مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

الجمعة، 30 يوليو 2021

ج2. تَهْذِيْبُ سُنَنِ أَبِي دَاودَ وَإيضاحِ مُشكِلاتِهِ المؤلف : ابن قيّم الجوزية

ج2. تَهْذِيْبُ سُنَنِ أَبِي دَاودَ وَإيضاحِ مُشكِلاتِهِ

المؤلف : ابن قيّم الجوزية  

أَبِيكُمْ آدَم . لَسْت بِصَاحِبِ ذَلِكَ - فَذَكَرَ الْحَدِيث إِلَى أَنْ قَالَ - فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا , فَيَقُوم , فَيُؤْذَن لَهُ وَتُرْسَل الْأَمَانَة وَالرَّحِم - الْحَدِيث " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَا أَوَّل النَّاس يَشْفَع فِي الْجَنَّة - الْحَدِيث " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيد " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْده عَمّه أَبُو طَالِب فَقَالَ : لَعَلَّهُ تَنْفَعهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة , فَيُحْمَل فِي ضَحْضَاح مِنْ النَّار يَبْلُغ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغه وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب أَنَّهُ قَالَ : " يَا رَسُول اللَّه هَلْ نَفَعْت أَبَا طَالِب بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطك وَيَغْضَب لَك قَالَ نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاح مِنْ نَار , وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار " . فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيث خَمْسَة أَنْوَاع مِنْ الشَّفَاعَة . أَحَدهَا : الشَّفَاعَة الْعَامَّة الَّتِي يَرْغَب فِيهَا النَّاس إِلَى الْأَنْبِيَاء , نَبِيًّا بَعْد نَبِيّ , حَتَّى يُرِيحهُمْ اللَّه مِنْ مَقَامهمْ . النَّوْع الثَّانِي : الشَّفَاعَة فِي فَتْح الْجَنَّة لِأَهْلِهَا . النَّوْع الثَّالِث : الشَّفَاعَة فِي دُخُول مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ الْجَنَّة . النَّوْع الرَّابِع : الشَّفَاعَة فِي إِخْرَاج قَوْم مِنْ أَهْل التَّوْحِيد مِنْ النَّار . النَّوْع الْخَامِس : فِي تَخْفِيف الْعَذَاب عَنْ بَعْض أَهْل النَّار . وَيَبْقَى نَوْعَانِ يَذْكُرهُمَا كَثِير مِنْ النَّاس . أَحَدهمَا : فِي قَوْم اِسْتَوْجَبُوا النَّار فَيُشْفَع فِيهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا . وَهَذَا النَّوْع لَمْ أَقِف إِلَى الْآن

(2/424)


عَلَى حَدِيث يَدُلّ عَلَيْهِ . وَأَكْثَر الْأَحَادِيث صَرِيحَة فِي أَنَّ الشَّفَاعَة فِي أَهْل التَّوْحِيد مِنْ أَرْبَاب الْكَبَائِر إِنَّمَا تَكُون بَعْد دُخُولهمْ النَّار , وَأَمَّا أَنْ يُشْفَع فِيهِمْ قَبْل الدُّخُول , فَلَا يَدْخُلُونَ . فَلَمْ أَظْفَر فِيهِ بِنَصٍّ . وَالنَّوْع الثَّانِي : شَفَاعَته لِقَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي زِيَادَة الثَّوَاب , وَرِفْعَة الدَّرَجَات . وَهَذَا قَدْ يُسْتَدَلّ عَلَيْهِ بِدُعَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي سَلَمَة , وَقَوْله " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَة , وَارْفَعْ دَرَجَته فِي الْمَهْدِيِّينَ " . وَقَوْله فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِر , وَاجْعَلْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَوْق كَثِير مِنْ خَلْقك " . وَفِي قَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَسْعَد النَّاس بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " سِرّ مِنْ أَسْرَار التَّوْحِيد . وَهُوَ أَنَّ الشَّفَاعَة إِنَّمَا تُنَال بِتَجْرِيدِ التَّوْحِيد , فَمَنْ كَانَ أَكْمَل تَوْحِيدًا كَانَ أَحْرَى بِالشَّفَاعَةِ . لَا أَنَّهَا تُنَال بِالشِّرْكِ بِالشَّفِيعِ . كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَر الْمُشْرِكِينَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ رَوَى أَحَادِيث الْحَوْض أَرْبَعُونَ مِنْ الصَّحَابَة , وَكَثِير مِنْهَا , وَأَكْثَرهَا فِي الصَّحِيح : عُمَر بْن الْخَطَّاب , وَأَنَس , وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه , وَجَابِر بْن سَمُرَة , وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر , وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس , وَعُقْبَة بْن عَامِر , وَكَعْب بْن عُجْرَة , وَحَارِثَة بْن وَهْب الْخُزَاعِيّ وَالْمُسْتَوْرِد بْن شَدَّاد وَأَبُو بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ وَحُذَيْفَة بْن الْيَمَان وَحُذَيْفَة بْن أَسِيد ,

(2/425)


وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ , وَزَيْد بْن أَرْقَمَ , وَزَيْد بْن ثَابِت , وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , وَعَبْد اللَّه بْن زَيْد , وَسَهْل بْن سَعْد , وَسُوَيْد بْن جَبَلَةَ , وَأَبُو سَعِيد الْخُدْرِيُّ , وَعَبْد اللَّه الصَّنَابِجِيّ , وَأَبُو هُرَيْرَة , وَأَبُو الدَّرْدَاء , وَأَبُو بَكْرَة , وَالْبَرَاء بْن عَازِب , وَسَمُرَة بْن جُنْدُب , وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو , وَأَبُو ذَرّ , وَثَوْبَان , وَأُبَيّ بْن كَعْب , وَمُعَاذ بْن جَبَل وَسَمُرَة الْعَدَوِيُّ , وَجُنْدُب بْن سُفْيَان , وَعَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة , وَأَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر , وَخَوْلَة بِنْت قَيْس , وَالْعِرْبَاض بْن سَارِيَة , وَلَقِيط بْن صَبِرَة , وَعُتْبَة بْن عَبْد السُّلَمِيّ , وَرَوَاهُ غَيْرهمْ أَيْضًا . وَهَلْ الْحَوْض مُخْتَصّ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لِكُلِّ نَبِيّ حَوْض . فَالْحَوْض الْأَعْظَم مُخْتَصّ بِهِ لَا يُشْرِكهُ فِيهِ نَبِيّ غَيْره . وَأَمَّا سَائِر الْأَنْبِيَاء : فَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي الْجَامِع : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن نِيزَك الْبَغْدَادِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَكَّار الدِّمَشْقِيّ حَدَّثَنَا سَعِيد بْن بَشِير عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَن عَنْ سَمُرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيّ حَوْضًا , وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيّهمْ أَكْثَر وَارِدَة , وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُون أَكْثَرهمْ وَارِدَة " قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث غَرِيب , وَقَدْ رَوَى الْأَشْعَث بْن عَبْد الْمَلِك هَذَا الْحَدِيث عَنْ الْحَسَن عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُرْسَلًا , وَلَمْ يَذْكُر فِيهِ عَنْ سَمُرَة , وَهُوَ أَصَحّ . وَفِي مُسْنَد الْبَزَّار مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن

(2/426)


عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ لِي حَوْضًا مَا بَيْن بَيْت الْمُهْدِينَ إِلَى الْكَعْبَة , أَبْيَض مِنْ اللَّبَن . فِيهِ عَدَد الْكَوَاكِب آنِيَة . وَأَنَا فَرَطكُمْ عَلَى الْحَوْض , وَلِكُلِّ نَبِيّ حَوْض , وَكُلّ نَبِيّ يَدْعُو أُمَّته فَمِنْهُمْ مَنْ يَرِد عَلَيْهِ فِئَام مِنْ النَّاس , وَمِنْهُمْ مَنْ يَرِد عَلَيْهِ مَا هُوَ دُون ذَلِكَ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَرِد عَلَيْهِ الْعِصَابَة , وَمِنْهُمْ مَنْ يَرِد عَلَيْهِ الرَّجُلَانِ وَالرَّجُل , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرِد عَلَيْهِ أَحَد فَيَقُول : اللَّهُمَّ قَدْ بَلَّغْت , اللَّهُمَّ قَدْ بَلَّغْت - ثَلَاثًا - وَذَكَرَ الْحَدِيث " . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَالَ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ : خَبَر الْأَعْمَش عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو عَنْ زَاذَانَ عَنْ الْبَرَاء سَمِعَهُ الْأَعْمَش عَنْ الْحَسَن بْن عُمَارَة عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , وَزَاذَان لَمْ يَسْمَع مِنْ الْبَرَاء فَلِذَلِكَ لَمْ أُخَرِّجهُ . فَذَكَرَ لَهُ عِلَّتَيْنِ : اِنْقِطَاعه بَيْن زَاذَانَ وَالْبَرَاء , وَدُخُول الْحَسَن بْن عُمَارَة بَيْن الْأَعْمَش وَالْمِنْهَال . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بْن حَزْم : وَلَمْ يَرْوِ أَحَد فِي عَذَاب الْقَبْر أَنَّ الرُّوح تُرَدّ إِلَى الْجَسَد إِلَّا الْمِنْهَال بْن عَمْرو , وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } فَصَحَّ أَنَّهُمَا حَيَاتَانِ وَمَوْتَتَانِ فَقَطْ وَلَا تُرَدّ الرُّوح إِلَّا لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ آيَة لَهُ كَمَنْ أَحْيَاهُ عِيسَى . وَكُلّ مَنْ جَاءَ فِيهِ نَصّ بِذَلِكَ . وَلَمْ أَعْلَم أَحَدًا طَعَنَ فِي هَذَا الْحَدِيث إِلَّا أَبَا حَاتِم الْبُسْتِيّ وَابْن حَزْم

(2/427)


وَمَجْمُوع مَا ذَكَرَاهُ ثَلَاث : إِحْدَاهَا - ضَعْف الْمِنْهَال وَالثَّانِيَة - أَنَّ الْأَعْمَش لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ الْمِنْهَال . وَالثَّالِثَة - أَنَّ زَاذَانَ لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ الْبَرَاء . وَهَذِهِ عِلَل وَاهِيَة جِدًّا . فَأَمَّا الْمِنْهَال بْن عَمْرو : فَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقَالَ يَحْيَى بْن مَعِين وَالنَّسَائِيُّ : الْمِنْهَال ثِقَة . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : صَدُوق , وَذَكَرَهُ اِبْن حِبَّان فِي الثِّقَات . وَاَلَّذِي اِعْتَمَدَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن حَزْم فِي تَضْعِيفه : أَنَّ اِبْن أَبِي حَاتِم حَكَى عَنْ شُعْبَة أَنَّهُ تَرَكَهُ وَحَكَاهُ أَحْمَد عَنْ شُعْبَة . وَهَذَا لَوْ لَمْ نَذْكُر سَبَب تَرْكه لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِتَضْعِيفِهِ لِأَنَّ مُجَرَّد تَرْك شُعْبَة لَهُ لَا يَدُلّ عَلَى ضَعْفه . فَكَيْف وَقَدْ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : إِنَّمَا تَرَكَهُ شُعْبَة لِأَنَّهُ سَمِعَ فِي دَاره صَوْت قِرَاءَة بِالتَّطْرِيبِ . وَرَوَى عَنْ شُعْبَة قَالَ : أَتَيْت مَنْزِل الْمِنْهَال . فَسَمِعْت صَوْت الطَّنْبُور فَرَجَعْت فَهَذَا سَبَب جَرْحه . وَمَعْلُوم أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا لَا يَقْدَح فِي رِوَايَته . لِأَنَّ غَايَته أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا لَهُ وَلَعَلَّهُ مُتَأَوِّل فِيهِ . فَكَيْف ؟ وَقَدْ يُمْكِن أَنْ لَا يَكُون ذَلِكَ بِحُضُورِهِ , وَلَا إِذْنه وَلَا عِلْمه . وَبِالْجُمْلَةِ : فَلَا يُرَدّ حَدِيث الثِّقَات بِهَذَا وَأَمْثَاله . وَأَمَّا الْعِلَّة الثَّانِيَة : وَهِيَ أَنَّ بَيْن الْأَعْمَش فِيهِ وَبَيْن الْمِنْهَال : الْحَسَن بْن عُمَارَة - فَجَوَابهَا : أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ الْمِنْهَال جَمَاعَة , كَمَا قَالَهُ اِبْن عَدِيّ . فَرَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ يُونُس بْن حَبَّاب عَنْ الْمِنْهَال . وَرَوَاهُ

(2/428)


حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ يُونُس عَنْ الْمِنْهَال . فَبَطَلَتْ الْعِلَّة مِنْ جِهَة الْحَسَن بْن عُمَارَة . وَلَمْ يَضُرّ دُخُول الْحَسَن شَيْئًا . وَأَمَّا الْعِلَّة الثَّالِثَة : وَهِيَ أَنَّ زَاذَان لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ الْبَرَاء , فَجَوَابهَا : مِنْ وَجْهَيْنِ . أَحَدهمَا : أَنَّ أَبَا عَوَانَة الْإِسْفَرَايِينِي رَوَاهُ فِي صَحِيحه , وَصَرَّحَ فِيهِ بِسَمَاعِ زَاذَان لَهُ مِنْ الْبَرَاء فَقَالَ " سَمِعْت الْبَرَاء بْن عَازِب " فَذَكَرَهُ . وَالثَّانِي : أَنَّ اِبْن مَنْدَهْ رَوَاهُ عَنْ الْأَصَمّ حَدَّثَنَا الصَّنْعَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْر عِيسَى بْن الْمُسَيِّب عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت عَنْ الْبَرَاء - فَذَكَرَهُ . فَهَذَا عَدِيّ بْن ثَابِت قَدْ تَابَعَ زَاذَان . قَالَ اِبْن مَنْدَهْ : وَرَوَاهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل , وَمَحْمُود بْن غَيْلَان , وَغَيْرهمَا عَنْ أَبِي النَّضْر وَرَوَاهُ اِبْن مَنْدَهْ أَيْضًا مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن سَلَمَة عَنْ خُصَيْفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِد عَنْ الْبَرَاء . قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ : هَذَا حَدِيث حَسَن مَشْهُور بِالْمِنْهَالِ عَنْ زَاذَان وَشَجَّعَهُ أَبُو نُعَيْم وَالْحَاكِم وَغَيْرهمَا . وَأَمَّا مَا ظَنَّهُ أَبُو مُحَمَّد بْن حَزْم مِنْ مُعَارَضَة هَذَا الْحَدِيث لِقَوْلِهِ تَعَالَى { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } الْآيَة وَأَنَّهُمَا حَيَاتَانِ وَمَوْتَتَانِ لَا غَيْر . فَجَوَابه : أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث أَنَّهُ يَحْيَا حَيَاة مُسْتَقِرَّة فِي قَبْره , وَالْحَيَاتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فِي الْآيَة : هُمَا اللَّتَانِ ذُكِرَا فِي قَوْله تَعَالَى { قَالُوا رَبّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } وَهَاتَانِ حَيَاتَانِ مُسْتَقِرَّتَانِ , وَأَمَّا

(2/429)


رَدّ الرُّوح إِلَيْهِ فِي الْبَرْزَخ لِلسُّؤَالِ فَرَدّ عَارِض لَا يَتَّصِل بِهِ حَيَاة بَعْد حَيَاة ثَالِثَة . فَلَا مُعَارَضَة بَيْن الْحَدِيث وَالْقُرْآن بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة فَمِنْ أَهْل الْجَنَّة وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل النَّار فَمِنْ أَهْل النَّار , يُقَال : هَذَا مَقْعَدك , حَتَّى يَبْعَثك اللَّه يَوْم الْقِيَامَة " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّه أَنْ يُسْمِعكُمْ مِنْ عَذَاب الْقَبْر " . وَفِي صَحِيحه أَيْضًا عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ " بَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِط لِبَنِي النَّجَّار عَلَى بَغْلَة لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ , إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيه . وَإِذَا أَقْبُر سِتَّة أَوْ خَمْسَة أَوْ أَرْبَعَة فَقَالَ : مَنْ يَعْرِف أَصْحَاب هَذِهِ الْأَقْبُر ؟ فَقَالَ رَجُل أَنَا . فَقَالَ : فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : مَاتُوا فِي الْإِشْرَاك . فَقَالَ . إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّة تُبْتَلَى فِي قُبُورهَا . فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسْمِعكُمْ عَذَاب الْقَبْر الَّذِي أَسْمَع مِنْهُ . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ , فَقَالَ : تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار . فَقَالُوا : نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار . قَالَ : تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر . قَالُوا : نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر . قَالَ تَعَوَّذُوا

(2/430)


بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ . قَالُوا : نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ . قَالَ : تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال . قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي أَيُّوب قَالَ " خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْس فَسَمِعَ صَوْتًا , فَقَالَ : يَهُود تُعَذَّب فِي قُبُورهَا " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أُمّ خَالِد : " أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ يَتَعَوَّذ مِنْ عَذَاب الْقَبْر " . وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الْمُتَّفَق عَلَيْهِ " إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدكُمْ فِي صَلَاته فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَع : مِنْ عَذَاب الْقَبْر , وَعَذَاب جَهَنَّم - الْحَدِيث " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ . فَقَالَ : إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ - الْحَدِيث " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الدَّعَوَات اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ مِنْ فِتْنَة النَّار وَعَذَاب النَّار , وَفِتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب الْقَبْر - الْحَدِيث " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَس قَالَ " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الْعَجْز وَالْكَسَل , وَالْجُبْن وَالْهَرَم وَالْبُخْل , وَأَعُوذ بِك مِنْ عَذَاب الْقَبْر , وَمِنْ شَرّ فِتْنَة الْمَحْيَا وَالْمَمَات " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرَة " أَنَّ يَهُودِيَّة أَتَتْ عَائِشَة تَسْأَلهَا . فَقَالَتْ : أَعَاذَك اللَّه مِنْ عَذَاب

(2/431)


الْقَبْر , قَالَتْ عَائِشَة : فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه يُعَذَّب النَّاس فِي الْقُبُور ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَائِذًا بِاَللَّهِ - فَذَكَرَ الْحَدِيث " . وَفِيهِ " ثُمَّ رَفَعَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْس . فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُور كَفِتْنَةِ الدَّجَّال فَكُنْت أَسْمَع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ يَتَعَوَّذ مِنْ عَذَاب النَّار وَعَذَاب الْقَبْر " . وَفِي لَفْظ لِلْبُخَارِيِّ " فَرَجَعَ ضُحًى . فَقَالَ : مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَقُول , ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَاب الْقَبْر " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر قَالَتْ " خُسِفَتْ الشَّمْس عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَدَخَلْت عَلَى عَائِشَة , وَهِيَ تُصَلِّي , فَقُلْت : مَا شَأْن النَّاس يُصَلُّونَ ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاء , فَقُلْت : آيَة ؟ قَالَتْ نَعَمْ . فَأَطَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِيَام جِدًّا , حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْي , فَأَخَذْت قِرْبَة مِنْ مَاء , فَجَعَلْت أَصُبّ عَلَى رَأْسِي , أَوْ عَلَى وَجْهِي , مِنْ الْمَاء . قَالَتْ : فَانْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْس , فَخَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْد , مَا مِنْ شَيْء لَمْ أَكُنْ رَأَيْته إِلَّا قَدْ رَأَيْته فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّة وَالنَّار , وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ : أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُوركُمْ قَرِيبًا أَوْ مِثْل فِتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال - لَا أَدْرِي أَيّ ذَلِكَ قَالَتْ

(2/432)


أَسْمَاء ؟ - فَيَأْتِي أَحَدهمْ , فَيُقَال : مَا عِلْمك بِهَذَا الرَّجُل ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِن أَوْ الْمُوقِن - لَا أَدْرِي أَيّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاء - فَيَقُول : هُوَ مُحَمَّد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى , فَأَجَبْنَا وَأَطَعْنَا - ثَلَاث مَرَّات - فَيُقَال لَهُ : قَدْ نَعْلَم أَنَّك تُؤْمِن بِهِ . فَنَمْ صَالِحًا , وَأَمَّا الْمُنَافِق - أَوْ الْمُرْتَاب - لَا أَدْرِي : أَيّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاء - فَيَقُول , لَا أَدْرِي , سَمِعْت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْت " . وَفِي صَحِيح اِبْن حِبَّان مِنْ حَدِيث أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْحُبُلِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فَتَّانَيْ الْقَبْر . فَقَالَ عُمَر أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولنَا يَا رَسُول اللَّه ؟ فَقَالَ : نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمْ الْيَوْم . قَالَ بِفِيهِ الْحَجَر " . وَفِي صَحِيحه أَيْضًا مِنْ حَدِيث سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا قُبِرَ أَحَدكُمْ أَوْ الْإِنْسَان أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَال لِأَحَدِهِمَا : الْمُنْكَر وَالْآخَر النَّكِير فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْت تَقُول فِي هَذَا الرَّجُل لِمُحَمَّدٍ ؟ فَهُوَ قَائِل مَا كَانَ يَقُول فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ : هُوَ عَبْد اللَّه وَرَسُوله أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله فَيَقُولَانِ لَهُ إِنْ كُنَّا لَنَعْلَم أَنَّك تَقُول ذَلِكَ ثُمَّ يُفْسَح لَهُ فِي قَبْره سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُنَوَّر لَهُ فِيهِ فَيُقَال لَهُ : نَمْ نَوْمَة الْعَرُوس لَا يُوقِظهُ إِلَّا أَحَبّ أَهْله

(2/433)


إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثهُ اللَّه مِنْ مَضْجَعه ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ لَا أَدْرِي , كُنْت أَسْمَع النَّاس يَقُولُونَ شَيْئًا . فَكُنْت أَقُولهُ , فَيَقُولَانِ لَهُ : إِنْ كُنَّا لَنَعْلَم أَنَّك تَقُول ذَلِكَ , ثُمَّ يُقَال لِلْأَرْضِ : اِلْتَئِمِي عَلَيْهِ , فَتَلْتَئِم عَلَيْهِ حَتَّى تَخْتَلِف فِيهَا أَضْلَاعه . فَلَا يَزَال مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثهُ اللَّه مِنْ مَضْجَعه ذَلِكَ " . وَفِي صَحِيحه أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنْكًا } قَالَ " عَذَاب الْقَبْر " . وَفِي صَحِيحه أَيْضًا عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا دَخَلَ الْمَيِّت الْقَبْر مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْس عِنْد غُرُوبهَا . فَيَقُول : دَعُونِي أُصَلِّي " . وَفِي صَحِيحه أَيْضًا عَنْ أُمّ مُبَشِّر قَالَتْ " دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي حَائِط مِنْ حَوَائِط بَنِي النَّجَّار . فِيهِ قُبُور مِنْهُمْ , وَهُوَ يَقُول : اِسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر . فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , وَلِلْقَبْرِ عَذَاب ؟ قَالَ : وَإِنَّهُمْ لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورهمْ عَذَابًا تَسْمَعهُ الْبَهَائِم " . وَفِي صَحِيحه أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ الْمُؤْمِن فِي قَبْره لَفِي رَوْضَة خَضْرَاء , وَيُرَحَّب لَهُ فِي قَبْره سَبْعِينَ ذِرَاعًا , وَيُنَوَّر لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر , أَتَدْرُونَ فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنْكًا وَنَحْشُرهُ يَوْم الْقِيَامَة أَعْمَى } أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَة الضَّنْك ؟ قَالُوا :

(2/434)


اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . قَالَ : عَذَاب الْكَافِر فِي قَبْره , وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيُسَلَّط عَلَيْهِ تِسْعَة وَتِسْعُونَ تِنِّينًا . أَتَدْرُونَ مَا التِّنِّين ؟ سَبْعُونَ حَيَّة لِكُلِّ حَيَّة تِسْع رُءُوس يَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ " . فِيهِ دَرَّاج أَبُو السَّمْح عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن حُجَيْرَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة . وَذَكَرَ أَبُو حَاتِم أَيْضًا قِصَّة التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ تِنِّينًا مِنْ حَدِيث دَرَّاج عَنْ أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي صَحِيحه أَيْضًا مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ الْمَيِّت إِذَا وُضِعَ فِي قَبْره إِنَّهُ لَيَسْمَع خَفْق نِعَالهمْ حِين يُوَلُّونَ عَنْهُ . فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَانَتْ الصَّلَاة عِنْد رَأْسه , وَكَانَ الصِّيَام عَنْ يَمِينه , وَكَانَتْ الزَّكَاة عَنْ شِمَاله , وَكَانَ فِعْل الْخَيْرَات مِنْ الصَّدَقَة وَالصِّلَة وَالْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس عِنْد رِجْلَيْهِ . فَيُؤْتَى مِنْ قِبَل رَأْسه فَتَقُول الصَّلَاة : مَا قِبَلِي مَدْخَل . ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينه , فَيَقُول الصِّيَام : مَا قِبَلِي مَدْخَل . ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَاره فَتَقُول الزَّكَاة . مَا قِبَلِي مَدْخَل , ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَل رِجْلَيْهِ فَيَقُول فِعْل الْخَيْرَات مِنْ الصَّدَقَة وَالصِّلَة وَالْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس : مَا قِبَلِي مَدْخَل . فَيَقُول لَهُ اِجْلِسْ , فَيَجْلِس قَدْ مَثَلَتْ لَهُ الشَّمْس وَقَدْ أُدْنِيَتْ لِلْغُرُوبِ . فَيُقَال لَهُ . أَرَأَيْتُك هَذَا الرَّجُل الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَا تَقُول فِيهِ ؟ وَمَاذَا

(2/435)


تَشْهَد بِهِ عَلَيْهِ ؟ فَيَقُول . دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ . فَيَقُولُونَ . إِنَّك سَتَفْعَلُ . أَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُك عَنْهُ , أَرَأَيْتُك هَذَا الرَّجُل الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَا تَقُول فِيهِ ؟ وَمَاذَا شَهِدْت عَلَيْهِ ؟ قَالَ . فَيَقُول مُحَمَّد ؟ أَشْهَد أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْد اللَّه . فَيُقَال لَهُ : عَلَى ذَلِكَ حَيِيت . وَعَلَى ذَلِكَ مُتّ . وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَث إِنْ شَاءَ اللَّه , ثُمَّ يُفْتَح لَهُ بَاب مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة . فَيُقَال : هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا , وَمَا أَعَدَّ اللَّه لَك فِيهَا , فَيَزْدَاد غِبْطَة وَسُرُورًا . ثُمَّ يُفْسَح لَهُ فِي قَبْره سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُنَوَّر لَهُ فِيهِ , وَيُعَاد الْجَسَد لِمَا بُدِئَ مِنْهُ فَيُجْعَل نَسَمَته فِي النَّسِيم الطَّيِّب : وَهِيَ طَيْر تَعْلُق فِي شَجَر الْجَنَّة . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله { يُثَبِّت اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِر إِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَل رَأْسه لَمْ يُوجَد شَيْء . ثُمَّ أُوتِيَ عَنْ يَمِينه فَلَا يُوجَد شَيْء . ثُمَّ أُوتِيَ عَنْ شِمَاله فَلَا يُوجَد شَيْء . ثُمَّ أُوتِيَ مِنْ قِبَل رِجْلَيْهِ فَلَا يُوجَد شَيْء . فَيُقَال لَهُ : اِجْلِسْ فَيَجْلِس خَائِفًا مَرْعُوبًا . فَيُقَال لَهُ : أَرَأَيْتُك هَذَا الرَّجُل الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَاذَا تَقُول فِيهِ ؟ وَمَاذَا تَشْهَد بِهِ عَلَيْهِ ؟ فَيَقُول : أَيّ رَجُل ؟ فَيُقَال : الَّذِي كَانَ فِيكُمْ . فَلَا يَهْتَدِي لِاسْمِهِ , حَتَّى يُقَال لَهُ ؟ مُحَمَّد . فَيَقُول : مَا أَدْرِي , سَمِعْت النَّاس قَالُوا قَوْلًا . فَقُلْت كَمَا قَالَ النَّاس . فَيُقَال لَهُ : عَلَى ذَلِكَ

(2/436)


حَيِيت وَعَلَى ذَلِكَ مُتّ وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَث إِنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ يُفْتَح لَهُ بَاب مِنْ أَبْوَاب النَّار , فَيُقَال لَهُ : هَذَا مَقْعَدك مِنْ النَّار , وَمَا أَعَدَّ اللَّه لَك فِيهَا . فَيَزْدَاد حَسْرَة وَثُبُورًا . ثُمَّ يُفْتَح لَهُ بَاب مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة , فَيُقَال : لَهُ ذَلِكَ مَقْعَدك مِنْ الْجَنَّة , وَمَا أَعَدَّ اللَّه لَك فِيهَا لَوْ أَطَعْته فَيَزْدَاد حَسْرَة وَثُبُورًا . ثُمَّ يُضَيَّق عَلَيْهِ قَبْره , حَتَّى تَخْتَلِف فِيهِ أَضْلَاعه . وَتِلْكَ الْمَعِيشَة الضَّنْك الَّتِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنْكًا وَنَحْشُرهُ يَوْم الْقِيَامَة أَعْمَى } " . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَن خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَان , ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَان : سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ سُبْحَان اللَّه الْعَظِيم " . وَفِي جَامِع التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث النَّضْر بْن أَنَس بْن مَالِك عَنْ أَبِيهِ قَالَ " سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ يَشْفَع لِي يَوْم الْقِيَامَة , فَقَالَ : أَنَا فَاعِل , قَالَ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه فَأَيْنَ أَطْلُبك ؟ قَالَ : اُطْلُبْنِي أَوَّل مَا تَطْلُبنِي عَلَى الصِّرَاط , قَالَ قُلْت : فَإِنْ لَمْ أَلْقَك عَلَى الصِّرَاط ؟ قَالَ : فَاطْلُبْنِي عِنْد الْمِيزَان , قَالَ قُلْت : فَإِنْ لَمْ أَلْقَك عِنْد الْمِيزَان ؟ قَالَ : فَاطْلُبْنِي عِنْد الْحَوْض , فَإِنِّي لَا أُخْطِئ هَذِهِ الثَّلَاث الْمَوَاطِن " قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب , لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه . وَرَوَى اللَّيْث بْن

(2/437)


سَعْد عَنْ عَامِر بْن يَحْيَى الْمَعَافِرِيّ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْحُبُلِيّ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُصَاح بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوس الْخَلَائِق يَوْم الْقِيَامَة , فَيُنْشَر لَهُ تِسْعَة وَتِسْعُونَ سِجِلًّا , كُلّ سِجِلّ مِنْهَا مَدّ الْبَصَر , ثُمَّ يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ فَيَقُول : لَا يَا رَبّ , فَيَقُول عَزَّ وَجَلَّ : بَلَى إِنَّ لَك عِنْدنَا حَسَنَات وَإِنَّهُ لَا ظُلْم عَلَيْك فَيُخْرَج لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله , فَيَقُول : يَا رَبّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَة , مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّات ؟ فَيَقُول : إِنَّك لَا تُظْلَم , قَالَ : فَتُوضَع السِّجِلَّات فِي كِفَّة وَالْبِطَاقَة فِي كِفَّة فَطَاشَتْ السِّجِلَّات وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَة " قَالَ حَمْزَة الْكِنَانِيّ : لَا أَعْلَم رَوَى هَذَا الْحَدِيث غَيْر اللَّيْث بْن سَعْد , وَهُوَ مِنْ أَحْسَن الْحَدِيث . قَالَ أَبُو طَاهِر السَّلَفِيّ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عُمَر بْن مُحَمَّد الْحَرَّانِيّ قَالَ " أَنَا حَضَرْت رَجُلًا فِي الْمَجْلِس , وَقَدْ زَعَقَ عِنْد هَذَا الْحَدِيث وَمَاتَ وَشَهِدْت جِنَازَته وَصَلَّيْت عَلَيْهِ " . قَالَ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيُّ : لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد تَفَرَّدَ بِهِ عَامِر بْن يَحْيَى آخِر كَلَامه . وَرَوَاهُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْمُقْرِي عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد بْن أَنْعَم الْإِفْرِيقِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ,

(2/438)


وَرَوَاهُ عَنْ الْمُقْرِي جَمَاعَة , وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ , وَقَالَ : حَدِيث حَسَن غَرِيب . وَرَوَى حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة عَنْ زِرّ بْن حُبَيْشٍ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود " كَانَ يَجُزّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَاكًا مِنْ أَرَاك , وَكَانَ فِي سَاقَيْهِ دِقَّة , فَضَحِكَ الْقَوْم فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا يُضْحِككُمْ ؟ مِنْ دِقَّة سَاقَيْهِ ؟ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمَا أَثْقَل فِي الْمِيزَان مِنْ أُحُد " رَوَاهُ أَبُو حَاتِم فِي صَحِيحه . ذَكَرَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : أَحَادِيث الْبَاب إِلَى آخِرهَا , ثُمَّ ذَيَّلَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ : وَقَدْ رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ " أَتَى رَجُل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَّانَةِ مُنْصَرَفه مِنْ حُنَيْنٍ , وَفِي ثَوْب بِلَال فِضَّة , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِض مِنْهَا وَيُعْطِي النَّاس . فَقَالَ : يَا مُحَمَّد اِعْدِلْ , فَقَالَ : وَيْلك , وَمَنْ يَعْدِل إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِل ؟ لَقَدْ خَسِرْت وَخِبْت إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِل فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب دَعْنِي يَا رَسُول اللَّه أَقْتُل هَذَا الْمُنَافِق . فَقَالَ مَعَاذ اللَّه أَنْ يَتَحَدَّث النَّاس أَنِّي أَقْتُل أَصْحَابِي , إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابه يَقْرَءُونَ الْقُرْآن لَا يُجَاوِز حَنَاجِرهمْ , يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُق السَّهْم مِنْ الرَّمِيَّة " . وَرَوَى الْبُخَارِيّ هَذَا الْحَدِيث مُخْتَصَرًا , قَالَ " بَيْنَمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِم غَنِيمَة بِالْجِعْرَّانَةِ , إِذْ قَالَ لَهُ رَجُل

(2/439)


: اِعْدِلْ , فَقَالَ : لَقَدْ شَقِيت , إِنْ لَمْ أَعْدِل " . وَالصَّوَاب فِي هَذَا : فَتْح التَّاء مِنْ " خِبْت " وَ " خَسِرْت " . وَالْمَعْنَى : أَنَّك إِذَنْ خَائِب خَاسِر , إِنْ كُنْت تَقْتَدِي فِي دِينك بِمَنْ لَا يَعْدِل , وَتَجْعَله بَيْنك وَبَيْن اللَّه , ثُمَّ تَزْعُم أَنَّهُ ظَالِم غَيْر عَادِل . وَمَنْ رَوَاهُ بِضَمِّ التَّاء لَمْ يَفْهَم مَعْنَاهُ هَذَا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ " بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِم قِسْمًا , أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَة - وَهُوَ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم - فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه اِعْدِلْ , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيْلك , مَنْ يَعْدِل إِذَا لَمْ أَعْدِل ؟ قَدْ خِبْت وَخَسِرْت إِنْ لَمْ أَعْدِل , فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : يَا رَسُول اللَّه , اِئْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِب عُنُقه , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعْهُ , فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِر أَحَدكُمْ صَلَاته مَعَ صَلَاتهمْ , وَصِيَامه مَعَ صِيَامهمْ , يَقْرَءُونَ الْقُرْآن لَا يُجَاوِز تَرَاقِيهمْ , يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام كَمَا يَمْرُق السَّهْم مِنْ الرَّمِيَّة : يَنْظُر إِلَى نَصْله فَلَا يُوجَد فِيهِ شَيْء , ثُمَّ يَنْظُر إِلَى رِصَافه فَلَا يُوجَد فِيهِ شَيْء ثُمَّ يَنْظُر إِلَى نَضِيّه فَلَا يُوجَد فِيهِ شَيْء - وَهُوَ الْقِدْح - , ثُمَّ يَنْظُر إِلَى قُذَذه فَلَا يُوجَد فِيهِ شَيْء سَبَقَ الْفَرْث وَالدَّم , آيَتهمْ : رَجُل أَسْوَد إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْل ثَدْي الْمَرْأَة , أَوْ مِثْل الْبَضْعَة , تَدَرْدَر , يَخْرُجُونَ عَلَى حِين فُرْقَة مِنْ النَّاس , قَالَ أَبُو سَعِيد : فَأَشْهَد أَنِّي سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى

(2/440)


اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَشْهَد أَنَّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُل فَالْتُمِسَ , فَوُجِدَ , فَأُتِيَ بِهِ , حَتَّى نَظَرْت إِلَيْهِ عَلَى نَعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَ " . زَادَ الْبُخَارِيّ فَنَزَلَتْ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزك فِي الصَّدَقَات } . وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي عَلَى " خَيْر فُرْقَة مِنْ النَّاس " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيد أَيْضًا " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّته يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَة مِنْ النَّاس , سِيمَاهُمْ التَّحْلِيق , قَالَ : هُمْ شَرّ النَّاس , أَوْ مِنْ شَرّ الْخَلْق يَقْتُلهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقّ قَالَ فَضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَثَلًا أَوْ قَالَ قَوْلًا الرَّجُل يَرْمِي الرَّمِيَّة , أَوْ قَالَ الْغَرَض , فَيَنْظُر فِي النَّصْل , فَلَا يَرَى بَصِيرَة , وَيَنْظُر فِي النَّضِيّ فَلَا يَرَى بَصِيرَة , وَيَنْظُر فِي الْفَوْق فَلَا يَرَى بَصِيرَة " . وَفِي لَفْظ آخَر عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيث " يَكُون فِي أُمَّتِي فِرْقَتَانِ , فَتَخْرُج بَيْنهمَا مَارِقَة يَلِي قَتْلهمْ أَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ " . وَفِي أُخْرَى " تَمْرُق مَارِقَة فِي فُرْقَة مِنْ النَّاس , يَلِي قَتْلهمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ " . وَفِي أُخْرَى " يَخْرُجُونَ عَلَى فُرْقَة مُخْتَلِفَة , يَقْتُلهُمْ أَقْرَب الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الْحَقّ " . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يَخْرُج نَاس مِنْ قِبَل الْمَشْرِق , يَقْرَءُونَ الْقُرْآن لَا يُجَاوِز تَرَاقِيهمْ , يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّين كَمَا يَمْرُق

(2/441)


السَّهْم مِنْ الرَّمِيَّة , ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ , حَتَّى يَعُود السَّهْم إِلَى فَوْقه , قِيلَ : فَمَا سِيمَاهُمْ ؟ قَالَ التَّحْلِيق أَوْ قَالَ : التَّسْبِيل " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ - وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ - عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي رَافِع " أَنَّ الْحَرُورِيَّة لَمَّا خَرَجَتْ - وَهُوَ مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب - قَالُوا : لَا حُكْم إِلَّا لِلَّهِ , قَالَ عَلِيّ : كَلِمَة حَقّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِل , إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا , إِنِّي لَأَعْرِف صِفَتهمْ فِي هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْحَقّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يُجَاوِز هَذَا مِنْهُمْ . وَأَشَارَ إِلَى حَلْقه - مِنْ أَبْغَض خَلْق اللَّه إِلَيْهِ , مِنْهُمْ أَسْوَد , إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْي شَاة , أَوْ حَلَمَة ثَدْي , فَلَمَّا قَتَلَهُمْ عَلِيّ بْن أَبَى طَالِب , قَالَ : اُنْظُرُوا , فَنَظَرُوا , فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا , فَقَالَ اِرْجِعُوا , فَوَاَللَّهِ مَا كَذَبْت وَلَا كُذِبْت - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خَرِبَة , فَأَتَوْا بِهِ , حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْن يَدَيْهِ , قَالَ عُبَيْد اللَّه : وَأَنَا حَاضِر ذَلِكَ مِنْ أَمْرهمْ , وَقَوْل عَلِيّ فِيهِمْ " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن الصَّامِت عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي , أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي , قَوْم يَقْرَءُونَ الْقُرْآن لَا يُجَاوِز حَلَاقِيمهمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الدِّين كَمَا يَخْرُج السَّهْم مِنْ الرَّمِيَّة , ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ , هُمْ شَرّ الْخَلْق وَالْخَلِيقَة " . فَقَالَ اِبْن الصَّامِت . فَلَقِيت رَافِع بْن عَمْرو الْغِفَارِيَّ - أَخَا الْحَكَم الْغِفَارِيِّ - قُلْت : مَا حَدِيث

(2/442)


سَمِعْته مِنْ أَبِي ذَرّ كَذَا وَكَذَا ؟ فَذَكَرْت لَهُ هَذَا الْحَدِيث , فَقَالَ : وَأَنَا سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَسِير بْن عَمْرو قَالَ " سَأَلْت سُهَيْل بْن حُنَيْف سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُر الْخَوَارِج ؟ فَقَالَ : سَمِعْته يَقُول - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِق - قَوْم يَقْرَءُونَ الْقُرْآن بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَعْدُو تَرَاقِيهمْ , يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّين , كَمَا يَمْرُق السَّهْم مِنْ الرَّمِيَّة " . وَفِي لَفْظ آخَر عَنْهُ " يَتِيه قَوْم مِنْ قِبَل الْمَشْرِق مُحَلَّقَة رُءُوسهمْ " . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر - وَذَكَرَ الْحَرُورِيَّة - فَقَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَام مُرُوق السَّهْم مِنْ الرَّمِيَّة " . قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : صَحَّ الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَوَارِج مِنْ عَشَرَة أَوْجُه . وَهَذِهِ هِيَ الْعَشَرَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا , وَقَدْ اِسْتَوْعَبَهَا مُسْلِم فِي صَحِيحه , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ " كُنْت أَمْشِي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْد نَجْرَانِيّ غَلِيظ الْحَاشِيَة , فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيّ , فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَة شَدِيدَة , فَنَظَرْت إِلَى صَفْحَة عَاتِق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَة الرِّدَاء مِنْ شِدَّة جَبْذَته , ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّد , مُرْ لِي مِنْ مَال اللَّه الَّذِي عِنْدك فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ , فَضَحِكَ , ثُمَّ أَمَرَ لَهُ

(2/443)


بِعَطَاءٍ " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَيْسَ الشَّدِيد بِالصُّرَعَةِ , إِنَّمَا الشَّدِيد الَّذِي يَمْلِك نَفْسه عِنْد الْغَضَب " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ : أَوْصِنِي قَالَ : لَا تَغْضَب , فَرَدَّدَ مِرَارًا , قَالَ : لَا تَغْضَب " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْحَيَاء لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ " . وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْحَيَاء شُعْبَة مِنْ الْإِيمَان " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدّ حَيَاء مِنْ الْعَذْرَاء فِي خِدْرهَا , فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَههُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهه " . وَزَادَ التِّرْمِذِيّ " وَإِنَّ اللَّه يُبْغِض الْفَاحِش الْبَذِيء " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ النَّوَّاس بْن سَمْعَان قَالَ " سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرّ وَالْإِثْم ؟ قَالَ : الْبِرّ : حُسْن الْخُلُق , وَالْإِثْم مَا حَاكَ فِي نَفْسك , وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِع عَلَيْهِ النَّاس " . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَكْثَر مَا يُدْخِل النَّاس النَّار ؟ فَقَالَ : الْفَم وَالْفَرْج " وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَعَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَكْمَل الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنهمْ خُلُقًا , وَخِيَاركُمْ خَيْركُمْ لِنِسَائِهِمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَسَن صَحِيح . وَفِي

(2/444)


التِّرْمِذِيّ أَيْضًا عَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ مِنْ أَحَبّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْم الْقِيَامَة أَحَاسِنكُمْ أَخْلَاقًا , وَإِنَّ أَبْغَضكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُول اللَّه , قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ , فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ , قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ " قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث حَسَن . وَالثَّرْثَار هُوَ الْكَثِير الْكَلَام بِتَكَلُّفٍ , وَالْمُتَشَدِّق الْمُتَطَاوِل عَلَى النَّاس بِكَلَامِهِ الَّذِي يَتَكَلَّم فِيهِ بِمِلْءِ فِيهِ تَفَاصُحًا وَتَفَخُّمًا وَتَعْظِيمًا لِكَلَامِهِ , وَالْمُتَفَيْهِق . أَصْله مِنْ الْفَهَق وَهُوَ الِامْتِلَاء , وَهُوَ الَّذِي يَمْلَأ فَمه بِالْكَلَامِ , وَيَتَوَسَّع فِيهِ تَكَثُّرًا وَارْتِفَاعًا وَإِظْهَارًا لِفَضْلِهِ عَلَى غَيْره , قَالَ التِّرْمِذِيّ قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك " حُسْن الْخُلُق طَلَاقَة الْوَجْه , وَبَذْل الْمَعْرُوف , وَكَفّ الْأَذَى " . وَقَالَ غَيْره " حُسْن الْخُلُق قِسْمَانِ أَحَدهمَا مَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَهُوَ أَنْ يَعْلَم أَنَّ كُلّ مَا يَكُون مِنْك يُوجِب عُذْرًا , وَكُلّ مَا يَأْتِي مِنْ اللَّه يُوجِب شُكْرًا , فَلَا تَزَال شَاكِرًا لَهُ مُعْتَذِرًا إِلَيْهِ سَائِرًا إِلَيْهِ بَيْن مُطَالَعَة وَشُهُود عَيْب نَفْسك وَأَعْمَالك . وَالْقِسْم الثَّانِي : حُسْن الْخُلُق مَعَ النَّاس . وَجَمَاعَة أَمْرَانِ : بَذْل الْمَعْرُوف قَوْلًا وَفِعْلًا , وَكَفّ الْأَذَى قَوْلًا وَفِعْلًا . وَهَذَا إِنَّمَا يَقُوم عَلَى أَرْكَان خَمْسَة : الْعِلْم وَالْجُود وَالصَّبْر وَطِيب الْعَوْد وَصِحَّة الْإِسْلَام أَمَّا

(2/445)


الْعِلْم فَلِأَنَّهُ يَعْرِف مَعَانِي الْأَخْلَاق وَسَفْسَافهَا , فَيُمْكِنهُ أَنْ يَتَّصِف بِهَذَا وَيَتَحَلَّى بِهِ وَيَتْرُك هَذَا وَيَتَخَلَّى عَنْهُ . وَأَمَّا الْجُود فَسَمَاحَة نَفْسه وَبَذْلهَا وَانْقِيَادهَا لِذَلِكَ إِذَا أَرَادَهُ مِنْهَا . وَأَمَّا الصَّبْر فَلِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَصْبِر عَلَى اِحْتِمَال ذَلِكَ وَالْقِيَام بِأَعْبَائِهَا لَمْ يَتَهَيَّأ لَهُ . وَأَمَّا طِيب الْعَوْد : فَأَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى خَلَقَهُ عَلَى طَبِيعَة مُنْقَادَة سَهْلَة الْقِيَاد , وَسَرِيعَة الِاسْتِجَابَة لِدَاعِي الْخَيْرَات . وَالطَّبَائِع ثَلَاثَة : طَبِيعَة حَجَرِيَّة صُلْبَة قَاسِيَة , لَا تَلِين وَلَا تَنْقَاد , وَطَبِيعَة مَائِيَّة هَوَائِيَّة سَرِيعَة الِانْقِيَاد مُسْتَجِيبَة لِكُلِّ دَاعٍ كَالْغُصْنِ أَيّ نَسِيم مَرَّ يَعْصِفهُ وَهَاتَانِ مُنْحَرِفَتَانِ . الْأُولَى : لَا تَقْبَل وَالثَّانِيَة لَا تَحْفَظ , وَطَبِيعَة قَدْ جَمَعَتْ اللِّين وَالصَّلَابَة وَالصَّفَاء , فَهِيَ تَقْبَل بِلِينِهَا وَتَحْفَظ بِصَلَابَتِهَا , وَتُدْرِك حَقَائِق الْأُمُور بِصَفَائِهَا , فَهَذِهِ الطَّبِيعَة الْكَامِلَة الَّتِي يَنْشَأ عَنْهَا كُلّ خَلْق صَحِيح . وَأَمَّا صِحَّة الْإِسْلَام : فَهُوَ جِمَاع ذَلِكَ , وَالْمُصَحِّح لِكُلِّ خُلُق حَسَن , فَإِنَّهُ بِحَسَبِ قُوَّة إِيمَانه وَتَصْدِيقه بِالْجَزَاءِ . وَحُسْن مَوْعُود اللَّه وَثَوَابه يُسَهِّل عَلَيْهِ تَحَمُّل ذَلِكَ . لَهُ الِاتِّصَاف بِهِ , وَاَللَّه الْمُوَفِّق الْمُعِين . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يُقِيم أَحَدكُمْ أَخَاهُ

(2/446)


مِنْ مَجْلِسه , ثُمَّ يَجْلِس فِيهِ , قَالَ : وَكَانَ الرَّجُل يَقُوم لِابْنِ عُمَر فَمَا يَجْلِس " قَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَحَدِيث اِبْن عُمَر هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ , وَلَفْظه " نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَام الرَّجُل مِنْ مَجْلِسه , وَيُجْلَس فِيهِ , وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُقِيم أَحَدكُمْ أَخَاهُ يَوْم الْجُمُعَة ثُمَّ يُخَالِفهُ إِلَى مَقْعَده , وَلَكِنْ لِيُقَلْ اِفْسَحُوا " . ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه حَدِيث " كُلّ كَلَام لَا يُبْدَأ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّه فَهُوَ أَجْذَم " ثُمَّ قَالَ : وَأَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا أَكْرَمَ شَابّ شَيْخًا بِشَيْبَةٍ إِلَّا قَيَّضَ اللَّه لَهُ مَنْ يُكْرِمهُ عِنْد سِنّه " قَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : هَذِهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث ذَكَرَهَا أَبُو دَاوُدَ فِي كَفَّارَة الْمَجْلِس . فَأَمَّا حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فَمَوْقُوف عَلَيْهِ . وَأَمَّا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَهُوَ مَعْرُوف بِمُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه : هَذَا حَدِيث مَنْ تَأَمَّلَهُ لَمْ يَشُكّ أَنَّهُ مِنْ شَرْط الصَّحِيح , وَلَهُ عِلَّة فَاحِشَة , حَدَّثَنِي أَبُو نَصْر الْوَرَّاق قَالَ : سَمِعْت أَبَا أَحْمَد الْقَصَّار يَقُول : سَمِعْت مُسْلِم بْن الْحَجَّاج وَجَاءَ إِلَى مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ فَقَبَّلَ

(2/447)


بَيْن عَيْنَيْهِ وَقَالَ : دَعْنِي حَتَّى أُقَبِّل رِجْلَيْك يَا أُسْتَاذ الْأُسْتَاذَيْنِ , وَطَبِيب الْحَدِيث فِي عِلَله : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَّامٍ حَدَّثَنَا مَخْلَد بْن يَزِيد الْحَرَّانِيّ أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ سُهَيْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَة الْمَجْلِس , فَمَا عِلَّته . قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل : هَذَا حَدِيث مَلِيح , وَلَا أَعْلَم فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَاب غَيْر هَذَا الْحَدِيث , إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُول حَدَّثَنَا بِهِ مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا وُهَيْب حَدَّثَنَا سُهَيْل عَنْ عَوْف بْن عَبْد اللَّه مِنْ قَوْله . قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل : هَذَا أَوْلَى , فَإِنَّهُ لَا يُذْكَر لِمُوسَى بْن عُقْبَة سَمَاع مِنْ سُهَيْل . وَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ : فَإِسْنَاده حَسَن , رَوَاهُ عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة , وَأَخْرَجَهُ عَنْ عَبَدَة بْن سُلَيْمَان عَنْ الْحَجَّاج بْن دِينَار عَنْ أَبِي هَاشِم عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ أَبِي بَرْزَة , وَالْحَجَّاج بْن دِينَار صَدُوق , وَثَّقَهُ غَيْر وَاحِد , وَأَبُو هَاشِم : هُوَ الرُّمَّانِيّ , مِنْ رِجَال الصَّحِيحَيْنِ . وَفِي الْبَاب حَدِيث عَائِشَة , رَوَاهُ اللَّيْث عَنْ اِبْن الْهَادِ , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ زُرَارَةَ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " مَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوم مِنْ مَجْلِس إِلَّا قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرك وَأَتُوب إِلَيْك فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه مَا أَكْثَر مَا تَقُول هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات إِذَا قُمْت ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَقُولهُنَّ أَحَد حِين

(2/448)


يَقُوم مِنْ مَجْلِسه إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِس " رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم عَنْ شُعْبَة عَنْهُ . وَلِهَذَا الْحَدِيث أَيْضًا عِلَّة , وَهِيَ أَنَّ قُتَيْبَة خَالَفَ شُعَيْبًا فِيهِ , فَقَالَ : عَنْ اللَّيْث عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَنْصَارِيّ عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل الشَّام عَنْ عَائِشَة " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِس يُكْثِر مِنْ أَنْ يَقُول : سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك , لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ - وَسَاقَ الْحَدِيث " ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ . وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيث خَالِد بْن أَبِي عِمْرَان عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا , أَوْ صَلَّى صَلَاة تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ . فَسَأَلْت عَائِشَة عَنْ الْكَلِمَات ؟ فَقَالَتْ : إِنْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ , كَانَ طَابِعًا عَلَيْهِنَّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَإِنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَفَّارَة لَهُ : سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك , لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرك وَأَتُوب إِلَيْك " رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْر بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَة الْخُزَاعِيّ عَنْ خَالِد بِهِ . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِير مِنْ حَدِيث خَالِد بْن أَبِي عِمْرَان أَيْضًا عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " مَا جَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قَطّ , وَلَا تَلَا قُرْآنًا , وَلَا صَلَّى إِلَّا خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ قَالَ نَعَمْ , مَنْ قَالَ خَيْرًا خَتَمَ لَهُ طَابِع عَلَى ذَلِكَ الْخَيْر , وَمَنْ قَالَ شَرًّا كُنَّ

(2/449)


لَهُ كَفَّارَة : سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرك وَأَتُوب إِلَيْك " . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِم عَنْ الْأَصَمّ عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الصَّغَانِيّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْنِ الْمُنْذِر الْحِزَامِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن فُلَيْح عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيد بْن الْحَارِث عَنْ عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ قَالَ " بَيْنَمَا أَنَا جَالِس فِي الْمَسْجِد إِذْ جَاءَهُ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان فَجَلَسَ فَتَحَدَّثَ فَثَابَ إِلَيْهِ أُنَاس ثُمَّ قَالَ اِنْطَلِقْ بِنَا إِلَى أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ , فَإِنِّي قَدْ أُخْبِرْت أَنَّهُ قَدْ اِشْتَكَى , فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ فَوَجَدْنَاهُ مُسْتَلْقِيًا وَاضِعًا رِجْله الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَسَلَّمْنَا وَجَلَسْنَا . فَرَفَعَ قَتَادَةُ يَده إِلَى رِجْل أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ فَقَرَصَهَا قَرْصَة شَدِيدَة . فَقَالَ أَبُو سَعِيد : سُبْحَان اللَّه يَا اِبْن أُمّ أَوْجَعْتنِي , قَالَ ذَلِكَ أَرَدْت - فَذَكَرَ حَدِيث الِاسْتِلْقَاء - وَقَالَ فِيهِ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي أَنْ يَفْعَل مِثْل هَذَا " . فَهَذَا الْحَدِيث لَهُ عِلَّتَانِ . إِحْدَاهُمَا : اِنْفِرَاد فُلَيْح بْن سُلَيْمَان بِهِ , وَقَدْ قَالَ عَبَّاس الدَّوْرِيّ : سَمِعْت يَحْيَى بْن مَعِين يَقُول : فُلَيْح بْن سُلَيْمَان لَا يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ , وَقَالَ فِي رِوَايَة عُثْمَان الدَّارِمِيِّ : فُلَيْح بْن سُلَيْمَان ضَعِيف . وَقَالَ النَّسَائِيُّ : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ . وَالْعِلَّة الثَّانِيَة : أَنَّهُ حَدِيث مُنْقَطِع , فَإِنَّ قَتَادَةَ بْن النُّعْمَان مَاتَ فِي خِلَافَة عُمَر , وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَر . وَعُبَيْد

(2/450)


بْن حُنَيْنٍ , مَاتَ سَنَة خَمْس وَمِائَة , وَلَهُ خَمْس وَسَبْعُونَ سَنَة فِي قَوْل الْوَاقِدِيّ , وَابْن بُكَيْر , فَتَكُون رِوَايَته عَنْ قَتَادَة بْن النُّعْمَان مُنْقَطِعَة , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَإِدْخَال أَبِي دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيث هُنَا يُرِيد بِهِ : أَنَّ ذِكْر الرَّجُل بِمَا فِيهِ فِي مَوْضِع الْحَاجَة لَيْسَ بِغَيْبَةٍ مِثْل هَذَا , وَنَظِيره مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيث عَائِشَة الْمُتَّفَق عَلَيْهِ " اِئْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَة " بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيّ " بَاب غَيْبَة أَهْل الْفَسَاد وَالرَّيْب " وَذَكَرَ فِي الْبَاب عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا أَظُنّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِيننَا شَيْئًا " . وَفِي الْبَاب حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس لَمَّا خَطَبَهَا مُعَاوِيَة وَأَبُو جَهْم , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَّا مُعَاوِيَة : فَصُعْلُوك وَأَمَّا أَبُو جَهْم : فَلَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه " . وَقَالَتْ هِنْد لِلنَّبِيِّ " إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل شَحِيح " . وَقَالَ الْأَشْعَث بْن قَيْس لِلنَّبِيِّ فِي خَصْمه " إِنَّهُ اِمْرُؤٌ فَاجِر " . وَقَالَ الْحَضْرَمِيّ بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَصْمه " إِنَّهُ رَجُل فَاجِر لَا يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ , وَلَيْسَ يَتَوَرَّع مِنْ شَيْء " رَوَاهُ مُسْلِم . وَقَدْ رَدَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْبَة مَالِك بْن الدَّخْشَم وَقَالَ لِلْقَائِلِ إِنَّهُ مُنَافِق لَا يُحِبّ اللَّه وَرَسُوله : " لَا تَقُلْ ذَاكَ " . وَرَدَّ مُعَاذ بْن جَبَل غَيْبَة كَعْب بْن مَالِك لَمَّا قَالَ الرَّجُل فِيهِ

(2/451)


عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَبَسَهُ النَّظَر فِي بُرْدَيْهِ , النَّظَر فِي عِطْفَيْهِ فَقَالَ مُعَاذ : بِئْسَ مَا قُلْت , وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا , فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَالْحَدِيثَانِ مُتَّفَق عَلَيْهِمَا . وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ رَدَّ اللَّه عَنْ وَجْهه النَّار يَوْم الْقِيَامَة " وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْ عَائِشَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَات , فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا " . وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " لَا تَسُبُّوا أَمْوَاتنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا " وَفِي الْحَدِيث قِصَّة وَقَدْ تَقَدَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي الزِّنَاد عَنْ أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْحَسَد يَأْكُل الْحَسَنَات كَمَا تَأْكُل النَّار الْحَطَب , وَالصَّدَقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة كَمَا يُطْفِئ الْمَاء النَّار , وَالصَّلَاة نُور الْمُؤْمِن , وَالصِّيَام جَنَّة مِنْ النَّار " . لَمَّا كَانَ الْحَاسِد يَكْرَه نِعْمَة اللَّه عَلَى عِبَاده , وَالْمُتَصَدِّق يُنْعِم عَلَيْهِمْ , كَانَتْ صَدَقَة هَذَا وَنِعْمَته تُطْفِئ خَطِيئَته وَتُذْهِبهَا , وَحَسَد هَذَا وَكَرَاهَته

(2/452)


نِعْمَة اللَّه عَلَى عِبَاده : تُذْهِب حَسَنَاته . وَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاة مَرْكَز الْإِيمَان , وَأَصْل الْإِسْلَام , وَرَأْس الْعُبُودِيَّة , وَمَحَلّ الْمُنَاجَاة وَالْقُرْبَة إِلَى اللَّه , وَأَقْرَب مَا يَكُون الْعَبْد مِنْ رَبّه وَهُوَ مُصَلٍّ , وَأَقْرَب مَا يَكُون مِنْهُ فِي صَلَاته , وَهُوَ سَاجِد : كَانَتْ الصَّلَاة نُور الْمُسْلِم . وَلَمَّا كَانَ الصَّوْم يَسُدّ عَلَيْهِ بَاب الشَّهَوَات , وَيُضَيِّق مَجَارِي الشَّيْطَان : وَلَا سِيَّمَا بَاب الْأَخْوَفَيْنِ : الْفَم وَالْفَرْج , اللَّذَيْنِ يَنْشَأ عَنْهُمَا مُعْظَم الشَّهَوَات : كَانَ كَالْجُنَّةِ مِنْ النَّار , فَإِنَّهُ يَتَتَرَّس بِهِ مِنْ سِهَام إِبْلِيس . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَبَاغَضُوا , وَلَا تَحَاسَدُوا , وَلَا تَدَابَرُوا , وَلَا تَقَاطَعُوا , وَكُونُوا عِبَاد اللَّه إِخْوَانًا , وَلَا يَحِلّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُر أَخَاهُ فَوْق ثَلَاث " . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ثَابِت بْن الضَّحَّاك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعْن الْمُؤْمِن كَقَتْلِهِ " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُون لَعَّانًا " . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ الْمُؤْمِن بِالطَّعَّانِ , وَلَا اللَّعَّان , وَلَا الْفَاحِش , وَلَا الْبَذِيء " وَقَالَ : حَدِيث حَسَن . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَفِي هَذَا الْحَدِيث : رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّ النَّاس يَوْم

(2/453)


الْقِيَامَة إِنَّمَا يُدْعَوْنَ بِأُمَّهَاتِهِمْ , لَا آبَائِهِمْ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه لِذَلِكَ فَقَالَ
" بَاب يُدْعَى النَّاس بِآبَائِهِمْ " وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيث نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْغَادِر يُرْفَع لَهُ لِوَاء يَوْم الْقِيَامَة ؟ يُقَال لَهُ : هَذِهِ غَدْرَة فُلَان بْن فُلَان " . وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ . بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمه مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن عَبْد اللَّه الْأَوْدِيّ قَالَ " شَهِدْت أَبَا أُمَامَةَ - وَهُوَ فِي النَّزْع - قَالَ : إِذَا مُتّ فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : إِذَا مَاتَ أَحَد مِنْ إِخْوَانكُمْ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَاب عَلَى قَبْره , فَلْيَقُمْ أَحَدكُمْ عَلَى رَأْس قَبْره , ثُمَّ لِيَقُلْ يَا فُلَان بْن فُلَانَة , فَإِنَّهُ يَسْمَعهُ وَلَا يُجِيبهُ , ثُمَّ يَقُول : يَا فُلَان بْن فُلَانَة فَإِنَّهُ يَقُول : أَرْشِدْنَا رَحِمَك اللَّه - فَذَكَرَ الْحَدِيث - وَفِيهِ فَقَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه , فَإِنْ لَمْ يَعْرِف أُمّه , قَالَ : فَلْيَنْسُبْهُ إِلَى أُمّه حَوَّاء فُلَان بْن حَوَّاء " . وَلَكِنْ هَذَا الْحَدِيث مُتَّفَق عَلَى ضَعْفه فَلَا تَقُوم بِهِ حُجَّة فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعَارَض بِهِ مَا هُوَ أَصَحّ مِنْهُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ " وُلِدَ لِي غُلَام , فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيم , وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ " . زَادَ الْبُخَارِيّ " وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ , وَدَفَعَهُ إِلَيَّ , وَكَانَ أَكْبَر وَلَد أَبِي مُوسَى " .

(2/454)


قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : الْعَرَب تُسَمِّي شَجَر الْعِنَب كَرْمًا لِكَرَمِهِ , وَالْكَرَم كَثْرَة الْخَيْر وَالْمَنَافِع وَالْفَوَائِد لِسُهُولَةِ تَنَاوُلهَا مِنْ الْكَرِيم وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم } وَفِي آيَة أُخْرَى { مِنْ كُلّ زَوْج بَهِيج } فَهُوَ كَرِيم مَخْبَره بَهِيج فِي مَنْظَره , وَشَجَر الْعِنَب قَدْ جَمَعَ وُجُوهًا مِنْ ذَلِكَ . مِنْهَا : تَذْلِيل ثَمَره لِقَاطِفِهِ . وَمِنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ دُونه شَوْك يُؤْذِي مُجْتَنِيه . وَمِنْهَا : أَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ لِعُلُوِّ سَاقه وَصُعُوبَته كَغَيْرِهِ . وَمِنْهَا : أَنَّ الشَّجَرَة الْوَاحِدَة مِنْهُ - مَعَ ضَعْفهَا وَدِقَّة سَاقهَا - تَحْمِل أَضْعَاف مَا تَحْمِلهُ غَيْرهَا . وَمِنْهَا : أَنَّ الشَّجَرَة الْوَاحِدَة مِنْهُ إِذَا قُطِعَ أَعْلَاهَا أَخْلَفَتْ مِنْ جَوَانِبهَا وَفُرُوعهَا , وَالنَّخْلَة إِذَا قُطِعَ أَعْلَاهَا مَاتَتْ , وَيَبِسَتْ جُمْلَة . وَمِنْهَا : أَنَّ ثَمَره يُؤْكَل قَبْل نُضْجه , وَبَعْد نُضْجه , وَبَعْد يُبْسه . وَمِنْهَا : أَنَّهُ يُتَّخَذ مِنْهُ مِنْ أَنْوَاع الْأَشْرِبَة الْحُلْوَة وَالْحَامِضَة , كَالدَّبْسِ وَالْخَلّ , مَا لَا يُتَّخَذ مِنْ غَيْره , ثُمَّ يُتَّخَذ مِنْ شَرَابه مِنْ أَنْوَاع الْحَلَاوَة وَالْأَطْعِمَة وَالْأَقْوَات مَا لَا يُتَّخَذ مِنْ غَيْره , وَشَرَابه الْحَلَال غِذَاء وَقُوت وَمَنْفَعَة وَقُوَّة . وَمِنْهَا : أَنَّهُ يُدَّخَر يَابِسه قُوتًا وَطَعَامًا وَأُدُمًا . وَمِنْهَا : أَنَّ ثَمَره قَدْ جَمَعَ نِهَايَة الْمَطْلُوب مِنْ الْفَاكِهَة مِنْ الِاعْتِدَال , فَلَمْ يُفْرِط إِلَى الْبُرُودَة كَالْخَوْخِ وَغَيْره , وَلَا إِلَى الْحَرَارَة , كَالتَّمْرِ , بَلْ

(2/455)


هُوَ فِي غَايَة الِاعْتِدَال , إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ فَوَائِده . فَلَمَّا كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَة سَمَّوْهُ كَرْمًا , فَأَخْبَرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْفَوَائِد وَالثَّمَرَات وَالْمَنَافِع الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّه قَلْب عَبْده الْمُؤْمِن - مِنْ الْبِرّ وَكَثْرَة الْخَيْر - أَعْظَم مِنْ فَوَائِد كَرْم الْعِنَب فَالْمُؤْمِن أَوْلَى بِهَذِهِ التَّسْمِيَة مِنْهُ . فَيَكُون مَعْنَى الْحَدِيث عَلَى هَذَا : النَّهْي عَنْ قَصْر اِسْم الْكَرْم عَلَى شَجَر الْعِنَب , بَلْ الْمُسْلِم أَحَقّ بِهَذَا الِاسْم مِنْهُ . وَهَذَا نَظِير قَوْله " لَيْسَ الشَّدِيد بِالصُّرَعَةِ , وَلَكِنْ الَّذِي يَمْلِك نَفْسه عِنْد الْغَضَب " أَيّ مَالِك نَفْسه أَوْلَى أَنْ يُسَمَّى شَدِيدًا مِنْ الَّذِي يَصْرَع الرِّجَال . وَكَقَوْلِهِ " لَيْسَ الْمِسْكِين بِهَذَا الطَّوَّاف الَّذِي تَرُدّهُ اللُّقْمَة وَاللُّقْمَتَانِ , وَالْأَكْلَة وَالْأَكْلَتَانِ وَلَكِنَّهُ الَّذِي لَا يَسْأَل النَّاس وَلَا يُفْطَن لَهُ فَيُتَصَدَّق عَلَيْهِ " أَي هَذَا أَوْلَى بِأَنْ يُقَال لَهُ مِسْكِين مِنْ الطَّوَّاف الَّذِي تُسَمُّونَهُ مِسْكِينًا . وَنَظِيره فِي الْمُفْلِس وَالرَّقُوب وَغَيْرهمَا . وَنَظِيره قَوْله " لَيْسَ الْوَاصِل بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّهُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمه وَصَلَهَا " وَإِنْ كَانَ هَذَا أَلْطَف مِنْ الَّذِي قَبْله . وَقِيلَ فِي مَعْنَى وَجْه آخَر , وَهُوَ : قَصْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْب هَذَا الِاسْم الْمَحْبُوب لِلنُّفُوسِ الَّتِي يَلَذّ لَهَا سَمَاعه عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة الَّتِي تُتَّخَذ مِنْهَا أُمّ الْحَبَائِب , فَيَسْلُبهَا الِاسْم الَّذِي يَدْعُو النُّفُوس إِلَيْهَا , وَلَا سِيَّمَا فَإِنَّ الْعَرَب قَدْ تَكُون سَمَّتْهَا

(2/456)


كَرْمًا لِأَنَّ الْخَمْر الْمُتَّخَذَة مِنْهَا تَحُثّ عَلَى الْكَرَم وَبَذْل الْمَال , فَلَمَّا حَرَّمَهَا الشَّارِع نَفَى اِسْم الْمَدْح عَنْ أَصْلهَا , وَهُوَ " الْكَرْم " كَمَا نَفَى اِسْم الْمَدْح عَنْهَا , وَهُوَ الدَّوَاء , فَقَالَ " إِنَّهَا دَاء , وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ " , وَمَنْ عَرَفَ سِرّ تَأْثِير الْأَسْمَاء فِي مُسَمَّيَاتهَا نَفْرَة وَمَيْلًا عَرَفَ هَذَا , فَسَلَبَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الِاسْم الْحَسَن , وَأَعْطَاهُ مَا هُوَ أَحَقّ بِهِ مِنْهَا , وَهُوَ " قَلْب الْمُؤْمِن " . وَيُؤَكِّد الْمَعْنَى الْأَوَّل : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ الْمُسْلِم بِالنَّخْلَةِ ; لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِع وَالْفَوَائِد , حَتَّى إِنَّهَا كُلّهَا مَنْفَعَة , لَا يَذْهَب مِنْهَا شَيْء بِلَا مَنْفَعَة , حَتَّى شَوْكهَا , وَلَا يَسْقُط عَنْهَا لِبَاسهَا وَزِينَتهَا , كَمَا لَا يَسْقُط عَنْ الْمُسْلِم زِينَته , فَجُذُوعهَا لِلْبُيُوتِ وَالْمَسَاكِن وَالْمَسَاجِد وَغَيْرهَا , وَسَعَفهَا لِلسُّقُوفِ وَغَيْرهَا , وَخُوصهَا لِلْحُصُرِ وَالْمَكَاتِل وَالْآنِيَة وَغَيْرهَا , وَمَسَدهَا لِلْحِبَالِ وَآلَات الشَّدّ وَالْحَلّ وَغَيْرهَا , وَثَمَرهَا يُؤْكَل رَطْبًا وَيَابِسًا , وَيُتَّخَذ قُوتًا وَأُدُمًا , وَهُوَ أَفْضَل الْمُخْرَج فِي زَكَاة الْفِطْر تَقَرُّبًا إِلَى اللَّه وَطُهْرَة لِلصَّائِمِ وَيُتَّخَذ مِنْهُ مَا يُتَّخَذ مِنْ شَرَاب الْأَعْنَاب وَنَزِيد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قُوت وَحْده بِخِلَافِ الزَّبِيب وَنَوَاهُ عَلَف لِلْإِبِلِ الَّتِي تَحْمِل الْأَثْقَال إِلَى بَلَد لَا يَبْلُغهُ الْإِنْسَان إِلَّا بِشِقِّ النَّفْس . وَيَكْفِي فِيهِ : أَنَّ نَوَاهُ يُشْتَرَى بِهِ الْعِنَب , فَحَسْبك بِتَمْرٍ نَوَاهُ ثَمَن لِغَيْرِهِ .

(2/457)


وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي الْعِنَب وَالنَّخْل : أَيّهمَا أَفْضَل وَأَنْفَع ؟ وَاحْتَجَّتْ كُلّ طَائِفَة بِمَا فِي أَحَدهمَا مِنْ الْمَنَافِع . وَالْقُرْآن قَدْ قَدَّمَ النَّخِيل عَلَى الْأَعْنَاب فِي مَوْضِع , وَقَدَّمَ الْأَعْنَاب عَلَيْهَا فِي مَوْضِع وَأَفْرَدَ النَّخِيل عَنْ الْأَعْنَاب , وَلَمْ يُفْرِد الْعِنَب عَنْ النَّخِيل . وَفَصْل الْخِطَاب فِي الْمَسْأَلَة : أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي الْمَوْضِع الَّذِي يَكْثُر فِيهِ , وَيَقِلّ وُجُود الْآخَر أَفْضَل وَأَنْفَع . فَالنَّخِيل بِالْمَدِينَةِ وَالْعِرَاق وَغَيْرهمَا أَفْضَل وَأَنْفَع مِنْ الْأَعْنَاب فِيهَا . وَالْأَعْنَاب فِي الشَّام وَنَحْوهَا أَفْضَل وَأَنْفَع مِنْ النَّخِيل بِهَا . وَلَا يُقَال : فَمَا تَقُولُونَ إِذَا اِسْتَوَيَا فِي بَلْدَة ؟ فَإِنَّ هَذَا لَا يُوجَد ; لِأَنَّ الْأَرْض الَّتِي يَطِيب النَّخِيل فِيهَا , وَيَكُون سُلْطَانه وَوُجُوده غَالِبًا لَا يَكُون لِلْعِنَبِ بِهَا سُلْطَان , وَلَا تَقْبَلهُ تِلْكَ الْأَرْض . وَكَذَلِكَ أَرْض الْعِنَب لَا تَقْبَل النَّخِيل , وَلَا يَطِيب فِيهَا . وَاللَّه سُبْحَانه قَدْ خَصَّ كُلّ أَرْض بِخَاصِّيَّةٍ مِنْ النَّبَات وَالْمَعْدِن وَالْفَوَاكِه وَغَيْرهَا فَهَذَا مَوْضِعه أَفْضَل وَأَطْيَب وَأَنْفَع , وَهَذَا فِي مَوْضِعه كَذَلِكَ . ذَكَرَ حَدِيث " لَا تَغْلِبَنَّكُمْ " وَذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُنْذِرِيُّ , ثُمَّ زَادَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَسَلَكَتْ طَائِفَة مَسْلَكًا آخَر , فَقَالَتْ : النَّهْي صَرِيح , لَا يُمْكِن فِيهِ رِوَايَة بِالْمَعْنَى وَأَمَّا حَدِيث " لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْح وَالْعَتَمَة " فَيَجُوز أَنْ يَكُون تَغْيِيرًا مِنْ الرَّاوِي عَنْهَا بِاسْمِ الْعَتَمَة , وَلَمْ يَعْلَم

(2/458)


بِالنَّهْيِ , فَرَوَاهُ بِمَعْنَاهُ , وَهَذَا الِاحْتِمَال لَا يَتَطَرَّق إِلَى حَدِيث النَّهْي . وَقَالَتْ طَائِفَة : النَّهْي إِنَّمَا هُوَ مِنْ غَلَبَة الْأَعْرَاب عَلَى اِسْم الْعِشَاء بِحَيْثُ يُهْجَر بِالْكُلِّيَّةِ , كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله " لَا يَغْلِبَنَّكُمْ " فَأَمَّا إِذَا سُمِّيَتْ بِالْعِشَاءِ تَسْمِيَة غَالِبَة عَلَى الْعَتَمَة : لَمْ يَمْتَنِع أَنْ يُسَمَّى بِالْعَتَمَةِ أَحْيَانًا , وَهَذَا أَظْهَر الْأَقْوَال . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَس " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَالِطنَا حَتَّى يَقُول لِأَخٍ لِي صَغِير : يَا أَبَا عُمَيْر مَا فَعَلَ النُّغَيْر " . وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالُوا " يَا رَسُول اللَّه , إِنَّك تُدَاعِبنَا , قَالَ : إِنِّي لَا أَقُول إِلَّا حَقًّا " قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حَسَن . ذَكَرَ حَدِيث سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي وَاقِعَة عُمَر وَحَسَّان , ثُمَّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب لَمْ يَصِحّ سَمَاعه مِنْ عُمَر فَإِنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ حَسَّان فَمُتَّصِل . ثُمَّ قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ تَكَرَّرَ لَهُ فِي هَذَا الْكِتَاب فِي مَوَاضِع , وَبِهِ يُعَلِّل اِبْن الْقَطَّان وَغَيْره حَدِيث سَعِيد عَنْ عُمَر , وَهُوَ تَعْلِيل بَاطِل أَنْكَرَهُ الْأَئِمَّة , كَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَيَعْقُوب بْن سُفْيَان وَغَيْرهمَا . قَالَ أَحْمَد : إِذَا لَمْ يُقْبَل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ عُمَر فَمَنْ يُقْبَل ؟ سَعِيد عَنْ عُمَر عِنْدنَا حُجَّة . وَقَالَ حَنْبَل فِي تَارِيخه : حَدَّثَنَا

(2/459)


أَبُو عَبْد اللَّه - يَعْنِي أَحْمَد بْن حَنْبَل - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ إِيَاس بْن مُعَاوِيَة قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب " مِمَّنْ أَنْتَ ؟ قُلْت مِنْ مُزَيْنَة . قَالَ : إِنِّي لَأَذْكُر يَوْم نَعَى عُمَر بْن الْخَطَّاب النُّعْمَان بْن مُقْرِن الْمُزَنِيَّ عَلَى الْمِنْبَر " وَهَذَا صَرِيح فِي الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّهُ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَة عُمَر . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ : كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يُسَمِّي رِوَايَة عُمَر بْن الْخَطَّاب لِأَنَّهُ كَانَ أَحْفَظ النَّاس لِأَحْكَامِهِ . وَقَالَ مَالِك : بَلَغَنِي أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ يُرْسِل إِلَى اِبْن الْمُسَيِّب يَسْأَلهُ عَنْ بَعْض شَأْن عُمَر , وَأَمْره . هَذَا , وَلَمْ يُحْفَظ عَنْ أَحَد مِنْ الْأَئِمَّة أَنَّهُ طَعَنَ فِي رِوَايَة سَعِيد عَنْ عُمَر , بَلْ قَابَلُوهَا كُلّهمْ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيق , وَمَنْ لَمْ يَقْبَل الْمُرْسَل قَبِلَ مُرْسَل سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ الْحَاكِم فِي عُلُوم الْحَدِيث : سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَدْرَكَ عُمَر وَعَلِيًّا وَطَلْحَة , وَبَاقِي الْعَشَرَة , وَسَمِعَ مِنْهُمْ . وَالْمَقْصُود : أَنَّ تَعْلِيل الْحَدِيث بِرِوَايَةِ سَعِيد لَهُ عَنْ عُمَر تَعَنُّت بَارِد . وَالصَّحِيح : أَنَّهُ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلَافَة عُمَر , فَيَكُون لَهُ وَقْت وَفَاة عُمَر ثَمَان سِنِينَ . فَكَيْف يُنْكَر سَمَاعه , وَيُقْدَح فِي اِتِّصَال رِوَايَته عَنْهُ ؟ وَاَللَّه الْمُوَفِّق لِلصَّوَابِ . وَقَدْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ , وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَقِب هَذَا الْحَدِيث عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - فَذَكَرَ

(2/460)


الْحَدِيث بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ دُون ذِكْر الزِّيَادَة . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّة إِلَّا الْمُبَشِّرَات , قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَات ؟ قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَة " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَلَمْ يَشُكّ الْبُخَارِيّ فِيهِ , بَلْ قَالَ " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَة , وَلَا يَتَمَثَّل الشَّيْطَان بِي " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي قَتَادَةَ قَالَ . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَقَدْ رَأَى الْحَقّ " . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد , وَزَادَ " فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَكَوَّنُنِي " . وَفِي لَفْظ لَهُ فِي حَدِيث أَبِي قَتَادَةَ " فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَرَاءَى بِي " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ رَآنِي فِي النَّوْم فَقَدْ رَآنِي . فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّل فِي صُورَتِي " . وَفِي لَفْظ آخَر " فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَشَبَّه بِي " . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ نَافِع " أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْب اِبْن عُمَر , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ , وَالسَّلَام عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اِبْن عُمَر : وَأَنَا

(2/461)


أَقُول : الْحَمْد لِلَّهِ , وَالسَّلَام عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقُول , عَلَّمَنَا أَنْ نَقُول : الْحَمْد لِلَّهِ عَلَى كُلّ حَال " وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث زِيَاد بْنِ الرَّبِيع . وَفِي التِّرْمِذِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمَّا خَلَقَ اللَّه آدَم , وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوح عَطَسَ فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ , فَحَمِدَ اللَّه بِإِذْنِهِ , فَقَالَ لَهُ رَبّه : رَحِمَك اللَّه يَا آدَم اِذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَة إِلَى مَلَأ مِنْهُمْ جُلُوس , فَقُلْ : السَّلَام عَلَيْكُمْ , قَالُوا وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبّه فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتك وَتَحِيَّة ذُرِّيَّتك بَيْنهمْ - وَذَكَرَ الْحَدِيث " وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَوَاهُ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة . ذَكَرَ حَدِيث أَبِي دَاوُدَ " أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ فَقَالَ لَهُ : يَرْحَمك اللَّه ثُمَّ عَطَسَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الرَّجُل مَزْكُوم . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : هَذَا لَفْظ أَبِي دَاوُدَ , وَلَفْظ مُسْلِم " ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى " وَلَفْظ مُسْلِم " ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَة , فَقَالَ : إِنَّهُ مَزْكُوم " . وَأَمَّا اِبْن مَاجَهْ : فَلَفْظه " يُشَمَّت الْعَاطِس ثَلَاثًا فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُوم " رَوَاهُ عَنْ عَلِيّ بْن

(2/462)


مُحَمَّد حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار عَنْ إِيَاس بْن سَلَمَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا يُوَافِق رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة , وَعُبَيْد بْن رِفَاعَة فِي حَدّ ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ . وَأَمَّا التِّرْمِذِيّ فَلَفْظه فِيهِ : عَنْ إِيَاس بْن سَلَمَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ " عَطَسَ رَجُل عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَا شَاهِد , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمك اللَّه , ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَة , أَوْ الثَّالِثَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَذَا رَجُل مَزْكُوم " رَوَاهُ مِنْ حَدِيث سُوَيْد عَنْ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار . ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَسَار حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَسَار حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد حَدَّثَنَا عِكْرِمَة بْنُ عَمَّار عَنْ إِيَاس بْن سَلَمَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوه إِلَّا أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَة إِنَّك مَزْكُوم " . قَالَ التِّرْمِذِيّ : وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيث اِبْن الْمُبَارَك , وَقَدْ رَوَى شُعْبَة عَنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار هَذَا الْحَدِيث نَحْو رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ " فَإِذَا عَطَسَ أَحَدكُمْ , وَحَمِدَ اللَّه , كَانَ حَقًّا عَلَى كُلّ مُسْلِم سَمِعَهُ أَنْ يَقُول : يَرْحَمك اللَّه " . وَتَرْجَمَ التِّرْمِذِيّ عَلَى حَدِيث أَنَس ( بَاب مَا جَاءَ فِي إِيجَاب التَّشْمِيت بِحَمْدِ الْعَاطِس ) وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِب عِنْده , وَهُوَ الصَّوَاب , لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَة الظَّاهِرَة فِي

(2/463)


الْوُجُوب مِنْ غَيْر مُعَارِض وَاَللَّه أَعْلَم . فَمِنْهَا : حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَمِنْهَا : حَدِيثه الْآخَر " خَمْس تَجِب لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَمِنْهَا : حَدِيث سَالِم بْن عُبَيْد , وَفِيهِ " وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْده : يَرْحَمك اللَّه " . وَمِنْهَا : مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِم سِتّ بِالْمَعْرُوفِ : يُسَلِّم عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ , وَيُجِيبهُ إِذَا دَعَاهُ , وَيُشَمِّتهُ إِذَا عَطَسَ وَيَعُودهُ إِذَا مَرِضَ وَيَتْبَع جَنَازَته إِذَا مَاتَ , وَيُحِبّ لَهُ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ " وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضهمْ فِي الْحَارِث الْأَعْوَر , وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَأَبِي أَيُّوب وَالْبَرَاء , وَأَبِي مَسْعُود . وَمِنْهَا : مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي أَيُّوب . أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا عَطَسَ أَحَدكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْد لِلَّهِ , وَلْيَقُلْ : عَلَى كُلّ حَال , وَلْيَقُلْ الَّذِي يَرُدّ عَلَيْهِ يَرْحَمك اللَّه , وَلْيَقُلْ هُوَ : يَهْدِيكُمْ اللَّه وَيُصْلِح بَالكُمْ " . فَهَذِهِ أَرْبَع طُرُق مِنْ الدَّلَالَة . أَحَدهمَا : التَّصْرِيح بِثُبُوتِ وُجُوب التَّشْمِيت بِلَفْظِهِ الصَّرِيح الَّذِي لَا يَحْتَمِل تَأْوِيلًا . الثَّانِي : إِيجَابه بِلَفْظِ الْحَقّ . الثَّالِث : إِيجَابه بِلَفْظَةِ " عَلَى " الظَّاهِرَة فِي الْوُجُوب . الرَّابِع : الْأَمْر بِهِ , وَلَا رَيْب فِي إِثْبَات وَاجِبَات كَثِيرَة بِدُونِ هَذِهِ الطُّرُق , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .

(2/464)


قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَلَفْظ النَّسَائِيِّ فِيهِ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول إِذَا أَصْبَحَ : اللَّهُمَّ بِك أَصْبَحْنَا , وَبِك أَمْسَيْنَا , وَبِك نَحْيَا , وَبِك نَمُوت , وَإِلَيْك النُّشُور " فَقَطْ . وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بْن حِبَّان فِي صَحِيحه , وَقَالَ " إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول إِذَا أَصْبَحَ : اللَّهُمَّ بِك أَصْبَحْنَا , وَبِك أَمْسَيْنَا , وَبِك نَحْيَا , وَبِك نَمُوت , وَإِلَيْك النُّشُور , وَإِذَا أَمْسَى قَالَ : اللَّهُمَّ بِك أَمْسَيْنَا , وَبِك أَصْبَحْنَا , وَبِك نَحْيَا , وَبِك نَمُوت وَإِلَيْك الْمَصِير " . فَرِوَايَة أَبِي دَاوُدَ فِيهَا " النُّشُور " فِي الْمَسَاء , وَ " الْمَصِير " فِي الصَّبَاح . وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ فِيهَا " النُّشُور " فِي الْمَسَاء , وَ " الْمَصِير " فِي الصَّبَاح . وَرِوَايَة اِبْن حِبَّان فِيهَا " النُّشُور " فِي الصَّبَاح وَ " الْمَصِير " فِي الْمَسَاء , وَهِيَ أَوْلَى الرِّوَايَات أَنْ تَكُون مَحْفُوظَة ; لِأَنَّ الصَّبَاح وَالِانْتِبَاه مِنْ النَّوْم : بِمَنْزِلَةِ النُّشُور وَهُوَ الْحَيَاة بَعْد الْمَوْت . وَالْمَسَاء وَالصَّيْرُورَة إِلَى النَّوْم بِمَنْزِلَةِ الْمَوْت , وَالْمَصِير إِلَى اللَّه وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّه سُبْحَانه فِي النَّوْم الْمَوْت وَالِانْتِبَاه بَعْده دَلِيلًا عَلَى الْبَعْث وَالنُّشُور ; لِأَنَّ النَّوْم أَخُو الْمَوْت , وَالِانْتِبَاه نُشُور وَحَيَاة قَالَ تَعَالَى : { وَمِنْ آيَاته مَنَامكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْله , إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } . وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْ حُذَيْفَة " أَنَّ

(2/465)


النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اِسْتَيْقَظَ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا , وَإِلَيْهِ النُّشُور " . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , عَشْر مَرَّات كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ عَشَرَة أَنْفُس مِنْ وَلَد إِسْمَاعِيل " . وَقَالَ الْبُخَارِيّ : " رَقَبَة مِنْ وَلَد إِسْمَاعِيل " رَوَاهُ تَعْلِيقًا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير فِي يَوْم مِائَة مَرَّة , كَانَتْ لَهُ عَدْل عَشْر رِقَاب , وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَة حَسَنَة , وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَة سَيِّئَة , وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَان يَوْمه ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِي , وَلَمْ يَأْتِ أَحَد بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا رَجُل عَمِلَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَمَنْ قَالَ : سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْم مِائَة مَرَّة , حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ , وَإِنْ كَانَتْ مِثْل زَبَد الْبَحْر " . فَهَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ كُلّ رَقَبَة يَعْدِلهَا عَشْر مَرَّات تَهْلِيلًا , وَهُوَ يُوَافِق رِوَايَة الْبُخَارِيّ فِي الْحَدِيث الَّذِي قَبْله . وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس يَدُلّ عَلَى أَنَّ كُلّ مَرَّة بِرَقَبَةٍ , وَيُوَافِقهُ حَدِيث أَبِي أَيُّوب الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِم وَلَكِنْ حَدِيث أَبِي أَيُّوب

(2/466)


قَدْ اِخْتَلَفَ فِيهِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم كَمَا ذَكَرْنَاهُ . وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة صَرِيح بِأَنَّ الْمِائَة تَعْدِل عَشْر رِقَاب وَلَمْ يُخْتَلَف فِيهِ . فَيَتَرَجَّح مِنْ هَذَا الْوَجْه عَلَى خَبَر أَبِي أَيُّوب , وَتَتَرَجَّح رِوَايَة مُسْلِم لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوب بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس الْمُتَقَدِّم . فَقَدْ تَقَابَلَ التَّرْجِيحَانِ . وَقَدْ يُقَال : خَبَر اِبْن عَبَّاس قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ , وَأَنَّهُ لَا يَصِحّ , وَخَبَر أَبِي أَيُّوب قَدْ اُخْتُلِفَ فِي لَفْظه , وَخَبَر أَبِي هُرَيْرَة : صَحِيح لَا عِلَّة فِيهِ وَلَا اِخْتِلَاف فَوَجَبَ تَقْدِيمه , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْم عَنْ أَبِي ذَرّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ قَالَ فِي دُبُر صَلَاة الْفَجْر وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ قَبْل أَنْ يَتَكَلَّم : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد , يُحْيِي وَيُمِيت , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , عَشْر مَرَّات , كُتِبَ لَهُ عَشْر حَسَنَات , وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْر سَيِّئَات , وَرُفِعَ لَهُ عَشْر دَرَجَات , وَكَانَ يَوْمه ذَلِكَ كُلّه فِي حِرْز مِنْ كُلّ مَكْرُوه وَحُرِسَ مِنْ الشَّيْطَان , وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكهُ ذَلِكَ الْيَوْم إِلَّا الشِّرْك بِاَللَّهِ " وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه . وَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ دَخَلَ السُّوق فَقَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , لَهُ

(2/467)


الْمُلْك , وَلَهُ الْحَمْد يُحْيِي وَيُمِيت , وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , كُتِبَ لَهُ أَلْف أَلْف حَسَنَة , وَمُحِيَ عَنْهُ أَلْف أَلْف سَيِّئَة , وَرُفِعَ لَهُ أَلْف أَلْف دَرَجَة " فَهُوَ حَدِيث مَعْلُول لَا يَثْبُت مِثْله , وَذَكَرَ لَهُ التِّرْمِذِيّ طُرُقًا . أَحَدهَا : أَحْمَد بْن مَنِيع : حَدَّثَنَا أَزْهَر بْن سِنَان حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن وَاسِع قَالَ " قَدِمْت مَكَّة فَلَقِيَنِي أَخِي سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ " وَقَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب . وَالثَّانِي : رَوَاهُ عُمَر بْن دِينَار . قَهْرَمَان آلِ الزُّبَيْر عَنْ سَالِم نَحْوه . قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن عَبْدَة حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن زَيْد وَالْمُعْتَمِر بْنُ سُلَيْمَان قَالَا حَدَّثَنَا عَمْرو بْن دِينَار - وَهُوَ قَهْرَمَان آلِ الزُّبَيْر - عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه وَقَالَ " وَبُنِيَ لَهُ بَيْت فِي الْجَنَّة " وَلَمْ يَقُلْ " أَلْف أَلْف دَرَجَة " . وَالثَّالِث : رَوَاهُ يَحْيَى بْن سُلَيْم الطَّائِفِيّ عَنْ عِمْرَان بْن مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَذْكُر عُمَر . ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ تَعْلِيقًا عَنْ يَحْيَى . فَأَمَّا الطَّرِيق الْأُولَى فَهِيَ أَمْثَل طُرُقه , وَأَزْهَر بْن سِنَان لَا بَأْس بِهِ , وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْض الْأَئِمَّة , وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيثه هَذَا الْحَافِظ أَبُو عَبْد اللَّه الْمَقْدِسِيُّ فِي الْمُخْتَارَة . وَأَمَّا الطَّرِيق الثَّانِيَة : فَفِيهَا عَمْرو بْن دِينَار قَهْرَمَان آل

(2/468)


الزُّبَيْر , قَالَ الْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ فِيهِ نَظَر . وَذَكَرَ هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُر لَهُ مَتْنًا فَقَالَ : قَالَ مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا زَيْد بْن خَبَّاب حَدَّثَنَا سَعِيد بْن زَيْد عَنْ عَمْرو بْن دِينَار مَوْلَى الْأَنْصَارِيّ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَر , وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْض أَصْحَاب الْحَدِيث وَقَدْ رَوَى عَنْ سَالِم أَحَادِيث لَا يُتَابَع عَلَيْهَا . وَأَمَّا الطَّرِيق الثَّالِثَة : فَفِيهَا عِمْرَان بْن مُسْلِم , وَلَيْسَ هُوَ عِمْرَان بْن مُسْلِم الْقَصِير فَإِنَّ ذَاكَ مِنْ رِجَال الصَّحِيح , وَهَذَا مُنْكَر الْحَدِيث . قَالَهُ الْبُخَارِيّ وَغَيْره . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ الْقَصِير , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي نِكَاح الْجِنّ لِلْإِنْسِ الْإِمَام أَحْمَد وَغَيْره , وَالْكَلَام فِيهِ فِي أَمْرَيْنِ : فِي وُقُوعه وَفِي حُكْمه . فَأَمَّا حُكْمه : فَمَنَعَ مِنْهُ أَحْمَد , ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : فِي الصَّحِيحَيْنِ " إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسهَا , مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا , أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ " . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاس يَوْم فَتْح مَكَّة فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّة الْجَاهِلِيَّة , وَتَعَاظُمهَا بِآبَائِهَا , النَّاس رَجُلَانِ : مُؤْمِن تَقِيّ كَرِيم عَلَى اللَّه , وَفَاجِر شَقِيّ

(2/469)


هَيِّن عَلَى اللَّه , وَالنَّاس بَنُو آدَم , وَخَلَقَ اللَّه آدَم مِنْ تُرَاب . قَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِل لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّه عَلِيم خَبِير } وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن دِينَار إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه , وَعَبْد اللَّه بْن جَعْفَر - وَالِد عَلِيّ يُضَعَّف - ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْن مَعِين وَغَيْره . وَفِي التِّرْمِذِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث الْحَسَن عَنْ سَمُرَة يَرْفَعهُ " الْحَسَب الْمَال , وَالْكَرَم التَّقْوَى " وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب . الْبَهَائِم فِي فُرُوجهَا فَتَهْرُب , شَدِيد السَّوَاد , فِي بَطْنه لَوْن حُمْرَة يُوجَد كَثِيرًا فِي مَرَاح الْبَقَر وَالْجَوَامِيس وَمَوَاضِع الرَّوْث , وَمِنْ شَأْنه جَمْع النَّجَاسَة وَادِّخَارهَا . وَمِنْ عَجِيب أَمْره أَنَّهُ يَمُوت مِنْ رِيح الْوَرْد وَرِيح الطِّيب فَإِذَا أُعِيدَ إِلَى الرَّوْث عَاشَ . وَمِنْ عَادَته أَنْ يَحْرُس النِّيَام فَمَنْ قَامَ لِقَضَاءِ حَاجَته تَبِعَهُ وَذَلِكَ مِنْ شَهْوَته لِلْغَائِطِ لِأَنَّهُ قُوته . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ فِي سُنَنه وَهُوَ آخِر حَدِيث فِي جَامِعه قَبْل الْعِلَل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِر الْعَقَدِيّ أَخْبَرَنَا هِشَام بْن سَعْد عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَام يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْم جَهَنَّم أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَن عَلَى اللَّه مِنْ الْجُعَل الَّذِي يُدَهْدِه الْخِرَاء بِأَنْفِهِ " الْحَدِيث هَذَا حَدِيث

(2/470)


حَسَن حَدَّثَنَا هَارُون بْن مُوسَى بْن أَبِي عَلْقَمَة حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِشَام بْن سَعْد عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيث مُخْتَصَرًا وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن , وَسَعِيد الْمَقْبُرِيُّ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَة وَيَرْوِي عَنْ أَبِيهِ أَشْيَاء كَثِيرَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَقَدْ رَوَى سُفْيَان الثَّوْرِيُّ وَغَيْر وَاحِد هَذَا الْحَدِيث عَنْ هِشَام بْن سَعْد عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو حَدِيث أَبِي عَامِر عَنْ هِشَام بْن سَعْد اِنْتَهَى كَلَامه . وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّان أَيْضًا . وَفِي مُسْنَد أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَشُعَب الْإِيمَان عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَفْخَرُوا بِآبَائِكُمْ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَا يُدَحْرِج الْجُعَل بِأَنْفِهِ خَيْر مِنْ آبَائِكُمْ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة " وَرَوَى الْبَزَّار فِي مُسْنَده عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلّكُمْ بَنُو آدَم وَآدَم مِنْ تُرَاب لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْم يَفْخَرُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَن عَلَى اللَّه مِنْ الْجِعْلَان " اِنْتَهَى . وَقَوْله فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ " يُدَهْدِه " قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الدُّرّ النَّثِير تَلْخِيص نِهَايَة اِبْن الْأَثِير : قَدْ دَهْدَيْت الْحَجَر وَدَهْدَهْته فَتَدَهْدَهَ دَحْرَجْته فَتَدَحْرَجَ وَلِمَا يُدَهْدِه الْجُعَل أَيْ يُدَحْرِجهُ مِنْ السِّرْجِين اِنْتَهَى . قَالَ الْقَارِي : شَبَّهَ

(2/471)


الْمُفْتَخِرِينَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة بِالْجِعْلَانِ , وَآبَاءَهُمْ الْمُفْتَخَر بِهِمْ بِالْعَذِرَةِ , وَنَفْس اِفْتِخَارهمْ بِهِمْ بِالدَّفْعِ وَالدَّهْدَهَة بِالْأَنْفِ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحَد الْأَمْرَيْنِ وَاقِع الْبَتَّة إِمَّا الِانْتِهَاء عَنْ الِافْتِخَار أَوْ كَوْنهمْ أَذَلّ عِنْد اللَّه تَعَالَى مِنْ الْجِعْلَانِ الْمَوْصُوفَة اِنْتَهَى . قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ يَزِيد بْن نَعَامَة الضَّبِّيّ . قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا آخَى الرَّجُل الرَّجُل , فَلْيَسْأَلْهُ عَنْ اِسْمه وَاسْم أَبِيهِ ؟ وَمِمَّنْ هُوَ ؟ فَإِنَّهُ أَصْل لِلْمَوَدَّةِ " وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : عَنْ أَنَس " أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَتَى السَّاعَة ؟ قَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَعْدَدْت لَهَا ؟ قَالَ حُبّ اللَّه وَرَسُوله , قَالَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْت " . وَفِي رِوَايَة " مَا أَعْدَدْت لَهَا مِنْ كَثِير صَوْم وَلَا صَدَقَة , وَلَكِنِّي أُحِبّ اللَّه وَرَسُوله " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْمَرْء مَعَ مَنْ أَحَبَّ " . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث ابْن زِرّ بْن حُبَيْشٍ عَنْ صَفْوَان بْن عَسَّال قَالَ " جَاءَ أَعْرَابِيّ جَهْوَرِيّ الصَّوْت : يَا مُحَمَّد , الرَّجُل يُحِبّ الْقَوْم وَلَا يَلْحَق بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَرْء مَعَ مَنْ أَحَبَّ " قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة

(2/472)


قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول يَوْم الْقِيَامَة : أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي ؟ الْيَوْم أُظِلّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْم لَا ظِلّ إِلَّا ظِلِّي " . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " قَالَ اللَّه تَعَالَى : الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِر مِنْ نُور , يَغْبِطهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشُّهَدَاء " قَالَ : وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , وَأَبِي مَسْعُود , وَعُبَادَةَ بْن الصَّامِت , وَأَبِي هُرَيْرَة , وَأَبِي مَالِك الْأَشْعَرِيّ وَهَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ثَلَاث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَة الْإِيمَان : أَنْ يَكُون اللَّه وَرَسُوله أَحَبّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا , وَأَنْ يُحِبّ الْمَرْء لَا يُحِبّهُ إِلَّا لِلَّهِ , وَأَنْ يَكْرَه أَنْ يَعُود فِي الْكُفْر بَعْد أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّه مِنْهُ , كَمَا يَكْرَه أَنْ يُقْذَف فِي النَّار " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " سَبْعَة يُظِلّهُمْ اللَّه فِي ظِلّه يَوْم لَا ظِلّ إِلَّا ظِلّه : إِمَام عَادِل , وَشَابّ نَشَأَ فِي عِبَادَة اللَّه , وَرَجُل قَلْبه مُعَلَّق فِي الْمَسَاجِد , وَرَجُلَانِ تَحَابًّا فِي اللَّه : اِجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ , وَرَجُل دَعَتْهُ اِمْرَأَة ذَات مَنْصِب وَجَمَال , فَقَالَ : إِنِّي أَخَاف اللَّه , وَرَجُل تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَاله مَا تُنْفِق يَمِينه , وَرَجُل ذَكَرَ اللَّه خَالِيًا فَفَاضَتْ

(2/473)


عَيْنَاهُ " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا , وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى شَيْء إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ : أَفْشُوا السَّلَام بَيْنكُمْ " . وَرَوَى مَالِك فِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ أَبِي إِدْرِيس الْخَوْلَانِيِّ قَالَ " دَخَلْت مَسْجِد دِمَشْق فَإِذَا فَتًى بَرَّاق الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاس مَعَهُ , وَإِذَا اِخْتَلَفُوا فِي شَيْء أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيه فَسَأَلْت عَنْهُ ؟ فَقِيلَ : هَذَا مُعَاذ بْن جَبَل فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد هَجَّرْت , فَوَجَدْته قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ , وَوَجَدْته يُصَلِّي , فَانْتَظَرْته حَتَّى قَضَى صَلَاته , ثُمَّ جِئْته مِنْ قِبَل وَجْهه , فَسَلَّمْت عَلَيْهِ . ثُمَّ قُلْت : وَاَللَّه إِنِّي لَأُحِبّك , فَقَالَ آللَّه ؟ قُلْت : آللَّه , فَقَالَ آللَّه قُلْت آللَّه فَأَخَذَ بِحَبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ , فَقَالَ أَبْشِرْ , فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ , وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ , وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ , وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ " . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَة أُخْرَى , فَأَرْصَدَ اللَّه عَلَى مَدْرَجَته مَلَكًا , فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيد ؟ قَالَ أُرِيد أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَة , قَالَ هَلْ لَك عَلَيْهِ نِعْمَة تَرُبّهَا ؟ قَالَ لَا غَيْر أَنِّي

(2/474)


أَحْبَبْته فِي اللَّه تَعَالَى , قَالَ فَإِنِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْك بِأَنَّ اللَّه قَدْ أَحَبَّك كَمَا أَحْبَبْته فِيهِ " . وَالرَّابِعَة : لَوْ حَلَفْت عَلَيْهَا لَرَجَوْت أَنْ لَا آثَم : لَا يَسْتُر اللَّه عَلَى عَبْد فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْم الْقِيَامَة " فَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهَذَا الْحَدِيث عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشه فَاحْفَظُوهُ " . قَالَ الشَّيْخ الْحَافِظ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : لِلْأُمِّ ثَلَاثَة أَرْبَاع الْبِرّ . وَقَالَ أَيْضًا " الطَّاعَة لِلْأَبِ وَالْبِرّ لِلْأُمِّ " وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر " أَطِعْ أَبَاك " لَمَّا أَمَرَهُ عُمَر بْنُ الْخَطَّاب بِطَلَاقِ زَوْجَته . وَقَدْ رَوَى اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ " يَا رَسُول اللَّه , مَا حَقّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدهمَا ؟ قَالَ : هُمَا جَنَّتك وَنَارك " . وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " الْوَالِد أَوْسَط أَبْوَاب الْجَنَّة , فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَاب أَوْ اِحْفَظْهُ " . قَالَ الشَّيْخ الْإِمَام اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَنَا وَهُوَ , وَضَمَّ أَصَابِعه " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " جَاءَتْنِي اِمْرَأَة وَمَعَهَا اِبْنَتَانِ لَهَا , فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِد عِنْدِي شَيْئًا غَيْر تَمْرَة , فَأَعْطَيْتهَا إِيَّاهَا , فَأَخَذَتْهَا

(2/475)


فَقَسَمَتْهَا بَيْن اِبْنَتَيْهَا , وَلَمْ تَأْكُل مِنْهَا شَيْئًا , ثُمَّ قَامَتْ , فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا , فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَحَدَّثْته حَدِيثهَا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَات بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّار " . وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ عَالَ ثَلَاثَة مِنْ الْأَيْتَام كَانَ كَمَنْ قَامَ لَيْله وَصَامَ نَهَاره , وَغَدَا وَرَاحَ شَاهِرًا سَيْفه فِي سَبِيل اللَّه , وَكُنْت أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّة أَخَوَانِ كَهَاتَيْنِ أُخْتَانِ , وَأَلْصَقَ إِصْبَعَيْهِ : السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى " . وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة يَرْفَعهُ : " خَيْر بَيْت فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْت فِيهِ يَتِيم يُحْسَن إِلَيْهِ . وَشَرّ بَيْت فِي الْمُسْلِمِينَ : بَيْت فِيهِ يَتِيم يُسَاء إِلَيْهِ " . وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَا زَالَ جِبْرِيل يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ " . وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي شُرَيْح أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَاَللَّه لَا يُؤْمِن , وَاَللَّه لَا يُؤْمِن , وَاَللَّه لَا يُؤْمِن . قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ : الَّذِي لَا يَأْمَن جَاره بَوَائِقه " لَفْظ الْبُخَارِيّ . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَبَا ذَرّ إِذَا طَبَخْت مَرَقًا فَأَكْثِرْهَا

(2/476)


وَتَعَاهَدْ جِيرَانك " . وَفِي لَفْظ لَهُ " إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي : إِذَا طَبَخْت مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ , ثُمَّ اُنْظُرْ أَهْل بَيْت مِنْ جِيرَانك فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ " . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : " كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : يَا نِسَاء الْمُسْلِمَات لَا تَحْقِرَنَّ جَارَة لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِن شَاة " . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث مُرَّة الطَّيِّب عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَدْخُل الْجَنَّة سَيِّئ الْمَلَكَة قَالُوا يَا رَسُول اللَّه أَلَيْسَ أَخْبَرْتنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّة أَكْثَر الْأُمَم مَمْلُوكِينَ وَيَتَامَى ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَأَكْرِمُوهُمْ كَكَرَامَةِ أَوْلَادكُمْ , وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ . قَالُوا : فَمَا يَنْفَعنَا فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ : فَرَس تَرْتَبِطهُ تُقَاتِل عَلَيْهِ فِي سَبِيل اللَّه , مَمْلُوكك يَكْفِيك , فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ أَخُوك " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا صَنَعَ لِأَحَدِكُمْ خَادِمه طَعَامه ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ , وَقَدْ وَلِيَ حَرّه وَدُخَانه , فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ , فَلْيَأْكُلْ , فَإِنْ كَانَ الطَّعَام مَشْفُوهًا قَلِيلًا فَلْيَضَعْ فِي يَده مِنْهُ أَكْلَة أَوْ أَكْلَتَيْنِ " لَفْظ مُسْلِم . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِلْمَمْلُوكِ طَعَامه وَكِسْوَته , وَلَا يُكَلَّف مِنْ الْعَمَل إِلَّا مَا يُطِيق " . وَأَخْرَجَا عَنْ اِبْن

(2/477)


عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا أَدَّى الْعَبْد حَقّ اللَّه وَحَقّ مَوَالِيه كَانَ لَهُ أَجْرَانِ - زَادَ مُسْلِم - فَحَدَّثْت بِهِ كَعْبًا , فَقَالَ كَعْب : لَيْسَ عَلَيْهِ حِسَاب وَلَا عَلَى مُؤْمِن مِنْ هَذَا " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوك الْمُصْلِح أَجْرَانِ , وَاَلَّذِي نَفْس أَبِي هُرَيْرَة بِيَدِهِ , لَوْلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَالْحَجّ وَبِرّ أُمِّي لَأَحْبَبْت أَنْ أَمُوت وَأَنَا مَمْلُوك " . زَادَ مُسْلِم عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب : وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة لَمْ يَكُنْ يَحُجّ حَتَّى مَاتَتْ أُمّه لِصُحْبَتِهَا . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لِلْمَمْلُوكِ الَّذِي يُحْسِن عِبَادَة رَبّه , وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّده الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ وَالنَّصِيحَة وَالطَّاعَة : أَجْرَانِ " . وَلِمُسْلِمٍ بِمَعْنَاهُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثَة لَهُمْ أَجْرَانِ : رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ , وَالْعَبْد الْمَمْلُوك إِذَا أَدَّى حَقّ اللَّه وَحَقّ مَوَالِيه , وَرَجُل كَانَتْ لَهُ أَمَة فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبهَا , وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا : فَلَهُ أَجْرَانِ " . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : " أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(2/478)


بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْع : أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيض , وَاتِّبَاع الْجَنَائِز وَتَشْمِيت الْعَاطِس , وَنَصْر الضَّعِيف , وَعَوْن الْمَظْلُوم , وَإِفْشَاء السَّلَام , وَإِبْرَار الْقَسَم " . وَفِي جَامِع التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " يَا أَيّهَا النَّاس , أَفْشُوا السَّلَام , وَأَطْعِمُوا الطَّعَام , وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نِيَام , تَدْخُلُوا الْجَنَّة بِسَلَامٍ " قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث صَحِيح . وَفِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ الطُّفَيْل بْن أُبَيِّ بْن كَعْب " أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَبْد اللَّه بْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا , فَيَغْدُو مَعَهُ إِلَى السُّوق , قَالَ : فَإِذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوق لَمْ يَمُرّ عَبْد اللَّه عَلَى سَقَاط وَلَا صَاحِب بِيعَة وَلَا مِسْكِين , وَلَا أَحَد إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ , قَالَ الطُّفَيْل فَجِئْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَوْمًا فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوق , فَقُلْت لَهُ : وَمَا تَصْنَع بِالسُّوقِ , وَأَنْتَ لَا تَقِف عَلَى الْبَيِّع , وَلَا تَسْأَل عَنْ السِّلَع , وَلَا تَسُوم بِهَا , وَلَا تَجْلِس فِي مَجَالِس السُّوق ؟ قَالَ : وَأَقُول : اِجْلِسْ بِنَا هَاهُنَا نَتَحَدَّث . قَالَ : فَقَالَ لِي عَبْد اللَّه بْن عُمَر : يَا أَبَا بَطْن - وَكَانَ الطُّفَيْل ذَا بَطْن - إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْل السَّلَام نُسَلِّم عَلَى مَنْ لَقِينَا " . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : قُلْت : مَعْنَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْله " لِأَنَّ الْوَاو حَرْف الْعَطْف وَالْجَمْع بَيْن الشَّيْئَيْنِ " - أَنَّ الْوَاو فِي مِثْل هَذَا تَقْتَضِي تَقْرِير الْجُمْلَة الْأُولَى , وَزِيَادَة

(2/479)


الثَّانِيَة عَلَيْهَا , كَمَا إِذَا قُلْت : زَيْد كَاتِب , فَقَالَ الْمُخَاطَب : وَشَاعِر وَفَقِيه : اِقْتَضَى ذَلِكَ تَقْرِير كَوْنه كَاتِبًا , وَزِيَادَة كَوْنه شَاعِرًا وَفَقِيهًا , وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْت لِرَجُلٍ : فُلَان أَخُوك . فَقَالَ : وَابْن عَمِّي - كَانَ ذَلِكَ تَقْرِيرًا لِكَوْنِهِ أَخَاهُ وَزِيَادَة كَوْنه اِبْن عَمّه . وَمِنْ هَاهُنَا اِسْتَنْبَطَ أَبُو الْقَاسِم السُّهَيْلِيُّ : أَنَّ عِدَّة أَصْحَاب الْكَهْف سَبْعَة , قَالَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى حَكَى قَوْل مَنْ قَالَ : ثَلَاثَة , وَخَمْسَة , وَلَمْ يَذْكُر الْوَاو فِي قَوْله ( رَابِعهمْ ) ( سَادِسهمْ ) وَحَكَى قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ سَبْعَة , ثُمَّ قَالَ ( وَثَامِنهمْ كَلْبهمْ ) قَالَ لِأَنَّ الْوَاو عَاطِفَة عَلَى كَلَام مُضْمَر , تَقْدِيره نَعَمْ وَثَامِنهمْ كَلْبهمْ . وَذَلِكَ أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ : إِنَّ زَيْدًا شَاعِر , فَقُلْت لَهُ وَفَقِيه , كُنْت قَدْ صَدَّقْته , كَأَنَّك قُلْت نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ وَفَقِيه أَيْضًا . وَفِي الْحَدِيث " سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفَضَلَتْ الْحُمُر ؟ قَالَ وَبِمَا أَفْضَلَتْ السِّبَاع يُرِيد نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتْ السِّبَاع " أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ . وَفِي التَّنْزِيل { وَارْزُقْ أَهْله مِنْ الثَّمَرَات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرّهُ إِلَى عَذَاب النَّار وَبِئْسَ الْمَصِير } هُوَ مِنْ هَذَا الْبَاب . وَفِيمَا قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ نَظَر . فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَتِمّ إِذَا كَانَ حَرْف الْعَطْف بَيْن كَلَامَيْنِ لِمُتَكَلِّمَيْنِ . وَهُوَ نَظِير مَا اِسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ الْآيَة . وَأَمَّا إِذَا كَانَ مِنْ مُتَكَلِّم

(2/480)


وَاحِد لَمْ يَلْزَم ذَلِكَ , كَمَا إِذَا قُلْت : زَيْد فَقِيه وَكَاتِب وَشَاعِر . وَالْآيَة لَيْسَ فِيهَا أَنَّ كَلَامهمْ اِنْتَهَى إِلَى قَوْله ( سَبْعَة ) ثُمَّ قَرَّرَهُمْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ ( وَثَامِنهمْ كَلْبهمْ ) بَلْ سِيَاق الْآيَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ كَلَامهمْ , وَأَنَّ جَمِيعه دَاخِل تَحْت الْحِكَايَة , فَهُوَ كَقَوْلِ مَنْ قَبْلهمْ مَعَ اِقْتِرَانه بِالْوَاوِ . أَمَّا هَذَا الْحَدِيث فِي رَدّ السَّلَام فَإِدْخَال الْوَاو فِيهِ لَا يَقْتَضِي اِشْتِرَاكًا مَعَهُمْ فِي مَضْمُون هَذَا الدُّعَاء , وَإِنْ كَانَ كَلَامَيْنِ لِمُتَكَلِّمَيْنِ , بَلْ غَايَته : التَّشْرِيك فِي نَفْس الدُّعَاء . هَذَا لِأَنَّ الدُّعَاء الْأَوَّل قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ , وَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِمْ نَظِيره حَصَلَ الِاشْتِرَاك فِي نَفْس الدُّعَاء . وَلَا يَسْتَلْزِم ذَلِكَ الِاشْتِرَاك مَعَهُمْ فِي مَضْمُونه وَمُقْتَضَاهُ إِذْ غَايَته أَنَّا نَرُدّ عَلَيْكُمْ كَمَا قُلْتُمْ لَنَا . وَإِذَا كَانَ " السَّام " مَعْنَاهُ الْمَوْت - كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فِيهِ - فَالِاشْتِرَاك ظَاهِر . وَالْمَعْنَى أَنَّا لَسْنَا نَمُوت دُونكُمْ , بَلْ نَحْنُ نَمُوت وَأَنْتُمْ أَيْضًا تَمُوتُونَ , فَلَا مَحْذُور فِي دُخُول الْوَاو عَلَى كُلّ تَقْدِير , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَكْثَر الْأَئِمَّة رَوَاهُ بِالْوَاوِ . قَالَ الْحَافِظ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " قَدِمَ زَيْد بْن حَارِثَة الْمَدِينَة , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فَأَتَاهُ , فَقَرَعَ الْبَاب , فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرّ ثَوْبه فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ " وَقَالَ حَدِيث حَسَن

(2/481)


. وَأَخْرَجَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْط مُسْلِم عَنْ أَنَس قَالَ : " لَمْ يَكُنْ شَخْص أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ , لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَته لِذَلِكَ " قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه . وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث سُفْيَان - وَهُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ حَبِيب بْن الشَّهِيد عَنْ أَبِي مِجْلَز قَالَ " خَرَجَ مُعَاوِيَة , فَقَامَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَابْن صَفْوَان حِين رَأَوْهُ فَقَالَ اِجْلِسَا , سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّل لَهُ الرِّجَال قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار " قَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن . حَدَّثَنَا هَنَّاد حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة عَنْ حَبِيب بْن الشَّهِيد عَنْ أَبِي مِجْلَز عَنْ مُعَاوِيَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . وَهَذَا الْإِسْنَاد عَلَى شَرْط الصَّحِيح قَالَ : وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي أُمَامَةَ . وَفِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُوم الرَّجُل لِلرَّجُلِ فِي حَضْرَته وَهُوَ قَاعِد , فَإِنَّ مُعَاوِيَة رَوَى الْخَبَر لَمَّا قَامَا لَهُ حِين خَرَجَ . وَأَمَّا الْأَحَادِيث الْمُتَقَدِّمَة فَالْقِيَام فِيهَا عَارِض لِلْقَادِمِ . مَعَ أَنَّهُ قِيَام إِلَى الرَّجُل لِلِقَائِهِ لَا قِيَامًا لَهُ , وَهُوَ وَجْه حَدِيث فَاطِمَة . فَالْمَذْمُوم : الْقِيَام لِلرَّجُلِ . وَأَمَّا الْقِيَام إِلَيْهِ لِلتَّلَقِّي إِذَا قَدِمَ : فَلَا بَأْس بِهِ . وَبِهَذَا تَجْتَمِع الْأَحَادِيث . وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَحُكِيَ عَنْ شُعْبَة قَالَ :

(2/482)


سَأَلْت عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة فَقَالَ : يُعْرَف وَيُنْكَر . هَذَا آخِر كَلَامه . وَهَذَا الْحَدِيث يَرْوِيه شُعْبَة عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة عَنْ صَفْوَان بْن عَسَّال . وَفِي نَفْس الْحَدِيث : مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مُنْكَر جِدًّا , فَإِنَّ فِيهِ " أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ تِسْع آيَات بَيِّنَات ؟ فَقَالَ لَهُمْ : لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا , وَلَا تَسْرِقُوا , وَلَا تَزْنُوا , وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ - إِلَى آخِره " وَالْآيَات التِّسْع الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن : إِنَّمَا كَانَتْ آيَات نُبُوَّته , وَمُعْجِزَات صِدْقه , كَالْعَصَا , وَالْيَد , وَبَاقِي الْآيَات . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْن إِنِّي لَأَظُنّك يَا مُوسَى مَسْحُورًا قَالَ لَقَدْ عَلِمْت مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بَصَائِر وَإِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا } : فَهَذِهِ آيَات النُّبُوَّة قَبْل نُزُول آيَات الْحُكْم وَالشَّرْع . وَهَذَا بَيِّن بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى .

(2/483)


قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَر . فَقَالَ : إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّه بَيْن أَنْ يُؤْتِيه مِنْ زَهْرَة الدُّنْيَا , وَبَيْن مَا عِنْده , فَاخْتَارَ مَا عِنْده , فَبَكَى أَبُو بَكْر , وَقَالَ : فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا الْحَدِيث " . وَهَذَا كَانَ بَعْد إِسْلَام أَبِي قُحَافَة , فَإِنَّهُ خَطَبَ بِهَذِهِ الْخُطْبَة قُبَيْل وَفَاته بِقَلِيلٍ . وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيث الزُّبَيْر وَأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذ بِهِ مِنْهُ . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : عَلَى قَوْل الْمُنْذِرِيِّ .
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر " أَنَّهُمْ لَمَّا صَلَّوْا خَلْفه . قَالَ : فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ : إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا أَنْ تَفْعَلُوا فِعْل فَارِس وَالرُّوم الْحَدِيث " . وَحَمْل أَحَادِيث النَّهْي عَنْ الْقِيَام عَلَى مِثْل هَذِهِ الصُّورَة مُمْتَنِع . فَإِنَّ سِيَاقهَا يَدُلّ عَلَى خِلَافه , وَإِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْقِيَام لَهُ إِذَا خَرَجَ عَلَيْهِمْ . وَلِأَنَّ الْعَرَب لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ هَذَا , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فِعْل فَارِس وَالرُّوم . وَلِأَنَّ هَذَا لَا يُقَال لَهُ : قِيَام لِلرَّجُلِ , إِنَّمَا هُوَ قِيَام عَلَيْهِ . فَفَرْق بَيْن الْقِيَام لِلشَّخْصِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ . وَالْقِيَام عَلَيْهِ : الْمُشَبِّه لِفِعْلِ فَارِس وَالرُّوم , وَالْقِيَام إِلَيْهِ عِنْد قُدُومه الَّذِي هُوَ سُنَّة الْعَرَب . وَأَحَادِيث الْجَوَاز تَدُلّ عَلَيْهِ فَقَطْ .

(2/484)


قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أُمّ شَرِيك " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغ , وَقَالَ : كَانَ يَنْفُخ عَلَى إِبْرَاهِيم " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا " اِسْتَأْمَرْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْل الْأَوْزَاغ , فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا " .
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه :
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أُمّ شَرِيك " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغ , وَقَالَ : كَانَ يَنْفُخ عَلَى إِبْرَاهِيم " .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا " اِسْتَأْمَرْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْل الْأَوْزَاغ , فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا ".
فِي آخِر نُسخَةِ (تَهذيبِ السُّنَنِ) لِلإمامِ ابنِ القَيِّم ما نَصُّهُ :
( تَمَّ الكِتابُ بِحَمدِ اللهِ ومَنِّهِ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى عَبدِ اللهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ )
وَفِي النُّسخَةِ الْمَنقولِ مِنها هذهِ النّسخَةِ ما صُورَتُهُ :
( قَالَ كاتِبُهُ مُحَمَّدُ بُنُ أَحمَدَ الْمَسعُودِيّ : هَذا آخِرُ ما كَتَبْتُهُ مِمَّا زادَهُ الشَّيخُ الإِمامُ العَلاَّمَةُ الحافِظُ الحُجَّةُ إمامُ الدُّنيا : شَمسُ الدِّينِ أَبُو عَبدِ اللهِ مُحَمَّدُ ، الشَّهيرُ بِـ(ابنِ القَيِّم الجَوزِيَّةِ) تَغَمَّدَهُ اللهُ تَعَالَى بِرَحمَتِهِ ، وَأسكَنَهُ بَحبُوحَةَ جَنَّتِهِ ) .

(2/485)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونة غريب القران مشمولة والفيزيا 3ث

  🆀غريب القران بيان غريب القران رائع ...