1 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ،
عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ مَنْظُورِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: ثنا
أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَرَأَى شَاةً
شَائِلَةً بِرِجْلِهَا، فَقَالَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الشَّاةَ هَيِّنَةً عَلَى
صَاحِبِهَا» ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا
أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا
تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةً "
(1/24)
2 - ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ
بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: إِنِّي لَفِي رَكْبٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّ بِسَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ فَقَالَ: «أَتَرَوْنَ
هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا» ؟ فَقَالُوا: مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا.
قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى
مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا»
(1/24)
3 - ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى
بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، قَالَ:
ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ:
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ عَلَى أَهْلِهَا»
(1/25)
4 - ثنا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ
سَلْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»
(1/25)
5 - ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ سُفْيَانَ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ
أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ
وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»
(1/25)
6 - ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ:
ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ
شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: أُرَاهُ رَفَعَهُ، قَالَ:
[ص:26] " يُجَاءُ بِالدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: مَيِّزُوا مَا
كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَلْقُوا سَائِرَهَا فِي النَّارِ "
(1/25)
7 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ
بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، وَمَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا
كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»
(1/26)
8 - ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ
بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ
دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ،
فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى»
(1/26)
9 - حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا
عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِشَامٍ أَوْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ص:27] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبُّ الدُّنْيَا
رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ»
(1/26)
10 - وَحَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا
مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْ إِبْلِيسَ
جُنُودُهُ فَقَالُوا: قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ وَأُخْرِجَتْ أُمَّتُهُ قَالَ:
يُحِبُّونَ الدُّنْيَا؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: لَئِنْ كَانُوا يُحِبُّونَهَا مَا أُبَالِي
أَلَّا يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ، وَأَنَا أَغْدُو عَلَيْهِمْ وَأَرُوحُ بِثَلَاثٍ:
أَخْذِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حَقِّهِ، وَإِنْفَاقِهِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ،
وَإِمْسَاكِهِ عَنْ حَقِّهِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ لِهَذَا تَبَعٌ "
(1/27)
11 - حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
زَبَّانَ الطَّائِيُّ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَسْلَمُ الْكُوفِيُّ، عَنْ
مُرَّةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَدَعَا بِشَرَابٍ، فَأُتِيَ
بِمَاءٍ وَعَسَلٍ، فَلَمَّا أَدْنَاهُ مِنْ فِيهِ بَكَى، وَبَكَى حَتَّى أَبْكَى
أَصْحَابَهُ، فَسَكَتُوا وَمَا سَكَتَ، ثُمَّ عَادَ فَبَكَى حَتَّى ظَنُّوا
أَنَّهُمْ لَنْ يَقْدِرُوا عَلَى مَسْأَلَتِهِ. قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ عَيْنَيْهِ، فَقَالُوا:
يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئًا،
وَلَمْ أَرَ مَعَهُ أَحَدًا، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الَّذِي تَدْفَعُ عَنْ
نَفْسِكَ؟ قَالَ: " هَذِهِ الدُّنْيَا مُثِّلَتْ لِي فَقُلْتُ لَهَا:
إِلَيْكِ عَنِّي، ثُمَّ رَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنَّكَ إِنْ أَفْلَتَّ مِنِّي فَلَنْ
يَفْلِتَ مِنِّي مَنْ بَعْدَكَ
"
(1/27)
12 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، سَمِعَهُ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا الْمُسْتَوْرِدُ
الْفِهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ
أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرُ مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ»
(1/28)
13 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ، قَالَ:
ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا
فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَنَفْجَةِ أَرْنَبٍ "
(1/28)
14 - حَدَّثَنِي حَمْدُونُ بْنُ سَعْدٍ الْمُؤَدِّبُ،
قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى الصَّغِيرِ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَجَبًا كُلَّ الْعَجَبِ لِلْمُصَدِّقِ بِدَارِ
الْخُلُودِ وَهُوَ يَسْعَى لِدَارِ الْغُرُورِ»
(1/28)
15 - حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ: سَمِعْتُ
بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ
عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى فِرْعَوْنَ مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ»
(1/29)
16 - حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا
عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ: «الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ
لَهُ، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ»
(1/29)
17 - ثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلِيُّ بْنُ
مُسْلِمٍ، قَالَا: ثنا سَيَّارٌ، قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ
دِينَارٍ، قَالَ: قَالُوا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
يَا أَبَا الْحَسَنِ صِفْ لَنَا الدُّنْيَا. قَالَ: أُطِيلُ أَمْ أُقْصِرُ؟
قَالُوا: بَلْ أَقْصِرْ. قَالَ: حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا النَّارُ "
(1/29)
18 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي
عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لَنَا الدُّنْيَا قَالَ: وَمَا أَصِفُ لَكَ مِنْ دَارٍ: «مَنْ صَحَّ
فِيهَا أَمِنَ، وَمَنْ سَقِمَ فِيهَا نَدِمَ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ،
وَمَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، فِي حَلَالِهَا الْحِسَابُ، وَفِي حَرَامِهَا
النَّارُ»
(1/30)
19 - حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ
الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمَهْرِيِّ، عَنْ أَبِي مَيْمُونٍ
اللَّخْمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ
عَلَى مَزْبَلَةٍ فَقَالَ: " هَلُمُّوا إِلَى الدُّنْيَا، وَأَخَذَ خِرَقًا
قَدْ بَلِيَتْ عَلَى تِلْكَ الْمَزْبَلَةِ، وَعِظَامًا قَدْ نَخِرَتْ، فَقَالَ: «هَذِهِ
الدُّنْيَا»
(1/30)
20 - ثنا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا مَنْصُورُ
بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ الْحَسَنِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ
كَيْفَ تَعْمَلُونَ، إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا بُسِطَتْ لَهُمُ الدُّنْيَا
وَمُهِّدَتْ تَبَاهَوْا فِي الْحِلْيَةِ وَالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَالثِّيَابِ»
(1/30)
21 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَبَّاسِ
الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْأَعْلَمِ،
عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: «مَا شُبِّهَتِ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَجُلٍ
نَامَ فَرَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ وَمَا يُحِبُّ، فَبَيْنَمَا هُوَ
كَذَلِكَ إِذِ انْتَبَهَ»
(1/31)
22 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: أَيُّ شَيْءٍ
أَشْبَهُ بِالدُّنْيَا؟ قَالَ: «أَحْلَامُ النَّائِمِ»
(1/31)
23 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْمَنْتُوفَ، يُحَدِّثُ الْقَوَارِيرِيَّ قَالَ:
ذُكِرَتِ الدُّنْيَا عِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَقَالَ:
أَحْلَامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ ... إِنَّ
اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لَا يُخْدَعُ
(1/31)
24 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
ثنا يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ الرَّقِّيُّ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَتَمَثَّلُ وَيُرْوَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ:
[البحر البسيط]
يَا أَهْلَ لَذَّاتِ دُنْيَا لَا بَقَاءَ لَهَا ...
إِنَّ اغْتِرَارًا بِظِلٍّ زَائِلٍ حُمْقُ
(1/31)
25 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْمُقْرِئُ، قَالَ: نَزَلَ أَعْرَابِيٌّ بِقَوْمٍ فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ طَعَامًا،
فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى ظِلِّ خَيْمَةٍ لَهُمْ فَنَامَ هُنَاكَ،
فَاقْتَلَعُوا الْخَيْمَةَ فَأَصَابَتْهُ الشَّمْسُ فَانْتَبَهَ وَقَامَ وَهُوَ
يَقُولُ:
[البحر الطويل]
أَلَا إِنَّمَا الدُّنْيَا كَظِلٍّ بِنَيْتَهُ ... وَلَا
بُدَّ يَوْمًا أَنَّ ظِلَّكَ زَائِلُ
(1/32)
26 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: مَرَّ قَوْمٌ بِأَبْرَقَ
الْعَزَّافِ فَسَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ:
[البحر الطويل]
وَإِنَّ امْرَءًا دُنْيَاهُ أَكْبَرُ هَمِّهِ ...
لَمُسْتَمْسِكٌ مِنْهَا بِحَبْلِ غُرُورِ
(1/32)
27 - حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الطَّائِيُّ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى الدُّنْيَا فِي صُورَةِ عَجُوزٍ هَتْمَاءَ، عَلَيْهَا مِنْ
كُلِّ زِينَةٍ، فَقَالَ لَهَا: كَمْ تَزَوَّجْتِ؟ قَالَتْ: [ص:33] لَا أُحْصِيهِمْ،
قَالَ: فَكُلُّهُمْ مَاتَ عَنْكِ أَوْ كُلُّهُمْ طَلَّقَكِ؟ قَالَتْ: بَلْ
كُلُّهُمْ قَتَلْتُ، قَالَ: فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: بُؤْسًا
لِأَزْوَاجِكَ الْبَاقِينَ كَيْفَ لَا يَعْتَبِرُونَ بِأَزْوَاجِكِ الْمَاضِينَ؟
كَيْفَ تُهْلِكِينَهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا وَلَا يَكُونُونَ مِنْكِ عَلَى حَذَرٍ؟
(1/32)
28 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ، عَنْ
الْعَلَاءِ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ عَجُوزًا كَبِيرَةً مُتَغْضَنَةَ
الْجِلْدِ، عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةِ الدُّنْيَا، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ
عَلَيْهَا، مُتَعَجِّبُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، فَجِئْتُ فَنَظَرْتُ فَعَجِبْتُ
مِنْ نِظَرِهِمْ إِلَيْهَا، وَإِقْبَالِهِمْ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ لَهَا: وَيْلَكِ
مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَوَمَا تَعْرِفُنِي؟ قُلْتُ: لَا، مَا أَدْرِي مَا أَنْتِ؟
قَالَتْ: فَإِنِّي أَنَا الدُّنْيَا. قَالَ: قُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ
شَرِّكِ. قَالَتْ: فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُعَاذَ مِنْ شَرِّي فَابْغُضِ
الدِّرْهَمَ "
(1/33)
29 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ
بْنُ عَيَّاشٍ: «رَأَيْتُ الدُّنْيَا - يَعْنِي فِي النَّوْمِ - عَجُوزًا
مُشَوَّهَةً حَدْبَاءَ»
(1/33)
30 - حَدَّثَنِي غَيْرُ، إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ:
أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، قَالَ: رَأَيْتُ فِيَ النَّوْمِ عَجُوزًا
شَمْطَاءَ مُشَوَّهَةً تُصَفِّقُ بِيَدَيْهَا، وَخَلْفَهَا خَلْقٌ يَتْبَعُونَهَا
وَيُصَفِّقُونَ وَيَرْقُصُونَ، فَلَمَّا كَانَتْ بِحِذَائِي [ص:34] أَقْبَلَتْ
عَلَيَّ، فَقَالَتْ: لَوْ ظَفَرْتُ بِكَ صَنَعْتُ بِكَ مَا صَنَعْتُ بِهَؤُلَاءِ قَالَ:
ثُمَّ بَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: رَأَيْتُ هَذَا قَبْلَ أَنْ أَقْدَمَ إِلَى
بَغْدَادَ "
(1/33)
31 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَا تَتَّخِذُوا الدُّنْيَا رَبًّا
فَتَتَّخِذَكُمُ الدُّنْيَا عَبِيدًا، اكْنُزُوا كَنْزَكُمْ عِنْدَ مَنْ لَا
يُضَيِّعُهُ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ كَنْزِ الدُّنْيَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْآفَةَ،
وَإِنَّ صَاحِبَ كَنْزِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْآفَةَ
(1/34)
32 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ، قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا
مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ إِنِّي قَدْ أَكْبَبْتُ لَكُمُ الدُّنْيَا عَلَى
وَجْهِهَا، فَلَا تُنْعِشُوهَا بَعْدِي؛ فَإِنَّ مِنْ خُبْثِ الدُّنْيَا أَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُصِيَ فِيهَا، وَإِنَّ مِنْ خُبْثِ الدُّنْيَا أَنَّ
الْآخِرَةَ لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِتَرْكِهَا، أَلَا فَاعْبُرُوا الدُّنْيَا وَلَا تَعْمُرُوهَا "
(1/34)
33 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ:
أنا مَحْمُودُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ رُشَيْدٍ،
عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ: يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ إِنِّي قَدْ كَبَبْتُ
لَكُمُ الدُّنْيَا فَلَا تُنْعِشُوهَا بَعْدِي؛ فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي دَارٍ
عُصِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا، وَلَا خَيْرَ فِي دَارٍ لَا تُدْرَكُ
الْآخِرَةُ [ص:35] إِلَّا بِتَرْكِهَا، فَاعْبُرُوهَا وَلَا تَعْمُرُوهَا، وَاعْلَمُوا
أَنَّ أَصْلَ كُلِّ خَطِيئَةٍ حُبُّ الدُّنْيَا، وَرُبَّ شَهْوَةٍ أَوْرَثَتْ
أَهْلَهَا حُزْنًا طَوِيلًا
"
(1/34)
34 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، وَابْنَ عُيَيْنَةَ
يَقُولَانِ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بُطِحَتْ لَكُمُ
الدُّنْيَا وَجَلَسْتُمْ عَلَى ظَهْرِهَا، فَلَا يُنَازِعْكُمْ فِيهَا إِلَّا الْمُلُوكُ
وَالنِّسَاءُ، فَأَمَّا الْمُلُوكُ فَلَا تُنَازِعُوهُمُ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّهُمْ
لَنْ يَعْرِضُوا لَكُمْ مَا تَرَكْتُمُوهُمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَأَمَّا النِّسَاءُ
فَاتَّقُوهُنَّ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ "
(1/35)
35 - ثنا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي شَيْخٌ جَلِيسٌ لِلْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: ثنا شُعَيْبُ
بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "
مَا سَكَنَتِ الدُّنْيَا فِي قَلْبِ عَبْدٍ إِلَّا الْتَاطَ قَلْبُهُ بِثَلَاثٍ:
شُغْلٍ لَا يَنْفَكُّ عَنَاؤُهُ، وَفَقْرٍ لَا يُدْرَكُ غِنَاهُ، وَأَمَلٍ لَا
يُدْرَكُ مُنْتَهَاهُ الدُّنْيَا: طَالِبَةٌ وَمَطْلُوبَةٌ، فَطَالِبُ الْآخِرَةِ تَطْلُبُهُ
الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ فِيهَا رِزْقَهُ، وَطَالِبُ الدُّنْيَا تَطْلُبُهُ
الْآخِرَةُ حَتَّى يَجِيءَ الْمَوْتُ فَيَأْخُذَ بِعُنُقِهِ "
(1/35)
36 - حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الرِّيَاحِيُّ، قَالَ:
ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يُحَدِّثُ
عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: " أَرْبَعٌ مِنْ أَعْلَامِ الشَّقَاءِ: قَسْوَةُ
الْقَلْبِ، وَجُمُودُ الْعَيْنِ، وَطُولُ الْأَمَلِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا "
(1/36)
37 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ
الْعَبَّادَانِيُّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ: يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، كَيْفَ بِدُنْيَا تَقْطَعُ رِقَابَكُمْ؟ فَمَنْ
جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ لَا فَلَيْسَ
بِنَافِعَتِهِ دُنْيَا "
(1/36)
38 - حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، قَالَ:
ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ
غَزِيَّةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ
لَبِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا حَمَاهُ
الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمْ مَرِيضَهُ الْمَاءَ»
(1/36)
39 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا
سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ
مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: [ص:37] اتَّقُوا السَّحَّارَةَ، اتَّقُوا السَّحَّارَةَ؛
فَإِنَّهَا تَسْحَرُ قُلُوبَ الْعُلَمَاءِ، يَعْنِي الدُّنْيَا "
(1/36)
40 - حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ
ثَنَاؤُهُ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقًا هُوَ أَبْغَضُ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا،
وَإِنَّهُ مُنْذُ خَلَقَهَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا»
(1/37)
41 - ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ،
عَنْ شَاذَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ،
قَالَ: كَانَ لِجَدِّي مَوْلًى يُقَالُ لَهُ زِيَادٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ، فَنَعَسَ
الشَّيْخُ، فَجَعَلَ زِيَادٌ يَذْكُرُ لَهُمُ الدُّنْيَا، وَالشَّيْخُ يَسْمَعُ،
فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا زِيَادُ، ضَرَبْتَ عَلَى بَنِيَّ قُبَّةَ الشَّيْطَانِ،
اكْشُطُوهَا بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
(1/37)
42 - حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أنبأ هِشَامٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ:
وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بُسِطَ لَهُ الدُّنْيَا فَلَمْ يَخَفْ أَنْ
يَكُونَ قَدْ مُكِرَ بِهِ فِيهَا، إِلَّا كَانَ قَدْ نَقَصَ عَقْلُهُ وَعَجَزَ
رَأْيُهُ، وَمَا أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْ عَبْدٍ فَلَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ
خُيِّرَ لَهُ فِيهَا إِلَّا كَانَ قَدْ نَقَصَ عَقْلُهُ وَعَجَزَ رَأْيُهُ "
(1/37)
43 - حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا
[ص:38] مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {فَلَمَّا نَسُوا
مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأعراف: 165] إِلَى قَوْلِهِ {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
[الأنعام: 45] فَقَالَ الْحَسَنُ: مُكِرَ بِالْقَوْمِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ،
أَعْطُوا حَاجَتَهُمْ، ثُمَّ أُخِذُوا
"
(1/37)
44 - حَدَّثَنِي سُرَيْجٌ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ:
وَاللَّهِ لَكَفَى بِهِ ذَنْبًا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُزَهِّدُنَا فِي الدُّنْيَا
وَنَحْنُ نَرْغَبُ فِيهَا، فَزَاهِدُكُمْ رَاغِبٌ، وَمُجْتَهِدُكُمْ مُقَصِّرٌ،
وَعَالِمُكُمْ جَاهِلٌ "
(1/38)
45 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُقْرِئُ،
قَالَ: ثنا سَيَّارٌ، قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عِمْرَانَ
الْجَوْنِيُّ، قَالَ: مَرَّ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي
مَوْكِبِهِ وَالطَّيْرُ تُظِلُّهُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ،
قَالَ: فَمَرَّ بِعَابِدٍ مِنْ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ
يَا ابْنَ دَاوُدَ، لَقَدْ آتَاكَ اللَّهُ مُلْكًا عَظِيمًا. قَالَ: فَسَمِعَ
سُلَيْمَانُ كَلِمَتَهُ، فَقَالَ: لَتَسْبِيحَةٌ فِي صَحِيفَةِ مُؤْمِنٍ خَيْرٌ
مِمَّا أُعْطِيَ ابْنُ دَاوُدَ، فَمَا أُعْطِيَ لِابْنِ دَاوُدَ يَذْهَبُ
وَالتَّسْبِيحَةُ تَبْقَى
"
(1/38)
46 - ثنا عِصْمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: ثنا
الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّازِيُّ، - وَكَانُوا يَرَوْنَهُ مِنَ الْأَبْدَالِ
- عَنْ زِيَادٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ [ص:39] مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَصْبَحَ
وَأَكْبَرُ هَمِّهِ الدُّنْيَا فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»
(1/38)
47 - حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ مَوْلَى
بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحِكْمَةِ أَنَّ حَكِيمًا قَالَ
لِبَعْضِ الْمُلُوكِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِذَمِّ
الدُّنْيَا وَقِلَاهَا مَنْ بُسِطَ لَهُ فِيهَا وَأُعْطِيَ حَاجَتَهُ مِنْهَا؛
لِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ آفَةً تَعْدُو عَلَى مَالِهِ فَتَجْتَاحُهُ، أَوْ عَلَى
جَمْعِهِ فَتُفَرِّقُهُ، أَوْ تَأْتِي بِسُلْطَانِهِ مِنَ الْقَوَاعِدِ
فَتَهْدِمُهُ، أَوْ تَدُبُّ إِلَى جِسْمِهِ فَتُسْقِمُهُ، أَوْ تَفْجَعُهُ بِمَنْ
هُوَ بِهِ ضَنِينٌ مِنْ أَحْبَابِهِ. فَالدُّنْيَا هِيَ أَحَقُّ بِالذَّمِّ، هِيَ
الْآخِذَةُ مَا تُعْطِي، الرَّاجِعَةُ فِيمَا تَهَبُ، بَيْنَا هِيَ تُضْحِكُ
صَاحِبَهَا إِذْ أَضْحَكَتْ مِنْهُ غَيْرَهُ، وَبَيْنَا هِيَ تَبْكِي لَهُ إِذْ أَبْكَتْ
عَلَيْهِ، وَبَيْنَا هِيَ تَبْسُطُ كَفَّهُ بِالْإِعْطَاءِ إِذْ بَسَطَتْهَا
بِالْمَسْأَلَةِ، تَعْقِدُ التَّاجَ عَلَى رَأْسِ صَاحِبِهَا الْيَوْمَ
وَتُعَفِّرُهُ فِي التُّرَابِ غَدًا، سَوَاءٌ عَلَيْهَا ذَهَابُ مَا ذَهَبَ
وَبَقَاءُ مَا بَقِيَ، تَجِدُ فِي الْبَاقِي مِنَ الذَّاهِبِ خَلَفًا، وَتَرْضَى
بِكُلٍّ مِنْ كُلٍّ بَدَلًا
"
(1/39)
48 - حَدَّثَنِي 106112 إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ
الْأَصْفَهَانِيُّ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَحْسَبُ الْجَاهِلُ الشَّيْءَ
الَّذِي هُوَ لَا شَيْءَ شَيْئًا، [ص:40] وَالشَّيْءَ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ لَا شَيْءَ،
وَمَنْ لَا يَتْرُكُ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ لَا شَيْءَ لَا يَنَالُ الشَّيْءَ
الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ، وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ
لَا يَتْرُكُ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ لَا شَيْءَ، يُرِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ "
(1/39)
49 - حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: قَالَ
أَبُو هَاشِمٍ الزَّاهِدُ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ،
فَالدَّاءُ الدُّنْيَا، وَالدَّوَاءُ تَرْكُهَا "
(1/40)
50 - حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
يَزِيدَ الْأَدَمِيُّ، قَالَ: ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنِ الْحَسَنِ،
أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ
الدُّنْيَا دَارُ ظَعْنٍ وَلَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٌ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ آدَمُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَيْهَا عُقُوبَةً، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّ الزَّادَ مِنْهَا تَرْكُهَا، وَالْغِنَى مِنْهَا
فَقْرُهَا؛ لَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا، وَتُفْقِرُ
مَنْ جَمَعَهَا، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ حَتْفُهُ،
فَكُنْ فِيهَا كَالْمُدَاوِي جِرَاحَتَهُ، يَحْتَمِي قَلِيلًا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ
طَوِيلًا، وَيَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الْأَدْوَاءِ مَخَافَةَ طُولِ الْبَلَاءِ
فَاحْذَرْ هَذِهِ الدَّارَ الْغَرَّارَةَ، الْخَتَّالَةَ، الْخَدَّاعَةَ، الَّتِي
قَدْ زُيِّنَتْ بِخُدَعِهَا، وَفُتِنَتْ بِغُرُورِهَا، وَحَلَتْ بِأَمَانِيهَا،
وَتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمَجْلُوَّةِ،
فَالْعُيُونُ إِلَيْهَا نَاظِرَةٌ، وَالْقُلُوبُ عَلَيْهَا [ص:41] وَالِهَةٌ،
وَالنُّفُوسُ لَهَا عَاشِقَةٌ، وَهِيَ لِأَزْوَاجِهَا كُلِّهُمْ قَاتِلَةٌ، فَلَا
الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ، وَلَا الْآخِرُ عَلَى الْأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، وَلَا
الْعَارِفُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مُدَّكِرٌ، فَعَاشِقٌ
لَهَا قَدْ ظَفِرَ مِنْهَا بِحَاجَتِهِ فَاغْتَرَّ وَطَغَى وَنَسِيَ الْمَعَادَ،
فَشَغَلَ فِيهَا لُبَّهُ حَتَّى زَالَتْ عَنْهَا قَدَمُهُ، فَعَظُمَتْ
نَدَامَتُهُ، وَكَثُرَتْ حَسْرَتُهُ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ
بِأَلَمِهِ، وَحَسَرَاتُ الْفَوْتِ بِغُصَّتِهِ، فَذَهَبَ بِكَمَدِهِ، وَلَمْ
يُدْرِكْ مِنْهَا مَا طَلَبَ، وَلَمْ يُرَوِّحْ نَفْسَهُ مِنَ التَّعَبِ، فَخَرَجَ
بِغَيْرِ زَادٍ، وَقَدِمَ عَلَى غَيْرِ مِهَادٍ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ فِيهَا أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا فَإِنَّ صَاحِبَ
الدُّنْيَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ إِلَى
مَكْرُوهٍ، السَّارُّ فِيهَا لِأَهْلِهَا غَارٌ، وَالنَّافِعُ فِيهَا غَدًا
ضَارٌّ، وَقَدْ وَصَلَ الرَّخَاءُ مِنْهَا بِالْبَلَاءِ وَجَعَلَ الْبَقَاءَ
فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ، فَسُرُورُهَا مُشَوَّبٌ بِالْحُزْنِ، لَا يَرْجِعُ مِنْهَا
مَا وَلَّى فَأَدْبَرَ، وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ فَيُنْتَظَرُ، أَمَانِيهَا
كَاذِبَةٌ، وَآمَالُهَا بَاطِلَةٌ، وَصَفْوُهَا كَدَرٌ، وَعَيْشُهَا نَكِدٌ،
وَابْنُ آدَمَ فِيهَا عَلَى خَطَرٍ، وَإِنْ غَفَلَ فَهُوَ مِنَ النَّعْمَاءِ عَلَى
خَطَرٍ، وَمِنَ الْبَلَاءِ عَلَى حَذَرٍفَلَوْ كَانَ الْخَالِقُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا
خَبَرًا، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهَا مَثَلًا، لَكَانَتِ الدُّنْيَا قَدْ أَيْقَظَتِ
النَّائِمَ، وَنَبَّهَتِ الْغَافِلَ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ عَنْهَا زَاجِرٌ، وَفِيهَا وَاعِظٌ، فَمَا لَهَا عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ
وَلَا وِزْرٌ، وَمَا نَظَرَ إِلَيْهَا مُنْذُ خَلَقَهَا وَلَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى
نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَفَاتِيحِهَا وَخَزَائِنِهَا، لَا
يَنْقُصُهُ [ص:42] ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ،
فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إِذْ كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ،
أَوْ يُحِبَّ مَا أَبْغَضَ خَالِقُهُ، أَوْ يَرْفَعَ مَا وَضَعَ مَلِيكُهُ، فَزَوَاهَا
عَنِ الصَّالِحِينَ اخْتِيَارًا، وَبَسَطَهَا لِأَعْدَائِهِ اغْتِرَارًا،
فَيَظُنُّ الْمَغْرُورُ بِهَا الْمُقْتَدِرُ عَلَيْهَا أَنَّهُ أُكْرِمَ بِهَا،
وَنَسِيَ مَا صَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ شَدَّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ، وَلَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ
عَنْهُ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ: إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلًا فَقُلْ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ
عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلًا فَقُلْ: مَرْحَبًا بِشِعَارِ
الصَّالِحِينَ، وَإِنْ شِئْتَ اقْتَدَيْتَ بِصَاحِبِ الرُّوحِ وَالْكَلِمَةِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِدَامِي
الْجُوعُ، وَشِعَارِي الْخَوْفُ وَلِبَاسِي الصُّوفُ، وَصِلَائِي فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقُ
الشَّمْسِ، وَسِرَاجِي الْقَمَرُ وَدَابَّتِي رِجْلَايَ، وَطَعَامِي وَفَاكِهَتِي
مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ، أَبِيتُ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ، وَأُصْبِحُ وَلَيْسَ لِي
شَيْءٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ أَغْنَى [ص:43] مِنِّي "
(1/40)
51 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أنبأ
أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: حُبُّ الدُّنْيَا أَصْلُ كُلِّ خَطِيئَةٍ،
وَالْمَالُ فِيهَا دَاءٌ كَبِيرٌ قَالُوا: وَمَا دَاؤُهُ؟ قَالَ: لَا يَسْلَمُ
مِنَ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ. قَالُوا: فَإِنْ سَلِمَ؟ قَالَ: يَشْغَلُهُ
إِصْلَاحُهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
(1/43)
52 - حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ
فِي خُطْبَتِهِ: أَيْنَ الْوَضَاءُ الْحَسَنَةُ وُجُوهُهُمْ، الْمُعْجَبُونَ
بِشَبَابِهِمْ؟ أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ بَنَوْا الْمَدَائِنَ وَحَصَّنُوهَا
بِالْحِيطَانِ؟ أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُعْطُونَ الْغَلَبَةَ فِي مَوَاطِنِ
الْحَرْبِ؟ قَدْ تَضَعْضَعَ بِهِمُ الدَّهْرُ، فَأَصْبَحُوا فِي ظُلُمَاتِ
الْقُبُورِ الْوَحَا الْوَحَا النَّجَا النَّجَا
(1/43)
53 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي
خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْقَرَنِيُّ، نا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ
الْقَيْسِ، أَنَّ حُذَيْفَةَ، كَانَ يَقُولُ: مَا مِنْ صَبَاحٍ وَلَا مَسَاءٍ
إِلَّا وَمُنَادٍ يُنَادِي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ الرَّحِيلَ الرَّحِيلَ، وَإِنَّ
تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّهَا لِإِحْدَى الْكُبَرِ
نَذِيرًا لِلْبَشَرِ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ} [المدثر: 36] قَالَ: فِي الْمَوْتِ
{أَوْ يَتَأَخَرَ} [المدثر: 37] قَالَ:
فِي الْمَوْتِ "
(1/44)
54 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا يَحْيَى
بْنُ رَاشِدٍ، نا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي بَزِيعٌ الْهِلَالِيُّ، عَنْ
سُحَيْمٍ، مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ قَالَ:
جَلَسْتُ إِلَى عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ
يُصَلِّي فَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: أَرِحْنِي
بِحَاجَتِكَ، فَإِنِّي أُبَادِرُ، قُلْتُ: وَمَا تُبَادِرُ؟ قَالَ: أُبَادِرُ
مَلَكَ الْمَوْتِ رَحِمَكَ اللَّهُ " قَالَ: فَقُمْتُ عَنْهُ، وَقَامَ إِلَى صَلَاتِهِ
(1/44)
55 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: مَرِضَ
دَاوُدُ الطَّائِيُّ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ حَدِيثٍ قَالَ: دَعْنِي، فَإِنِّي
إِنَّمَا أُبَادِرُ خُرُوجَ نَفْسِي
(1/44)
56 - حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصُّوفِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ [ص:45] الْأَسْوَدَ، يَقُولُ: إِنْ كُنْتَ أَبَا
مُعَاوِيَةَ تُرِيدُ لِنَفْسِكَ الْجَزِيلَ، فَلَا تَنَمْ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا تَغْفَلْ،
قَدِّمْ صَالِحَ الْأَعْمَالِ، وَدَعْ عَنْكَ كَثْرَةَ الْأَشْغَالِ، بَادِرْ
قَبْلَ نُزُولِ مَا تُحَاذِرُ، وَلَا تَهْتَمَّ بِأَرْزَاقِ مَنْ تُخَلِّفُ،
فَلَسْتَ أَرْزَاقَهُمْ تُكَلَّفُ
"
(1/44)
57 - حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الطَّائِيُّ، نا
الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «التُّؤَدَةُ
فِي كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلَّا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ»
(1/45)
58 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا دَاوُدُ
بْنُ الْمُحَبَّرِ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: يَتَوَسَّدُ
الْمُؤْمِنُ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ فِي قَبْرِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ،
وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، فَاغْتَنِمُوا الْمُبَادَرَةَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ فِي الْمُهْلَةِ
(1/45)
59 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا بِشْرُ
بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: كُنَّا
مَعَ الْحَسَنِ فِي جَنَازَةٍ فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَمِلَ لِمِثْلِ
هَذَا الْيَوْمِ، [ص:46] إِنَّكُمُ الْيَوْمَ تَقْدُرُونَ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ
عَلَيْهِ إِخْوَانُكُمْ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ، فَاغْتَنِمُوا
الصِّحَّةَ وَالْفَرَاغَ قَبْلَ الْفَزَعِ وَالْحِسَابِ " مَعْنَاهُ: لَا
تَقْعُدُوا عَلَى الدُّنْيَا
(1/45)
60 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبًا أَبَا
مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: لَا تَقْعُدُوا فُرَّاغًا، فَإِنَّ الْمَوْتَ يَطْلُبُكُمْ
(1/46)
61 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّهْشَلِيُّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ وَهُوَ فِي
الْمَوْتِ، وَهُوَ يُومِئُ بِرَأْسِهِ، يَرْفَعُهُ وَيَضَعُهُ وَكَأَنَّهُ يُصَلِّي،
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ رَحِمَكَ اللَّهُ؟
قَالَ: إِنِّي أُبَادِرُ طَيَّ الصَّحِيفَةِ
(1/46)
62 - حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا أَبُو
شِهَابٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِلَى فِرْعَوْنَ
قَالَ: لَا يَرُوعُكُمَا لِبَاسُهُ الَّذِي لَبِسَ مِنَ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ
بِيَدِي، لَيْسَ [ص:47] يَنْطِقُ وَلَا يَطْرِفُ وَلَا يَتَنَفَّسُ إِلَّا
بِإِذْنِي، وَلَا يُعْجِبُكُمَا مَا مُتِّعَ بِهِ مِنْهَا؛ فَإِنَّمَا هِيَ
زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَةُ الْمُتْرَفِينَ، فَلَوْ شِئْتُ أَنْ
أُزَيِّنَكُمَا بِزِينَةٍ مِنَ الدُّنْيَا يَعْرِفُ فِرْعَوْنُ حِينَ يَرَاهَا
أَنَّ مَقْدِرَتَهُ تَعْجِزُ عَمَّا أُوتِيتُمَا لَفَعَلْتُ وَلَكِنِّي أَرْغَبُ
بِكُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَزْوِي ذَلِكَ عَنْكُمَا، وَكَذَلِكَ أَفْعَلُ
بِأَوْلِيَائِي، وَقَدِيمًا مَا خِرْتُ لَهُمْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا فَإِنِّي لَأَذُودُهُمْ
عَنْ نَعِيمِهَا كَمَا يَذُودُ الرَّاعِي الشَّفِيقُ غَنَمَهُ عَنْ مَرَاتِعِ
الْهَلَكَةِ، وَإِنِّي لَأُجَنِّبُهُمْ سَلْوَتَهَا كَمَا يُجَنِّبُ الرَّاعِي
الشَّفِيقُ إِبِلَهُ عَنْ مُبَارَكِ الْعُرَّةِ، وَمَا ذَاكَ لِهَوَانِهِمْ
عَلَيَّ، وَلَكِنْ لِيَسْتَكْمِلُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ كَرَامِتِي سَالِمًا
مُوَفَّرًا لَمْ يَكْلِمْهُ الطَّمَعُ، وَلَمْ تَنْتَقِصْهُ الدُّنْيَا بِغُرُورِهَاإِنَّمَا
يَتَزَيَّنُ لِي أَوْلِيَائِي بِالذُّلِّ وَالْخُشُوعِ، وَالْخَوْفِ وَالتَّقْوَى،
يَثْبُتُ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَظْهَرُ عَلَى أَجْسَادِهِمْ، فَهِيَ ثِيَابُهُمُ
الَّتِي يَلْبَسُونَ، وَدِثَارُهُمُ الَّذِي يُظْهِرُونَ، وَضَمِيرُهُمُ الَّذِي يَسْتَشْعِرُونَ،
وَنَجَاتُهُمُ الَّتِي بِهَا يَفُوزُونَ وَرَجَاؤُهُمُ الَّذِي إِيَّاهُ
يَأْمَلُونَ، وَمَجْدُهُمُ الَّذِي بِهِ يَفْخَرُونَ، وَسِيمَاهُمُ الَّتِي بِهَا
يُعْرَفُونَ، فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَذَلِّلْ قَلْبَكَ
وَلِسَانَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ أَخَافَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي
بِالْمُحَارَبَةِ، ثُمَّ أَنَا الثَّائِرُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
(1/46)
63 - ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا الْخَلِيلُ
بْنُ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ، قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْزَلَنِي مِنْ
نَفْسِكَ كَهَمِّكَ، وَاجْعَلْنِي ذُخْرًا لَكَ فِي مَعَادِكَ، وَتَقَرَّبْ
إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ أُدْنِكَ، وَتَوَكَّلْ عَليَّ أَكْفِكَ، وَلَا تَوَلَّ غَيْرِي
فَأَخْذُلَكَ. اصْبِرْ عَلَى الْبَلَاءِ، وَارْضَ بِالْقَضَاءِ، وَكُنْ
كَمَسَرَّتِي فِيكَ، فَإِنَّ مَسَرَّتِي أَنْ أُطَاعَ فَلَا أُعْصَى، وَكُنْ
مِنِّي قَرِيبًا، وَأَحْيِي ذِكْرِي بِلِسَانِكَ، وَلْيَكُنْ وُدِّي فِي قَلْبِكَ.
تَيَقَّظْ لِي فِي سَاعَاتِ الْغَفْلَةِ، وَكُنْ لِي رَاهِبًا رَاغِبًا إِلَيَّ
أَمِتْ قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ
" رَاعِ اللَّيْلَ لِتَحَرِّي مَسَرَّتِي،
وَأَظْمِئْ لِي نَهَارَكَ لِيَوْمِكَ الَّذِي عِنْدِي، نَافِسْ فِي الْخَيْرَاتِ
جَهْدَكَ، وَقُمْ فِي الْخَلِيقَةِ بِعَدْلِي، وَاحْكُمْ فِيهِمْ بِنَصِيحَتِي،
فَقَدْ أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ شِفَاءَ وَسَاوِسِ الصَّدْرِ مِنْ مَرَضِ الشَّيْطَانِ
وَجِلَاءِ الْأَبْصَارِ وَغِشَاءِ الْكَلَالِ، وَلَا تَكُنْ حِلْسًا كَأَنَّكَ
مَقْبُورٌ وَأَنْتَ حَيٌّ تَنَفَّسُ، بِحَقٍّ أَقُولُ لَكَ: مَا آمَنَتْ بِي
خَلِيفَةٌ إِلَّا خَشَعَتْ لِي، وَلَا خَشَعَتْ لِي إِلَّا رَجَتْ ثَوَابِي،
أُشْهِدُكَ أَنَّهَا آمِنَةٌ مِنْ عِقَابِي مَا لَمْ تُغَيِّرْ أَوْ تُبَدِّلْ
سُنَّتِي، أَكْحِلْ عَيْنَيْكَ بِمُلْمُولِ الْحُزْنِ، إِذَا ضَحِكَ
الْبَطَّالُونَ احْذَرْ مَا هُوَ آتٍ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ مِنَ الزَّلَازِلِ
وَالْأَهْوَالِ وَالشَّدَائِدِ، حَيْثُ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا أَهْلٌ وَلَا
وَلَدٌ، ابْكِ عَلَى نَفْسِكَ أَيَّامَ الْحَيَاةِ بُكَاءَ مَنْ قَدْ وَدَّعَ
الْأَهْلَ، وَقَلَا الدُّنْيَا وَتَرَكَ اللَّذَّاتِ لِأَهْلِهَا، وَارْتَفَعَتْ
رَغْبَتُهُ فِيمَا عِنْدَ إِلَهِهِ، وَكُنْ عَلَى ذَلِكَ [ص:49] صَابِرًا
مُحْتَسِبًا، طُوبَى لَكَ إِنْ نَالَكَ مَا وَعَدْتُ الصَّابِرِينَ. تَرَجَّ مِنَ
الدُّنْيَا يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَارْضَ مِنْهَا بِالْبُلْغَةِ، وَلْيَكْفِكَ
مِنْهَا الْخَشِنُ. ذُقْ مَذَاقَةَ مَا قَدْ ذَهَبَ مِنْكَ أَيْنَ طَعْمُهُ؟ وَمَا
لَمْ يَأْتِكَ أَيْنَ لَذَّتُهُ؟ لَوْ رَأَتْ عَيْنُكَ مَا أَعْدَدْتُ لِأَوْلِيَائِي
الصَّالِحِينَ لَذَابَ قَلْبُكَ، وَزَهَقَتْ نَفْسُكَ اشْتِيَاقًا إِلَيْهِ "
(1/48)
64 - ثنا فَهْدُ بْنُ حَمَّادٍ، وَدَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو
الضَّبِّيُّ، قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَوْرَانَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ،
قَالَ: مَثَلُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ ضَرَّتَانِ، إِنْ
أَرْضَى إِحْدَاهُمَا أَسْخَطَ الْأُخْرَى
(1/49)
65 - حَدَّثَنِي سُرَيْجٌ، قَالَ: ثنا خَلَفُ بْنُ
خَلِيفَةَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، قَالَ: الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ
يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَ الْآخَرُ تَبَعًا
لَهُ "
(1/49)
66 - حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
سُلَيْمَانَ، قَالَ: إِذَا كَانَتِ الْآخِرَةُ فِي الْقَلْبِ جَاءَتِ الدُّنْيَا
تَزْحَمُهَا، وَإِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا فِي الْقَلْبِ لَمْ تَزْحَمْهَا [ص:50]
الْآخِرَةُ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ كَرِيمَةٌ وَالدُّنْيَا لَئِيمَةٌ "
(1/49)
67 - ثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا
سَيَّارٌ، قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: بِقَدْرِ مَا
تَحْزَنُ لِلدُّنْيَا فَكَذَلِكَ يَخْرُجُ هَمُّ الْآخِرَةِ مِنْ قَلْبِكَ، وَبِقَدْرِ
مَا تَحْزَنُ لِلْآخِرَةِ فَكَذَلِكَ يَخْرُجُ هَمُّ الدُّنْيَا مِنْ قَلْبِكَ "
(1/50)
68 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ:
ثنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ،
قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُؤْتَى بِالدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي
صُورَةِ عَجُوزٍ شَمْطَاءَ زَرْقَاءَ، أَنْيَابُهَا بَادِيَةٌ مُشَوَّهٌ
خَلْقُهَا، فَتَشْرِفُ عَلَى الْخَلَائِقِ، فَيُقَالُ: أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ؟
فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مَعْرِفَةِ هَذِهِ فَيُقَالُ: هَذِهِ
الدُّنْيَا الَّتِي تَنَاحَرْتُمْ عَلَيْهَا، بِهَا تَقَاطَعْتُمُ الْأَرْحَامَ،
وَبِهَا تَحَاسَدْتُمْ وَتَبَاغَضْتُمْ وَاغْتَرَرْتُمْ. ثُمَّ يُقْذَفُ بِهَا فِي
جَهَنَّمَ، فَتُنَادِي: أَيْ رَبِّ أَيْنَ أَتْبَاعِي وَأَشْيَاعِي؟ فَيَقُولُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلْحِقُوا بِهَا أَتْبَاعَهَا وَأَشْيَاعَهَا "
(1/50)
69 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا عُرِجَ
بِرُوحِهِ قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، [ص:51]
عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ مِنَ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ، وَإِذَا هِيَ لَا
يَمُرُّ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا جَرَّحَتْهُ، فَإِذَا هِيَ أَدْبَرَتْ كَانَتْ
أَحْسَنَ شَيْءٍ رَآهَا النَّاسُ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ كَانَتْ أَقْبَحَ شَيْءٍ رَآهَا
النَّاسُ، عَجُوزٌ شَمْطَاءُ زَرْقَاءُ عَمْشَاءُ. قَالَ: فَقُلْتُ: أَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنْكِ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، لَا يُعِيذُكَ اللَّهُ مِنِّي حَتَّى
تُبْغِضَ الدِّرْهَمَ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قُلْتُ لَا.
قَالَتْ: أَنَا الدُّنْيَا
"
(1/50)
70 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ،
قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ، يَقُولُ: يُجَاءُ بِالدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَتَبَخْتَرُ
فِي زِينَتِهَا وَنَضْرَتِهَا، فَتَقُولُ، يَا رَبِّ اجْعَلْنِي لِأَخَسِّ
عِبَادِكَ دَارًا، فَيَقُولُ: لَا أَرْضَاكِ لَهُ، أَنْتِ لَا شَيْءَ، فَكُونِي
هَبَاءً مَنْثُورًا "
(1/51)
71 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُيَيْنَةَ: حُدِّثْتُ
عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا الدُّنْيَا؟ إِنْ كُنْتُ
لَبَائِعَهَا فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ كُلِّهَا بِشَرْبَةٍ عَلَى الظَّمَأِ "
(1/51)
72 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا
إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ، يَقُولُ: قِيلَ: يَا ابْنَ آدَمَ
اجْعَلِ الدُّنْيَا دَارًا تُبَلِّغُكَ لِأَثْقَالِكَ، وَاجْعَلْ نُزُولَكَ فِيهَا
اسْتِرَاحَتَكَ، لَا تَحْبِسْكَ كَالْهَارِبِ مِنْ عَدُوِّهِ، الْمُسْرِعِ إِلَى
أَهْلِهِ، فِي طَرِيقٍ مُخَوِّفَةٍ، لَا يَجِدُ مَسًّا لِمَا يَقْدَمُ فِيهِ مِنَ الرَّاحَةِ،
[ص:52] مُتَبَذِّلٌ فِي سَفَرِهِ لِيَسْتَبِقِيَ صَالِحَ مَتَاعِهِ لِإِقَامَتِهِ،
فَإِنْ عَجَزْتَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْعَمَلِ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ هُوَ
الْأَمَلُ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ لِصًّا مِنْ لُصُوصِ تِلْكَ الطَّرِيقِ
مِمَّنْ {يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا
أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 26] ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ مَا لَمْ
تُبْصِرْ مِنَ الْقَلْبِ فَكَأَنَّمَا أَبْصَرَتْ سَهْوًا لَمْ تُبْصِرْهُ،
وَإِنَّ آيَةَ الْعَمَى إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ بِذَلِكَ نَفْسَكَ أَوْ
غَيْرَكَ، فَإِنَّهَا لَا تَقِفُ عَنِ الْهَلَكَةِ، وَلَا تَمْضِي فِي
الرَّغْبَةِ، فَذَلِكَ أَعْمَى الْقَلْبِ وَإِنْ كَانَ بَصِيرًا "
(1/51)
73 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُمِّيِّ، قَالَ: قَالَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَطْلُبُوا الدُّنْيَا بِهَلَكَةِ أَنْفُسِكُمْ، وَاطْلُبُوا
الدُّنْيَا بِتَرْكِ مَا فِيهَا، عُرَاةً دَخَلْتُمُوهَا، وَعُرَاةً تَخْرُجُونَ
مِنْهَا، كَفَى الْيَوْمَ هَمُّهُ، وَغَدًا إِذَا دَخَلَ بِشُغْلِهِ "
(1/52)
74 - ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ،
عَنْ أَشْعَثَ، قَالَ: قِيلَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوِ اتَّخَذْتَ
بَيْتًا؟ قَالَ: تَكْفِينَا خُلْقَانُ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا
(1/52)
75 - ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ:
[ص:53] حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ،
قَالَ: قِيلَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوِ اتَّخَذْتَ
حِمَارًا تَرْكَبُهُ لِحَاجَتِكَ؟ فَقَالَ: أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ لِي شَيْئًا يَشْغَلُنِي بِهِ
(1/52)
76 - حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْبَصْرِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا يُرِيحُ الْقَلْبَ
وَالْبَدَنَ، وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا تُطِيلُ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ»
(1/53)
77 - حَدَّثَنِي أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا
هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا صَدَقَةُ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ،
قَالَ: ثنا أَبُو الدَّرْدَاءِ الرَّهَاوِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْذَرُوا الدُّنْيَا؛ فَإِنَّهَا أَسْحَرُ مِنْ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ»
(1/53)
78 - ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ، زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ: نا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَالِي وَلِلدُّنْيَا،
إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ
فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»
(1/53)
79 - ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ،
قَالَ: ثنا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثنا هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: «مَالِي وَلِلدُّنْيَا،
وَمَا لِلدُّنْيَا وَمَالِي، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مَثَلِي وَمَثَلُ
الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ
شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»
(1/54)
80 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَرِيرٍ
الْعَتَكِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ
أَبِي الْحَسَنِ، يُحَدِّثُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دَابَّتِهِ، فَمَرَّ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ، فَفَكَّتْ
إِصْبَعًا مِنْ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، فَانْطَلَقَ إِلَى أَهْلِهِ فَوُضِعَ لَهُ
سَرِيرٌ مَرْمُولٌ بِخُوصٍ، وَوُضِعَتْ تَحْتَهُ قِطْعَةُ عَبَاءَةٍ، وَوُضِعَتْ
تَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةٌ لِيفًا، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَاءَ سَرِيعًا، وَفِي جَانِبِ الْبَيْتِ أَهَبٌ
قَدْ سَطَعَ رِيحُهَا نَتِنًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تُؤْذِيكَ
هَذِهِ الرِّيحُ؟ [ص:55] لَوْ نَحَّيْتَهَا أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ أَكْرَمُ عَلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، يَفْتَرِشَانِ الدِّيبَاجَ
وَالسُّنْدُسَ وَالْإِسْتَبْرَقَ وَالْحَرِيرَ عَلَى سُرُرِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ قَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا
الْآخِرَةُ» ؟ قَالَ بَلَى. قَالَ: «فَهُوَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَذَلِكَ»
(1/54)
81 - ثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا أَبُو
سُفْيَانَ الْمَعْمَرِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ، فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ
ثُمَّ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ فَوَاللَّهِ مَا
رَأَيْتُ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلَّا أُهَبَةً ثَلَاثًا، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْكَ، فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى
فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى. قَالَ: فَاسْتَوَى
جَالِسًا، فَقَالَ: «أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ
قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا» ، فَقُلْتُ:
اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ
"
(1/55)
82 - حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ مَرْاوَنَ الرَّقَاشِيُّ،
قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانَتِ الدُّنْيَا
أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي تَمْشُونَ عَلَيْهِ، وَمَا
يُبَالُونَ، أَشْرَقَتِ الدُّنْيَا أَمْ غَرَبَتْ، أَذْهَبَتْ إِلَى ذَا أَمْ
إِلَى ذَا "
(1/55)
83 - حَدَّثَنِي أَزْهَرُ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَوْشَبٌ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَ وَأَنَا
شَاهِدٌ، [ص:56] فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالًا
فَهُوَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَيَصِلُ مِنْهُ، وَيُحْسِنُ فِيهِ، أَلَهُ أَنْ يَتَعَيَّشَ؟
قَالَ: يَعْنِي التَّنَعُّمَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: لَا، لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا
كُلُّهَا لَهُ مَا كَانَ لَهُ مِنْهَا إِلَّا الْكَفَافُ، وَيُقَدِّمُ ذَلِكَ
لِيَوْمِ فَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ
"
(1/55)
84 - حَدَّثَنِي أَزْهَرُ، قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ:
ثنا أَبُو كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: " الْمُؤْمِنُ فِي
الدُّنْيَا كَالْغَرِيبِ لَا يُنَافِسُ فِي عِزِّهَا، وَلَا يَجْزَعُ مِنْ
ذُلِّهَا، لِلنَّاسِ حَالٌ - أَظُنُّهُ قَالَ: وَلَهُ حَالٌ - وَجِّهُوا هَذِهِ الْفُضُولَ
حَيْثُ وَجَّهَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "
(1/56)
85 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ عَنْبَسَةَ،
قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ
السَّائِبِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ
لِابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ: بَيْتٌ يَسْتُرُهُ، وَثَوْبٌ
يُوَارِي عَوْرَتَهُ غَلِيظٌ، وَجِلْفٌ مِنَ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ "
(1/56)
86 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا سَيَّارٌ،
قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
[ص:57] الدَّارِيَّ، يَقُولُ: كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَالْقَبُولِ عَنْهُ يَقُولُونَ: إِنَّ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا يُرِيحُ
الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ، وَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِي الدُّنْيَا تُكْثِرُ الْهَمَّ
وَالْحَزَنَ
(1/56)
87 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْآدَمِيُّ، قَالَ:
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى،
عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَقُولُ: طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا، وَالرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ، أُولَئِكَ
قَوْمٌ اتَّخَذُوا أَرْضَ اللَّهِ بِسَاطًا، وَتُرَابَهَا فِرَاشًا، وَمَاءَهَا
طِيبًا، وَالْكَفَافَ شِعَارًا، وَالدُّعَاءَ دِثَارًا، وَقَرَضُوا الدُّنْيَا
قَرْضًا عَنْ مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
(1/57)
88 - ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ،
عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: ذُكِرَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، فَقَالَ: كَانَ يَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَيَلْبَسُ الشَّعْرَ، وَيَأْكُلُ
مَا وَجَدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا فَقَدَ، لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ يَمُوتُ، وَلَا
بَيْتٌ يَحْزَنُ، يَبِيتُ حَيْثُ أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ
(1/57)
89 - ثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ
بْنُ هَارُونَ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ
يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو وَاقِدٍ
اللَّيْثِيُّ: تَابَعْنَا الْأَعْمَالَ وَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا أَبْلَغَ فِي طَلَبِ
الْآخِرَةِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا
(1/57)
90 - حَدَّثَنِي سُرَيْجٌ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ
أَشْيَاخِهِ، أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، فَأَرَمَّ
[ص:58] طَوِيلًا قَالَ: تُحِبُّونَ أَنْ أَكْتُبَ لَكُمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي
ظُفْرِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُمْ: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا
(1/57)
91 - حَدَّثَنِي سُرَيْجٌ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ
الْأَحْمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: الزُّهْدُ فِي
الدُّنْيَا: مَنْ لَمْ يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَهُ، وَلَمْ يَسْتَقِلَّ الْحَلَالُ شُكْرَهُ
(1/58)
92 - ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ
بْنُ الْحَكَمِ بْنِ عَوَانَةَ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ،
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا هَانَتْ عَلَيْهِ الْمُصِيبَاتُ،
وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ فِي الْخَيْرَاتِ
(1/58)
93 - ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: ثنا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: مَا الزُّهْدُ فِي
الدُّنْيَا؟ قَالَ: مَنْ لَمْ يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَهُ، وَلَمْ يَمْنَعِ
الْحَلَالُ شُكْرَهُ، قَالَ: مَعْنَاهُ: مَنْ تَرَكَ الْحَرَامَ، وَشَكَرَ الْحَلَالَ
(1/58)
94 - ثنا سُرَيْجٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
قَالَا: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ
سَلْمَانُ الْوَفَاةُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ:
مَا أَبْكِي جَزَعًا عَلَى الدُّنْيَا، وَلَكِنْ عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدًا فَتَرَكْنَا عَهْدَهُ، عَهِدَ
إِلَيْنَا أَنْ يَكُونَ بُلْغَةُ أَحَدِنَا مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ
" فَلَمَّا مَاتَ نُظِرَ فِيمَا تَرَكَ، فَإِذَا قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ
دِرْهَمًا
(1/58)
95 - حَدَّثَنِي سُرَيْجٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ إِنْ أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِكِ
مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ، وَلَا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى
تُرَقِّعِيهِ، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ»
(1/59)
96 - وَحَدَّثَنِي سُرَيْجٌ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ
عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ حَوْشَبٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ سَلْمَانَ
الْفَارِسِيَّ، أَتَى أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَعُودُهُ فِي
مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ سَلْمَانُ: أَوْصِنِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: «إِنْ فُتِحَتْ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا فَلَا تَأْخُذَنَّ مِنْهَا
إِلَّا بَلَاغًا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي
ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا تَخْفِرَنَّ اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ فَيَكُبَّكَ اللَّهُ
عَلَى وَجْهِكَ فِي النَّارِ»
(1/59)
97 - ثنا سُرَيْجٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،
قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ مَجْلِسًا مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَاكَ أَنِّي سَمِعْتُ [ص:60]
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَقْرَبَكُمْ
مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا بِهَيْئَةِ مَا
تَرَكْتُهُ فِيهَا» ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ
تَشَبَّثَ مِنْهَا بِشَيْءٍ غَيْرِي
"
(1/59)
98 - وَحَدَّثَنِي سُرَيْجٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،
قَالَ: بَعَثَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ بِالشَّامِ
ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: ارْجِعْ بِهَا إِلَيْهِ، مَا
أَحَدٌ أَغْنَى بِاللَّهِ مِنَّا، مَا لَنَا إِلَّا ظِلٌّ نَتَوَارَى بِهِ،
وَثُلَّةٌ مِنْ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَيْنَا، وَمَوْلَاةٌ لَنَا تَصَدَّقَتْ
عَلَيْنَا بِخِدْمَتِهَا، ثُمَّ إِنِّي لَأَتَخَوَّفُ الْفَضْلَ
(1/60)
99 - وَحَدَّثَنِي سُرَيْجٌ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ
الْعَوَّامِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ:
خَرَجْنَا إِمَّا حُجَّاجًا وَإِمَّا عُمَّارًا، فَمَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ،
فَمَرَّ بِنَا فَجَلَسَ مَعَنَا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ أَوْ بَعْضُنَا:
مَا مَالُكَ؟ قَالَ: لِي مِنَ الْإِبِلِ كَذَا وَمِنَ الْغَنَمِ كَذَا،
إِحْدَاهُمَا يَرْعَاهَا ابْنٌ لِي، وَالْأُخْرَى يَرْعَاهَا غُلَامٌ لِي، وَهُوَ
عَتِيقٌ إِلَى الْحَوْلِ "
(1/60)
100 - ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أنبأ [ص:61]
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ،
قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَنْ أَزْهَدُ النَّاسِ؟ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَنْسَ الْقَبْرَ وَالْبِلَى،
وَتَرَكَ أَفْضَلَ زِينَةِ الدُّنْيَا، وَآثَرَ مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى،
وَلَمْ يَعُدَّ غَدًا مِنْ أَيَّامِهِ، وَعَدَّ نَفْسَهُ فِي الْمَوْتَى»
(1/60)
101 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ،
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ،
قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ
خَيْرُنَا؟ قَالَ: «أَزْهَدُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَأَرْغَبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ»
(1/61)
102 - حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ
حَمْزَةَ بْنِ سَلْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ، عَنْ
صَفْوَانَ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا أَسْكَنَ اللَّهُ الْحِكْمَةَ
قَلْبَهُ، وَأَطْلَقَ بِهَا لِسَانَهُ، وَبَصَّرَهُ عُيُوبَ الدُّنْيَا دَاءَهَا وَدَوَاءَهَا،
وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا سَالِمًا مُسْلِمًا إِلَى دَارِ السَّلَامِ»
(1/61)
103 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْبَلْخِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الشَّمَّاسِ، قَالَ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ "
(1/61)
104 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْعِجْلِيُّ، قَالَ: [ص:62] ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ: أَعْوَنُ الْأَخْلَاقِ عَلَى الدِّينِ الزَّهَادَةُ فِي
الدُّنْيَا، وَأَوْشَكُهَا رَدًى اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَمِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى
الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا، وَمِنَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا حُبُّ الْمَالِ
وَالشَّرَفِ، وَمِنْ حُبِّ الْمَالِ وَالشَّرَفِ اسْتِحْلَالُ الْمَحَارِمِ،
وَمِنِ اسْتِحْلَالِ الْمَحَارِمِ يَغْضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ غَضَبِ
اللَّهِ الدَّاءُ الَّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ إِلَّا رِضْوَانُ اللَّهِ، وَرِضْوَانُ
اللَّهِ تَعَالَى الدَّوَاءُ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَهُ دَاءٌ. فَمَنْ يُرِدْ
أَنْ يُرْضِيَ رَبَّهُ يُسْخِطْ نَفْسَهُ، وَمَنْ لَا يُسْخِطْ نَفْسَهُ لَا
يُرْضِ رَبَّهُ، إِنْ كَانَ كُلَّمَا ثَقُلَ عَلَى الْإِنْسَانِ شَيْءٌ مِنْ
أَمْرِ دِينِهِ تَرَكَهُ، أَوْشَكَ أَنْ لَا يَبْقَى مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ "
(1/61)
105 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ،
قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: أنا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ،
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «هَلْ
مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمًا بِغَيْرِ
تَعَلُّمٍ، وَهُدًى بِغَيْرِ هِدَايَةٍ؟ هَلْ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُذْهِبَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ الْعَمَى وَيَجْعَلَهُ بَصِيرًا؟ أَلَا إِنَّهُ مَنْ
رَغِبَ فِي الدُّنْيَا وَطَالَ أَمَلُهُ فِيهَا أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ عَلَى
قَدْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا وَقَصُرَ أَمَلُهُ فِيهَا أَعْطَاهُ
اللَّهُ عِلْمًا بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ، وَهُدًى بِغَيْرَ هِدَايَةٍ، أَلَا إِنَّهُ
سَيَكُونُ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ لَا يَسْتَقِيمُ لَهُمُ الْمُلْكُ إِلَّا بِالْقَتْلِ
وَالتَّجَبُّرِ، وَلَا الْغِنَى إِلَّا بِالْبُخْلِ وَالْفَخْرِ، وَلَا
الْمَحَبَّةُ إِلَّا بِاسْتِخْرَاجٍ فِي الدِّينِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، أَلَا
فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَنَ مِنْكُمْ فَصَبَرَ لِلْفَقْرِ وَهُوَ يَقْدِرُ
عَلَى الْغِنَى، وَصَبَرَ لِلْبَغْضَاءِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَصَبَرَ
عَلَى الذُّلِّ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِزِّ، لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا
وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَوَابَ خَمْسِينَ صِدِّيقًا»
(1/62)
106 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ،
يَقُولُ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا عُرِضَتْ عَلَيَّ حَلَالًا لَا
أُحَاسَبُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، لَكُنْتُ أَقْذَرُهَا كَمَا يَقْذَرُ أَحَدُكُمُ
الْجِيفَةَ إِذَا مَرَّ بِهَا أَنْ تُصِيبَ ثَوْبَهُ
(1/63)
107 - ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: ثنا
مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ
مَيْسَرَةَ الْجُبْلَانِيِّ، قَالَ: " لَيْسَ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا
بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَلَا بِإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَلَكِنَّ الزَّهَادَةَ فِي
الدُّنْيَا أَنْ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي
يَدَيْكَ، وَأَنْ يَكُونَ حَالُكَ فِي الْمُصِيبَةِ وَحَالُكَ إِذَا لَمْ تُصَبْ
بِهَا سَوَاءً، وَأَنْ يَكُونَ مَادِحُكَ وَذَامُّكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً
(1/63)
108 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا
مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: نا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: قَالَ وُهَيْبٌ
الْمَكِّيُّ: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا تَأْسَى عَلَى مَا فَاتَ مِنْهَا،
وَلَا تَفْرَحَ بِمَا أَتَاكَ مِنْهَا
(1/63)
109 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ:
ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ:
" الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قِصَرُ الْأَمَلِ،
لَيْسَ بِأَكْلِ الْغَلِيظِ وَلَا لُبْسِ الْعَبَاءِ
(1/63)
110 - حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَضَاءً، يَقُولُ لِسِبَاعٍ
الْمَوْصِلِيِّ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ أَقْضَى بِهِمُ
الزُّهْدُ؟ قَالَ: إِلَى الْأُنْسِ بِهِ
(1/64)
111 - ثنا الْمُثَنَّى بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ،
قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِبَاعٍ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ: بَيْنَمَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
يَسِيحُ فِي بَعْضِ بِلَادِ الشَّامِ إِذِ اشْتَدَّ بِهِ الْمَطَرُ وَالرَّعْدُ
وَالْبَرْقُ قَالَ: فَجَعَلَ يَطْلُبُ شَيْئًا يَلْجَأُ إِلَيْهِ، فَرُفِعَتْ لَهُ
خَيْمَةٌ مِنْ بَعِيدٍ فَأَتَاهَا، فَإِذَا فِيهَا امْرَأَةٌ فَحَادَ عَنْهَا، فَإِذَا
هُوَ بِكَهْفٍ فِي جَبَلٍ، فَأَتَاهُ فَإِذَا فِي الْكَهْفِ أَسَدٌ فَوَضَعَ
يَدَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِلَهِي جَعَلْتَ لِكُلِّ شَيْءٍ مَأْوًى وَلَمْ
تَجْعَلْ لِي مَأْوًى، فَأَجَابَهُ الْجَلِيلُ تَعَالَى: مَأْوَاكَ عِنْدِي فِي مُسْتَقَرٍّ
مِنْ رَحْمَتِي، لَأُزَوِّجَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِائَةَ حَوْرَاءَ
خَلَقْتُهَا بِيَدِي، وَلَأُطْعِمَنَّ فِي عُرْسِكَ أَرْبَعَةَ آلَافِ عَامٍ،
يَوْمٌ مِنْهَا كَعُمْرِ الدُّنْيَا، وَلَآمُرَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَيْنَ الزُّهَّادُ
فِي دَارِ الدُّنْيَا؟ زُورُوا عُرْسَ الزَّاهِدِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
(1/64)
112 - حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ
الْمِصْرِيُّ، قَالَ: يُولِمُ عِيسَى وَيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي
الْجَنَّةِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، وَيُدْعَى فِي وَلِيمَتِهِمَا
الْمُتَقَشِّفُونَ
(1/64)
113 - ثنا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ
بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَانَتِ الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ أَكُونَ فِيهَا، وَهِيَ
كَائِنَةٌ بَعْدِي، وَإِنَّمَا لِي فِيهَا أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ، [ص:65] فَإِذْا
لَمْ أُسْعَدْ فِي أَيَامِي فِي هَذِهِ فَمَتَى أُسْعَدُ؟
(1/64)
114 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ
أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ، يَقُولُ: جَلَسَ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ظِلِّ خَيْمَةِ عَجُوزٍ، فَقَالَتْ لَهُ الْعَجُوزُ: يَا
عَبْدَ اللَّهِ قُمْ مِنْ ظِلِّنَا، فَقَامَ فَجَلَسَ فِي الشَّمْسِ، وَقَالَ:
لَسْتِ أَنْتِ الَّذِي أَقَمْتَنِي، إِنَّمَا أَقَامَنِي الَّذِي لَمْ يُرِدْ أَنْ
أُصِيبَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا
(1/65)
115 - حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ ثَعْلَبٍ، قَالَ: ثنا
أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ
هُرْمُزَ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الشَّامِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْجَابِيَةَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ،
تَلُوحُ صَلْعَتُهُ بِالشَّمْسِ، لَيْسَ عَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ وَلَا عِمَامَةٌ،
تَصْطَفِقُ رِجْلَاهُ بَيْنَ شُعْبَتَيْ رَحْلِهِ، بِلَا رِكَابٍ، وِطَاؤُهُ
كِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ صُوفٌ، هُوَ وِطَاؤُهُ إِذَا رَكِبَ، وَفِرَاشُهُ إِذَا نَزَلَ،
حَقِيبَتُهُ نَمِرَةٌ أَوْ شَمْلَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِيفًا هِيَ حَقِيبَتُهُ إِذَا
رَكِبَ، وَوِسَادَتُهُ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ مِنْ كَرَابِيسَ، قَدْ
دَسِمَ وَتَخَرَّقَ [ص:66] جَيْبُهُ، فَقَالَ: ادْعُوا لِي رَأْسَ الْقَرْيَةِ،
فَدَعُوا لَهُ الْحَلَوْمَسَ، فَقَالَ:
اغْسِلُوا قَمِيصِي وَخَيِّطُوهُ وَأَعِيرُونِي قَمِيصًا
أَوْ ثَوْبًا، فَأُتِيَ بِقَمِيصِ كَتَّانٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا:
كَتَّانٌ قَالَ: وَمَا الْكَتَّانُ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَنَزَعَ قَمِيصَهُ فَغُسِلَ وَرُقِّعَ،
وَأُتِيَ بِهِ، فَنَزَعَ قَمِيصَهُمْ وَلَبِسَ قَمِيصَهُ، فَقَالَ لَهُ
الْحَلَوْمَسُ: أَنْتَ مَلِكُ الْعَرَبِ، وَهَذِهِ بِلَادٌ لَا تَصْلُحُ لَهَا
الْإِبِلُ، فَأُتِيَ بِبِرْذَوْنٍ فَطُرِحَ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ بِلَا سَرْجٍ وَلَا
رَحَلٍ فَرَكِبَهُ، فَقَالَ: احْبِسُوا احْبِسُوا، مَا كُنْتُ أَظُنُّ النَّاسَ
يَرْكَبُونَ الشَّيْطَانَ قَبْلَ هَذَا، فَأُتِيَ بِجَمَلِهِ فَرَكِبَهُ
(1/65)
116 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ، قَالَ: أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّامَ،
فَتَلَقَّاهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَعُظَمَاءُ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَقَالَ
عُمَرُ: أَيْنَ أَخِي؟ قَالُوا: مَنْ؟ قَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالُوا:
يَأْتِيكَ الْآنَ. فَجَاءَ عَلَى نَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ بِحَبْلٍ، فَسَلَّمَ
عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: انْصَرَفُوا. فَسَارَ مَعَهُ حَتَّى أَتَى
مَنْزِلَهُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرَ فِي مَنْزِلِهِ إِلَّا سَيْفَهُ
وَتُرْسَهُ وَرِحْلَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوِ اتَّخَذْتَ مَتَاعًا، أَوْ
قَالَ شَيْئًا. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ
هَذَا سَيُبَلِّغُنَا الْمَقِيلَ
(1/66)
117 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا
سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ
بْنِ [ص:67] شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ انْتُهِيَ إِلَى مَخَاضٍ بِالشَّامِ، فَنَزَعَ خُفَّيْهِ،
فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا بِيَدِهِ، وَأَخَذَ بِخِطَامِ رَاحِلَتِهِ، وَخَاضَ
الْمَاءَ، فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. وَجَاءَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَقَالَ:
صَنَعْتَ الْيَوْمَ صَنِيعًا عَظِيمًا عِنْدَ أَهْلِ الْأَرْضِ، صَنَعْتَ كَذَا
وَكَذَا، فَصَكَّ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَوَّهْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُكَ
أَبَا عُبَيْدَةَ، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاسِ، وَأَحْقَرَ النَّاسِ، فَأَعَزَّكُمُ
اللَّهُ بِالدِّينِ، مَهْمَا تَطْلُبُونَ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ أَذَلَّكُمُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ
(1/66)
118 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَكَّارٍ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ
يُحِبُّنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، وَيُحِبُّنِي النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ: «أَمَّا
الْعَمَلُ الَّذِي يُحِبُّكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فَازْهَدْ فِي
الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي يُحِبُّكَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَانْبِذْ
إِلَيْهِمْ مَا فِي يَدِكَ مِنَ الْحُطَامِ»
(1/67)
119 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ،
قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ الْبَيْرُوتِيُّ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: الدُّنْيَا غَنِيمَةُ [ص:68] الْآخِرَةِ
(1/67)
120 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا
موسُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ، قَالَ: قِيلِ لِأَبِي
حَمْزَةَ بَعْدَمَا كَبِرَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ كَيْفَ حُبُّكَ لِلدُّنْيَا؟
قَالَ: خِذَعٌ
(1/68)
121 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، قَالَ: ثنا
إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى دَاوُدَ
الطَّائِيِّ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، وَهُوَ عَلَى التُّرَابِ فَقُلْتُ لِصَاحِبِي:
هَذَا رَجُلٌ زَاهِدٌ، فَقَالَ دَاوُدُ: إِنَّمَا الزَّاهِدُ مَنْ قَدَرَ فَتَرَكَ
(1/68)
122 - وَبَلَغَنِي، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ:
أَصْلُ الزُّهْدِ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(1/68)
123 - ثنا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ
بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ الْحَسَنَ بِمَكَّةَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْنِي،
فَقُلْتُ: نَسْأَلُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْفُقَهَاءِ فَلَا تُجِيبُونَا قَالَ: وَيْحَكَ وَهَلْ
رَأَيْتَ بِعَيْنِكَ فَقِيهًا قَطُّ؟ وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الْفَقِيهُ؟ إِنَّمَا
الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ، الدَّائِبُ فِي
الْعِبَادَةِ، الْبَصِيرُ بِدِينِهِ
(1/68)
124 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ،
قَالَ: [ص:69] قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْحَارِثِ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
لِبَكْرٍ الْعَابِدِ: يَا بَكْرُ، ازْهَدْ وَنَمْ. قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ: يَا بَكْرُ،
خُذْ مِنَ الدُّنْيَا لِبَدَنِكَ، وَخُذْ مِنَ الْآخِرَةِ لِقَلْبِكَ " قَالَ
أَبُو نَصْرٍ: يَعْنِي لِبَدَنِكَ مَا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ، وَلِقَلْبِكَ: أَيِ
اشْغَلْ قَلْبَكَ بِذِكْرِ الْآخِرَةِ
(1/68)
125 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مِسْكِينُ بْنُ عُبَيْدٍ الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي
الْمُتَوَكِّلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْعَابِدُ، قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
أَدْهَمَ: الزُّهْدُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ، فَزُهْدٌ فَرْضٌ، وَزُهْدٌ فَضْلٌ،
وَزُهْدٌ سَلَامَةٌ فَالزُّهْدُ الْفَرْضُ: الزُّهْدُ فِي الْحَرَامِ، وَالزُّهْدُ
الْفَضْلُ: الزُّهْدُ فِي الْحَلَالِ، وَالزُّهْدُ السَّلَامَةُ: الزُّهْدُ فِي
الشُّبُهَاتِ
(1/69)
126 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ:
مَنِ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: مَنْ إِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ شَكَرَ،
وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ. قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ أُنْعِمَ عَلَيْهِ
فَشَكَرَ، وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَحَبَسَ النِّعْمَةَ، كَيْفَ يَكُونُ زَاهِدًا؟
فَضَرَبَنِي بِيَدِهِ، وَقَالَ: اسْكُتْ مَنْ لَمْ تَمْنَعْهُ النُّعْمَى مِنَ
[ص:70] الشُّكْرِ، وَلَا الْبَلْوَى مِنَ الصَّبْرِ، فَذَلِكَ الزَّاهِدُ
(1/69)
127 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا
زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ،
قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَعَجَلَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ فِي
بَيْتِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَيْنَ مَتَاعُكُمْ؟ قَالَ: إِنَّ لَنَا
بَيْتًا نُوَجِّهُ إِلَيْهِ صَالِحَ مَتَاعِنَا. قَالَ: إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ
مَتَاعٍ مَا دُمْتَ هَا هُنَا. قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ لَا يَدَعُنَا
فِيهِ
(1/70)
128 - ثنا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ:
ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ،
قَالَ: دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالُوا: فَضَحْتَ
الدُّنْيَا، فَأَغْضَبُوهُ، فَقَالَ: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا وَإِنَّمَا يَكْفِينِي
صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَشُرْبَةٌ مِنْ مَاءٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ
(1/70)
129 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الْعَزِيزِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ: عَلَيْكَ
بِالزُّهْدِ يُبَصِّرْكَ اللَّهُ تَعَالَى عَوَرَاتِ الدُّنْيَا، وَعَلَيْكَ بِالْوَرَعِ
يُخَفِّفِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حِسَابَكَ، وَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا
يَرِيبُكَ، وَادْفَعِ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ يَسْلَمْ لَكَ دِينُكَ
(1/70)
130 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا حَزْمٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ [ص:71] دِينَارٍ، يَقُولُ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِنَ
الْجِسْرِ إِلَى خُرَاسَانَ بِبَعْرَةٍ، وَرُبَّمَا قَالُوا: بِنَوَاةٍ، قَالَ:
وَمَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِنَ الْجَبَلِ إِلَى الْأُبُلَّةِ بِبَعْرَةٍ،
وَرُبَّمَا قَالُوا: بِنَوَاةٍ، قَالَ: ثُمَّ يَقْبَلُ عَلَيْنَا فَيَقُولُ:
وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ إِنَّمَا أُرِيدُكُمْ لِهَذَا إِنِّي إِذًا لَشَقِيٌّ
(1/70)
131 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ زِيَادٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زَيْدٍ، غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: مَا
يَسُرُّنِي أَنَّ لِي جَمِيعَ مَا حَوَتْ عَلَيْهِ الْبَصْرَةُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالثَّمَرَةِ
بِفَلْسَيْنِ
(1/71)
132 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ، يَقُولُ: لَا
يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُظْهِرَ لِلنَّاسِ الزُّهْدَ وَالشَّهَوَاتُ فِي قَلْبِهِ،
فَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا شَيْءٌ جَازَ لَهُ
أَنْ يُظْهِرَ لِلنَّاسِ الزُّهْدَ، لِأَنَّ الْعَبَاءَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ
الزُّهَّادِ، فَإِذَا زَهِدَ بِقَلْبِهِ وَأَظْهَرَ الْعَبَاءَ كَانَ
مُسْتَوْجِبًا لَهَا، وَإِنْ سَتَرَ زُهْدَهُ بِثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ
لِيَدْفَعَ بِهِمَا أَبْصَارَ النَّاسِ عَنْهُ كَانَ أَسْلَمَ لِزُهْدِهِ قَالَ:
وَسَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُولُ: أَمَّا يَسْتَحِي أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْبَسَ
عَبَاءَةً بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَفِي قَلْبِهِ شَهْوَةٌ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ
(1/71)
133 - حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ [ص:72] أَبِي
الْحَوَارِيِّ، قَالَ: مَضَاءٌ يَقُولُ: إِنَّمَا أَرَادُوا بِالزُّهْدِ
لِتَفْرَغَ قُلُوبُهُمْ لِلْآخِرَةِ
(1/71)
134 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ
الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: نا خُزَيْمَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ
لِمُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ: أَوْصِنِي قَالَ: أُوصِيكَ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ: كَيْفَ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: ازْهَدْ فِي
الدُّنْيَا
(1/72)
135 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ،
قَالَ: ثنا خُزَيْمَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ، إِنَّ رَجُلًا أَتَى بَعْضَ الزُّهَّادِ،
فَقَالَ لَهُ الزَّاهِدُ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: بَلَغَنِي زُهْدُكَ قَالَ:
أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَنْ هُوَ أَزْهَدُ مِنِّي؟ قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنْتَ قَالَ:
كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ زَهِدْتَ فِي الْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا، وَزَهِدْتُ أَنَا فِي الدُّنْيَا عَلَى فَنَائِهَا وَذَمِّ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهَا، فَأَنْتَ أَزْهَدُ مِنِّي
(1/72)
136 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا
خُزَيْمَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَكَانَ مِنَ الْعَابِدِينَ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو
يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى دَاوُدَ الطَّائِيِّ فَقَالَ لَهُ: مَا
رَأَيْتُ أَحَدًا رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِمِثْلِ مَا رَضِيتَ بِهِ. قَالَ: يَا
يَعْقُوبُ مَنْ رَضِيَ بِالدُّنْيَا كُلِّهَا عِوَضًا مِنَ الْآخِرَةِ، فَذَاكَ
الَّذِي رَضِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا رَضِيتُ بِهِ
(1/72)
137 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ،
قَالَ: ثنا خُزَيْمَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَتْ دَعْوَةُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ لِمَنْ لَقِيَ مِنْ [ص:73]
إِخْوَانِهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: زَهَّدَنَا اللَّهُ
وَإِيَّاكَ زُهْدَ مَنْ أَمْكَنَهُ الْحَرَامَ وَالذُّنُوبَ فِي الْخَلَوَاتِ
فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ فَتَرَكَهُ
(1/72)
138 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا
عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَئِنْ حَلَفْتُمْ لِي عَلَى رَجُلٍ
مِنْكُمْ أَنَّهُ أَزْهَدُكُمْ، لَأَحْلِفَنَّ لَكُمْ أَنَّهُ خَيْرُكُمْ
(1/73)
139 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
ثنا حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَرَاثِيَّ،
يَقُولُ: مَنْ زَهِدَ عَلَى حَقِيقَةٍ كَانَتْ مَؤُونَتُهُ فِي الدُّنْيَا خَفِيفَةً،
وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ثَوَابَ الْأَعْمَالِ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ
الْأَحْوَالِ
(1/73)
140 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ، عَنْ
صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ:
لَتُحَبَّبَنَّ إِلَيْكُمُ الدُّنْيَا حَتَّى تَتَعَبَّدُوا لَهَا وَلِأَهْلِهَا،
وَلَيَأْتِيَنَّكُمْ زَمَانٌ تُكْرَهُ فِيهِ الْمَوْعِظَةُ، وَحَتَّى يَخْتَفِيَ
الْمُؤْمِنُ بِإِيمَانِهِ كَمَا يَخْتَفِي الْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، وَحَتَّى
يُعَيَّرَ الْمُؤْمِنُ بِإِيمَانِهِ كَمَا يُعَيَّرُ الْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ
(1/73)
141 - ثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا
سَيَّارٌ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الرَّاسِبِيُّ، قَالَ: ثنا حَوْشَبٌ،
قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: " وَاللَّهِ لَقَدْ عَبَدَتْ بَنُو
إِسْرَائِيلَ الْأَصْنَامَ بَعْدَ عِبَادَتِهِمُ الرَّحْمَنَ [ص:74] بِحُبِّهِمُ الدُّنْيَا
(1/73)
142 - ثنا هَارُونُ، قَالَ: ثنا سَيَّارٌ، قَالَ: ثنا
جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: إِنَّ الْبَدَنَ إِذَا سَقِمَ لَمْ
يَنْجَعْ فِيهِ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ وَلَا نَوْمٌ وَلَا رَاحَةٌ، وَكَذَلِكَ
الْقَلْبُ إِذَا عَلِقَهُ حُبُّ الدُّنْيَا لَمْ تَنْجَعْ فِيهِ الْمَوَاعِظُ
(1/74)
143 - ثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا
سَيَّارٌ، قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ:
بِقَدْرِ مَا تَحْزَنُ لِلدُّنْيَا فَكَذَلِكَ يَخْرُجُ هَمُّ الْآخِرَةِ مِنْ
قَلْبِكَ، وَبِقَدْرِ مَا تَحْزَنُ لِلْآخِرَةِ فَكَذَلِكَ يَخْرُجُ هَمُّ
الدُّنْيَا مِنْ قَلْبِكَ
"
(1/74)
144 - ثنا هَارُونُ، قَالَ: ثنا سَيَّارٌ، قَالَ: ثنا
جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ فَرْقَدًا السَّبَخِيَّ، يَقُولُ: اتَّخِذُوا الدُّنْيَا ظِئْرًا،
وَاتَّخِذُوا الْآخِرَةَ أُمًّا، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الصَّبِيِّ يُلْقَى عَلَى
الظِّئْرِ، فَإِذَا تَرَعْرَعَ وَعَرَفَ وَالِدَتَهُ تَرَكَ الظِّئْرَ وَأَلْقَى
نَفْسَهُ عَلَى وَالِدَتِهِ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ أُمُّكُمْ يُوشِكُ أَنْ
تَجْتَرَّكُمْ
(1/74)
145 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَى الدُّنْيَا
أَنَّهُ مَنْ تَرَكَكِ فَاخْدُمِيهِ، وَمَنْ آثَرَكِ فَاسْتَخْدِمِيهِ
(1/74)
146 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي [ص:75] الْخَلِيلُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ
مُوسَى الرَّاسِبِيَّ، يَذْكُرُ عَنْ يَزِيدَ الْأَعْرَجِ الشَّنِّيِّ، أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ كَثِيرًا: بِحَسْبِكُمْ بَقَاءُ الْآخِرَةُ مِنْ فَنَاءِ
الدُّنْيَا. بِأَيِّ الْعَمَلَيْنِ حَلَلْتَ إِبْقَاءَ الدَّارَيْنِ فَبِتْ مَعَ
دَارِ الْبَقَاءِ، إِنْ خَيْرٌ فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرٌّ فَشَرٌّ
(1/74)
147 - ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا
مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ الثَّوْرِيُّ، يَقُولُ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّمَا
سُمِّيَتِ الدُّنْيَا، لِأَنَّهَا دَنِيَّةٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمَالُ
لِأَنَّهُ يَمِيلُ بِأَهْلِهِ
(1/75)
148 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ يَعْنِي الرِّفَاعِيَّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
بَيْنَمَا رَجُلَانِ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا أَمْرَ
النَّاسِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا أَبَا لَكَ أَمَا تَرَى النَّاسَ
وَقَدْ أَتَى مَا أَهْلَكُهُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ بَعْدَمَا زَعَمُوا أَنْ قَدْ
آمَنُوا؟ قَالَ: جَعَلَ يَقُولُ: ضَعْفُ النَّاسِ وَالذُّنُوبُ وَالشَّيْطَانُ،
قَالَ: وَجَعَلَ يُعَرِّضُ بِأُمُورٍ لَا تُوَافِقُ الرَّجُلَ فِي نَفْسِهِ،
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: بَلْ خَرَجُوا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ بَعْدَمَا
زَعَمُوا أَنْ قَدْ آمَنُوا، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَشْهَدَ الدُّنْيَا،
وَغَيَّبَ الْآخِرَةَ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِالشَّاهِدِ، وَتَرَكُوا الْغَائِبَ. وَالَّذِي نَفْسُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ اللَّهَ قَرَنَ إِحْدَاهُمَا
إِلَى جَانِبِ الْأُخْرَى، حَتَّى يُعَايِنَهَا النَّاسُ مَا عَدَلُوا وَلَا
امْتَثَلُوا
(1/75)
149 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي [ص:76] عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {لَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}
[البلد: 4] قَالَ الْحَسَنُ: لَا أَعْلَمُ خَلِيقَةً
يُكَابِدُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَا يُكَابِدُ هَذَا الْإِنْسَانُ " قَالَ:
وَقَالَ سَعِيدٌ أَخُوهُ: يُكَابِدُ مَضَايِقَ الدُّنْيَا وَشَدَائِدَ الْآخِرَةِ
(1/75)
150 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: ثنا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَنَا، فَقَالَ فِي
خُطْبَتِهِ: «أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ
فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا
النِّسَاءَ»
(1/76)
151 - ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، نا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، وَالْمُعَلَّى، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى دُورٍ مِنْ دُورِ الْجَاهِلِيَّةِ،
فَرَأَى سَخْلَةً مَنْبُوذَةً خِدَاجًا مَا عَلَيْهَا شَعَرٌ، فَقَالَ:
«أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا» ؟ قَالُوا: مِنْ هَوَانِهَا
أَلْقَوْهَا. قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا» قَالَ الْحَسَنُ: أَخْبَرَنَا
مَنْ شَهِدَ ذَلِكَ
(1/76)
152 - وَحَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، نا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ
كَثِيرًا مَا يَقُولُ: انْطَلِقُوا حَتَّى أُرِيَكُمُ الدُّنْيَا. قَالَ:
فَيَجِيءُ بِهِمْ إِلَى السُّوقِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مَزْبَلَةٌ، فَيَقُولُ:
انْظُرُوا إِلَى دَجَاجِهِمْ، [ص:77] وَبَطِّهِمْ، وَثِمَارِهِمْ
(1/76)
153 - ثنا خَالِدٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ
شَدَّادٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَرَجُلٍ
وَضَعَ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرُ بِمَ رَجَعَتْ إِلَيْهِ»
(1/77)
154 - حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ، عَنْ شَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ:
بَيْنَمَا رَكْبٌ يَسِيرُونَ إِذْ هَتَفَ بِهِمْ هَاتِفٌ:
[البحر الطويل]
أَلَا إِنَّمَا الدُّنْيَا مَقِيلٌ لِرَائِحٍ ... قَضَى
وَطَرًا مِنْ حَاجَةً ثُمَّ هَجَّرَا
أَلَا لَا وَلَا يَدْرِي عَلَامَ نُزُولُهُ ... أَلَا
كُلَّمَا قَدَّمْتَ تُلْقَى مُؤَخَّرَا
(1/77)
155 - حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ
الْكُتُبِ: الدُّنْيَا غَنِيمَةُ الْأَكْيَاسِ، وَغَفْلَةُ الْجُهَّالِ، لَمْ يَعْرِفُوهَا
حَتَّى اخْرِجُوا مِنْهَا، فَسَأَلُوا الرَّجْعَةَ فَلَمْ يَرْجِعُوا
(1/77)
156 - حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ
ذِكْرَى الدَّارِ} [ص: 46] قَالَ:
أَخْلَصْنَاهُمْ [ص:78] بِذِكْرِ الْآخِرَةِ
(1/77)
157 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الْعَنَزِيُّ الْكُوفِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَوْنٍ الْأَسَدِيِّ،
قَالَ: أَوَّلُ كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ
قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَا شَاءَ صَنَعَ، وَمَا شَاءَ رَفَعَ، وَمَا شَاءَ
وَضَعَ، وَمَا شَاءَ أَعْطَى، وَمَنْ شَاءَ مَنَعَ، إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ
غُرُورٍ، وَمُنْزِلٌ بَاطِلٌ، وَزِينَةٌ تَتَقَلَّبُ، تُضْحِكُ بَاكِيًا وَتُبْكِي
ضَاحِكًا، وَتُخِيفُ آمِنًا، وَتُؤَمِّنُ خَائِفًا، تُفْقِرُ مُثْرِيهَا،
وَتُثْرِي فَقِيرَهَا، مَيَّالَةٌ لَاعِبَةٌ بِأَهْلِهَا. يَا عِبَادَ اللَّهِ
اتَّخِذُوا كِتَابَ اللَّهِ إِمَامًا وَارْضُوا بِهِ حُكْمًا، وَاجْعَلُوهُ لَكُمْ
قَائِدًا، فَإِنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَلَنْ يَنْسَخَهُ كِتَابٌ
بَعْدَهُ، اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَجْلُو كَيْدَ
الشَّيْطَانِ وَضَغَائِنَهُ، كَمَا يَجْلُو ضَوْءُ الصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ
إِدْبَارَ اللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ
(1/78)
158 - ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، ثنا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنْتُمْ أَكْثَرُ
صَلَاةً، وَأَكْثَرُ صِيَامًا، وَأَكْثَرُ جِهَادًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ. قَالُوا:
فِيمَ ذَاكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: كَانُوا أَزْهَدَ مِنْكُمْ فِي
الدُّنْيَا، وَأَرْغَبَ مِنْكُمْ فِي الْآخِرَةِ
(1/78)
159 - أَنْشَدَنِي أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ
يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ قَوْلَهُ: [ص:79]
[البحر الهزج]
أَلَا أَيُّها الطَّالِبُ ... أَمْرًا لَيْسَ يَلْحَقُهُ
وَيَا مَنْ طَالَ بِالدُّنْيَا ... وَزَهْرَتِهَا
تَعَلُّقُهُ
أَمَا يَنْفَكُّ ذَا أَمَلٍ ... صُرُوفُ الدَّهْرِ
تَسْبِقُهُ
وَأَعْقَلُ مَا يَكُونُ الْمَرْءُ ... فَالْحَدَثَانُ
تَطْرُقُهُ
أَرَى الدُّنْيَا تُمَنِّي الْمَرْ ... ءَ أَمْرًا لَا
يُحَقِّقُهُ
وَيَكْذِبُ نَفْسَهُ فِيهَا ... وَرَيْبُ الدَّهْرِ
يَصْدُقُهُ
وَلَمْ أَرَ جَامِعًا إِلَّا ... يَدُ الدُّنْيَا
تُفَرِّقُهُ
(1/78)
160 - وَأَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ لِشَاعِرٍ ذَكَرَ الدُّنْيَا فَقَالَ:
[البحر الطويل]
أَلَمْ تَرَهَا تُلْهِي بَنِيهَا عَشِيَّةً ...
وَتَتْرُكُ فِي الصُّبْحِ الْمَجَالِسَ نُوَّحَا
وَتُنَمِّي عَدِيدَ الْحَيِّ حَتَّى إِذَا بِهَا ...
غَدَتْ فَأَدَارَتْ بِالْمَنُونِ لَهُ الرَّحَا
(1/79)
161 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنَ
الْمَسْعُودِيِّينَ قَالَ: قَالَ عَوُنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: زَهْرَةُ الدُّنْيَا
غُرُورٌ وَلَوْ تَحَلَّتْ بِكُلِّ زِينَةٍ وَالْخَيْرُ الْأَكْبَرِ غَدًا فِي الْآخِرَةِفَنَحْنُ
بَيْنَ مُسَارِعٍ وَمُقَصِّرٍ
(1/79)
162 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمِنْهَالُ بْنُ يَحْيَى قَالَ:
حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ حَمْزَةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ:
قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَسْكُنُ الْبَحْرَيْنِ: لَوْ رَأَتْ
أَعْيُنُ الزَّاهِدِينَ ثَوَابَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا
لَذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ شَوْقًا وَاشْتِيَاقًا إِلَى الْمَوْتِ لِيَنَالُوا مِنْ ذَلِكَ
مَا أَمَّلُوا مِنْ [ص:80] تَفَضُّلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
(1/79)
163 - ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى، قَالَ:
ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، أَنَّ لُقْمَانَ، قَالَ لِابْنِهِ: يَا
بُنَيَّ إِنَّكَ اسْتَدْبَرْتَ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمَ نَزَلْتَهَا،
وَاسْتَقْبَلْتَ الْآخِرَةَ، فَأَنْتَ إِلَى دَارٍ تَقْرُبُ مِنْهَا أَقْرَبُ
مِنْكَ إِلَى دَارٍ تُبَاعِدُ عَنْهَا
(1/80)
164 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الْعَنَزِيُّ، نا أَبُو شُجَاعٍ، قَالَ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا
مَثَلُ الْحَيَّةِ: لَيِّنٌ مَسُّهَا تَقْتُلُ بِسُمِّهَا، فَأَعْرِضْ عَمَّا
يُعْجِبُكَ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا، وَضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا
لِمَا أَيْقَنْتَ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا، وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ فِيهَا
أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا، فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا
إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ عَنْهُ مَكْرُوهٌ، وَالسَّلَامُ
(1/80)
165 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ
التَّمِيمِيُّ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ
دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ الرَّازِيُّ: إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَجِدَ
حَلَاوَةَ الْعِبَادَةِ، وَتَبْلُغَ ذِرْوَةَ سَنَامِهَا، فَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ
شَهَوَاتِ الدُّنْيَا حَائِطًا مِنْ حَدِيدٍ
(1/80)
166 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، نا عَبْدُ
الْعَزِيزِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ:
كَمَا لَا يَسْتَقِيمُ النَّارُ [ص:81] وَالْمَاءُ فِي إِنَاءٍ، كَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ
حُبُّ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ
(1/80)
167 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ
سَهْلِ أَبِي الْأَسَدِ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: مَثَلُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ
يُجْمَعَ لَهُ الْآخِرَةُ وَالدُّنْيَا مَثَلُ عَبْدٍ لَهُ رَبَّانِ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا
يُرْضِي
(1/81)
168 - حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: ثنا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سَعِيدُ بْنُ أَبِي
بُرْدَةَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا
فِتْنَةٌ مُنْتَظَرَةٌ، وَكَلٌّ مُحْزِنٌ
(1/81)
169 - حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ
الدُّنْيَا وَسَرَّتْهُ ذَهَبَ خَوْفُ الْآخِرَةِ مِنْ قَلْبِهِ، وَمَا مِنْ
عَبْدِ يَزْدَادُ عِلْمًا وَيَزْدَادُ عَلَى الدُّنْيَا حِرْصًا، إِلَّا ازْدَادَ إِلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بُغْضًا، وَازْدَادَ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا
(1/81)
170 - حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمَلِيحِ، عَنْ مَيْمُونٍ
يَعْنِي ابْنَ مِهْرَانَ، قَالَ: الدُّنْيَا كُلُّهَا قَلِيلٌ، وَقَدْ ذَهَبَ
أَكْثَرُ الْقَلِيلِ، وَبَقِيَ قَلِيلٌ مِنَ الْقَلِيلِ
أَنْشَدَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي يَشْكُرَ:
[البحر الرمل]
إِنَّمَا الدُّنْيَا وَإِنْ سَرَّتْ ... قَلِيلٌ مِنْ
قَلِيلِ [ص:82]
لَيْسَ يَخْلُو أَنْ تَبَدَّى ... لَكَ فِي زِيٍّ
جَمِيلِ
ثُمَّ تَرْمِيكَ مِنَ الْمَأْمَنِ ... بِالْخَطْبِ
الْجَلِيلِ
إِنَّمَا الْعَيْشُ جِوَارُ ... اللَّهِ فِي ظِلٍّ ظليلِ
حَيْثُ لَا تَسْمَعُ مَا ... يُؤْذِيكَ مَنْ قَالٍ
وَقِيلِ
(1/81)
171 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: ثنا
عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: ثنا حَنْظَلَةُ
بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا أَكْثَرُ
أَشْبَاهِ الدُّنْيَا مِنْهَا
(1/82)
172 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ:
أَنْبَأَ عَبْدَانُ، قَالَ: أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ،
قَالَ: أَنْبَأَ ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ
رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ كَيْفَ أَنَا؟
قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ كُلَّمَا طَلَبْتَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَابْتَغَيْتَهُ
يُسِّرَ لَكَ، وَإِذَا أَرَدْتَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَابْتَغَيْتُهُ
عُسِّرَ عَلَيْكَ فَأَنْتَ عَلَى حَالٍ حَسَنَةٍ، وَإِذَا كُنْتَ عَلَى خِلَافِ
ذَلِكَ فَإِنَّكَ عَلَى حَالٍ قَبِيحَةٍ»
(1/82)
173 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: قَالَ السَّرِيُّ بْنُ
يَنْعُمَ، وَكَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الشَّامِ: بُؤْسًا لِمُحِبِّ الدُّنْيَا،
أَتُحِبُّ مَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟
(1/82)
174 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: قَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: [ص:83] " لَا تَحْزَنْ أَنْ يُعَجَّلَ لَكَ كَثِيرٌ
مِمَّا تُحِبُّ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكَ إِذَا كُنْتَ ذَا رَغْبَةٍ فِي أَمْرِ آخِرَتِكَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الثَّقَفِيُّ:
[البحر الوافر]
جَهُولٌ لَيْسَ تَنْهَاهُ النَّوَاهِي ... وَلَا
تَلْقَاهُ إِلَّا وَهُوَ سَاهِي
يُسَرُّ بِيَوْمِهِ لَعِبًا وَلَهْوًا ... وَلَا يَدْرِي
وَفِي غَدِهِ الدَّوَاهِي
مَرَرْتُ بِقَصْرِهِ فَرَأَيْتُ أَمْرًا ... عَجِيبًا
فِيهِ مُزْدَجَرٌ وَنَاهِي
بَدَا فَوْقَ السَّرِيرِ فَقُلْتُ مَنْ ذَا ...
فَقَالُوا: ذَلِكَ الْمَلِكُ الْمُبَاهِي
رَأَيْتُ الْبَابَ سُوِّدَ وَالْجَوَارِي ... يَنُحْنَ
وَهُنَّ يَكْسِرْنَ الْمَلَاهِي
تَبَيَّنْ أَيَّ دَارٍ أَنْتَ فِيهَا ... وَلَا تَسْكُنْ
إِلَيْهَا وَادْرِ مَا هِيَ
(1/82)
175 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: صَحِبَ رَجُلٌ عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: أَكُونُ مَعَكَ وَأَصْحَبُكَ قَالَ:
فَانْطَلَقَا فَانْتَهَيَا إِلَى شَطِّ نَهَرٍ، فَجَلَسَا يَتَغَدَّيَانِ
وَمَعَهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْغِفَةٍ، فَأَكَلَا رَغِيفَيْنِ، وَبَقِيَ رَغِيفٌ،
فَقَامَ عِيسَى إِلَى النَّهَرِ فَشَرِبَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَجِدِ الرَّغِيفَ،
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: «مَنْ أَخَذَ الرَّغِيفَ؟» قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ: فَانْطَلَقَ
مَعَهُ صَاحِبُهُ، فَرَأَى ظَبْيَةَ مَعَهَا خِشْفَانِ لَهَا قَالَ: فَدَعَا أَحَدَهُمَا
فَأَتَاهُ فَذَبَحَهُ، وَاشْتَوَى مِنْهُ فَأَكَلَ هُوَ وَذَاكَ، ثُمَّ قَالَ لِلْخِشْفِ:
قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَامَ فَذَهَبَ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: أَسْأَلُكَ
بِالَّذِي أَرَاكَ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْ أَخَذَ الرَّغِيفَ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي.
[ص:84] قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيَا إِلَى وَادِي مَاءٍ، فَأَخَذَ عِيسَى بِيَدِ
الرَّجُلِ فَمَشَيَا عَلَى الْمَاءِ، فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ: أَسْأَلُكَ
بِالَّذِي أَرَاكَ هَذِهِ الْآيَةَ، مَنْ أَخَذَ الرَّغِيفَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.
قَالَ: فَانْتَهَيَا إِلَى مَفَازَةٍ فَجَلَسَا، فَأَخَذَ عِيسَى فَجَمَعَ
تُرَابًا، أَوْ كَثِيبًا، ثُمَّ قَالَ: كُنْ ذَهَبًا بِإِذْنِ اللَّهِ، فَصَارَ
ذَهَبًا، فَقَسَّمَهُ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ، فَقَالَ: ثُلُثٌ لِي، وَثُلُثٌ لَكَ،
وَثُلُثٌ لِمَنْ أَخَذَ الرَّغِيفَ فَقَالَ: أَنَا أَخَذْتُ الرَّغِيفَ قَالَ: فَكُلُّهُ لَكَ،
قَالَ: وَفَارَقَهُ عِيسَى، فَانْتَهَى إِلَيْهِ رَجُلَانِ فِي الْمَفَازَةِ
وَمَعَهُ الْمَالُ، فَأَرَادَا أَنْ يَأْخُذَاهُ مِنْهُ، وَيَقْتُلَاهُ، فَقَالَ:
هُوَ بَيْنَنَا أَثْلَاثًا. قَالَ: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ إِلَى الْقَرْيَةِ
حَتَّى يَشْتَرِيَ طَعَامًا قَالَ:
فَبَعَثُوا أَحَدَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ الَّذِي بُعِثَ:
لِأَيِّ شَيْءٍ أُقَاسِمُهُمَا هَذَا الْمَالَ؟ وَلَكِنِّي أَصْنَعُ فِي هَذَا
الطَّعَامِ سُمًّا فَأَقْتُلُهُمَا. قَالَ: فَفَعَلَ. وَقَالَ ذَانِكَ: لِأَيِّ
شَيْءٍ نَجْعَلُ لِهَذَا ثُلُثَ الْمَالِ؟ وَلَكِنْ إِذَا رَجَعَ إِلَيْنَا قَتَلْنَاهُ،
وَاقْتَسَمْنَاهُ بَيْنَنَا قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِمَا قَتَلَاهُ،
وَأَكَلَا الطَّعَامَ، فَمَاتَا , قَالَ: فَبَقِيَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي
الْمَفَازَةِ، وَأُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ قَتْلَى عِنْدَهُ " وَفِي غَيْرِ
حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: فَمَرَّ بِهِمْ عِيسَى عَلَى تِلْكَ
الْحَالِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:
هَذِهِ الدُّنْيَا فَاحْذَرُوهَا
(1/83)
176 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ:
ثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِأَصْحَابِهِ: " إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ
قَوْمٍ سَلَكُوا مَفَازَةً [ص:85] غَبْرَاءَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَدْرُوا مَا سَلَكُوا
مِنْهَا أَكْثَرُ أَوْ مَا بَقِيَ، أَنْفَدُوا الزَّادَ، وَحَسَرُوا الظَّهْرَ،
وَبَقُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمَفَازَةِ، لَا زَادَ، وَلَا حَمُولَةَ،
فَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ
رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ يَقْطُرُ رَأْسُهُ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا قَرِيبُ عَهْدٍ
بِرِيفٍ، وَمَا جَاءَهُمْ هَذَا إِلَّا مِنْ قَرِيبٍ. قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَى
إِلَيْهِمْ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، قَالُوا: يَا هَذَا، قَالَ: عَلَامَ أَنْتُمْ؟
قَالُوا: عَلَى مَا تَرَى. قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ هَدَيْتُكُمْ إِلَى مَاءٍ
رُوَاءٍ وَرِيَاضٍ خُضْرٍ، مَا تَعْمَلُونَ؟ قَالُوا: لَا نَعْصِيكَ شَيْئًا. قَالَ:
عُهُودَكُمْ وَمَوَاثِيقَكُمْ بِاللَّهِ، قَالَ: فَأَعْطُوهُ عُهُودَهُمْ
وَمَوَاثِيقَهُمْ بِاللَّهِ لَا يَعْصُونَهُ شَيْئًا. قَالَ: فَأَوْرَدَهُمْ مَاءً رُوَاءً
وَرِيَاضًا خُضْرًا " قَالَ: فَمَكَثَ فِيهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ
قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، قَالُوا: يَا هَذَا، قَالَ: الرَّحِيلُ. قَالُوا إِلَى
أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى مَاءٍ لَيْسَ كَمَائِكُمْ، وَإِلَى رِيَاضٍ لَيْسَتْ
كَرِيَاضِكُمْ. قَالَ: فَقَالَ جُلُّ الْقَوْمِ، وَهُمْ أَكْثَرُهُمْ: وَاللَّهِ مَا
وَجَدْنَا هَذَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّا لَنْ نَجِدَهُ، وَمَا نَصْنَعُ بِعَيْشٍ خَيْرٍ
مِنْ هَذَا؟ قَالَ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ وَهُمْ أَقَلُّهُمْ: أَلَمْ تُعْطُوا
هَذَا الرَّجُلَ عُهُودَكُمْ وَمَوَاثِيقَكُمْ بِاللَّهِ أَلَّا تَعْصُوهُ
شَيْئًا، وَقَدْ صَدَقَكُمْ فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ، فَوَاللَّهِ لَيَصْدُقَنَّكُمْ
فِي آخِرِهِ؟ قَالَ: فَرَاحَ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ، وَتَخَلَّفَ بَقِيَّتُهُمْ،
فَنَذَرَ بِهِمْ عَدُوٌّ، فَأَصْبَحُوا مَا بَيْنَ أَسِيرٍ وَقَتِيلٍ "
(1/84)
177 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ
الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْمَاشِي فِي الْمَاءِ، هَلْ يَسْتَطِيعُ الَّذِي يَمْشِي
فِي الْمَاءِ أَلَّا تَبْتَلَّ قَدَمَاهُ؟»
(1/86)
178 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ
شَيْخٍ، لَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: قَالَ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ: كَمَا
يَنْظُرُ الْمَرِيضُ إِلَى طَيِّبِ الطَّعَامِ فَلَا يَلْتَذُّ بِهِ مِنْ شِدَّةِ
الْوَجَعِ، كَذَلِكَ صَاحِبُ الدُّنْيَا لَا يَلْتَذُّ الْعِبَادَةَ، وَلَا يَجِدُ
حَلَاوَتَهَا مَعَ مَا يَجِدُ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا " بِحَقٍّ أَقُولُ
لَكُمْ: إِنَّ الدَّابَّةَ إِذَا لَمْ تُرْكَبْ وَتُمْتَهَنْ تَصَعَّبَتْ
وَتَغَيَّرَ خُلُقُهَا، كَذَلِكَ الْقُلُوبُ إِذَا لَمْ تُرَقَّقْ بِذِكْرِ
الْمَوْتِ وَيَنْصَبُهَا دَأَبُ الْعِبَادَةِ تَقْسُو وَتَغْلُظُ " بِحَقٍّ
أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الزِّقَّ إِذَا لَمْ يَتَخَرَّقْ أَوْ يَقْحَلْ، فَسَوْفَ
يَكُونُ وِعَاءً لِلْعَسَلِ، وَكَذَلِكَ الْقُلُوبُ مَا لَمْ تَخْرِقْهَا
الشَّهَوَاتُ، أَوْ يُدَنِّسُهَا الطَّمَعُ، أَوْ يُقَسِّيهَا النَّعِيمُ،
فَسَوْفَ تَكُونُ أَوْعِيَةً [ص:87] لِلْحِكْمَةِ
(1/86)
179 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ،
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ لُقْمَانَ،
قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ يَغْرَقُ فِيهِ
نَاسٌ كَثِيرٌ، فَلْتَكُنْ سَفِينَتُكَ فِيهَا تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى،
وَحَشْوُهَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَشِرَاعُهَا التَّوَكُّلُ عَلَى
اللَّهِ، لَعَلَّكَ تَنْجُو وَمَا أَرَاكَ بِنَاجٍ
(1/87)
180 - حَدَّثَنِي سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ، سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: وَيْلٌ لِصَاحِبِ الدُّنْيَا
كَيْفَ يَمُوتُ وَيَتْرُكُهَا، وَتَغُرُّهُ وَيَأْمَنُهَا، وَتَخْذُلُهُ وَيَثِقُ
بِهَا؟ وَيْلٌ لِلْمُغْتَرِّينَ كَيْفَ أَرَتْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ، وَفَارَقَهُمْ
مَا يُحِبُّونَ، وَجَاءَهُمْ مَا يُوعَدُونَ؟ وَيْلٌ لِمَنِ الدُّنْيَا هَمُّهُ،
وَالْخَطَايَا عَمَلُهُ كَيْفَ يَفْتَضِحُ غَدًا بِذَنَبِهِ؟
(1/87)
181 - حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ الْأَنْطَاكِيَّ، قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ خَيْرًا لَنَا مِنْ أَنْ لَا
نَمْتَحِنَ بِالدُّنْيَا
(1/87)
182 - حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَادَةُ أَبُو
مَرْوَانَ، قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ [ص:88] إِلَى مُوسَى: يَا مُوسَى مَا لَكَ وَلِدَارِ
الظَّالِمِينَ؟ إِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ بِدَارٍ، أَخْرِجْ مِنْهَا هَمَّكَ،
وَفَارِقْهَا بِعَقْلِكَ، فَبِئْسَتِ الدَّارُ هِيَ، إِلَّا لِعَامِلٍ فِيهَا،
فَنِعْمَتِ الدَّارُ هِيَ. يَا مُوسَى إِنِّي مُرْصَدٌ لِلظَّالِمِ حَتَّى آخُذَ
مِنْهُ لِلْمَظْلُومِ
(1/87)
183 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُحْرِزٍ الطُّفَاوِيُّ:
كَلِفَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَلَمْ يَنَالُوا مِنْهَا فَوْقَ قِسْمَتِهِمْ،
وَأَعْرَضُوا عَنِ الْآخِرَةِ، وَبِبُغْيَتِهَا يَرْجُو الْعِبَادُ نَجَاةَ أَنْفُسِهِمْ
" قَالَ: قَالَ أَبُو مُحْرِزٍ: لَمَّا بَانَ لِلْأَكْيَاسِ أَعْلَى
الدَّارَيْنِ مَنْزِلَةً، طَلَبُوا الْعُلُوَّ بِالْعُلُوِّ مِنَ الْأَعْمَالِ،
وَعَمِلُوا أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَبَذَلُوا
أَكْثَرَ مَا عِنْدَهُمْ، بَذَلُوا وَاللَّهِ لِلَّهِ الْمُهَجَ؛ رَجَاءَ
الرَّجَاءِ لَدَيْهِ وَالْفَرَجِ فِي يَوْمٍ لَا يَخِيبُ فِيهِ لَهُ طَالِبٌ
(1/88)
184 - حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ يَرْكَبُ بَغْلَتَهُ كُلَّ
جُمُعَةٍ، وَيَحْمِلُنِي خَلْفَهُ، فَنَأْتِي كُنَاسَةً بِالْحِيرَةِ قَدِيمَةً،
فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا بَغْلَتَهُ، وَيَقُولُ: «الدُّنْيَا تَحْتَنَا»
(1/88)
185 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا
عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
ثنا إِبْرَاهِيمُ [ص:89] بْنُ نَشِيطٍ، قَالَ: ثنا كَعْبُ بْنُ عَلْقَمَةَ، قَالَ:
قَالَ سَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ التُّجِيبِيُّ: إِذَا رَأَيْتَ الْعَبْدَ دُنْيَاهُ
تَزْدَادُ وَآخِرَتُهُ تَنْقُصُ، مُقِيمًا عَلَى ذَلِكَ، رَاضِيًا بِهِ فَذَلِكَ
الْمَغْبُونُ الَّذِي يَلْعَبُ بِوَجْهِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ
(1/88)
186 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ، قَالَ: أنبأ عَبْدُونُ، قَالَ: أنبأ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أنا وُهَيْبٌ، قَالَ: قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ: " أَرْبَعٌ لَا تَجْتَمِعُ فِي أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا تَعَجَّبَ:
الصَّمْتُ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِبَادَةِ، وَالتَّوَاضُعُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالزَّهَادَةُ
فِي الدُّنْيَا، وَقِلَّةُ الشَّيْءِ
(1/89)
187 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا
عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أنا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ،
قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى مَزْبَلَةٍ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: «مَنْ
سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا فَلْيَنْظُرْ إِلَى
هَذِهِ الْمَزْبَلَةِ» ، ثُمَّ قَالَ:
«وَلَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ
جَنَاحَ ذُبَابٍ مَا أَعْطَى كَافِرًا مِنْهَا شَيْئًا» . قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ مِنَ الشُّعَرَاءِ:
[البحر البسيط]
أَمَا مَرَرْتَ بِسَاحَاتٍ مُعَطَّلَةٍ ... فِيهَا
الْمَزَابِلُ كَانَتْ قَبْلُ مَغْشِيَّهْ
أَمَا نَظَرْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ...
بِزُخْرِفٍ مِنْ غُرُورِ اللَّهْوِ مَوْشِيَّهْ
أَعْظِمْ بَحَمْقَةِ نَفْسٍ لَا تَكُونُ بِمَا ...
تُعْنَى بِهِ صُرُوفِ الدَّهْرِ مَعْنِيَّهْ
لِلَّهَ دَرُّ أَذَى عَيْنٍ تَقَرُّ بِهَا ...
وَإِنَّهَا لَعَلَى التَّنْغِيصِ مَبْنِيَّهْ [ص:90]
أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ هَذِهِ
الرِّسَالَةَ: أَمَّا بَعْدُ عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ شَرِّ دَارٍ قَدْ
أَدْبَرَتْ، وَالنُّفُوسُ عَلَيْهَا قَدْ وَلِهَتْ، وَرُزِقْتُ وَإِيَّاكَ خَيْرَ
دَارٍ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَالْقُلُوبِ عَنْهَا قَدْ غُلِقَتْ، وَكَأَنَّ الْمَعْمُورَ
مِنْ هَذِهِ الدَّارِ قَدْ تَرَحَّلَ عَنْ أَهْلِهِ، وَكَأَنَّ الْمَغْفُولَ
عَنْهُ مِنْ تِلْكِ الدَّارِ قَدْ أَنَاخَ بِأَهْلِهِ، فَغَنِمَ غَانِمٌ، وَنَدِمَ
نَادِمٌ، وَاسْتَقْبَلَ الْخَلْقُ خُلْدًا لَا يَزُولُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ
جَبَّارٌ لَا يَجُورُ، فَهُنَالِكَ قُطِعَ الْهُمُومُ، وَصَغُرَ مَا دُونَهُ مِنْ
مَتَاعِ هَذَا الْغُرُورِ، وَالسَّلَامُ
(1/89)
188 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ،
قَالَ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيِّ، قَالَ:
إِنَّ الدُّنْيَا جُعِلَتْ قَلِيلًا فَمَا بَقِيَ
مِنْهَا إِلَّا قَلِيلٌ مِنْ قَلِيلٍ أَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى
الثَّقَفِيُّ:
[البحر الهزج]
فَتًى مَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا ... وَغَرَّتْهُ
بِبَارِقِهَا
فَلَاذَ بِهَا وَعَانَقَهَا ... وَبِئْسَتْ عُرْسُ
عَاشِقِهَا
غَدَا يَوْمًا لِضَيْعَتِهِ ... لِيُصْلِحَ مِنْ
مَرَافِقِهَا
فَلَمَّا جَاءَهَا وَالشَّمْسُ ... تُزْهِرُ فِي
مَشَارِقِهَا
تَلَقَّتْهُ جَدَاوِلُهَا ... تَفَجَّرُ فِي
حَدَائِقِهَا
وَأَطْرَفَ مِنْ طِرَائِفِهَا ... جَنِيًّا مِنْ
بَوَاسِقِهَا
وَجِيءَ بِخَيْرِهَا ثَمَرًا ... وَأَطْيَبَهَا
لِذَائِقِهَا
وَأَطْعِمَةٍ مُؤَلَّفَةٍ ... تَبَايَنَ فِي
مَذَائِقِهَا [ص:91]
فَأَمْعَنَ فِي ثَرَايِدِهَا ... وَأَكْثَرَ مِنْ
شَرَائِقِهَا
وَجِيءَ بِقْهَوَةٍ صِرْفٍ ... تُسَاقُ بِكَفِّ
سَائِقِهَا
بِكَفِّي طَفْلَةٍ خَوْدٍ ... تُثَنَّى فِي مَخَانِقِهَا
فَحَدَّثَ نَفْسَهُ كَذِبًا ... وَزُورًا غَيْرَ صَادِقِهَا
وَمَنَّاهَا الْخُلُودَ بِهَا ... عَمِيًّا عَنْ
بَوَائِقِهَا
فَأَصْبَحَ هَالِكًا فِيهَا ... عَلَى أَدْنَى
نَمَارِقِهَا
وَلَاذَ بِنَعْشِهِ عُصَبٌ ... تَسِيرُ عَلَى
عَوَاتِقِهَا
إِلَى دَارِ الْبِلَى فَرْدًا ... وَحِيدًا فِي
مَضَايِقِهَا
أَلَا إِنَّ الْأُمُورَ غَدًا ... تَصِيرُ إِلَى
حَقَائِقِهَا
أَنْشَدَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ:
[البحر الهزج]
دَعِ الدُّنْيَا لِنَاكِحِهَا ... يَسْتَصْبِحُ مِنْ
ذَبَائِحِهَا
وَلَا تَغْرُرْكَ رَائِحَةٌ ... تُصِيبُكَ مِنْ
رَوَائِحِهَا
أَرَى الدُّنْيَا وَإِنْ عُشِقَتْ ... تَدُلُّ عَلَى
فَضَائِحِهَا
مُصَدِّقَةٌ لِعَايِبِهَا ... مُكَذِّبَةٌ لِمَادِحِهَا
[ص:92]
أَنْشَدَنِي عَامِرُ بْنُ عَامِرٍ الْهَمْدَانِيُّ:
إِنَّمَا الدُّنْيَا إِلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ
طَرِيقُ
وَاللَّيَالِي مَتْجَرُ الْإِنْسَانِ وَالْأَيَّامُ
سُوقُ
أَنْشَدَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:
[البحر الطويل]
إِذَا لَمْ يَعِظْنِي وَاعِظٌ مِنْ جَوَارِحِي ...
بِنَفْعٍ فَمَا شَيْءٌ سِوَاهُ بِنَافِعِي
أُؤَمِّلُ دُنْيَا أَرْتَجِي مِنْ رَخَائِهَا ...
غِلَالَةَ سُمٍّ مُورِدِ الْمَوْتِ نَاقِعِ
وَمَنْ يَأْمَنِ الدُّنْيَا يَكُنْ مِثْلَ آخِذٍ ...
عَلَى الْمَاءِ خَانَتْهُ فُرُوجُ الْأَصَابِعِ
وَكَالْحَالِمِ الْمَسْرُورِ عِنْدَ مَنَامِهِ ...
بِلَذَّةٍ أَصْغَاثٍ مِنَ لِأَحْلَامِ هَاجِعِ
فَلَمَّا تَوَلَّى اللَّيْلُ وَلَّى سُرُورُهُ ...
وَعَادَتْ عَلَيْهِ عَاطِفَاتُ الْفَجَائِعِ
أَنْشَدَنِي الْحَسَنُ بْنُ السَّكَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ:
[البحر المتقارب]
حَيَاتُكَ بِالْهَمِّ مَقْرُونَةٌ ... فَمَا تَقْطَعُ
الْعَيْشَ إِلَّا بِهَمِّ
لَذَاذَاتُ دُيْنَاكَ مَسْمُومَةٌ ... فَمَا تَأْكُلُ
الشَّهْدَ إِلَّا بِسُمِّ
إِذَا تَمَّ أَمْرٌ بَدَا نَقْصُهُ ... تَوَقَّعْ
زَوَالًا إِذَا قِيلَ تَمِّ
(1/90)
189 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا
قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ [ص:93] يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ
كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ، وَإِنَّكُمْ مُفَارِقُوهَا لَا مَحَالَةَ، فَانْتَقِلُوا
مِنْهَا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَانَتْ قَبْلَكُمْ
نُبُوَّةٌ إِلَّا تَنَاسَخَتْ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُهَا مُلْكًا، وَسَتُبْلَوَنَّ الْأُمَرَاءُ
بَعْدَنَا» قَالَ الْحَسَنُ: فَلَقِيَنَا بَعْدُ عِبَرًا «وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ
فِي نَفْسِي عَظِيمًا، وَعِنْدَ اللَّهِ صَغِيرًا. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ
سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرِيبًا مِنْ
شَهْرٍ، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا مَا نُصِيبُ مِنْ وَرِقِ الشَّجَرِ، حَتَّى
قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا مِنْ أَكْلِ الشَّجَرِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي الْتَقَطْتُ بُرْدَةً
فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَمَا عَلِمْتُ مِنَ
السَّبْعَةِ حَيًّا الْيَوْمَ إِلَّا قَدْ أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ،
أَعَجَبْتُمْ؟ فَمَا بَعْدَكُمْ أَعْجَبُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ
حَجَرًا قُذِفَ فِي شَفِيرِ جَهَنَّمَ مَا بَلَغَ قَعْرَهَا سَبْعِينَ سَنَةً.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُمْلَأَنَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا
بَيْنَ مِصْرَاعَيِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ، لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ سَاعَةٌ وَهُوَ كَظِيظٌ»
(1/92)
190 - ثنا عُثْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ
بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ
قَوْمًا قَطُّ أَرْغَبَ فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَزْهَدُ فِيهِ مِنْكُمْ، تَرْغَبُونَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْهَدُ فِيهَا، وَاللَّهِ مَا مَرَّ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ مِنَ الدَّهْرِ
إِلَّا وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي لَهُ
(1/94)
191 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ
بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُنَادَةَ الْمَعَافِرِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ
الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ، فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ
وَالسَّنَةَ»
(1/94)
192 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ:
أنبأ عَبْدَانُ، قَالَ: أنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: الدُّنْيَا جُنَّةُ الْكَافِرِ،
وَسِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ حِينَ تَخْرُجُ نَفْسُهُ
كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ فِي سِجْنٍ فَأُخْرِجَ مِنْهُ، فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ فِي
الْأَرْضِ وَيَتَفَسَّحُ فِيهَا
(1/94)
193 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا
[ص:95] عَبْدَانُ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ،
يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بَلَاءً وَفِتْنَةً،
وَإِنَّمَا مَثَلُ عَمَلِ أَحَدِكِمْ كَمَثَلِ الْوِعَاءِ، إِذَا طَابَ أَعْلَاهُ
طَابَ أَسْفَلُهُ، وَإِذَا خَبُثَ أَعْلَاهُ خَبُثَ أَسْفَلُهُ»
(1/94)
194 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا
عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ:
أنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أنا الْمُبَارَكُ بْنُ
فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورِ} [لقمان: 33]
قَالَ: مَنْ قَالَ ذَا؟ قَالَ: مَنْ خَلَقَهَا، وَمَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهَا
(1/95)
195 - قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: إِيَّاكُمْ وَمَا
شَغَلَ مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الدُّنْيَا كَثِيرَةُ الْأَشْغَالِ، لَا يَفْتَحُ
رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ شُغْلٍ إِلَّا أَوْشَكَ ذَلِكَ الْبَابُ أَنْ
يَفْتَحَ عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَبْوَابٍ
(1/95)
196 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ، قَالَ: أنا عَبْدَانُ،
قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أنبا طَلْحَةُ بْنُ
صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: " الْمُؤْمِنُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَا
قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ، وَالْمُؤْمِنُ أَحْسَنُ النَّاسِ
عَمَلًا، وَأَشَدُّ النَّاسِ خَوْفًا، لَوْ أَنْفَقَ جَبَلًا مِنْ مَالٍ مَا
أَمِنَ دُونَ أَنْ يُعَايِنَ، وَلَا يَزْدَادُ صَلَاحًا وَبِرًّا وَعِبَادَةً
إِلَّا ازْدَادَ فَرَقًا، يَقُولُ: وَلَا أَنْجُو، [ص:96] وَالْمُنَافِقُ يَقُولُ:
سَوَادُ النَّاسِ كَثِيرٌ وَسَيُغْفَرُ لِي، وَلَا بَأْسَ عَلَيَّ، يَسِيئُ فِي
الْعَمَلِ وَيَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(1/95)
197 - ثنا أَبُو سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ،
قَالَ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ مَنْظُورٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَتَبَ إِلَى أَخٍ لَهُ: يَا أَخِي إِنَّكَ قَدْ قَطَعْتَ عَظِيمَ
السَّفَرِ وَبَقِيَ أَقَلُّهُ، فَاذْكُرْ يَا أَخِي، الْمَصَادِرَ وَالْمَوَارِدَ،
فَقَدْ أُوحِيَ إِلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْقُرْآنِ أَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْوُرُودِ، وَلَمْ يُخْبِرْكَ أَنَّكَ مِنْ
أَهْلِ الصَّدْرِ وَالْخُرُوجِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَغُرَّكَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ
الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ «أَيْ أَخِي
إِنَّ أَجَلَكَ قَدْ دَنَا، فَكُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ، وَلَا تَجْعَلِ الرِّجَالَ
أَوْصِيَاءَكَ»
(1/96)
198 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ،
قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ الْجَنْبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ
الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " إِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاجَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا مُوسَى
إِنَّهُ لَمْ يَتَصَنَّعْ لِي الْمُتَصَنِّعُونَ بِمِثْلِ الزُّهْدِ فِي
الدُّنْيَا، وَلَمْ يَتَقَرَّبْ إِلَيَّ الْمُتَقَرِّبُونَ بِمِثْلِ الْوَرَعِ
عَمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ
"
(1/96)
199 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ،
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ،
قَالَ: أُخْبِرْتُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ
خَيْرُنَا؟ قَالَ: «أَزْهَدُكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَرْغَبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ»
(1/97)
200 - ثنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ زُهَيْرِ
بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ هِلَالٍ النَّصِيبِيُّ، قَالَ: مَكْتُوبٌ
فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا دُنْيَا مَا أَهْوَنَكِ عَلَى الْأَبْرَارِ
الَّذِينَ تَصَنَّعْتِ لَهُمْ، وَتَزَيَّنْتِ لَهُمْ إِنِّي قَدْ قَذَفْتُ فِي
قُلُوبِهِمْ بُغْضَكِ وَالصُّدُودَ عَنْكِ، مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَهْوَنَ عَلَيَّ
مِنْكِ، كُلُّ شَأْنِكِ صَغِيرٌ، وَإِلَى الْفَنَاءِ تَصِيرِينَ، قَضَيْتُ
عَلَيْكِ يَوْمَ خَلَقْتُ الْخَلْقَ أَلَّا تَدُومِي لِأَحَدٍ، وَلَا يَدُومُ لَكِ
أَحَدٌ، وَإِنْ بَخِلَ بِكِ صَاحِبُكِ وَشَحَّ عَلَيْكِ، طُوبَى لِلْأَبْرَارِ
الَّذِينَ أَطْلَعُونِي مِنْ قُلُوبِهِمْ عَلَى الرِّضَا، وَأَطْلَعُونِي مِنْ
ضَمِيرِهِمْ عَلَى الصِّدْقِ وَالِاسْتِقَامَةِ، طُوبَى لَهُمْ مَا لَهُمْ عِنْدِي
مِنَ الْجَزَاءِ إِذَا وَفَدُوا إِلَيَّ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَّا النُّورُ يَسْعَى
أَمَامَهُمْ، وَالْمَلَائِكَةُ حَافُّونَ بِهِمْ حَتَّى أَبْلُغَ بِهِمْ مَا
يَرْجُونَ مِنْ رَحْمَتِي
(1/97)
201 - حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا
زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ الْكِنْدِيُّ، قَالَ:
أَهْدَيْتُ إِلَى صَدِيقٍ لِي سُكَّرًا، فَكَتَبَ إِلَيَّ: لَا تَعُدْ وَدَعِ
الْإِخَاءَ عَلَى حَالِهِ حَتَّى نَلْتَقِيَ وَلَيْسَ فِي الْقُلُوبِ شَيْءٌ.
ثُمَّ كَتَبَ فِي أَسْفَلِ كِتَابِهِ: مَا طَالِبُ الدُّنْيَا مِنْ حَلَالِهَا وَجَمِيلِهَا
وَحَسَنِهَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْمَحْمُودِ وَلَا الْمَغْبُوطِ، فَكَيْفَ مَنْ
طَلَبَهَا مِنْ أَيْدِي [ص:98] الْمَخْلُوقِينَ وَمَنْ قَذَّرَهَا وَنَكَّدَهَا بِالْعَارِ وَالْمَنْقَصَةِ
(1/97)
202 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ، قَالَ:
ثنا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ، أَحْسَبُهُ عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: جَاءَ
عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ مِنْ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، وَقَدْ صَلَّى
بِهِمُ الْعَتَمَةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْمِهِ وَجَدَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ،
فَقَالَ: فِيمَ كُنْتُمْ؟ قَالُوا:
كُنَّا نَتَذَاكَرُ مَوْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَالْمُصِيبَةَ بِهِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ تُرِيدُونَ بَقَاءَ الدُّنْيَا وَقَدْ
أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا فَنَاءَهَا، وَإِنَّمَا فَنَاءُ الدُّنْيَا
بِذَهَابِ الصَّالِحِينَ
(1/98)
203 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
رَجُلٌ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ خَطَبَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ
بِهِ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدْى وَدِينِ الْحَقِّ لِيَزِيحَ بِهِ عِلَّتَكُمْ،
وَلِيُوقِظَ بِهِ غَفْلَتَكُمْ. وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَيِّتُونَ وَمَبْعُوثُونَ
مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، وَمَوْقُوفُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، وَمَجْزِيُّونَ
بِهَا، فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا دَارٌ
بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ، وَبِالْفَنَاءِ مَعْرُوفَةٌ، وَبِالْغَدْرِ
مَوْصُوفَةٌ، فَكُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ، وَهِيَ بَيْنَ أَهْلِهَا دُوَلٌ
وَسِجَالٌ، لَا تَدُومُ أَحْوَالُهَا، وَلَنْ يَسْلَمَ مِنْ شَرِّهَا نُزَّالُهَا،
بَيْنَا أَهْلُهَا مِنْهَا فِي رَخَاءٍ وَسُرُورٍ، إِذَا هُمْ مِنْهَا فِي بَلَاءٍ
وَغُرُورٍ، أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَتَارَاتٌ [ص:99] مُتَصَرِّفَةٌ، وَالْعَيْشُ
فِيهَا مَذْمُومٌ، وَالرَّخَاءُ فِيهَا لَا يَدُومُ، وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا
أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ، تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا، وَتُغَصِّصُهُمْ
بِحِمَامِهَا، وَكُلٌّ حَتْفُهُ فِيهَا مَقْدُورٌ، وَحَظُّهُ فِيهَا
مَوْفُورٌوَاعْلَمُوا - عِبَادَ اللَّهِ - أَنَّكُمْ وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ
زَهْرَةِ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى، مِمَّنْ كَانَ
أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَارًا، وَأَشَدَّ مِنْكُمْ بَطْشًا، وَأَعْمَرَ دِيَارًا،
وَأَبْعَدَ آثَارًا، فَأَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً خَامِدَةً مِنْ بَعْدِ
طُولِ تَقَلُّبِهَا، وَأَجْسَادُهُمْ بَالِيَةً، وَدِيَارُهُمْ خَالِيَةً، وَآثَارُهُمْ
عَافِيَةً، وَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ الْمُشَيَّدَةِ، وَالسُّرُرِ
وَالنَّمَارِقِ الْمُمَهَّدَةِ الصُّخُورَ وَالْأَحْجَارَ الْمُسْنَدَةَ فِي
الْقُبُورِ اللَّاطِئَةَ الْمُلْحَدَةَ الَّتِي قَدْ بُنِيَ بِالْخَرَابِ
فَنَاؤُهَا، وَشُيِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤُهَا، فَمُحِلُّهَا مُقْتَرِبٌ،
وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلِ عِمَارَةٍ مُوحِشِينَ، وَأَهْلِ مَحَلَّةٍ
مُتَشَاغِلِينَ، لَا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْعُمْرَانِ، وَلَا يَتَوَاصَلُونَ
تَوَاصُلَ الْجِيرَانِ وَالْإِخْوَانِ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ
الْجِوَارِ وَدُنُوِّ الدَّارِوَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَوَاصُلٌ وَقَدْ
طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى، وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَالثَّرَى، فَأَصْبَحُوا
بَعْدَ الْحَيَاةِ أَمْوَاتًا، وَبَعْدَ غَضَارَةِ الْعَيْشِ رُفَاتًا، فُجِعَ
بِهِمُ الْأَحْبَابُ، وَسَكَنُوا التُّرَابَ، وَظَعَنُوا فَلَيْسَ لَهُمْ إِيَابٌ.
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ [ص:100] {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ
وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100] فَكَأَنْ قَدْ
صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنَ الْبِلَى وَالْوَحْدَةِ فِي دَارِ
الْمَوْتَى، وَارْتُهِنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْمَضْجَعِ، وَضَمَّكُمْ ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ،
فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ قَدْ تَنَاهَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ، وَبُعْثِرَتِ الْقُبُورُ،
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ، وَأَوْقِفْتُمْ لِلتَّحْصِيلِ بَيْنَ يَدَيِ
الْمَلِكِ الْجَلِيلِ، فَطَارَتِ الْقُلُوبُ لِإِشْفَاقِهَا مِنْ سَالِفِ
الذُّنُوبِ، وَهُتِكَتْ عَنْكُمُ الْحُجُبُ وَالْأَسْتَارُ، وَظَهَرَتْ مِنْكُمُ
الْغُيُوبُ وَالْأَسْرَارُ؟ هُنَالِكَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، إِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ
الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} وَقَالَ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ
فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ
هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]
جَعَلْنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ عَامِلِينَ بِكِتَابِهِ، مُتَّبِعِينَ
لِأَوْلِيَائِهِ، حَتَّى يُحِلَّنَا وَإِيَّاكُمْ دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ
فَضْلِهِ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
"
(1/98)
204 - حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ
الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ
بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: بِقَدْرِ مَا تَفْرَحُ لِلدُّنْيَا كَذَلِكَ تُخْرِجُ حَلَاوَةَ
الْآخِرَةِ مِنْ قَلْبِكَ
"
(1/100)
205 - وَحَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ، نا
جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ:
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْحَوَارِيِّينَ: يَا مَعْشَرَ
الْحَوَارِيِّينَ كُلُوا خُبْزَ الشَّعِيرِ، وَالْمَاءَ الْقَرَاحَ وَنَبَاتَ
الْأَرْضِ، فَإِنَّكُمْ لَا تَقُومُونَ بِشُكْرِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ حَلَاوَةَ الدُّنْيَا
مُرَارَةُ الْآخِرَةِ "
(1/100)
206 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْعُجَيْفِيُّ،
قَالَ: [ص:101] حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ:
وَاللَّهِ مَا أَعْطَى اللَّهُ الدُّنْيَا مَنْ أَعْطَاهَا إِيَّاهَا إِلَّا
اخْتِبَارًا، وَلَا زَوَاهَا عَمَّنْ زَوَاهَا عَنْهُ إِلَّا اخْتِبَارًا، وَآيَةُ
ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاعَ
وَشَبِعْتُمُ، ابْنَ آدَمَ تَهَيَّأْ لِلْجَدَلِ وَلِنَشْرِ حِسَابِكَ، وَانْظُرْ
مِنْ مَوْقِفِكَ عَلَى مَنْ يَسْأَلُكَ عَنِ النَّقِيرِ وَالْفَتِيلِ وَالْقِطْمِيرِ،
وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْبَرُ، وَمَا تُغْنِي حَيَاةٌ بَعْدَهَا
الْمَوْتُ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَنْ يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ:
وَمَنْ يُحْسِنُ يَقُولُ هَذَا إِلَّا الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ "
أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ:
[البحر الكامل]
يَا عَاشِقَ الدُّنْيَا وَلِلدُّنْيَا ... سَمَادِيرٌ
وَسُكْرُ
اسْمَعْ لَمَوْعِظَةِ الزَّمَانِ ... فَمَا بِسَمْعِكَ
عَنْهُ وَقْرُ
كَمْ قَدْ مَضَى مَلِكٌ لَهُ ... نَظَرٌ إِلَى
الْجُلَسَاءِ شَزْرُ
وَلَهُ مُبَاهَاةٌ بِمَا لَمْ ... يَبْقَ فِيهِ لَهُ
فَخْرُ
وَتَمُرُّ أَزْمِنَةٌ بِنَا ... يَمْضِي بِهَا شَهْرٌ
وَشَهْرُ
وَتَمُرُّ فِينَا الْحَادِثَاتُ ... لَهَا بِنَا طَيٌّ
وَنَشْرُ
وَيَكُونُ مَنْ يَبْنِي الْقُصُورَ ... يَضُمُّهُ مِنْ
بَعْدُ قَبْرُ
وَالدَّهْرُ فِيهِ عَجَائِبٌ ... مِنْ صَرْفِهِ شَفْعٌ
وَوَتْرُ [ص:102]
وَالْمَوْتُ فِيهِ عَلَى الذَّهَابِ ... بِأَنْفُسِ
الثَّقَلَيْنِ نَذْرُ
وَعَوَابِرُ الدُّنْيَا تَمُرُّ عَلَيْكَ ... وَأَنْتَ
لَهُنَّ جِسْرُ
وَلَرُبَّ حَالٍ بَيْنَ صَاحِبِهَا ... وَبَيْنَ
الْمَوْتِ قَبْرُ
وَمَتَى يُفَكُّ لِعَاشِقِ الدُّنْيَا ... مِنَ
الشَّهَوَاتِ أَسْرُ
وَقَالَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الشُّعَرَاءِ:
[البحر البسيط]
خَطَبْتُ يَا خَاطِبَ الدُّنْيَا مُشَمِّرَةً ... فِي
ذَبْحِ أَوْلَادِهَا الصِّيدِ الْغَرَانِيقِ
كَمْ مِنْ ذَبِيحٍ لَهَا مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهَا ...
زُفَّتْ إِلَيْهِ بِمِعْزَافٍ وَتَصْفِيقِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو الْحَسَنِ
الْبَاهِلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ:
[البحر السريع]
يَا خَاطِبَ الدُّنْيَا إِلَى نَفْسِهَا ... تَنَاهَ
عَنْ خِطْبَتِهَا تَسْلَمِ
إِنَّ الَّتِي تَخْطُبُ قَتَّالَةٌ ... قَرِيبَةُ
الْعُرْسِ مِنَ الْمَأْتَمِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ
مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ:
[البحر المتقارب]
وَكَمْ نَائِمٍ نَامَ فِي غِبْطَةٍ ... أَتَتْهُ
الْمَنِيَّةُ فِي نَوْمَتِهْ
وَكَمْ مِنْ مُقِيمٍ عَلَى لَذَّةٍ ... دَهَتْهُ
الْحَوَادِثُ فِي لَذَّتِهْ
وَكُلُّ جَدِيدٍ عَلَى ظَهْرِهَا ... سَيْأَتِي
الزَّمَانُ عَلَى جِدَّتِهْ
(1/100)
207 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ
الْحُكَمَاءِ: أَمَا يَكْفِي أَهْلَ الدُّنْيَا مَا يُعَايِنُونَ مِنْ كَثْرَةِ
الْفَجَائِعِ وَتَتَابُعِ الْمَصَائِبِ فِي الْمَالِ وَالْإِخْوَانِ، وَالنَّقْصِ
فِي الْقُوَى وَالْأَبْدَانِ؟
(1/102)
208 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ
الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ص:103] الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ حَبِيبِي فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، يَقُولُ:
" خَمْسَةٌ مِنْ عَلَامَةِ الشَّقَاءِ: قَسْوَةُ الْقَلْبِ، وَجُمُودُ
الْعَيْنِ، وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ، وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا، وَطُولُ
الْأَمَلِ. وَخَمْسَةٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْيَقِينُ فِي الْقَلْبِ، وَالْوَرَعُ
فِي الدِّينِ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، وَالْحَيَاءُ، وَالْعِلْمُ "
(1/102)
209 - وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ
بْنُ خَلَفِ بْنِ صَالِحٍ الْكُوفِيُّ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَيْفُ بْنُ عُمَرَ
الْأُسَيِّدِيُّ، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: آخِرُ
خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عُثْمَانُ فِي جَمَاعَةٍ: إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَعْطَاكُمُ الدُّنْيَا
لِتَطْلُبُوا بِهَا الْآخِرَةَ، وَلَمْ يُعْطِكُمُوهَا لِتَرْكَنُوا إِلَيْهَا،
إِنَّ الدُّنْيَا تَفْنَى، وَالْآخِرَةَ تَبْقَى، لَا تَبْطَرَنَّكُمُ
الْفَانِيَةُ، وَلَا تُشْغِلَنَّكُمْ عَنِ الْبَاقِيَةِ، آثِرُوا مَا يَبْقَى
عَلَى مَا يَفْنَى، فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ، وَإِنَّ الْمَصِيرَ إِلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اتَّقُوا اللَّهَ، وَالْزَمُوا جَمَاعَتَكُمْ، وَلَا
تَصِيرُوا أَحْزَابًا، {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ
أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}
[آل عمران: 103] إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ "
(1/103)
210 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ
بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ
الْعِجْلِيِّ، عَنْ مُعَاذٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ: سَمِعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا يَسُبُّ الدُّنْيَا، فَقَالَ لَهُ: [ص:104]
إِنَّهَا لَدَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَّقَهَا، وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا،
وَدَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا، وَمَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ، وَمَهْبِطُ وَحْيِهِ، وَمُصَلَّى مَلَائِكَتِهِ، وَمَتْجَرُ
أَوْلِيَائِهِ، اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ، وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ،
فَمَنْ ذَا يَذُمُّ الدُّنْيَا، وَقَدْ آذَنَتْ بِفِرَاقِهَا، وَنَادَتْ
بَيْنَهَا، وَنَعَتْ نَفْسَهَا وَأَهْلَهَا، فَمَثَّلَتْ بِبَلَائِهَا الْبَلَاءَ،
وَشَوَّقَتْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ، فَذَمَّهَا قَوْمٌ عِنْدَ
النَّدَامَةِ، وَحَمِدَهَا آخَرُونَ حَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا، وَذَكَّرَتْهُمْ
فَذَكَرُوا، فَيَا أَيُّهَا الْمُعْتَلُّ بِالدُّنْيَا، الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا
مَتَى اسْتَهْوَتْكَ الدُّنْيَا، بَلْ مَتَى غَرَّتْكَ ألِمَضَاجِعِ آبَائِكَ مِنَ
الثَّرَى؟ أَمْ بِمَصَارِعِ أُمَّهَاتِكَ مِنَ الْبِلَى؟ كَمْ قَدْ قَلَّبْتَ بِكَفَّيْكَ
وَمَرِضْتَ بِيَدَيْكَ، تَطْلُبُ لَهُ الشِّفَاءَ، وَتَسْأَلُ لَهُ الْأَطِبَّاءَ،
لَمْ تَظْفَرْ بِحَاجَتِكَ، وَلَمْ تُسْعَفْ بِطَلِبَتِكَ، قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ
الدُّنْيَا بِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ غَدًا، يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْكَ بُكَاؤُكَ،
وَلَا يَنْفَعُكَ أَحِبَّاؤُكَ
(1/103)
211 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: يَا وَيْحَ الْعَابِدِينَ أَمَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ
طَلَبِ الدُّنْيَا، وَقَدْ ضُمِنَ لَهُمُ الرِّزْقُ، وَكُفِيَ الرَّاغِبُ مِنْهَا
الطَّلَبَ، وَأُمِرُوا بِالطَّاعَةِ فَهُمْ يَطْلُبُونَ مِنْهَا مَا إِنْ
فَاتَهُمْ سَلِمُوا، وَإِنْ وَجَدُوهُ نَدِمُوا، وَهَلِ الْخَيْرُ إِلَّا خَيْرُ
الْآخِرَةِ، وَالْخَيْرُ فِي الدُّنْيَا مَعْدُومٌ، وَالْخَفْضُ فِيهَا مَذْمُومٌ،
وَالْمُقَصِّرُ عَنْ حَظِّهِ فِيهَا مَلُومٌ "
(1/104)
212 - وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ، حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي حُصَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ
زَيْدٍ، يَحْلِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى: لَحِرْصُ الْمَرْءِ عَلَى الدُّنْيَا
أَخْوَفُ عَلَيْهِ عِنْدِي مِنْ أَعْدَى أَعْدَائِهِ [ص:105] قَالَ وَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ: يَا إِخْوَتَاهْ لَا تَغْبِطُوا حَرِيصًا عَلَى ثَرْوَةٍ، وَلَا سَعَةٍ
فِي مَكْسَبٍ، وَلَا مَالٍ، وَانْظُرُوا إِلَيْهِ بِعَيْنِ الْمَقْتِ لَهُ فِي فِعَالِهِ،
وَبِعَيْنِ الرَّحْمَةِ لَهُ فِي اشْتِغَالِهِ الْيَوْمَ بِمَا يَرِدُ بِهِ غَدًا
فِي الْمَعَادِ. قَالَ: ثُمَّ يَبْكِي، وَيَقُولُ: الْحِرْصُ حِرْصَانِ، فَحِرْصٌ
جَائِعٌ، وَحِرْصٌ نَافِعٌ، فَأَمَّا النَّافِعُ فَحِرْصُ الْمَرْءِ عَلَى طَاعَةِ
اللَّهِ، وَأَمَّا الْفَاجِعُ فَحِرْصُ الْمَرْءِ عَلَى الدُّنْيَا، مُتَعَذِّبٌ
مَشْغُولٌ لَا هُوَ يُسْرٌ، وَلَا يَلَذُّ بِجَمْعِهِ لِشُغْلِهِ، وَلَا يَفْرُغُ
مِنْ مَحَبَّتِهِ لِلدُّنْيَا لِآخِرَتِهِ، كَدًّا كَدًّا لِمَا يَفْنَى، وَغَفْلَةً
عَمَّا يَدُومُ وَيَبْقَى. قَالَ ثُمَّ يَبْكِي " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
قَالَ: أَنْشَدَنِي ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ:
[البحر البسيط]
لَا تَغْبِطَنَّ أَخَا حِرْصٍ عَلَى سَعَةٍ ...
وَانْظُرْ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الْمَاقِتِ الْقَالِي
إِنَّ الْحَرِيصَ لَمَشْغُولٌ لِشَقْوَتِهِ ... عَنِ
السُّرُورِ بِمَا يَحْوِي مِنَ الْمَالِ
(1/104)
213 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا
عَبْدَانَ بْنَ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: أنا الْأَسْوَدَ بْنَ
شَيْبَانَ السَّدُوسِيَّ، قَالَ: قَالَ الْفَضْلُ بْنُ ثَوْرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ
ثَوْرٍ، وَكَانَ تَهُمُّهُ نَفْسُهُ، قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ
رَجُلَانِ: طَلَبَ أَحَدُهُمَا الدُّنْيَا بِحَلَالِهَا فَأَصَابَهَا، فَوَصَلَ
فِيهَا رَحِمَهُ، وَقَدَّمَ فِيهَا لِنَفْسِهِ، وَجَانَبَ الْآخَرُ الدُّنْيَا؟
فَقَالَ: أَحَبُّهُمَا إِلَيَّ الَّذِي جَانَبَ الدُّنْيَا، فَأَعَادَ عَلَيْهِ،
فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ
"
(1/105)
214 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدَانُ،
قَالَ: أنا عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ
حُرَيْثٍ، وَغَيْرَهُ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
أَصْحَابِ الصُّفَّةِ: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا
فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27] ، وَذَلِكَ [ص:106] أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ أَنَّ لَنَا
الدُّنْيَا فَتَمَنَّوُا الدُّنْيَا
"
(1/105)
215 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنِ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْأَخْرَمِ،
عَنِ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْ: قَالَ رَسُولُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي
الدُّنْيَا» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَبِرَاذَانَ مَا بِرَاذَانَ وَبِالْمَدِينَةِ
مَا بِالْمَدِينَةِ
(1/106)
216 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ،
قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ الْحِمْصِيِّ، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ
الْكُتُبَ، قَالَ: أَجِدُ فِيمَا أُنْزِلَ: أَيَحْزَنُ عَبْدِي أَنْ أَقْبِضَ
عَنْهُ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَقْرَبُ لَهُ مِنِّي، أَوْ يَفْرَحُ عَبْدِي أَنْ
أَبْسُطَ لَهُ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَبْعَدُ لَهُ مِنِّي. ثُمَّ قَرَأَ
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ
فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 56] "
(1/106)
217 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ:
ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ [ص:107] الْوَلِيدِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ مُرَّةَ التُّسْتَرِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا رَاحَةُ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ "
(1/106)
218 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
الْحَسَنُ بْنُ مَحْجُوبِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو تَوْبَةَ
الرَّبِيعُ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: " أَمَّا
بَعْدُ: فَكَأَنَّ الْعِبَادَ قَدْ عَادُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ
يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا
وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى، فَإِنَّهُ لَا مُعَقِّبَ
لِحُكْمِهِ، وَلَا يُنَازَعُ فِي أَمْرِهِ، وَلَا يُقَاطَعُ فِي حَقِّهِ الَّذِي
اسْتَحْفَظَهُ عِبَادَهُ وَأَوْصَاهُمْ بِهِ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى
اللَّهِ، وَأَحُثُّكَ عَلَى الشُّكْرِ فِيمَا اصْطَنَعَ عِنْدَكَ مِنْ نِعَمِهِ،
وَآتَاكَ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَإِنَّ نِعَمَهُ يَمُدُّهَا شُكْرُهُ، وَيَقْطَعُهَا
كُفْرُهُ. وَأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ الَّذِي لَا تَدْرِي مَتَى يَغْشَاكَ،
فَلَا مَنَاصَ وَلَا فَوْتَ. وَأَكْثِرْ ذِكْرَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَشِدَّتَهُ،
فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُوكَ إِلَى الزَّهَادَةِ فِيمَا زَهِدْتَ فِيهِ، وَالرَّغْبَةِ
فِيمَا رَغِبْتَ فِيهِ. ثُمَّ كُنْ مِمَّا أُوتِيتَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى وَجَلٍ،
فَإِنَّ مَنْ لَا يَحْذَرُ ذَلِكَ وَلَا يَتَخَوَّفُهُ، تُوشِكُ الصَّرْعَةُ أَنْ
تُدْرِكَهُ فِي الْغَفْلَةِ. وَأَكْثِرِ النَّظَرَ فِي عَمَلِكَ فِي دُنْيَاكَ بِالَّذِي
أُمِرْتَ بِهِ، ثُمَّ اقْتَصِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ فِيهِ - لَعَمْرِي - شُغْلًا
عَنْ دُنْيَاكَ، وَلَنْ تُدْرِكَ الْعِلْمَ حَتَّى تُؤْثِرَهُ عَلَى الْجَهْلِ، وَلَا
الْحَقَّ حَتَّى تَدْرَأَ الْبَاطِلَ. نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكَ حُسْنَ
مَعُونَتَهُ، [ص:108] وَأَنْ يَدْفَعَ عَنَّا وَعَنْكَ بِأَحْسَنِ دِفَاعِهِ
بِرَحْمَتِهِ "
(1/107)
219 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، قَالَ ثَنَا
الْفَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو يَزِيدَ، قَالَ: أَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: نَزَلْنَا
وَبَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَدَائِنِ فَرْسَخٌ، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي، فَذَهَبَ
بِي إِلَى الْجُمُعَةِ، فَإِذَا حُذَيْفَةُ يَخْطُبُ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ السَّاعَةَ
قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ
آذَنَتْ بِفِرَاقٍ، وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ وَغَدًا السِّبَاقَ. فَقُلْتُ:
يَا أَبَهْ غَدًا يَسْتَبِقُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ مَا أَجْهَلَكَ
إِنَّمَا يَعْنِي الْعَمَلَ. فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ
مِثْلَهَا، وَإِنَّ الْغَايَةَ النَّارُ. وَالسَّابِقُ مَنْ سَبَقَ إِلَى
الْجَنَّةِ "
(1/108)
220 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ ثَنَا سَعْدُ بْنُ يُونُسَ،
عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ
هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كُلُّهُمْ عُرَاةً مَا خَلَا أَهْلَ الزُّهْدِ»
(1/108)
221 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي [ص:109] جَعْفَرُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ،
قَالَ: كَتَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ إِلَى أَخٍ لَهُ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ارْفُضْ يَا
أَخِي حُبَّ الدُّنْيَا، فَإِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا يُعْمِي وَيُصِمُّ "
(1/108) 222 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ
زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنِي ابْنٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ
حُصَيْنٍ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ، مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ لِثَقِيفٍ،
فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ لَوْ وَعَظْتَنَا بِكَلِمَاتٍ، لَعَلَّ اللَّهَ
أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِنَّ؟ فَتَكَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّنَا
لَا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ مَرْحَلَةٍ، وَجَعَلَ الْخَيْرَ
وَالشَّرَّ فِيهَا فِتْنَةً لِأَهْلِهَا لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ
عَمَلًا، فَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِيهَا بِسَعْيٍ مُخْتَلِفٍ فِي مُدَّةٍ مِنْ
آجَالٍ مُنْقَطِعَةٍ، تَجْرِي عَلَيْهِمْ فِيهَا أَرْزَاقُهُمْ، وَيَأْكُلُونَهَا مَا
صَحِبُوهَا، وَيَتْرُكُونَهَا عَنْ قَلِيلٍ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، كَمَا وَرِثُوهَا
عَمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، كَذَلِكَ حَتَّى تَلْفِظَ الدُّنْيَا أَهْلَهَا،
وَتَبْلُغَ مَدَاهَا، وَتَفْنَى كَمَا فَنُوا، وَجَعَلَ الْآخِرَةَ دَارَ
حَيَوَانٍ فِي جَنَّةٍ وَنَارٍ نَزَلَتَا بِخَتْمٍ مِنْ فَضَاءِ رَبِّهِمَا،
الْخَيْرُ مِنَ الشَّرِّ بَعِيدٌ، وَالشَّرُّ مِنَ الْخَيْرِ بَعِيدٌ، فَنَسْأَلُ
الَّذِي خَلَقَنَا لِمَا شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ مُنْقَلَبَنَا وَمُنْقَلَبَكُمْ
إِلَى دَارِهِ، دَارِ السَّلَامِ
" (1/109) 223 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ مُوسَى
أَبُو عُقْبَةَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ
الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: «الدُّنْيَا
أَمَدٌّ، وَالْآخِرَةُ أَبَدٌ» (1/109) 224 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ يَعْلَى، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ: لَيْسَ مِنْ حُبِّكَ الدُّنْيَا طَلَبُكَ مَا يُصْلِحُكَ فِيهَا،
وَمِنْ زُهْدِكَ فِيهَا تَرْكُ الْحَاجَةِ يَسُدُّهَا عَنْكَ تَرْكُهَا، وَمَنْ
أَحَبَّ الدُّنْيَا وَسَرَّتْهُ ذَهَبَ خَوْفُ الْآخِرَةِ مِنْ قَلْبِهِ (1/110)
225 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ،
عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ لُقْمَانَ، قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ
إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ يَغْرَقُ فِيهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، فَلْتَكُنْ
سَفِينَتُكَ فِيهَا تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَحَشْوُهَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ
تَعَالَى، وَشِرَاعُهَا التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ لَعَلَّكَ تَنْجُو، وَمَا
أَرَاكَ بِنَاجٍ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَدَوِيُّ:[البحر
الطويل]وَمَا زَالَتِ الدُّنْيَا يَخُونُ نَعِيمُهَا ... وَتُصْبِحُ بِالْأَمْرِ
الْعَظِيمِ تَمَخَّضُمَحَلَّةُ أَضْيَافٍ وَمُنْزِلُ غُرْبَةٍ ... تَهَافَتُ مِنْ
حَافَاتِهَا وَتَنَفَّضُوَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَدَوِيُّ
أَيْضًا:أَرَى النَّاسَ أَضْيَافًا أَنَاخُوا بِغُرْبَةٍ ... تَقَلِّبُهُمْ
أَيَّامُهَا وَتُقَلِّبُبِدَارِ غُرُورٍ حُلْوَةٍ يَرْغَثُونَهَا ... وَقَدْ
عَايَنُوا مِنْهَا الزَّوَالَ وَجَرَّبُواتَسُرُّهُمْ طَوْرًا وَطَوْرًا
تُذِيقُهُمْ ... مَضِيضَ مَكَاوِي حَرُّهَا يَتَلَهَّبُيَذُمُّونَ دُنْيَا لَا يُرِيحُونَ
دَرَّهَا ... فَلَمْ أَرَ كَالدُّنْيَا تُذَمُّ وَتُحْلَبُ [ص:111]لَهَا دَرَّةٌ تُصْبِي الْحَلِيمَ
وَتَحْتَهَا ... مِنَ الْمَوْتِ سُمٌّ مُجْهِزٌ حِينَ يُشْرَبُوَقَدِ اخْتَرْتُ
ذَا الْجَمِيلِ لَا دَرَّ دَرُّهَا ... فَأَصْبَحَ فِي جَدٍّ وَأَصْبَحَ
يَلْعَبُوَكُلُّهُمْ حَيْرَانُ يُكْذِبُ قَوْلَهُ ... بِفِعْلٍ وَخَيْرُ الْقَوْلِ
مَا لَا يُكَذَّبُقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَا مَعْشَرَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا لَكُمْ
فِي الظَّاهِرِ اسْمُ الْغِنَى، وَلِأَهْلِ التَّقَلُّلِ نَفْسُ هَذَا الْمَعْنَى،
حُرِمْتُمُ التَّفَكُّهَ بِمَا حَوَتْهُ أَيْدِيكُمْ لِفَادِحِ التَّعَبِ،
وَعُوِّضْتُمْ فِيهِ خَوْفَ نُزُولِ الْفَجَائِعِ بِهِ، وَارْتِقَابَ وُصُولِ
الْآفَاتِ إِلَيْهِ، خُدِعْتُمْ وَمَالَتِ الْمَقَادِيرُ عَنْ حَظِّكُمْ، وَأَبَتِ
الدُّنْيَا أَنْ تُسَوِّغَكُمْ حَلَاوَةَ مَا اسْتَدَرَّ لَكُمْ مِنْ ضَرْعِهَا،
حَتَّى وَكَّلَتْكُمْ بِطَلَبِ سِوَاهُ، لِتُمَتِّعَكُمْ مِمَّا حَصَلَ مِنْهَا
لَكُمْ، وَتَصُدَّكُمْ عَنِ التَّمَتُّعِ بِهِ بِإِشْغَالِكُمْ بِمُسْتَأْنَفٍ تُجْهِدُونَ
فِيهِ أَنْفُسَكُمْ مِمَّا يَعِزُّ مَطْلَبُهُ عَلَيْكُمْ، وَتَبْذُلُونَ فِيهِ
رَاحِلَتَكُمْ، فَإِنْ وَصَلْتُمْ إِلَيْهِ لَحِقَ بِالْأَوَّلِ مِنَ
الْمُدَّخَرِ، وَأَنْشَأَتْ لَكُمْ وَطَرًا فِي غَيْرُهُ آخَرُ، كَذَلِكَ أَنْتُمْ
وَهِيَ مَا صَحِبْتُمُوهَا بِالرَّغْبَةِ مِنْكُمْ فِيهَا
(1/110) 226 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْفَضْلِ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ أَنْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى
عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَسْلَابَ
الْهَالِكِينَ، وَسَيَتْرُكُهَا الْبَاقُونَ كَمَا تَرَكَهَا الْمَاضُونَ، أَلَا
تَرَوْنَ أَنَّكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تُشَيِّعُونَ غَادِيًا أَوْ
رَائِحًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَضَعُونَهُ فِي صَدْعٍ مِنَ الْأَرْضِ،
ثُمَّ فِي بَطْنِ صَدْعٍ غَيْرِ مُمَهَّدٍ، وَلَا مُوَسَّدٍ، قَدْ خَلَعَ
الْأَسْلَابَ، وَفَارَقَ الْأَحْبَابَ، وَأُسْكِنَ [ص:112] التُّرَابَ، وَوَاجَهَ الْحِسَابَ،
فَقِيرًا إِلَى مَا قَدَّمَ أَمَامَهُ، غَنِيًّا عَمَّا تَرَكَ بَعْدَهُ «أَمَا
وَاللَّهِ إِنِّي لَأَقُولُ لَكُمْ هَذَا وَمَا أَعْرِفُ مِنْ أَحَدٍ مِنَ
النَّاسِ مِثْلَ مَا أَعْرِفُ مِنْ نَفْسِي» قَالَ: ثُمَّ مَالَ بِطَرْفِ ثَوْبِهِ
عَلَى عَيْنِهِ فَبَكَى، ثُمَّ نَزَلَ فَمَا خَرَجَ حَتَّى أُخْرِجَ إِلَى
حُفْرَتِهِ (1/111) 227 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ
الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: ثنا مَحْبُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيُّ،
قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: كَتَبَ
إِلَيَّ الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى:
" أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدَّارَ الَّتِي
أَصْبَحْنَا فِيهَا دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ، وَبِالْفَنَاءِ مَوْصُوفَةٌ،
كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَنَفَادٍ، بَيْنَا أَهْلُهَا مِنْهَا فِي رَخَاءٍ
وَسُرُورٍ، إِذْ صَيَّرَتْهُمْ فِي وَعْثَاءٍ وَوُعُورٍ، أَحْوَالُهَا مُخْتَلِفَةٌ،
وَطَبَقَاتُهَا مُتَصَرِّفَةٌ، يُضْرَبُونَ بِبَلَائِهَا، وَيُمْتَحَنُونَ
بِرَخَائِهَا، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ، وَالسُّرُورُ فِيهَا لَا يَدُومُ،
وَكَيْفَ يَدُومُ عَيْشٌ تَغَيُّرُهُ الْآفَاتُ، وَتَنُوبُهُ الْفَجِيعَاتُ،
وَتَفَجَّعُ فِيهِ الرَّزَايَا، وَتَسُوقُ أَهْلُهُ الْمَنَايَا، إِنَّمَا هُمْ
بِهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ، وَالْحُتُوفُ لَهُمْ مُسْتَشْرِفَةٌ، تَرْمِيهِمْ
بِسِهَامِهَا، وَتَغْشَاهُمْ بِحِمَامِهَا، وَلَا بُدَّ مِنَ الْوُرُودِ
لُمُشَارِعِهِ، وَالْمُعَايَنَةِ لِفَظَائِعِهِ أَمْرٌ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ فِي قَضَائِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ فِي إِمْضَائِهِ، فَلَيْسَ مِنْهُ مَذْهَبٌ،
وَلَا عَنْهُ مَهْرَبٌ، أَلَا فَأَخْبِثْ بِدَارٍ يَقْلِصُ ظِلُّهَا، وَيَفْنَى
أَهْلُهَا، إِنَّمَا هُمْ بِهَا سَفْرٌ نَازِلُونَ، وَأَهْلُ [ص:113] ظَعْنٍ
شَاخِصُونَ، كَأَنْ قَدِ انْقَلَبَتْ بِهِمُ الْحَالُ، وَتَنَادَوْا
بِالِارْتِحَالِ، فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ قِفَارًا قَدِ انْهَارَتْ دَعَائِمُهَا،
وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهَا، وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الْقُبُورَ الْمُوحِشَةَ
الَّتِي اسْتُوطِنَتْ بِالْخَرَابِ، وَأُسِّسَتْ بِالتُّرَابِ، فَمُحِلُّهَا
مُقْتَرِبٌ، وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلٍ مُوحِشِينَ، وَذَوِي مَحَلَّةٍ
مُتَشَاسِعِينَ، لَا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْعُمْرَانِ، وَلَا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ
الْإِخْوَانِ، وَلَا يَتَزَاوَرُونَ تَزَاوُرَ الْجِيرَانِ، قَدِ اقْتَرَبُوا فِي
الْمَنَازِلِ، وَتَشَاغَلُوا عَنِ التَّوَاصُلِ، فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ جِيرَانَ
مَحَلَّةٍ لَا يَتَزَاوَرُونَ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَتَقَارُبِ
الدِّيَارِ، وَأَنَّى ذَلِكَ مِنْهُمْ؟ وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى،
وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَالثَّرَى، وَصَارُوا بَعْدَ الْحَيَاةِ رُفَاتًا،
قَدْ فُجِعَ بِهِمُ الْأَحْبَابُ، وَارْتُهِنُوا فَلَيْسَ لَهُمْ إِيَابٌ، وَكَأَنْ
قَدْ صِرْنَا إِلَى مَا إِلَيْهِ صَارُوا، فَنُرْتَهَنُ فِي ذَلِكَ الْمَضْجَعِ،
وَيَضُمُّنَا ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ، نُؤْخَذُ بِالْقَهْرِ وَالِاعْتِسَارِ،
وَلَيْسَ يَنْفَعُ مِنْهُ شَفَقُ الْحِذَارِ، وَالسَّلَامُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ:
بِأَيِّ شَيْءٍ كَتَبْتَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: لَمْ أَقْدِرْ لَهُ عَلَى جَوَابٍ
(1/112) 228 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي
شُرَيْحٌ الْعَابِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَا:
سَمِعْنَا حَنْتَمَ بْنَ جَحْشَةَ الْعِجْلِيَّ أَبَا بَكْرٍ الْعَابِدَ، يَقُولُ: [ص:114][البحر
السريع]يَا خَاطِبَ الدُّنْيَا عَلَى نَفْسِهَا ... إِنَّ لَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ
خَلِيلْمَا أَقْتَلَ الدُّنْيَا لِخُطَّابِهَا ... تَقْتُلْهُمْ قِدْمَا قَبِيلًا
قَبِيلْتَسْتَنْكِحُ الْبَعْلَ وَقَدْ وَطَّنَتْ ... فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ
بَدِيلْإِنِّي لَمُغْتَرٌّ وَإِنَّ الْبِلَى ... يَعْمَلُ فِي جِسْمِي قَلِيلًا
قَلِيلْتَزَوَّدُوا لِلْمَوْتِ دَارًا فَقَدْ ... نَادَى مُنَادِيهِ الرَّحِيلَ
الرَّحِيلْ
(1/113) 229 - ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِبْلِيسُ لِشَيَاطِينِهِ:
لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَانْظُرُوا مَا هُوَ، فَانْطَلَقُوا، ثُمَّ جَاءُوهُ
فَقَالُوا: مَا نَدْرِي، قَالَ إِبْلِيسُ: أَنَا آتَيْتُكُمْ بِالْخَبَرِ،
فَذَهَبَ قَالَ: بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
فَجَعَلَ يُرْسِلُ شَيَاطِينَهُ إِلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِيئُونَ بِصُحُفِهِمْ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَقَالَ: مَا
لَكُمْ؟ أَمَا تُصِيبُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: مَا صَحِبْنَا قَوْمًا قَطُّ
مِثْلَ هَؤُلَاءِ، نُصِيبُ مِنْهُمْ ثُمَّ يَقُومُونَ إِلَى صَلَاتِهِمْ فَيُمْحَى
ذَلِكَ. قَالَ إِبْلِيسُ: رُوَيْدًا لَهُمْ، عَسَى أَنْ تُفْتَحَ لَهُمُ الدُّنْيَا،
هُنَالِكَ تُصِيبُونَ حَاجَتَكُمْ مِنْهُمْ (1/114) 230 - ثنا أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ،
قَالَا: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، يَقُولُ: " وَيْحِي كَيْفَ تَشْتَدُّ
حَاجَتِي فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَتْ بِدَارِي؟ أَمْ كَيْفَ أَجْمَعُ لَهَا وَفِي
غَيْرِهَا قَرَارِي وَخُلْدِي؟ أَمْ كَيْفَ يَشْتَدُّ حِرْصِي عَلَيْهَا وَلَا
يَنْفَعُنِي مَا تَرَكْتُ مِنْهَا بَعْدِي؟ أَمْ كَيْفَ أُوثِرُهَا وَقَدْ ضَرَّتْ
مَنْ آثَرَهَا قَبْلِي؟ أَمْ كَيْفَ لَا أُبَادِرُ بِعَمَلِي مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَنْصَرِمَ مُدَّتِي؟ أَمْ كَيْفَ لَا أَفْتَكُّ نَفْسِي مِنْ قَبْلِ أَنْ
يُغْلَقَ رَهْنِي؟ [ص:115] أَمْ كَيْفَ أُعَرِّضُ نَفْسِي لِمَا لَا يَقْوَى لَهُ هَوَائِي؟
أَمْ كَيْفَ يَشْتَدُّ عَجَبِي بِهَا وَهِيَ مُزَايِلَتِي وَمُنْقَطِعَةٌ عَنِّي؟
(1/114) 231 - ثنا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ
الْجُعْفِيُّ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ:
" كَانَ مِنْ دُعَائِهِمْ:
اللَّهُمَّ زَهِّدْنَا فِي الدُّنْيَا، وَوَسِّعْ
عَلَيْنَا مِنْهَا، وَلَا تَزْوِ بِهَا عَنَّا وَتُرَغِّبْنَا فِيهَا "
(1/115) 232 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: قَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: " أَلَا حُرٌّ كَرِيمٌ يَغْضَبُ عَلَى
الدُّنْيَا؟ (1/115) 233 - ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا
الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ
أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا أَكْيَاسًا،
عَمِلُوا صَالِحًا، وَأَكَلُوا طَيِّبًا، وَقَدَّمُوا فَضْلًا، لَمْ يُنَافِسُوا أَهْلَ
الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ، وَلَمْ يُنَافِسُوهُمْ فِي عِزِّهَا، وَلَمْ
يُجْزَعُوا لِذُلِّهَا، أَخَذُوا صَفْوَهَا، وَتَرَكُوا كَدَرَهَا، وَاللَّهِ مَا
تَعَاظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ حَسَنَةٌ عَمِلُوهَا، وَلَا تَصْغُرُ فِي أَنْفُسِهِمْ
سَيِّئَةٌ (1/115) 234 - ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ
إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَتِ الدُّنْيَا
مُقْبِلَةً عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَفِرُّونَ مِنْهَا، وَلَهُمْ مِنَ الْقِدَمِ مَا
لَهُمْ، وَإِنَّكُمْ تَطْلُبُونَ الدُّنْيَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ عَنْكُمْ، وَلَكُمْ
مِنَ الْإِحْدَاثِ مَا لَكُمْ، فَقِيسُوا أَمْرَكُمْ وَأَمْرَهُمْ» (1/115) 235 - حَدَّثَنِي
حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنبأ عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا
عَبْدُ اللَّهِ، أنا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ [ص:116] الْحَارِثِ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: " أَنْتُمْ أَطْوَلُ جِهَادًا، وَأَكْثَرُ صَلَاةً مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ،
قَالُوا: وَلِمَ؟ قَالَ: «كَانُوا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا وَأَرْغَبَ فِي
الْآخِرَةِ مِنْكُمْ» (1/115) 236 - أنا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ،
عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: «تَهُونُ
عَلَى الدُّنْيَا الْمَلَامَةُ، إِنَّهُ حَرِيصٌ عَلَى اسْتِخْلَاصِهَا مَنْ
يَلُومُهَا» أَنْشَدَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ:[البحر
الطويل]تُنَافِسُ فِي الدُّنْيَا وَنَحْنُ نَعِيبُهَا ... وَقَدْ حُذُّرُتْنَا
لَعَمْرِي خُطُوبُهَاوَمَا نَحْسُبُ الْأَيَّامَ تَنْقُصُ مُدَّةً ... عَلَى
أَنَّهَا فِينَا سَرِيعًا دَبِيبُهَاكَأَنِّي بِرَهْطٍ يَحْمِلُونَ جِنَازَتِي ...
إِلَى حُفْرَةٍ يُحْثَىعَلَيَّ كَثِيبُهَافَكَمْ ثَمَّ مِنْ مُسْتَرْجِعٍ
مُتَوَجِّعٍ ... وَنَائِحَةٍ يَعْلُو عَلَيَّ نَحِيبُهَاوَبَاكِيَةٍ تَبْكِي
عَلَيَّ وَإِنَّنِي ... لَفِي غَفْلَةٍ عَنْ صَوْتِهَا مَا أُجِيبُهَاأَيَا
هَادِمَ اللَّذَّاتِ مَا مِنْكَ مَهْرَبٌ ... تُحَاذِرُ نَفْسِي مِنْكَ مَا سَيُصِيبُهَاوَزَادَ
غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ:وَإِنِّي لَمِمَّنْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ...
وَيُعْجِبُهُ رَوْحُ الْحَيَاةِ وَطِيبُهَافَحَتَّى مَتَى، حَتَّى مَتَى، وَإِلَى
مَتَى ... يَدُومُ طُلُوعُ الشَّمْسِ لِي وَغُرُوبُهَارَأَيْتُ الْمَنَايَا
قُسِّمَتْ بَيْنَ أَنْفُسٍ ... وَنَفْسِي سَيَأْتِي بَعْدَهُنَّ نَصِيبُهَا
(1/116) 237 - ثنا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ [ص:117] بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ
سُلَيْمَانَ، أَوْ غَيْرِهِ قَالَ:
" إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ لَقِيَ مَلَكًا مِنَ
الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ: عَلِّمْنِي عِلْمًا أَزْدَدْ بِهِ إِيمَانًا وَيَقِينًا،
فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَا تَطِيقُ ذَلِكَ قَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَنْ يُطَوِّقَنِي قَالَ: لَا تَغْتَمَّ لِغَدٍ، وَاعْمَلْ فِي الْيَوْمِ لِغَدٍ،
وَإِنْ آتَاكَ اللَّهُ مِنَ الدُّنْيَا سُلْطَانًا أَوْ مَالًا فَلَا تَفْرَحْ
بِهِ، وَإِنْ صَرَفَ عَنْكَ فَلَا تَأْسَ عَلَيْهِ، وَكُنْ حَسَنَ الظَّنِّ
بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَضَعْ يَدَكَ عَلَى قَلْبِكَ فَمَا أَحْبَبْتَ أَنْ تَصْنَعَ
بِنَفْسِكَ فَاصْنَعْهُ بِأَخِيكَ، وَلَا تَغْضَبْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ أَقْدَرُ
مَا يَكُونُ عَلَى ابْنِ آدَمَ حِينَ يَغْضَبُ، وَرُدَّ الْغَضَبَ بِالْكَظْمِ،
وَسَكِّنْهُ بِالتُّؤَدَةِ، وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ، فَإِنَّكَ إِذَا عَجِلْتَ أَخْطَأْتَ
حَظَّكَ، وَكُنْ سَهْلًا لَيِّنًا لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَلَا تَكُنْ
جَبَّارًا عَنِيدًا " (1/116) 238 - ثنا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ،
فِي قَوْلِ السَّائِلِ: أَيْنَ الزَّاهِدُونَ فِي الدُّنْيَا، وَالرَّاغِبُونَ فِي
الْآخِرَةِ؟ قَالَ مَسْرُوقٌ: مَا كُنْتُ لِأُعْطِيَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا "
(1/117) 239 - ثنا أَبُو كُرَيْبٍ، عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عَاصِمٍ
الْأَحْوَلِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: أَيْنَ
الزَّاهِدُونَ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبُونَ فِي الْآخِرَةِ؟ فَأَرَاهُ قَبْرَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ:
«عَنْ هَؤُلَاءِ فَسَلْ» (1/117) 240 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو سُلَيْمَانَ
النَّصِيبِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الدُّنْيَا دَارُ [ص:118] مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ،
وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ» (1/117) 241 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ
الْعَبَّاسِ، قَالَ: ثنا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ،
قَالَ: أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «لَوَدِدْتُ أَنِّي
مِنَ الدُّنْيَا فَرْدٌ كَالرَّاكِبِ الْغَادِي الرَّائِحِ» (1/118) 242 -
حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا عَبْدَانُ، قَالَ: أنا عَبْدُ
اللَّهِ، قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ:
«مَا مِنْ مُسْلِمٍ رُزِقَ رِزْقًا يَوْمًا بِيَوْمٍ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ
خُيِّرَ لَهُ إِلَّا عَاجِزٌ» ، أَوْ قَالَ: «غَبِيُّ الرَّأْيِ» (1/118) 243 -
حَدَّثَنِي حَمْزَةُ، قَالَ: أنا عَبْدَانُ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ:
أنا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا أَدَّى إِلَيْهِ» (1/118) 244 - حَدَّثَنِي
حَمْزَةُ، قَالَ: أنا عَبْدَانُ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أنا بَعْضُ، أَهْلِ
الْبَصْرَةِ: أَنَّ مُطَرِّفَ بْنَ الشِّخِّيرِ، مَاتَتِ امْرَأَتُهُ، أَوْ بَعْضُ
أَهْلِهِ، فَقَالَ أُنَاسٌ مِنْ إِخْوَانِهِ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى أَخِيكُمْ
مُطَرِّفٍ حَتَّى لَا يَخْلُوَ بِهِ الشَّيْطَانُ فَيُدْرِكَ بَعْضَ حَاجَتِهِ
مِنْهُ، فَأَتَوْهُ، فَخَرَجَ [ص:119] عَلَيْهِمْ دَهِينًا فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالُوا:
خَشِينَا شَيْئًا، فَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ عَصَمَكَ مِنْهُ، وَأَخْبَرُوهُ
بِالَّذِي قَالُوا. فَقَالَ مُطَرِّفٌ: «لَوْ كَانَتْ لِي الدُّنْيَا كُلُّهَا
فَسَلَبَنِيهَا بِشَرْبَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَافْتَدَيْتُ بِهَا» أَنْشَدَنِي
أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الثَّقَفِيُّ:[البحر الهزج]دَعِ الدُّنْيَا لِمُفْتَتِنٍ ...
وَإِنْ أَبْدَتْ مَحَاسِنَهَاوَخُذْ مِنْهَا بِأَيْسَرِهَا ... وَإِنْ بَسَطَتْ خَزَائِنَهَافَإِنَّ
الدَّارَ دَارُ بِلًى ... يَنَالُ الْمَوْتُ آمِنَهَاوَقَدْ قَلَبَتْ لَكَ
الْأَيَّامَ ... ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَاوَحَسْبُكَ مِنْ صِفَاتِ الْوَاصِفِينَ ...
بِأَنْ تُعَايِنَهَاأَلَيْسَ جَدِيدُهَا يَبْلَى ... وَيُفْنِي الْمَوْتُ سَاكِنَهَاأَنْشَدَنِي
أَبُو نَصْرٍ الْمَدِينِيُّ:هَذِهِ الدَّارُ مَلَكَهَا قَبْلَنَا ... عُصْبَةٌ
بَادُوا وَخَلَّوْهَا لَنَافَمَلَكْنَاهَا كَمَا قَدْ مَلَكُوا ...
وَسَيَمْلِكُهَا أُنَاسٌ بَعْدَنَاثُمَّ تُفْنِيهِمْ وَتَفْنَى بَعْدَهُمْ ...
لَيْسَتِ الدُّنْيَا لِحَيٍّ وَطَنَاعَجَبًا لِلدَّارِ كَمْ تَخْدَعُنَا ...
حَسْرَةً يَا حَسْرَةً يَا حُزْنَا
(1/118) 245 - حَدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ هِلَالٍ، وَكَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي هِزَّانَ
قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونًا الْمَرَئِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَتَمَثَّلُ:
[ص:120][البحر الوافر]هِيَ الدُّنْيَا تُعَذِّبُ مَنْ هَوَاهَا ... وَتُورِثُ
قَلْبَهُ حُزْنًا وَدَاءَفَإِنْ أَبْغَضْتَهَا نُجِّيتَ مِنْهَا ... وَإِنْ
أَحْبَبْتَهَا تَلْقَى الْبَلَاءَ
(1/119) 246 - ثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ،
قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ كَانَ يَتَمَثَّلُ:[البحر الطويل]أَرَى
أَشْقِيَاءَ النَّاسِ لَا يَسْأَمُونَهَا ... عَلَى أَنَّهُمْ فِيهَا عُرَاةٌ
وَجُوَّعُأَرَاهَا وَإِنْ كَانَتْ تُحَبُّ كَأَنَّهَا ... سَحَابَةُ صَيْفٍ عَنْ قَلِيلٍ
تَقَشَّعُكَرَكْبٍ قَضَوْا حَاجَاتِهِمْ وَتَرَحَّلُوا ... طَرِيقُهُمْ بَادِي
الْعَلَامَةِ مَهْيَعُ
(1/120) 247 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الثَّقَفِيُّ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كَيْفَ يَفْرَحُ بِالدُّنْيَا
مَنْ يَوْمُهُ يَهْدِمُ شَهْرَهُ، وَشَهْرُهُ يَهْدِمُ سَنَتَهُ، وَسَنَتُهُ
تَهْدِمُ عُمْرَهُ؟ كَيْفَ يَفْرَحُ بِالدُّنْيَا مَنْ يَقُودُهُ عُمْرُهُ إِلَى
أَجَلِهِ، وَتَقُودُهُ حَيَاتُهُ إِلَى مَوْتِهِ؟ (1/120) 248 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: «الْأَيَّامُ
سِهَامٌ وَالنَّاسُ أَغْرَاضٌ، وَالدَّهْرُ يَرْمِيكَ كُلَّ يَوْمٍ بِسِهَامِهِ
وَيَتَخَرَّمُكَ بِلَيَالِيهِ وَأَيَّامِهِ، حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ
أَجْزَائِكَ. فَكَمْ بَقَاءُ سَلَامَتِكَ مَعَ وُقُوعِ الْأَيَّامِ بِكَ،
وَسُرْعَةِ اللَّيَالِي فِي بَدَنِكَ؟ لَوْ كُشِفَ لَكَ عَمَّا أَحْدَثَتِ
الْأَيَّامُ فِيكَ مِنَ النَّقْصِ، وَمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ هَدْمِ مَا بَقِيَ
مِنْكَ [ص:121] لَاسْتَوْحَشْتَ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَيْكَ،
وَاسْتَثْقَلْتَ مَمَرَّ السَّاعَاتِ بِكَ، وَلَكِنْ تَدْبِيرُ اللَّهِ فَوْقَ
الِاعْتِبَارِ، وَبِالسُّلُوِّ عَنْ غَوَائِلِ الدُّنْيَا وُجِدَ طَعْمُ
لَذَّتِهَا وَإِنَّهَا لَأَمَرُّ مِنَ الْعَلْقَمِ إِذَا عَجَنَهَا الْحَكِيمُ،
وَأَقَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُسَمَّى بِقَلِيلٍ، وَقَدْ أَغْنَتِ الْوَاصِفَ
لِعُيُوبِهَا بِظَاهِرِ أَفْعَالِهَا، وَمَا تَأْتِي بِهِ مِنَ الْعَجَائِبِ
أَكْثَرُ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ الْوَاعِظُ، نَسْتَوْهِبُ اللَّهَ رُشْدًا إِلَى
الصَّوَابِ» (1/120) 249 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ:
صِفْ لَنَا الدُّنْيَا وَمُدَّةَ الْبَقَاءِ. فَقَالَ: «الدُّنْيَا وَقْتُكَ الَّذِي يَرْجِعُ
إِلَيْكَ فِيهِ طَرْفُكَ، لِأَنَّ مَا مَضَى عَنْكَ فَقَدْ فَاتَكَ إِدْرَاكُهُ،
وَمَا لَمْ يَأْتِ فَلَا عِلْمَ لَكَ بِهِ، وَالدَّهْرُ يَوْمٌ مُقْبِلٌ تَنْعَاهُ
لَيْلَتُهُ، وَتَطْوِيهِ سَاعَاتُهُ وَأَحْدَاثُهُ تَنْتَضِلُ فِي الْإِنْسَانِ بِالتَّغَيُّرِ
وَالنُّقْصَانِ، وَالدَّهْرُ مُوَكَّلٌ بِتَشْتِيتِ الْجَمَاعَاتِ، وَانْخِرَامِ
الشَّمْلِ وَتَنَقُّلِ الدُّوَلِ، وَالْأَمَلُ طَوِيلٌ، وَالْعُمْرُ قَصِيرٌ،
وَإِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَصِيرُ الْأُمُورُ» أَنْشَدَنِي مَحْمُودٌ
الْوَرَّاقُ قَوْلَهُ:[البحر الكامل]الْمَرْءُ دُنْيَا نَفْسِهِ ... فَإِذَا
انْقَضَى فَقَدِ انْقَضَتْتَفْنَى لَهُ بِفِنَائِهِ ... وَيَعُودُ فِيمَنْ
حَصَّلَتْ [ص:122]مَا خَيْرُ مُرْضِعَةٍ بِكَأْسِ ... الْمَوْتِ تَفْطِمُ مَنْ غَذَتْبَيْنَا
تَرُبُّ صَلَاحَهُ ... إِذْ أَفْسَدَتْ مَا أَصْلَحَتْ
(1/121) 250 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
أنا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنِي
مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ
أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ
عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ
الْجَرَّاحِ فَجَاءَهُ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ
بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَوَافَوْا صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ،
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ،
ثُمَّ قَالَ: «أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ؟» قَالُوا: أَجَلْ
يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ،
فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ
أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ،
فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكُكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»
(1/122) 251 - وَحَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: ثنا عَبْدَانُ،
قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أنا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ، حَدَّثَهُ أَنَّ عُقْبَةَ
بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ
لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «إِنِّي بَيْنَ
أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ،
وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَأَنَا فِي مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ
أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ
الدُّنْيَا أَنْ [ص:123] تَنَافَسُوهَا» قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ
نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1/122) 252 - وَحَدَّثَنِي
حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا
عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ قَدِمَ
وَافِدًا عَلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ قَالَ:
فَدَخَلْتُ الْمَقْصُورَةَ فَسَلَّمْتُ عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ،
وَجَلَسْتُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَنْ أَنْتَ يَا
فَتَى؟ قُلْتُ: أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ
أَبَاكَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ رَجُلٌ قَدْ سَمَّاهُ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ
لَأَلْحَقَنَّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَلَأُحْدِثَنَّ بِهِمْ عَهْدًا وَلَأُكَلِّمَنَّهُمْ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ
فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، فَلَقِيتُهُمْ إِلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ،
أُخْبِرْتُ أَنَّهُ بِأَرْضٍ لَهُ بِالْجُرْفِ، فَرَكِبْتُ إِلَيْهِ حَتَّى
جِئْتُهُ، فَإِذَا هُوَ وَاضِعٌ رِدَاءَهُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاةٍ فِي
يَدِهِ، فَلَمَّا رَآنِي اسْتَحْيَا مِنِّي وَأَلْقَى الْمِسْحَاةَ، وَأَخَذَ رِدَاءَهُ،
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ جِئْتُ لِأَمْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ
أَعْجَبَ مِنْهُ، هَلْ جَاءَكُمْ إِلَّا مَا جَاءَنَا؟ أَوْ هَلْ عَلِمْتُمْ
إِلَّا مَا قَدْ عَلِمْنَا؟ . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: «لَمْ
يَأْتِنَا إِلَّا مَا قَدْ جَاءَكُمْ، وَلَمْ نَعْلَمْ إِلَّا مَا قَدْ
عَلِمْتُمْ» . قَالَ: فَقُلْتُ: مَا لَنَا نَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَتَرْغَبُونَ،
وَنَخُفُّ فِي الْجِهَادِ وَتَثَاقَلُونَ، وَأَنْتُمْ سَلَفُنَا وَخِيَارُنَا
وَأَصْحَابُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ [ص:124]
عَبْدُ الرَّحْمَنِ: «لَمْ يَأْتِنَا إِلَّا مَا قَدْ جَاءَكُمْ، وَلَمْ نَعْلَمْ
إِلَّا مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، لَكِنَّا بُلِينَا بِالضَّرَّاءِ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ فَصَبَرْنَا، وَبُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ» (1/123) 253 - حَدَّثَنِي
حَمْزَةُ، قَالَ: أنا عَبْدَانُ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
السَّعْدِيِّ كَانَ يُحَدِّثُ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ،
وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَوْفَيْتُ عَلَى جَبَلٍ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَيْهِ
طَلَعَتْ عَلَيَّ ثُلَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ سَدَّتِ الْأُفُقَ، حَتَّى
إِذَا دَنَوْا مِنِّي رُفِعَتْ عَلَيْهِمُ الشِّعَابُ بِكُلِّ زَهْرَةٍ مِنَ الدُّنْيَا،
فَمَرُّوا وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا مِنْهُمْ رَاكِبٌ، فَلَمَّا جَاوَزُوهَا
قَلَصَتِ الشِّعَابُ بِمَا فِيهَا، فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَلْبَثَ،
ثُمَّ طَلَعَتْ عَلَيَّ ثُلَّةٌ مِثْلُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا مَبْلَغَ
الثُّلَّةِ الْأُولَى رُفِعَتْ عَلَيْهِمُ الشِّعَابُ بِكُلِّ زَهْرَةٍ مِنَ
الدُّنْيَا، فَالْآخِذُ وَالتَّارِكُ وَهُمْ عَلَى ظَهْرٍ، حَتَّى إِذَا
جَاوَزُوهَا قَلَصَتِ الشِّعَابُ بِمَا فِيهَا، فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ،
ثُمَّ طَلَعَتِ الثَّالِثَةُ، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا مَبْلَغَ الثُّلَّتَيْنِ
رُفِعَتْ لَهُمُ الشِّعَابُ بِكُلِّ زَهْرَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، فَأَنَاخَ أَوَّلُ
رَاكِبٍ مِنْهُمْ، فَلَمْ يُجَاوِزْهُ رَاكِبٌ، فَنَزَلُوا يَهْتَالُونَ مِنَ
الدُّنْيَا، فَعَهْدِي بِالْقَوْمِ وَهُمْ يَهْتَالُونَ وَقَدْ ذَهَبَتِ
الرِّكَابُ» (1/124) 254 - حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْقُرَشِيُّ،
ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَزَوَّرِ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ،
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا عُبِدَ
اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا» (1/124) 255 - ثنا
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ
عَوَانَةَ، قَالَ: ثنا عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ قَبِيصَةَ
بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا تَهَاوَنَ بِالْمُصِيبَاتِ، وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ
سَارَعَ إِلَى الْخَيْرَاتِ (1/125) 256 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الثَّقَفِيُّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ: أَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ بَلْ أَيْنَ
يُرَادُ بِكُمْ وَحَادِي الْمَوْتِ فِي أَثَرِ الْأَنْفَاسِ حَثِيثُ مَوْضِعٍ،
وَعَلَى اجْتِيَاحِ الْأَرْوَاحِ مِنْ مَنْزِلِ الْفِنَاءِ إِلَى دَارِ الْبَقَاءِ
مُجْمِعٌ، وَفِي خَرَابِ الْأَجْسَادِ الْمُتَفَكِّهَةِ بِالنَّعِيمِ مُسْرِعٌ
(1/125) 257 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا عَمَّارُ بْنُ
عُثْمَانَ الْحَلَبِيُّ، قَالَ: نا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ الْيَحْمَدِيُّ، قَالَ: نا عَبْدُ
الْعَزِيزِ أَبُو مَرْحُومٍ، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ الْحَسَنِ عَلَى مَرِيضٍ
نَعُودُهُ، فَلَمَّا جَلَسَ عِنْدَهُ قَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: أَجِدُنِي
أَشْتَهِي الطَّعَامَ فَلَا أَقْدِرُ أَنْ أُسِيغَهُ، وَأَشْتَهِي الشَّرَابَ
فَلَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَتَجَرَّعَهُ. قَالَ: فَبَكَى الْحَسَنُ، وَقَالَ:
عَلَى الْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ أُسِّسَتْ هَذِهِ الدَّارُ، فَهَبْكَ تَصِحُّ
مِنَ الْأَسْقَامِ، وَتَبْرَأُ مِنَ الْأَمْرَاضِ، هَلْ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَنْجُوَ
مِنَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: فَارْتَجَّ الْبَيْتُ بِالْبُكَاءِ (1/125) 258 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ص:126] أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا ضَمْرَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ شَيْخًا بِعَسْقَلَانَ وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ
النَّاسُ وَهُوَ يَقُولُ: «عَجِبْتُ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى الْمَوْتَى
فِي كُلِّ يَوْمٍ يُنْقَلُونَ، وَهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي غَفْلَةٍ يَلْعَبُونَ» ،
ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ (1/125) 259 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ
وَغَيْرُهُ قَالُوا: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِذِكْرِ الْمَوْتِ مُزَهِّدًا فِي
الدُّنْيَا، وَمُرَغِّبًا فِي الْآخِرَةِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ بَعْضُ
حُكَمَاءِ الشُّعَرَاءِ:[البحر الكامل]يَا سَاكِنَ الدُّنْيَا أَتَعْمُرُ
مَسْكَنًا ... لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَعَ الْمَنِيَّةِ سَاكِنُالْمَوْتُ شَيْءٌ
أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ ... حَقٌّ وَأَنْتَ بِذِكْرِهِ مُتَهَاوِنُإِنَّ الْمَنِيَّةَ
لَا تُؤَامِرُ مَنْ أَتَتْ ... فِي نَفْسِهِ يَوْمًا وَلَا تَسْتَأْذِنُوَاعْلَمْ
بِأَنَّكَ - لَا أَبَا لَكَ - فِي الَّذِي ... أَصْبَحْتَ تَجْمَعُهُ لِغَيْرِكَ
خَازِنُ
(1/126) 260 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ
الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: ذَكَرَ
زَائِدَةُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ قُسَيْمٍ،
عَنْ حُذَيْفَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنَ
الدُّنْيَا، كَمَا يَحْمِي الرَّاعِي الشَّفِيقُ غَنَمَهُ عَنْ مَرَاتِعِ
الْهَلَكَةِ» (1/126) 261 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: ثنا [ص:127] هَاشِمُ
بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، فَقَالَ: ثنا أَبُو عَبَّادٍ
الزَّاهِدُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: " مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ رَضِيَ
بِدَارٍ حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ، إِنْ أَخَذَهُ مِنْ حِلِّهِ
حُوسِبَ بِنَعِيمِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ حَرَامٍ عُذِّبَ بِهِ ابْنُ آدَمَ
يَسْتَقِلُّ مَالَهُ وَلَا يَسْتَقِلُّ عَمَلَهُ، وَيَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ فِي
دِينِهِ، وَيَجْزَعُ مِنْ مُصِيبَتِهِ فِي دُنْيَاهُ (1/126) 262 - ثنا ابْنُ
مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نُوحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْعُبَّادِ
يَقُولُ: مَا تَكَامَلَتِ الْمُرُوءَةُ فِي امْرِئٍ قَطُّ إِلَّا لِذِي
الْمَعْرُوفِ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا " (1/127) 263 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الْأَزْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَتَبَ الْحَسَنُ إِلَى عُمَرَ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ: «سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ، فَكَأَنَّكَ بِالدُّنْيَا
لَمْ تَكُنْ، وَبِالْآخِرَةِ لَمْ تَزَلْ» (1/127) 264 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْأَشْعَثِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّكُمْ لَنْ تُدْرِكُوا مَا تُرِيدُونَ
إِلَّا بِتَرْكِكُمْ مَا تَشْتَهُونَ، وَلَا تَنَالُونَ مَا تَأْمَلُونَ إِلَّا
بِصَبْرِكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ، وَيْلٌ لِصَاحِبِ الدُّنْيَا كَيْفَ يَمُوتُ
وَيَتْرُكُهَا، وَيَأْمَنُهَا وَتَخُونُهُ، وَيَثِقُ بِهَا وَتَخْدَعُهُ، وَيْلٌ
لِلْمُغْتَرِّينَ بِالدُّنْيَا كَيْفَ أَزِفَهُمْ فِيهَا [ص:128] مَا يَكْرَهُونَ،
وَفَارَقَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ، وَجَاءَهُمْ مَا يُوعَدُونَ، وَيْلٌ لِمَنِ الدُّنْيَا
هَمُّهُ، وَالْخَطَايَا عَمَلُهُ، كَيْفَ يَفْتَضِحُ غَدًا» (1/127) 265 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: ثنا الْفُضَيْلُ
يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ،
قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اتَّقُوا فُضُولَ الدُّنْيَا،
فَإِنَّهَا رِجْسٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (1/128) 266 - ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ،
يَقُولُ: قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كَانَتِ الدُّنْيَا وَلَمْ أَكُنْ فِيهَا،
وَتَكُونُ وَلَا أَكُونُ فِيهَا، وَإِنَّمَا لِي فِيهَا أَيَامِي الَّتِي أَنَا
فِيهَا، فَإِنْ شَقِيتُ فِيهَا فَأَنَا شَقِيٌّ» (1/128) 267 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، يَقُولُ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْحَوَارِيِّينَ قَامَ
إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ حَدِّثْنِي عَنِ النَّفْرِ
الزُّهَّادِ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ،
لَعَلَّ ذَلِكَ يُنَبِّهُ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا مِنْ رَقْدَةِ الْغَفْلَةِ،
وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ، فَرُبَّ كَلِمَةٍ قَدْ أَحْيَتْ
سَامِعَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَرَفَعَتْهُ بَعْدَ الضَّعَةِ، وَنَعَشَتْهُ بَعْدَ
الصَّرْعَةِ، وَأَغْنَتْهُ بَعْدَ الْفَقْرِ، وَجَبَرَتْهُ بَعْدَ الْكَسْرِ، وَيَقَّظَتْهُ
بَعْدَ الْوَسْنَةِ، فَنَقَّبَتْ عَنْ قَلْبِهِ فَفَجَّرَتْ فِيهِ يَنَابِيعَ الْحَيَاةِ،
فَسَالَتْ فِيهِ أَوْدِيَةُ الْحِكْمَةِ، وَأَنْبَتَتْ فِيهِ غِرَاسُ الرَّحْمَةِ،
إِذَا وَافَقَ ذَلِكَ الْقَضَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْشَدَنِي مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ
قَوْلَهُ:[البحر البسيط]مَا أَفْضَحَ الْمَوْتَ لِلدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ...
جِدًّا وَمَا أَفْضَحَ الدُّنْيَا لِأَهْلِيهَا [ص:129]لَا تَرْجِعَنَّ عَلَى
الدُّنْيَا بِلَائِمَةٍ ... فَعُذْرُهَا لَكَ بَادٍ فِي مَسَاوِيهَالَمْ يَبْقَ
مِنْ عَيْبِهَا شَيْءٌ لِصَاحِبِهَا ... إِلَّا وَقَدْ بَيَّنَتْهُ فِي مَعَانِيهَاتُفْنِي
الْبَنِينَ وَتُفْنِي الْأَهْلَ دَائِبَةً ... وَتَسْتَلِيمُ إِلَى مَنْ لَا
يُعَادِيهَافَمَا يَزِيدُهُمْ قَتْلُ الَّذِي قَتَلَتْ ... وَلَا الْعَدَاوَةُ
إِلَّا رَغْبَةً فِيهَا
(1/128) 268 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ،
عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ
فَإِذَا شَاةٌ مَيِّتَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى أَهْلِهَا؟» ، قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: «الدُّنْيَا أَهْوَنُ
عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا» قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ، وَذَكَرَ
الدُّنْيَا، فَقَالَ: كَمْ مِنْ يَوْمٍ لِي أَغَرَّ كَثِيرِ الْأَهِلَّةِ، قَدْ
صَحَّتْ سَمَاؤُهُ، وَامْتَدَّ عَلَيَّ ظِلُّهُ، تَمُدُّنِي سَاعَاتُهُ
بِالْمُنَى، وَتَضْحَكُ لِي عَنْ كُلِّ مَا أَهْوَى فِي رَفَاهَةٍ نَاضِرَةٍ،
وَخَالٍ تَدَفَّقُ بِالْغِبْطَةِ، أَرْتَعُ فِي سُؤْلٍ قَرِيبٍ مَحْيَاهُ،
تَسْتَبِقُ إِلَيَّ فِيهِ الْمُوَافَقَةُ، وَتُلَاحِظُنِي تَبَاشِيرُ
الْأَحِبَّةِ، تَحُوزُ مَعَانِي الْوَصْفِ وَيَنْحَسِرُ عَنْهُ الطَّرْفِ، حَتَّى
إِذَا اتَّصَلَتْ أَسْبَابُ سُرُورِهِ فِيَّ، وَكَسَتْ بَهْجَتَهُ كُسُوفًا، وَأَرْهَقَتْ
نَظَرْتَهَا وَحْشَةُ الْفِرَاقِ، وَقَطَّعَتْنَا فِرَقًا فِي الْآفَاقِ، بَعْدَ
إِذْ كُنَّا كَالْأَعْضَاءِ الْمُؤْتَلِفَةِ، وَالْأَغْصَانِ النَّدِيَّةِ
الْمُنْعَطِفَةِ، فَأَصْبَحَ رِبْعُنَا الْمَأْلُوفُ قَدْ مَحَا أَعْلَامَهُ
الزَّمَانُ، وَأَبْلَتْ أَسْبَابَ الْعَهْدِ بِهِ الْأَيَّامُ، فَلِقَلْبِي
[ص:130] وُجُوبٌ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ، يَكَادُ يَتَفَطَّرُ جَزَعًا مِمَّا يُعَايِنُ
مِنْ فَقْدِهِمْ، وَيُقَاسِي مِنْ بُعْدِهِمْ، وَنَظَرَاتِي تُطْرَدُ فِي الْجُفُونِ
مِنْ حَرَارَاتِ الْكَمَدِ، وَأَوْجَاعِ كُلُومٍ لَا تَنْدَمِلُ، فَمَا لِي
وَلِلْمَقَامِ فِي مَرَاتِعِ الْأَشْجَانِ، وَمَرَابِضِ الْمَنَايَا، وَأَوْعِيَةِ
الرَّزَايَا (1/129) 269 - وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ قَالَ: غَابَ شَبِيبُ بْنُ
شَيْبَةَ عَنِ الْبَصْرَةِ، عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ قَدِمَهَا فَأَتَى مَجْلِسَهُ
فَلَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ جُلَسَائِهِ فَقَالَ:يَا مَجْلِسَ الْقَوْمِ الَّذِينَ
... بِهِمْ تَفَرَّقَتِ الْمَنَازِلُأَصْبَحْتَ بَعْدَ عِمَارَةٍ ... قَفْرًا
تُخَرِّقُكَ الشَّمَائِلُفَلَئِنْ رَأَيْتُكَ مُوحِشًا ... لَبِمَا أَرَاكَ وَأَنْتَ آهِلُ؟
(1/130) 270 - وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ
التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ ابْنُ
شُبْرُمَةَ غَابَ عَنِ الْكُوفَةِ، ثُمَّ قَدِمَهَا، وَقَدْ كَانَ يَخْرُجُ مَعَ
أَصْحَابِهِ إِلَى ظِلِّ جَبَلٍ بِهَا، يَتَمَتَّعُونَ بِظِلِّهِ،
وَيَتَحَدَّثُونَ فِي فَيْئِهِ، فَلَمَّا قَدِمَهَا رَأَى الظِّلَّ بَاقِيًا،
وَفُقِدَ مَنْ كَانَ يُؤْنِسُهُ، فَقَالَ مُتَمَثِّلًا:[البحر الطويل]وَأَجْهَشْتُ
لِلتَّوْبَاذِ حِينَ رَأَيْتُهُ ... وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ
وَدَعَانِيفَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ الَّذِينَ عَهِدْتُهُمْ ... بِجِزْعِكَ فِي عَيْشٍ
وَحُسْنِ زَمَانِ [ص:131]فَقَالَ: مَضَوْا وَاسْتَوْدَعُونِي بِلَادَهُمْ ...
وَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِأَنْشَدَنِي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْعَامِرِيُّ قَوْلَهُ:[البحر الطويل]لَقَدْ نَغَّصَ الدُّنْيَا عَلَى حُبِّ
أَهْلِهَا ... لَهَا أَنَّهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْمَصَائِبِوَلَوْ لَمْ تَكُنْ
فِيهَا الْمَصَائِبُ مَا ارْتَضَى ... مَحَبَّتَهَا فِي حَالَةٍ ذُو
تَجَارِبِأَلَمْ تَرَهَا تَغْذُو بَنِيهَا بِدَرِّهَا ... وَتَصْرَعُهُمْ آفَاتُهَا
بِالْعَجَائِبِوَمَا الْخَيْرُ فِيهَا حِينَ يُسْعِفُ أَهْلَهُ ... وَلَا الشَّرُّ
إِلَّا كَالْبُرُوقِ الْكَوَاذِبِيَزُولَانِ عَمَّنْ كَانَ فِيهَا بِنِعْمَةٍ ...
وَبُؤْسٍ كَمَا زَالَتْ صُدُورِ الْكَوَاكِبِ
(1/130) 271 - ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَوْحُ بْنُ حَاتِمٍ: بَيْنَا أَنَا
وَاقِفٌ عَلَى بَابِ بَعْضِ وُلَاةِ الْبَصْرَةِ إِذْ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ
صَفْوَانَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي، مَا
هَجَّرْتُ، وَلَا أَظْهَرْتُ عَلَى بَابِ أَحَدٍ مِنَ الْوُلَاةِ إِلَّا وَأَنَا
أَرَاكَ عَلَيْهِ، أَكُلُّ هَذَا حُبًّا لِلدُّنْيَا وَحِرْصًا عَلَيْهَا؟ قَالَ:
فَأَجْلَلْتُهُ أَنْ أُجِيبَهُ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّمًا هَذَا مِثْلُ الْعَمِّ،
وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْجَوَابَ مِنِّي، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا عَمِّ بِحَسْبِكَ
رُؤْيَتُكَ إِيَّايَ عَلَيْهَا طَلَبًا مِنْكَ لَهَا، فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ:
لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ يَا ابْنَ أَخِي، لَقَدْ ذَهَبَ رَوْنَقُ الْوَجْهِ،
وَذِمَارُ الْقَلْبِ، وَحُسَامُ الصُّلْبِ، وَسَنَاءُ الْبَصَرِ، وَمَدُّ
الصَّوْتِ، وَمَاءُ [ص:132] الشَّبَابِ، وَاقْتَرَبَ عِهَادُ الْعِلَلِ، وَاللَّهِ
مَا أَتَتْ عَلَيْنَا سَاعَةٌ مِنْ أَعْمَارِنَا إِلَّا وَنَحْنُ نُؤْثِرُ
الدُّنْيَا عَلَى مَا سِوَاهَا، ثُمَّ لَا تَزْدَادُ لَنَا إِلَّا تَخَلِّيًا،
وَعَنَّا إِلَّا تَوَلِّيًا، ثُمَّ ضَرَبَ دَابَّتَهُ وَذَهَبَ " (1/131) 272
- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ
بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَتَبَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ،
وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مُجَاوِرًا بِمَكَّةَ تَسْأَلُهُ الْقُدُومَ عَلَيْهَا، فَكَتَبَ
إِلَيْهَا بِكِتَابٍ فِيهِ: " إِنَّ مَرْوَ الَّتِي يُعْجِبُكِ مُلَاقَاتِي
إِيَّاكِ فِيهَا لَيْسَتْ بِدَارِ دَوَامٍ، وَلَكِنَّ مَرْوَ مَنْزِلُ أَسْفَارٍ
وَأَبْنَاءِ سَبِيلٍ، الْمَقَامُ فِيهَا بِبِرِّ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ
يَسِيرٌ حَتَّى يَصِيرُوا مِنْهَا إِلَى دَارَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فُرْقَةٌ لَا
تَوَاصُلَ فِيهَا، وَالْأُخْرَى صِلَةٌ لَا تَفَرُّقَ فِيهَا، فَإِنْ كُنْتِ فِي
شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ فَأَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ نَزَلُوهَا؟ وَأَيْنَ الْجُمُوعُ
الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا؟ وَأَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ تَشَاحَّتْ عَلَيْهَا؟ وَأَيْنَ
الْبَنَّاؤُونَ الَّذِينَ ضَرَبُوا اللَّبِنَ فِي تَحْصِينِهَا؟ إِنْ تَدْعِيهِمْ
لَا يَسْمَعُوا، بُدِّلُوا بِالْحَيَاةِ مَوْتًا، كَأَنْ لَمْ يَعْمُرُوهَا،
وَلَمْ يَسْكُنُوهَا، فَهَلْ يَنْفَعُ مَعَ هَذَا الْهَمِّ حَبِيبٌ حَبِيبًا،
وَخَلِيلٌ خَلِيلًا؟ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ لِأَحَدٍ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ
فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا أَهْلُ الدُّنْيَا فَمُتَحَوِّلُونَ مِنْهَا عَنْ
قَرِيبٍ، وَالسَّلَامُ (1/132)
273 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمُزَنِيُّ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَعِيدٍ،
قَالَ: مَرَّ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَرْيَةٍ فَإِذَا أَهْلُهَا مَوْتَى
فِي الْأَفْنِيَةِ وَالطُّرُقِ، فَقَالَ لَهُمْ: [ص:133] «يَا مَعْشَرَ
الْحَوَارِيِّينَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مَاتُوا عَنْ سَخْطَةٍ، وَلَوْ مَاتُوا عَنْ
غَيْرِ ذَلِكَ لَتَدَافَنُوا» ، قَالُوا: يَا رُوحَ اللَّهِ وَدِدْنَا أَنَّا
عَلِمْنَا خَبَرَهُمْ. فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَوْحَى اللَّهُ
تَعَالَى إِلَيْهِ: «إِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَنَادِهِمْ يُجِيبُوكَ» ، فَلَمَّا
كَانَ اللَّيْلُ أَشْرَفَ عَلَى نَشْزٍ ثُمَّ نَادَى: «يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ»
فَأَجَابَهُ مُجِيبٌ: لَبَّيْكَ يَا رُوحَ اللَّهِ، فَقَالَ: «مَا حَالُكُمْ؟
وَمَا قِصَّتُكُمْ؟» قَالُوا: أَمْسَيْنَا فِي عَافِيَةٍ، وَأَصْبَحْنَا فِي الْهَاوِيَةِ.
قَالَ: «وَكَيْفَ ذَلِكَ» قَالَ: لِحُبِّنَا الدُّنْيَا، وَطَاعَتِنَا أَهْلَ الْمَعَاصِي.
قَالَ: «وَكَيْفَ كَانَ حُبُّكُمْ لِلدُّنْيَا؟» قَالَ: حُبُّ الصَّبِيِّ
لِأُمِّهِ، إِذَا أَقْبَلَتْ فَرِحْنَا، وَإِذَا أَدْبَرَتْ حَزِنًا وَبَكَيْنَا.
قَالَ: «فَمَا بَالُ أَصْحَابِكَ لَمْ يُجِيبُونِي؟» قَالَ: لِأَنَّهُمْ مُلْجَمُونَ
بِلُجُمٍ مِنْ نَارٍ، بِأَيْدِي مَلَائِكَةٍ غِلَاظٍ شِدَادٍ. قَالَ: «فَكَيْفَ
أَجَبْتَنِي أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ؟» قَالَ: لِأَنِّي كُنْتُ فِيهِمْ وَلَمْ
أَكُنْ مِنْهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَ الْعَذَابُ أَصَابَنِي مَعَهُمْ، فَأَنَا
مُعَلَّقٌ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، لَا أَدْرِي أَنْجُو مِنْهَا أَمْ أُكَبْكَبُ
فِيهَا؟، فَقَالَ الْمَسِيحُ لِلْحَوَارِيِّينَ: «لَأَكْلُ خُبْزِ الشَّعِيرِ بِالْمِلْحِ
الْجَرِيشِ، وَلُبْسُ الْمُسُوحِ، وَالنَّوْمُ عَلَى الْمَزَابِلِ كَثِيرٌ مَعَ
عَافِيَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» أَنْشَدَنِي صَاحِبٌ لَنَا:[البحر
الكامل]مَنَعَ الْهَوَى مِنْ كَاعِبٍ وَمُدَامِ ... نُورُ الْمَشِيبِ وَوَاعِظُ
الْإِسْلَامِوَلَقَدْ أُرَانِي وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ ... لَا تَسْتَفِيقُ
جَهَالَتِي وَغَرَامِيفَالْيَوْمَ أَقْصَرَ بَاطِلِي وَأَرَحْتُ مِنْ ... سَعْيِ الْوُشَاةِ
وَأَلْسُنِ اللُّوَّامِ [ص:134]وَعَرَفْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ شَارِبٌ ... عُجِّلْتُ
أَوْ أُخِّرْتُ كَأْسَ حِمَامِيأَيْنَ الْمُلُوكُ النَّاعِمُونَ وَأَيْنَ مَنْ ... مَثَلَ
الرِّجَالُ لَهُ عَلَى الْأَقْدَامِأَيْنَ الْأُلَى اقْتَادُوا الْجِيَادَ عَلَى
الْوَحَا ... لُحُقَ الْبُطْونِ كَأَنَّهُمْ دُوَّامِيمَنْشُورَةٌ خِرَقُ
الدِّرَفْسِ تَظُلُّهُمْ ... فِي كُلِّ مُشْتَجِرِ الْوَشِيجِ لُهَامِوَتَمِيلُ
فِي يَوْمِ الْمَقَامِ عَلَيْهِمُ ...
كَأْسُ الْمُدَامِ مَنَاصِفُ الْخُدَّامِفَأُدِيلَتِ
الْأَيَّامُ مِنْ سَرَوَاتِهِمْ ... مَنْ ذَا يَقُومُ لِدَوْلَةِ
الْأَيَّامِدُوَلٌ تُوَلِّجُ فِي الْوُكُورِ سِهَامَهَا ... وَعَلَى ابْنِ مَاءِ
اللُّجَّةِ الْعَوَّامِوَلَرُبَّ سُبْرُوتٍ أَفَادَتْهُ غِنًى ... وَأَخِي غِنًى صَبَّحْنَ
بِالْإِعْدَامِفَعَزَاءُ ذِي لُبٍّ عَنِ الدَّارِ الَّتِي ... لَيْسَتْ لِذِي لُبٍّ بِدَارِ
مَقَامِ
(1/132) 274 - بَلَغَنِي، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ
الدَّارَانِيُّ، قَالَ: «لَا يَصْبِرُ عَنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا إِلَّا مَنْ
كَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَشْغَلُهُ مِنَ الْآخِرَةِ» بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ
الْحُكَمَاءِ، قَالَ: «مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا مَلَكَهَا، وَمَنْ رَغِبَ فِي
الدُّنْيَا خَدَمَهَا» (1/134)
275 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ [ص:135]
عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ
ضُبَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَلْهَانِيِّ، عَنْ دُوَيْدِ بْنِ نَافِعٍ،
قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تَعْمَلُونَ لِدُنْيَا صَغِيرَةٍ،
وَتَتْرُكُونَ الْآخِرَةَ الْكَبِيرَةَ، وَعَلَى كُلِّكُمْ يَمُرُّ الْمَوْتُ»
(1/134) 276 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ فَرَجَ بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ أَسْبَاطٍ،
قَالَ: قَالَ لِي زُرْعَةُ: «مَنْ كَانَ صَغِيرُ الدُّنْيَا أَعْظَمَ فِي عَيْنِهِ
مِنْ كَبِيرِ الْآخِرَةِ، كَيْفَ يَرْجُو أَنْ يُصْنَعَ لَهُ فِي دُنْيَاهُ
وَآخِرَتِهِ» (1/135) 277 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ،
قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ،
قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَاضِعًا رِدَاءَهُ
عَلَى رَأْسَهُ قَالَ: فَمَرَّ بِهِ غُلَامٌ عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ
احْمِلْنِي مَعَكَ» قَالَ: فَوَثَبَ الْغُلَامُ عَنِ الْحِمَارِ، فَقَالَ: ارْكَبْ
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: «لَا ارْكَبْ، وَأَرْكَبُ أَنَا خَلْفَكُ،
تُرِيدُ أَنْ تَحْمِلَنِي عَلَى الْمَكَانِ الْخَشِنِ، وَتَرْكَبُ عَلَى
الْمَكَانِ الْوَطِيءِ، وَلَكِنِ ارْكَبْ أَنْتَ، وَأَكُونُ أَنَا خَلْفَكُ» ،
قَالَ: فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ خَلْفَهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ
(1/135) 278 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ،
يَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ص:136]
«الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا يُرِيحُ الْقَلْبَ وَالْبَدَنَ، وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا
تُكْثِرُ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ» (1/135) 279 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ:
ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَعْنِي الْفُضَيْلَ بْنَ
عِيَاضٍ، يَقُولُ: «جُعِلَ الشَّرُّ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ، وَجُعِلَ مُفْتَاحُهُ
حُبَّ الدُّنْيَا، وَجُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ، وَجُعِلَ مُفْتَاحُهُ
الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا» (1/136) 280 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَأَلْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ: مَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ:
«الْقُنُوعُ هُوَ الزُّهْدُ، وَهُوَ الْغِنَى» (1/136) 281 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ
الْفُضَيْلَ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ، يَقُولُ: «إِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ
كَكَفَّتَيِ الْمِيزَانِ، بِقَدْرِ مَا تَرْجَحُ إِحْدَاهُمَا تَخِفُّ الْأُخْرَى» (1/136) 282 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ، يَقُولُ: كَتَبَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ إِلَى
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ:
«أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاعْلَمْ
أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وَإِنَّمَا أُهْبِطَ إِلَيْهَا
آدَمُ عُقُوبَةً، فَبِحَسْبِ مَنْ لَا يَدْرِي ثَوَابَ اللَّهِ أَنَّهُ ثَوَابٌ، وَبِحَسْبِ
[ص:137] مَنْ لَا يَدْرِي عِقَابَ اللَّهِ أَنَّهُ عِقَابٌ، لَيْسَتْ صَرْعَتُهَا
كَالصَّرْعَةِ، تُهِينُ مَنْ أَكْرَمَهَا، وَتُعِزُّ مَنْ أَذَلَّهَا، وَتُذِلُّ
مَنْ أَعَزَّهَا، وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا، وَلَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ،
فَالزُّهْدُ فِيهَا تَرْكُهَا، وَالْغِنَى فِيهَا فَقْرُهَا، هِيَ وَاللَّهِ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهَا مَنْ لَا يَعْرِفُهَا
لِتَشْفِيَهُ، وَهِيَ حَتْفُهُ، فَكُنْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالْمُدَاوِي
جُرْحَهُ، يَحْتَمِي قَلِيلًا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلًا، وَيَصِيرُ عَلَى شِدَّةِ
الدَّوَاءِ مَخَافَةَ الْبَلَاءِ، فَأَهْلُ الْبَصَائِرِ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ مَشْيُهُمْ بِالتَّوَاضِعِ، وَمَلْبَسُهُمْ بِالِاقْتِصَادِ،
وَمَنْطِقُهُمْ بِالصَّوَابِ، وَمَطْعَمُهُمُ الطَّيِّبُ مِنَ الرِّزْقِ، وَقَدْ
نَفَذَتْ أَبْصَارُهُمْ فِي الْآجِلِ كَمَا نَفَذَتْ فِي الْعَاجِلِ، فَخَوْفُهُمْ
فِي الْبَرِّ كَخَوْفِهِمْ فِي الْبَحْرِ، وَدُعَاؤُهُمْ فِي السَّرَّاءِ
كَدُعَائِهِمْ فِي الضَّرَّاءِ، وَلَوْلَا الْأَجَلُ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِمْ
لَمْ تَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَبْدَانِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا خَوْفًا مِنَ
الْعِقَابِ، وَشَوْقًا إِلَى الثَّوَابِ، عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَعْيُنِهِمْ،
وَصَغُرَ الْمَخْلُوقُ عِنْدَهُمْ، فَارْضَ مِنْهَا بِالْكَفَافِ، وَلْيَكْفِكَ
مَا بَلَّغَكَ الْمَحَلَّ» (1/136) 283 - ثنا أَبُو بَكْرٍ الصُّوفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
مُعَاوِيَةَ الْأَسْوَدَ، يَقُولُ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ
طَالَ غَدًا فِي الْقِيَامَةِ غَمُّهُ»
(1/137) 284 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ
مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، يَقُولُ: «إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ هَمًّا فِي
الْآخِرَةِ أَقَلُّهُمْ هَمًّا فِي الدُّنْيَا» [ص:138] أَنْشَدَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ
أَبِي شَيْخٍ:مَا زَالَتِ الدُّنْيَا مُنَغِّصَةً ... لَمْ يَنْجُ صَاحِبُهَا مِنَ
الْبَلْوَىدَارُ الْفَجَائِعِ وَالْهُمُومِ وَدَارُ ... الْبَثِّ وَالْأَحْزَانِ وَالشَّكْوَىبَيْنَا
الْفَتَى فِيمَا يُسَرُّ بِهِ ... إِذْ صَارَ تَحْتَ خَرَابِهَا مُلْقَىتَقْفُو
مَسَاوِيهَا مَحَاسِنَهَا ... لَا شَيْءَ بَيْنَ النَّعْيِ وَالْبُشْرَى
(1/137) 285 - ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ،
قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: " اصْطَلَحْنَا عَلَى حُبِّ الدُّنْيَا، فَلَا
يَأْمُرُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَلَا يَنْهَى بَعْضُنَا بَعْضًا، وَلَا يَدَعُنَا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى هَذَا، فَلَيْتَ شِعْرِي، أَيُّ عَذَابِ اللَّهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ بِنَا؟ وَقَالَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الشُّعَرَاءِ:[البحر
المتقارب]رَكَنَّا إِلَى الدَّارِ دَارِ الْغُرُورِ ... وَقَدْ سَحَرَتْنَا بِلَذَّاتِهَافَمَا
نَرْعَوِي لِأَعَاجِيبِهَا ... وَلَا لِتَصَرُّفِ حَالَاتِهَانُنَافِسُ فِيهَا
وَأَيَّامُهَا ... تَرَدَّدُ فِينَا بِآفَاتِهَاأَمَا يَتَفَكَّرُ أَحْيَاؤُهَا
... فَيَعْتَبِرُونَ بِأَمْوَاتِهَاوَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ:كُلُّ حَيٍّ
وَإِنْ تَمَلَّى بِعَيْشٍ ... سَوْفَ يَحْدُوهُ بِالْفَنَا حَادِيَانِأَيْنَ
أَهْلُ الْحِجَا بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ ... وَالْبَهَالِيلُ مِنْ بَنِي مَرْوَانَ [ص:139]وَالْغُيُوثُ
اللُّيُوثُ فِي الْجَدْبِ وَالْحَرْبِ ... إِذَا مَا تَقَارَبَ
الزَّحْفَانِوَرِجَالٌ إِذَا اسْتَهَلُّوا عَلَى الْخَيْلِ ... فَجِنٌّ تَرَدَّى عَلَى
عِقْبَانِوَضَعَ الدَّهْرُ فِيهِمُ شَفْرَتَيْهِ ... وَتَوَالَى عَلَيْهِمُ
الْعَصْرَانِفَتَوَلَّوْا كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا ... وَاللَّيَالِي
يَلْعَبْنَ بِالْإِنْسَانِهَوِّنِ الْوَجْدَ إِنَّ كُلَّ الْوَرَى يَوْمًا ...
عَلَيْهِ سَيَعْصِفُ الْمَلَوَانِ
(1/138) 286 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ
يَحْيَى، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
«الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا لَا يُقِيمُ الرَّجُلَ عَلَى رَاحَةٍ تَسْتَرِيحُ
إِلَيْهَا نَفْسُهُ» (1/139) 287 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يَحْيَى، قَالَ:
ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «الْوَرَعُ يَبْلُغُ
بِالْعَبْدِ إِلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَالزُّهْدُ يَبْلُغُ بِهِ حُبَّ
اللَّهِ تَعَالَى» (1/139) 288 - حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ:
ثنا أَبُو يَحْيَى الزُّهْرِيُّ، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
الْعُمَرِيُّ عِنْدَ مَوْتِهِ: " بِنِعْمَةِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أُحَدِّثُ
أَنِّي لَمْ أَصْبَحْ أَمْلِكُ عَلَى النَّاسِ إِلَّا سَبْعَةَ دَرَاهِمَ مِنْ
لِحَاءِ شَجَرٍ فَتَلْتُهُ بِيَدَيَّ، وَبِنِعْمَةِ رَبِّي أُحَدِّثُ لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا
أَصْبَحَتْ تَحْتَ قَدَمَيَّ، لَا يَمْنَعُنِي مِنْ أَخْذِهَا إِلَّا أَنْ أَزِيلَ
قَدَمَيَّ عَنْهَا مَا [ص:140] أَزَلْتُهَا (1/139) 289 - حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ
هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَذَّاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ
الْعُمَرِيَّ، يَقُولُ: «إِنَّمَا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ إِنَاءَانِ، أَيُّهُمَا
أَكْفَأْتَ كَانَ الشُّغْلُ فِيهِ» (1/140) 290 - ثنا أَحْمَدُ بْنُ بُجَيْرٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: «مَثَلُ الْقَلْبِ
مَثَلُ الْإِنَاءِ إِذَا مَلَأْتَهُ ثُمَّ زِدْتَ فِيهِ شَيْئًا فَاضَ، فَكَذَلِكَ
الْقَلْبُ إِذَا امْتَلَأَ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا لَمْ تَدْخُلْهُ الْمَوَاعِظُ»
(1/140) 291 - حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
حَازِمٍ، يَقُولُ: " يَسِيرُ الدُّنْيَا يَشْغَلُ عَنْ كَثِيرِ الْآخِرَةِ (1/140)
292 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبَاءَةَ بْنِ كُلَيْبٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ الْحَارِثِيِّ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ
يَقُولُ: الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ، وَمَنْزِلُ بُلْغَةٍ، رَغِبَتْ عَنْهَا
السُّعَدَاءُ، وَانْتُزِعَتْ مِنْ أَيْدِي الْأَشْقِيَاءِ، فَأَشْقَى النَّاسِ
فِيهَا أَرْغَبُ النَّاسِ فِيهَا، وَأَزْهَدُ النَّاسِ فِيهَا [ص:141] أَسْعَدُ
النَّاسِ فِيهَا، هِيَ الْمُغْوِيَّةُ لِمَنْ أَطَاعَهَا، الْمُهْلِكَةُ لِمَنِ
اتَّبَعَهَا، الْخَائِنَةُ لِمَنِ انْقَادَ لَهَا، عِلْمُهَا جَهْلٌ، وَغِنَاهَا
فَقْرٌ، وَزِيَادَتُهَا نُقْصَانٌ، وَأَيَّامُهَا دُوَلٌ (1/140) 293 - حَدَّثَنِي
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ الْحَسَنِ
الزُّهْدَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اللِّبَاسُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَطْعَمُ،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَذَا، فَقَالَ الْحَسَنُ: " لَسْتُمْ فِي شَيْءٍ،
الزَّاهِدُ: الَّذِي إِذَا رَأَى أَحَدًا قَالَ هُوَ أَفْضَلُ مِنِّي "
(1/141) 294 - حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ، قَالَ: قَالَ وُهَيْبٌ: " لَوْ أَنَّ
عُلَمَاءَنَا عَفَا اللَّهُ عَنَّا وَعَنْهُمْ نَصَحُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ،
فَقَالُوا: يَا عِبَادَ اللَّهِ اسْمَعُوا مَا نُخْبِرُكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ
عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَصَالِحِ سَلَفِكُمْ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا،
فَاعْمَلُوا بِهِ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى أَعْمَالِنَا هَذِهِ الْفَاسِدَةِ
كَانُوا قَدْ نَصَحُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي عِبَادِهِ، وَلَكِنَّهُمْ
يَأْبُونَ إِلَّا أَنْ يَجُرُّوا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى فِتْنَتِهِمْ، وَإِلَى مَا
هُمْ فِيهِ " (1/141) 295 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ
عِيَاضٍ، يَقُولُ: لَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا انْتَقَصَ
مِنْ آخِرَتِهِ مِثْلَهُ. وَيُقَالُ: هَا بِمِثْلَيْهِ مِنَ الْهَمِّ، وَلَا
يُعْطَى أَحَدٌ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا قِيلَ: هَا بِمِثْلَيْهِ مِنَ
الشُّغْلِ، فَإِنْ شِئْتَ فَاسْتَكْثِرْ مِنْهَا، وَإِنْ شِئْتَ فَأَقْلِلْ،
وَاللَّهِ مَا تَأْخُذُ إِلَّا مِنْ كِيسِكَ " (1/142) 296 - ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ
فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، يَقُولُ: قِيلَ: " يَا مُوسَى أَيَحْزُنُ عَبْدِي
الْمُؤْمِنُ أَنْ أَزْوِيَ عَنْهُ الدُّنْيَا وَهُوَ أَقْرَبُ لَهُ مِنِّي؟
وَيَفْرَحُ أَنْ أَبْسُطَ لَهُ الدُّنْيَا وَهُوَ أَبْعَدُ لَهُ مِنِّي؟ (1/142)
297 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَا يُصِيبُ عَبْدٌ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا
نَقَصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ
كَرِيمًا» (1/142) 298 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ: «مَا
رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْظَمَ الدُّنْيَا فَقَرَّتْ عَيْنُهُ فِيهَا، وَلَا انْتَفَعَ
بِهَا، وَمَا حَقَّرَهَا أَحَدٌ إِلَّا تَمَتَّعَ بِهَا» (1/142) 299 -
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ، يَعْنِي الْفُضَيْلَ: «عَامَّةُ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا» ،
يَعْنِي إِذَا لَمْ تُحِبَّ ثَنَاءَ النَّاسِ، وَلَمْ تُبَالِ بِذَمِّهِمْ (1/142)
300 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا [ص:143] إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْأَشْعَثِ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، قَالَ: ثنا سَلَّامُ بْنُ
مِسْكِينٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: «أَهِينُوا الدُّنْيَا،
فَوَاللَّهِ مَا هِيَ لِأَحَدٍ بِأَهْنَأَ مِنْهَا لِمَنْ أَهَانَهَا» (1/142) 301
- ثنا الْخَلِيلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا ابْنُ السَّمَّاكِ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ
بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا
أَعْطَاهُ مِنَ الدُّنْيَا عَطِيَّةً، ثُمَّ يُمْسِكُ، فَإِذَا أَنْفَدَ أَعَادَ
عَلَيْهِ، فَإِذَا هَانَ عَلَيْهِ عَبْدُهُ بَسَطَهَا لَهُ بَسْطًا» (1/143) 302 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
الْكُمَيْتِ الْكِلَابِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ بُهَيْمٌ الْعِجْلِيُّ: «إِنَّمَا أَخَافُ أَنْ تَدَفَّقَ
عَلَيَّ الدُّنْيَا دَفْقَةً فَتُغْرِقَنِي» (1/143) 303 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْكِلَابِيُّ قَالَ: كَانَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَدْعُو: «أَيَا مُمْسِكَ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ
إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَمْسِكْ عَنِّي الدُّنْيَا» (1/143) 304 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْكُمَيْتِ، عَنْ
زَافِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زَائِدَةَ، قَالَ: قِيلَ لِمُحَمَّدِ
ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ قَدْرًا؟ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرَ
الدُّنْيَا كُلَّهَا لِنَفْسِهِ خَطَرًا؛ إِنَّهُ لَيْسَ لِأَبْدَانِكُمْ ثَمَنٌ
إِلَّا الْجَنَّةُ، فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا» (1/144) 305 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْكُمَيْتِ،
قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي حِكْمَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مِنْ عَلَامَةِ
الْمُرِيدِينَ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَرْكُهُمْ كُلَّ خَلِيطٍ لَا يُرِيدُ
مَا يُرِيدُونَ» (1/144) 306 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ
بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: ثنا
الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، قَالَ: " أَمْرَانِ
لَوْ لَمْ نُعَذَّبْ إِلَّا بِهِمَا كُنَّا مُسْتَحَقِّينَ بِهِمَا الْعَذَابَ
مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَحَدُنَا يُزَادُ الشَّيْءَ مِنَ الدُّنْيَا
فَيَفْرَحُ فَرَحًا مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ فَرِحَهُ بِشَيْءٍ زَادَهُ قَطُّ
فِي دِينِهِ، وَيُنْقَصُ الشَّيْءَ مِنَ الدُّنْيَا فَيَحْزُنُ عَلَيْهِ حُزْنًا
مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ حَزَنَهُ عَلَى شَيْءٍ نُقِصَهُ قَطُّ فِي دِينِهِ
" (1/144) 307 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: قَالَ
لِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: " أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ
رَجُلًا صَامَ الدَّهْرَ لَا يُفْطِرُ، وَقَامَ اللَّيْلَ لَا يَفْتُرُ،
وَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاجْتَنَبَ مَحَارِمَ
اللَّهِ تَعَالَى، غَيْرَ أَنَّهُ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ
فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ الْأَعْظَمِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيُقَالُ:
هَا إِنَّ هَذَا عَظَّمَ فِي عَيْنِهِ مَا صَغَّرَ اللَّهُ، وَصَغَّرَ فِي
عَيْنِهِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ، كَيْفَ تَرَى يَكُونُ حَالُهُ؟ فَمَنْ مِنَّا
لَيْسَ هَكَذَا، الدُّنْيَا عَظِيمَةٌ عِنْدَهُ، مَعَ مَا اقْتَرَفْنَا مِنَ
الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا
" (1/145) 308 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ،
قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ، يَقُولُ: " ذُكِرَ
عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا
عَظَّمَتْ أُمَّتِي الدُّنْيَا نُزِعَ مِنْهَا هَيْبَةُ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا تَرَكَتِ
الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ حُرِمَتْ بَرَكَةَ
الْوَحْيِ» قَالَ: وَذَكَرَ سُفْيَانُ نَحْوَهُ. قَالَ سُفْيَانُ: ذَلِكَ فِي
كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ
يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146] قَالَ:
مَعْنَاهُ: سَأَنْزِعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَهْمَ الْقُرْآنِ (1/145) 309 - نا
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ، يَقُولُ: «رَهْبَةُ
الْعَبْدِ مِنَ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ بِاللَّهِ، وَزَهَادَتُهُ فِي
الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ رَغْبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ» (1/146) 310 - ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ،
يَقُولُ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «لَا تَزَالُ نَفْسُ ابْنِ آدَمَ شَابَّةً فِي حُبِّ
الدُّنْيَا وَالدِّرْهَمِ، وَلَوِ الْتَقَتْ تَرْقُوَتَاهُ مِنَ الْكِبَرِ، إِلَّا
الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلْآخِرَةِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ»
(1/146) 311 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ: اشْتَدَّتْ مَؤُونَةُ
الدُّنْيَا وَمَؤُونَةُ الْآخِرَةِ، فَأَمَّا مَؤُونَةُ الْآخِرَةِ فَإِنَّكَ لَا
تَجِدُ لَهَا أَعْوَانًا، وَأَمَّا مَؤُونَةُ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ لَا تَضْرِبُ
بِيَدِكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا وَجَدْتَ فَاجِرًا قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ
" (1/146) 312 - ثنا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الرِّجَالِ قَالَ: ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ،
قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ،
رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ انْقَطَعَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ
بِابْنِ حُمَيْدٍ الْبَصْرِيِّ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ جَعَلْتَ الدُّنْيَا
فِتْنَةً وَنَكَالًا، فَاجْعَلْ حَظِّي مِنْ جَمِيعِهَا، وَنَصِيبِي مِنْ [ص:147]
قَسْمِهَا، وَشَرَفِي مِنْ سُلْطَانِهَا سُلُوًّا عَنْهَا، وَعَمَلًا بِمَا
تَرْضَى بِهِ عَنِّي» قَالَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الشُّعَرَاءِ:[البحر الطويل]أَرَى عِلَلَ
الدُّنْيَا تَرُوحُ وَتَغْتَدِي ... عَلَيْنَا كَأَطْرَافِ الْأَسِنَّةِ فِي
الْقَنَاأَخُوضُ مِنَ الدُّنْيَا غُرُورًا كَأَنَّهُ ... سَرَابٌ مِنَ الْآمَالِ وَاللَّهْوِ
وَالْمُنَىوَلِي كُلَّ يَوْمٍ بِالْمَنَايَا مُعَرِّضٌ ... مِنَ الْحَادِثَاتِ
لَيْسَ غَيْرِي بِهَا عَنَىكَفَى عَجَبًا أَنِّي أَمُوتُ وَأَنَّنِي ... مُكِبٌّ
عَلَى الدُّنْيَا وَأَبْنِي بِهَا الْبِنَاتَعَلَّقْتُ بِالدُّنْيَا غُرُورًا بِلَهْوِهَا
... إِذَا اسْتَحَيَتِ الدُّنْيَا هُنَا قُلْتُ هِيَ هُنَاوَمَا أَنَا إِلَّا
كَالْغَرِيقِ تَشَبَّثَتْ ... يَدَاهُ الْتِمَاسًا لِلْحَيَاةِ بِمَا دَنَاوَمَا
أَنَا إِنْ لَمْ يُلْبِسِ اللَّهُ سِتْرَهُ ... وَمَا أَنَا إِنْ لَمْ يَرْحَمِ
اللَّهُ مَنْ أَنَاوَقَالَ:عَجِبْتُ مِنَ الدُّنْيَا وَمِنْ حُبِّنَا لَهَا ...
وَلَمْ تَزَلِ الدُّنْيَا تُعَرِّضُ لِلْبُغْضِلَهَوْتُ وَسَاعَاتُ النَّهَارِ
حَثِيثَةٌ ... تَلَطَّفُ لِلْإِبْرَامِ مِنِّي وَلِلْنَقْضِوَقَالَ:[البحر الوافر]وَلِلدُّنْيَا
مُنًى فَاحْذَرْ مُنَاهَا ... مُنَى الدُّنْيَا مَرَاتِعُهَا وَخِيمَهْدَعِ
الدُّنْيَا لِرَاضِي الرَّتْعِ فِيهَا
... يَعِيشُ بِرَتْعِهِ عَيْشَ الْبَهِيمَهْوَمَا
زَالَتْ صُرُوفُ الدَّهْرِ تَجْرِي ... فَمُقْلِقَةٌ وَمُقْعِدَةٌ
مُقِيمَهْوَغِبُّ الصَّبْرِ عَافِيَةٌ وَرُوحٌ ... وَلَيْسَ الصَّبْرُ إِلَّا
بِالْعَزِيمَهْ
(1/146) 313 - حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ الْأَزْدِيُّ،
قَالَ: نَظَرَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى أَخِيهِ وَحِرْصِهِ عَلَى الدُّنْيَا،
فَقَالَ لَهُ: " أَيْ أَخِي أَنْتَ طَالِبٌ وَمَطْلُوبٌ، يَطْلُبُكَ مَنْ لَا
تَفُوتُهُ، وَتَطْلُبُ مَا قَدْ كُفِيتَهُ، فَكَأَنَّ مَا قَدْ [ص:148] غَابَ
عَنْكَ قَدْ كُشِفَ لَكَ، وَمَا أَنْتَ فِيهِ قَدْ نُقِلْتَ عَنْهُ، أَيْ أَخِي كَأَنَّكَ
لَمْ تَرَ حَرِيصًا مَحْرُومًا، وَلَا زَاهِدًا مَرْزُوقًا (1/147) 314 - حَدَّثَنِي 2438 أَبُو
عُمَرَ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: وَعَظَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ابْنًا لَهُ فَقَالَ
لَهُ: يَا بُنَيَّ إِنَّ الدُّنْيَا تَسْعَى عَلَى مَنْ يَسْعَى لَهَا، وَيَسْعَى
مَعَهَا، فَالْهَرَبُ مِنْهَا قَبْلَ الْعَطَبِ فِيهَا، فَقَدْ وَاللَّهِ
آذَنَتْكَ بِبَيْنٍ، وَانْطَوَتْ لَكَ عَلَى حَيْنٍ أَنْشَدَنِي عُمَرُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ هَارُونَ:إِنَّمَا الدُّنْيَا جُدُودٌ ... فَعَزِيزٌ
وَذَلِيلُوَأَخُو الْفَقْرِ حَقِيرٌ ... وَأَخُو الْمَالِ نَبِيلُفَإِذَا مَا
الْجَدُّ وَلَّى ... عَزَبَ الرَّأْيُ الْأَصِيلُكُلُّ بُؤْسٍ وَنُعَيْمٍ ...
فَهْوَ فِي الدُّنْيَا يَزُولُثُمَّ يَبْقَى اللَّهُ وَالْأَعْمَالُ ... وَالْفِعْلُ الْجَمِيلُ
(1/148) 700 - قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ لِدَاوُدَ بْنِ
رُشَيْدٍ بِخَطِّهِ: دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاكِ عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ،
فَقَالَ: عِظْنِي وَأَوْجِزْ، فَقَالَ: «مَا أَعْجَبَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، كَيْفَ غَلَبَ عَلَيْنَا؟ وَأَعْجِبْ مِمَّا نَصِيرُ
إِلَيْهِ كَيْفَ غَفْلَتُنَا عَنْهُ؟ عَجَبٌ لِصَغِيرٍ حَقِيرٍ إِلَى الْفَنَاءِ
يَصِيرُ غَلَبَ عَلَى كَثِيرٍ طَوِيلٍ دَائِمٍ غَيْرِ زَائِلٍ» (1/148) 315 - ثنا
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْقَتَّاتِ، قَالَ: قَالَ
ابْنُ السَّمَّاكِ: إِنَّ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا قَلِيلٌ،
وَإِنَّ الَّذِي بَقِيَ مِنْهَا فِي جَنْبِ الَّذِي مَضَى مِنْهَا قَلِيلٌ،
وَإِنَّمَا لَكَ مِنْهَا قَلِيلٌ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَلِيلِكَ إِلَّا قَلِيلٌ،
وَقَدْ أَصْبَحْتَ إِلَى دَارِ الشِّرَى وَدَارِ الْفِدَى، وَغَدًا تَصِيرُ إِلَى دَارِ
الْجَزَاءِ وَدَارِ الْبَقَاءِ، فَاشْتَرِ الْيَوْمَ نَفْسَكَ، وَفَادِهَا بِكُلِّ
جَهْدِكَ، لَعَلَّكَ أَنْ تَخْلُصَ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ (1/149) 316 - ثنا
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْقَتَّاتِ، قَالَ: قَالَ
ابْنُ السَّمَّاكِ: «إِنَّ الَّذِي نَخَافُ مِنْ شَرِّ الدُّنْيَا أَعْظَمُ مِنَ
الشَّرِّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ شَرُّ الدُّنْيَا
لَنَا عِنْدَ الْفِرَاقِ لَهَا، إِنْ صِرْنَا إِلَى الْهَلَاكِ بِهَا» (1/149) 317
- ثنا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ
قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي غِرَارَةَ، قَالَ: مَرَّتْ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بَرَاذِينُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمِنًى،
وَهِيَ تَرُوثُ الشَّعِيرَ، فَقَالَ:
أَمَا إِنَّ الْمَعَادَ لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا
غَلَبُونَا عَلَى الدُّنْيَا "، كَأَنَّهُ يُعَزِّي نَفْسَهُ (1/149) 318 -
حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الضَّبِّيُّ، وَفِي نُسْخَةٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الضَّبِّيُّ
قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ،
قَالَ: «إِنْ لَمْ تَدَعُوا الدُّنْيَا رَغْبَةً فِي الْآخِرَةِ فَاتْرُكُوهَا
[ص:150] أَنْفًا أَنْ تَكُونَ مُبَارَةً وَمَبَارِكَ أَكْثَرُهَا فِيهَا مِنْكُمْ»
يَعْنِي: حَبَشِيَّيْنِ كَانَا قَائِدَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ (1/149) 319 - حَدَّثَنِي
ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْقَرَنِيِّ، قَالَ: ثنا
فَرْوَةُ الْخَيَّاطُ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ:
صَالِحٌ قَالَ: سَمِعْتُ فَرْقَدًا السَّبَخِيَّ يَقُولُ: «خَدَعَتْكُمُ الدُّنْيَا
وَأَبْطَرَتْكُمْ، أَمَا وَاللَّهِ لَتَدَعُنَّهَا غَيْرَ مَحْمُودِينَ، وَلَا
مَعْرُوفٌ لَكُمْ ذَلِكَ»
(1/150) 320 - ثنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ:
قَالَ سَلَمَةُ بْنُ غِفَارٍ: قَالَ سُفْيَانُ: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ قَدْرَ
الدُّنْيَا فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ هِيَ» قَرَأْتُ فِي كِتَابِ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ
بِخَطِّهِ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ، قَالَ: قَالَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: إِنَّمَا زُهْدُ الزَّاهِدُونَ فِي الدُّنْيَا
اتِّقَاءَ أَنْ يُشْرِكُوا الْحَمْقَى وَالْجُهَّالَ فِي جَهَالَتِهِمْ (1/150)
321 - قَرَأْتُ فِي كِتَابِ دَاوُدَ أَيْضًا، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ،
قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنْ:
عِظْنِي وَأَوْجِزْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ: [ص:151] «أَمَّا بَعْدُ،
فَإِنَّ رَأْسَ مَا هُوَ مُصْلِحُكَ وَمُصْلِحٌ بِهِ عَلَى يَدَيْكَ الزُّهْدُ فِي
الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا الزُّهْدُ بِالْيَقِينِ، وَالْيَقِينُ بِالتَّفَكُّرِ، وَالتَّفَكُّرُ
بِالِاعْتِبَارِ، فَإِذَا أَنْتَ تَفَكَّرْتَ فِي الدُّنْيَا لَمْ تَجِدْهَا
أَهْلًا أَنْ تَبِيعَ بِهَا نَفْسَكَ، وَوَجَدْتَ نَفْسَكَ أَهْلًا أَنْ
تُكْرِمَهَا بِهَوَانِ الدُّنْيَا، فَإِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ،
وَمَنْزِلُ غَفْلَةٍ» (1/150) 322
- قَرَأْتُ فِي كِتَابِ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ،
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: «طَالِبُ الدُّنْيَا مِثْلُ شَارِبِ مَاءِ الْبَحْرِ، كُلَّمَا ازْدَادَ شُرْبًا
ازْدَادَ عَطَشًا حَتَّى يَقْتُلَهُ» (1/151) 323 - ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ،
قَالَ: قَالَ أَبُو الْمُغِيرَةِ الْبَصْرِيُّ: لَوْ أَنَّ عَبْدًا أَشْغَلَ
نَفْسَهُ نَفَسًا مِنْ أَنْفَاسِهِ فَأَصَابَ بِذَلِكَ النَّفَسِ الدُّنْيَا بِمَا
فِيهَا لَكَانَ هُوَ الْمَغْبُونُ فِي حَاضِرِ الْقِيمَةِ " (1/151) 324 -
وَقَالَ 54274 أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: «يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ، ازْهَدُوا فِي الدُّنْيَا تَمْشُوا
فِيهَا بِلَا هَمٍّ» (1/151)
325 - قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ أَبُو
هَاشٍمٍ: كَانًوا وَإِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا بِأَيْدِيهِمْ كَانُوا فِيهِ للَّهِ خُزَّانًا،
لَمْ يُنْفِقُوا فِي شَهَوَاتِهِمْ وَلَا لَذَّاتِهِمْ، كَانُوا إِذَا وَرَدَ
عَلَيْهِمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْضَوْهَا فِيهِ ".
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: «كُلُّ
شَيْءٍ فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا غَنِيمَةٌ» (1/151) 326 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ
الْحِمْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو رَاشِدٍ التَّنُوخِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
مَيْسَرَةَ، قَالَ: " كَانَ أَشْيَاخُنَا يُسَمُّونَ الدُّنْيَا خِنْزِيرَةً،
وَلَوْ وَجَدُوا لَهَا اسْمًا شَرًّا مِنْهُ سَمُّوهَا بِهِ، وَكَانُوا إِذَا
أَقْبَلَتْ إِلَى أَحَدِهِمْ دُنْيَا قَالُوا: إِلَيْكِ إِلَيْكِ يَا خِنْزِيرَةُ،
لَا حَاجَةَ لَنَا بِكِ، إِنَّا نَعْرِفُ إِلَهَنَا " (1/152) 327 - ثنا الْحَسَنُ
بْنُ عِيسَى، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أنا مَعْمَرٌ،
وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ
الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ، وَهُوَ
حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ
لَيَأْتِيَ بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ صَالِحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ
بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ
الْأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ:
«أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ؟» قَالُوا:
أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ،
فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا
عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَتَنَافَسُوهَا كَمَا
تَنَافَسُوهَا قَبْلَكُمْ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» (1/152) 328 -
حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: قَالَ
خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: «بِتُّ أُفَكِّرُ، فَكَبَسْتُ الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ
[ص:153] بِالذَّهَبِ الْأَحْمَرِ، ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا الَّذِي يَكْفِينِي مِنْ
ذَلِكَ رَغِيفَانِ وَطِمْرَانِ» وَزَادَ غَيْرُهُ: فَلَمَّا تَدَبَّرْتُ أَمْرِي إِذَا
أُمْنِيَّتِي أُمْنِيَةُ أَحْمَقَ وَأَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ:[البحر السريع]حَاسَبْتُ
نَفْسِي فَوَجَدْتُ الَّذِي ... مِنْ كُلِّ مَا فِي الْأَرْضِ يَكْفِيهَاقُوتًا
يُقِيمُ الصُّلْبَ مِنْهَا وَإِنْ ... قَلَّ وَأَطْمَارًا تُوَارِيهَافَإِنْ هِيَ
اسْتَغْنَتْ بِهَذَا الَّذِي
... يَكْفِي فَإِنَّ اللَّهَ مُغْنِيهَاوَإِنْ أَبَتْ
إِلَّا الْفُضُولَ الَّذِي ... يَقْتُلُهَا فَالتُّرْبُ فِي فِيهَا
(1/152) 329 - ثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ،
قَالَ: ثنا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتْ نَاقَةُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءُ لَا تُسْبَقُ،
فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ بِقَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ حَقٌّ عَلَى
اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ» (1/153) 330 -
ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي
حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُولَى، عَنْ
أَبِيهِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى جَبَلَ الْأَحْمَرِ
فَرَأَى [ص:154] شَاةً مَيِّتَةً، فَأَخَذْنَا بِأَنْفِنَا، فَقَالَ: «أَتَرَوْنَ
هَذِهِ كَرِيمَةً عَلَى أَهْلِهَا؟» قَالُوا: وَمَا كَرَامَتُهَا؟ قَالَ:
«فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا»
(1/153) 331 - ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْآخِرَةَ جَمَعَ اللَّهُ
لَهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ
رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ
أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا
مَا كُتِبَ لَهُ» (1/154) 332 - قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي
أُسَامَةَ، نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، نا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ،
عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبَ
الْآخِرَةِ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ،
وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبَ
الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَشَتَّتَ عَلَيْهِ
أَمْرَهُ، وَلَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ» (1/154) 333 - ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الْأَزْدِيُّ، ثنا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ،
قَالَ: ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ
وَسَدَمَهُ، لَهَا يَشْخَصُ، وَلَهَا يَنْصَبُ، وَإِيَّاهَا [ص:155] يَنْوِي،
جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَشَتَّتَ عَلَيْهِ
ضَيْعَتَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْهَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ
الْآخِرَةُ هَمَّهُ وَسَدَمَهُ، لَهَا يَشْخَصُ، وَلَهَا يَنْصَبُ، وَإِيَّاهَا يَنْوِي،
جَعَلَ اللَّهُ الْغِنَى فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَأَتَتْهُ
الدُّنْيَا وَهِيَ صَاغِرَةٌ رَاغِمَةٌ» (1/154) 334 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّيُّ، قَالَ:
ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا
الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرَ الدُّنْيَا فَقَالَ: إِنَّهَا
مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ
مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ تَعَالَى (1/155) 335 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ،
قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُتِيَ بِهَدِيَّةٍ، فَالْتَمَسَ فِي الْبَيْتِ شَيْئًا يَضَعُهُ فِيهِ،
فَقَالَ: «ضَعْهُ بِالْحَضِيضِ، فَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مَا أَعْطَى كَافِرًا مِنْهَا قَدْرَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ»
(1/155) 336 - ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى،
[ص:156] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى
عَقِيلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ ضَارِيَانِ فِي غَنْمٍ تَفَرَّقَتْ،
أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِهَا، وَالْآخَرُ فِي آخِرِهَا بِأَسْرَعَ فِيهَا فَسَادًا
مِنِ امْرِئٍ فِي دِينِهِ يَبْتَغِي شَرَفَ الدُّنْيَا وَمَالَهَا» (1/155) 337 -
حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَيَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ
عَمْرٍو، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، نا مُسْلِمٌ الْأَعْوَرُ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْفَرَّاءُ، قَالَ:
قَالَ الْحَسَنُ: «مَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَسَرَّتْهُ خَرَجَ خَوْفُ الْآخِرَةِ مِنْ
قَلْبِهِ، وَمَنِ ازْدَادَ عِلْمًا ثُمَّ ازْدَادَ عَلَى الدُّنْيَا حِرْصًا لَمْ
يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا، وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُغْضًا»
(1/156) 338 - ثنا شُجَاعُ بْنُ الْأَشْرَسِ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَيَّاشٍ، عَنْ مُطْعِمِ بْنِ الْمِقْدَامِ الصَّنْعَانِيِّ، وَغَيْرِهِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، قَالَ: كَتَبَ سَلْمَانُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنْ
يَا أَخِي، إِيَّاكَ أَنْ تَجْمَعَ، مِنَ الدُّنْيَا مَا لَا تُؤَدِّي شُكْرَهُ،
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
" يُجَاءُ بِصَاحِبِ الدُّنْيَا الَّذِي قَدْ أَطَاعَ اللَّهَ فِيهَا
وَمَالُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ قَالَ لَهُ
مَالُهَ: امْضِ، فَقَدْ أَدَّيْتَ فِيَّ حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ، ثُمَّ يُجَاءُ
بِصَاحِبِ الدُّنْيَا [ص:157] الَّذِي لَمْ يُطِعِ اللَّهَ فِيهَا، وَمَالُهُ
بَيْنَ كَتِفَيْهِ، كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ قَالَ لَهُ مَالُهُ:
وَيْلَكَ أَلَا أَدَّيْتَ حَقَّ اللَّهِ فِيَّ، فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى
يَدْعُوَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ " (1/156) 339 - ثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
قَالَ: ثنا سَيَّارٌ، قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ،
قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " الدُّنْيَا مَوْقُوفَةٌ مَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَالشَّنِّ الْبَالِي، تُنَادِي رَبَّهَا مُنْذُ يَوْمِ
خَلَقَهَا إِلَى يَوْمِ يُفْنِيهَا: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، لِمَ تُبْغِضُنِي؟ يَا
رَبِّ يَا رَبِّ، لِمَ تُبْغِضُنِي؟ فَيَقُولُ لَهَا: اسْكُتِي يَا لَا شَيْءَ، اسْكُتِي
يَا لَا شَيْءَ " (1/157) 340 - ثنا شُجَاعُ بْنُ الْأَشْرَسِ، قَالَ: ثنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ
الْبَهْرَانِيُّ، وَغَيْرُهُ، أَنَّ الْمَسِيحَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ
يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: " بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ شَرَّكُمْ عَمَلًا
عَالِمٌ يَخْتَارُ الدُّنْيَا، وَدَّ لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ كَانُوا فِي
عَمَلِهِ مِثْلَهُ، مَا أَحَبَّ إِلَى عَبِيدِ الدُّنْيَا لَوْ يَجِدُونَ مَعْذِرَةً،
وَمَا أَبْعَدَهُمْ مِنْهَا لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " (1/157) 341 - ثنا
صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْجُعْفِيُّ
قَائِدُ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مَسْعُودٍ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ فِي غُرْفَةٍ لَهُ كَأَنَّهَا بَيْتُ حَمَامٍ، وَإِذَا
هُوَ نَائِمٌ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ بِجِلْدِهِ، فَجَعَلْتُ أَمْسَحُ عَنْهُ
وَأَبْكِي، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا يُبْكِيكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ ذَكَرْتُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ يَفْتَرِشَانِ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ،
فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ؟ مَا
أَنَا وَالدُّنْيَا إِلَّا كَمَثَلِ رَجُلٍ مَرَّ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ
تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَمَّا أَبْرَدَ ارْتَحَلَ، فَذَهَبَ» (1/158) 342 - ثنا يَحْيَى
بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: نا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، قَالَ
حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: كَانُوا
يَتَوَاصُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ يَكْتُبُ بِهَا بَعْضُهُمْ
إِلَى بَعْضٍ: «مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ تَعَالَى كَفَاهُ اللَّهُ النَّاسَ، وَمَنْ
عَمِلَ لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ دُنْيَاهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ
أَصْلَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَانِيَتَهُ» (1/158) 343 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ
بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: قَالَ الْعُمَرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: " الزُّهْدُ:
الرِّضَا " (1/158) 344 - وَحَدَّثَنِي مَنْ، سَمِعَ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي
الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ، قَالَ:
«الْوَرَعُ أَوَّلُ الزُّهْدِ، وَالْقَنَاعَةُ أَوَّلُ الرِّضَا» . قَالَ
أَحْمَدُ: وَقُلْتُ لِأَبِي هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَغَازِلِيِّ: أَيُّ
شَيْءٍ الزُّهْدُ؟ قَالَ: قَطْعُ الْآمَالِ، وَإِعْطَاءُ الْمَحْمُودِ، وَخَلْعُ
الرَّاحَةِ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَزَعَمَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
أَنَّ أَيُّوبَ بْنَ شَبِيبٍ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ،
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ بِصَاحِبِ الرَّأْيِ، عَنْ أَبِي السَّحْمَاءِ،
قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ بَيْنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَالْفُسْطَاطِ إِذَا بِرَجُلٍ
عَلَى فَرَسٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا السَّحْمَاءِ مَا تَعُدُّونَ الزُّهْدَ فِيكُمْ؟
قَالَ: قُلْتُ: تَرْكُ هَذَا الْحُطَامِ، قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ هُوَ أَنْ
يَتَنَحَّى الرَّجُلُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَرْجُو أَنْ يَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ فِيهِ فَيَرْحَمَهُ» (1/159) 345 - ثنا 1273 الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
الْجَرَوِيُّ، قَالَ: كَانَ أَبُو السَّحْمَاءِ الْكَلْبِيُّ قَدْ بَلَغَ مِنَ
الدُّنْيَا وَالسُّلْطَانِ مَبْلَغًا، ثُمَّ عَزَمَ لَهُ عَلَى الزُّهْدِ فِيهَا،
فَتَرَكَ ذَلِكَ أَجْمَعَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالتَّنَسُّكِ "
(1/159) 346 - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ، أَنَّهُ
خَرَجَ مَرَّةً مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا، فَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، اسْتَرَحْنَا مِنْ صُحْبَةِ الْمُلُوكِ، نَمُدُّ أَرْجُلَنَا إِذَا
شِئْنَا، وَنَتَّكِئُ إِذَا شِئْنَا، وَنَعْمَلُ مَا أَرَدْنَا " (1/159) 347 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ،
عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «مَنْ ذَا الَّذِي يَبْنِي عَلَى مَوْجِ الْبَحْرِ دَارًا،
تِلْكُمُ الدُّنْيَا فَلَا [ص:160] تَتَّخِذُوهَا قَرَارًا» (1/159) 348 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: كَانَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ يَقُولُ
فِي كَلَامِهِ: " فِي كُلِّ حَالٍ تَلْقَى الدُّنْيَا مُخْتَمِرَةً
مُتَنَكِّرَةً، حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ دِيَارَ الْهَالِكِينَ كَشَفَتْ قِنَاعَهَا
وَانْحَسَرَتْ، فَانْتَصَبَهَا الْعَامِلُونَ مِثَالًا لِأَنْفُسِهِمْ، فَنَظَرُوا
فِيهَا بِالْعِبَرِ، وَقَطَعُوا قُلُوبَهُمْ عَمَّا أُخْرِجَ إِلَيْهَا
بِالْفِكْرِ فِي الْغِيَرِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْزَلُوا الدُّنْيَا حَقَّ
مَنْزِلَتِهَا، فَهُمْ فِيهَا أَهْلُ كَلَالٍ وَوَصَبٍ، قَدْ ذَوَّبُوا
الْأَجْسَادَ، وَأَظْمَئُوا الْأَكْبَادَ خَوْفًا أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْهَالِكِينَ
قَبْلَهُمْ، الَّذِينَ أَنَاخَتِ الدُّنْيَا فِي دِيَارِهِمْ، فَأَسْعَرَتْهُمْ
فِي طَوَارِقِ مِثْلِهَا مِمَّا صَارُوا بِذَلِكَ عِبَرًا وَحَدِيثًا لِلْبَاقِينَ
مِنْ بَعْدِهِمْ، فَالْقَوْمُ فِي مُنَاجَاةِ الْعَزِيزِ بِالِاسْتِكَانَةِ لَهُ،
وَالتَّذَلُّلِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ شَرِّ مَا
تَهْجُمُ بِهِ الدُّنْيَا عَلَى أَوْلِيَائِهَا، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي الْخَلَاصِ
مِنْ ذَلِكَ، لَا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ طَاعَةً، وَلَوْ مَاتُوا
قِيَامًا عَلَى الْأَعْقَابِ مُتَعَبِّدِينَ، وَلَا يَسْتَصْغِرُونَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا مِنَ الْمَعَاصِي لَحْظَةً، وَلَوْ كَانُوا
أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، مَلَأَتِ الْآخِرَةُ قُلُوبَهُمْ،
فَلَيْسَ لِأَنْفُسِهِمْ عِنْدَهُمْ فِي الدُّنْيَا رَاحَةٌ، أُولَئِكَ الَّذِينَ
اتَّصَلَتْ قُلُوبُهُمْ بِمَحَبَّةِ وَصْفِ سَيِّدِهِمْ دَارَ الْقَرَارِ،
فَعَلِقُوا مِنَ الْوَصْفِ بِأَوْهَامِ الْعُقُولِ، مَا اسْتَطَارَتْ لِذَلِكَ قُلُوبُهُمْ،
وَغَشِيَتْ مِنْ غَيْرِهِ أَبْصَارُهُمْ، فَعَيْشُهُمْ فِي الدُّنْيَا مَنْغُوصٌ،
وَحَظُّهُمْ مِنْهَا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ مَنْقُوصٌ، يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا
بِعَيْنِ الرَّهْبَةِ مِنْهَا، فَإِذَا ذُكِرَتْ عِنْدَهُمُ الْآخِرَةُ جَاءَتِ
[ص:161] الرَّغْبَةُ، فَطَاشَتْ عِنْدَهَا الْعُقُولُ، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ:
إِنَّ الدُّنْيَا كَأْسُ سَكَرَاتٍ، أَمَاتَتْ شَارِبِيهَا وَهُمْ أَحْيَاءٌ،
فَعَمُوا وَهُمْ يُبْصِرُونَ، وَصَمُّوا وَهُمْ يَسْمَعُونَ، وَخَرِسُوا وَهُمْ
يَنْطِقُونَ، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: لَيْتَ الدُّنْيَا لَهُمْ لَمْ تُخْلَقْ،
وَلَيْتَهَا إِذْ خُلِقَتْ لَمْ أُخْلَقْ، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: تَصْرِعُنَا وَنَثِقُ
بِهَا، تُرِينَا غِيَرَهَا فَنُوَارِيهِ عَنْ أَنْفُسِنَا، فَيَا عَجَبًا كُلَّ
الْعَجَبِ مِنْ زَاهِدٍ فِيكَ وَأَنْتَ تَرْغَبُ فِيهِ، وَيَا عَجَبًا كُلَّ
الْعَجَبِ مِنْ مَاقِتٍ لَكَ وَأَنْتَ لَهُ مُحِبٌّ وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ
الْقُرَشِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:[البحر الرمل]أَيُّهَا الْآمِنُ الَّذِي ...
عَيْنُهُ الدَّهْرَ نَائِمَهْأَيْقِظِ الْعَيْنَ إِنَّهَا ... بِالْأَمَانِيِّ حَالِمَهْلَا
تَغُرَّنْكَ الْحَيَا ... ةُ بِدُنْيَا مُسَالِمَهْإِنَّهَا بَعْدَ سِلْمِهَا ...
ذَاتَ يَوْمٍ مُرَاغِمَهْوَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ:[البحر الكامل]احْذَرْ مِنَ
الدُّنْيَا تَعَبُّثَهَا ... كَمْ صَالِحٍ عَبِثَتْ بِهِ فَفَسَدْمَا بَيْنَ
فَرْحَتِهَا وَتَرْحَتِهَا ... إِلَّا كَمَا قَامَ امْرُؤٌ وَقَعَدْيَا ذَا
الْمُزَوِّقِ دَارَ مُلْكِ بِلًى ... مَضْرُوبَةً مَثَلًا لِدَارِ أَبَدْكَمْ مِنْ
أَخٍ لَكَ مَاتَ مُسْتَلَبٍ كَشِهَابِ ضَوْءٍ لَاحَ ثُمَّ خَمَدْ
(1/160) 349 - ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ الْمُهَلَّبِيُّ،
قَالَ: ثنا [ص:162] حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِنَهَارٍ، ثُمَّ
قَامَ فَخَطَبَنَا فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا
أَخْبَرَ بِهِ، فَحَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ. قَالَ:
وَجَعَلَ النَّاسُ يَتَلَفَّتُونَ إِلَى الشَّمْسِ، هَلْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَقَالَ:
«أَلَا إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا
بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ» (1/161) 350 - حَدَّثَنِي الْفُضَيْلُ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
ثنا وَهْبُ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعِيدٍ خَلَفُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ هَذِهِ الدُّنْيَا مَثَلُ ثَوْبٍ شُقَّ مِنْ
أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، فَبَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِخَيْطٍ فِي آخِرِهِ، فَيُوشِكُ
ذَلِكَ الْخَيْطُ أَنْ يَنْقَطِعَ» (1/162) 351 - ثنا حُمَيْدٌ النَّسَائِيُّ،
قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ [ص:163] أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ
بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ
اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ» . فَقِيلَ: مَا بَرَكَاتُ الْأَرْضِ؟ قَالَ:
«زَهْرَةُ الدُّنْيَا» (1/162) 352 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي يَوْمٍ
شَدِيدِ الْبَرْدِ، وَإِذَا هُوَ فِي جُبَّةٍ بَاطِنُهَا قُوهِيٌّ مُعَصْفَرٌ، وَظَاهِرُهَا
خَزٌّ أَغْبَرُ، وَحَوْلَهُ أَرْبَعَةُ كَوَانِينَ، قَالَ: فَرَأَى الْبَرْدَ فِي تَقَفْقُفِي،
فَقَالَ: مَا أَظُنُّ يَوْمَنَا هَذَا إِلَّا بَارِدًا، فَقُلْتُ: أَصْلَحَ
اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا يَظُنُّ أَهْلُ الشَّامِ أَنَّهُ أَتَى
عَلَيْهِمْ يَوْمٌ أَبْرَدُ مِنْهُ.
قَالَ: فَذَكَرَ الدُّنْيَا، فَذَمَّهَا وَنَالَ
مِنْهَا، وَقَالَ: هَذَا مُعَاوِيَةُ عَاشَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، عِشْرِينَ
أَمِيرًا، وَعِشْرِينَ خَلِيفَةً، هَذِهِ جُثْوتُهُ عَلَيْهَا ثُمَامَةٌ
نَابِتَةٌ، لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ حَنْتَمَةَ مَا كَانَ أَعْلَمَهُ بِالدُّنْيَا
" (1/163) 353 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ شَيْخٍ، لَهُ:
أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَقَفَ عَلَى قَبْرِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ نُبَيْتَةٌ تَهْتَزُّ وَتَزْهَرُ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ
لِلَّهِ عِشْرِينَ سَنَةً أَمِيرًا، وَعِشْرِينَ سَنَةً خَلِيفَةً، ثُمَّ صِرْتَ
إِلَى هَذَا، هَلِ الدَّهْرُ وَالْأَيَّامُ إِلَّا مَا تَرَى؟ رَزِيَّةُ مَالٍ،
أَوْ فِرَاقُ حَبِيبٍ» (1/164) 354 - سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَقِيلٍ
يُحَدِّثُ مُحَمَّدَ بْنَ قُدَامَةَ قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: «مِنْ عَلَامَةِ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَرْكُهُمْ كُلَّ
خَلِيطٍ لَا يُرِيدُ مَا يُرِيدُونَ»
(1/164) 355 - سَمِعْتُ يَمَانًا الْحَذَّاءَ يُحَدِّثُ
مُحَمَّدَ بْنَ قُدَامَةَ قَالَ: قَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ لِأَبِي تُرَابٍ: «الدُّخُولُ فِي
الدُّنْيَا هَيِّنٌ، لَكِنَّ التَّخَلُّصَ مِنْهَا شَدِيدٌ» (1/164) 356 - ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، قَالَ: قَدِمَ مَلِكٌ
مِنَ الْمُلُوكِ عَلَى رَجُلٍ يَقْضِي فَقَتَلَهُ، فَقَالَ: مَا أَرَاهُ كَانَ
يَقْضِي إِلَّا وَعِنْدَهُ كُتُبٌ، فَبَعَثَ إِلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ إِلَى
أُخْتِهِ: هَلْ كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ؟ قُلْنَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ
كِتَابٌ صَغِيرٌ لَا يُفَارِقُهُ، فَالْتَمَسُوهُ فِي مَقْتَلِهِ، فَوَجَدُوا
كِتَابًا فِيهِ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ: عَجِبْتُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ
حَقٌّ كَيْفَ يَفْرَحُ؟ وَعَجِبْتُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ حَقٌّ كَيْفَ يَضْحَكُ؟
وَعَجِبْتُ لِمَنْ يَرَى تَغَيُّرَ الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ
يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا؟ وَعَجِبْتُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَدَرَ حَقٌّ كَيْفَ
يَنْصَبُ؟ (1/164) 357 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنِ الْوَلِيدِ
بْنِ شُجَاعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: كَانَ مَلِكٌ مِنَ
الْمُلُوكِ لَا يَأْخُذُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ إِلَّا أَمَرَ
بِصَلْبِهِ، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ فَأَمَرَ
بِصَلْبِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَوْصِ قَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ أُوصِي؟ أُدْخِلْتُ الدُّنْيَا
وَلَمْ أُسْتَأْمَرْ، وَعِشْتُ فِيهَا جَاهِلًا، وَأُخْرِجْتُ وَأَنَا كَارِهٌ
". قَالَ: وَكَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ إِلَّا
وَمَعَهُ كِيسٌ مُدَوَّرٌ مِمَّا يَتَّخِذُهُ الْفُرْسُ، فِيهِ ذَهَبٌ أَوْ
فِضَّةٌ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْتَدَرُوا ذَلِكَ الْكِيسَ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ
فِيهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، فَأَصَابُوا كِتَابًا فِيهِ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ: إِذَا
كَانَ الْقَدَرُ حَقًّا فَالْحِرْصُ بَاطِلٌ، وَإِذَا كَانَ الْغَدْرُ فِي
النَّاسِ طِبَاعًا فَالثِّقَةُ بِكُلِّ أَحَدٍ عَجْزٌ، وَإِذَا كَانَ الْمَوْتُ
لِكُلِّ أَحَدٍ رَاصِدًا فَالطُّمَأْنِينَةُ إِلَى الدُّنْيَا حُمْقٌ "
(1/165) 358 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَبُو
هُرْمُزَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى نُوحٍ
عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا أَطْوَلَ النَّبِيِّينَ عُمْرًا كَيْفَ
وَجَدْتَ الدُّنْيَا وَلَذَّتَهَا؟ قَالَ: «كَرَجُلٍ دَخَلَ بَيْتًا لَهُ
بَابَانِ، فَقَامَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ هُنَيَّةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ»
(1/165) 359 - ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ
بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: «أَنْ لَا تُؤَخِّرَ عَمَلَ الْيَوْمِ لِغَدٍ
فَتَدَارَكَ عَلَيْكَ الْأَعْمَالُ [ص:166] فَتَضِيعَ، فَإِنَّ لِلنَّاسِ نَفْرَةً عَنْ
سُلْطَانِهِمْ، أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ يُدْرِكَنِي وَإِيَّاكُمْ ضَغَائِنُ
مَحْمُولَةٌ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُتَّبَعَةٌ» (1/165) 360 - ثنا إِسْحَاقُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي
الْبَخْتَرِيِّ، وَمَيْسَرَةَ، قَالَا: إِنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَسَمَ
مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ إِلَّا أَرْبَعَةُ آلَافٍ،
فَأَمَرَ بِهَا فَقُسِمَتْ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا وَاللَّهِ
حَتَّى تَبْعَرَ فِيهِ الْغَنَمُ» (1/166) 361 - ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَاتِمٍ
الطَّوِيلُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَزْهَدَ فِي
الدُّنْيَا مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (1/166) 362 - حَدَّثَنِي
هَارُونُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا ضَمْرَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
شَوْذَبٍ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَسَمَ الدُّنْيَا
بِالْوَحْشَةِ، لِيَكُونَ أُنْسُ الْمُطِيعِينَ بِهِ (1/166) 363 - ثنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: «أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّكُمْ خُلِقْتُمْ لِأَمْرٍ، إِنْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ بِهِ
إِنَّكُمْ لَحَمْقَى، وَإِنْ كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ إِنَّكُمْ لَهَلْكَى،
إِنَّمَا خُلِقْتُمْ لِلْأَبَدِ، وَلَكِنَّكُمْ تُنْقَلُونَ مِنْ دَارٍ إِلَى
دَارٍ، عِبَادَ اللَّهِ إِنَّكُمْ فِي دَارٍ لَكُمْ فِيهَا مِنْ طَعَامِكُمْ
غَصَصٌ، وَمِنْ شَرَابِكُمْ شَرَقٌ، لَا تَصْفُو لَكُمْ نِعْمَةٌ تُسَرُّونَ بِهَا
إِلَّا بِفِرَاقِ أُخْرَى تَكْرَهُونَ فِرَاقَهَا، فَاعْمَلُوا لِمَا أَنْتُمْ
صَائِرُونَ إِلَيْهِ، وَخَالِدُونَ فِيهِ» ، ثُمَّ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ فَنَزَلَ
(1/166) 364 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي رَجُلٌ، مِنَ الْأَزْدِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: «لَا تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنْيَا
وَالْمُهْلَةُ فِيهَا، فَعَنْ قَلِيلٍ عَنْهَا تُنْقَلُونَ، وَإِلَى غَيْرِهَا تَرْتَحِلُونَ،
فَاللَّهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَبَادِرُوا بِهَا الْفَوْتَ
قَبْلَ حُلُولِ الْمَوْتِ، وَلَا يَطُولُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ،
فَتَكُونُوا كَقَوْمٍ دُعَوْا إِلَى حَظِّهِمْ فَقَصَّرُوا عَنْهُ بَعْدَ
الْمُهْلَةِ، فَنَدِمُوا عَلَى مَا قَصَّرُوا عِنْدَ الْآخِرَةِ» قَالَ: ثُمَّ
نَحِبَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ (1/167) 365 - قَالَ أَبُو مُوسَى
الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ
عَلَى الْمِنْبَرِ: لَسَحْقُ رِدَائِي هَذَا أَحَبُّ إِلَى مِمَّا مَضَى مِنَ
الدُّنْيَا، وَلَمَّا بَقِيَ مِنْهَا أَشْبَهُ بِمَا مَضَى مِنَ الْمَاءِ
بِالْمَاءِ (1/167) 366 - ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبِ بْنِ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ
الْقَيْسِ قَالَ: دَخَلَتْ حُرَقَةُ ابْنَةُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَلَى
مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ لَهَا: أَخْبِرِينِي عَنْ حَالِكُمْ
كَيْفَ كَانَتْ؟ قَالَتْ: أُطِيلُ أَمْ أُقْصِرُ؟ قَالَ: لَا، بَلِ اقْصِرِي. قَالَتْ:
أَمْسَيْنَا مَسَاءً وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَرْغَبُ
إِلَيْنَا، وَهُوَ يَرْهَبُ مِنَّا، فَأَصْبَحْنَا صَبَاحًا وَلَيْسَ فِي
الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلَّا وَنَحْنُ نَرْغَبُ إِلَيْهِ، وَنَرْهَبُ مِنْهُ "
ثُمَّ قَالَتْ: [ص:168][البحر الطويل]فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ
... إِذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُفَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ
نَعِيمُهَا ... تَقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتَصَرَّفُ.وَأَنْشَدَنِي أَبُو
عَجَاجَةَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ:[البحر الطويل]أَلَا إِنَّمَا
الدُّنْيَا كَنَبْتِ قَرَارَةٍ
... تَعَالَتْ قَلِيلًا ثُمَّ هَبَّتْ
سَمُومُهَاوَكَيْفَ عَلَى الدُّنْيَا تُبَكِّي وَقَدْ تَرَى ... بِعَيْنَيْكَ أَنْ
لَمْ يَبْقَ إِلَّا ذَمِيمُهَا
(1/167) 367 - ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْبَزَّارُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيِّ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَجَلِيِّ، وَغَيْرِهِ، قَالُوا:
قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ رَجُلٌ مِنْ نَجْرَانَ، يَقُولُونَ: إِنَّ لَهُ يَوْمَ
قَدِمَ عَلَيْهِ مِائَتَيْ سَنَةٍ، فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّنْيَا، فَقَالَ:
سُنِيَّاتٌ بَلَاءٌ، وَسُنِّيَاتٌ رَخَاءٌ، يَوْمٌ فَيَوْمٌ، وَلَيْلَةٌ
فَلَيْلَةٌ: يُولَدُ مَوْلُودٌ، وَيَهْلَكُ هَالِكٌ، فَلَوْلَا الْمَوْلُودُ بَادَ
الْخَلْقُ، وَلَوْلَا الْهَالِكُ ضَاقَتِ الدُّنْيَا بِمَنْ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ:
سَلْ قَالَ: عُمْرٌ مَضَى فَتَرُدَّهُ، أَوْ أَجَلٌ قَدْ حَضَرَ فَتَدْفَعَهُ؟ قَالَ: لَا أَمْلِكُ
ذَلِكَ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي إِلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ:[البحر البسيط]اسْتَرْزِقِ
اللَّهَ خَيْرًا وَارْضَيَنَّ بِهِ ... فَبَيْنَمَا الْعُسْرُ إِذْ دَارَتْ
مَيَاسِيرُوَبَيْنَمَا الْمَرْءُ فِي الْأَحْيَاءِ مُغْتَبِطٌ ... إِذْ صَارَ
رَمْسًا تُعَفِّيهِ الْأَعَاصِيرُ
(1/168) 368 - وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ،
عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيَّ، يُنْشِدُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حِطَّانَ:[البحر الطويل]أَرَى
أَشْقِيَاءَ النَّاسِ لَا يَسْأَمُونَهَا ... عَلَى أَنَّهُمْ فِيهَا عُرَاةٌ
وَجُوَّعُأَرَاهَا وَإِنْ كَانَتْ تُحِبُّ كَأَنَّهَا ... سَحَابَةُ صَيْفٍ عَنْ
قَلِيلٍ تَقَشَّعُ
(1/169) 369 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ،
قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَجِبْتُ مِمَّنْ يَحْزَنُ عَلَى نُقْصَانِ
مَالِهِ، وَلَا يَحْزَنُ عَلَى فَنَاءِ عُمْرِهِ، وَعَجِبْتُ مِمَّنِ الدُّنْيَا
مُوَلِّيَةٌ عَنْهُ وَالْآخِرَةُ مُقْبِلَةٌ إِلَيْهِ، يَشْتَغِلُ
بِالْمُدْبِرَةِ، وَيُعْرِضُ عَنِ الْمُقْبِلَةِ (1/169) 370 - حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، فَقَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارِكُمْ، دَارٌ
كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْفَنَاءَ، وَكَتَبَ عَلَى أَهْلِهَا مِنْهَا الظَّعْنَ،
فَكَمْ عَامِرٌ مُونِقٌ عَمَّا قَلِيلٍ يُخَرِّبُ، وَكَمْ مُقِيمٌ مُغْتَبِطٌ
عَمَّا قَلِيلٍ يَظْعَنُ، فَأَحْسِنُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مِنْهَا الرِّحْلَةَ
بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ النُّقْلَةِ، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوَى، إِنَّمَا الدُّنْيَا كَفَيْءِ ظِلَالٍ قَلَصَ فَذَهَبَ،
بَيْنَمَا ابْنُ آدَمَ فِي الدُّنْيَا يُنَافِسُ فِيهَا قَرِيرَ الْعَيْنِ
قَانِعًا، إِذْ دَعَاهُ اللَّهُ بِقَدَرِهِ، وَرَمَاهُ بِيَوْمِ حَتْفِهِ،
فَسَلَبَهُ آثَارَهُ وَدُنْيَاهُ، [ص:170] وَصَيَّرَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ
مَصَانِعَهُ وَمَغْنَاهُ، إِنَّ الدُّنْيَا لَا تَسُرُّ بِقَدْرِ مَا تَضُرُّ،
إِنَّهَا تَسُرُّ قَلِيلًا، وَتُحْزِنُ حُزْنًا طَوِيلًا " (1/169) 371 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ:
قَالَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ: «يَا ابْنَ آدَمَ فَرِحْتَ بِبُلُوغِ أَمَلِكَ،
وَإِنَّمَا بَلَغْتَهُ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ أَجَلِكَ، ثُمَّ سَوَّفْتَ
بِعَمَلِكَ، كَأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِغَيْرِكَ» أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ:[البحر البسيط]مَنْ كَانَ رَاكِبَ يَوْمٍ لَيْسَ يَأْمَنُهُ ...
وَلَيْلَةٍ عَلَّهَا فِي عُقْبِ دُنْيَاهُفَكَيْفَ يَلْتَذُّ عَيْشًا أَوْ يَطِيبُ
لَهُ ... وَكَيْفَ تَعْرِفُ طَعْمَ الْغُمْضِ عَيْنَاهُ
(1/170) 372 - حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ،
قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ
الْأَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: «الدُّنْيَا
سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، فَقَدْ مَضَى مِنْهَا سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّ مِائَةٍ
أَوْ خَمْسُ مِائَةٍ وَنَيِّفٌ مُنْذُ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ» (1/170) 373 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ،
قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ
رَجُلًا مِنَ الْعُبَّادِ قَالَ: «الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ،
لَأَعْبُدَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عِبَادَةً لَعَلِّي أَنْجُو مِنْ يَوْمٍ كَانَ
مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَعِشْ بَعْدَ مَقَالَتِهِ
هَذِهِ يَوْمًا وَاحِدًا، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنِيَّتِهِ» (1/170) 374
- حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ سَلْمِ
بْنِ مَيْمُونٍ الْخَوَّاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ [ص:171] زَائِدَةَ،
يَقُولُ: كَانَ كُرْزٌ الْجُرْجَانِيُّ يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ، فَقِيلَ لَهُ
فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَمْ بَلَغَكُمْ عُمْرُ الدُّنْيَا؟ "، قَالُوا:
سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ قَالَ: فَكَمْ بَلَغَكُمْ مِقْدَارُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟
قَالُوا: خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ: أَفَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْمَلَ سُبْعَ
يَوْمٍ حَتَّى يَأْمَنَ ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ (1/170) 375 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا عَوْنُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ
عَالِمٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ
الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وَإِنَّمَا أُهْبِطَ آدَمُ مِنَ
الْجَنَّةِ إِلَيْهَا عُقُوبَةً، يَحْسَبُ مَنْ لَا يَدْرِي مَا ثَوَابُ اللَّهِ أَنَّهَا
ثَوَابٌ، وَيَحْسَبُ مَنْ لَا يَدْرِي مَا عِقَابُ اللَّهِ أَنَّهَا عِقَابٌ،
وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا دَارٌ سُلِّمَ أَهْلُهَا إِلَى النِّقْمَةِ
أَوِ الْكَرَامَةِ، مِثْلُهَا مِثْلُ الْحَيَّةِ مَسَّهَا لَيِّنٌ وَفِيهَا
الْمَوْتُ، فَكُنْ فِيهَا كَالْمَرِيضِ الَّذِي يُكْرِهُ نَفْسَهُ عَلَى
الدَّوَاءِ رَجَاءَ الْعَافِيَةِ، وَيَدَعُ مَا يَشْتَهِي مِنَ الطَّعَامِ رَجَاءَ
الْعَافِيَةِ (1/171) 376 - ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَخِي، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ،
عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: مَا الدُّنْيَا كُلُّهَا مِنْ أَوَّلِهَا
إِلَى آخِرِهَا، إِلَّا كَرَجُلٍ نَامَ نَوْمَةً فَرَأَى فِي مَنَامِهِ مَا
يُحِبُّ، ثُمَّ انْتَبَهَ أَنْشَدَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
لِسُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ الْعَدَوِيِّ: [ص:172][البحر الكامل]عَجَبًا
لِأَمْنِكَ وَالْحَيَاةُ قَصِيرَةٌ ... وَلِفَقْدِ إِلْفٍ لَا تَزَالُ تَرَوَّعُأَفَقَدْ
رَضِيتَ بِأَنْ تُعَلَّلَ بِالْمُنَى ... وَإِلَى الْمَنِيَّةِ كُلَّ يَوْمٍ
تُدْفَعُلَا تَخْدَعَنَّكَ بَعْدَ طُولِ تَجَارِبٍ ... دُنْيَا تَكَشَّفُ
لِلْبَلَاءِ وَتَصْرَعُأَحْلَامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ ... إِنَّ
اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لَا يُخْدَعُوَتَزَوَّدَنَّ لِيَوْمِ فَقْرِكَ دَائِبًا
... أَلِغَيْرِ نَفْسِكَ لَا أَبَا لَكَ تَجْمَعُ
(1/171) 377 - ثنا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا
ضَمْرَةُ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّمَا الدُّنْيَا
جُمُعَةٌ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ (1/172) 378 - ثنا أَبُو بِلَالٍ
الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: نا جَابِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ
الْمَكِّيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ دُنْيَا
تَمْنَعُ خَيْرَ الْآخِرَةِ» (1/172) 379 - ثنا أَبُو سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فَضَالَةَ النَّحْوِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: رَأَى عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
امْرَأَةً ثَائِرَةَ الشَّعْرِ بَيْنَ أَضْعَافِ الْمَقَابِرِ، وَهِيَ
تَقُولُ:[البحر السريع]آذَنَتْ زِينَةُ الْحَيَاةِ بِبَيْنٍ ... وَانْقِضَاءٍ مِنْ
أَهْلِهَا وَفَنَاءِقَالَ: فَأَوَّلَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ رُؤْيَا عَامِرٍ:
الدُّنْيَا
(1/173) 380 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ،
قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَقَدْ
أَخَذَ ثَمَنًا قَلِيلًا (1/173)
381 - حَدَّثَنِي 102369 أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ قُرَيْشٍ، قَالَ: قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: خَطَبَ النَّاسَ هَارُونُ
الرَّشِيدُ، فَاسْتَنَدَ إِلَى الْبَيْتِ فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ
الدُّنْيَا غَرَّارَةٌ، أَهْلَكَتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ،
أَلَا وَهِيَ مُهْلِكَةٌ مَنْ بَقِيَ، أَلَا فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنْيَا،
قَالَ: فَأَبْكَانِي قَوْلُهُ، وَتَعَجَّبْتُ مِنْ فِعْلِهِ. أَنْشَدَنِي أَبُو
الْحَسَنِ الْبَاهِلِيُّ:[البحر الرمل]احْذَرِ الْمَوْتَ فَإِنَّ الْمَوْتُ
يَغْتَالُ النُّفُوسَاوَارْفُضِ الدُّنْيَا وَقَابِلْ وَجْهَهَا وَجْهًا عَبُوسَا
(1/173) 382 - ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ رَجُلٍ، مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: كَتَبَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إِلَى أَخٍ لَهُ:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا [ص:174] حُلْمٌ، وَالْآخِرَةَ يَقَظَةٌ، وَالْمُتَوَسِّطُ
بَيْنَهُمَا الْمَوْتُ، وَنَحْنُ فِي أَضْغَاثٍ، وَالسَّلَامُ (1/173) 383 -
حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أنا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ:
أنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: " أَشْكُو إِلَى
اللَّهِ عَيْبِي مَا لَا أَتْرُكُ، وَنَعْتِي مَا لَا آتِي، وَإِنَّمَا نَبْكِي
بِالدِّينِ لِلدُّنْيَا أَنْشَدَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ لِعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُرْوَةَ:[البحر البسيط]يَبْكُونَ بِالدِّينِ لِلدُّنْيَا وَبَهْجَتِهَا ...
أَرْبَابُ دُنْيَا عَلَيْهَا كُلُّهُمْ صَادِيلَا يَنْظُرُونَ لِشَيْءٍ مِنْ
مَعَادِهُمُ ... تَعَجَّلُوا حَظَّهُمْ فِي الْعَاجِلِ الْبَادِيلَا يَهْتَدُونَ
وَلَا يَهْدُونَ تَابِعَهُمْ
... ضَلَّ الْمَقُودُ وَضَلَّ الْقَائِدُ الْهَادِي
(1/174) 384 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ،
قَالَ: أنبأ عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أنا
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
الْغِرَّةُ بِاللَّهِ أَنْ يُصِرَّ الْعَبْدُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ،
وَيَتَمَنَّى فِي ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ الْمَغْفِرَةَ، وَالْغِرَّةُ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنْ يَغْتَرَّ بِهَا، وَتَشْغَلَهُ عَنِ الْآخِرَةِ، فَيُمَهِّدَ
لَهَا، وَيَعْمَلَ لَهَا كَقَوْلِ الْعَبْدِ إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةَ {يَا
لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 24] ،
وَأَمَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ فَهُوَ مَا يُلْهِيكَ عَنْ طَلَبِ الْآخِرَةِ، فَهُوَ
مَتَاعُ الْغُرُورِ، وَمَا لَمْ يُلْهِكَ فَلَيْسَ بِمَتَاعِ الْغُرُورِ،
وَلَكِنَّهُ مَتَاعٌ وَبَلَاغٌ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ (1/174) 385 - حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: مَنْ سَأَلَ
اللَّهَ الدُّنْيَا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُهُ طُولَ الْوُقُوفِ (1/175) 386 -
حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ زُفَرَ التَّيْمِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ التَّيْمِيِّ،
قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: الدُّنْيَا مُشْغِلَةٌ، اللَّهُمَّ لَا تَشْغَلْنِي
بِهَا، وَلَا تُعْطِنِي مِنْهَا شَيْئًا (1/175) 387 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ،
عَنْ دَاوُدَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ:
ثنا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ: مَا فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يَسُرُّكَ
إِلَّا قَدِ الْتَصَقَ بِهِ شَيْءٌ يَسُوؤُكَ (1/175) 388 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ
بْنُ شَبِيبٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْحَارِثِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَشْغَلُوا قُلُوبَكُمْ بِذِكْرِ الدُّنْيَا
(1/175) 389 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ،
عَنْ سَلْمِ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو طَيْبَةَ الْجُرْجَانِيُّ،
قَالَ: قُلْتُ لِكُرْزِ بْنِ وَبَرَةَ: مَنِ الَّذِي يُبْغِضُهُ الْبَرُّ
وَالْفَاجِرُ؟ [ص:176] قَالَ: الْعَبْدُ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ ثُمَّ
يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا (1/175)
390 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، أَنَّهُ
حُدِّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ رَبِيعَةَ فَقَالَ: يَا
أَبَا عُثْمَانَ مَا رَأْسُ الزَّهَادَةِ؟ قَالَ: «جَمْعُ الْأَشْيَاءِ بِحَقِّهَا،
وَوَضْعُهَا فِي حَقِّهَا» (1/176) 391 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا سَهْلُ
بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ: " مِنْ عَلَامَةِ الْمُرِيدِينَ
الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا تَرْكُ كُلِّ خَلِيطٍ لَا يُرِيدُ مَا يُرِيدُونَ
(1/176) 392 - حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ حُبَيْقٍ قَالَ: حُذَيْفَةَ يَعْنِي الْمَرَعْشِيَّ كَتَبَ إِلَى يُوسُفَ بْنِ
أَسْبَاطٍ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا عَلَّمَكَ
اللَّهُ، وَالْمُرَاقَبَةِ حَيْثُ لَا يَرَاكَ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ،
وَالِاسْتِعْدَادِ لِمَا لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ حِيلَةٌ، وَلَا يُنْتَفَعُ
بِالنَّدَمِ عِنْدَ نُزُولِهِ، فَاحْسِرْ عَنْ رَأْسِكَ قِنَاعَ الْغَافِلِينَ،
وَانْتَبِهْ مِنْ رَقْدَةِ الْمَوْتَى، وَشَمِّرْ لِلسِّبَاقِ غَدًا، فَإِنَّ
الدُّنْيَا مَيْدَانُ الْمُتَسَابِقِينَ، وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ أَظْهَرَ
النُّسُكَ، وَتَشَاغَلَ بِالْوَصْفِ، وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِالْمَوْصُوفِ، وَاعْلَمْ
يَا أَخِي أَنَّهُ لَا بُدَّ لِي وَلَكَ مِنَ الْمَقَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ،
يَسْأَلُنَا عَنِ الدَّقِيقِ الْخَفِيِّ، وَعَنِ الْجَلِيلِ الْجَافِي، وَلَسْتُ
آمَنُ أَنْ يَسْأَلَنِي وَإِيَّاكَ عَنْ وَسَاوِسِ الصُّدُورِ، وَلَحَظَاتِ الْعُيُونِ،
وَإِصْغَاءِ الْأَسْمَاعِ، وَمَا عَسَى يَعْجِزُ [ص:177] مَثَلِي عَنْ وَصْفِ مِثْلِهِ،
وَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّهُ مِمَّا وُصِفَ بِهِ مُنَافِقُو هَذِهِ الْأُمَّةِ
أَنَّهُمْ خَالَطُوا أَهْلَ الدُّنْيَا بِأَبْدَانِهِمْ، وَطَابَقُوهُمْ عَلَيْهَا
بِأَهْوَائِهِمْ، وَخَضَعُوا لِمَا طَمِعُوا مِنْ نَائِلِهِمْ، فَسَكَتُوا عَمَّا
سَمِعُوا مِنْ بَاطِلِهَا، وَفَرِحُوا بِمَا رَأَوْا مِنْ زِينَتِهَا، وَدَاهَنَ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَتَرَكُوا بَاطِنَ الْعَمَلِ بِالتَّصْحِيحِ،
فَحَرَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ الثَّمَنَ الرَّبِيحَ، وَاعْلَمْ يَا
أَخِي أَنَّهُ لَا يَجْزِي مِنَ الْعَمَلِ الْقَوْلُ، وَلَا مِنَ الْبَذْلِ
الْعِدَةُ، وَلَا مِنَ التَّوَقِّي التَّلَاؤُمُ، فَقَدْ صِرْنَا فِي زَمَانٍ
هَذِهِ صِفَةُ أَهْلِهِ، فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْمَهَالِكِ،
وَصُدَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَا يُحِبُّ، وَالسَّلَامُ»
(1/176) 393 - ثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي
ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، قَالَ: قِيلَ لَكَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ:
أَوْصِنَا، فَقَالَ: بِيعُوا دُنْيَاكُمْ بِآخِرَتِكُمْ تَرْبَحُونَهُمَا -
وَاللَّهِ جَمِيعًا، وَلَا تَبِيعُوا آخِرَتَكُمْ بِدُنْيَاكُمْ
فَتَخْسِرُونَهُمَا وَاللَّهِ جَمِيعًا
" (1/177) 394 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
أَحْمَدُ بْنُ بُجَيْرٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: كَانَ لِي أَخٌ،
وَكَانَ فِي عَيْنِي عَظِيمًا، وَكَانَ الَّذِي عَظَّمَهُ فِي عَيْنِي صِغَرَ
الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ " (1/177) 395 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَبَّاسِ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: [ص:178] كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ يَخْطُبُنَا كُلَّ جُمُعَةٍ، وَيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: " أَلَّا
وَإِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا فِيهَا عَلَى وَجَلٍ، لَمْ تَمْضِ بِهِمْ نِيَّةٌ،
وَلَمْ تَطْمَئِنَّ بِهِمْ دَارٌ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى
ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا، وَلَا تُؤْمَنُ فَجَائِعُهَا، يَبْقَى
شِرَارُ أَهْلِهَا، ثُمَّ قَرَأَ {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا
كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 206] (1/177) 396 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: كَتَبَ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَامِلِهِ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَأَةَ: "
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا عَدُوَّةُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَعَدُوَّةُ
أَعْدَاءِ اللَّهِ، أَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَغَمَّتْهُمْ، وَأَمَّا أَعْدَاءُ
اللَّهِ فَغَرَّتْهُمْ (1/178) 397 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ:
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْكُمَيْتِ الْكِلَابِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ
الْمُقْرِيُّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُ: " إِنِّي وَاصِفٌ لَكَ أَخًا
كَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ فِي عَيْنِي، وَكَانَ الَّذِي يُعَظِّمُهُ فِي عَيْنِي
صِغَرَ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، كَانَ خَارِجًا مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ، فَلَا
يَتَشَهَّى مَا لَا يَجِدُ، وَلَا يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ، وَكَانَ خَارِجًا مِنْ
سُلْطَانِ الْجَهَالَةِ، فَلَا يَقْدَمُ عَلَى الْأَمْرِ إِلَّا بَعْدَ بَيِّنَةٍ
(1/178) 398 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْكُمَيْتِ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ يَحْيَى
بْنِ يَمَانٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِرَجُلٍ قَدْ
مَاتَ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ، وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ فِي التُّرَابِ،
فَقَالَ: «رَبِّ هَذَا عَبْدُكَ ضَاعَ» ، فَقَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي إِذَا
أَقْبَلْتُ عَلَى عَبْدِي بِوَجْهِي، زَوَيْتُ عَنْهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا
(1/178) 399 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ
[ص:179] مَخْلَدِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: " لَا
تَخْرُجُ نَفْسُ ابْنِ آدَمَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بِحَسَرَاتٍ ثَلَاثٍ: أَنَّهُ
لَمْ يَشْبَعْ مِمَّا جَمَعَ، وَلَمْ يُدْرِكْ مَا أَمَّلَ، وَلَمْ يُحْسِنِ
الزَّادَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ " (1/178) 400 - حَدَّثَنِي 1131 صَاحِبٌ،
لَنَا قَالَ: قِيلَ لِبَعْضِ الْعُبَّادِ: قَدْ نِلْتَ الْغِنَى قَالَ: إِنَّمَا نَالَ الْغِنَى
مَنْ عُتِقَ مِنْ رِقِّ الدُّنْيَا (1/179) 401 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ مَسْلَمَةَ
بْنِ مُحَارِبٍ، قَالَ: قَالَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ: " الدُّنْيَا
وَالِدَةُ الْمَوْتِ، وَنَاقِضَةٌ لِلْمُبْرَمِ، وَمُرْتَجِعَةٌ لِلْعَطِيَّةِ،
وَكُلُّ مَنْ فِيهَا يَجْرِي عَلَى مَا لَا يَدْرِي، وَكُلُّ مُسْتَقِرٍّ فِيهَا
غَيْرُ رَاضٍ بِهَا، وَذَلِكَ شَهِيدٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارٍ
(1/179) 402 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ
ابْنُ السَّمَّاكِ يَقُولُ: مَنْ أَذَاقَتْهُ الدُّنْيَا حَلَاوَتَهَا لِمَيْلِهِ إِلَيْهَا،
جَرَّعَتْهُ الْآخِرَةُ مَرَارَتَهَا لِتَجَافِيهِ عَنْهَا أَنْشَدَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: [ص:180][البحر السريع]دُنْيَا يَا دُنْيَا
يَا غَادِرَهْ إِلَيْكِ عَنِّي الْيَوْمَ يَا سَاحِرَهْلَا لَذَّةَ أَحْسَنُ مِنْ
لَذَّةٍ مَنْبُوذَةٍ مِنْ ذِي يَدٍ قَادِرَهْيَا عَيْنُ كَمْ عَايَنْتِ مِنْ
عِبْرَةٍ فَاعْتَبِرِي إِنْ كُنْتِ لِي نَاظِرَهْمَا لَذَّةٌ إِلَّا وَقَدْ
نِلْتُهَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا لَذَّةُ الْآخِرَهْالْحَمْدُ لِلَّهِ لَقَدْ
أَصْبَحَتْ دُنْيَايَ لِي عَنْ نَفْسِهَا زَاجِرَهْطُوبَى لِمَنْ كَانَتْ لَهُ
عَزْمَةٌ مُخْلِصَةٌ بَاطِنَةٌ ظَاهِرَهْيَا نَفْسُ هَلْ دَمْعُكِ فِي اللَّهِ لِي
جَارٍ وَهَلْ عَيْنُكِ لِي سَاهِرَهْيَا نَفْسُ لِلْمَكْرُوهِ غِبَّ غَدٍ مُرٌّ
فَهَلْ أَنْتِ لَهُ صَابِرَهْمَا لَذَّةُ الدُّنْيَا وَعَيْنِي تَرَى فِيهَا إِلَى
مَا قَدْ تَرَى صَائِرَهْ
(1/179) 403 - حَدَّثَنِي ابْنُ خِدَاشِ بْنُ عَجْلَانَ،
وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَا: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
خُلَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَصَرِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، - قَالَ
خَلَفٌ: قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: رَفَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا أَنَا
فَلَمْ أَحْفَظْ رَفْعَهُ - قَالَ: " مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا
وَبِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ إِنَّهُمَا لَيُسْمِعَانِ مَنْ عَلَى
ظَهْرِ الْأَرْضِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ،
إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَمَا غَرَبَتْ شَمْسٌ
قَطُّ إِلَّا وَبِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ: إِنَّهُمَا لَيُسْمِعَانِ مَنْ عَلَى
ظَهْرِ الْأَرْضِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ عَجِّلْ لِمُنْفِقٍ خَلَفًا،
وَعَجِّلْ لِمُمْسِكٍ تَلَفًا. [ص:181] وَحَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقَاشِيُّ،
قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خُلَيْدٍ الْعَصَرِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ (1/180) 404 -
وَثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ الْعَامِرِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي حَكِيمٍ،
مَوْلَى الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ
صَبَاحٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ إِلَّا صَارِخٌ يَصْرُخُ: أَيُّهَا الْخَلَائِقُ
سَبِّحُوا الْقُدُّوسَ (1/181) 405 - حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ الصَّيْرَفِيُّ،
قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ وَلَا لَيْلَةٍ وَلَا
سَاعَةٍ إِلَّا وَلِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ صَدَقَةٌ يَمُنُّ بِهَا عَمَّنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ مِثْلَ أَنْ يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ»
(1/181) 406 - ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْمَدِينِيُّ قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: " أَيْ بُنَيَّ عَوِّدْ لِسَانَكَ: اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِي، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَاتٍ لَا يُرَدُّ فِيهِمْ سَائِلٌ
(1/181) 407 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ
بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ حُجَيْرَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا قَعَدَ: " إِنَّكُمْ فِي
مَمَرِّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي آجَالٍ مَنْقُوصَةٍ، وَأَعْمَالٍ مَحْفُوظَةٍ،
وَالْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً، فَمَنْ زَرَعَ خَيْرًا يُوشِكْ أَنْ يَحْصُدَ
رَغْبَةً، وَمَنْ زَرْعَ شَرًّا يُوشِكْ أَنْ يَحْصُدَ نَدَامَةً، وَلِكُلِّ
زَارِعٍ مِثْلُ مَا زَرَعَ، فَلَا يَسْبِقُ بَطِيءٌ بِحَظِّهِ، وَلَا يُدْرِكُ
حَرِيصٌ مَا لَمْ يُقَدِّرْهُ لَهُ، فَمَنْ أُعْطِيَ خَيْرًا فَاللَّهُ أَعْطَاهُ،
وَمَنْ وُقِيَ شَرًّا فَاللَّهُ وَقَاهُ، الْمُتَّقُونَ سَادَةٌ، وَالْعُلَمَاءُ
قَادَةٌ، وَمُجَالَسَتُهُمْ زِيَادَةٌ (1/182) 408 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
صَالِحٍ الْعَتَكِيُّ، قَالَ: أنا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زُبَيْدٍ الْإِيَامِيِّ، قَالَ: لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلَّا
وَهُوَ يُنَادِي: أَنَا يَوْمٌ جَدِيدٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ. ابْنَ آدَمَ
إِنِّي لَمْ أَقَرَّ بِكَ أَبَدًا، فَاتَّقِ اللَّهَ، وَاعْمَلْ فِيَّ خَيْرًا،
فَإِذَا هُوَ أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا أَبَدًا (1/182) 409 - وَحَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ مُوسَى
الْجُهَنِيِّ، قَالَ: مَا مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا تَقُولُ: ابْنَ آدَمَ، أَحْدِثْ
فِيَّ خَيْرًا فَإِنِّي لَنْ أَعُودَ إِلَيْكَ " (1/182) 410 - حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَبَّانَ الطَّائِيُّ، [ص:183] قَالَ: ثنا
الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْحُوَيْرِثِ بْنِ نَصْرٍ
الْعَامِرِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: " مَا مَضَى يَوْمٌ مِنَ
الدُّنْيَا إِلَّا يَقُولُ عِنْدَ مُضِيِّهِ: أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا الَّذِي
قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ جَدِيدًا، وَقَدْ حَانَ مِنِّي تَصَرُّمٌ، فَلَا يَسْتَطِيعُ مُحْسِنٌ
أَنْ يَزْدَادَ فِي إِحْسَانِهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ مُسِيءٌ أَسَاءَ أَنْ
يَسْتَعْتِبَ فِيَّ مِنْ إِسَاءَتِهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْنِي
الْيَوْمَ الْعَقِيمَ، ثُمَّ يَذْهَبُ " قَالَ بَدْرٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ
اللَّيْلَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ (1/182) 411 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَبِيرِ
بْنِ مُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: نا أَبِي قَالَ: ثنا قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ،
أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: " مَا مِنْ يَوْمٍ إِلَّا يَقُولُ: ابْنَ
آدَمَ قَدْ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، وَلَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ بَعْدَ
الْيَوْمِ أَبَدًا، فَانْظُرْ مَاذَا تَعْمَلُ فِيَّ، فَإِذَا انْقَضَى طَوَاهُ، ثُمَّ
يُخْتَمُ عَلَيْهِ فَلَا يُفَكُّ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَفُضُّ
ذَلِكَ الْخَاتَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَقُولُ الْيَوْمُ حِينَ يَنْقَضِي:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَاحَنِي مِنَ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، وَلَا
لَيْلَةٌ تَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ إِلَّا قَالَتْ كَذَلِكَ (1/183) 412 -
حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الْآدَمِيُّ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ،
قَالَ: قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: " الدَّهْرُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ:
أَمْسِ لَكَ خَلَتْ عِظَتُهُ، وَالْيَوْمُ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ لَكَ، وَغَدٌ لَا
تَدْرِي مَا يَكُونُ (1/183) 413 - حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ
هَاشِمٍ السِّمْسَارُ، قَالَ: ثنا الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ الْوَلِيدِ، [ص:184] قَالَ: قَالُوا لِلْحَسَنِ: صِفْ لَنَا الدُّنْيَا.
قَالَ: " أَمْسِ أَجَلٌ، وَالْيَوْمُ عَمَلٌ، وَغَدٌ أَمَلٌ (1/183) 414 - ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ
شُمَيْلٍ، قَالَ: قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: " الْأَيَّامُ ثَلَاثَةٌ:
مَعْهُودٌ، وَمَشْهُودٌ، وَمَوْعُودٌ، فَالْمَعْهُودُ أَمْسِ، وَالْمَشْهُودُ الْيَوْمُ،
وَالْمَوْعُودُ غَدٌ "
(1/184) 415 - حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ شَبُّوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ،
أَنَّ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ: إِنَّكَ تَكْتُبُ
إِلَى الْحَجَّاجِ وَعِنْدَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ
عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلرَّسُولِ: " لَعَلَّ خُوَيْلِدًا كَانَ عِنْدَهُ،
اكْتُبْ إِلَيْهِ: أَمْسِ أَجَلٌ، وَالْيَوْمُ عَمَلٌ، وَغَدٌ أَمَلٌ (1/184) 416
- وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ
يُوسُفَ، سَأَلَ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ عَنِ الدُّنْيَا، قَالَ: «مِيرَاثٌ» . قَالَ: وَالْأَيَّامُ؟
قَالَ: دُوَلٌ قَالَ: وَالدَّهْرُ؟ قَالَ: «أَطْبَاقٌ، وَالْمَوْتُ بِكُلِّ
سَبِيلٍ، فَلْيَحْذَرِ الْعَزِيزُ الذُّلَّ، وَالْغَنِيُّ الْفَقْرَ، فَكَمْ مِنْ
عَزِيزٍ قَدْ ذَلَّ، وَكَمْ مِنْ غَنِيٍّ قَدِ افْتَقَرَ» (1/184) 417 -
حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الْآدَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَبِيعَةَ بْنَ
عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: قَالَ بَعْضُ
أَهْلِ الْحِكَمِ: " الْأَيَّامُ ثَلَاثَةٌ: فَأَمْسِ حَكِيمٌ مُؤَدِّبٌ
أَبْقَى فِيكَ مَوْعِظَةً، وَتَرَكَ فِيكَ عِبْرَةً، وَالْيَوْمُ ضَيْفٌ كَانَ عَنْكَ
طَوِيلَ الْغِيبَةِ، وَهُوَ عَنْكَ سَرِيعُ الظَّعْنِ، وَغَدٌ لَا تَدْرِي مَنْ
صَاحِبُهُ (1/184) 418 - حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الْآدَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا رَبِيعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَعْلَبَةَ الْحَنَفِيَّ،
قَالَ: «أَمْسِ مَذْمُومٌ، وَيَوْمُكَ غَيْرُ مَحْمُودٍ، وَغَدٌ غَيْرُ مَأْمُونٍ»
(1/185) 419 - ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الطُّفَاوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ شُمَيْطِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: " إِنَّ
الْمُؤْمِنَ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: إِنَّمَا هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَقَدْ مَضَى
أَمْسِ بِمَا فِيهِ، وَغَدًا أَمَلٌ لَعَلَّكَ لَا تُدْرِكُهُ، وَيَوْمُكَ إِنْ
كُنْتَ مِنْ أَهْلِ غَدٍ، فَإِنَّ غَدًا يَجِيءُ بِرِزْقِ غَدٍ، إِنَّ دُونَ غَدٍ
يَوْمًا وَلَيْلَةً تَخْتَرِمُ فِيهَا أَنْفُسٌ كَثِيرَةٌ، لَعَلَّكَ
الْمُخْتَرِمُ فِيهَا، كَفَى كُلَّ يَوْمٍ هَمُّهُ " (1/185) 420 -
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ:
الْأَيَّامُ ثَلَاثَةٌ: فَأَمَّا أَمْسِ فَقَدِ انْقَضَى عَنِ الْمُلُوكِ
نِعْمَتُهُ، وَذَهَبَتْ عَنِّي شِدَّتُهُ، وَإِنِّي وَإِيَّاهُمْ مِنْ غَدٍ
لَعَلَى وَجَلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ فَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ؟ (1/185) 421
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ
بَيَانًا وَفَهْمًا يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ يَقْدَمُ إِلَّا وَهُوَ
عَارِيَةٌ لِلْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، فَالْيَوْمُ الْجَدِيدُ يَقْتَضِي
عَارِيَتَهُ، فَإِنْ كَانَ حَسَنًا أَدَّى إِلَيْهِ حَسَنًا، وَإِنْ كَانَ
قَبِيحًا أَدَّى قَبِيحًا فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ عَوَارِي أَيَّامِكَ
حِسَانًا فَافْعَلْ» أَنْشَدَنِي مَحْمُودُ بْنُ الْحَسَنِ قَوْلَهُ:[البحر
الطويل]مَضَى أَمْسُكَ الْمَاضِي شَهِيدًا مُعَدَّلًا ... وَأَعْقَبَهُ يَوْمٌ
عَلَيْكَ جَدِيدُ [ص:186]فَإِنْ كُنْتَ بِالْأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً ...
فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حُمَيْدُفَيَوْمُكَ إِنْ أَغْنَيْتَهُ عَادَ
نَفْعُهُ ... عَلَيْكَ وَمَاضِي الْأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُوَلَا تُرْجِ فِعْلَ
الْخَيْرِ يَوْمًا إِلَى غَدٍ ... لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ
(1/185) 422 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ،
قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ
رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَ حَكِيمٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ: إِنَّ أَمْسِ شَاهِدٌ فَجَعَكَ
بِنَفْسِهِ وَخَلَّفَ فِي يَدَيْكَ حِكْمَتَهُ، وَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمٌ كَانَ
طَوِيلَ الْغِيبَةِ، وَهُوَ سَرِيعٌ ظَعْنُهُ، وَإِنَّ غَدًا لَا تَدْرِي مَا مَنْهَلُهُ،
فَاتَّقِ اجْتِمَاعَ شَهَادَتَيْنِ عَلَيْكَ (1/186) 423 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ،
قَالَ: ثنا سَيَّارٌ، قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: ثنا مِلَاكُ بْنُ دِينَارٍ،
قَالَ: كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ خِزَانَتَانِ، فَانْظُرُوا مَا تَضَعُونَ فِيهِمَا» ، وَكَانَ يَقُولُ:
«اعْمَلُوا اللَّيْلَ لِمَا خُلِقَ لَهُ، وَاعْمَلُوا النَّهَارَ لِمَا خُلِقَ
لَهُ» (1/186) 424 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَزَّازُ، قَالَ: ثنا سَيَّارٌ،
قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ، قَالَ: ثنا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
" لَيْسَ يَوْمٌ يَأْتِي مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إِلَّا يَتَكَلَّمُ
يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي يَوْمٌ جَدِيدٌ، وَأَنَا عَلَى مَنْ
يَعْمَلُ فِيَّ شَهِيدٌ، وَإِنِّي لَوْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ لَمْ أَرْجِعْ
إِلَيْكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (1/186)
425 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى،
عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْحِمْصِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ
مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ دِرْعٍ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ الْمُهْرِيِّ،
قَالَ: " اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ غَنِيَّةُ الْأَكْيَاسِ (1/186)
426 - ثنا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ
بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: ابْنَ آدَمَ طَأِ الْأَرْضَ
بِقَدَمِكَ، فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ تَكُونُ قَبْرَكَ، ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا
أَنْتَ أَيَّامٌ، فَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ. ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ
تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ (1/187) 427 - حَدَّثَنِي
الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ الْغَلَابِيُّ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ
الزِّبْرِقَانِ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَفِي
عَقْلِهِ نَقْصٌ عَنْ حِلْمِهِ وَعِلْمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَتَتْهُ
الدُّنْيَا بِزِيَادَةٍ فِي مَالٍ ظَلَّ فَرِحًا مَسْرُورًا، وَاللَّيْلُ
وَالنَّهَارُ دَائِبَانِ فِي هَدْمِ عُمُرِهِ لَا يَحْزُنُهُ ذَلِكَ، ضَلَّ
ضَلَالَهُ، مَا يَنْفَعُ مَالٌ يَزِيدُ وَعُمُرُهُ يَنْقُصُ (1/187) 428 -
وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: ثنا الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ
الْيَوْمُ ضَيْفُكَ، فَالضَّيْفُ مُرْتَحِلٌ، يَحْمَدُكَ أَوْ يَذُمُّكَ،
وَكَذَلِكَ لَيْلَتُكَ (1/187) 429 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا الْمِنْهَالُ بْنُ
عِيسَى، عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ
بَيْنَ مَطِيَّتَيْنِ يُوضِعَانِكَ، يُوضِعُكَ اللَّيْلُ إِلَى النَّهَارِ،
وَالنَّهَارُ إِلَى اللَّيْلِ، حَتَّى يُسْلِمَانِكَ إِلَى الْآخِرَةِ، فَمَنْ
أَعْظَمُ مِنْكَ يَا ابْنَ آدَمَ خَطَرًا؟ (1/187) 430 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ذَكَرُوا
عَنْ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ، أَنَّهُ كَانَ [ص:188] يَقُولُ: " الْأَيَّامُ
ثَلَاثَةٌ: فَأَمْسِ حَكِيمٌ مُوَدِّعٌ، تَرَكَ فِيكَ عِظَةَ حِكْمَتِهِ، وَأَبْقَى فِيكَ
عِبْرَتَهُ وَعِظَتَهُ، وَيَوْمُكَ صَدِيقٌ مُوَدِّعٌ، كَانَ عَنْكَ طَوِيلَ
الْغِيبَةِ، أَتَاكَ وَلَمْ تَأْتِهِ، وَهُوَ عَنْكَ سَرِيعُ الظَّعْنِ، وَغَدًا
لَا تَدْرِي أَتَكُونُ مِنْ أَهْلِهِ أَمْ لَا؟ (1/187) 431 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا شُعَيْبُ بْنُ مُحْرِزٍ، قَالَ: ثنا سَالِمُ بْنُ أَبِي
مُطِيعٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: إِنَّ لَنَا مِنْ كَرِّ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لَيَوْمَ سُوءٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ بَكَى (1/188) 432 -
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُطَيْرُ بْنُ
الرَّبِيعِ، قَالَ: كَانَ مُفَضَّلُ بْنُ يُونُسَ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ قَالَ:
ذَهَبَ مِنْ عُمْرِي يَوْمٌ كَامِلٌ، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ: ذَهَبَتْ لَيْلَةٌ كَامِلَةٌ
مِنْ عُمْرِي "، فَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى، وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ
أَنَّ لِي مِنْ كَرِّكُمَا عَلَيَّ يَوْمًا شَدِيدًا كَرْبُهُ، شَدِيدًا غُصَصُهُ،
شَدِيدًا غَمُّهُ، شَدِيدًا عَكْرُهُ، فَلَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي خَلَقَ
الْمَوْتَ عَلَى خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ عَدْلًا بَيْنَ عِبَادِهِ، ثُمَّ جَعَلَ
يَقْرَأُ {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ} [الملك: 2] ،
ثُمَّ تَنَفَّسَ فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ (1/188) 433 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُطَيْرُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: قَالَ لِي
مُفَضَّلُ بْنُ يُونُسَ: رَأَيْتُ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ مُحَمَّدَ بْنَ
النَّضْرِ الْيَوْمَ مُكْتَئِبًا حَزِينًا، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ وَمَا
أَمْرُكَ؟ قَالَ: مَضَتِ اللَّيْلَةُ مِنْ عُمْرِي وَلَمْ أَكْتَسِبْ فِيهَا لِنَفْسِي
شَيْئًا، وَمَضَى الْيَوْمُ أَيْضًا وَلَا أَرَانِي اكْتَسَبْتُ فِيهِ شَيْئًا،
فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (1/188) 434 - حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ
بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ
مِغْوَلٍ، قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ إِذَا رَأَى اللَّيْلَ مُقْبِلًا بَكَى،
وَقَالَ: هَذَا يُمِيتُنِي (1/188)
435 - ثنا الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ
بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَجُلٌ: " قَدِ اعْتَوَرَكَ اللَّيْلُ
وَالنَّهَارُ، يَدْفَعُكَ اللَّيْلُ إِلَى النَّهَارِ، وَيَدْفَعُكَ النَّهَارُ
إِلَى اللَّيْلِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ الْمَوْتُ (1/189) 436 - ثنا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ
صَفْوَانَ، عَنْ عِيسَى، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَتَبَ إِلَى
رَجُلٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالِانْشِمَارِ
بِمَا اسْتَطَعْتَ مِنْ مَالِكَ، وَمَا رَزَقَكَ اللَّهُ إِلَى دَارِ قَرَارِكَ،
فَإِنَّكَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ قَدْ رُزِقْتَ الْمَوْتَ، وَعَايْنَتَ مَا
بَعْدَهُ بِتَصْرِيفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِنَّهُمَا سَرِيعَانِ فِي طَيِّ الْأَجَلِ
وَنَقْصِ الْعُمْرِ، مُسْتَعِدَّانِ لِمَنْ بَقِيَ بِمِثْلِ الَّذِي قَدْ أَصَابَا
بِهِ مَنْ مَضَى، فَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِسَيِّئِ أَعْمَالِنَا، وَنَعُوذُ بِهِ
مِنْ مَقْتِهِ إِيَّانَا عَلَى مَا نَعِظُ بِهِ مِمَّا نُقَصِّرُ عَنْهُ (1/189)
437 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ،
قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ مِسْعَرًا يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ:[البحر
الكامل]لَنْ يَلْبَثَ الْقَرْنَاءُ أَنْ يَتَفَرَّقُوا ... لَيْلٌ يَكُرُّ
عَلَيْهِمْ وَنَهَارُ
(1/189) 438 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيَّ، يَذْكُرُ
عَنْ بَعْضٍ، أَشْيَاخِ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي عَدِيِّ الْعَبَلِيِّ، قَالَ: قَالَ كَعْبُ
بْنُ مَالِكٍ فِي بَعْضِ أَشْعَارِهِ:[البحر البسيط]إِنْ يَسْلَمِ الْمَرْءُ مِنْ
قَتْلٍ وَمِنْ هَرَمٍ ... وملي الْعَيْشَ أَبْلَاهُ الْجَدِيدَانِ
(1/189) 439 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ
الرَّقَاشِيِّ: كَانَ أَبُوكَ يَتَمَثَّلُ مِنَ الشَّعْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كَانَ
يَتَمَثَّلُ:[البحر البسيط]إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْطَعُهَا ...
وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ
(1/190) 440 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِشْكَابَ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِهِ يَعْنِي أَهْلَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ قَالَ: قُلْتُ لَهُ يَوْمًا: يَا
أَبَا سُلَيْمَانَ قَدْ عَرَفْتَ الرَّحِمَ الَّذِي بَيْنَنَا فَأَوْصِنِي قَالَ:
فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَخِي إِنَّمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ
مَرَاحِلُ، يَنْزِلُهُمَا النَّاسُ مَرْحَلَةً مَرْحَلَةً، حَتَّى يَنْتَهِيَ
بِهِمْ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ سَفَرِهِمْ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُقَدِّمَ فِي
كُلِّ يَوْمِ مَرْحَلَةٍ زَادًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا فَافْعَلْ، فَإِنَّ
انْقِطَاعَ السَّفَرِ عَنْ قَرِيبٍ مَا هُوَ، وَالْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَتَزَوَّدْ
لِسَفَرِكَ، وَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ مِنْ أَمْرِكَ، فَكَأَنَّكَ بِالْأَمْرِ
قَدْ بَغَتَكَ، إِنِّي لَأَقُولُ لَكَ هَذَا وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَشَدَّ
تَضْيِيعًا مِنِّي لِذَلِكَ "، ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَنِي (1/190) 441 -
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ
الْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَخٍ لَهُ:
أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أُحِيطَ بِكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ،
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسَارُ بِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَاحْذَرِ اللَّهَ وَالْمَقَامَ
بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِكَ بِهِ، وَالسَّلَامُ (1/190) 442 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي [ص:191] عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ زُهَيْرَ بْنَ نُعَيْمٍ، قَالَ: كَانَ
الْحَسَنُ يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ بِيَوْمِكَ وَلَسْتَ فِي غَدِكَ، فَكُنْ
فِي يَوْمِكَ، فَإِنْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ كُنْتَ فِيهِ كَمَا كُنْتَ فِي هَذَا
الْيَوْمِ، وَإِنْ لَا يَكُنْ غَدٌ لَكَ لَمْ تَكُ تَأْسَفْ عَلَى مَا فَرَّطْتَ
فِي جَنْبِ اللَّهِ (1/190) 443 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا مُعَاذٌ أَبُو
عَوْنٍ الضَّرِيرُ، قَالَ: كُنْتُ أَكُونُ قَرِيبًا مِنَ الْجَبَّانِ، فَكَانَ
رِيَاحٌ الْقَيْسِيُّ يَمُرُّ بِي بَعْدَ الْمَغْرِبِ إِذَا خَلَتِ الطَّرِيقُ،
فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يَنْشِجُ بِالْبُكَاءِ وَيَقُولُ: إِلَى كَمْ يَا لَيْلُ
وَيَا نَهَارُ تَحُطَّانِ مِنْ أَجْلِي وَأَنَا غَافِلٌ عَمَّا يُرَادُ بِي؟
إِنَّا لِلَّهِ، إِنَّا لِلَّهِ، قَالَ: وَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى يَغِيبَ عَنِّي
وَجْهُهُ (1/191) 444 - وَبَلَغَنِي عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي قِبْطِيٌّ
مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ قَالَ: هَذَا قَوْلُ قُسِّ نَجْرَانَ:[البحر الكامل]مَنَعَ
الْبَقَاءَ تَقَلُّبُ الشَّمْسِ
... وَطُلُوعُهَا مِنْ حَيْثُ لَا تُمْسِيوَطُلُوعُهَا
حَمْرَاءَ إِذْ طَلَعَتْ ... وَمَغِيبُهَا صَفْرَاءَ كَالْوَرْسِالْيَوْمَ نَنْظُرُ مَا
يَجِيءُ بِهِ ... وَمَضَى بِفَصْلِ قَضَائِهِ أَمْسِ
(1/191) 445 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ
بَسَّامٍ [ص:192] الْأَزْدِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ
الصَّلَتَانُ الْعَبْدِيُّ:[البحر المتقارب]أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى
الْكَبِيرَ ... مَرُّ النَّهَارِ وَكَرُّ الْعَشِيِّإِذَا لَيْلَةٌ هَدَّمَتْ
يَوْمَهَا ... أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمٌ فَتِيٌّنَرُوحُ وَنَغْدُو
لِحَاجَاتِنَا ... وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لَا تَنْقَضِيتَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ
حَاجَاتُهُ ... وَتَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ مَا بَقِيَ
(1/191) 446 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي الْمِنْهَالُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي
إِيَاسُ بْنُ حَمْزَةَ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ: قَالَتِ
امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهَا مَاجِدَةُ، كَانَتْ تَسْكُنُ الْبَحْرَيْنِ:
" طَوَى أَمَلِي طُلُوعُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا، فَمَا مِنْ حَرَكَةٍ
تُسْمَعُ، وَلَا مِنْ قَدَمٍ تُوضَعُ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ الْمَوْتَ فِي
أَثَرِهَا. أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ:[البحر الرجز]لَا
يَخْدَعَنْكَ مَنْ تَرَى عَنْ نَفْسِكَا ... وَصِلِ التَّفُكُّرَ فِي الْمَعَادِ
بِحِسِّكَالَا تَعْبَثَنَّ بِمَرِّ يَوْمِكَ ذَا الَّذِي ... أَصْبَحْتَ فِيهِ
كَمَا عَبِثْتَ بِأَمْسِكَاأَفْنَى الْأُولَى دَرَجُوا تَقَلُّبُ شَمْسِهِمْ ... يُفْنِيكَ
بَعْدَهُمْ وَتَقَلُّبُ شَمْسِكَا
(1/192) 447 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي مُحْرِزٍ الطُّفَاوِيِّ،
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ غَفَلْتُمْ إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا
لَا يَغْفَلُونَ عَنْ طَاعَتِهِ فِي هَذَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (1/192) 448 -
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ شَيْخٍ، [ص:193] مِنْ
قُرَيْشٍ قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ كَانَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَطِيَّتَيْهِ
سَارَا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسِرْ وَأَنْشَدَنِي مَحْمُودُ بْنُ الْحَسَنِ
قَوْلَهُ:[البحر الكامل]يَا أَيُّهَا الشَّيْخُ الْمُعَلِّـ ... ـلُ نَفْسَهُ وَالشَّيْبُ
شَامِلْاعْلَمْ بِأَنَّكَ نَائِمٌ فَوْقَ الْفِرَاشِ وَأَنْتَ رَاحِلْوَاللَّيْلُ
يَطْوِي لَا يُفَتَّـ ... ـرُ وَالنَّهَارُ بِكَ الْمَنَازِلْيَتَعَاقَبَانِ بِكَ
الرَّدَى لَا يَغْفُلَانِ وَأَنْتَ غَافِلْ
(1/192) 449 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ
بَكْرًا الْعَابِدَ، يَقُولُ: كَانَ يُقَالُ: جَزُّ دَهْرِكَ بِيَوْمِكَ (1/193)
450 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
سِنَانٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: كَانَ مَنْصُورٌ الطَّفَاوِيُّ عَابِدًا مُتَقَلِّلًا،
فَحَدَّثَنِي عَنْهُ بَعْضُ جِيرَانِهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَيْهِ شِدَّةَ
الزَّمَانِ، فَقَالَ: اجْعَلْ غَدًا كَيَوْمِكَ، وَاجْعَلْ يَوْمَكَ كَمَا غَبَرَ
مِنْ عُمُرِكَ، وَسَلِ اللَّهَ الْخِيَرَةَ فِي جَمِيعِ أَمْرِكَ، فَهُوَ
الْمُعْطِي، وَهُوَ الْمَانِعُ (1/193)
451 - ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قُرَّانِ
بْنِ تَمَّامٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ،
قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا إِلَّا نَادَى:
ابْنَ آدَمَ اغْتَنِمْنِي، لَعَلَّهُ لَا يَوْمَ لَكَ بَعْدِي، وَلَا لَيْلَةٍ
إِلَّا تُنَادِي: ابْنَ آدَمَ اغْتَنِمْنِي، لَعَلَّهُ لَا لَيْلَةَ لَكَ بَعْدِي
أَنْشَدَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ لِحَارِثَةَ بْنِ بَدْرٍ: [ص:194][البحر
الطويل]وَجَرَّبْتُ مَاذَا الْعَيْشُ إِلَّا تَعِلَّةٌ ... وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا
مَنْجَنُونٌ تَقَلَّبُوَمَا الْيَوْمُ إِلَّا مِثْلُ أَمْسِ الَّذِي مَضَى ...
وَمَثَلُ غَدِ الْجَائِي وَكُلٌّ سَيَذْهَبُأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ
قَالَ: أَنْشَدَنِي عِيسَى الْأَحْمَرُ:[البحر البسيط]يَا لِلْمَنَايَا وَيَا
لِلْبَيْنِ وَالْحَيْنِ ... كُلُّ اجْتِمَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى بَيْنِحَتَّى
مَتَى نَحْنُ فِي الْأَيَّامِ نَحْسُبُهَا ... وَإِنَّمَا نَحْنُ مِنْهَا بَيْنَ
يَوْمَيْنِيَوْمٌ تَوَلَّى وَيَوْمٌ نَحْنُ نَأْمَلُهُ ... لَعَلَّهُ أَجْلَبُ
الْأَشْيَاءِ لِلْحَيْنِيَا رُبَّ إِلْفَيْنِ شَتَّ الدَّهْرُ بَيْنَهُمَا ...
حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُونَا قَطُّ إِلْفَيْنِإِنِّي رَأَيْتُ يَدَ الدُّنْيَا
مُفَرِّقَةً ... لَا تَأْمَنَنَّ يَدَ الدُّنْيَا عَلَى اثْنَيْنِ
(1/193) 452 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ،
قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِلَى أَبِي عُمَرَ: كُلُّ
يَوْمٍ بِعَيْشَةِ الْمُؤْمِنِ غَنِيمَةٌ (1/194) 453 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ الْيَمَانِي، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الْحَسَنَ، كَتَبَ إِلَى مَكْحُولٍ، وَكَانَ
يُعْنَى بِهِ وَيُحِبُّهُ، فَكَانَ فِي كِتَابِهِ إِلَيْهِ: وَاعْلَمْ يَا أَخِي رَحِمَنَا اللَّهُ
وَإِيَّاكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنَّكَ الْيَوْمَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَوْتِ
يَوْمَ نُعِيتَ، وَلَمْ يَزَلِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ سَرِيعَيْنِ فِي نَقْصِ
الْأَعْمَارِ، وَتَقْرِيبِ الْآجَالِ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ صَحِبَا نُوحًا
وَعَادًا وَثَمُودَ، وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ
قَدِمُوا عَلَى رَبِّهِمْ، وَوَرَدُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَأَصْبَحَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ
غَضَّيْنِ جَدِيدَيْنِ، لَمْ يُبْلِهُمَا مَا مَرَّا بِهِ، مُسْتَعِدَّيْنِ لِمَنْ
بَقِيَ مَا أَصَابَا بِهِ مَنْ مَضَى، وَأَنْتَ [ص:195] نَظِيرُ إِخْوَانِكَ
وَأَقْرَانِكَ وَأَشْبَاهِكَ، مَثَلُكَ كَمَثَلِ جَسَدٍ نُزِعَتْ قُوَّتُهُ،
فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا حُشَاشَةُ نَفْسِهِ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مَقْتِهِ
إِيَّانَا فِيمَا نَعِظُ بِهِ مِمَّا نُقَصِّرُ عَنْهُ (1/194) 454 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ
بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ عُمَرَ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ
عُمَرَ بْنَ ذَرٍّ، يَقُولُ: اعْمَلُوا لِأَنْفُسِكُمْ رَحِمَكُمُ اللَّهُ فِي
هَذَا اللَّيْلِ وَسَوَادِهِ، فَإِنَّ الْمَغْبُونَ مَنْ غُبِنَ خَيْرَ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ، وَالْمَحْرُومَ مَنْ حُرِمَ خَيْرُهُمَا، إِنَّمَا جُعِلَا سَبِيلًا
لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَوَبَالًا عَلَى الْآخَرِينَ
لِلْغَفْلَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَأَحْيُوا لِلَّهِ أَنْفُسَكُمْ بِذِكْرِهِ،
فَإِنَّمَا تَحْيَا الْقُلُوبُ بِذِكْرِ اللَّهِ، كَمْ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ فِي
هَذَا اللَّيْلِ قَدِ اغْتَبَطَ بِقِيَامِهِ فِي ظُلْمَةِ حُفْرَتِهِ، وَكَمْ مِنْ
نَائِمٍ فِي هَذَا اللَّيْلِ قَدْ نَدِمَ عَلَى طُولِ نَوْمِهِ عِنْدَمَا يَرَى
مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَابِدِينَ غَدًا، فَاغْتَنِمُوا مَمَرَّ
السَّاعَاتِ وَاللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ (1/195) 455 -
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ
قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَخٍ لَهُ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَدِّثُكَ عَنْ
نَفْسِي بِمَا لَا أَرْضَاهُ مِنْهَا، وَعَنْ قَلْبِي بِمَا أَخَافُ سُوءَ
عَاقِبَتِهِ، إِنَّ لِي نَفْسًا تُحِبُّ الدَّعَةَ، وَقَلْبًا يَأْلَفُ
اللَّذَّاتِ، وَهِمَّةً تَسْتَثْقِلُ الطَّاعَةَ، وَقَدْ رَهَّبْتُ نَفْسِي
الْآفَاتِ، وَحَذَّرْتُ قَلْبِي الْمَوْتَ، وَزَجَرْتُ هِمَّتِي عَنِ
التَّقْصِيرِ، وَلَمْ أَرْضَ مَا رَجَعَ مِنْهُنَّ، فَاهْدِ لِي مَا أَسْتَعِينُ
بِهِ عَلَى بَعْضِ مَا شَكَوْتُ إِلَيْكَ، فَقَدْ خِفْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ الِاسْتِعْدَادِ
لَهُ، وَالسَّلَامُ» فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ كَثُرَ تَعَجُّبِي
مِنْ قَلْبٍ يَأْلَفُ الدُّنْيَا، وَيَطْمَعُ فِي الْبَقَاءِ، وَالسَّاعَاتُ
تَنْقُلُنَا، وَالْأَيَّامُ تَطْوِي أَعْمَارَنَا، فَكَيْفَ نَأْلَفُ مَا لَا
ثَبَاتَ [ص:196] لَهُ، وَكَيْفَ تَنْعَمُ عَيْنٌ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا لَا
تَطْرِفُ بَعْدَ رَقْدَتِهَا إِلَّا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلسُّؤَالِ،
وَالسَّلَامُ (1/195) 456 - وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَخٍ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ،
فَأَحْسِنْ ضِيَافَةَ يَوْمِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَزَوِّدْهُ مِنْكَ بِرًّا قَبْلَ
شُخُوصِهِ عَنْكَ، وَأَشْفِقْ مِنْ طُلُوعِ التَّنْغِيصِ عَلَيْكَ مِنْ بَعْضِ
سَاعَاتِهِ، وَالسَّلَامُ أَنْشَدَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
لِلْمُغِيرَةِ بْنِ حَبْنَاءَ:[البحر الطويل]يُطَاوِحُنِي يَوْمٌ جَدِيدٌ
وَلَيْلَةٌ ... هُمَا أَفْنَيَا عُمْرِي وَكُلُّ فَتًى بَالٍإِذَا مَا سَلَخْتُ
الشَّهْرَ أَهْدَمْتُ مِثْلَهُ ... كَفَى مُبْلِيًا سَلْخِي الشُّهُورَ
وَإِهْلَالِ
(1/196) 457 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ غَزْوَانَ، يَذْكُرُهُ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:[البحر
الطويل]أَيَقْظَانُ أَنْتَ الْيَوْمَ أَمْ أَنْتَ نَائِمُ ... وَكَيْفَ يَطِيقُ
النَّوْمَ حَيْرَانُ هَائِمُفَلَوْ كُنْتَ يَقْظَانَ الْغَدَاةَ لَحَرَّقَتْ ...
مَدَامِعَ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعُ السَّوَاجِمُبَلْ أَصْبَحْتَ فِي النَّوْمِ الطَّوِيلِ
وَقَدْ دَنَتْ ... إِلَيْكَ أُمُورٌ مُفْظِعَاتٌ عَظَائِمُنَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ
سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لَازِمُيَغُرُّكَ مَا
يَفْنَى وَتُشْغَلُ بِالْمُنَى
... كَمَا غُرَّ بِاللَّذَّاتِ فِي النَّوْمِ
حَالِمُوَتُشْغَلُ فِيمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا
يَعِيشُ الْبَهَائِمُ
(1/196) 458 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نَاجِيَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: "
الدُّنْيَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ: أَمَا أَمْسِ فَقَدْ ذَهَبَ بِمَا فِيهِ، وَأَمَّا
غَدًا فَلَعَلَّكَ لَا تُدْرِكُهُ، وَالْيَوْمُ فَاعْمَلْ فِيهِ (1/197) 459 - حَدَّثَنَا
مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
زُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنِ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّمَا الدُّنْيَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، مَضَى
أَمْسِ بِمَا فِيهِ، وَغَدًا لَعَلَّكَ لَا تُدْرِكُهُ، فَانْظُرْ مَا أَنْتَ
عَامِلٌ فِي يَوْمِكَ (1/197)
460 - ثنا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ
بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا رَجُلٌ يُقَالُ
لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ابْنَ آدَمَ لَا تَحْمِلْ هَمَّ
سَنَةٍ عَلَى يَوْمٍ، كَفَى يَوْمُكَ بِمَا فِيهِ، فَإِنْ تَكُنِ السُّنَّةُ مِنْ
عُمُرِكَ يَأْتِكَ اللَّهُ فِيهَا بِرِزْقِكَ، وَإِلَّا تَكُنْ مِنْ عُمُرِكَ فَأَرَاكَ
تَطْلُبُ مَا لَيْسَ لَكَ (1/197)
461 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي مُسْلِمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي مَجْلِسٍ
مِنْ مَجَالِسِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَمَرَّ بِنَا أَعْرَابِيٌّ كَهَيْئَةِ الْمَهْمُومِ،
فَسَلَّمَ وَانْطَلَقَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: مَعْشَرَ الْعَرَبِ قَدْ سَئِمْتُ
لِتِكْرَارِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَدُورُهَا عَلَيَّ، هَلْ مِنْ شَيْءٍ
يَدْفَعُ عَنِّي سَآمَةَ ذَلِكَ، أَوْ يَسُلُّ عَنِّي بَعْضَ مَا أَجِدُ مِنْ
ذَلِكَ؟ ثُمَّ وَلَّى غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: وَاهًا
لِقُلُوبِ نَقِيَّةٍ مِنَ الْآثَامِ، وَاهًا لِجَوَارِحَ مُسَارِعَةٍ إِلَى
طَاعَةِ الرَّحْمَنِ، [ص:198] أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَمَلُّوا الدُّنْيَا لِتَوَسُّلِهِمْ
فِيهَا بِالطَّاعَةِ إِلَى رَبِّهِمْ، وَمَا يَكْرَهُوا الْمَوْتَ إِذَا نَزَلَ
بِهِمْ، يَجُرُّونَ مِنَ الْبَرَكَةِ فِي لِقَاءِ سَيِّدِهِمْ، فَكِلَا
الْحَالَتَيْنِ لَهُمْ حَالٌ حَسَنَةٌ، إِنْ قَدِمُوا عَلَى الْآخِرَةِ قَدِمُوا
عَلَى مَا قَدِمُوا مِنَ الْقُرْبَةِ، وَإِنْ تَطَاوَلَتْ بِهِمُ الْمُدَّةُ
قَدَّمُوا الزَّادَ لِيَوْمِ الرِّحْلَةِ " قَالَ: فَمَا سَمِعْتُ
مَوْعِظَةً أَشَدَّ اسْتِكْنَانًا فِي الْقُلُوبِ مِنْهَا، مَا ذَكَرْتُهَا إِلَّا
هَانَتْ عَلَيَّ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ
الْعَدَوِيُّ:[البحر الطويل]وَيَحْدُو الْجَدِيدَانِ الْجَدِيدَ إِلَى الْبِلَى
... وَكَمْ مِنْ جَدِيدٍ قَدْ أَبَادَا وَبَدَّدَاوَكَمْ أَبْلَيَا مِنْ جِدَّةٍ
وَبَشَاشَةٍ ... وَعُمْرٍ طَوِيلٍ أَفْنَيَاهُ وَأَبْعَدَاوَكَمْ كَدَّرَا مِنْ
لَذَّةٍ وَغَضَارَةٍ ... وَكَمْ فَجَّعَا إِلْفًا بِإِلْفٍ وَأَفْرَدَاوَكَمْ أَحْدَثَا
مِنْ عِبْرَةٍ بَعْدَ حَبْرَةٍ ... بَكِيٍّ مَكَاوٍ حَرُّهَا لَنْ
يُبَدَّدَاوَكَمْ مِنْ جَدِيدٍ صَيَّرَاهُ إِلَى الْبِلَى ... وَمِنْ ذِي شَبَابٍ
صَيَّرَاهُ مُفَنَّدَاوَكَمْ مِنْ عَظِيمِ الْمُلْكِ أَشْوَسَ بَاذِخٍ ...
تَعَاوَرَهُ الْعَصْرَانِ حَتَّى تَبَلَّدَاوَكَمْ عَامِرٍ لَمْ يَبْقَ فِيهِنَّ
سَاكِنًا ... وَلَاقَى خَرَابَ الدَّهْرِ مَا كَانَ شَيَّدَاوَكَمْ صَدَعَ الْعَصْرَانِ
مِنْ شَعْبِ مَعْشَرٍ ... وَأَمْرٌ عَجِيبٌ غَيَّبَاهُ وَأَشْهَدَاوَكَمْ قَمَصَا
مِنْ مُتْرَفٍ ذَا مَهَابَةٍ ...
وَسَاقَا إِلَى حَوْضِ الْمَنَايَا فَأَوْرَدَافَأَمْسَى
ذَلِيلًا خَدُّهُ مُتَعَفِّرَا ... وَزَايَلَ مُلْكًا لَا يُرَامُ وَسُودَدَاوَكَمْ
آمِنٍ قَدْ رَوَّعَاهُ بِفَجْعَةٍ ... وَأَمْرٍ عَجِيبٍ قَرَّبَاهُ وَأَبْعَدَايَكُرَّانِ
تَتْرَى بِالْمَوَاعِظِ فِيهِمَا ... وَمَا نَفَعَا إِلَّا الرَّشِيدَ
الْمُسَدَّدَاوَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيُجْزَى بِفِعْلِهِ ... وَكُلٌّ مُوَقًّى
زَادُهُ مَا تَزَوَّدَا
(1/197) 462 - ثنا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ، قَالَ: ثنا
مُحَاضِرٌ، [ص:199] قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَا مِنْ
يَوْمٍ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
أَخْرَجَنِي مِنْهَا، ثُمَّ لَا يَرُدُّنِي إِلَيْهَا وَقَالَ مَحْمُودُ بْنُ
الْحَسَنِ الْوَرَّاقُ:[البحر الطويل]يُحِبُّ الْفَتَى طُولَ الْبَقَاءِ وَإِنَّهُ
... عَلَى
ثِقَةٍ أَنَّ الْبَقَاءَ فَنَاءُزِيَادَتُهُ فِي الْجِسْمِ نَقْصُ حَيَاتِهِ ...
وَلَيْسَ عَلَى نَقْصِ الْحَيَاةِ نَمَاءُإِذَا مَا طَوَى يَوْمًا طَوَى الْيَوْمُ
بَعْضَهُ ... وَيَطْوِيهِ إِنْ جَنَّ الْمَسَاءُ مَسَاءُجَدِيدَانِ لَا يَبْقَى
الْجَمِيعُ عَلَيْهِمَا ... وَلَا لَهُمَا بَعْدَ الْجَمِيعِ بَقَاءُأَنْشَدَنِي
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنْشَدَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشِ:[البحر المنسرح]يَخْتَلِفُ
اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَى ... عُمْرٍ قَصِيرٍ مُوَفَّرِ الْأَمَلِمَا جَدَّدَا
أَبْلَيَا وَمَا رَفَعَا ... حَطَّا وَمَا طَاوَلَاهُ لَمْ يَطُلِ
(1/198) 463 - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، عَنْ
وَهْبٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ شِعْيَا عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ قَالَ
لِيُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَا يُونُسُ، إِذَا أَحَبَّ الْعَالِمُ
الدُّنْيَا نَزَعْتُ لَذَّةَ مُنَاجَاتِي مِنْ قَلْبِهِ» (1/199) 464 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مَيْسَرَةَ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، خَتَنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ
عِمْرَانَ الْقَصِيرِ، أَنَّهُ قَالَ: أَلَا صَابِرٌ كَرِيمٌ لِأَيَّامٍ
قَلَائِلَ؟ حَرَامٌ [ص:200] عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ
حَتَّى تَزْهَدُوا فِي الدُّنْيَا (1/199) 465 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ،
قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ الْخَلَّالَ، يَقُولُ: قَالَ سَابِقٌ الْبَرْبَرِيُّ
رَحِمَهُ اللَّهُ:[البحر البسيط]أَصْبَحْتُمْ جُزُرًا لِلْمَوْتِ يَأْخُذُكُمْ ... كَمَا
الْبَهَائِمُ فِي الدُّنْيَا لَكُمْ جُزُرُوَلَيْسَ يَزْجُرُكُمْ مَا تُوعَظُونَ
بِهِ ... وَالْبُهْمُ يَزْجُرُهَا الرَّاعِي فَتَنْزَجِرُمَا يَشْعُرُونَ بِمَا
فِي دِينِهِمْ نَقَصُوا ... جَهْلًا وَإِنْ نَقَصَتْ دُنْيَاهُمْ شَعَرُواأَبْعَدَ
آدَمَ تَرْجُونَ الْخُلُودَ وَهَلْ
... تَبْقَى فُرُوعٌ لِأَصْلٍ حِينَ يَنْقَعِرُلَا يَنْفَعُ
الذِّكْرُ قَلْبًا قَاسِيًا أَبَدًا ... وَالْحَبْلُ فِي الْحَجَرِ الْقَاسِي لَهُ
أَثَرُ
(1/200) 466 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، ثنا
زُهَيْرُ بْنُ عَبَّادٍ الرَّوَاسِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ هِلَالٍ النَّصِيبِيِّ،
قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَيْلَكُمْ عُلَمَاءَ السُّوءِ
مِنْ أَجْلِ دُنْيَا دَنِيَّةٍ، وَشَهْوَةٍ رَدِيَّةٍ، تُفَرِّطُونَ فِي مُلْكِ
جَنَّةٍ عَلِيَّةٍ، وَتَنْسَوْنَ هَوْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (1/200) 467 -
حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ، عَنْ
بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ ضُبَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَلْهَانِيِّ،
عَنْ دُوَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: «تَعْلَمُونَ لِدُنْيَا صَغِيرَةٍ، وَتَتْرُكُونَ الْآخِرَةَ الْكَبِيرَةَ،
وَعَلَى كُلِّكُمْ يَمُرُّ الْمَوْتُ» (1/200) 468 - وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ، عَنْ
آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ،
قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَصْبَحَ فِي الدُّنْيَا مَا يَغُرُّ ذَا قَلْبٍ،
وَكُلُّكُمْ ذُو قَلْبٍ، وَلَكِنْ مَا يَغُرُّ ذَا قَلْبٍ حَيٍّ (1/200) 469 -
وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: الْخَاسِرُ مَنْ عَمَّرَ
دُنْيَاهُ بِخَرَابِ آخِرَتِهِ، وَالْخَاسِرُ مَنِ استصلحِ مَعَاشَهُ بِفَسَادِ
دِينِهِ، وَالْمَغْبُونُ حَظًّا مَنْ رَضِيَ بِالدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ،
وَقَرَأَ فَإِنَّهُ قَالَ لِقَوْمٍ {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يونس: 7] (1/201) 470 - حَدَّثَنِي
سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَانَ
يُقَالُ: خَبَرُ الدُّنْيَا أَشَدُّ مِنْ مُخْتَبَرِهَا، وَمُخْتَبَرُ الْآخِرَةِ
أَشَدُّ مِنْ خَبَرِهَا (1/201)
471 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ
عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ خَالِدُ بْنُ
يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ: ابْنَ آدَمَ لَا يَلْهِكَ أَهْلٌ، إِنَّمَا أَنْتَ
فِيهِمْ ضَيْفٌ عِنْدَ أَهْلٍ لَا تُزَايِلُهُمْ، وَلَا يَلْهِيَنَّكَ مَسَاكِنُ، إِنَّمَا
أَنْتَ فِيهَا عُمْرَى عَنْ مَسَاكِنَ أَنْتَ مُخَلَّدٌ فِيهَا أَبَدًا، ابْنَ
آدَمَ إِنَّكَ إِنَّمَا تَسْكُنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا بَنَيْتَ الْيَوْمَ،
وَتَنْزِلُ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَا نَقَلْتَ فِي حَيَاتِكَ مِنْ مَتَاعِكَ (1/201)
472 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ،
قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النِّبَاجِيِّ: تَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ
قُلْتُ الْبَارِحَةَ يَا أَحْمَدُ؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَبِيحٌ بِعَبْدٍ
ضَعِيفٍ مَثَلِي يُعَلِّمُ عَظِيمًا مِثْلَكَ مِنْهُ مَا يَعْلَمُ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ
تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ جُعِلَتْ لِيَ الدُّنْيَا كُلُّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى
آخِرِهَا حَلَالًا لَقَذَرْتُهَا وَلَمْ أُرِدْهَا (1/201) 473 - حَدَّثَنِي
سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ هِلَالٍ،
قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: [ص:202] مَا
لِقُلُوبِ أَحِبَّائِي وَمَا لِلْغَمِّ بِالدُّنْيَا؟ إِنَّ الْغَمَّ بِهَا
يَمُصُّ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي مِنْ قُلُوبِهِمْ مَصًّا، يَا دَاوُدُ لَا تَجْعَلْ
بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَالِمًا قَدْ أَسْكَرَتْهُ الدُّنْيَا، فَيَحْجُبُكَ
بِسُكْرِهِ عَنْ مَحَبَّتِي، أُولَئِكَ قُطَّاعُ طَرِيقِ عِبَادِي الْمُرِيدِينَ
(1/201) 474 - حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْأَعْرَجِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ،
قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَا جَابِرُ إِنِّي لَمَحْزُونٌ، وَإِنِّي
لَمُشْتَغِلُ الْقَلْبِ، قُلْتُ: وَمَا حُزْنُكَ وَشُغْلُ قَلْبِكَ؟ قَالَ: يَا
جَابِرُ إِنَّهُ مَنْ دَخَلَ قَلْبَهُ صَافِي خَالِصُ دِينِ اللَّهِ شَغَلَهُ
عَمَّا سِوَاهُ، يَا جَابِرُ مَا الدُّنْيَا؟ وَمَا عَسَى أَنْ تَكُونَ؟ هَلْ هُوَ
إِلَّا مَرْكِبٌ رَكِبْتَهُ، أَوْ ثَوْبٌ لَبِسْتَهُ، أَوِ امْرَأَةٌ أَصَبْتَهَا؟
يَا جَابِرُ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَطْمَئِنُّوا إِلَى الدُّنْيَا لِبَقَاءٍ
فِيهَا، وَلَمْ يَأْمَنُوا قُدُومَ الْآخِرَةِ، لَمْ يُصِمُّهُمْ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ مَا سَمِعُوا بِآذَانِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يُعْمِهِمْ عَنْ
نُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا رَأَوْا بِأَعْيُنِهِمْ مِنَ الزِّينَةِ،
فَفَازُوا بِثَوَابِ الْأَبْرَارِ، إِنَّ أَهْلَ التَّقْوَى أَيْسَرُ أَهْلِ
الدُّنْيَا مَؤُونَةً، وَأَكْثَرُهُمْ لَكَ مَعُونَةً، إِنْ نَسِيتَ ذَكَّرُوكَ،
وَإِنْ ذَكَرْتَ أَعَانُوكَ، قَوَّالِينَ بِحَقِّ اللَّهِ، قَوَّامِينَ بِأَمْرِ
اللَّهِ سُبْحَانَهُ، قَطَعُوا مَحَبَّتَهُمْ لِمَحَبَّةِ رَبِّهِمْ، وَنَظَرُوا
إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مَحَبَّتِهِ بِقُلُوبِهِمْ، وَأَوْحَشُوا مِنَ الدُّنْيَا لِطَاعَةِ
مَلِيكِهِمْ، وَعَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ مَنْظُورٌ إِلَيْهِ مِنْ شَأْنِهِمْ،
فَأَنْزِلِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ مَنْزِلٍ نَزَلْتَ بِهِ وَارْتَحَلْتَ عَنْهُ،
أَوْ كَمَالٍ أَصَبْتَهُ فِي مَنَامِكَ، فَاسْتَيْقَظْتَ وَلَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ،
وَاحْفَظِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَا اسْتَرْعَاكَ مِنْ دِينِهِ وَحِكْمَتِهِ
(1/202) 475 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ زِيَادٍ الْمَرْوَزِيِّ، قَالَ: قَالَ مَعْدَانُ: اعْمَلْ
لِلدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ مُكْثِكَ فِيهَا، وَاعْمَلْ لِلْآخِرَةِ عَلَى قَدْرِ مُكْثِكَ
فِيهَا (1/202) 476 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ شَيْخٍ، لَهُ،
عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ، قَالَ: قَالَ لِي زُرْعَةُ: " مَنْ كَانَ
صَغِيرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ أَعْظَمُ مِنْ كَبِيرِ الْآخِرَةِ كَيْفَ يَرْجُو
أَنْ يُصْنَعَ لَهُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ (1/203) 477 - حَدَّثَنِي رَوْحُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ:
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِنَّمَا يَسْلَمُ مِنَ الدُّنْيَا مَنْ أَخَذَ
مِنْهَا لَهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ، وَحُوسِبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا لِغَيْرِهَا
قَدِمَ عَلَيْهِ، وَأَقَامَ فِيهِ (1/203) 478 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ بَعْضٍ، أَشْيَاخِهِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا الدُّنْيَا
غُمُومٌ وَهُمُومٌ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْهَا سُرُورًا فَهُوَ رِبْحٌ
أَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ قَوْلَهُ:[البحر البسيط]أَشْكُو
إِلَى اللَّهِ نَفْسًا مَا تُلَائِمُنِي ... تَبْغِي هَلَاكِي وَلَا آلُو
أُنَجِّيهَامَا إِنْ تَزَالُ تُنَاجِينِي بِمَعْصِيَةٍ ... فِيهَا الْهَلَاكُ
وَإِنِّي لَا أُوَاتِيهَاأَعْيَتْ وَأَعْيَيَتُهَا تَأْبَى مُوَافَقَتِي ...
وَرُبَّمَا غَلَبَتْنِي ثُمَّ أُثَنِّيهَاأُخِيفُهَا بِوَعِيدِ اللَّهِ
مُجْتَهِدًا ... وَلَيْسَ يَنْفَكُّ يُلْهِيهَا تَرَجِّيهَابَلْ قُلْ
لِمَوْطِنِ دَارٍ لَا يُقَرِّبُهَا ... كَأَنَّهُ خَالِدٌ فِيهَا
يُعَانِيهَاأَهَلْ رَأَيْتَ سَلِيمًا مِنْ بَوَائِقِهَا ... أَمْ هَلْ سَمِعْتَ
بِحَيٍّ خَالِدٍ فِيهَاأَمْ تَخَافُ ذُنُوبًا جَمَّةً سَلَفَتْ ... أَنَسِيتَ
عِدَّتَهَا وَاللَّهُ يُحْصِيهَايَا رُبَّ سَيِّئَةٍ بَاشَرْتَ مُنْكَرَهَا ... فَبِتَّ
تُظْهِرُهَا وَاللَّهُ يُخْفِيهَاوَأَنْتَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُبْصِرٌ عِبَرًا ...
مَنًّا مِنَ اللَّهِ تَحْذِيرًا وَتَنْبِيهًا [ص:204]أَمَا تَرَى الْمَوْتَ مَا
يَنْفَكُّ مُخْتَطِفًا ... مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ نَفْسًا فَيَحْوِيهَاقَدْ
نَغَّصَتْ أَمَلًا كَانَتْ تُؤَمِّلُهُ ... وَقَامَ فِي الْحَيِّ نَاعِيهَا
وَبَاكِيهَاوَأُسْكِنُوا التُّرْبَ تَبْلَى فِيهِ أَعْظُمُهُمْ ... بَعْدَ
النَّضَارَةِ ثُمَّ اللَّهُ يُحْيِيهَاوَصَارَ مَا جَمَعُوا مِنْهَا وَمَا
ادَّخِرُوا ... بَيْنَ الْأَقَارِبِ تَحْوِيهِ أَدَانِيهَافَامْهَدْ لِنَفْسِكَ
فِي أَيَّامِ مُدَّتِهَا ... وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مَا أَسْلَفْتَهُ فِيهَا
(1/203) 479 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ
الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي الرَّغْبَةَ فِي
الْآخِرَةِ حَتَّى أَعْرِفَ صِدْقَ ذَلِكَ فِي قَلْبِي بِالزَّهَادَةِ مِنِّي فِي
دُنْيَايَ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي بَصَرًا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ حَتَّى أَطْلُبَ الْحَسَنَاتِ
شَوْقًا، وَأَفِرَّ مِنَ السَّيِّئَاتِ خَوْفًا» (1/204) 480 - حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ
الْأَزْدِيُّ، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: كَانَ يُقَالُ: كُلُّ شَيْءٍ فَاتَكَ
مِنَ الدُّنْيَا غَنِيمَةٌ قَالَ: وَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ
الدُّنْيَا، فَقَالَ الْحَسَنُ: يَا سَعِيدُ سَهَوْتَ حَتَّى ذَكَرْتَ الدُّنْيَا قَالَ:
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَنَا ذُنُوبٌ إِلَّا حُبَّنَا الدُّنْيَا
خَشِينَا أَنْ يُعَذِّبَنَا اللَّهُ قَالَ: وَقَالَ رَجُلٌ لِإِخْوَانِهِ:
تَعَالَوْا حَتَّى نَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَغْفِرُ النَّاسُ
مِنْهُ، حُبُّنَا لِلدُّنْيَا " قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّمَا سَاءَ
الْعَمَلُ مِنْ طُولِ الْأَمَلِ (1/204) 481 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ
الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ
عَبَّادٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ،
قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِمَكَّةَ وَإِذَا نَجْدَةُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ
مُتَصَافَّيْنِ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا نَجْدَةُ
وَابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: «لَقَدْ أَعْظَمَ هَؤُلَاءِ الدُّنْيَا» (1/205) 482 - حَدَّثَنِي
أَبُو إِسْحَاقَ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: نا شَيْخٌ،
يُقَالُ لَهُ: الْفَضْلُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ عِمْرَانَ، شَيْخٍ كَانَ يَنْزِلُ
مِصْرَ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا
تَجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَالِمًا قَدْ سَكَنَ قَلْبَهُ حُبُّ الدُّنْيَا،
إِنَّ أَهْوَنَ مَا أُعَاقِبُهُمْ بِهِ أَنْ أَنْزِعَ حُبَّ مُنَاجَاتِي مِنْ
قُلُوبِهِمْ» (1/205) 483 - ثنا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، مَوْلَى
بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ، عَنْ يَزِيدَ
الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ
جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ فِي قَلْبِهِ، وَشَتَّتَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَلَمْ
[ص:206] يَأْتِهِ مِنْهَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ
أَكْبَرَ هَمِّهِ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ،
وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» (1/205) 484 - وَحَدَّثَنِي أَبُو
الْفَضْلِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ فُضَيْلَ بْنَ
عِيَاضٍ، يَقُولُ: حُزْنُ الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا يَذْهَبُ بِهَمِّ الْآخِرَةِ، وَفَرَحُ
الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا يَذْهَبُ بِحَلَاوَةِ الْعِبَادَةِ (1/206) 485 - حَدَّثَنَا الْحَارِثُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَمِّيُّ، قَالَ:
نا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ صَاحِبُ
الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا وَأَنْتُمْ تُرْزَقُونَ
فِيهَا بِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَلَا تَعْمَلُونَ لِلْآخِرَةِ وَأَنْتُمْ لَا
تُرْزَقُونَ فِيهَا إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَيْلَكُمْ عُلَمَاءَ السُّوءِ الْأَجْرَ
تَأْخُذُونَ، وَالْعَمَلَ تُضَيِّعُونَ، يُوشِكُ رَبُّ الْعَمَلِ أَنْ يَطْلُبَ
عَمَلَهُ، وَتُوشِكُونَ أَنْ تَخْرُجُوا مِنَ الدُّنْيَا الْعَرِيضَةِ إِلَى
ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ، اللَّهُ نَهَاكُمْ عَنِ الْخَطَايَا كَمَا
أَمَرَكُمْ بِالصِّيَامِ وَالصَّلَاةَ، كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ
سَخِطَ رِزْقَهُ، وَاحْتَقَرَ مَنْزِلَهُ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ
اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ؟ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنِ اتَّهَمَ
اللَّهَ فِيمَا قَضَى لَهُ، فَلَيْسَ يَرْضَى شَيْئًا أَصَابَهُ؟ كَيْفَ يَكُونُ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ دُنْيَاهُ آثَرُ عِنْدَهُ مِنْ آخِرَتِهِ، وَهُوَ
مُقْبِلٌ فِي دُنْيَاهُ أَفْضَلَ رَغْبَةً؟ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
مَنْ مَسِيرُهُ إِلَى آخِرَتِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى دُنْيَاهُ، وَمَا يَضُرُّهُ
أَحَبُّ [ص:207] إِلَيْهِ مِمَّا يَنْفَعُهُ؟ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ مَنْ يَطْلُبُ الْكَلَامَ لِيُخْبِرَ بِهِ النَّاسَ، وَلَا يَطْلُبُ
الْكَلَامَ لَيَعْمَلَ بِهِ؟» أَنْشَدَنِي شَيْخٌ لَنَا:[البحر الوافر]سَلِ الْأَجْدَاثَ
عَنْ صُوَرٍ بَلِينَا ... وَعَنْ خَلْقٍ نَعِمْنَ فَصِرْنَ طِينَاوَعَنْ مَلِكٍ
تَعَزَّزَ بِالْأَمَانِي ... وَكَانَ يَظُنُّ أَنْ سَيَعِيشُ حِينَافَجَادَ
بِنَفْسِهِ لَمَّا أَتَاهُ ... وَكَانَ بِوَجْدِهَا أَبَدًا ضَنِينَافَصَارَ عَلَى
الْيَمِينِ إِلَى التَّنَادِي ...
بِلَا حَرَكِ الْمُقَلِّبِ لِلْيَمِينَالَقَدْ أَبَتِ
الْقُبُورُ عَلَى شَفِيقٍ ... أَتَاهَا أَنْ تَفُكَّ لَهُ رَهِينَاهِيَ الدُّنْيَا
تُفَرِّقُ كُلَّ جَمْعٍ ... وَإِنْ أَلِفَ الْقَرِينُ بِهِ الْقَرِينَا
(1/206) 486 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: خَيْرُ
الدُّنْيَا لَكُمْ مَا لَمْ تُبْتَلَوْا بِهِ مِنْهَا، فَإِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهَا
فَخَيْرُهَا لَكُمْ مَا خَرَجَ عَنْ أَيْدِيكُمْ مِنْهَا (1/207) 487 - حَدَّثَنِي
صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِي، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ فِي دَارٍ مَذْمُومَةٍ لِأَهْلِهَا،
خُلِقَتْ فِتْنَةً، وَضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ، إِذَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ تَنْفَذُ،
فَهِيَ دَارُ قُلْعَةٍ، وَمُنْزِلُ بُلْغَةٍ، أَخْرَجَ نَبَاتَهَا، وَبَثَّ فِيهَا
مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الَّذِي هُمْ إِلَيْهِ
صَائِرُونَ، وَأَمَرَ فِيهِ عِبَادَهُ [ص:208] فِيمَا أَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ
بِطَاعَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ سَبِيلَهَا، وَوَعَدَهُمُ الْخَيْرَ عَلَيْهِ،
فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ مُعْجِزٌ لَهُ، وَلَيْسَ مِنْ
أَعْمَالِهِمْ شَيْءٌ يَخْفَى عَلَيْهِ، فَهُمْ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا
مُخْتَلِفَةً، سَعْيُهُمْ فِيهَا شَتَّى بَيْنَ عَاصٍ وَمُطِيعٍ، وَلِكُلٍ جَزَاءٌ
مِنَ اللَّهِ بِمَا عَمِلَ، وَنُصِيبٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ، وَلَمْ أَسْمَعِ اللَّهَ
تَعَالَى فِيمَا عَهِدَ إِلَى عِبَادِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِهِ
رَغَّبَ فِي الدُّنْيَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا رَضِيَ لَهُمْ
بِالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا، وَلَا الرُّكُونِ إِلَيْهَا، بَلْ صَرَّفَ اللَّهُ
فِيهَا الْآيَاتِ، وَضَرَبَ لَهَا الْأَمْثَالَ فِي الْعَيْبِ لَهَا، وَالنَّهْيِ
عَنْهَا، وَالرَّغْبَةِ فِي غَيْرَهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَ لِلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ
اللَّهِ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا عَظِيمُ
الشَّأْنِ، هَائِلُ الْمَطْلَعِ، عَسِيرٌ وَاللَّهِ بِمَا هُمْ فِيهِ، لَا
يُشْبِهُ ثَوَابَهُمْ وَلَا عِقَابَهُمْ، وَلَكِنَّهَا دَارُ الْخُلُودِ، يَدِينُ
اللَّهُ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَهُمْ، ثُمَّ لَا
يَتَغَيَّرُ بُؤْسٌ عَنْ أَهْلِهِ وَلَا نُعَيْمٌ، وَأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ
عَمَلٍ، مَنْ صَحِبَهَا بِالْبُغْضِ لَهَا وَالزَّهَادَةِ فِيهَا، وَالْهَضْمِ لَهَا
سَعِدَ بِهَا، وَنَفَعَتْهُ صُحْبَتُهَا، وَمَنْ صَحِبَهَا بِالرَّغْبَةِ فِيهَا
وَالْمَحَبَّةِ لَهَا شَقِيَ بِهَا، وَأَجْحَفَتْ لِحَظِّهِ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ
أَسْلَمَتْهُ إِلَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ مِنْ
عَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ، فَأَمْرُهَا صَغِيرٌ، وَمَتَاعُهَا قَلِيلٌ،
وَالْفَنَاءُ عَلَيْهَا مَكْتُوبٌ، وَاللَّهُ وَلِيُّ مِيرَاثِهَا، وَأَهْلُهَا
مُتَحَوِّلُونَ عَنْهَا إِلَى مَنَازِلَ لَا تَبْلَى، وَلَا يُغَيِّرُهَا طُولُ
الْعُمْرِ فِيهَا بِفِنَاءٍ فَيَمُوتُونَ، وَلَا وَإِنْ طَالَ الثَّوَاءُ فِيهَا يَخْرُجُونَ،
فَاحْذَرُوا ذَلِكَ الْمَوْطِنَ، وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ الْمُنْقَلَبِ، وَلِذَلِكَ
فَاعْدُدْ، وَمِنْ شَرِّهِ فَاهْرُبْ، وَلَا يَلْهِيَنَّكَ الْمَتَاعُ الْقَلِيلُ
الْفَانِي، وَاقْطَعِ - ابْنَ آدَمَ
- مِنَ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّكَ، وَبَادِرْ
أَجَلَكَ، وَلَا تَقُلْ غَدًا غَدًا، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى إِلَى اللَّهِ
تَصِيرُ، وَلَا تَكُنْ - يَا ابْنَ آدَمَ - مُغْتَرًّا، وَلَا تَأْمَنْ مَا لَمْ
يَأْتِكَ الْأَمَانُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْهَوْلَ الْأَعْظَمَ وَمُفْظِعَاتِ الْأُمُورِ
أَمَامَكَ لَمْ تَخْلُصْ مِنْهُنَّ حَتَّى الْآنَ، وَلَا بُدَّ مِنْ [ص:209]
ذَلِكَ الْمَسْلَكِ، وَحُضُورِ تِلْكَ الْأُمُورِ كُلِّهَا، فَإِمَّا بِعَافِيَةٍ
مِنْ شَرِّهَا، وَنَجَاةٍ مِنْ هَوْلِهَا، وَإِمَّا بِهَلَكَةٍ، فَلَيْسَ
بَعْدَهَا خَيْرٌ وَلَا انْتِعَاشٌ (1/207) 488 - حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، نا
أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِي، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: " ابْنَ آدَمَ لَا
تُعَلِّقْ قَلْبَكَ بِالدُّنْيَا فَتُعَلِّقَهُ بِشَرِّ مُعَلَّقٍ، قَطِّعَ
حِبَالَهَا، وَغَلِّقَ أَبْوَابَهَا، حَسْبُكَ أَيُّهَا الْمَرْءُ مَا بَلَّغَكَ
الْمَحَلَّ، حُمْقًا تُبَاهِي بِمَالِكَ، وَحُمْقًا تُبَاهِي بِوَلَدِكَ، وَأَنْتَ
فِي غَمِّ السَّاعَةِ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ذَهَبْتِ الدُّنْيَا لِحَالٍ، وَبَقِيَتِ
الْأَعْمَالُ قَلَائِدَ فِي أَعْنَاقِ بَنِي آدَمَ قَالَ بَعْضُ حُكَمَاءِ
الشُّعَرَاءِ:[البحر الطويل]أَبِالْمَنْزِلِ الْفَانِي تُؤَمِّلُ أَنْ تَبْقَى ...
كَفَاكَ بِمَا تَرْجُو وَتَأْمَلُهُ خُرْقًارَأَيْتُ قُوَى الدُّنْيَا يَزِيدُ
انْتِقَاصُهَا ... وَيَدْعُو إِلَيْهِ صَفْوُ لَذَّاتِهَا الرَّنْقَاوَفِي كُلِّ
يَوْمٍ مُحْدِثٍ، لَكَ فُرْقَةٌ ... تَرَى خَطْبَهَا خَطْبًا جَلِيلًا وَإِنْ
دَقَّالَعَمْرُكَ مَا الدُّنْيَا بِبَاقِيَةٍ وَلَا ... بِهَا أَحَدٌ يَبْقَى
فَتَطْمَعَ أَنْ تَبْقَىوَقَالَ حَكِيمٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ:[البحر المديد]بَانَ
مِنْهُ الشَّبَابُ فَهْوَ كَئِيبُ ... وَعَلَا الْعَارِضَيْنِ مِنْهُ مَشِيبُلَيْتَ
شِعْرِي مَاذَا أُرَجِّي مِنَ الدُّنْيَا ... وَلَمْ يَبْقَ لِي عَلَيْهَا
حَبِيبُأَفْرَدَتْنِي الْخُطُوبُ مِنْ أَهْلِ وُدِّي ... حَسْرَتِي مَا تُرِيدُ مِنِّي
الْخُطُوبُكُلُّ يَوْمٍ لِي مِنْ خَلِيلٍ فِرَاقٌ ... أَيُّ عَيْشٍ مَعَ
الْفِرَاقِ يَطِيبُ
(1/209) 489 - حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ،
قَالَ: قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: كَأَنَّ الْمَعْمُورَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا
قَدِ ارْتَحَلَ، وَكَأَنَّ الْمَغْفُولَ مِنَ الْآخِرَةِ قَدْ أَنَاخَ بِأَهْلِهِ،
فَثَمَّ فَضَعِ الْهُمُومَ (1/209) 490 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
نا أَبُو مُسْهِرٍ، نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ نَظَرَ إِلَى إِبْلِيسَ فَقَالَ: هَذَا أُرْكُونُ [ص:210] الدُّنْيَا،
إِلَيْهَا خَرَجَ، وَإِيَّاهَا سَأَلَ، لَا أُشْرِكُهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا
حَجَرًا أَضَعُهُ تَحْتَ رَأْسِي، وَلَا أُكْثِرُ فِيهَا ضَاحِكًا حَتَّى أَخْرُجَ
مِنْهَا (1/209) 491 - حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامُ، نا أَبُو
سَعِيدٍ الْبَجَلِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: مَرَّ إِبْلِيسُ
بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ حَجَرًا، فَقَالَ لَهُ: يَا عِيسَى
قَدْ رَضِيتَ مِنَ الدُّنْيَا بِهَذَا الْحَجَرِ؟ قَالَ: فَأَخَذَهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ
فَقَذَفَ بِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هَذَا لَكَ مَعَ الدُّنْيَا، لَا حَاجَةَ لِي
فِيهِ» (1/210) 492 - حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، نا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ هَانِئٍ الْعَنْسِيَّ،
قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ تَقُولُ فِينَا وَفِي هَؤُلَاءِ؟ قَالَ:
«مَا أَنَا لَكُمْ بِحَامِدٍ، وَلَا لَهُمْ بِغَادِرٍ، أَنْتُمْ أَصْحَابُ دُنْيَا
تَنَافَسْتُمُوهَا بَيْنَكُمْ، تَهَافَتُونَ فِي النَّارِ تَهَافُتَ الذُّبَابِ
فِي الْمَرَقِ» قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ» ، قُلْتُ:
أَرَأَيْتَ أَلَكَ رَحْلٌ؟ انْطَلِقْ إِلَى رَحْلِكَ (1/210) 493 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
إِدْرِيسَ، نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،
قَالَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ: " الزُّهْدُ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
وَاحِدٌ أَنْ يُخْلِصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْقَوْلَ، وَلَا
يُرَادُ بِشَيْءٍ مِنْهُ الدُّنْيَا، وَالثَّانِي تَرْكُ مَا لَا يَصْلُحُ، وَالْعَمَلُ
بِمَا يَصْلُحُ، وَالثَّالِثُ الْحَلَالُ أَنْ تَزْهَدَ فِيهِ، وَهُوَ تَطَوُّعٌ،
وَهُوَ أَدْنَاهَا (1/211) 494 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ،
أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ، نا قَطَرِيٌّ الْخَشَّابُ، عَنْ
عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صَارَتْ أُمَّتِي
ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِلدُّنْيَا،
وَفِرْقَةٌ يَعْبُدُونَهُ رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَفِرْقَةٌ يَعْبُدُونَهُ
لِوَجْهِهِ وَلِدَارِهِ، فَيَقُولُ لِلَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ لِلدُّنْيَا:
بِعِزَّتِي وَجَلَالِي وَمَكَانِي مَا أَرَدْتُمْ بِعِبَادَتِي؟ فَيَقُولُونَ: بِعِزَّتِكَ
وَجَلَالِكَ وَمَكَانِكَ رِيَاءً وَسُمْعَةً قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَقْبَلْ مِنْ
ذَلِكَ شَيْئًا، اذْهَبُوا بِهِمْ إِلَى النَّارِ. قَالَ: وَيَقُولُ لِلَّذِينَ كَانُوا
يَعْبُدُونَهُ لِوَجْهِهِ وَلِدَارِهِ: بِعِزَّتِي وَجَلَالِي وَمَكَانِي مَا
أَرَدْتُمْ بِعِبَادَتِي؟ فَيَقُولُونَ: بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ وَمَكَانِكَ لِوَجْهِكَ
وَلِدَارِكَ، فَيَقُولُ: صَدَقْتُمْ، اذْهَبُوا بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ "
(1/211) 495 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، أنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، نا
مُوسَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدِينِيُّ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ
خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ
وَالتَّرْكِ لِلدُّنْيَا التَّارِكَةِ لَكُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تُحِبُّونَ تَرْكَهَا،
الْمُبْلِيَةِ أَجْسَامَكُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ تَجْدِيدَهَا،
فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهَا كَمَثَلِ سَفْرٍ سَلَكُوا طَرِيقًا،
فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ، أَوْ أَفْضَوْا إِلَى عَلَمٍ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ
بَلَغُوهُ، وَكَمْ عَسَى أَنْ يَجْرِيَ الْمُجْرَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى
الْغَايَةِ؟ وَكَمْ عَسَى أَنْ يَبْقَى مَنْ لَهُ يَوْمٌ مِنَ الدُّنْيَا،
وَطَالِبٌ حَثِيثٌ يَطْلُبُهُ حَتَّى يُفَارِقَهَا؟ فَلَا تَجْزَعُوا لِبُؤْسِهَا
وَضَرَّائِهَا، فَإِنَّهُ إِلَى انْقِطَاعٍ، وَلَا تَفْرَحُوا بِنَعِيمِهَا،
فَإِنَّهُ إِلَى زَوَالٍ، عَجِبْتُ لِطَالِبِ الدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُهُ،
وَغَافِلٍ لَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ» (1/212) 496 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ،
نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا آدَمُ، نا أَبُو عَاصِمٍ، إِمَامُنَا
بِعَبَّادَانَ، عَنْ سَلْمِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: إِنَّ الْحَوَارِيِّينَ قَالُوا
لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رُوحَ اللَّهِ عَلِّمْنَا عَمَلًا وَاحِدًا
يُحَبِّبُنَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «أَبْغِضُوا الدُّنْيَا
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» (1/212) 497
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، نا هُرَيْمُ
بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ،
قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَالنِّسَاءُ حِبَالَةُ
الشَّيْطَانِ، وَالْخَمْرُ دَاعِيَةُ كُلِّ شَرٍّ» (1/212) 498 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الرَّقِّيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ،
قَالَ: «مَنْ صَبَرَ عَلَى الْأَذَى، وَتَرَكَ الشَّهَوَاتِ، وَأَكَلَ الْخُبْزَ
مِنْ حَلَالِهِ، فَقَدْ أَخَذَ بِأَصْلِ الزُّهْدِ» (1/213) 499 - وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ،
قَالَ: سُئِلَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ عَنِ الزُّهْدِ، فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أَدْنَى
الزُّهْدِ أَنْ يَقْعُدَ أَحَدُكُمْ فِي مَنْزِلِهِ، فَإِنْ كَانَ قُعُودُهُ
لِلَّهِ، وَإِلَّا خَرَجَ، وَيَخْرُجُ، فَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ لِلَّهِ رَضِيَ،
وَإِلَّا رَجَعَ، فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ لِلَّهِ رَضِيَ، وَإِلَّا سَاحَ، وَيُخْرِجُ
دِرْهَمَهُ، فَإِنْ كَانَ إِخْرَاجُهُ لِلَّهِ رَضِيَ، وَإِلَّا حَبَسَهُ،
وَيَحْسِبُهُ، فَإِنْ كَانَ حَبْسُهُ لِلَّهِ رَضِيَ، وَإِلَّا رَمَى بِهِ،
وَيَتَكَلَّمُ، فَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ لِلَّهِ رَضِيَ، وَإِلَّا سَكَتَ،
وَيَسْكُتُ، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِلَّهِ رَضِيَ، وَإِلَّا تَكَلَّمَ» فَقِيلَ
لَهُ: هَذَا صَعْبٌ، فَقَالَ: «هَذَا الطَّرِيقُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَإِلَّا فَلَا تَتْعَبُوا»
(1/213) 500 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ، نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
كَتَبَ لَيْثٌ: " مِنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ
طَرْخَانَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّ
الْمُتَّقِيَ يَنْفَعُهُ مِنْ عَمَلِهِ مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ، جَعَلَنَا
اللَّهُ وَإِيَّاكَ بِرَحْمَتِهِ مِنَ الْمُتَّقِينَ، كَتَبْتُ إِلَيْكَ وَنَحْنُ
وَمَنْ قِبَلَنَا، أَهْلُنَا وَإِخْوَانُنَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ
بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَعَافِيَتِهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ، أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ
فِيهِ مَا لَيْسَ يَخْفَى عَلَى ذِي عَقْلٍ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَدْ
أَعْلَمُ أَنَّ الرُّسُلَ إِنَّمَا بُعِثَتْ بِهَدْمِ الدُّنْيَا وَبِنَاءِ الْآخِرَةِ،
وَالنَّاسُ فِيهَا، حَدَّثَنِي مَنْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا: «كُنَّا إِذَا أَسْلَمْنَا أَقْبَلْنَا
إِلَى الْآخِرَةِ، وَتَرَكْنَا الدُّنْيَا لِأَهْلِ الشِّرْكِ، وَإِنَّ النَّاسَ
الْيَوْمَ أَقْبَلُوا عَلَى أَمْرِ دُنْيَاهُمْ، وَتَرَكُوا أَمْرَ آخِرَتِهِمْ»
(1/213) 501 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَجَاءٍ، [ص:214] قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ السَّمَّاكِ، يَقُولُ:
" النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: زَاهِدٌ، وَصَابِرٌ، وَرَاغِبٌ، فَأَمَّا الزَّاهِدُ: فَأَصْبَحَ قَدْ
خَرَجَتِ الْأَفْرَاحُ وَالْأَحْزَانُ مِنْ صَدْرِهِ عَنِ اتِّبَاعِ هَذَا
الْغُرُورِ، فَهُوَ لَا يَفْرَحُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا أَتَاهُ، وَلَا
يَحْزَنُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا فَاتَهُ، لَا يُبَالِي عَلَى عُسْرٍ
أَصْبَحَ أَمْ عَلَى يُسْرٍ، فَهَذَا الْمُبَرِّزُ فِي زُهْدِهِ، وَأَمَّا
الصَّابِرُ فَرَجُلٌ يَشْتَهِي الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَيَتَمَنَّاهَا
بِنَفْسِهِ، فَإِذَا ظَفِرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَلْجَمَ نَفْسَهُ عَنْهَا،
كَرَاهَةَ شَتَاتِهَا وَسُوءِ عَاقِبَتِهَا، فَلَوْ تَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي
نَفْسِهِ عَجِبْتَ مِنْ نَزَاهَتِهِ وَعِفَّتِهِ، أَمَّا الرَّاغِبُ فَلَا
يُبَالِي مِنْ أَيْنَ أَتَتْهُ الدُّنْيَا، وَلَا يُبَالِي دَنَّسَ فِيهَا
عِرَضَهُ، أَوْ وُضِعَ فِيهِ حَسَبَهُ، أَوْ جُرِحَ دِينُهُ، فَهَؤُلَاءِ فِي
غَمْرَةْ يَضْطَرِبُونَ، وَهَؤُلَاءِ أَنْتَنُ مِنْ أَنْ يُذْكَرُوا "
أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:[البحر البسيط]وَطَالِبًا
حَاجَةَ الدُّنْيَا قَدِ اخْتَلَفَا ... وَطَالَمَا اخْتَلَفَتْ بِالنَّاسِ
حَالَاتُهَافَطَالِبٌ لِيُرِيحَ النَّفْسَ أَوْبَقَهَا ... وَطَالِبٌ لِيُرِيحَ
النَّفْسَ عَنَّاهَا
(1/213) 502 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ،
نا مُحَمَّدُ بْنُ طُفَيْلٍ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: «دُخُولُكَ عَلَى أَهْلِ السَّعَةِ مَسْخَطَةٌ» (1/214) 503 -
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، نا قَبِيصَةُ، نا سُفْيَانُ، عَنِ
الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «مَا بُسِطَتِ الدُّنْيَا
لِأَحَدٍ إِلَّا اغْتِرَارًا» أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ:[البحر الوافر]كَفَلْتُ لِطَالِبِ الدُّنْيَا بِهَمٍّ ... طَوِيلٍ لَا
يَئُولُ إِلَى انْقِطَاعِوَذُلٍّ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِزٍّ ... وَفَقْرٍ لَا
يَئُولُ إِلَى اتِّسَاعِ [ص:215]وَشُغْلٍ لَيْسَ يُعْقِبُهُ فَرَاغٌ ... وَسَعْيٌ
دَائِمٌ مِنْ كُلِّ سَاعِوَحِرْصٍ لَا يَزَالُ عَلَيْهِ عَبْدًا ... وَعَبْدُ
الْحِرْصِ لَيْسَ بِذِي ارْتِفَاعِ
(1/214) 504 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: قِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا الزُّهْدُ؟ قَالَ:
«وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالتَّقَشُّفِ، وَلَا بِخُشُونَةِ الْمَطْعَمِ، وَلَكِنَّهُ
طَلْقُ النَّفْسِ عَنْ مَحْبُوبِ الشَّهْوَةِ» (1/215) 505 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، وَكَانَ أَحَدَ
الْعُلَمَاءِ قَالَ: قَدِمَ أَعْرَابِيٌّ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ،
فَسَمِعَ الْخُطْبَةَ فَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ، فَلَمَّا صَلَّى انْصَرَفَ إِلَى
مَنْزِلِهِ، وَدَخَلَ الْأَعْرَابِيُّ مَعَ مَنْ دَخَلَ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ،
فَرَأَى مِنْ أَلْوَانِ الطَّعَامِ مَا لَمْ يُشْبِهْ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، فَأَنْشَأَ
يَقُولُ:[البحر الطويل]لَقَدْ رَابَنِي مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ أَنَّهُمْ ...
يُهِمُّهُمُ تَقْوِيمُنَا وَهُمُ عُصْلُوَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ
يَرْضَعُونَهَا ... أَفَاوِيقَ حَتَّى مَا يَدِرُّ بِهَا ثُعْلُ [ص:216]إِذَا
رَكِبُوا الْأَعْوَادَ قَالُوا فَأَحْسَنُوا ... وَلَكِنَّ حُسْنَ الْقَوْلِ
يُفْسِدُهُ الْفِعْلُ
(1/215) 506 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
الْوَرْكَانِيُّ، نا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَوْسَجَةَ،
أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَضَحِكْتُمْ
قَلِيلًا، وَلَهَانَتْ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، وَلَآثَرْتُمُ الْآخِرَةَ» ثُمَّ قَالَ
أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ
لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَتَرَكْتُمْ
أَمْوَالَكُمْ لَا حَارِسَ لَهَا، وَلَا رَاجِعَ إِلَيْهَا، إِلَّا مَا لَا بُدَّ
لَكُمْ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَغِيبُ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الْآخِرَةِ، وَحَضَرَهَا
الْأَمَلُ فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلِكَ بِأَعْمَالِكُمْ، وَصِرْتُمْ كَالَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ، فَبَعْضُكُمْ شَرٌّ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَدَعُ
هَوَاهَا مَخَافَةً مِمَّا فِي عَاقِبَتِهِ، مَا لَكُمْ لَا تَحَابُّونُ، وَلَا
تَنَاصَحُونَ، وَأَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينٍ، مَا فَرَّقَ بَيْنَ
أَهْوَائِكُمْ إِلَّا خُبْثُ سَرَائِرِكُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى الْبِرِّ
لَتَحَابَبْتُمْ، مَا لَكُمْ تَنَاصَحُونَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، [ص:217] وَلَا
تَنَاصَحُونَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، لَا يَمْلِكُ أَحَدُكُمُ النَّصِيحَةَ لِمَنْ
يُحِبُّهُ وَيُعِينُهُ عَلَى أَمْرِ آخِرَتِهِ، مَا هَذَا إِلَّا مِنْ قِلَّةِ
الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، لَوْ كُنْتُمْ تُوقِنُونَ بِخَيْرِ الْآخِرَةِ
وَشَرِّهَا، كَمَا تُوقِنُونَ بِالدُّنْيَا، لَآثَرْتُمْ طَلَبَ الْآخِرَةِ،
لِأَنَّهَا أَمْلَكُ لِأُمُورِكُمْ، فَإِنْ قُلْتُمْ: حُبُّ الْعَاجِلَةِ غَالِبٌ،
فَإِنَّا نَرَاكُمْ تَدَعُونَ الْعَاجِلَ مِنَ الدُّنْيَا لِلْآجِلِ مِنْهَا،
تَكُدُّونَ أَنْفُسَكُمْ بِالْمَشَقَّةِ وَالِاحْتِرَاقِ فِي أَمْرٍ لَعَلَّكُمْ
لَا تُدْرِكُونَهُ، فَبِئْسَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ، مَا حَقَّقْتُمْ إِيمَانَكُمْ
بِمَا يُعْرَفُ بِهِ الْإِيمَانُ الْبَالِغُ فِيكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ
مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأْتُونَا فَلَنُبَيِّنُ
لَكُمْ وَلِنُرِيَكُمْ مِنَ النُّورِ مَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قُلُوبُكُمْ،
وَاللَّهِ مَا أَنْتُمْ بِالْمَنْقُوصَةِ عُقُولُكُمْ فَنَعْذِرَكُمْ، إِنَّكُمْ
لَتُبَيِّنُونَ صَوَابَ الرَّأْيِ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَأْخُذُونَ بِالْحَزْمِ فِي
أَمْرِكُمُ، مَا لَكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُصِيبُونَهُ؟
وَتَحْزَنُونَ عَلَى الْيَسِيرِ مِنْهَا يَفُوتُكُمْ؟ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ
فِي وُجُوهِكُمْ، وَيَظْهَرَ عَلَى أَلْسِنَتِكُمْ، وَتُسَمُّونَهَا الْمَصَائِبَ،
وَتُقِيمُونَ فِيهَا الْمَآتِمَ، وَعَامَّتُكُمْ قَدْ تَرَكُوا كَثِيرًا مِنْ
دِينِهِمْ بِمَا لَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ، وَلَا يَتَغَيَّرُ
حَالُكُمْ، إِنِّي لَأَرَى اللَّهَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْكُمْ، يَلْقَى بَعْضُكُمْ
بَعْضًا بِالسُّرُورِ، وَكُلُّكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ صَاحِبَهُ بِمَا
يَكْرَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ، فَأَصْبَحْتُمْ
عَلَى الْغِلِّ، وَنَبَتَتْ مَرَاعِيكُمْ عَلَى الدِّمَنِ، وَتَصَافَيْتُمْ عَلَى
رَفْضِ الْأَجَلِ، لَوَدِدْتُ [ص:218] أَنَّ اللَّهَ أَرَاحَنِي مِنْكُمْ، وَأَلْحَقَنِي
بِمَنْ أُحِبُّ رُؤْيَتَهُ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يُصَابِرْكُمْ، فَإِنْ كَانَ
فِيكُمْ خَيْرٌ أَسْمَعْتُكُمْ، وَإِنْ تَطْلُبُوا مَا عِنْدَ اللَّهِ تَجِدُوهُ
يَسِيرًا، وَبِاللَّهِ أَسْتَعِينُ عَلَى نَفْسِي وَعَلَيْكُمْ " (1/216) 507
- حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامُ، نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ،
نا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدَةَ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَقْبَلَ
وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ مَا تَكَادُ تُوَارِيهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ
نَكَّسُوا، لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يُعْطُونَهُ قَالَ: فَأَثْنَى عَلَيْهِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا قَالَ: فَسَلَّمَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ رَأَيْتُهُ عِنْدَ
أَبَوَيْهِ، وَمَا فَتًى مِنْ فَتَيَانِ قُرَيْشٍ مِثْلَهُ، يُكْرِمَانِهِ
وَيُنَعِّمَانِهِ، فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَنُصْرَةَ
رَسُولِهِ، أَمَا إِنَّكُمْ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ إِلَّا كَذَا حَتَّى
تَفْتَحُوا فَارِسَ وَالرُّومَ، فَيَغْدُو أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ، وَيَرُوحُ فِي حُلَّةٍ،
وَيُغْدَى عَلَيْكُمْ بِقَصْعَةٍ، وَيُرَاحُ عَلَيْكُمْ بِأُخْرَى» (1/218) 508 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ
حُلَيْسِيُّ [ص:219] الضُّبَعِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ: «إِنِّي لَعَالِمٌ
بِخِلَافِكَ، وَلَكِنْ عَلَى ذَلِكَ احْفَظْ» ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي،
فَقَالَ:[البحر الطويل]حَتَّى مَتَى تُسْقَى النُّفُوسُ بِكَأْسِهَا ... رَيْبَ
الْمَنُونِ وَأَنْتَ لَاهٍ تَرْتَعُأَحْلَامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ ...
إِنَّ اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لَا يُخْدَعُفَتَزَوَّدَنْ مِنْ قَبْلِ يَوْمِكَ
دَائِبًا ... أَمْ هَلْ لِغَيْرٍ لَا أَبَا لَكَ تَجْمَعُ
(1/218) 509 - حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، نا
أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِيُّ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «طَالِبَانِ يَطْلُبَانِ،
فَطَالِبُ الْآخِرَةِ مُدْرِكٌ بِمَا طَلَبَ، لَا فَوْتَ بِهِ عَلَيْهِ، وَطَالِبُ
الدُّنْيَا عَسَى أَنْ يُصِيبَ مِنْهَا قَلِيلًا، وَمَا يَفُوتُهُ مِنْهَا
أَكْثَرُ، إِنَّ الدُّنْيَا لَمَّا فُتِحَتْ عَلَى أَهْلِهَا كَلِبُوا وَاللَّهِ
أَشَدَّ الْكَلَبِ، حَتَّى عَدَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالسَّيْفِ، وَحَتَّى اسْتَحَلَّ
بَعْضُهُمْ حُرْمَةَ بَعْضٍ، فَيَا لِهَذَا فَسَادًا مَا أَكْثَرَهُ» (1/219) 510
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو
عَمْرٍو النَّجْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ صَالِحًا الْمُرِّيَّ، يَقُولُ فِي كَلَامِهِ:
«وَكَيْفَ تَقَرُّ بِالدُّنْيَا [ص:220] عَيْنُ مَنْ عَرَفَهَا؟» قَالَ: ثُمَّ
بَكَى، وَيَقُولُ: «خَلَفُ الْمَاضِينَ، وَبَقِيَّةُ الْمُتَقَدِّمِينَ، رَحِّلُوا
أَنْفُسَكُمْ عَنْهَا قَبْلَ الرَّحِيلِ، فَكَأَنَّ الْأَمْرَ عَنْ قَرِيبٍ قَدْ
نَزَلَ» قَالَ: ثُمَّ بَكَى وَأَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ:[البحر
البسيط]إِنَّا عَلَى قُلْعَةٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ ... نُسَاقُ عَنْهَا بِإِمْسَاءٍ
وَإِبْكَارِنَبْكِي وَنَنْدُبُ آثَارَ الَّذِينَ مَضَوْا ... وَسَوْفَ تَلْحَقُ
آثَارٌ بِآثَارِطَالَتْ عِمَارَتُنَا الدُّنْيَا عَلَى غَرَرٍ ... وَنَحْنُ
نَعْلَمُ أَنَّا غَيْرُ عُمَّارِيَا مَنْ تُحَثُّ بِتِرْحَالٍ عَلَى عَجَلٍ ...
لَيْسَ الْمَحَلَّةُ غَيْرَ الْفَوْزِ وَالنَّارِفَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ
فِي مَهَلٍ ... غَدًا تَفُوزُ وَيَشْقَى كُلُّ مُخْتَارِوَاتْرُكْ مُفَاخَرَةَ الدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا ... يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمُ الْفَخْرِ وَالْعَارِوَأَنْشَدَنِي
أَبُو جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ أَيْضًا:[البحر السريع]هَلْ غَايَةُ الدُّنْيَا
وَإِنْ نِلْتَهَا ... إِلَّا ثَرَى قَبْرٍ وَمَلْحُودِفَاعْمَلْ لِمَا تَرْجُو وَمَا
يَبْقَى ... وَالْحَبْلُ بِالْمُهْلَةِ مَمْدُودُ
(1/219) 511 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
النَّخَعِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْكَلْبِيِّ، نا شَرْقِيُّ بْنُ قُطَامِيٍّ،
حَدَّثَنِي مَشَايِخُنَا، أَنَّهُمْ سَمِعُوا حُرْقَةَ بِنْتَ النُّعْمَانِ،
[ص:221] تُنْشِدَ:[البحر الطويل]فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا
... إِذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُفَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا
... تَقَلُّبَ تَارَاتٌ بِنَا وَتَصَرَّفُ
(1/220) 701 - وَدَفَعَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
مَرْوَ كِتَابًا فِيهِ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: مَا يَنْبَغِي
لِلْعَالِمِ أَنْ يَتَكَرَّمَ عَنْهُ؟ قَالَ: «يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ
يَتَكَرَّمَ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيَرْفَعَ نَفْسَهُ عَنِ
الدُّنْيَا، فَلَا تَكُونُ مِنْهُ عَلَى بَالٍ» وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ، قِيلَ:
مَا يَنْبَغِي أَنْ نَجْعَلَ عَظِيمَ شُكْرِنَا لَهُ؟ قَالَ: «زِيَادَةُ
آخِرَتِكُمْ، وَنُقْصَانُ دُنْيَاكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ زِيَادَةَ آخِرَتِكُمْ لَا تَكُونُ
إِلَّا بِنُقْصَانِ دُنْيَاكُمْ، وَزِيَادَةُ دُنْيَاكُمْ لَا تَكُونُ إِلَّا
بِنُقْصَانِ آخِرَتِكُمْ» (1/221) 512 - وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ عَبْدَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ سُفْيَانَ
بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: «حُبُّ
الدُّنْيَا فِي الْقَلْبِ، وَالذُّنُوبُ قَدِ احْتَوَشَتْهُ، فَمَتَى يَصِلُ
الْخَيْرُ إِلَيْهِ؟» (1/221)
513 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ سَعِيدٍ
الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَلْتَقِطُ النَّوَى، وَيَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:[البحر
الوافر]أَرَى الدُّنْيَا لِمَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ ... عَذَابًا كُلَّمَا كَثُرَتْ
لَدَيْهِتُهِينُ الْمُكْرِمِينَ لَهَا بِصُغْرٍ ... وَتُكْرِمُ كُلَّ مَنْ هَانَتْ
عَلَيْهِإِذَا اسْتَغْنَيْتُ عَنْ شَيْءٍ فَدَعْهُ ... وَخُذْ مَا كُنْتَ
مُحْتَاجًا إِلَيْهِ
(1/221) 514 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ [ص:222] مُعَاوِيَةَ، عَنْ بَعْضِ
رِجَالِهِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَى الدُّنْيَا: «مَنْ خَدَمَكِ فَأَتْعِبِيهِ،
وَمَنْ خَدَمَنِي فَاخْدُمِيهِ» (1/221) 515 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ
السَّلَامِ، يُنْشِدُ:[البحر الرجز]لَوْ كُنْتَ بِالْيَوْمِ الْعَظِيمِ
تُعْنَىلَكَانَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ سِجْنَاوَلَمْ تَكُنْ بِالْعَيْشِ
مُطْمَئِنًّاأَمَا عَلِمْتَ يَا ضَعِيفُ أَنَّايَوْمًا مُجَازَونَ بِمَا
قَدِمْنَالَوْ قَدْ بُعِثْنَا ثُمَّ قَدْ سُئِلْنَاعَنْ سَالِفِ الْأَعْمَالِ مَا
أُقِلْنَامَا أَعْظَمَ الْقَوْلَ إِذَا وَقَفْنَاوَأَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ:[البحر الطويل]إِذَا لَمْ يَعِظْنِي وَاعِظٌ مِنْ جَوَارِحِي ...
لِنَفْعٍ فَمَا شَيْءٌ سِوَاهُ بِنَافِعِيأُؤَمِّلُ دُنْيَا أَرْتَجِي مِنْ
حِلَابِهَا ... غِلَالَةَ سُمٍّ مُورِدِ الْمَوْتِ نَاقِعِوَمِنْ قَابِضِ
الدُّنْيَا يَكُنْ مِثْلَ آخِذٍ ... عَلَى الْمَاءِ خَانَتْهُ فُرُوجُ الْأَصَابِعِوَكَالْحَالِمِ
الْمَسْرُورِ عِنْدَ مَنَامِهِ ... بِلَذَّةِ أَضْغَاثٍ لِأَحْلَامِ
هَاجِعِفَلَمَّا تَوَلَّى اللَّيْلُ وَلَّى سُرُورُهُ ... وَعَادَتْ عَلَيْهِ
عَاطِفَاتُ الْفَجَائِعِ
(1/222) 516 - حَدَّثَنِي مَنْ، سَمِعَ ابْنَ أَبِي
الْحَوَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي صَفْوَانَ الرُّعَيْنِيِّ بِمَكَّةَ،
وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَجِيءُ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَيَقِفُ
عَلَيْهِ: مَا الدُّنْيَا الَّتِي ذَمَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ،
الَّتِي يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَجَنَّبُهَا؟ قَالَ: «كُلُّ مَا أَصَبْتَ
مِنَ الدُّنْيَا تُرِيدُ بِهِ الدُّنْيَا فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَكُلُّ مَا أَصَبْتَ
فِيهَا تُرِيدُ بِهِ الْآخِرَةَ فَلَيْسَ مِنْهَا» (1/222) 517 - وَحَدَّثَنِي مَنْ
سَمِعَ ابْنَ أَبِي الْحَوَارِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ [ص:223]
الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ، قَائِدُ الْأَعْمَشِ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانُوا يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا، فَإِذَا
بَلَغُوا الْأَرْبَعِينَ طَلَبُوا الْآخِرَةَ» فَحَدَّثْتُ بِهِ الْمُعَافَى بْنَ عِمْرَانَ
فَأَعْجَبَهُ، قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِأَيِّ شَيْءٍ طَلَبُ
الْآخِرَةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ؟ قَالَ: «قُوتُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ» (1/222) 518 -
حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي
الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُؤَدِّبًا لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ
أَبُو غَسَّانَ، وَجَاءَهُ شَابٌّ، فَقَالَ: يَا أَبَا غَسَّانَ قَالَ: «إِلَيْكَ
يَا حَبِيبِي» قَالَ: مَتَى تَرْتَحِلُ الدُّنْيَا مِنَ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «إِذَا
وَقَعَتِ الْعَزِيمَةُ رَحَلَتِ الدُّنْيَا مِنَ الْقَلْبِ، وَدَرَجَ الْقَلْبُ
فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ، وَإِذَا لَمْ تَقَعِ الْعَزِيمَةُ اضْطَرَبَ الْقَلْبُ،
وَرَجَعَ إِلَى الدُّنْيَا» (1/223) 519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ، قَالَ:
قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ: أَوْصِنِي قَالَ: «تَجَافَ عَنِ الدُّنْيَا مَا
اسْتَطَعْتَ» (1/223) 520 - وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ شَيْخٍ مِنْ فَزَارَةَ قَالَ:
" كَانَ يُقَالُ: الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ،
فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ فِيهَا رَخَاءٌ فَلْيُنْكِرْهُ " (1/223) 521 -
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قِيلَ لِبَعْضِ
الْعُلَمَاءِ: أَيُّ شَيْءٍ أَجِدُهُ أَدْفَعَ لِلْفَاقَةِ؟ قَالَ: «الزُّهْدُ»
قِيلَ: وَمَا الزُّهْدُ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ، ثُمَّ يُفَرِّقُ مَا بَيْنَ
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ثُمَّ طَلَبُ الرَّفِيعِ بِالْخَسِيسِ» قِيلَ:
فَأَيُّهُمَا أَجْدَى؟ قَالَ: «تَرْكُ إِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي شَيْءٍ مِنَ
الدُّنْيَا» أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَنْشَدَنِي إِبْرَاهِيمُ
بْنُ دَاوُدَ:[البحر الخفيف]لَا يَكُونُ الْمُغْتَابُ ذُو الْوَجْهَيْنِ ...
عِنْدَ الْمَلِيكِ يَوْمًا وَجِيهالَا وَلَا طَالِبَ الْفُضُولِ مِنَ الدُّنْيَا
... وَلَذَّاتِهَا يَكُونُ فَقِيهَا [ص:224]أَدْرَكَ الزَّاهِدُونَ كُلَّ نَعِيمٍ ... إِذْ
أَبَاحُوا النُّفُوسَ مَا يَكْفِيهَاوَاسْتُرِقَّ الْحَرِيصُ فِيهَا فَمَا
يُغْنِيهِ ... مِنْهَا كُلُّ الَّذِي ظَلَّ فِيهَاهِيَ دَارٌ تَزِيدُ مَنْ
صَدَغَهَا ... مِقَةً وَالذَّلِيلُ مَنْ يُصْفِيهَا
(1/223) 522 - وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ:
«يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ ارْضَوْا بِدَنِيءِ الدُّنْيَا مَعَ سَلَامَةِ
الدِّينِ، كَمَا رَضِيَ أَهْلُ الدُّنْيَا بِدَنِيءِ الدِّينِ مَعَ سَلَامَةِ
الدُّنْيَا» قَالَ زَكَرِيَّا: وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الشَّاعِرُ:[البحر
البسيط]أَرَى رِجَالًا بِأَدْنَى الدِّينِ قَدْ قَنَعُوا ... وَلَا أَرَاهُمْ
رَضُوا فِي الْعَيْشِ بِالدُّونِفَاسْتَغْنِ بِالدِّينِ عَنْ دُنْيَا الْمُلُوكِ
كَمَا ... اسْتَغْنَى الْمُلُوكُ بِدُنْيَاهُمْ عَنِ الدِّينِ
(1/224) 523 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: أَمَا بَلَوْتُمُ الدُّنْيَا؟
فَمَا زَالَتْ تُؤَنِّبُكُمْ عَسْفًا، وَتَسُومُكُمْ خَسْفَا، فِي كُلِّ يَوْمٍ
لَكُمْ فِيهَا شُغْلٌ جَدِيدٌ وَحُزْنٌ عَتِيدٌ، إِنَّمَا صَدَقْتُمُ الْأَمَلَ فَكَذَبَكُمْ،
وَأَطَعْتُمُ الْهَوَى فَأَوْبَقَكُمْ، فَكَيْفَ تَفِرُّونَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ
مِنْ هَذَا الْمَوْتِ الَّذِي لَا تَدْرُونَ أَنَّ مَا فِيهِ أَحَقُّ أَنْ
يَكُونَ؟ فَهَؤُلَاءِ لَكُمْ مَفْظَعًا، أَمَّا قَبْلَهُ مِنْ تَخَوُّفِ
بَغَتَاتِهِ الَّتِي لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ حَالَاتِكُمْ تُوَافِيكُمْ، أَمَّا
الَّذِي تَرَوْنَهُ مِنْ أَسْبَابِهِ فَمَا يَعْرُوكُمْ مِنَ الِانْتِقَاصِ
ضَعْفًا بَعْدَ قُوَّةٍ، وَأَخْلَاقًا بَعْدَ جِدَّةٍ، وَهَرَمًا بَعْدَ شَبَابٍ،
وَسَقَمًا بَعْدَ صِحَّةٍ، فِي كُلِّ يَوْمٍ يَمُوتُ مِنْ أَجْسَادِكُمْ مَيِّتٌ
يَنْعَى لَكُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ فَنَائِكُمْ، حَتَّى يَهْجُمَ عَلَيْكُمْ
بِمَرَارَةِ كَأْسِهِ، وَفَظَاعَةِ مَذَاقِهِ، فَتَصِيرُوا رَهَائِنَ الْمَوْتِ،
وَوَدَائِعَ الْحُفَرِ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ " (1/224) 524 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، نا حَسَنُ بْنُ حُسَيْنٍ
الْعُرَنِيُّ، نا عَلِيُّ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «مَنْ فَرِحَ مِنْ قَلْبِهِ بِشَيْءٍ مِنَ
الدُّنْيَا فَقَدْ أَخْطَأَ الْحِكْمَةَ، وَمَنْ جَعَلَ شَهْوَتَهُ تَحْتَ
قَدَمَيْهِ يَفْرَقُ شَيْطَانُهُ مِنْ ظِلِّهِ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ
فَهُوَ الْغَالِبُ» (1/225) 525 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ،
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ حُجْرِ ابْنُ بِنْتِ
الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: وَجَدْتُ فِي كُتُبِ جَدِّكَ
الْأَوْزَاعِيِّ بِخَطِّ يَدِهِ: «ابْنَ آدَمَ اعْمَلْ لِنَفْسِكَ وَبَادِرْ،
فَقَدْ أُوتِيتَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَاعْوِلْ كَعَوِيلِ الْأَسِيرِ
الْمُكَبَّلِ، وَلَا تَجْعَلْ بَقِيَّةَ عُمُرِكَ لِلدُّنْيَا وَطَلَبِهَا فِي
أَطْرَافِ الْأَرْضِ، حَسْبُكَ مَا بَلَغَكَ مِنْهَا، سَتُسَلِّمُ طَائِعًا،
وَتَعَزَّ بِيَوْمِ فَقْرِكَ وَفَاقَتِكَ، وَاذْكُرْ سَهَرَ أَهْلِ النَّارِ فِي
خُلْدٍ أَبَدًا، وَتَخَوَّفْ أَنْ يُنْصَرَفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ إِلَى النَّارِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِاللَّهِ،
وَمُنْقَطَعَ الرَّجَاءِ، وَاذْكُرْ أَنَّكَ قَدْ رَاهَقْتَ الْغَايَةَ،
وَإِنَّمَا بَقِيَ الرَّمَقُ، فَسَدِّدْ تَصَبُّرًا وَتَكَرُّمًا، وَارْغَبْ بِبَقِيَّةِ
عُمُرِكَ أَنْ تُفْنِيهِ لِلدُّنْيَا، وَخُذْ مِنْهَا مَا يُوصِلُكَ لِآخِرَتِكَ،
وَدَعْ مِنْهَا مَا يَشْغَلُكَ» (1/225) 526 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
إِدْرِيسَ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ، قَالَ:
كَتَبَ زُهَيْرُ بْنُ نُعَيْمٍ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [ص:226]
عَبْدِ الْغَفَّارِ: " سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ
الَّذِي لَا إِلَهُ إِلَّا هُوَ، وَأَوْصِي نَفْسِي وَإِيَّاكَ بِتَقْوَى اللَّهِ
وَطَاعَتِهِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ فِي الْحَالَاتِ كُلِّهَا،
فَإِنَّمَا الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَإِنَّمَا يُجْزَى كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَكْتُبُ إِلَيْكَ يَا ابْنَ أَخِ، وَأَنَا
فِي عَافِيَةٍ وَمَسِيرٍ إِلَى الْمَوْتِ عَلَى أَيِّ الْحَالَاتِ، كَذَا
مَحْفُوظٌ عَلَيْنَا مَا قَدَّمَتْ أَيْدِينَا، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ
يَا ابْنَ أَخِ أَكْثِرِ الْفِكْرَةَ فِي مَصْرَعِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، وَابْعُدْ
عَنْ فُضُولِ الدُّنْيَا، وَارْضَ مِنْهَا بِالْيَسِيرِ، فَإِنَّ عَامَّةَ
الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ فِي طَلَبِ فُضُولِ الدُّنْيَا، رَضَّانَا اللَّهُ
وَإِيَّاكَ مِنْهَا بِالْأَقَلِّ، وَرَزَقَنَا فِيهَا الْعَمَلَ الْأَكْثَرَ
لِدَارِ الْآخِرَةِ حَتَّى يُخْرِجَنَا وَإِيَّاكَ مِنْهَا بِالْأَقَلِّ، وَرَزَقَنَا
فِيهَا الْعَمَلَ الْأَكْثَرَ لِدَارِ الْآخِرَةِ حَتَّى يُخْرِجَنَا وَإِيَّاكَ
مِنْهَا وَهُوَ عَلَيْنَا غَيْرَ سَاخِطٍ، بِمَنِّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا
يَمُنُّ بِذَلِكَ غَيْرُهُ. وَإِنِ اسْتَطَعْتَ يَا ابْنَ أَخِ، فَلَا تَنْسَ
قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ
وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80] (1/225)
527 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، أنا إِسْحَاقُ
بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ
الْأَنْطَاكِيُّ، فَكَانَ فِي كِتَابِهِ: «إِنَّا أَصْبَحْنَا فِي دَهْرِ
حَيْرَةٍ، تَضْطَرِبُ عَلَيْنَا أَمْوَاجُهُ بِغَلَبَةِ الْهَوَى، الْعَالِمِ
مِنَّا وَالْجَاهِلِ، فَالْعَالِمُ مِنَّا مَفْتُونٌ بِالدُّنْيَا مَعَ مَا
يَدَّعِيهِ مِنَ الْعِلْمِ، وَالْجَاهِلُ مِنَّا عَاشِقٌ لَهَا، مُسْتَمْلَأٌ مِنْ
فِتْنَةِ عَالِمِهِ، فَالْمُقِلُّ لَا يَقْنَعُ، وَالْمُكْثِرُ لَا يَشْبَعُ،
فَكُلٌّ قَدْ شَغَلَ الشَّيْطَانُ قَلْبَهُ بِخَوْفِ الْفَقْرِ، فَأَعَاذَنَا
اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ قَبُولِنَا عِدَةَ إِبْلِيسَ وَتَرْكِنَا عِدَةَ رَبِّ
الْعَالَمِينَ. يَا أَخِي لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا يَعِظُكَ بِفِعْلِهِ
وَمَصَادِيقِ قَوْلِهِ، أَوْ مُؤْمِنًا تَقِيًّا، فَمَتَى صَحِبْتَ غَيْرَ
هَؤُلَاءِ وَرَّثُوكَ النَّقْصَ فِي دِينِكَ، وَقُبْحَ السِّيرَةِ فِي أُمُورِكَ، وَإِيَّاكَ
وَالْحِرْصَ وَالرَّغْبَةَ، فَإِنَّهُمَا يَسْلُبَانِكَ الْقَنَاعَةَ وَالرِّضَا.
وَإِيَّاكَ وَالْمَيْلَ إِلَى هَوَاكَ، فَإِنَّهُ يَصُدُّكَ عَنِ الْحَقِّ،
وَإِيَّاكَ أَنْ تُظْهِرَ أَنَّكَ تَخْشَى اللَّهَ [ص:227] وَقَلْبَكَ فَاجِرٌ،
وَإِيَّاكَ أَنْ تُضْمِرَ مَا إِنْ أَظْهَرْتَهُ أَخْزَاكَ، وَإِنْ أَضْمَرْتَهُ
أَرْدَاكَ، وَالسَّلَامُ»
(1/226) 528 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْعَامِرِيُّ، نا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَائِنِيُّ، أنا شَيْخٌ، مِنَ
الْبَصْرِيِّينَ، يُقَالُ لَهُ أَبُو الدَّرْقَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ، وَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: أَيْنَ الزَّاهِدُونَ فِي الدُّنْيَا، وَالرَّاغِبُونَ
فِي الْآخِرَةِ؟ قَالَ: أُولَئِكَ أَهْلُ بَدْرٍ " (1/227) 529 - حَدَّثَنِي
أَبُو عَلِيٍّ الْمَدَائِنِيُّ، نا فِطْرُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ وَاقِدٍ، نا أَبِي
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: " يَقُولُونَ: مَالِكٌ زَاهِدٌ،
مَالِكٌ زَاهِدٌ، أَيُّ زُهْدٍ عِنْدَ مَالِكٍ، لِمَالِكٍ جُبَّةٌ وَكِسَاءٌ؟
وَإِنَّمَا الزَّاهِدُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَتَتْهُ الدُّنْيَا فَاغِرَةً
فَاهَا فَتَرَكَهَا "
(1/227) 530 - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الرَّازِيُّ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: «الزُّهْدُ فِيمَا يَشْغَلُكَ
عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الزُّهْدُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ
(1/227) 531 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ
بْنَ الْحَارِثِ، وَقِيلَ لَهُ: مَاتَ فُلَانٌ، قَالَ: «جَمَعَ الدُّنْيَا، وَذَهَبَ
إِلَى الْآخِرَةِ، ضَيَّعَ نَفْسَهُ» قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ
وَيَفْعَلُ، وَذَكَرُوا أَبْوَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ، فَقَالَ: «وَمَا
يَنْفَعُ هَذَا وَهُوَ يَجْمَعُ الدُّنْيَا؟ [ص:228]» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ بَعْضُ
الْحُكَمَاءِ: «الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَكْبَرِ خَطَرٍ، إِمَّا نِعْمَةٌ
زَائِلَةٌ، وَإِمَّا بَلِيَّةٌ نَازِلَةٌ، وَإِمَّا مُصِيبَةٌ جَارِيَةٌ، وَإِمَّا
مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ، فَلَقَدْ كُدِّرَتْ عَلَيْهِ الْمَعِيشَةُ إِنْ غَفَلَ، هُوَ
مِنَ النَّعْمَاءِ عَلَى خَطَرٍ، وَمِنَ الْبَلَايَا عَلَى حَذَرٍ، وَمِنَ الْمَنَايَا
عَلَى يَقِينٍ» (1/227) 532 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ،
نا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا مَسْلَمَةُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: " ثَلَاثٌ مِنْ
مَنَاقِبِ الْكُفْرِ: الْغَفْلَةُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحُبُّ
الدُّنْيَا، وَالطِّيَرَةُ " (1/228) 533 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَسْلَمَ بْنِ عَبْدِ
الْمَلِكِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ، يَذْكُرُ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ،
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَنْتُمُ
الْآنَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، لَمْ تَظْهَرْ فِيكُمُ السَّكْرَتَانِ:
سَكْرَةُ الْجَهْلِ، وَسَكْرَةُ الْعَيْشِ، الْعَامِلُونَ يَوْمَئِذٍ بِالْكِتَابِ
سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَالتَّابِعُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
لَهُمْ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا أَوْ
مِنْهُمْ؟ قَالَ: «بَلْ مِنْكُمْ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَنْ
أَبْعَدُ النَّاسِ هِمَّةً وَأَصْدَقُهُمْ نِيَّةً؟ قَالَ: «مَنِ اسْتَغْرَقَ
الدُّنْيَا طَرْفُهُ، وَعَطَفَ عَلَى طَلَبِ الْجَنَّةِ شُغْلُهُ» (1/228) 534 -
حَدَّثَنَا 109577 الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: أَكْثَرَ
قَوْمٌ ذَمَّ الدُّنْيَا عِنْدَ رَابِعَةَ، فَقَالَتْ: «أَقِلُّوا مِنْ ذَمِّ الدُّنْيَا،
فَإِنَّهُ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ [ص:229] ذِكْرَهُ» (1/228) 535 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْحَسَنِ،
قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنَافِسُكَ فِي الدُّنْيَا فَنَافِسْهُ فِي
الْآخِرَةِ» (1/229) 536 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
قَالَ: قَالَ أَيُّوبُ: «إِنْ زَهِدَ رَجُلٌ فَلَا يَجْعَلَنَّ زُهْدَهُ عَذَابًا
عَلَى النَّاسِ» (1/229) 537 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، نا عَبْدَةُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
«هَمُّ الدُّنْيَا ظُلْمَةٌ فِي الْقَلْبِ، وَهَمُّ الْآخِرَةِ نُورٌ فِي
الْقَلْبِ» (1/229) 538 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ، قَالَ بَعْضُ
الْحُكَمَاءِ: «لِلدُّنْيَا أَمْثَالٌ تَضْرِبُهَا الْأَيَّامُ لِلْأَنَامِ،
وَعِلْمُ الزَّمَانِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَرْجُمَانٍ، وَيُحِبُّ الدُّنْيَا مِنْ
صُمَّتْ أَسْمَاعُ الْقُلُوبِ عَنِ الْمَوَاعِظِ، وَمَا أَحَثَّ السِّبَاقَ لَوْ
شَعَرَ الْخَلَائِقُ» أَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ:يَلْتَمِسُ الْعِزَّ
بِهَا أَهْلُهَاوَاللَّهُ قَدْ عَرَّفَهُمْ ذُلَّهَايَا عَاقِدَ الْعُقْدَةِ
يَرْجُو بِهَاالْعَيْشَ كَأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ حَلَّهَاكَمْ تُعْمَرُ الدُّنْيَا
وَرَبُّ السَّمَايُرِيدُ أَنْ يُخْرِبَهَا كُلَّهَا
(1/229) 539 - حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ
قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: «الدُّنْيَا تُبَغِّضُ إِلَيْنَا نَفْسَهَا
وَنَحْنُ نُحِبُّهَا، فَكَيْفَ لَوْ تَحَبَّبَتْ إِلَيْنَا؟» (1/229) 540 - حَدَّثَنِي
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامُ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي الْحَوَارِيِّ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ، قَالَ: " لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ
عَلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا، فَقَالَ: سَلْنِي، فَقَالَ: أَسْأَلُكَ
جَزَرَةَ بَقْلٍ، أَكَانَ حَازِمًا؟ فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ جَزَرَةِ الْبَقْلِ عَلَى الْمَلِكِ " (1/230)
541 - أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ الْحَنَفِيُّ، عَنْ شَيْخٍ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ
قَالَ: قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ:
رَأَيْنَا وَرَقَةً تَهْفُو بِهَا الرِّيحُ،
فَأَخَذْنَاهَا فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ، دَارٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا مَنْ فِيهَا، مَا أَخَذَ أَهْلُهَا
مِنْهَا لَهَا خَرَجُوا مِنْهُ، ثُمَّ حُوسِبُوا بِهِ، وَمَا أَخَذَ أَهْلُهَا
مِنْهَا لِغَيْرِهَا خَرَجُوا مِنْهُ، ثُمَّ أَقَامُوا بِهِ، وَكَأَنَّ قَوْمًا مِنْ
أَهْلِ الدُّنْيَا لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، كَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ فِيهَا،
عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ، وَبَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ،
تَنْقَلِبُ أَجْسَادُهُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَتَنْقَلِبُ
قُلُوبُهُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الْآخِرَةِ، يَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا
يُعَظَّمُونَ، وَهُمْ أَشَدُّ تَعْظِيمًا لِمَوْتِ قُلُوبِهِمْ» قَالَ: فَسَأَلْتُ
عَنْ هَذَا الْكَلَامِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهُ (1/230) 542 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مِهْرَانَ الْبَصْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّ غُلَامًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ صَخْرَةً
قِبَلَنَا يُقَالُ إِنَّ تَحْتَهَا كَنْزًا يَحْتَاجُ إِلَى نَفَقَةٍ، فَكَتَبَ
إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: «أَنْ وَاصِلْ بَيْنَ النَّفَقَةِ حَتَّى تَسْتَخْرِجَ
هَذَا الْكَنْزَ» فَعُولِجَتْ حَتَّى قُلِبَتْ، فَلَمْ يَجِدْ تَحْتَهَا كَنْزًا،
وَوَجَدَ عَلَيْهَا كِتَابًا فِيهِ:[البحر الطويل]وَمَنْ يَحْمَدِ الدُّنْيَا
بِعَيْشٍ يَسُرُّهُ
... فَسَوْفَ لَعَمْرِي عَنْ قَلِيلٍ
يَلُومُهَاإِذَا أَقْبَلَتْ كَانَتْ عَلَى الْمَرْءِ حَسْرَةً ... وَإِنْ
أَدْبَرَتْ كَانَتْ كَثِيرًا غُمُومُهَا [ص:231]قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيلَ
لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَا الدُّنْيَا؟ قَالَ: «تُرِيدُونَ الْمَذْمُومَةُ عَلَى
أَلْسُنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ؟» قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: «الْمَعْصِيَةُ»
، قِيلَ: فَأَيُّ الزُّهَّادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَقَلَّهُمْ حَظًّا مِنَ
الدُّنْيَا» قِيلَ: مَتَى يَصْفُو تَوَكُّلُ الزُّهْدِ؟ قَالَ: «إِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ
مِنْهُ مَخْلُوقٌ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: «مَا فَرِحْتَ
يَا ابْنَ آدَمَ بِمَا يَفْنَى إِلَّا بَعْدَ نِسْيَانِكَ مَا يَبْقَى، وَلَا
رَكَنْتَ إِلَى زِينَةِ الدُّنْيَا إِلَّا بِتَرْكِكَ نَصِيبَكَ مِنْ جَنَّةِ
الْمَأْوَى، وَلَا مَتَّعْتَ نَفْسَكَ بِمَوَاعِيدِ الْمُنَى إِلَّا بَعْدَ مَا
عَانَقْتَ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَلَا تَتَوَّقْتَ فِي تَسْمِينِ بَدَنِكَ حَتَّى
نَسِيتَ دِرَاجَكَ فِي كَفَنِكَ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيلَ لِبَعْضِ
الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَعْرَفُ النَّاسِ بِعُيُوبِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ
ذِكْرًا، قِيلَ: فَلِمَ نَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ قَالَ: «لِإِيثَارِكُمُ الدُّنْيَا» قِيلَ: مَتَى
يُحْكَمُ عَلَى الْعَبْدِ بِالْغَفْلَةِ؟ قَالَ: «إِذَا رَكَنَ إِلَى الدُّنْيَا»
قِيلَ: مَتَى يَذْهَبُ مِنَّا الْحِكْمَةُ وَالْعِلْمُ؟ قَالَ: «إِذَا طَلَبَ بِهِمَا
الدُّنْيَا» قِيلَ: مَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ طَلَبِ الْآخِرَةِ؟ قَالَ: «حُبُّ
الدُّنْيَا» قِيلَ: مَا عَلَامَةُ تَرْكِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: «طَلَبُ الْآخِرَةِ»
قِيلَ: الدُّنْيَا لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: «لِمَنْ تَرَكَهَا» قِيلَ: الْآخِرَةُ لِمَنْ
هِيَ؟ قَالَ: «لِمَنْ طَلَبَهَا» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ:
«الدُّنْيَا دَارُ خَرَابٍ، وَأَخْرَبُ مِنْهَا قَلْبُ مِنْ يُعَمِّرُهَا،
وَالْجَنَّةُ دَارُ عُمْرَانٍ، وَأَعْمَرُ مِنْهَا قَلْبُ مَنْ يَطْلُبُهَا»
(1/230) 543 - حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَمِّيُّ،
عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ:
«صَغُرَ فُلَانٌ فِي عَيْنِي لِعِظَمِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، [ص:232] كَانَ
يَرُدُّ السَّائِلَ، وَيَبْخَلُ بِالنَّائِلِ» (1/231) 544 - حَدَّثَنِي الْحَارِثُ
بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ:
«مَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا لَمْ يَفْرَحْ بِهَا بِرَخَاءٍ، وَلَمْ يَحْزَنْ عَلَى
بَلْوَى» أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكِنَانِيُّ:فَتًى قَالَتِ
الدُّنْيَا لَهُ نِلْ فَلَمْ يَنَلْ ... قَذَى الْعَيْنِ مِنْهَا عِفَّةً
وَتَكَرُّمَافَتًى جَعَلَ الْقُرْآنَ مَوْقِعَ طَرْفِهِ ... فَنَفَّذَ مِنْهَا مَا
أُحِلَّ وَحُرِّمَا
(1/232) 545 - حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنِي
إِسْحَاقُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: قَالَ لِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: «أَضْرِبُ لَكَ
مَثَلَ هَذَا الْخَلْقِ مَثَلُ قَوْمٍ اتَّخَذُوا الدُّنْيَا دَارَ إِقَامَةٍ،
وَاتَّخَذُوا الْآخِرَةَ لَهْوًا وَغُرُورًا» ثُمَّ قَالَ: «اضْرِبْ بِيَدِكَ مَا
شِئْتَ مِنْ هَذَا الْخَلْقِ، إِذَا نَصَحْتَهُ فِي أَمْرِ دِينِهِ اتَّخَذَكَ
عَدُوًّا» (1/232) 546 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "
تُرِكَ الْفِدَى، أَرَى النَّاسَ قَدِ اتَّخَذُوا الدُّنْيَا رَأْسَ مَالٍ، وَعَدُّوا
مَا جَاءَهُمْ مِنَ الْآخِرَةِ رِبْحًا، وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى أَنْ أَجْعَلَ
رَأْسَ مَالِي، وَأُعِدَّ مَا جَاءَ مِنْهَا رِبْحًا قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ (1/232) 547 -
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ
الْحُسَيْنَ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَلِّمُ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ
التَّيْمِيُّ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَا أُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا
شَيْئًا، فَلَا تَرْزُقْنِي مِنْهَا شَيْئًا» (1/232) 548 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ
بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُسَيْنَ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا
عِنْدَ أَبِي الْحَجَّاجِ الْخُرَاسَانِيِّ بِمَكَّةَ نَدْعُو، وَكَانَ مَعَنَا
رَجُلٌ مُكْثِرٌ، فَقَالَ أَبُو الْحَجَّاجِ: «اللَّهُمَّ لَا تَرْزُقْنَا دِينَارًا
وَلَا دِرْهَمًا» ، فَأَمَّنَّا كُلُّنَا مَا خَلَا الرَّجُلَ الْمُكْثِرَ (1/232)
549 - حَدَّثَنَا مُوسَى أَبُو عِمْرَانَ الْجَصَّاصُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
سُلَيْمَانَ [ص:233] الدَّارَانِيُّ، يَقُولُ: «يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ الْمَعْنِيِّ
بِنَفْسِهِ أَنْ يُمِيتَ الْعَاجِلَةَ الْفَانِيَةَ الزَّائِلَةَ، الْمُنَغِّصَةَ،
بِالْآفَاتِ مِنْ قَلْبِهِ، وَيَذْكُرَ الْمَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَهْوَالِ
وَالْخُسْرَانِ وَالنَّدَامَةِ، وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ، وَسُؤَالِهِ إِيَّاهُ، وَالْمَمَرِّ عَلَى الصِّرَاطِ وَالنَّارِ، فَإِنَّهُ
يَخِفُّ عَلَيْهِ التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ» (1/232) 550 - حَدَّثَنِي مُوسَى أَبُو
عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ، يَقُولُ: «الدُّنْيَا تَطْلُبُ
الْهَارِبَ مِنْهَا، وَتَهْرُبُ مِنَ الطَّالِبِ لَهَا، فَإِنْ أَدْرَكَتِ
الْهَارِبَ مِنْهَا جَرَحَتْهُ، وَإِنْ أَدْرَكَتِ الطَّالِبَ لَهَا قَتَلَتْهُ»
(1/233) 551 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، نا عَبْدَةُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، أنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «خَبَاثِ، كُلُّ
عِيدَانِكِ قَدْ مَصَصْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ مُرًّا» (1/233) 552 - حَدَّثَنِي
حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: «مِنْ هَوَانِ
الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ جَعَلَ بَيْتَهُ وَعْرًا» (1/233)
553 - حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ أَبُو
مُعَاوِيَةَ الْأَسْوَدُ: «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ يَسْعَى فِي أَقَلَّ مِنْ جَنَاحِ
ذُبَابَةٍ» ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَمَا أَقَلَّ مِنْ جَنَاحِ ذُبَابَةٍ؟ قَالَ:
«الدُّنْيَا» (1/233) 554 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ شَيْخٍ،
مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «إِنَّ قَوْمًا أَكْرَمُوا الدُّنْيَا
فَصَلَبَتْهُمْ عَلَى الْخَشَبِ، فَأَهِينُوهَا، فَأَهْنَأُ مَا تَكُونُونَ إِذَا
أَهَنْتُمُوهَا» (1/233) 555 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ شَيْخٍ، مِنْ فَزَارَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا خَالِدٍ الصُّورِيَّ، وَكَانَ
مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ صَمْتًا، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ [ص:234] أَخْرِجْنِي مِنْ
جِوَارِ إِبْلِيسَ إِلَى جِوَارِكَ» وَأَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ:[البحر الطويل]لَعَمْرُكَ مَا الدُّنْيَا بِدَارٍ لِأَهْلِهَا ...
وَلَوْ عَقَلُوا كَانُوا جَمِيعًا عَلَى وَجَلِفَمَا تَبْحَثُ السَّاعَاتُ إِلَّا
عَنِ الْبِلَى ... وَلَا تَنْقَضِي الْأَيَّامُ إِلَّا عَلَى ثُكْلِ
(1/233) 556 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، نا
زُهَيْرُ بْنُ عَبَّادٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أَبِي دَاهِرِيٍّ،
عَنْ مُجَّاعَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «لَا يَكُونُ الرَّجُلُ
زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَا يَجْزَعَ مِنْ ذُلِّهَا، وَلَا يُنَافِسَ أَهْلَهَا
فِيهَا» (1/234) 557 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، نا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ هَمَّامٍ، نا عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي
كِتَابِ شِعْيَا: أَنَّهُ قِيلَ لِيُونُسَ بْنِ مَتَّى: «يَا يُونُسُ إِذَا
أَحَبَّ الْعَالِمُ الدُّنْيَا نَزَعْتُ مُنَاجَاتِي مِنْ قَلْبِهِ» أَنْشَدَنِي
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ:رُوَيْدًا بَنِي الدُّنْيَا أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ
... إِلَى أَجَلٍ تَسْعَى إِلَيْهِ مَقَادِرُهْأُرَاهَا إِذَا رَبَّتْ لَهَا
ابْنًا وَلَمْ تَدَعْ ... لَهُ أَرَبًا دَسَّتْ لَهُ مَا يُحَاذِرُهْفَكُنْ عِنْدَ
صَفْوِ الدَّهْرِ لِلدَّهْرِ حَاذِرًا ... فَلَا صَفْوَ إِلَّا سَوْفَ يَكْدُرُ
آخِرُهْ
(1/234) 558 - أَنْشَدَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:[البحر
الطويل]لِمَا تُوعِدُ الدُّنْيَا بِهِ مِنْ شُرُورِهَا ... يَكُونُ بُكَاءُ الطِّفْلِ سَاعَةَ
يُوضَعُوَإِلَّا فَمَا يُبْكِيهِ مِنْهَا وَإِنَّهَا ... لَأَفْسَحُ مِمَّا كَانَ
فِيهِ وَأَوْسَعُ
(1/234) 559 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ
الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [ص:235] الرَّازِيُّ،
عَنْ بَكَّارِ الرَّبَذِيِّ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
«الدُّنْيَا غَرَّارَةٌ تَرْفُلُ بِالْمُطْمَئِنِّ، وَتَفْجَعُ الْآمِنَ» (1/234)
560 - حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي
الْحَوَارِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَادَةُ أَبُو مَرْوَانَ، قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَا مُوسَى مَا لَكَ وَلِدَارِ
الظَّالِمِينَ؟ إِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ بِدَارٍ، أَخْرِجْ مِنْهَا هَمَّكَ،
وَفَارِقْهَا بِعَقْلِكَ، فَبِئْسَتِ الدَّارُ هِيَ، يَا مُوسَى إِنِّي مُرْصِدٌ لِلظَّالِمِ
حَتَّى أُدِيلَ مِنْهُ الْمَظْلُومَ» (1/235) 561 - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ
عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 41] مَا الثَّمَنُ الْقَلِيلُ؟
قَالَ: «الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق