَعَا أَكْبَرَهُمْ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِ لَحْمَ الْخَنَزِيرِ، فَقَالَ:
كُلْ. فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِآكُلَ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيَّ
أَبَدًا، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَقَطَّعَهُ عُضْوًا عُضْوًا
حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ دَعَا بِالَّذِي يَلِيهِ فَقَالَ: كُلْ، فَقَالَ: مَا
كُنْتُ لِآكُلَ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيَّ، فَأَمَرَ بِقِدْرٍ مِنْ
نُحَاسٍ، فَمُلِئَتْ زِفْتًا، ثُمَّ أَغْلِيَتْ، حَتَّى إِذَا غَلَتْ أَلْقَاهُ
فِيهَا، ثُمَّ دَعَا بِالَّذِي يَلِيهِ فَقَالَ: كُلْ. فَقَالَ: أَنْتَ أَذَلُّ وَأَقَلُّ
وَأَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ آكُلَ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيَّ.
فَضَحِكَ الْمَلِكُ ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَرَادَ بِشَتْمِهِ إِيَّايَ؟
أَرَادَ أَنْ يُغْضِبَنِي فَأُعَجِّلَ فِي قَتْلِهِ، وَلَيُخْطِئَنَّهُ ذَلِكَ.
فَأَمَرَ بِهِ فَحُزَّ جِلْدُ عُنُقِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُسْلَخَ جِلْدُ رَأْسِهِ
وَوَجْهِهِ، فَسُلِخَ سَلْخًا، فَلَمْ يَزَلْ يَقْتُلْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
بِلَوْنٍ مِنَ الْعَذَابِ غَيْرِ قَتْلِ أَخِيهِ، حَتَّى بَقِيَ أَصْغَرُهُمْ،
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ وَإِلَى أُمِّهِ، فَقَالَ لَهَا: لَقَدْ [ص:79] أَوَيْتُ
لَكِ مِمَّا رَأَيْتِ، فَانْطَلِقِي بِابْنِكِ هَذَا فَاخْلِي بِهِ وَأَرِيدِيهِ
عَلَى أَنْ يَأْكُلَ لُقْمَةً وَاحِدَةً فَيَعِيشَ لَكِ. قَالَتْ: نَعَمْ،
فَخَلَتْ بِهِ فَقَالَتْ: أَيْ بُنَيَّ، اعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ لِي عَلَى كُلِّ
رَجُلٍ مِنْ إِخْوَتِكَ حَقٌّ، وَلِي عَلَيْكَ حَقَّانِ، وَذَلِكَ أَنِّي
أَرْضَعَتْ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ حَوْلَيْنِ حَوْلَيْنِ، فَمَاتَ أَبُوكَ وَأَنْتَ
حَبَلٌ، فَنُفِسْتُ بِكَ، فَأَرْضَعْتُكَ، لِضَعْفِكَ وَرَحْمَتِي إِيَّاكَ، أَرْبَعَةَ
أَحْوَالٍ، فَلِي عَلَيْكَ حَقَّانِ، فَأَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَحَقِّي عَلَيْكَ
لَمَا صَبَرْتَ وَلَمْ تَأْكُلْ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلَا
أُلْفِيَنَّ إِخْوَتَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَسْتَ مَعَهُمْ. فَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَسْمَعَنِي هَذَا مِنْكِ، فَإِنَّمَا كُنْتُ أَخَافُ
أَنْ تُرِيدِينِي عَلَى أَنْ آكُلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيَّ، ثُمَّ جَاءَتْ
بِهِ إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَتْ: هَا هُوَ ذَا، قَدْ أَرَدْتُهُ
وَعَزَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ الْمَلِكُ أَنْ يَأْكُلَ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ
لِآكُلَ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ. فَقَتَلَهُ، وَأَلْحَقَهُ
بِإِخْوَتِهِ، وَقَالَ لِأُمِّهِمْ: إِنِّي لَأَجِدُنِي أَرْبَى لَكِ مِمَّا
رَأَيْتِ الْيَوْمَ وَيْحَكِ، فَكُلِي لُقْمَةً ثُمَّ أَصْنَعْ بِكِ مَا شِئْتِ،
وَأُعْطِيكِ مَا أَحْبَبْتِ تَعَيشِي بِهِ [ص:80] فَقَالَتْ: أَجْمَعُ ثُكْلَ وَلَدِي
وَمَعْصِيَةَ اللَّهِ؟ فَلَوْ حَيِيتُ بَعْدَهُمْ مَا أَرَدْتُ ذَلِكَ، وَمَا
كُنْتُ لِآكُلَ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَبَدًا، فَقَتَلَهَا،
وَأَلْحَقَهَا بِبَنِيهَا
(1/77)
104 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَغَازِلِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَجُلٍ مُبْتَلًى
بِالْحِجَازِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُ عَافَيْتَهُ أَكْثَرَ
مِمَّا ابْتَلَانِي بِهِ، وَأَجِدُ نِعَمَهُ عَلَيَّ أَكْثَرَ مِنْ أُحْصِيهَا.
فَقُلْتُ: أَتَجِدُ لِمَا أَنْتَ فِيهِ أَلَمًا شَدِيدًا؟ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ:
سَلَا بِنَفْسِي عَنْ أَلَمِ مَا بِي مَا وَعَدَ عَلَيْهِ سَيِّدِي أَهْلَ
الصَّبْرِ مِنْ كَمَالِ الْأُجُورِ فِي شِدَّةِ يَوْمٍ عَسِيرٍ. قَالَ: ثُمَّ
غُشِيَ عَلَيْهِ، فَمَكَثَ مَلِيًّا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَحْسَبُ
أَنَّ لِأَهْلِ الصَّبْرِ عِنْدَ اللَّهِ غَدًا فِي الْقِيَامَةِ مَقَامًا
شَرِيفًا لَا يَتَقَدَّمُهُ مِنْ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ شَيْءٌ، إِلَّا مَا كَانَ
مِنَ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ
(1/80)
105 - أَنْشَدَنِي
أَبُو جَعْفَرٍ الْأُمَوِيُّ شَيْخُ أَهْلِ الْحِجَازِ لِأَعْرَابِيٍّ مِنْ
عُذْرَةَ «
[البحر
الطويل]
عَلَيْكَ
بِتَقْوَى اللَّهِ وَاقْنَعْ بِرِزْقِهِ ... فَخَيْرُ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ هُوَ
قَانِعُ
وَلَا
تُلْهِكَ الدُّنْيَا وَلَا طَمَعٌ بِهَا ... فَقَدْ أَهْلَكَ الْمَغْرُورَ فِيهَا
الْمَطَامِعُ [ص:81]
وَصَبْرًا
عَلَى نَوْبَاتِ مَا نَابَ وَاعْتَرَفَ ... فَمَا يَسْتَوِي عَبْدٌ صَبُورٌ
وَجازِعُ
أَلَمْ
تَرَ أَهْلَ الصَّبْرِ يُجْزَوْا بِصَبْرِهِمْ ... بِمَا صَبَرُوا وَاللَّهُ رَاءٍ
وَسَامِعُ
وَمَنْ
لَمْ يَكُنْ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ ... سِوَى مَا حَوَتْ يَوْمًا عَلَيْهِ
الْأَضَالِعُ
فَقَدْ
ضَاعَ فِي الدُّنْيَا وَخُيِّبَ سَعْيُهُ ... وَلَيْسَ لَرِزْقٍ سَاقَهُ اللَّهُ
مَانِعُ»
(1/80)
106 - أَنْشَدَنِي
رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ:
[البحر
السريع]
الْخَلْقُ
لِلْخَالِقِ وَالشُّكْرُ لِلْـ ... ـمُنْعِمِ وَالتَّسْلِيمُ لِلْقَادِرِ
وَخَالِصُ
الْبِرِّ وَمَحْضُ الْتَقَى ... وَالْوَرَعُ الصَّادِقُ لِلصَّابِرِ
(1/81)
107 - حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «إِنَّمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانُ الْخَيْرَ فِي صَبْرِ
سَاعَةٍ»
(1/81)
108 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرَّمِيُّ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ وَفِي
وَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ
خَطِيئَةٍ»
(1/81)
109 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا قُرَادٌ، أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ،
عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ
مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ»
(1/82)
110 - حَدَّثَنَا
فُضَيْلُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، عَنْ حِبَّانِ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، رَفَعَهُ: فِي
قَوْلِهِ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 83] قَالَ: صَبْرٌ لَا شَكْوَى فِيهِ
(1/83)
111 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ بَقِيَّةِ
بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي [ص:84] الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «الصَّبْرُ يَأْتِي مِنَ اللَّهِ الْعَبْدَ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ»
(1/83)
112 - حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ
النَّهَّاسِ بْنِ قَهْمٍ، عَنْ عِصْمَةَ أَبِي حُكَيْمَةَ قَالَ: بَكَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: مَا الَّذِي أَبْكَاكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ [ص:85] قَالَ: «ذَكَرْتُ آخِرَ أُمَّتِي وَمَا يَلْقَوْنَ مِنَ
الْبَلَاءِ، فَالصَّابِرُ مِنْهُمْ يَجِيءُ وَلَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ»
(1/84)
113 - حَدَّثَنِي
حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ،
عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: «الصَّبْرُ
اعْتِرَافُ الْعَبْدِ لِلَّهِ بِمَا أَصَابَهُ مِنْهُ، وَاحْتِسَابُهُ عِنْدَ
اللَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِهِ، وَقَدْ يَجْزَعُ الرَّجُلُ وَهُوَ مُتَجَلِّدٌ لَا
يُرَى مِنْهُ إِلَّا الصَّبْرُ»
(1/85)
114 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْآدَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ،
عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ مَا مُنْتَهَى الصَّبْرِ؟ قَالَ: «أَنْ يَكُونَ يَوْمَ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ
مِثْلَهُ قَبْلَهَا»
(1/85)
115 - وَحَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
السَّرْحِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ الْحَجَّاجِ،
عَنْ أَخِيهِ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ [ص:86] فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فَاصْبِرْ
صَبْرًا جَمِيلًا} [المعارج: 5] قَالَ: «أَنْ يَكُونَ
صَاحِبُ الْمُصِيبَةِ فِي الْقَوْمِ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ؟»
(1/85)
116 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ،:
{فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ} [يوسف: 83] قَالَ: «الرِّضَا بِالْمُصِيبَةِ، وَالتَّسْلِيمُ»
(1/86)
117 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
الْوَاسِطِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْكَظِيمُ:
الصَّبُورُ
(1/86)
118 - حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ: قَالَ لَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ: "
لَوْ كَانَ الصَّبْرُ حُلْوًا مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْبِرْ وَلَكِنَّ الصَّبْرَ مُرٌّ
"
(1/86)
119 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا
النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَاصْبِرْ
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [غافر: 77] قَالَ: «مَا وَعَدَ اللَّهُ مِنْ
ثَوَابِهِ الصَّابِرِينَ»
(1/87)
120 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ
فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " سَبَّ رَجُلٌ رَجُلًا مِنَ الصَّدْرِ
الْأَوَّلِ، فَقَامَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ
يَتْلُو: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:
43] ".
121 - قَالَ
الْحَسَنُ: «عَقَلَهَا وَاللَّهِ وَفَهَمَهَا إِذْ ضَيَّعَهَا الْجَاهِلُونَ»
(1/87)
122 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ زَافِرِ بْنِ
سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «انْتِظَارُ
الْفَرَجِ بِالصَّبْرِ عِبَادَةٌ»
(1/87)
123 - حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: [ص:88] كَانَ حُطَيْطٌ زَيَّاتًا، وَكَانَ شَابًّا
أَبْيَضَ، فَأَتَى الْحَجَّاجَ فَقَالَ: «أَمَا تَسْتَحْيِي تَكْذِبُ وَأَنْتَ
أَمِيرٌ، تَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَرْكُ عَاصٍ، وَهَؤُلَاءِ بَنُو عَمِّكَ
حَوْلَكَ كُلُّهُمْ عُصَاةٌ؟ أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟» يَقُولُ لِمَنْ حَوْلَهُ ,
فَقَالُوا كُلُّهُمُ: اسْقِنَا دَمَهُ
(1/87)
124 - حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
طُعْمَةَ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا أُتِيَ
الْحَجَّاجُ بِحُطَيْطٍ الزَّيَّاتِ قَالَ لَهُ: أَحَرُورِيُّ أَنْتَ؟ قَالَ: «مَا
أَنَا بِحَرُورِيٍّ، وَلَكِنِّي عَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ أُجَاهِدَكَ بِيَدِي
وَبِلِسَانِي وَبِقَلْبِي، فَأَمَّا يَدِي فَقَدْ فُتَّهَا، وَأَمَّا لِسَانِي
فَهَذَا تَسْمَعُ مَا تَقُولُ، وَأَمَّا قَلْبِي فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِ»
. قَالَ: فَوَثَبَ حَوْشَبٌ - صَاحِبُ شُرَطِهِ - فَسَارَّهُ بِشَيْءٍ. قَالَ:
يَقُولُ لَهُ حُطَيْطٌ: «لَا تَسْمَعْ مِنْهُ، فَإِنَّهُ غَاشٌّ لَكَ» . قَالَ:
فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: مَا تَقُولُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ؟ فَقَالَ: «أَقُولُ فِيهِمَا خَيْرًا» . [ص:89] قَالَ: مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ
رَحِمَهُ اللَّهُ؟ قَالَ: «مَا وُلِدْتُ إِذْ ذَاكَ» . فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ:
يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ، وُلِدْتَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَمْ
تُولَدْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ
لَا تَعْجَلْ، إِنِّي وَجَدْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
فَقُلْتُ بِقَوْلِهِمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي عُثْمَانَ فَوَسِعَنِي السُّكُوتُ» .
فَوَثَبَ مَعَدٌّ - صَاحِبُ عَذَابِ الْحَجَّاجِ - فَقَالَ:
إِنْ رَأَى الْأَمِيرُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيَّ، فَوَاللَّهِ لَأُسْمِعَنَّكَ
صِيَاحَهُ. قَالَ: خُذْهُ إِلَيْكَ. قَالَ: فَحَمَلَهُ، فَمَكَثَ يُعَذِّبُهُ
لَيْلَتَهُ جَمْعَاءَ وَلَا يُكَلِّمُهُ حُطَيْطٌ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ
الصُّبْحِ دَعَا بِدَهْقٍ، وَاعْتَمَدَ عَلَى سَاقِهِ فَكَسَرَهَا وَاكْتَبَى
عَلَيْهَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «يَا
أَفْسَدَ النَّاسِ وَأَلْأَمَهُمْ، تَكْتَبِي عَلَى سَاقِي بَعْدَ أَنْ
كَسَرْتَهَا؟ وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ» ، فَلَمَّا أَصْبَحَ دَخَلَ عَلَى
الْحَجَّاجِ. فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قَالَ: إِنْ رَأَى الْأَمِيرُ
أَنْ يَأْخُذَهُ، فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيَّ أَهْلَ سِجْنِي، يَسْتَحْيُونَ أَنْ لَا
يَصْبِرُوا. [ص:90] قَالَ: عَلَيَّ بِهِ فَأُتِيَ بِهِ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
قَالَ: وَإِلَى جَنْبِ الْحَجَّاجِ شَيْخٌ مِنْ مَشْيَخَةِ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ:
فَقَالَ حُطَيْطٌ لِلْحَجَّاجِ: «كَيْفَ رَأَيْتَ؟» قَالَ إِسْحَاقُ: يَعْنِي
قَوْلَ مَعَدٍّ لَهُ: وَاللَّهِ لَأُسْمِعَنَّكَ صِيَاحَهُ قَالَ: فَقَالَ لَهُ
الْحَجَّاجُ: أَتَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ:
فَاقْرَأْ. قَالَ بِهِ حُطَيْطٌ: «لَا، بَلِ اقْرَأْ أَنْتَ» . قَالَ: فَقَالَ
لَهُ الْحَجَّاجُ: اقْرَأْ. قَالَ حُطَيْطٌ: «لَا، بَلِ
اقْرَأْ أَنْتَ» . كُلُّ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَرَأَ الْحَجَّاجُ:
{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا
مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] حَتَّى بَلَغَ إِلَى
قَوْلِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا
وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] قَالَ: فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «قِفْ» . قَالَ:
فَوَقَفَ الْحَجَّاجُ، فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «هُوَ ذَا أَنْتَ تُعَذِّبُهُمْ» .
قَالَ: فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْعَذَابِ. قَالَ: فَأُتِيَ بِمُسَالٍ أَوْ سِلَاءٍ،
فَأَمَرَ بِهَا فَغُرِزَتْ فِي أَنَامِلِهِ، [ص:91] فَقَالَ الشَّيْخُ الَّذِي
إِلَى جَنْبِ الْحَجَّاجِ: تَالَلَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَصْبَرَ مِنْهُ.
قَالَ: فَقَالُ لَهُ حُطَيْطٌ: «إِنَّ اللَّهَ يُفْرِغُ الصَّبْرَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ إِفْرَاغًا» . قَالَ: فَقَالَ الْحَجَّاجُ لِمَعْدٍ:
وَيْحَكَ،
أَرِحْنِي مِنْهُ. قَالَ: فَحَمَلَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ. قَالَ بَعْضُ أَعْوَانِ الْحَجَّاجِ:
فَرَحِمْتُهُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: «لَا
إِلَّا أَنَّ لِسَانِيَ قَدْ يَبِسَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ» .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ: أَلَهُ حَمِيمٌ؟ قَالُوا: أُمٌّ
وَأَخٌ. قَالَ: فَوَضَعَ عَلَى أُمِّهِ
الدَّهْقَ، فَقَالَ حُطَيْطٌ: يَا أُمَّهِ اصْبِرِي. فَقَتَلَهَا
(1/88)
125 - حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَابِتٍ، مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الثَّقَفِيِّ قَالَ: أُتِيَ الْحَجَّاجُ بِحُطَيْطٍ عِنْدَ الْمَغْرِبِ، فَضَرَبَ بَطْنَهُ
مِائَةً، وَظَهْرَهُ مِائَةً، ثُمَّ أَدْرَجَهُ فِي عَبَاءَةٍ وَأَلْقَاهُ فِي الدَّارِ
فَقُلْتُ: أَعَطْشَانُ أَنْتَ يَا حُطَيْطُ؟ فَقَالَ: «إِنِّي وَاللَّهِ
لَعَطْشَانُ» [ص:92] قُلْتِ: أَسْقِيكَ مَاءً؟ قَالَ: «لَا، أَخَافُ أَنْ يَرَاكَ
أَحَدٌ فَتُلْقَى فِي سَبْيِي»
(1/91)
126 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
إِدْرِيسَ، عَنْ طُعْمَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمَاصِرِ،
أَنَّ حُطَيْطًا كَانَ مَوْلًى لِبَنِي ضَبَّةَ، وَأَنَّهُ لَمَّا رُفِعَ مِنْ
بَيْنِ يَدَيِ الْحَجَّاجِ وَقَدْ بَلَغَ الْعَذَابُ مِنْهُ وَمَا يَتَكَلَّمُ،
جَاءَ ذُبَابٌ فَوَقَعَ عَلَى جِرَاحَتِهِ. فَقَالَ: «حَسِّ» . فَقِيلَ لَهُ:
صَبَرْتَ عَلَى الْعَذَابِ، وَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابٌ قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَيْسَ
مِنْ عَذَابِكُمْ» .
(1/92)
127 - حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ
الْأَعْمَشِ قَالَ: «كَانَ يُدْخَلُ فِي يَدِهِ الْمُسَالُ، ثُمَّ تُسَلُّ»
(1/92)
128 - حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ قَالَ:
[ص:93]
خَرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَسْجُوحٌ وَحُطَيْطٌ الزَّيَّاتُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا
انْتَهَيَا إِلَى ذَاتِ عِرْقٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْجُوحٍ لِحُطَيْطٍ: يَا
حُطَيْطُ، إِنِّي أَظُنُّ هَؤُلَاءِ قَدْ وَضَعُوا لَنَا الْمَرَاصِدَ، فَهَلْ لَكَ
أَنْ نَمِيلَ إِلَى الْبَصْرَةِ؟ فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «أَمَّا أَنَا فَأَمْضَى»
، فَمَضَى سَعِيدٌ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَرَجَعَ حُطَيْطٌ فَأَخَذَتْهُ
الْمَرَاصِدُ. فَقَالَ: هِيهِ؟ قَالَ: " عَاهَدْتُ رَبِّي
عَلَى ثَلَاثٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ: لَئِنْ سُئِلْتُ لَأَصْدُقَنَّ، وَلَئِنِ
ابْتُلِيتُ لَأَصْبِرَنَّ، وَلَئِنْ عُوفِيتُ لَأَشْكُرَنَّ ". قَالَ:
حَدِّثْنِي عَنِّي. قَالَ: «أُحَدِّثُكَ أَنَّكَ مِنْ أَعْدَاءِ
اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، تُجَهِّزُ الْبُعُوثَ وَتُقْتَلُ النُّفُوسَ عَلَى
الظِّنَّةِ، فَذَكَرَ مَسَاوِئَهُ» . قَالَ: حَدِّثْنِي عَنِ الْخَلِيفَةِ.
قَالَ: «أُحَدِّثُكَ أَنَّهُ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْكَ، وَإِنَّمَا أَنْتَ شَرَرَةٌ
مِنْهُ» . ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ مَسَاوِئَهُ مَا شَاءَ أَنْ يَذْكُرَ. قَالَ:
قَطِّعُوا عَلَيْهِ الْعَذَابَ، فَقَطَّعُوا عَلَيْهِ الْعَذَابَ، حَتَّى كَانَ
فِي آخِرِ ذَلِكَ قَالَ: شَقِّقُوا لَهُ الْقَصَبَ [ص:94] فَجَعَلُوا يُلْزِمُونَهَا
ظَهْرَهُ، ثُمَّ يَمْتَرِخُونَ لَحْمَهُ، حَتَّى تَرَكُوهُ بِآخِرِ رَمَقٍ،
فَقَالُوا لِلْحَجَّاجِ: إِنَّ هَذَا بِآخِرِ رَمَقٍ. قَالَ: اطْرَحُوهُ، فَطَرَحُوهُ فِي
الرَّحَبَةِ. قَالَ جَعْفَرٌ: فَانْتَهَتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا نَاسٌ -
أَظُنُّهُمْ - كَانُوا إِخْوَانًا لَهُ أَوْ مَعْرِفَةً. فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ:
يَا حُطَيْطُ أَلَكَ حَاجَةٌ، أَوَ تَشْتَهِي شَيْئًا؟ قَالَ: «شَرْبَةً» ،
فَأُتِيَ بِشَرْبَةٍ، لَا أَدْرِي أَسَوِيقَ حَبِّ الرُّمَّانِ كَانَتْ أَمْ
مَاءً؟ فَشَرِبَهَا، ثُمَّ طُفِئَ
(1/92)
129 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ
بِالْمَصِّيصَةِ ذَاهِبُ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا
رُوحُهُ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ ضَرِيرٌ عَلَى سَرِيرٍ مُلْقًى، مَثْقُوبٌ لَهُ
لِلْبَوْلِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟
قَالَ: مُلْكُ الدُّنْيَا مُنْقَطِعٌ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا لِي
إِلَيْهِ مِنْ حَاجَةَ إِلَّا أَنْ يَتَوَفَّانِيَ عَلَى الْإِسْلَامِ
"
(1/94)
130 - حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مَرَّةً: لَأَمْتَحِنَنَّ أَهْلَ الْبَلَاءِ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَجُلٍ بِطَرَسُوسَ وَقَدْ أَكَلَتِ الْأَكَلَةُ
أَطْرَافَهُ. فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ وَكُلُّ
عُضْو مِنِّي يَأْلَمُ عَلَى حِدَّتِهِ مِنَ الْوَجَعِ، لَوْ أَنَّ الرُّومَ فِي
شِرْكِهَا وَكُفْرِهَا اطَّلَعَتْ عَلَيَّ لَرَحِمَتْنِي مِمَّا أَنَا فِيهُ،
وَإِنَّ ذَلِكَ لَبِعَيْنِ اللَّهِ أَحَبُّهُ إِلَيَّ أُحِبُّهُ إِلَى اللَّهِ،
وَمَا قَدْرُ مَا أَخَذَ رَبِّي مِنِّي؟ وَدِدْتُ أَنَّ رَبِّيَ قَدْ قَطَعَ
مِنِّي الْأَنَامِلَ الَّتِي بِهَا اكْتَسَبْتُ الْإِثْمَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ
مِنِّي إِلَّا لِسَانِي يَكُونُ لَهُ ذَاكِرًا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ:
مَتَى بَدَأَتْ بِكَ هَذِهِ الْعِلَّةُ؟ فَقَالَ: أَمَا كَفَاكَ؟ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ
عَبِيدُ اللَّهِ وَعِيَالُهُ فَإِذَا رَأَيْتَ مِنَ الْعِبَادِ عَيْلَةَ
فَالشَّكْوَى إِلَى اللَّهِ، لَيْسَ اللَّهُ يُشْتَكَى إِلَى الْعِبَادِ
(1/95)
131 - حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْبَرَاثِيُّ قَالَ: قَالَ لِي خَلَفٌ الْبُرَيْرَانِيُّ: [ص:96] أُوتِيتُ
بِرَجُلٍ مَجْذُومٍ ذَاهِبِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، أَعْمَى فَجَعَلْتُهُ
مَعَ الْمَجْذُومِينَ فَغَفَلْتُ عَنْهُ أَيَّامًا، ثُمَّ ذَكَرْتُهُ فَقُلْتُ:
يَا هَذَا إِنِّي غَفَلْتُ عَنْكَ. فَقَالَ لِي الْمَجْذُومُ: إِنَّ لِي مَنْ لَا
يَغْفُلُ عَنِّي. قُلْتُ: إِنِّي أُنْسِيتُكَ. قَالَ: إِنَّ لِي مَنْ لَا يَنْسَانِي.
قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَذْكُرْكَ. قَالَ: إِنَّ لِي مَنْ يَذْكُرُنِي، قَدْ
شَغَلْتَنِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. قُلْتُ: أَلَا أُزَوِّجُكَ امْرَأَةً
تُنَظِّفُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْذَارِ؟ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ لِي: يَا خَلَفُ،
تُزَوِّجُنِي وَأَنَا مَلِكُ الدُّنْيَا وَعَرُوسُهَا عِنْدِي؟ قُلْتُ: مَا
الَّذِي عِنْدَكَ مِنْ مُلْكِ الدُّنْيَا وَأَنْتَ ذَاهِبُ الْيَدَيْنِ
وَالرِّجْلَيْنِ، أَعْمَى، تَأْكُلُ كَمَا تَأْكُلُ الْبَهَائِمُ؟ قَالَ: رِضَايَ
عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ أَبْلَى جَوَارِحِي وَأَطْلَقَ لِسَانِي
بِذِكْرِهِ. قَالَ: فَوَقَعَ مِنِّي بِكُلِّ مَنْزِلَةٍ،
فَمَا لَبِثَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ، فَأَخْرَجْتُ لَهُ كَفَنًا كَانَ
فِيهِ طُولٌ، فَقَطَعْتُ مِنْهُ، فَأُتِيتِ فِي مَنَامِي فَقِيلَ لِي: يَا خَلَفُ
بَخِلْتَ عَلَى وَلِيِّ بِكَفَنٍ طَوِيلٍ؟ قَدْ رَدَدْنَا عَلَيْكَ كَفَنَكَ،
وَكَفَّنَّاهُ عِنْدَنَا فِي السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ. قَالَ: فَنَهَضْتُ
إِلَى بَيْتِ الْأَكْفَانِ، فَإِذَا الْكَفَنُ مُلْقًى
(1/95)
132 - حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ الْجُمَحِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عُمَرَ الْحَنَفِيَّ، وَذَكَرَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي
حَنِيفَةَ قَالَ: " أَرَادُوا شَيْخًا لَهُمْ كَانَ بِهِ دَاعِي الْعِلَاجِ،
فَأَبَى وَقَالَ: وَجَدْتُ اللَّهَ قَدْ نَحَلَ أَهْلَ الصَّبْرِ نُحْلًا مَا
نَحَلَهُ غَيْرَهُمْ مِنْ عِبَادِهِ " قِيلَ: مَا هُوَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: " {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] فَمَا كُنْتُ لِأَعْدِلَ بِذَلِكَ
شَيْئًا أَبَدًا " قَالَ: فَلَمْ يَتَعَالَجْ، وَكَانَ إِذَا اشْتَدَّ بِهِ
الْوَجَعُ قَالَ: «حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» ، فَيَسْكُنُ عَنْهُ
الْأَلَمُ، وَيَجِدُ لِذَلِكَ خِفَّةً وَهُدُوءًا
(1/97)
133 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي الْمُحَبَّرَ بْنَ قَحْذَمٍ، يَقُولُ: لَمَّا مُثِّلَ
بِالشَّجَّاءِ صَبَرَتْ، وَجَعَلَتْ تُعَزِّي نَفْسَهَا بِالْقُرْآنِ وَتَقُولُ:
{وَاصْبِرْ
وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] ، {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ
خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126][ص:98] ثُمَّ قَالَتْ: لَئِنْ كُنْتُ عَلَى
بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِي إِنَّ هَذَا لَقَلِيلٌ فِي جَنْبِ عَظِيمِ مَا أَطْلُبُ
مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ قَالَ: فَمَا تَكَلَّمَتْ بِغَيْرِ هَذَا حَتَّى
مَاتَتْ
(1/97)
134 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَدَّثَنِي
أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو
السَّوَّارِ الْعَدَوِيُّ: لَمَّا مُثِّلَ بِالشَّجَّاءِ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا
قَطُّ وَلَا امْرَأَةً أَصْبَرَ عَلَى بَلَاءٍ مِنْ هَذِهِ. قَالَ: وَكَانَ قَدْ
حَضَرَهَا وَهُمْ يُمَثِّلُونَ بِهَا، فَقَالَتْ: سَلَا بِنَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا
الْقُدُومُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاللَّهِ لَلَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
خَلْقِهِ ثُمَّ مَاتَتْ
(1/98)
135 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قَرِيبٍ
الْأَصْمَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، أَدْرَكَ ذَاكَ قَالَ: " لَمَّا
أُتِيَ بِهَا ابْنُ زِيَادٍ، أَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا فَمَا
نَبَسَتْ بِكَلِمَةٍ [ص:99] قَالَ: فَأَتَى بِنَارٍ لِتُكْوَى بِهَا فَلَمَّا
رَأَتِ النَّارَ صَرَخَتْ فَقِيلَ لَهَا: قُطِعَتْ يَدَاكُ وَرِجْلَاكِ فَلَمْ
تَكَلَّمِي، فَلَمَّا رَأَيْتِ النَّارَ صَرَخْتِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُدْنَى
مِنْكِ؟ قَالَتْ: «لَيْسَ مِنْ نَارِكُمْ صَرَخْتُ، وَلَا عَلَى دُنْيَاكُمْ
أَسِفْتُ، ذَكَرْتُ بِهَا النَّارَ الْكُبْرَى، فَكَانَ الَّذِي رَأَيْتُمْ مِنْ
ذَلِكَ» قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَسُمِلَتْ عَيْنَاهَا، فَقَالَتْ: «اللَّهُمَّ
قَدْ طَالَ فِي الدُّنْيَا حُزْنِي، فَأَقِرَّ بِالْآخِرَةِ عَيْنِي» ، ثُمَّ
خَمَدَتْ
(1/98)
136 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا
عِمْرَانُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَلِيلِ الْقَيْسِيُّ قَالَ: لَمَّا
أَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ بِالشَّجَّاءِ أَنْ يُمَثَّلَ بِهَا، جَاءَ الَّذِي يُرِيدُ
أَنْ يَلِيَ ذَلِكَ مِنْهَا وَمَعَهُ الْحَدِيدُ وَالْحِبَالُ، فَقَالَتْ:
«إِلَيْكُمْ عَنِّي , أَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ يَحْفَظُهُنَّ
عَنِّي مَنْ سَمِعَ بِهِنَّ» . قَالَ: فَحَمِدَتِ اللَّهَ وَأَثْنَتْ
عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَتْ: " هَذَا آخِرُ يَوْمِي مِنَ الدُّنْيَا، وَهُوَ
غَيْرُ مَأْسُوفٍ عَلَيْهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ أَيَامَى مِنَ
الْآخِرَةِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّ عِلْمِي،
وَاللَّهِ، بِفَنَائِهَا هُوَ الَّذِي زَهَّدَنِي فِي الْبَقَاءِ فِيهَا،
وَسَهَّلَ عَلَيَّ جَمِيعَ بَلْوَاهَا، فَمَا أُحِبُّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرَ
اللَّهُ، وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلَ اللَّهُ ". ثُمَّ قُدِّمَتْ، فَمُثِّلَ
بِهَا حَتَّى مَاتَتْ
(1/99)
137 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنِي
بَكْرُ بْنُ حُمْرَانَ قَالَ: لَمَّا قِيلَ لَهَا: قَدْ أُمِرَ بِقَطْعِ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ
وَسَمْلِ عَيْنَيْكِ. قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ، وَعَلَى الْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ، قَدْ كُنْتُ أُؤَمِّلُ فِي
اللَّهِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. قَالَ: فَلَمَّا قُطِعَتْ جَعَلَ الدَّمُ لَا
يَرْقَأُ، فَأَحَسَّتْ بِالْمَوْتِ وَقَالَتْ: حَيَاةٌ كَدِرَةٌ وَمَيْتَةٌ
طَيِّبَةٌ، لَئِنْ نِلْتُ مَا أَمَّلْتِ يَا نَفْسُ مِنْ جَزِيلِ ثَوَابِ اللَّهِ
لَقَدْ نِلْتِ سُرُورًا دَائِمًا لَا يَضُرُّكِ مَعَهُ كَدَرُ عَيْشٍ وَلَا
مُلَاحَاةُ الرِّجَالِ فِي الدَّارِ الْفَانِيَةِ قَالَ: ثُمَّ اضْطَرَبَتْ حَتَّى
مَاتَتْ
(1/100)
138 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا سَالِمُ
بْنُ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى سَالِمٌ الْهِلَالِيُّ عَلَى جَنَازَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ
فِي ظِلِّ قَصْرِ أَوْسٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَلَا إِنَّ كُلَّ مَيْتَةٍ
عَلَى الْفِرَاشِ فَهِيَ ظَنُونٌ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا كَانَ حَالُ
أُخْتِكُمُ الشَّجَّاءِ؟ قَالُوا: وَمَا كَانَ حَالُهَا؟ قَالَ: قَطَعَ ابْنُ
زِيَادٍ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَسَمَلَ عَيْنَهَا، فَمَا قَالَتْ: حَسِّ، فَقِيلَ
لَهَا فِي ذَلِكَ. فَقَالَتْ: «شَغَلَنِي هَوْلُ الْمَطْلَعِ عَنْ أَلَمِ
حَدِيدِكُمْ هَذَا»
(1/100)
139 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي مُجَالِدُ
بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُصَادٍ الْعَابِدُ
قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَبْكِي وَيَبْكِي أَصْحَابُهُ، وَيَقُولُ فِي
خِلَالِ بُكَائِهِ: «اصْبِرُوا عَلَى طَاعَتِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ صَبْرٌ قَلِيلٌ
وَغُنْمٌ طَوِيلٌ، وَالْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ»
(1/101)
140 - حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ جَمِيلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: «مَنْ صَبَرَ فَمَا أَقَلَّ مَا يَصْبِرُ، وَمَنْ
جَزَعَ فَمَا أَقَلَّ مَا يَتَمَتَّعُ»
(1/101)
141 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ صُبَيْحٍ الْعِجْلِيَّ، يَقُولُ: " أُعْطِيَ الصَّابِرُونَ الصَّلَاةَ مِنَ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَالرَّحْمَةَ مِنْهُ لَهُمْ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يُدْرِكُ
فَضْلَهُمْ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ؟ هَنِيئًا لِلصَّابِرِينَ، مَا أَرْفَعَ
دَرَجَتَهُمْ وَأَعْلَى هُنَاكَ مَنَازِلَهُمْ وَاللَّهِ إِنْ نَالَ الْقَوْمُ
ذَلِكَ إِلَّا بِمَنِّهِ وَتوْفِيقِهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَعْطَى مِنْ فَضْلِهِ،
[ص:102] وَأَسْدَى مِنْ نِعَمِهِ، وَلَهُ الْحَمْدُ كَثِيرًا عَلَيْنَا وَعَلَى
جَمِيعِ خَلْقِهِ، فَهُوَ الْغَنِيُّ فَلَا يَمْنَعُهُ نَائِلٌ، وَهُوَ الْكَرِيمُ
فَلَا يَحِفُيهُ سَائِلٌ، وَهُوَ الْحَمِيدُ فَلَا يَبْلُغُ مَدْحَهُ قَائِلٌ،
وَنَحْنُ عِبَادُهُ، فَمِنْ بَيْنِ مَخْذُولٍ حُرِمَ طَاعَتَهُ فَلَمْ يَصْبِرْ
عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَمِنْ بَيْنِ مُطِيعٍ وَفَّقَهُ لِمَرْضَاتِهِ وَصَبَّرَهُ
عَنِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ مَعْصِيَتِهِ، ثُمَّ غَمَرَنَا بَعْدَ ذَلِكَ
بِتَفَضُّلِهِ فَقَالَ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]
فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ نَنَالَهَا بِتَفَضُّلِهِ وَإِنْ لَمْ نَكُنْ مِنْ
أَهْلِهَا بِسُوءِ أَعْمَالِنَا الْقَبِيحَةِ، وَاسَوْأَتَاهْ، مِنْ كَرِيمٍ يُكْرِمُكَ
وَأَنْتَ مُتَعَرِّضٌ لِمَا يَكْرَهُ صَبَاحًا وَمَسَاءً "
(1/101)
142 - حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُورَةُ بْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النَّحْوِيُّ قَالَ:
كَانَ حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ يَقُولُ لِإِخْوَانِهِ: اشكا مَاذَا اشكا فاذو:
كَأَنَّكُمْ بِعَاقِبَةِ الصَّبْرِ مَحْمُودَةً، لَيْتَ شِعْرِي مَا يَصْنَعُ فِي
الْقِيَامَةِ مَنْ غُبِنَ أَيَّامَهُ الْحَالِيَةَ، ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى تَسِيلَ
الدُّمُوعُ عَلَى لِحْيَتِهِ
(1/102)
143 - حَدَّثَنَا
خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، [ص:103]
عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مِيثَمٍ، أَنَّ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَيُّ عِبَادِكَ أَصْبَرُ؟ قَالَ:
أَكْظَمُهُمْ لِلْغَيْظِ
(1/102)
144 - حَدَّثَنِي
هَارُونُ بْنُ أَبِي يَحْيَى السُّلَمِيُّ، عَنْ شَيْخٍ، مِنْ تَمِيمٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ
قَالَ لِصَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ: مَا الْمُرُوءَةُ؟ قَالَ: " الصَّبْرُ وَالصَّمْتُ: الصَّبْرُ لِمَنْ
غَاظَكَ وَإِنْ بَلَغَ مِنْكَ، وَالصَّمْتُ حَتَّى تُسْأَلَ "
(1/103)
145 - حَدَّثَنِي
الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ
بْنُ يَحْيَى أَبُو مُطِيعٍ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَخِيهِ،
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَقِيَ فِي اللَّهِ فَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ
يَغْلِبَ لَمْ يُفْتَنْ فِي قَبْرِهِ»
(1/104)
146 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا
حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ مِسْمَعَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ:
قَالَ لِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: «مَنْ نَوَى الصَّبْرَ عَلَى طَاعَةِ
اللَّهِ صَبَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَقَوَّاهُ لَهَا، وَمَنْ عَزَمَ عَلَى
الصَّبْرِ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَصَمَهُ
عَنْهَا» . [ص:105] قَالَ: وَقَالَ لِي: يَا سَيَّارُ،
«أَتُرَاكَ تَصْبِرُ لِمَحَبَّتِهِ عَنْ هَوَاكَ فَيَخِيبُ صَبْرُكَ؟ لَقَدْ
أَسَاءَ بِسَيِّدِهِ الظَّنَّ مَنْ ظَنَّ بِهِ هَذَا وَشِبْهَهُ» قَالَ: ثُمَّ
بَكَى عَبْدُ الْوَاحِدِ حَتَّى خِفْتُ أَنْ يُغْشَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
«بِأَبِي أَنْتَ يَا مِسْمَعُ، نِعَمُهُ رَائِحَةٌ وَغَادِيَةٌ عَلَى أَهْلِ
مَعْصِيَتِهِ، فَكَيْفَ يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَتِهِ أَهْلُ مَحَبَّتِهِ؟»
(1/104)
147 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا مُضَرُ، عَنْ عَبْدِ
الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ لِي عَابِدٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: «أَمَا
وَاللَّهِ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ لَيَعْلَمَنَّ الصَّابِرُونَ غَدًا أَنَّ مَوْئِلَ
الصَّبْرِ مَوْئِلٌ كَرِيمٌ هَنِيءٌ غَيْرُ مَرْدِيٍّ وَلَيَعْلَمَنَّ أَهْلُ
الِاسْتِخْفَافِ بِمَعَاصِي اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ عَلَيْهِمْ وَبَالًا،
وَلَبِئْسَ سَبِيلُ الْخَائِفِ الْغُرَّةُ وَتَرْكُ الْحَذَرِ وَالِاحْتِرَاسِ
مِمَّا يُخَافُ وَبَكَى»
(1/105)
148 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلَمَةَ الشُّعَيْثِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ السَّمَّاكِ،
يَقُولُ: «مَنِ امْتَطَى الصَّبْرَ قَوِيَ عَلَى
الْعِبَادَةِ، وَمَنْ أَجْمَعَ الْيَأْسَ اسْتَغْنَى عَنِ النَّاسِ، وَمَنْ
أَهَمَّتْهُ نَفْسُهُ لَمْ يُوَلَّ تُرْبَتَهَا غَيْرُهُ، وَمَنْ أَحَبَّ
الْخَيْرَ وُفِّقَ لَهُ، وَمَنْ كَرِهَ الشَّرَّ جُنِّبَهُ، وَمَنْ رَضِيَ
بِالدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ حَظًّا فَقَدْ أَخْطَأَ حَظَّ نَفْسِهِ، وَمَنْ
أَرَادَ الْحَظَّ الْأَكْبَرَ مِنَ الْآخِرَةِ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا [ص:106]
وَأَعْمَلَ
نَفْسَهُ لَهَا، وَهَانَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَجَمِيعُ مَا فِيهَا، وَالصَّبْرُ
عَنِ الدُّنْيَا رَأْسُ الزُّهْدِ فِيهَا، وَالصَّبْرُ عَنِ الْمَعَاصِي هُوَ
الْكُرْهُ لَهَا، وَالصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَرْعُ الْخَيْرِ وَتَمَامُهُ»
(1/105)
149 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا حَكِيمُ
بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي قُرَّةُ النَّحَّاتُ قَالَ: قُلْتُ لِعَابِدٍ فِي بَيْتِ
الْمَقْدِسِ: أَوْصِنِي. قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ، وَالتَّصَبُّرِ، وَالِاصْطِبَارِ»
. قَالَ: قُلْتُ: مَا الصَّبْرُ؟، وَمَا التَّصَبُّرُ؟، وَمَا الِاصْطِبَارُ؟
قَالَ: «أَمَّا الصَّبْرُ فَالتَّسْلِيمُ وَالرِّضَا بِنُزُولِ الْمَصَائِبِ
وَالْبَلْوَى، وَتَوْطِينُ النُّفُوسِ عَلَيْهَا قَبْلَ حُلُولِهَا، وَأَمَّا التَّصَبُّرُ
فَتَجَرُّعُ مَرَارَتِهَا عِنْدَ نُزُولِهَا، وَمُجَاهَدَةُ النَّفْسِ عَلَى
هُدُوئِهَا وَسُكُونِهَا، وَأَمَّا الِاصْطِبَارُ فَاسْتِقْبَالُ مَا يَنْزِلُ
مِنْهَا مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلْوَى بِالطَّلَاقَةِ وَالْبِشْرِ، وَانْتِظَارُ
مَا لَمْ يَنْزِلْ مِنْهَا بِالِاعْتِبَارِ وَالْفِكْرِ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ
كَذَلِكَ كَانَ مُصْطَبِرًا، لَمْ يُبَالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ» . وَجَدْتُ
فِي بَعْضِ الْحِكْمَةِ: الصَّبْرُ عَلَى عَشَرَةِ وجُوهٍ: الصَّبْرُ عَلَى الْمَعَاصِي،
وَالصَّبْرُ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الشُّبُهَاتِ، وَالصَّبْرُ
عَلَى الْفَقْرِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْأَوْجَاعِ، وَالصَّبْرُ عَلَى
الْمَصَائِبِ، وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى النَّاسِ، وَالصَّبْرُ عَنِ الشَّهَوَاتِ،
وَالصَّبْرُ عَنْ فُضُولِ الْكَلَامِ، وَالصَّبْرُ عَلَى النَّوَافِلِ، وَكُلُّ
عَمَلٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ تَعْمَلُهُ وَهُوَ شَاقٌّ عَلَيْكَ فَأَنْتَ فِيهِ
صَابِرٌ، وَكُلُّ عَمَلٍ تَعْمَلُهُ مِنْهَا وَلَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ
مِنْ بَابِ الصَّبْرِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْمَعُونَةِ مِنَ اللَّهِ
سُبْحَانَهُ لِعَبْدِهِ، كَفَاهُ مُؤْنَةَ الْمَشَقَّةِ وَأَذَاقَهُ حَلَاوَةَ
الْمَعُونَةِ
(1/106)
150 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ:
حَدَّثَنِي
خَلَفُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ عُقَلَاءِ الْهِنْدِ: «لَا
يَكُونُ الصَّبْرُ إِلَّا فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ مِنَ الذُّخْرِ،
وَلَرُبَّ صَابِرٍ بَرَزَ بِهِ صَبْرُهُ أَمَامَ الْمُتَّقِينَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَالصَّبْرُ [ص:107] فِي كُلِّ شَيْءٍ حَسَنٌ، وَهُوَ فِي
طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ أَحْسَنُ»
(1/106)
151 - حَدَّثَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ نَاصِحٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيِّ،
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ جُهَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
قَالَ: " إِنَّهَا سَتَكُونُ أُمُورٌ
تُنْكِرُونَهَا، فَعَلَيْكُمْ فِيهَا بِالصَّبْرِ، صَبْرٌ كَقَبْضٍ عَلَى
الْجَمْرِ، وَلَا تَقُولُوا: تَغَيُّرٌ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ
يُغَيِّرُ "
(1/107)
152 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى الْعُكْلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِسْعَرٍ
الْيَرْبُوعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطِيَّةُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: صَلَّيْتُ
الْجُمُعَةَ ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَجَلَسْتُ إِلَى يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ حَتَّى
[ص:108] صَلَّيْنَا الْعَصْرَ، فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ فِي جَنَازَةٍ؟ قَالَ:
فَمَضَيْنَا إِلَى نَاحِيَةِ بَنِي سَعْدٍ، فَصَلَّيْنَا عَلَى جَنَازَةٍ، ثُمَّ
قَالَ: هَلْ لَكُمْ فِي فُلَانٍ الْعَابِدِ نَعُودُهُ؟ فَأَتَيْنَا رَجُلًا قَدْ
وَقَعَتْ فِي فَمَهِ الْخَبِيثَةُ حَتَّى أَبْدَتْ عَنْ أَضْرَاسِهِ، فَكَانَ
إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ دَعَا بِقَعْبٍ مِنْ مَاءٍ وَبِقُطْنَةٍ فَبَلَّ لِسَانَهُ،
ثُمَّ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ يُحْسِنُ فِيهِنَّ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ
دَعَا بِالْقَدَحِ لِيَفْعَلَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ، فَبَيْنَا هُوَ يَبُلُّ
لِسَانَهُ إِذَا سَقَطَتْ حَدَقَتَاهُ فِي الْقَدَحِ، فَأَخَذَهُمَا
فَمَرَّثَهُمَا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ فِيهِمَا دَسَمًا، وَمَا
كُنْتُ أَظُنُّ بَقِيَ فِيهِمَا، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ قَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَطَانِيهِمَا فَأَمْتَعَنِي بِهِمَا شَبَابِي
وَصِحَّتِي، حَتَّى إِذَا فَنِيَتْ أَيَّامِي وَحَضَرَ أَجَلِي أَخَذَهُمَا
مِنِّي، لِيُبْدِلَنِي بِهِمَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، خَيْرًا مِنْهُمَا. فَقَالَ
لَهُ يُونُسُ: قَدْ كُنَّا تَهَيَّأْنَا لِنُعَزِّيَكَ،
فَنَحْنُ الْآنَ سَنُهَنِّئُكَ، فَقَالَ خَيْرًا وَدَعَا، ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ
عِنْدِهِ فَأَتَيْنَا أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ، فَحَدَّثْنَاهُ بِقِصَّتِنَا
[ص:109] فَقَالَ: شَهِدْتُمْ عِيدًا، وَقَعَدْتُمْ حَتَّى
صَلَّيْتُمْ جَمَاعَةً، ثُمَّ شَيَّعْتُمْ جَنَازَةً، ثُمَّ عُدْتُمْ مَرِيضًا،
ثُمَّ زُرْتُمْ أَخًا، لَقَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا. وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ
أَصَبْتُ خَيْرًا، قَدْ قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ
(1/107)
153 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: " وَقَعَتْ فِي رِجْلِ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ الْآكِلَةُ، فَصَعِدَتْ فِي سَاقِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَحَمَلَ إِلَيْهِ الْأَطِبَّاءَ، فَقَالُوا لَيْسَ لَهُ
دَوَاءٌ إِلَّا أَنْ تُقْطَعَ رِجْلُهُ قَالَ: فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ وَهُوَ جَالِسٌ
عِنْدَ الْوَلِيدِ، فَمَا تَضَوَّرَ وَجْهُهُ "
(1/109)
154 - حَدَّثَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: «لَوْ كَانَ الصَّبْرُ رَجُلًا كَانَ أَكْمَلَ
الرِّجَالِ، وَإِنَّ الْجَزَعَ وَالْجَهْلَ وَالشَّرَهَ وَالْحَسَدَ لَفُرُوعٌ
أَصْلُهَا وَاحِدٌ»
(1/109)
155 - حَدَّثَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْهِنْدِ:
«الصَّبْرُ قُوَّةٌ مِنْ قُوَى الْعَقْلِ، وَبِقَدْرِ مَوْلِدِ الْعَقْلِ يُنَمَّى
الصَّبْرُ»
(1/110)
156 - حَدَّثَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو الْعَتَاهِيَةِ
لِنَفْسِهِ:
[البحر
الطويل]
صَبَرْتُ
وَلَمْ أُبْدِ اكْتِئَابًا وَلَنْ تَرَى ... أَخَا جَزْعٍ إِلَّا يَصِيرُ إِلَى
الصَّبْرِ
وَإِنِّي
وَإِنْ أَبْدَيْتُ صَبْرًا لَمُنْطَوٍ ... عَلَى حَزَنٍ مِنْهُ أَحَرَّ مِنَ
الْجَمْرِ
وَأَمْلِكُ
مِنْ عَيْنِي الدُّمُوعَ وَرُبَّمَا ... تَبَادَرَ عَاصٍ مِنْ سَوَابِقَهَا
يَجْرِي "
(1/110)
157 - أَنْشَدَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
[البحر
الوافر]
تَعَزَّ
إِذَا أُصِبْتَ بِكُلِّ أَمْرٍ ... مِنَ التَّقْوَى أُمِرْتَ بِهِ مُصَابَا
فَكُلُّ
مُصِيبَةٍ عَظُمَتْ وَجَلَّتْ ... تَخِفُّ إِذَا رَجَوْتَ لَهَا ثَوَابَا
(1/110)
158 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ،
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنِي مُضَرُ أَبُو
سَعِيدٍ الْقَارِئُ قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْعُبَّادِ عَلَى بَعْضِ السَّوَاحِلِ:
إِنَّكَ وَاللَّهِ أَيُّهَا الْمَرْءُ مَا الْتَمَسْتَ اتِّبَاعَ رِضْوَانِهِ
بِشَيْءٍ أَبْلَغَ فِيمَا تُرِيدُ مِنَ اجْتِنَابِ سَخَطِهِ قَالَ: ثُمَّ بَكَى
وَقَالَ: وَكَيْفَ وَغُرُورُ الْأمَالِ تُلْهِينَا عَنْ سُرْعَةِ مَمَرِّ
الْآجَالِ؟ [ص:111] قَالَ: ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: لَا
تَعْجَبْ أَيُّهَا الْمَرْءُ مِنْ سَهْو وَغَفَلَةٍ غَلَبَا عَلَى عُقُولِنَا،
فَنَحْنُ نَحْرِصُ عَلَى الدُّنْيَا وَنَعْمَلُ لَهَا، غَيْرَ مُسْتَزِيدِينَ فِي
أَرْزَاقِنَا، بِالْحِرْصِ عَلَيْهَا وَالْعَمَلِ لَهَا، وَنَدَعُ حَظَّنَا فِي
هَذِهِ الدَّارِ الْفَانِيَةِ مِنَ الدَّارِ الْبَاقِيَةِ، الَّتِي يُرْزَقُ
أَهْلُهَا فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ هَذِهِ الدَّارُ سَبِيلًا
إِلَى الْوَصْلَةِ إِلَى الدَّارِ الْأُخْرَى قَالَ: فَإِنَّ أَعْمَالَنا وَحِرْصَنَا
عَلَى طَلَبِ الدَّارِ الْآخِرَةِ يَزِيدُ فِي أَرْزَاقِنَا وَلَذَّاتِنَا فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، احْتَجِزِ
الصَّبْرَ عَلَى إِرَادَتِهِ يُبْلِغْكَ خَيْرَ إِرَادَتِكَ لَدَيْهِ، فَمَا
رَأَيْنَا مِثْلَ الصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ شَيْئًا
(1/110)
159 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ
ذَرٍّ، يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ خَيْرًا يُبَلِّغُنَا
ثَوَابَ الصَّابِرِينَ لَدَيْكَ، وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ شُكْرًا يُبَلِّغُنَا مَزِيدَ
الشَّاكِرِينَ لَكَ، وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ تَوْبَةً تُطَهِّرُنَا بِهَا مِنْ
دَنَسِ الْآثَامِ حَتَّى نَحِلَّ بِهَا عِنْدَكَ مَحِلَّةَ الْمُنِيبِينَ
إِلَيْكَ، فَأَنْتَ وَلِيُّ جَمِيعِ النَّعَمِ وَالْخَيْرِ، وَأَنْتَ الْمَرْغُوبُ
إِلَيْهِ فِي كُلِّ شَدِيدَةٍ وَكَرْبٍ وَضُرٍّ، اللَّهُمَّ وَهَبْ لَنَا
الصَّبْرَ عَلَى مَا كَرِهْنَا مِنْ قَضَائِكَ، وَالرِّضَا بِذَلِكَ طَائِعِينَ،
وَهَبْ لَنَا الشُّكْرَ عَلَى مَا جَرَى بِهِ قَضَاؤُكَ مِنْ مَحَبَّتِنَا،
وَالِاسْتِكَانَةِ لِحُسْنِ قَضَائِكَ، مُتَذَلِّلِينَ لَكَ خَاضِعِينَ؛ رَجَاءَ
الْمَزِيدِ وَالزُّلْفَى لَدَيْكَ يَا كَرِيمُ، [ص:112] اللَّهُمَّ فَلَا شَيْءَ أَنْفَعُ
لَنَا عِنْدَكَ مِنَ الْإِيمَانِ بِكَ، وَقَدْ مَنَنْتَ بِهِ عَلَيْنَا فَلَا
تَنْزِعْهُ مِنَّا وَلَا تَنْزِعْنَا مِنْهُ حَتَّى تَتَوَفَّانَا عَلَيْهِ،
مُوقِنِينَ بِثَوَابِكَ، خَائِفِينَ لِعِقَابِكَ، صَابِرِينَ عَلَى بَلَائِكَ،
رَاجِينَ لِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ»
(1/111)
160 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ الْجُمَحِيِّ قَالَ:
قَالَ أَبُو خَيْرَةَ النَّحْوِيُّ: «الصَّبْرُ أَعْلَى خِلَالِ الْكَرْمِ»
(1/112)
161 - وَحَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَوْشَبُ
بْنُ عَقِيلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ، يَقُولُ: «مَا
أُعْطِيَ عَبْدٌ - بَعْدَ الْإِيمَانِ - أَفْضَلَ مِنَ الصَّبْرِ إِلَّا
الشُّكْرُ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُهُمَا وَأَسْرَعُهُمَا ثَوَابًا»
(1/112)
162 - وَحَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُجَمِّعُ بْنُ أَبِي غَاضِرَةَ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ،
يَقُولُ: «الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ
الْيَدَيْنِ مِنَ الْجَسَدِ، مَنْ لَمْ يَكُنْ صَابِرًا عَلَى الْبَلَاءِ لَمْ
يَكُنْ شَاكِرًا عَلَى النَّعَّماءِ، وَلَوْ كَانَ الصَّبْرُ رَجُلًا لَكَانَ
كَرِيمًا جَمِيلًا»
(1/112)
163 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي رُسْتُمُ
بْنُ أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ
عُمَرَ بْنَ ذَرٍّ، يَقُولُ: «مَنْ أَجْمَعَ عَلَى الصَّبْرِ فِي الْأُمُورِ
فَقَدْ حَوَى الْخَيْرَ، وَالْتَمَسَ مَعَاقِلَ الْبِرِّ وَكَمَالَ الْأُجُورِ»
(1/113)
164 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي حَكِيمُ
بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي دُرُسْتُ الْقَزَّازُ قَالَ: قَالَ لِي حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ:
«إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ فَضْلَ ثَوَابِ الصَّبْرِ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ
الْبِرِّ، فَانْظُرْ إِلَى أَهْلِ الْبَلَاءِ مَعَ أَهْلِ الْعَافِيَةِ، ثُمَّ
مَيِّزْ مَا بَيْنَهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَعْزُبُ
عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ»
(1/113)
166 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ
الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ قَالَ: [ص:114]
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو
إِلَيْهِ جَارَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كُفَّ أَذَاكَ عَنْهُ وَاصْبِرْ لِأَذَاهُ، فَكَفَى بِالْمَوْتِ مُفَرِّقًا»
(1/113)
167 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ الْبَجَلِيِّ، حَدَّثَنَا
أَبُو الْمُغِيرَةِ الْقَاصُّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ ذَرٍّ، يَقُولُ
لِرَجُلٍ آذَاهُ جَارٌ لَهُ: «اصْبِرْ أَيْ أَخِي، فَوَاللَّهِ مَا أَرَى أَنَّ
لِثَوَابِ الصَّبْرِ فِي الْقِيمَةِ مِثْلًا. أَيْ أَخِي، عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ
تُدْرِكْ بِهِ ذُخْرَ أَهْلِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ مَوَاهَبٌ، وَلَنْ
يُعْطَاهُ إِلَّا مَنْ كَرُمَ عَلَى سَيِّدِهِ، فَاغْتَنِمْهُ مَا قَدَرْتَ
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّكَ سَتَجِدُ عَاقِبَتَهُ عَاجِلًا وَآجِلًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ»
(1/114)
168 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ [ص:115]
الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ
قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ حِينَ أَتَتْهُ بَيْعَةُ يَزِيدَ: «إِنْ كَانَ خَيْرًا
رَضِينَا، وَإِنْ كَانَ بَلَاءً صَبَرْنَا»
(1/114)
169 - حَدَّثَنِي
الْمَشْرِقُ بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ وَاصِلٍ
الْكُوفِيُّ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ لِلطَّالِبِيِّينَ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ تُكَاتِبُهُمْ قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَيْهِمْ: «
[البحر
الطويل]
أَمَا
وَالَّذِي لَا خُلْدَ إِلَّا لِوَجْهِهِ ... وَمَنْ لَيْسَ فِي الْعِزِّ
الْمَنِيعِ لَهُ كُفْوُ
لَئِنْ
كَانَ بَدْءُ الصَّبْرِ مُرًّا فَعَقِبُهُ ... لَقَدْ يُجْتَنَى مِنْ غِبِّهِ
الثَّمَرُ الْحُلْوُ»
(1/115)
170 - حَدَّثَنِي
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خُزَيْمَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ
قَالَ: مَرَّ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ بِرَجُلٍ أَعْمَى مَجْذُومٍ مُقْعَدٍ
عُرْيَانٍ، وَبِهِ وَضَحٌ، وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَتِهِ»
، فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ مَعَ وَهْبٍ: أَيُّ شَيْءٍ عَلَيْكَ مِنَ النِّعْمَةِ
وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: «ارْمِ بِبَصَرِكَ إِلَى
أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَانْظُرْ إِلَى كَثْرَةِ أَهْلِهَا، [ص:116] أَوَ لَا أَحْمَدُ
اللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ فِيهَا يَعْرِفُ اللَّهَ غَيْرِي؟»
(1/115)
171 - حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: «إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَثَرَةً
شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى
الْحَوْضِ» قَالُوا: سَنَصْبِرُ
(1/116)
172 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي رَوَّادٍ، يَقُولُ:
كَانَ يُقَالُ: «الْقَوْلُ بِالْحَقِّ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ يُعْدَلُ بِأَعْمَالِ
الشُّهَدَاءِ»
(1/116)
173 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، عَنْ رِجَالِهِمْ قَالَ: " قَامَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِخُطْبَةٍ أَحْسَنَ فِيهَا،
فَأُعْجِبَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: أَفِي النَّاسِ أَعْلَمُ
مِنْكَ؟ قَالَ: لَا. [ص:117] فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
إِلَيْهِ: إِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. فَقَالَ: أَيْ رَبِّ،
وَمَنْ أَعْلَمُ مِنِّي وَقَدْ آتَيْتَنِي التَّوْرَاةَ وَفِيهَا عِلْمُ كُلِّ
شَيْءٍ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَعْلَمُ مِنْكَ عَبْدٌ مِنِ عِبَادِي
حَمَّلْتُهُ الرِّسَالَةَ، ثُمَّ بَعَثْتُهُ إِلَى مَلَكٍ جُبَارٍ عَنِيدٍ،
فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَجَدَعَ أَنْفَهُ، فَأَعَدْتُ إِلَيْهِ مَا
قُطِعَ مِنْهُ، ثُمَّ أَعَدْتُهُ إِلَيْهِ رَسُولًا ثَانِيَةً، فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ:
رَضِيتُ لِنَفْسِي مَا رَضِيتَ لِي، وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قُلْتَ أَنْتَ عِنْدَ
أَوَّلِ وَهْلَةٍ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ "
(1/116)
174 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْأَزْرَقُ،
حَدَّثَنَا شَيْخٌ، لَنَا قَالَ: الْتَقَى يُونُسُ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا
السَّلَامُ فَقَالَ يُونُسُ: يَا جِبْرِيلُ، دُلَّنِي عَلَى أَعْبَدِ أَهْلِ
الْأَرْضِ، قَالَ: فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ قَطَعَ الْجُذَامُ يَدَيْهِ
وَرِجْلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: مَتَّعْتَنِي بِهِمَا حَيْثُ شِئْتَ،
وَسَلَبْتَنِيهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَأَبْقَيْتَ لِي فِيكَ طُولَ الْأَمَلِ، يَا
بَارُّ يَا وَصُولُ، فَقَالَ يُونُسُ: يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي إِنَّمَا سَأَلْتُكَ
أَنْ تُرِينِيهِ صَوَّامًا قَوَّامًا. [ص:118] قَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا كَانَ
قَبْلَ الْبَلَاءِ قَانِتًا لِلَّهِ هَكَذَا، وَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْلُبَهُ
بَصَرَهُ. قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيْهِ، فَسَالَتَا، فَقَالَ: مَتَّعْتَنِي
بِهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَسَلَبْتَنِيهِمَا حَيْثُ شِئْتَ، وَأَبْقَيْتَ لِي فِيكَ
طُولَ الْأَمَلِ، يَا بَارُّ يَا وَصُولُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: هَلُمَّ تَدْعُو
اللَّهَ وَنَدْعُو مَعَكَ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْكَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ
وَبَصَرَكَ، فَتَعُودُ إِلَى الْعِبَادَةِ الَّتِي كُنْتَ فِيهَا. قَالَ: مَا
أُحِبُّ ذَاكَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: أَمَّا إِذَا كَانَتْ
مَحَبَّتُهُ فِي هَذَا فَمَحَبَّتُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَاكَ. قَالَ يُونُسُ:
يَا جِبْرِيلُ، بِاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْبَدَ مِنْ هَذَا قَطُّ. قَالَ
جِبْرِيلُ: يَا يُونُسُ هَذَا طَرِيقٌ لَا يُوصَلُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْهُ
(1/117)
175 - حَدَّثَنَا
ثَابِتُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَفْصٍ، عَنْ أَبِي الصَّيْدَاءِ
قَالَ: أَرْسَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى حُطَيْطٍ،
وَبَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُعَاهِدُكَ لَئِنْ
أَعْطَيْتَنِي لَأَشْكُرَنَّ، وَلَئِنِ ابْتَلَيْتَنِي لَأَصْبِرَنَّ» ، [ص:119]
فَسَأَلَهُ
فَصَدَّقَهُ، فَلَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا صَدَّقَهُ، وَهُوَ فِي
ذَاكَ يَنْكُتُهُ بِقَضِيبِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَنِّي يَدَيْكَ وَإِلَّا
عَاهَدْتُ اللَّهَ أَلَّا أُكَلِّمَكَ كَلِمَةً حَتَّى أَلْقَاهُ قَالَ: فَأَبَى
الْحَجَّاجُ إِلَّا تَنَاوُلَهُ، وَسَكَتَ حُطَيْطٌ، فَأَرَادَهُ عَلَى
الْكَلَامٌ، فَأَبَى، وَدَعَا صَاحِبَ الْعَذَابِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ
عَلَى الْأَشْقَرِ، وَالْأَشْقَرُ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ مَمْدُودٌ بَيْنَ
سَارِيَتَيْنِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا الرَّجُلُ وَيُفْضَى بِفَرْجِهِ إِلَيْهِ،
يُرَجَّلُ بِهِ وَيَمَسُّهُ الرِّجَالُ، فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ أَيَّامًا، كُلَّمَا
قَرِحَ مَا هُنَاكَ عَادُوا بِهِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ إِذَا رُجِّلَ بِهِ:
" {إِنَّ
الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ
الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 20] ثُمَّ يُمَطِّطُ فِي قَوْلِهِ {إِلَّا
الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 22] " فَيَمُدُّهَا، وَلَا يَنْبِسُ بِكَلِمَةٍ
حَتَّى يُرْفَعَ عَنْهُ الْعَذَابُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى هَجَمَ
الْحَبْلُ عَلَى جَوْفِهِ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبُوا بِي إِلَى الْحَجَّاجِ
فَأُكَلِّمُهُ، فَانْطَلَقَ الْبُشَرَاءُ، فَقَالَ: أَجَزِعَ الْخَبِيثُ؟
ائْتُونِي بِهِ، فَلَمَّا جَاءُوا بِهِ، قَالَ: إِيهٍ أَجَزِعْتَ؟ قَالَ: «لَا
وَاللَّهِ مَا جَزِعْتُ، وَلَا طَمِعْتُ فِي الْحَيَاةِ، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ
أَنِّي مَيِّتٌ، وَلَكِنْ جِئْتُ لِأُوَبِّخَكَ بِأَعْمَالِكَ الْخَبِيثَةِ وَأَشْفِيَ
صَدْرِي، [ص:120] أَلَسْتَ صَاحِبَ كَذَا؟ أَلَسْتَ صَاحِبَ كَذَا؟» يُوَبِّخُهُ
حَتَّى أَمْحَكَهُ؟ فَدَعَا بِالْحَرْبَةِ فَأَوْجَرَهَا إِيَّاهُ
(1/118)
176 - حَدَّثَنَا
ثَابِتُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى قَالَ:
جَعَلَ حُطَيْطٌ يَقُولُ وَهُوَ يُعَذَّبُ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تُفْرِغُ
الصَّبْرَ إِفْرَاغًا، فَأَفْرِغِ الصَّبْرَ عَلَى عَبْدِكَ حُطَيْطٍ»
(1/120)
177 - حَدَّثَنَا
ثَابِتُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَنَّ زِيَادًا، أُتِيَ بِذِي الثُّفِنَاتِ،
فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ [ص:121] فَقَالَ: «أَفْسَدْتَ عَلَيَّ
دُنْيَايَ، وَأُفْسِدُ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ» . فَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ
عِنْدَهُ يَسْأَلُهَا عَنْهُ. قَالَتْ: لَا أَدْرِي، إِلَّا أَنِّي لَمْ
أُفْرِشْهُ فِرَاشًا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَلَمْ أَتَّخِذْ لَهُ طَعَامًا
نَهَارًا. قَالَ: إِنَّكِ لَتُحَدِّثِينَنِي أَنَّهُ
يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ. فَأَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ
(1/120)
178 - حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي
حَيَّانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: دَخَلُوا عَلَى سُوَيْدِ بْنِ شُعْبَةَ -
وَكَانَ
مِنْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ - وَأَهْلُهُ تَقُولُ لَهُ: نَفْسِي
فِدَاؤُكَ، مَا نُطْعِمَكَ؟ مَا نَسْقِيكَ؟ فَأَجَابَهَا بِصَوْتٍ لَهُ ضَعِيفٍ:
«بَلِيَتِ الْحَرَاقِفُ، وَطَالَتِ الضِّجْعَةُ، وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ
اللَّهَ نَقَصَنِي مِنْهُ قُلَامَةَ ظُفْرٍ»
(1/121)
179 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ قَدْ أَصَابَهُ
الْفَالِجُ قَالَ: فَسَالَ مِنْ فِيهِ مَاءٌ أَجَنَّ عَلَى
لِحْيَتِهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمْسَحَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ
بَكْرُ بْنُ مَاعِزٍ فَمَسَحَهُ عَنْهُ، فَلَحَظَهُ رَبِيعٌ ثُمَّ قَالَ: «يَا
بَكْرُ، مَا أُحِبُّ أَنَّ هَذَا الَّذِي بِي بَأَعْتَى الدَّيْلَمِ عَلَى اللَّهِ
تَعَالَى»
(1/122)
180 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حَدَّثَنَا زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ [ص:123] سَالِمٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَنْ وُعِكَ لَيْلَةً فَصَبَرَ وَرَضِيَ بِهَا عَنِ اللَّهِ، خَرَجَ مِنْ
ذُنُوبِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»
(1/122)
181 - حَدَّثَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ
الْعَنْقَزِيُّ، حَدَّثَنَا زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
قَالَ: [ص:124] سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
كَبِرَتْ سِنِّي، وَسَقِمَ جَسَدِي، وَذَهَبَ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا خَيْرَ فِي جَسَدٍ لَا يَبْلَى، وَلَا
خَيْرَ فِي مَالٍ لَا يُرْزَأُ مِنْهُ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا
ابْتَلَاهُ، وَإِذَا ابْتَلَاهُ صَبَّرَهُ»
(1/123)
182 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي
حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي قُرَّةُ النَّحَّاتُ قَالَ: قُلْتُ لِعَابِدٍ
مِنْ أَهْلِ الْأُرْدُنِّ مِمَّنْ كَانَ يَأْوِي جَبَالَهَا: أَوْصِنِي قَالَ: «اقْتَنِ فِعْلَ
الْخَيْرَاتِ، وَتَوَصَّلْ إِلَى اللَّهِ بِالْحَسَنَاتِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ
شَيْئًا قَطُّ أَرْضَى لِلسَّيِّدِ مِمَّا يُحِبُّ، فَبَادِرْ مَحَبَّتَهُ
يُسْرِعْ فِي مَحَبَّتِكَ» ، ثُمَّ بَكَى، [ص:125] فَقُلْتُ: زِدْنِي رَحِمَكَ
اللَّهُ قَالَ: " الصَّبْرُ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ رَأْسُ
كُلِّ بِرٍّ، أَوْ قَالَ: كُلِّ خَيْرٍ "
(1/124)
قَالَ:
حَدَّثَنِي قُرَّةُ النَّحَّاتُ قَالَ: قَالَ لِي عَابِدٌ بِفِلَسْطِينَ: كَانَ
يُقَالُ: «الصَّبْرُ مِنَ الرِّضَا بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، لَا
يَصْلُحُ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِالْآخَرِ»
(1/125)
183 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَنْصُورٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ أُمَّ الْأَسْوَدِ، أُقْعِدَتْ مِنْ رِجْلَيْهَا، فَجَزِعَتِ
ابْنَةٌ لَهَا، فَقَالَتْ: «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ خَيْرًا فَزِدْ»
(1/125)
184 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ [ص:126]
يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِيَ يَدِ
مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قُرْحَةً، فَكَأَنَّهُ رَأَى مَا شَقَّ عَلَيَّ مِنْهَا،
فَقَالَ: «أَتَدْرِي مَاذَا لِلَّهِ عَلَيَّ فِي
هَذِهِ الْقُرْحَةِ مِنَ النِّعْمَةِ؟» فَسَكَتُّ، فَقَالَ: «حِينَ لَمْ
يَجْعَلْهَا عَلَى حَدَقَتِي، وَلَا عَلَى طَرْفِ لِسَانِي، وَلَا عَلَى طَرْفِ
ذَكَرِي» . قَالَ: فَهَانَتْ عَلَيَّ قُرْحَتُهُ
(1/125)
185 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، وَأَحْمَدُ
بْنُ يُونُسَ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، عَنْ أَبِي شِهَابٍ، عَنْ
أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سُوَيْدِ بْنِ
شُعْبَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْخُطَطِ الَّذِينَ خَطَّ لَهُمْ عُمَرُ
بِالْكُوفَةَ، فَإِذَا هُوَ مُنْكَبٌّ عَلَى وَجْهِهِ مُسَجًّى بِثَوْبٍ،
فَلَوْلَا أَنَّ امْرَأَتَهَ قَالَتْ: أَهْلِي فِدَاؤُكَ، مَا نُطْعِمُكَ؟ مَا
نَسْقِيكَ؟ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ تَحْتَ الثَّوْبِ شَيْئًا، [ص:127] فَلَمَّا رَآنِي
قَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي، دَبَرَتِ الْحَرَاقِفُ وَالصُّلْبُ، فَمَا مِنْ ضِجْعَةٍ
غَيْرِ مَا تَرَى، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي نَقَصْتُ مِنْهُ قُلَامَةَ ظُفْرٍ»
(1/126)
186 - حَدَّثَنَا
أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ قَالَ:
أَخْبَرْتُ طَلْحَةَ بْنَ مُصَرِّفٍ، عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ
الْأَنِينَ، فَمَا سُمِعَ لَهُ أَنِينٌ فِي مَرَضِهِ حَتَّى مَاتَ
(1/127)
187 - حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، أَنَّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الشِّخِّيرِ، كَانَ يَقُولُ: [ص:128] " لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ، أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ ابُتْلَى فَأَصْبِرَ. وَزَعَمَ أَنَّ أَبَا الْعَلَاءِ كَانَ
يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَيُّ ذَاكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ فَاجْعَلْهُ لِي
(1/127)
188 - حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: " الصَّبْرُ عَلَى نَحْوَيْنِ: أَمَا أَحَدُهُمَا
فَالصَّبْرُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، وَالصَّبْرُ لِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ مِنْ
عِبَادَتِهِ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ الْآخَرُ فِي الْمَصَائِبِ،
وَهُوَ اعْتِرَافُ النَّفْسِ لِلَّهِ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ، وَاحْتِسَابُهُ
عِنْدَ اللَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِهِ، فَذَلِكَ الصَّبْرُ الَّذِي يُثِيبُ عَلَيْهِ
الْأَجْرَ الْعَظِيمَ، وَإِنَّكَ لَتَجِدُ الرَّجُلَ صَبُورًا عِنْدَ
الْمُصِيبَةِ، جَلِيدًا وَلَيْسَ بِمُحْتَسِبٍ لَهَا، وَلَا رَاجٍ لِثَوَابِهَا،
وَفِي كُلِّ الْمِلَلِ تَجِدُ الصَّبُورَ عَلَى الْمُصِيبَةِ، فَإِذَا تَفَكَّرْتَ
فِي صَبْرِ الْمَصَائِبِ وَجَبَ صَبْرَانِ: أَحَدُهُمَا لِلَّهِ، وَالْآخَرُ
خَلِيقَةٌ تَكُونُ فِي الْإِنْسَانِ "، [ص:129] وَسُئِلَ عَنِ الْجَزَعِ فَقَالَ: "
الْجَزَعُ عَلَى نَحْوَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي الْخَطَايَا أَنْ
يَجْزَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهَا، وَالْآخَرُ فِي الْمَصَائِبِ، فَأَمَّا جَزَعُ
الْمُصِيبَةِ فَهُوَ أَلَّا يَحْتَسِبَهَا الْعَبْدُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا
يَرْجُوَ ثَوَابَهَا، وَيَرَى أَنَّهُ سُوءٌ أَصَابَهُ، فَذَلِكَ الْجَزَعُ،
وَيَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَجَلِّدٌ لَا يَبِينُ مِنْهُ إِلَّا الصَّبْرُ
"
(1/128)
189 - حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَمَّاسٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَبَّادٍ
الْبَصْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر: 3]
قَالَ: " الْحَقُّ كِتَابُ اللَّهِ {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3]
قَالَ: الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ "
(1/129)
190 - قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عِصَامٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ
حُمَيْدٍ الْهُجَيْمِيُّ قَالَا: كَانَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ يَقُولُ:
[ص:130] «يَا مَعْشَرَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَمْ يَتْرُكُوا الذُّنُوبَ حَتَّى
تَرَكَتْهُمْ، فَيَا لَيْتَهُمْ إِذْ ضَعُفُوا عَنْهَا لَا يَتَمَنَّوْنَ أَنْ
تَعُودَ لَهُمُ الْقُوَّةُ عَلَيْهَا حَتَّى يَعْمَلُوا بِهَا»
(1/129)
191 - حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ
قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: مَا أَصْبَرَكَ قَالَ: «الْجَزَعُ
شَرُّ الْحَالَيْنِ، يُبَاعِدُ الْمَطْلُوبَ، وَيُوَرِّثُ الْحَسْرَةَ، وَيُبْقِي
عَلَى صَاحِبِهِ عَارًا»
(1/130)
192 - حَدَّثَنِي
أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ
شَبُّوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ
طَلْحَةَ قَالَ: جَعَلَ حُطَيْطٌ يَقُولُ وَهُوَ يُعَذَّبُ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ
تُفْرِغَ الصَّبْرَ إِفْرَاغًا، فَأَفْرِغِ الصَّبْرَ عَلَى عَبْدِكِ حُطَيْطٍ»
(1/130)
193 - حَدَّثَنِي
عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ عُبَيْدُ بْنُ هِشَامٍ
الْحَلَبِيُّ قَالَ: قَالَ بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ: [ص:131] " مَرَرْتُ بِمَجْذُومٍ
وَهُوَ يَقُولُ: وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ لَوْ قَطَّعْتَنِي بِالْبَلَاءِ قِطَعًا
مَا ازْدَدْتُ لَكَ إِلَّا حُبًّا "
(1/130)
194 - حَدَّثَنِي
الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: قِيلَ لِلُقْمَانَ: أَيُّ
النَّاسِ أَصْبِرُ؟ قَالَ: «صَبْرٌ لَا يَتْبَعُهُ أَذًى»
(1/131)
195 - حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ
عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا، وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، نَزُورُ أَخًا لَنَا بِأَرْضُ
فَارِسَ، فَلَمَّا جَاوَزْنَا رَامَهُرْمُزَ إِذَا نَحْنُ بِنُوَيْرَةٍ فِي سَفْحِ
جَبَلٍ، فَتَرَاكَضْنَا نَحْوَهُ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ مَجْذُومٍ يَتَقَطَّرُ
قَيْحًا وَدَمًا، [ص:132] فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا: يَا هَذَا، لَوْ دَخَلْتَ
هَذِهِ الْمَدِينَةَ فَتَدَاوَيْتَ، وَتَعَالَجْتَ مِنْ بَلَائِكَ هَذَا فَرَفَعَ
طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: إِلَهِي أَتَيْتَ بِهَؤُلَاءِ لِيُسَّخِطُونِي
عَلَيْكَ لَكَ الْكَرَامَةُ وَالْعُتْبَى بِأَنْ لَا أُخَالِفَكَ أَبَدًا
(1/131)
196 - حَدَّثَنِي
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَذَّاءُ
الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عُلَيٍّ،
عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ
الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي [ص:133] عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِلِحْيَتِهِ، وَأَنَا أَعْرِفُ الْحُزْنَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: " إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
آنِفًا فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقُلْتُ أَجَلْ،
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مِمَّ ذَاكَ يَا جِبْرِيلُ؟
فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ مُقْتَتِلَةٌ مِنْ بَعْدِكَ بِقَلِيلٍ مِنَ الدَّهْرِ
غَيْرِ كَثِيرٍ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيهِمْ كِتَابَ اللَّهِ؟
فَقَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ يَضِلُّونَ؟ وَذَلِكَ
مِنْ قِبَلِ أُمَرَائِهِمْ وَقُرَّائِهِمْ، يَمْنَعُ الْأُمَرَاءُ النَّاسَ
حُقُوقَهُمْ، فَيَطْلُبُونَهَا فَلَا يُعْطَوْنَهَا فَيَقْتَتِلُونَ، وَيَتْبَعُ الْقُرَّاءُ
الْأُمَرَاءَ فَيُمِدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يَقْصُرُونَ، فَقُلْتُ:
بِمَ يَسْلَمُ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بِالْكَفِّ وَالصَّبْرِ، إِنْ أُعْطُوا
الَّذِي لَهُمْ أَخَذُوهُ، وَإِنْ مُنِعُوا تَرَكُوا "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق